استفسار عن كتاب في التفسير النبوي للقرآن

إنضم
3 مارس 2007
المشاركات
344
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
الإقامة
الرياض
معاشر الإخوة والأخوات في هذا الصرح المبارك، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل هناك كتاب جمع و استقصى ما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام من التفسير للقرآن؟؟ رأيت السيوطي رحمه الله ختم الإتقان بذلك لكن هل هناك من استقصى و أوفى و رتب؟

جزاكم الله خيرا
 
بحثت بدوري فوجدت كتابا للشيخ سلمان العودة بهذا العنوان اكتشفته توا ولم أطلع عليه وسأفعل بإذن الله ، والكتاب سأرفقه لك .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى ، والصلاة والسلام على نبينا محمد
أما بعد:
أنا أقدر الدكتور سلمان العودة ، وأعرف مجهوده والحمد لله تعالى ، وعند اطلاعي على كتابه هذا تمنيت أن يترجم ، ولكن هناك مبحث تعجبت منه ولم أستوعبه ، وهو:
( أسباب اختلاف الصحابة في فهم القرآن الكريم )
ربما هو قصور في الفهم.
ولقد خجلت من مركز تفسير المسيطر على الملتقى ومن المشرف العام الدكتور الشهري ، لأني أشعر أنهم سيتحملون فوق طاقتهم بسبب استفساراتي ومناقشاتي ، لذلك أترك مقارنة ما قاله الدكتور سلمان العودة بما قاله كبار المفسرين .
للدكتور الشهري والطيار .
أما إذا سمحتم لي سأطرح وجهة نظري .
ـــ

أسباب اختلاف الصحابة في فهم القرآن الكريم:
إن الصحابة الكرام كانوا أكثر الناس فهمًا لكتاب الله عز وجل، ومع ذلك فإنهم كانوا يتفاوتون في فهمهم للقرآن الكريم لأسباب كثيرة؛ ولذلك كانوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن أشياء من القرآن مما يحتاجون إلى بيانه، فيبينه لهم، ومن أسباب اختلافهم - رضي الله عنهم - في فهمهم للكتاب العزيز:

أولاً: تفاوتهم في مداركهم وعقولهم:
فإن الله تعالى قسَّم بين الخلق أرزاقهم وأخلاقهم وعقولهم؛ فهذا عقله كبير عبقري نابغة، وآخر دون ذلك.
وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يشتركون في قدر من العلم بالقرآن، إلا أن بعضهم كان يفوق بعضًا في ذلك.
وفي الصحيحين أن عليًّا رضي الله عنه سئل: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ فقال: " والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما أعلمه إلا فهمًا يعطيه الله رجلاً في القرآن، وما في هذه الصحيفة" -إشارة إلى صحيفة معلَّقة في سيفه-، فقال السائل:"وما في هذه الصحيفة؟"، قال: "العقل -يعني الديات-، وفكاك الأسير، وألا يُقتل مسلم بكافر"(http://vb.tafsir.net/showthread.php?t=19714#_edn1).
والشاهد قوله: "إلا فهمًا يعطيه الله رجلاً في القرآن"، إذًا قد يُؤتى أحد الصحابة -أو غيرهم- من الفهم ما لم يؤته غيره.
وفي الصحيح أن ابن عباس رضي الله عنهما وضع للنبي صلى الله عليه وسلم طهوره، فقال: "من وضع هذا؟" قالوا: "ابن عباس"، وكان شابًّا دون الحُلُم في ذلك الوقت، فأُعجب النبي صلى الله عليه وسلم بعمله وذكائه وأدبه، فدعا له قائلاً: "اللهم فقِّههُ في الدين، وعلمه التأويل"([ii])، فكان ابن عباس رضي الله عنهما لا يشق له غبار في فهمه لكتاب الله تعالى، وله في ذلك قصص وأخبار، لعل من أعجبها وأطرفها قصته مع نافع بن الأزرق الخارجي.
وذلك أنه سأل ابن عباس عن أشياء كثيرة في كتاب الله عز وجل، وكلَّما أجابه قال: هل تعرف ذلك العرب في كلامها؟ فيقول: نعم، ثم يستشهد ابن عباس بأبيات من أبيات العرب، وهي من محفوظه، وهي عجب من العجب([iii]).
ولتفاوتهم في مداركهم تجد الاختلاف بينهم، فقد اختلف الصحابة في معاني آيات كثيرة، وفهم بعضهم من معاني الآيات خلاف ما تدل عليه، كما ستأتي الإشارة إلى ذلك.
ثانيًا: اختلافهم في فهم اللغة العربية:
فإنهم وإن كانوا عربًا إلا أنهم متفاوتون في التوسع في فهم اللغة العربية، وألفاظها، ومعانيها.
ولذلك جاء في تفسير الطبري وغيره: أن عمر بن الخطاب قرأ قول الله تعالى: (ثُمَّ شَقَقنَا الأرضَ شَقًّا.فَأَنبَتنَا فِيهَا حَبًّا.وَعِنَبًا وَقَضبًا.وَزَيتُونًا وَنَخلاً. وَحَدَائِقَ غُلبًا.وَفَاكِهَةً وَأَبًّا) [عبس:26-31]، فقال: "قد عرفنا الفاكهة، فما الأبّ؟"، ثم رجع إلى نفسه وقال: "والله إن هذا لهو التكَلُّف ياعمر!"([iv]).
فما كان يعرف الأبّ، أي نوع من أنواع النباتات هو؟([v]).
وفي رواية: أن أبا بكر رضي الله عنه سئل عن هذه الآية، فقال: "أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني، إن قلت في كتاب الله تعالى ما لا أعلم؟"([vi]).
فكانوا يتفاوتون في فهمهم للغة العربية، كما كانوا يتفاوتون في فهمهم لمراد الله تعالى بالآية.
وهذا عدي بن حاتم رضي الله عنه لمَّا سمع قول الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الأبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأسوَدِ مِنَ الفَجرِ) [البقرة:187]، فهم أن الخيط هو الحبل المعروف، فلمَّا نام وضع تحت وسادته حبلين: أحدهما أبيض والآخر أسود، فلما قام لكي يتسحر وضع الخيطين بجواره، وصار يأكل وينظر حتى أسفر، وصار يعرف الأبيض من الأسود.
فلمَّا أصبح غدا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبره بالخبر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار"([vii]) -الخيط الأبيض هو النهار والخيط الأسود هو الليل-، فإذا بان لك النهار -يعني طلع الصبح- فأمسِك.
فهذا من اختلافهم في فهم مراد الله تعالى؛ لأن اللغة العربية تحتمل أن يكون الخيط هو الحبل، ويحتمل أن يكون المقصود هو الليل والنهار، فعديٌّ فهم الأول، فبيَّن له الرسول عليه الصلاة والسلام أن المراد هو المعنى الثاني، ولا شك أن بقية الصحابة لم يفهموا هذا المعنى الذي فهمه عدي؛ ولذلك لم يقعوا في الأمر الذي وقع فيه.
ثالثًا: اختلافهم في معرفة التواريخ والأحداث والأخبار والعلوم الأخرى التي يستفاد منها في فهم القرآن الكريم:
وفي صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى نصارى نجران يدعوهم إلى الإسلام ويعلِّمهم، فكان من ضمن ما قرأ عليهم المغيرة بن شعبة سورة مريم: (يَا أُختَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امرَأَ سَوءٍ وَمَا كَانَت أُمُّكِ بَغِيًّا) [مريم:28]، فقال النصارى: "يا مغيرة، كيف يقول: يا أخت هارون، ومريم بينها وبين هارون قرون متطاولة؟!".
فتحيَّر المغيرة رضي الله عنه ولم يستطع أن يجيبهم، فجاء للنبي صلى الله عليه وسلم وسأله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "كانوا يسمّون بأنبيائهم والصالحين قبلهم"([viii])، فحلَّ له الإشكال، وبيَّن له أن هارون المذكور في الآية ليس هارون أخا موسى؛ بل هارون آخر سموه عليه؛ لأنهم كانوا يسمون بأسماء الأنبياء؛ ولذلك يكثر مثلاً في اليهود اسم موسى وهارون.
ولا شك أن المغيرة لو كان يعلم هذا لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه، لكن لمَّا سأله النصارى وقع عنده الإشكال، فسأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأجابه.
* * *

 
التفسير النبوي للقرآن الكريم هو الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير القرآن، وهو قليلٌ جداً ، وهو أخصُّ من التفسير بالسنة النبوية الذي يدخل فيه ما يجتهد المفسرون في ضمه للتفسير من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم غير الصريحة في التفسير.
ولذلك فالمادة العلمية لهذا التفسير قليلة جداً، وهي أمثلة محدودة متداولة في كتب التفسير وعلوم القرآن، وقد كتب في ذلك عدد من الباحثين ، ويوجد عندي في مكتبتي عدة كتب في ذلك لم أهتد الآن لها ولا أتذكر أسماء مؤلفيها، ولعلي أحلقها لاحقاً إن شاء الله.
وأما كتاب الدكتور سلمان العودة فقد رأيته ولم أطلع عليه كاملاً ، والمبحث المنقول منه لا غرابة فيه ، فما أدري ما وجه عدم فهمك له يا أم الأشبال ؟
 
جزاكم الله خيرا، بالنسبة لكتاب الشيخ سلمان هو عندي بأصله الذي هو محاضرة قديمة للشيخ:
http://islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=98
لكن نريد بحثا مستوفيا - و هو كما ذكرت ِشيخنا الكريم بقولك :
التفسير بالسنة النبوية الذي يدخل فيه ما يجتهد المفسرون في ضمه للتفسير من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم غير الصريحة في التفسير.
أي أن المقصود كتاب يحوي التفسير بالسنة النبوية فيما اجتهد فيه العلماء من أنه تفسير للقرآن بنصوص السنة مضموما له ما فسره النبي عليه الصلاة والسلام

 
ولكنَّ هذا ليس تفسيراً نبوياً بمعناه الاصطلاحي أخي العزيز، وفيه توسيع لدائرة التفسير النبوي، وحملٌ لاجتهادات المفسرين على التفسير النبويِّ.
وعلى كل حال فقد كتب فيه أيضاً كتب حاولت استقصاء التفسير بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين في التفسير ، مثل تفسير هشام آل عقدة في أربعة مجلدات .
ولعل أخي الدكتور خالد الباتلي يجيب بدقة فقد اشتغل بدراسة الأحاديث المرفوعة في التفسير في رسالته للدكتوراه وسأحيل الموضوع إلى فضيلته للنظر فيه .
 
للأستاذ الدكتور حسن المناعي التونسي (محقق جزء تفسير ابن عرفة) حفظه الله تعالى عمل مهم في هذا الصدد، وهو تنزيل كل الأحاديث الواردة في الكتب الحديثية التسع والمتعلقة بالقرآن بكل ما يناسبها من الآيات القرآنية.
وقد أطلعني على العمل وهو كبير مفيد جدا في بابه، استغرق العمل فيه سنوات، لا سيما أن إنجازه بدأ قبل ظهور الموسوعات الالكترونية، اي على منهج البحث القديم الأصيل.
أسأل الله تعالى أن يوفق الدكتور حسن لتنقيحه ونشره..
 
وأما كتاب الدكتور سلمان العودة فقد رأيته ولم أطلع عليه كاملاً ، والمبحث المنقول منه لا غرابة فيه ، فما أدري ما وجه عدم فهمك له يا أم الأشبال ؟

سأبين سبب استغرابي شيخنا الفاضل أبا عبدالله.

أولا: النقطة الأولى تفاوت مداركه وعقولهم .
ما فائدة هذه النقطة هنا ، الأمثلة التي رصها الدكتور سلمان ، لا تبين مراده ، ما قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه في ما يخص الفهم الذي يرزقه الله لبعض عباده ، هل هذا يخص المدارك والعقول أم يخص الرزق الذي يأذن به الله تعالى ، وقد يحرم أذكى الناس وأكثرهم إدراكا من هذا الرزق .
أما ما يخص ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه ، فقد قرأت أو سمعت الآن نسيت الدكتور الطيار يشير إلى أنا إذا قدمنا قوله على أساس دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم فكأنا نقول إنه معصوم " أهــ والحكم عند الخلاف أوالاختلاف بين الصحابة كما يقول أهل الاصول التحاكم للأدلة والنصوص .
 
هذا بيان ببعض الدراسات التي اطلعت عليها:
1- التفسير النبوي في القرآن الكريم من اول القرآن إلى آخر سورة الكهف، رسالة ماجستير في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة،وقد وتوقشت عام 1402هـ.
2- التفسير النبوي في القرآن الكريم، من أول سورة مريم إلى آخر القرآن الكريم، رسالة دكتوراه في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، نوقشت عام 1408هـ وكلاهما للباحث: عواد العوفي، وقد اعتنى بجمع الوارد من التفسير النبوي الصريح.
3- التفسير النبوي للقرآن الكريم، وموقف المفسرين منه، للدكتور محمد إبراهيم عبد الرحمن، وقد اختار المؤلف نماذج من المفسرين وبين موقفهم من الاحتجاج بالتفسير النبوي باختصار.
4- التفسير النبوي خصائصه ومصادره للدكتور محمد عبد الرحيم، وقد تعرض المؤلف لمصادر التفسير النبوي، وخصائصه، وموقف المفسرين منه باختصار، ثم نقل ما ذكره البخاري والترمذي من التفاسير النبوية.
5- الصحيح المسند من التفسير النبوي لأبي محمد السيد إبراهيم، جمع فيه المؤلف ما صح عنده من التفسير النبوي.

ويلاحظ على هذه الدراسات ما يلي :

الأولى: أنها اقتصرت في الغالب على جمع المرويات الواردة في التفسير النبوي دون دراسة لها وربط بينها وبين الآيات.
الثانية: أنها اقتصرت على التفسير النبوي الصريح، وهو: ما صدر عن النبي  صريحاً في إرادة التفسير.

وقد سبق الحديث عن هذا الموضوع في الرابط التالي :

http://tafsir.net/vb/showthread.php?p=49485
 
ثانيًا: ما يخص اختلافهم في فهم اللغة العربية:

النقطة الأولى:
قال الشيخ الكريم سلمان العودة :
"ولذلك جاء في تفسير الطبري وغيره: أن عمر بن الخطاب قرأ قول الله تعالى: (ثُمَّ شَقَقنَا الأرضَ شَقًّا.فَأَنبَتنَا فِيهَا حَبًّا.وَعِنَبًا وَقَضبًا.وَزَيتُونًا وَنَخلاً. وَحَدَائِقَ غُلبًا.وَفَاكِهَةً وَأَبًّا) [عبس:26-31]، فقال: "قد عرفنا الفاكهة، فما الأبّ؟"، ثم رجع إلى نفسه وقال: "والله إن هذا لهو التكَلُّف ياعمر!".
فما كان يعرف الأبّ، أي نوع من أنواع النباتات هو؟." أهــ
قال ابن كثير:
وهذا محمول على أنه أراد أن يعرف شكله وجنسه وعينه، وإلا فهو وكل من قرأ هذه الآية يعلم أنه من نبات الأرض، لقوله: ( فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ).
قال صاحب التحرير والتنوير:
والذي يظهر لي في انتفاء علم الصديق والفاروق بمدلول الأبّ وهما من خُلّص العرببِ لأحد سببين :.......
وإما لأن كلمة الأبّ تطلق على أشياء كثيرة منها النبت الذي ترعاه الأنعام ، ومنها التبن ، ومنها يابس الفاكهة ، فكان إمساك أبي بكر وعمر عن بيان معناه لعدم الجزم بما أراد الله منه على التعيين ، وهل الأبّ مما يرجع إلى قوله : { متاعاً لكم } أو إلى قوله : { ولأنعامكم } في جمْع ما قُسِّم قبله ...." أهــ
وهذا كلام وجيه جدا في وجهة نظري.
وورد في تفسير السعدي :
والأب: ما تأكله البهائم والأنعام، ولهذا قال: { مَتَاعًا لَكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ } التي خلقها الله وسخرها لكم." أهـ
ولا يوجد خلاف بين الصحابة في معنى الأب ؟
فهل فهم ما قصدت ؟ أين يظهر اختلافهم في فهم اللغة من خلال هذا المثال ؟
أما النقطة الثانية :
قال الدكتور سلمان العودة :
" وهذا عدي بن حاتم رضي الله عنه لمَّا سمع قول الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الأبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأسوَدِ مِنَ الفَجرِ) [البقرة:187]، فهم أن الخيط هو الحبل المعروف، فلمَّا نام وضع تحت وسادته حبلين: أحدهما أبيض والآخر أسود، فلما قام لكي يتسحر وضع الخيطين بجواره، وصار يأكل وينظر حتى أسفر، وصار يعرف الأبيض من الأسود.
فلمَّا أصبح غدا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبره بالخبر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار"-الخيط الأبيض هو النهار والخيط الأسود هو الليل-، فإذا بان لك النهار -يعني طلع الصبح- فأمسِك.
فهذا من اختلافهم في فهم مراد الله تعالى؛ لأن اللغة العربية تحتمل أن يكون الخيط هو الحبل، ويحتمل أن يكون المقصود هو الليل والنهار" أهــ
قال ابن كثير:
أن يتبين ضياءُ الصباح من سواد الليل، وعبر عن ذلك بالخيط الأبيض من الخيط الأسود، ورفع اللبس بقوله: { مِنَ الْفَجْرِ } كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أبو عبد الله البخاري: حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا أبو غَسَّان محمد بن مُطَرِّف، حدثني أبو حازم، عن سهل بن سعد، قال: أنزلت: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ } ولم يُنزلْ { مِنَ الْفَجْرِ } وكان رجال إذا أرادوا الصوم، رَبَطَ أحدُهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، فلا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد: { مِنَ الْفَجْرِ } فعلموا أنما يعني: الليل والنهار
( رواه البخاري ) " أهــ
وواضح من خلال هذا الكلام أن اللبس لم يكن بسبب اختلافهم في فهم اللغة ؟
 
ثالثًا: ما يخص اختلافهم في معرفة التواريخ والأحداث والأخبار والعلوم الأخرى التي يستفاد منها في فهم القرآن الكريم :
قال الدكتور سلمان العودة:
"وفي صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى نصارى نجران يدعوهم إلى الإسلام ويعلِّمهم، فكان من ضمن ما قرأ عليهم المغيرة بن شعبة سورة مريم: (يَا أُختَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امرَأَ سَوءٍ وَمَا كَانَت أُمُّكِ بَغِيًّا) [مريم:28]، فقال النصارى: "يا مغيرة، كيف يقول: يا أخت هارون، ومريم بينها وبين هارون قرون متطاولة؟!".
فتحيَّر المغيرة رضي الله عنه ولم يستطع أن يجيبهم، فجاء للنبي صلى الله عليه وسلم وسأله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "كانوا يسمّون بأنبيائهم والصالحين قبلهم" ، فحلَّ له الإشكال، وبيَّن له أن هارون المذكور في الآية ليس هارون أخا موسى؛ بل هارون آخر سموه عليه؛ لأنهم كانوا يسمون بأسماء الأنبياء؛ ولذلك يكثر..." أهــ
وهنا الحديث المرفوع الذي ورد في الصحيح حسم الأمر كما أشار ابن جرير الطبري ، ولكن الصحابة لم يكونوا على معرفة بكتب أهل الكتاب وما حصل معهم ،إلا ما كان من الصحابة الذين دخلوا الإسلام وهم أصلا كانوا من أهل الكتاب ، فالخلاف ليس تاريخي ، بل ما حدث مقارنة بين ما ورد في كتاب اليهود وبين القرآن الكريم.
وما دل على هذا المعنى ما حصل بين أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وكعب الأحبار، وقد رواه ابن جرير الطبري ، ونقله ابن كثير في تفسيره ، ونصه:
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن سعيد بن أبي صدقة، عن محمد بن سيرين، قال: نبئت أن كعبا قال: إن قوله ( يَاأُخْتَ هَارُونَ ) ليس بهارون أخي موسى، قال: فقالت له عائشة: كذبت، قال : يا أمّ المؤمنين ، إن كان النبيّ صلى الله عليه وسلم قاله فهو أعلم وأخبر، وإلا فإني أجد بينهما ستّ مئة سنة، قال: فسكتت." أهــ
ورد عائشة أم المؤمنين يذكرنا بما ورد في الأثر فيما يخص أهل الكتاب :
فقد روى البخاري بإسناده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
" كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ الْآيَةَ "
هذا والله أعلم وأحكم، فإن كان صوابا ما قلت فبفضل الله تعالى ، وإن كان خطأ فمن نفسي ومن الشيطان .
 
لم أشأ أن أعلق بعد أن تم المقصود لولا أن أخي الكريم/ عبد الرحمن أشار علي وإشارته أمر، وأقول إن هناك محاولات في هذا الباب ومنها – غير ما ذكره الشيخ إبراهيم الحميضي -:
1. التفسير الصحيح: موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور. جمعه: أ. د. حكمت بن بشير بن ياسين
2. المعتمد من المنقول فيما أوحي إلى الرسول r. تأليف: بهاء الدين حيدر بن علي القاشي (فرغ من كتابته سنة 776هـ)، وطبع في مجلدين
3. الجواهر واللآلئ المصنوعة في تفسير القرآن العظيم بالأحاديث الصحيحة المرفوعة، تأليف: الشيخ/ عبد الله بن عبد القادر التليدي.
وصدر الكتاب عام 1424هـ في مجلدين تضمنا (1119) صفحة
4. التفسير النبوي للقرآن الكريم وفضائله، تأليف عبد الباسط محمد خليل. وهو مطبوع عام 1421هـ في (329) صفحة من القطع الصغير
5. التلازم بين الكتاب والسنة من خلال الكتب الستة. جمع: صالح بن سليمان البقعاوي.
6. جامع التفسير من كتب الأحاديث. أشرف على إخراجه/ خالد بن عبدالقادر آل عقدة. ويقع الكتاب في أربعة مجلدات
وهذا الموضوع لم يأخذ حقه من جهة التأصيل ولا من جهة التطبيق، والشأن أولا أن ينظر في ضابط التفسير النبوي أولا وما يندرج من عموم السنة فيه، فالبيان النبوي للقرآن له أنواع وصور يطول الحديث بذكرها.
وقد يسر الله لي بحث هذا الموضوع (التفسير النبوي: دراسة تأصيلية تطبيقية) وهي جهد متواضع لعله يخرج إلى النور قريبا إن شاء الله.
 
عودة
أعلى