ابن برجان وتفسيره " تنبيه الأفهام إلى تدبر الكتاب والتعرف على الآيات والأنباء العظام"

إنضم
02/04/2003
المشاركات
1,760
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
السعودية
الموقع الالكتروني
www.tafsir.org
ابن برجان وتفسيره " تنبيه الأفهام إلى تدبر الكتاب والتعرف على الآيات والأنباء العظام"

تزخر الخزائن المغربية بكم هائل من المخطوطات ،وللأسف لم تحض هذه المخطوطات بالعناية الكاملة من قبل المهتمين والباحثين ،وقد أردت نفض الغبار عن واحد من هذه المخطوطات وأعرف بها وبصاحبها .

فاما صاحب المخطوطة فهو أبو الحكم ابن برجان عالم له مشاركة في فنون مختلفة وهو أحد العارفين الأقطاب الذي شغل الناس في أواخر القرن السادس ، وقد حاولت تتبع أخبار هذا الرجل من مختلف المصادر للتعريف به .

أما كتابه الموسوم ب"تنبيه الأفهام إلى تدبر الكتاب والتعرف على الآيات والأنباء العظام " .فهو من أهم المؤلفات التي تركها لنا هذا العالم ، وقد وقفت عليه مخطوطا بالخزانة العامة بالرباط في المملكة المغربية ، وقد حاولت التعريف بهذا المخطوط واصفا إياه من حيث خطه وحجمه واسمه ، وقد أفاد بعض الباحثين بوجود نسخة أخرى منه في ألمانيا . أما المجال المعرفي للمخطوط ، فهو من أهم التفاسير التي أنتجها علماء الغرب الإسلامي ، وقد تتبعت منهج المؤلف في تفسيره هذا وتعرضت للأدوات التي وظفها وكذا القضايا التي تناولها وأهمها اهتمامه بالمناسبة بين السور والآيات القرآنية .

يعتبر تفسير ابن برجان من أهم التفاسير التي أنتجها الغرب الإسلامي ، ومؤلفه شغل الساحة الفكرية والسياسية مدة طويلة ، ورغم الأهمية العلمية والتاريخية لهذا التفسير فإنه لم يدرس بعد ،بل إنه لم يطبع حتى الآن ، والأحرى أن يحقق ،وقد ارتأى البحث أن يلقي نظرة عن هذا التفسير ويعر بصاحبه :

المبحث الأول :التعريف بالإمام ابن برجان :

لقد لحق هذا الرجل عدة ظلامات في حياته وحتى بعد وفاته :فقد تضاربت آراء المترجمين له في اسمه ، فمن سماه عبد الرحمان ، ومن سماه عبد السلام ، ومنهم من جعل الاسمين لشخصين منفردين ، ومنهم من اعتبره اسما لشخص واحد ،وأغلب المترجمين له يطلقون عليه أبا الحك عبد السلام بن عبد الرحمان بن محمد بن عبد الرحمان .ويجعلون وفاته سنة ستة وثلاثين وخمسمائة ، وطائفة منهم يطلقون عليه عبد السلام بن عبد الرحمان بن عبد السلام بن عبد الرحمان بن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمان ويجعلون وفاته سنة سبع وعشرين وستمائة ،وطائفة تترجم لشخصي وتنعتهما بأوصاف متقاربة ، فميزت بين عبد الرحمان وعبد السلام .

والمصدر الأصيل الذي يمكن أن يفزع إليه لرفع الإشكال وهو ابن الأبار سماه عبد الرحمان بن أبي رجال ، وأبو الرجال هذا هو : محمد بن عبد الرحمان ،وجعل وفاته بعد سنة ثلاثين وخمسمائة ، ويكاد جمهور المترجمين له يتفقون مع ابن الأبار في سنة الوفاة ، إلا أنهم يختلفون معه في الاسم1 ، رغم أن بعضهم صرح بالنقل عنه كالذهبي في السير ، واليافعي في مرآة الجنان ....ويظهر أنهما شخصان متميزان خلط بينهما بعض المترجمين ، ويزكي هذا الاحتمال السيوطي فقد ترجم للمفسر في الطبقات ، وترجم للغوي في البغية وجعلهما مختلفين في الاسم وسنة الوفاة ، بينما طابق بينهما في اللقب فقط (ابن برجان ) معتبرا أن هذا اللقب مخفف من أبي الرجال ،وقد ضبطه ابن خلكان قبله فقال :برجان بفتح الياء الموحدة وتشديد الراء بعدها جيم وبعد الألف نون .

وذهب الباحثون المعاصرون مع الجمهور ، معتبرين أن أبا الحكم عبد السلام بن عبد الرحمان بن برجان هو الذي شغل المغرب والأندلس في الثلث الأول من القرن السادس ،ومعهم كذلك الدكتور إبراهيم الوافي الذي نسب إليه هذا التفسير الذي سنقدمه هنا لكنه ذكر من بين المؤلفين في التفسير في القرن السابع الهجري عبد السلام بن عبد الرحمان بن عبد السلام بن برجان وقال :أنه حفيد المترجم ونسب إليه تفسيرا للقرآن (تفسير الفاتحة) وذكر أنه موجود بالخزانة التيمورية ،و اتفق المترجمون أنه من أهل إشبيلية ويرجعون أصله إلى إفريقية ، أما تكوينه العلمي والثقافي فقد ذكر ابن الأبار انه كان من أهل المعرفة بالقراءات والحديث والتحقق بعلم الكلام والتصوف مع الزهد والاجتهاد في العبادة .

أما عن شيوخه فلم يذكرو إلا أن ابن منظور الذي سمع الحديث منه ، وذكروا له من التلاميذ أبا القاسم القنطري وأبا محمد عبد الحق الإشبيلي ، الذي اشتهر في علم الحديث والرجال ، وأبا محمد عبد الغفور بن إسماعيل ابن خلف السكواني اللبي وأبا عبد الله بن خليل القيسي وهو آخر من روي عنه حسب ابن الزبير .

وهكذا فقد جمع ابن برجان بين الحديث ، وعلم الكلام ،والتصوف ،ووصفه ابن الزبير بأنه :«أخذ من كل علم بأوفر حظ،مؤثر لطريقة التصوف وعلم الباطن ، متصرفا في ذلك ، عارفا بمذاهب الناس ، متقيدا في نظره بظواهره الكتاب والسنة ،بريئا من مردى تعمق الباطنية ، بعيدا عن قحية الظاهرية شديد التمسك بالكتاب والسنة » .

أما مؤلفاته فإن المترجمين ينسبون له ثلاثة مؤلفات وهي :

- كتاب في التفسير قال ابن الأبار عنه :لم يكلمه ،وصفه ابن الزبير بانه :« جرى فيه على طريقة لم يسبق إليها واستقرأ من آيات عجائب وكرائن من الغيوب إلا انه أغمض في التعبير ، فلا يصل إلى مقصوده إلا من فهم كلامه وألف إشارته وإلهامه » .

ونقل ابن خلكان بعد ذكر تنبؤ ابن برجان بفتح بيت المقدس سنة 598هـ،أنه لم يزل يطلب هذا التفسير حتى وجده ، غير أن القصة مذكورة في الحاشية بخط غير الأول ، ونقل محققه إحسان عباس في الأسفل قال:"بهامش المختار قلت أعني كاتبها موسى بن أحمد لطف الله به وقفت في القاهرة ودمشق على ثلاثة نسخ من التفسير المذكور ،وهذا الفصل المشار إليه ، لكنه مكتوب على الجميع على الحاشية بعد خط الأصل "قال : واخبرني الشيخ تقي الدين محمد بن زين الدين الشافعي قاضي القضاة بالديار المصرية رحمه الله تعالى أنه رأى هذا الفصل في نسختين على صورة ما ذكرناه والله أعلم » .وهذا يدل على اعتناء المشارقة بهذا التفسير ، وأنه قد دخل إلى المشرق في وقت مبكر وتعددت نسخه هناك .

- وله كتاب في تفسير الأسماء الحسنى وصفه ابن الزبير بالشهير وقد ذكره المفسر الألمعي ابن عاشور ونقل منه ، وذكر أبو العلا عفيفي أن المخطوطين :"شرح معاني أسماء الله الحسنى "و "ترجمان لسان الحق المبثوث في الأمر والخلق " الموجودين بألمانيا وفرنسا كتاب واحد .وقد أشار ابن برجان إلى هذا الكتاب في عدة مناسبات في تفسره ،وبذلك يظهر أنه هذا الكتاب قبل التفسير .

- وله كتاب آخر وهو" الإرشاد " قيل عنه :«أنه قصد فيه على استخراج أحاديث صحيح مسلم بن الحجاج من كتاب الله تعالى فتارة يريك الحديث من نص آية ، وتارة من محتواها ومفهومها ،وتارة من إشارتها أو من مجموع آيتين مؤتلفتين أو مفترقتين ، ومن عدة آيات إلى أشباه هذه المآخذ»

هذه بعض المؤلفات التي نسبت لابن برجان وليس من المستبعد أن تكون له تأليف أخرى ضاعت في أيام فتنة المريدين .

لقد عاش ابن برجان في أيام دولة المرابطين وهي الدولة التي بوأت الفقهاء مكانة عليا وأحرقت كتب أبي حامد الغزالي وعرفت في نهايتها ثورة المريدين يتزعمهم ابن قسي في الأندلس لكن يصعب أن تجد حلقة وصل بين أقطاب التصوف في تلك الفترة خاصة بين ابن برجان وابن العريف وابن قسي ، وقد حقق الباحثون الرسائل التي تبادلها هؤلاء الأقطاب وكشفوا لنا خلالها خلالها أن ابن برجان يمثل الاتجاه الوسط بينما يميل ابن العريف إلى المهادنة وينحو ابن قسي إلى الثورة وهو الذي تزعمها فيما بعد هذا وقد وصف ابن العريف الإمام ابن برجان في رسائله"بالشيخ الفاضل الإمام "والامام أبي الحكم شيخي وكبيري " .

وإذا كان بعض الباحثين قد أشار إلى الجفوة الحاصلة بين ابن العريف وابن برجان ، فإن الدكتور عبد السلام الغرميني استشف من الرسائل التي وجهها ابن العريف لابن برجان،أن أبا الحكم بن برجان أرفع مكانة حتى وصف بأنه (غزالي الأندلس ) ، ومن المدرسة البرجانية انبثقت المدرسة العريفية .

هذا النشاط الفكري وهذه العلاقات التي تجمع بين أقطاب الصوفية بالأندلس والخطورة التي شكلتها ثورة المريدين دفعت بالدولة المرابطية إلى استقدام ابن العريف وابن برجان وغيرهم إلى مراكش «وعقدت لابن برجان مناظرة أورد عليه الفقهاء مسائل ينكرونها فأجاب وخرجها مخارج محتملة فلم يرضوا منه بذلك لكونهم لم يفهموا مقاصده وقرروا عند السلطان انه مبتدع ، فاتفق أنه مرض بعد أيام ومات في المحرم » سنة 536هـ،ويظهر أنه لم يقتل حسبما وصلنا من الأخبار عنه ، إذ لم يصرح المؤرخون بسبب وفاته .

تلكم بعض أخبار الإمام ابن برجان ، جمعت الزبدة منها وطرحت الزبد ، ويتراءى لنا أن المترجمين لم يظهروا حرصا كبيرا على تتبع أخباره وتدوينها فكانت إحدى الظلامات التي لحقت هذا الرجل فمعاصره ابن بشكوال لم يترجم له ، ولم يترجم له إلا من تأخر عنه كابن الزبير وابن الابار وأضاف الباحثون المعاصرون ظلامة إليه أخرى فلم يعتنوا بتراثه ومؤلفاته وبقيت في الرفوف تآكلها الأرضة والله المستعان .

المبحث الثاني :التعريف بتفسير الإمام ابن برجان:

سأحاول أن أقف على أهم المضامين والقضايا التي تميز هذا التفسير والتي تهيمن عليه بشكل واضح ما استطعت إلى ذلك سبيلا :

1-وصف النسخة :

توجد نسخة من هذا التفسير في الخزانة العامة بالرباط تحث رقم (242ك )تبدأ بسورة الأعراف وتنتهي عند تفسير قوله تعالى :« لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ» من سورة النور وقد كتب فوق الصفحة الأولى بخط غير الناسخ تفسير ابن بلجان (هكذا ) كما كتب فوقها صك الراء يتضمن اسم المشتري مشطوبا عليه وتاريخ الشراء وهو :1270هـ، ومكان الشراء :الذي هو تونس واسم الدلاء أيضا ، كما يوجد فوق هذه الصفحة ختم محمد عبد الحي الكتاني.

وتقع هذه النسخة في 388صفحة من الحجم المتوسط في كل صفحة 27سطرا وفي كل سطر مابين 12و13 كلمة ، كتبت بخط مشرقي مقروء ، ميزت فيه بعض العناوين باللون الأحمر ونجد طرر وحواشي بعض الصفحة تعليقات بخط غير خط الناسخ ، والنسخة سليمة على العموم إلا ماكان فيها من بتر في الورقة الأولى وكذا في سورة التوبة عند قوله تعالى :« إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ » ففيه بتر إذ يبدأ التفسير بعدها بقوله تعالى :« إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» وكذلك في سورة الحج فلا نعثر على بداية السورة وإنما يبدأ التفسير بقوله تعالى :« إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا» .

2-تسمية الكتاب :



أغلب المترجمين لابن برجان ينسبون له التفسير بالإطلاق بدون وصفه باسم يميزه ، وسماه حاجي خليفة :"الإرشاد في تفسير القرآن " وكذلك فعل إسماعيل باشا البغدادي ويعكر على هذا ما ذكر ابن الزبير من أن له كتاب "الإرشاد"قصد فيه إلى استخراج أحاديث صحيح مسلم بن الحجاج من كتاب الله تعالى والذي يظهر إن اسمه هو :"تنبيه الأفهام إلى تدبر الكتاب والتعرف على الآيات والأنباء العظام "تبعا للباحثين الذين وقفوا على نسخة من هذا التفسير في ألمانيا .

والمخطوط الذي بين أيدينا إنما يبدأ كما قلنا في سورة الأعراف وينتهي قبل إتمام سورة النور، فلم يذكر فيهما يفيد اسما بعينيه بل إن النسخة التي بين أيدينا –أعني نسخة الخزانة العامة بالرباط –لم يقم دليل علمي على أنها تفسير لابن برجان وإنما عولنا على المفهرسين للخزانة وما كتب على ظهر الصفحة الأولى :"تفسير ابن بلجان " حملناه على أنه تصحيف للاسم .

3- منهج الإمام ابن برجان في تفسيره :

يبدأ الإمام بان برجان في تفسيره هذا بذكر البسملة فاسم السورة ثم يشير إلى مكية أو مدنية السورة وعدد المنسوخ فيها ،ثم بعد يبدأ بتفسيرها ، ففي سورة مريم مثلا نجد البداية كالتالي :«بسم الله الرحمن الرحيم ، سورة مريم فيها من المنسوخ أربع آيات » ؛ثم يبدأ بتفسير الآيات في السورة مقسما إياها إلى جمل يقدم معناها دون استطراد ،ففي سورة الإسراء قال :«قوله تعالى :« سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا»إلى قوله :« إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»» ، ثم شرع يفسر التسبيح وبعده فسر قوله تعالى :« أَسْرَى بِعَبْدِهِ» لينتقل إلى ما بعده «لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» وفي كل يقدم المعني الدقيقة بدون نزوع نحو إيراد القراءات واوجه اللغة وأسباب النزول فهو وإن كان يعتمدها إلا أنه لا يتوسع في إيرادها كثيرا كما سنرى فيما بعدكما أن تفسيره هذا خال من الحشو حتى الأحاديث فإنه غالبا يشير إلى معناها ، كما في حديث الإسراء مثلا .لكن أهم ما يمتاز به هذا التفسير بشكل لافت للنظر ،اهتمام ابن برجان فيه بالمناسبة بين السور والآيات واهتمامه بالمعاني الدقيقة فهو يشد القارئ في بعض الأحيان إلى معنى ربما يكون هذا المفسر هو الذي سبق إليه وتميز به فمثلا في سورة الإسراء عند الحديث عن بركة المسجد الأقصى قال :«ربما سميت تلك الأرض مقدسة لتجلي المبارك القدوس عزوجل فيها لموسى عليه السلام وتكليمه إياه فيما هنالك ، قال عزوجل :"نودي أن بورك من في النار ومن حولها "وقال :"إنك بالواد المقدس طوى " فليس يبعد مع هذا أن يكون الله عزوجل ذكره أبقى بركة تجليه فيما هنالك إلى يوم القيامة » .

وفي قصة موسى رد ما أورده المفسرون من سبب عقدة لسان موسى وإرجاعهم ذلك السبب إلى الجمرة قائلا :«والصحيح والله اعلم بما ينزل أنه كان رجلا عبرانيا في مجاورة القبط في جحورهم فكان ظاهر لسانه لغة القبط ثم تغرب إلى أرض مدين وجاور العرب فتعرب من أجل مدة سنين كان فيها هنالك قال عز وجل :«فلبتث سنين في أهل مدين »فكانت من أجل ذلك لكنة لسانه فلم يكن فصيحا في لسانهم كأخيه هارون عليها السلام » .

وفي ثنايا هذا التفسير نجد الاهتمام بالأمثال والعبر فعند قوله تعالى :« لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ» نجده يفصل في العبرة وأنواع الاعتبار ويستعمل مصطلحات :فصل ، تنبيه ، إما ليأتي بآية أو حديث يستدل به على ما سبق أو ينبه على فكرة دقيقة ؛وأنظر إلى ذلك ف سورة الإسراء حيث قال فيه :«فصل :قرن جل جلاله بين ذكر الإسراء بعبده بذكر الليل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقى وذكر رسول الله  اتصال الإسراء بالعروج إلى العلا ولم يصف بالإسراء إلا مابين المسجدين أراد بذلك والله اعلم لعد الليل في السماوات العلا فوصف بالإسراء مايسكن فيه الليل والنهار » وتأمل كيف اول قوله تعالى :«ولايزالون مختلفين إلامارحم ربك ولذلك خلقهم »قال :«مختلفين أي في التوحيد والنبوة فمنهم من كذب بها ومنهم من صدق بعضا إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم أي للرحمة والتوحيد والتصديق » .هذه بعض معالم المنهج الذي سلكه ابن برجان في تفسيره وسنتعرف عليه أكثر عند وقوفنا على الأدوات التي وظفها في تفسيره وعلى القضايا التي تميز بها تفسيره عن غيره من التفاسير .

4-بعض الأدوات والقضايا التي تميز تفسير الإمام ابن برجان :

أ-الاهتمام بتفسير القرآن بالقرآن :

يهتم ابن برجان بتفسير القرآن بالقرآن اهتماما واضحا فقد يأتي ليؤيد بها معنى محتمل من آية أخرى حيث قال في سورة الإسراء بعد الحديث هل كان الإسراء بعبده صلى الله عليه وسلم أم بروحه قال:«فصل ، قال الله عز وجل :«ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى » فأخبر جل جلاله نصا غير محتمل أنها كانت منه رؤية بصـر »

وأحيانا يقارن معاني الآيات ليقدم المعني الأوضح على الواضح قال :«قوله تعالى :" من كان يريد العاجلة " ففي هذه الآية والتي في سورة الشورى سواء ، قوله: «من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه» الآية غير أن التي في هذه السورة أجلى و أبين ، وجاءت آية سورة هود وفيه بعض الإشكال قوله :"من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون " وهي أخبار لا يجوز عليها النسخ ، والتوفية في هذه الآية والله أعلم بما ينزل هو : أن يطعم بعمله ويسقى فيحس عليه الفوافي ، ونعم السمع والبصر والحواس فتكون ذلك توفية لعمله ،ويعطيه ربه من الدنيا ما شاء ولربما زاده على مراده ثم يحتسب له من ذلك فيما ذكرناه ، دل على هذا التأويل قوله تعالى :«من يعمل سوء يجزيه» » فأنظر كيف سوى بين الآيتين في معنييهما وأشار على ورود الإشكال في الأخرى مبينا تأويل ذلك كله وقوى تأويله بآية أخرى ،إن الإمام ابن برجان يكثر من إيراد الأدلة حول المعنى الذي يسوقه في بعض الأحيان حتى تظن أنه يحاول أن يقنع شخصا آخر حول مدلول النص القرآني ، وفي بعض الأحيان يستعين بفهم الصحابة ويستدل لـه بآية أخرى كما في تفسيره "للرقيم " قال:«كثر الاختلاف فيه من علماء السلف رحمة الله عليهم ما هو ، فمن قائل يقـول :الرقيم الكهف ومن قائل يقول : الرقيم القرية التي خرجوا منها حتى آووا إلى الكهف ، قال ابن عباس :لا أدري أهو كتاب أم بيان وروي عنه انه هو الكتاب ،وهذا أولى الوجوه إن شاء الله والله يقول الحق ويهدي السبيل قال رسول الله  :اللهم حفظه الكتاب وعلمه التأويل، الرقيم هو المكتوب فيه الأعمال قال الله عز وجل :«إن كتب الأبرار لفي عليين وما أدرك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون » وقال :«إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدراك ما سجين كتاب مرقـوم » وسمي بذلك الغار الذي ذكره رسول الله : الرقيم لحكمة جل ذكره الثلاثة نفر الذين آووا إليه بأعمالهم المكتوبة لهم فيها هنالك»

فابن برجان في هذه الآية استعان بتفسير الصحابة وتفسير القرآن بالقرآن لبين دلالة الرقيم ثم بين وجه تسمية الغار به.

اعتماد التفسير النبوي وأقوال الصحابة والتابعين :

يستعين الإمام ابن برجان بالتفسير النبوي للوقوف على مراد الله في كتابه ويتضح ذلك في عدة مواضع من تفسيره ولكن نقتصر على بعض الأمثلة ، فعند قوله تعالى :« ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر » الآيات قال :«قرأ النبي الآيتين فقال :يدعي أحدهم فيعطي كتابه بيمينه

ويمد له في جسمه ستون ذراعا ويبيض وجهه ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ فينظر إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون اللهم آتينا بهذا وبارك لنا في هذا حتى يأتيهم فيقول : ابشروا لكل رجل منكم مثل هذا ثم ذكر حال الكفار ...» وقد يستعمل عبارة أوضح مثل :"فكان ذلك ما فسره قوله عليه السلام ". ومن مميزاته التي يمتاز بها تدخله لتصحيح الأحاديث واعتبار ذلك في تفسيره كما عند قوله تعالى :«حصب جهنم أنتم له واردون» "روي عن جابر بن عبد الله أن النبي  قال الورود الدخول حتى لا يبقى بر ولا فالجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم ثم ينجي الله الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا وروي نحو ذلك عن ابن عباس وروي عن ابن مسعود أن قال:وإن منكم إلا واردها يعني الصراط ،وروي أنه قال يردونها ويصدرونها بأعمالهم وقال قتادة ورودها الممر عليها ؛أما روي عن جابر عن النبي فإنه لو ثبت لكان الحجة البالغة ، وطريق هذا العلم ،ولا يصح العلم ولا يتحصل بطريق الآحاد كيف وقد ضعفت نقلة هذا الحديث ،فانهم مجهولون ،وللقائلين بمقتضى هذا الحديث ثمن ظاهر العموم قوله عز وجل :« ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة (...) أجمعين » ونظيرتها في سورة السجدة قوله تعالى :«ولنرى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم (000) أجمعين» فعم بذكر الجنة والناس و أما القائلون بان الورود هنا بمعنى المرور والجواز فلهم حجة التخصيص قال الله عز وجل لإبليس لما قال له:«فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين(000) أجمعين» وقال في موضع آخر :«اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاءا موفورا » هذا النص من تفسير ابن برجان يستفاد منه عدة إفادات :فابن برجان استدل بالحديث النبوي واتبعه بأقوال الصحابة ،ثم أقوال التابعين ، وهو منهج السلف في التفسير ،لكن رد الحديث بأنه غير ثابت ، مردفا بان هذا العلم لا يتحصل بطريق الآحاد مخالفا الجمهور ،وربما شعر بعدم اقتناع المحاور فأضاف بان رجال السند موصوفون بالضعف ، لم يقتنع بعد، فأتى باحتمالين اللذين يستفاد من النص القرآني ،مستدلا لهما بالقرآن مع أنه رجح القول الثاني متمسكا بالتخصيص تاركا العموم .

لقد وظف ابن برجان ثلاثة علوم لتفسير هذا النص :علم التفسير وعلم الحديث وعلم الأصول ،مما يبين قيمة الرجل وعلو كعبه في العلم ويمكن أن نضيف إلى ذلك علم الفقه ؛وإن كان تفسيره هذا يكاد يكون خاليا من الأحكام الفقهية، ففي حم داود وسليمان في الحرث قال :«وهذا ان صح الحكم فيه عن رسول الله بسند يقطع العذر فهو الحجة ،وإنما الحديث المروي في ذلك عن النبيغير ثابت ،ولوكان ذلك كذلك فقد نسخه بقوله عليه السلام :«من استهلك شيئا فعليه قيمته »فهذا هو الحكم الحق وهو الذي صحبه العمل ،وه والذي ألهمه سليما عليه السلام والله أعلم » والشيء الجديد الذي جاء به في هذا النص هو توظيفه لعلم الناسخ والمنسوخ مع مصطلح "صحبه العمل "وهو أصل من أصول مذهب مالك ،وهو السائد في الأندلس في وقته .

لقد مر معنا كيف يولي الأمام ابن برجان الأهمية لتفسير القرآن بالقرآن، وللتفسير النبوي مع إيراد أقوال الصحابة والتابعين .

الاهتمام القراءات :

يلاحظ أن ابن برجان يهتم بالقراءات بل إنه من أهل المعرفة بالقراءات كما سبق وذكره ابن الجزري في غاية النهاية في طبقات القراء ،وطبيعي أن يوظف هذا الإمام علومه ومعارفه في التفسير خاصة تلك العلوم التي لها علاقة وطيدة بالتفسير والقراءات ،فلا غرابة إذن أن نجد ذكرا لقراءات الصحابة والتابعين :كابن عباس وابن مسعود ومجاهد وعكرمة والشعبي وغيرهم ،والقراء السبع وغير السبع ،لكن اهتمامه بقراء الصحابة والتابعين اكثر وضوحا كما في الأمثلة التالية :

- قال تعالى :« وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ » قال ابن برجان :«قرأها ابن كثير في الكتب على الجمع » وفي لتفسدن قال :قرأها ابن عباس لتفسدن بتاء مضمومة وفتح السين ،وفي قوله :«يخرج له كتابا منشورا » قال :قرأها مجاهد والحسن ويعقوي ويخرج بفتح الياء » وفي قوله تعالى :« وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ » قال قرأها أبو حيوة ووصى وكذلك ابن عباس قال كانت ووصى فارتقت الواو الثانية فقرؤوها وقضى ،وابن مسعود قراها كذلك ووصـى .

-وفي قوله تعالى « وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ » قال :«قرأها ابن عباس وقتادة وعكرمة وابن محيصن والشعبي فرقناه بالتشديد أي فرقنا تنزيله قال:من خفف معناه بيناه وفي قراءة أبي وابن مسعود فرقناه لتقرأه على الناس قال :فإن كان فيه عليك فهو بالتشديد ،ثم جمع بين القراءتين فقال :والجمع بينها وبين قراءة التخفيف أن إنزاله إلى بيت العزة جملة فيما فيه من القراءة ثم فرق إنزاله بعد على نجومه ومنازله ليقراه على الناس على مكث » وهكذا حمل قراءة التشديد على التنزل الأول وقراءة على التخفيف على التنزل الثاني وهكذا يجمع الإمام ابن برجان بين القراءات ويوظفها ليستدل بها على المعاني ، كما يأتي بالقراءات الشاذة كما في قوله تعالى :«أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى » قال :قرأطلحة :أيا من تدعون كأنه قال :من دعوت بهذين الاسمين فهو الله جل ذكره » وأتى :بقراءة ابن عباس وأبي ،«واما الغلام فكان كافرا وكان ابواه مومنين »قال ابن برجان :قرأ الخدري وأما الغلام فكان فاجرا وكان أبواه مومنبن» إن المتأمل في تفسير ابن برجان يجد أنه يعتمد على قراءة الصحابة والتابعين فلا تجد عنده ذكر للقراء السبع وغيرهم إلا قليلا .

قضايا في تفسير الإمام ابن برجان :

إن أم القضايا التي اشتغل عليه الإمام ابن برجان في تفسيره هذا هو الاهتمام بالمناسبة بين السور والآيات .

- المناسبة بين السور:

لم يبين الإمام ابن برجان المناسبة بين جميع السور بل أشار إليها في بعض السور فقط ومن السور التي ذكر مناسبتها لما سبق ففي سورة النحل قال :« أول هذه السورة منظم بالسورة التي تقدمت في أنهما معا للتذكار و الذكر وخص جل هذه أي التذكير بالنعم على أن قال :ولما انقسم الإعلام باسم اليقين في أخذ الحي إلى الموت وإلى ما هو وعد الله بالنصر والتأييد وإظهار الدين وكل ذلك يشمله اسم الأمر قال جل وعز في مفتتح هذه «أتى أمر الله فلا تستعجلوه » فأنت ترى الإمام ابن برجان يبين المناسبة بين السورتين من حيث موضوعها ومن حيث نهاية هذه السورة ببداية التي بعدها وقد يقتصر على بيان المناسبة بين بداية ونهاية السورتين فقط كما فعل في سورة الإسراء قال :«انتظم اول هذه السورة بمعنى آخر سورة النحل من ذكر إبراهيم وذكر أصحاب السبت وذكر نبوة محمد  وأمره إياه بأن يدعوا إلى سبيل ربه عز وجل يمدح نفسه بعد وإتيانه موسى الكتاب وجعله هدى لبني إسرائيل ثم قال :لا تتخذوا من دوني وكيلا من معنى التوحيد وخالص التعبد الذي حاله التوكل ثم قال :ذرية ممن حملنا مع نوح ذكر بسننه القديمة إذ لم يجعله من الهالكين بالكفر وعرض باقتضاء الشكر بقوله:إنه كان عبدا شكورا » .

فهو لم يكتف ببيان المناسبة بين نهاية وبداية السورتين فأضاف بعض الأغراض التي جاءت سورة الإسراء بها ولم يأتي هذا الكلام إلا بعد أن أتم الغرض الأول الذي جاءت به السورة وهو المدح بالإسراء بالعبد .

- المناسبة بين الآيات :

إن الإمام ابن برجان في بيانه للمناسبة بين الآيات إما أن يذكر مناسبة الآية لما فبلها وما بعدها أو يبين مناسبة لآية أخرى بعيدة عنها في الموضع وقد تكون في سورة أخرى كما في الأمثلة التالية :

«والأنعام خلقها ، عطف هذا الخطاب على ما تقدم لاتصال ذكر الخلق بالأمر وتقارب معنييهما لصدورهما في الأمر وتقارب معنييهما لصدورهما في الأمر الخالق جل وعلى » وقال بعد قوله تعالى :« إن ربك هو الخلاق العليم» «هذا منتظم لذكر الحق الخلق والسماوات والأرض » وفي قوله تعالى :«ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها » قال :«انتظام هذه الآية بالتي تقدمتها معنى أنه ليس بشيء كائن ما كان مؤمن أو كافر أو حيوان أو نبات بخارج عن التعبد لله عز وجل والقنوت لعظمته» وعند قوله تعالى :"ولقد أتيناك سبع من المثاني "قال:«هذا منتظم بما في صدر السورة من قولهم يا أيها الناس الذي نزل عليه الذكر انك لمجنون إلى قوله :إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون فذكر انواع التذكار ومايقع عليه اسم الذكر ثم عطف على ذلك قولهم:ولقد أتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم » فهو يلاحظ العلاقة بين الآيات ويوضح المناسبة بينها بشكل دقيق قد لا ينتبه إليه القارئ في بادئ الأمر فيحتاج معه إى مزيد تأمل وكل هذه الآيات في سورة واحدة ،وقد تكون الآيات في سور مختلفة كما في المثال التالي :قال عند قوله تعالى :«وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه » :«انتظم هذا الخطاب بقوله في سورة النحل وغيرها :«وتجعلون لله البنات سبحانه » بقوله جل من قائل :ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا ، أي الحق الكائن في قلوبهم الحاصل من آثاره الفطرة فما يزيدهم تنويع التصريف وتكرير التبيان إلا نفورا عن حقيقة ما يراد بهم من الهداية، نظم ذلك قوله :«لوكان معه آلهة » كما تقولون فسلم لهم جل وتعالى تجويز ظلالهم تسليم جدل وهذا من فرض ما لا يجوز كونه لتيبين ما لا يجوز سواه يقول وهو اعلم :لو كان معه آلهة كما زعمتم لم يكونوا إلا مخلوقين ولا خالق إلا الله» .

بالإضافة إلى ما سبق من اهتمام ابن برجان بالمناسبة بين السور والآيات يعتني كذلك بذكر أغراض السورة ومحاورها العامة يقول في سورة الحجر :« الغرض المقصود الأول في هذه السورة والله أعلم الذكر والتذكير فابتدأ بقوله :"الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين على قوله وما يستاخرون "فسرد على ذلك: وقال يآيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون لوما تأتينا بالملائكة عن كنت من الصادقين "ثم نظم بهذا جميع فصول السورة أو جلها ..» هكذا يسترسل في بيان المحاور التي جاءت بها السورة فهو يرى أن السورة القرآنية وحدة متكاملة ينطلق بناؤها من المحور العام لذلك قال :الغرض المقصود الأول فعبر بالأول ليعشب هذا المحور إلى المواضيع الأخرى ،بل إنه يرى أن القرآن كله وحدة متكاملة ،قال بعد حديثه عن السبع المثاني :«فهذا يؤيد ما تقدم ذكره من العبرة والقول بان القرآن كله واحد فرد لم يتفصل بعد على كل شيء » فالقرآن عند ابن برجان إن فصل نستطيع أن نستخرج منه كل شيء،وأعطانا مثال لذلك في فاتحة الكتاب قال بعد كلامه السابق:«عبر عن ذلك قوله في مفتتح أم القرآن وأم الكتاب :الحمد لله فجاء بالحمد الذي هو جامع الثناء والمدائح والذكر أجمعه وأضافه إلى اسمه جل وذكره ،والذي جميع الأسماء له شارحة ثم تفصلت عنه الأسماء جميعا كما تفصلت عن الحمد الأذكار كلها أتبع ذلك رب العامين ،فذكر الوجود كله الواقع اسم العالمين ، وهو كل مخلوق وكل مذكور وموجود سوى الله عز وجل فظهر بذلك ما فصله إيجادا كما أظهر بتغاير الأسماء ما فصله عن اسمه الواحد الأحد » فانظر إلى هذه الكليات التي عبر بها هذا المفسر ،وكيف يفصلها ويشير إلى ما يندرج تحتها وبهذه الطريقة يفسر القرآن ،إلا أنه أودع في تفسيره إشارات وإيماءات واغمض في التعبير عنها في بعض الأحيان وبذلك يستعصي فهمه وإن صرح أن حمل اللفظ على ظاهره أولى .

الإشارة في تفسير ابن برجان :

يصدر الإمام ابن برجان في بعض تلاحيان إشارات فلا يكاد يعرف مراده كما في قوله تعالى :«قال الله عز وجل : إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً » فإن الذي أنشأه من كونه نطفة مهينة وجمع خلقته من أمشاج آثاره [لفتح والفتحتين ]في طبقات الخلقة في خزائن السماوات والأرض إلى أن جعله سميعا بصيرا قادرا على أن ينشئه نشأة أخرى إنما هو النوم التي يصير إليها الموت ،وفي الموت والحياة وينشأ ذلك منها الرؤيا ،والرؤيا ينشأ إلى الإسراء كما الحياة حياتان حياة الأجسام تنشأ إلى الحياة الكبرى في الدار الآخرة ،والحياة حال الموت شبيه باليقظة (...)وفيما أومأنا إليه من تدبره أعظم دليل على أن الأمر يسير غير عسير » .وكأن الإمام ابن برجان يستشعر من يستغلق عبارته فنصحه بالتأمل والتدبر،وقد يستعمل عبارة "فافهم "قال عن الفرقان :«لذلك سماهم فرقانا لما جعل فيه من معنى الفرقان الموجود في الروح الموحى به مع الملك إلى قلب الرسول ،ولما جعل في قلوب أهل العلم والإيمان من القرآن المذكور بقوله :"إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا " وهو تمييز صور المعني في الباطن كتصوير الصور في الظاهر فافهم »

بعض مصادر الإمام ابن برجان :

أشرنا فيما سبق إلى بعض العلوم التي يوظفها الإمام ابن برجان ،ونذكر هنا بعض المصادر التي صرح بها في تفسيره وناذرا ما يصرح بها ومنها :

- أشار إلى كتابه "شرح أسماء الله الحسنى "في عدة مواضع يقول :واما كونه ساجدا من حيث هو حيونا فقد تقدم في غير هذا الكتاب في شرح اسمه الجبار".

- ونقل عن الترمذي حديث أبي هريرة في حفر ياجوج وماجوج السد.

- ونقل عن الإمام أحمد في مسنده تفسير النبي  الرقيم

- ونقل عن أبي عبد الله بن أبي مسرة في "تخريجه "حديث الدجال

- ونقل نصوصا طويلة من التوراة والإنجيل

تلك بعض المصادر التي ينقل منها وأغلبها يتعلق بالحديث النبوي ،ويلاحظ في نقوله عن التوراة والإنجيل استعمل صيغة تفيد الاحتياط فقد استعمل فعل يذكر على البناء للمجهول

خاتمة:

رغم الاتجاه الإشاري لذي سلكه ابن برجان فان تفسيره يعتبر مفتاحا للوقوف على المعاني الدقيقة للقرآن يقول :«فكلام الله عز وجل لا يدركه بالكيف البشر ،وإنما يدرك أمره ونهيه بالمثالات والأمثال والأسماء والحروف ،وبذلك استبان لهم كلامه كما تقدم (...)وبها أي بالحروف والأمثال والأسماء يستدل على كلامه تعالى وأمره ونهيه »

بل إننا نستطيع أن نقول إنه وضع منهجا لفهم وتدبر القرآن العظيم يقول :«لمعرفة الأسماء والبحث عن سلوكها مسالكها من العالم يوقف على تفصيل جمل ما أنبأنا به في الكتاب العزيز وأن ذلك لامطمع فيه إلا بلزوم التقوى وتقديم صحيح الإيمان واطراح الحول والقوة ونبذ الحرص على حسن الثناء ،بل ملازمة الخمول [...]اذ هو نوع من العلم لا تسومه النفوس من ذاتها ولا تشعر به ولا يتعرفه إلا بهداية وتوفيق واشعار وإلهام إلى ماهو الصواب »











لائحة المصادر والمراجع :

1- القرآن برواية ورش

2- تفسير الإمام ابن برجان الموسوم :"تنبيه الأفهام إلى تدبر القرآن الكتاب والتعرف على الآيات العظام "مخطوطة الخزانة العامة بالمملكة المغربية بالرباط تحث رقم :242ك

3- التحرير والتنوير :الإمام الطاهر بن عاشور

4- الاعلام :خيرالدين الزركلي ،دار العلم للملايين ، الطبعة الرابعة ،لبنان سنة 1979م

5- الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام :العباس بن إبراهيم ، تحقيق عبد الوهاب بن منصور ،ط

6- الاستقصا لإخبار المغرب الأقصى :أبو العباس أحمد بن خالد ،تحقيق وتعليق :الأستاذ جعفر والأستاذ محمد الناصري ،طبع بدار الكتاب بالدا رالبيضاء بالمملكة المغربية سنة 1959م

7- بغية الوعاة في طبقة اللغويين والنحاة :جلال الدين السيوطي :تحقيق الدكتور محمد أبوالفضل دار الفكر ،الطبعة الثانية 1399هـ-1979م

8- التكملة لكتابالصلة :ابو عبدالله محمد بن الأبار طبعة روخس1987م

9- الحلة السيراء :أبو عبد محمدبن الأبار ،تحقيق :حسين مؤنس طبعة أولى بالقاهرة 1963

10- سيرأعلام النبلاء :شمس الدين الذهبي ،تحقيق :شعيب الأرناؤط ومحمد نعيم العرقسوسي ،مؤسسة الرسالة الطبعةالحادي عشر 1416هـ-1996م

11- شذرات الذهب في اخبار من ذهب لعبد الحي بن العماد الحنبلي ،متشورات دار الآفاق الجديدة بيروت دون تاريخ

12- شجرة النور الزكية في طبقات المالكية :ابن مخلوف طبعة دارالفكر ،دون تاريخ

13- صلة الصلة :أبو الجعفر أحمد بن الزبير الغرناطي ، تحقيق الدكتور عبد السلام الهراس ،والأستاذ سعيد أعراب

14- طبقات المفسرين :جلال الدين السيوطي ،دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى بيروت 1403هـ-1983م

15- طبقات المفسرين :الداودي ،دار الكتب العلمية الطبعة الأولى بيروت 1403هـ-1983

16- غاية النهاية في طبقات القراء:ابن الجزري ،دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الثالثة تشره براجستر 1402هـ-1982م

17- فوات الوفيات والذيل عليها :محمد بن شاكر الكتبي ،تحقيق الدكتور إحسان عباس ،دار صادر بيروت دون تاريخ

18- كشف الظنون عن أسامي تب الفنون:حاجي خليفة ،دار الفكر1402هـ-1982م

19- الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية ،والمعروف بطبقات المناوي الكبرى تحقيقالدكتور:عبد الحميد صالح حمدان المكتبة الازهرية للتراث ،د-ت

20- مرآة الجنان وعبرة اليقضان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان :عبدالله بن أسعد بن علي اليافعي ،دار الكتا ب الإسلامي الطبعة الثانية 1413هـ-1993م

21- المدارس الصوفية المغربية والأندلسية في القرن السادس الهجري :الدكتور عبد السلام الغرميني ،دار الرشاد الحديثة بالدار البيضاء1420هـ-2000م

22- مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم :أحمد بن مصطفى الشهير بطاش كبرى زاده ،دار الكتب العلمية ،بيروت 1405هـ-1985م

23- معلمة المغرب :إنتاج الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر نشر مطابع سلا،1411هـ-1991م

24- مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية :مراكش العدد2سنة 1995م




25- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة :يوسف بن تغري بردي ،دار الكتب العلمية بيروت ،1413هـ-1992م

26- هدية العارفين على أسماء المؤلفين وآثار المصنفين من كشف الظنون :إسماعيل باشا البغدادي ،دار الفكر 1402هـ-1982م

27- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان :ابن خلكان ،تحقيق الدكتور:إحسان عباس ،دار صادر،بيروت دون تاريخ


إعداد الباحث : أحمد صليح

منقول من أحد المواقع على الشبكة العالمية .
 
شكر الله سعيك أبا مجاهد وجزاك خيراً
لقد طرحت قبل أيام سؤالاً عن هذا المخطوط وغيره (أرجو أن تطلع عليه علك أن تفيدني) واجابني الأخ/ إبراهيم الحميضي بأن لديه قطعة منه وأنه اشترى منه نسختين خطيتين من تركيا ولم تصله ...
وفي مركز الملك فيصل بالرياض نسخة منه (لم أطلع عليها)..
ولا زلنا نتطلع إلى معرفة حاله هل تمت دراسته وتحقيقه أم لا؟؟
 
( لا زال ) أو ( لا يزال )

( لا زال ) أو ( لا يزال )

كثيرا ما يرد في كلامنا ( لا زال ) بقصد إفادة الاستمرار ؛ مثل : لا زال الكتاب مخطوطا ، وذلك مما يخالف نهج العربية ؛ لأن الفعل ( زال ) بصيغة الماضي إذا استعمل ناقصاً وسبقته (لا) ينصرف إلى الدعاء ، كقولنا : لا زلت ممتعا بالصحة والعافية ؛ فهذا دعاء لا غير ، والصواب في المثال الأول : لا يزال الكتاب مخطوطا ، أو ما زال الكتاب مخطوطا . فإذا جاء الفعل بصيغة المضارع صح دخول النفي بما أو لا لإفادة معنى الاستمرار بلا حرج ، وبالله التوفيق .
 
يرد تفسيره في فهارس المخطوطات باسم : الإرشاد
 
هذا ما نقلوه عن حاجي خليفة

هذا ما نقلوه عن حاجي خليفة

ما تفضل به أخي الأستاذ عبد الله المنصور ، هو ما درجت على نقله كتب الفهارس نقلا عن حاجي خليفة في ( كشف الظنون ) 1 / 69 - 70 ، وتبقى هنالك مشكلة التحقق من أن ( الإرشاد) يقصد به التفسير ، أو هو كتابه الآخر الذي جعله لاستخراج أحاديث صحيح مسلم من كتاب الله ، فكلا الكتابين يحمل اسم ( الإرشاد ) ، وقد يرى قوم أنهما كتاب واحد ، والمسألة تقتضي تأملا وتثبتا وهذان لن يكونا إلا بوجود المخطوطات بين أيدي الدارسين ، والله الموفق .
 
أكرمكم الله
من أشهر القضايا التي تتداول عن ابن برجان استعماله لـ"علم الحرف"
وينسبون إليه "التنبؤ" بفتح القدس ، وأنه استخرج ذلك من قوله تعالى {الم* غلبت الروم....}
فهل هذا موجود حقيقة في تفسير ابن برجان؟؟؟
أم هو أمر ألصق به وهو منه بريء؟؟؟
أرجو أن يسعفنا أحد الإخوة الكرام في هذه المسألة بما يشفي الغليل

وبارك الله في الجميع
 
مما يدلُّ أن الارشاد غير التفسير ، بل هو استخراج أحاديث مسلم من القرآن : قول الزركشي :

قال في البرهان 2/129 :

النوع الأربعون فى بيان معاضدة السنة للقرآن

اعلم أن القرآن والحديث أبدا متعاضدان على استيفاء الحق وإخراجه من مدارج الحكمة حتى إن كل واحد منهما يخصص عموم الآخر ويبين إجماله

ثم منه ما هو ظاهر ومعه ما يغمض وقد اعتنى بإفراد ذلك بالتصنيف الإمام أبو الحكم ابن برجان فى كتابه المسمى بالإرشاد


والله أعلم


هل طبع الكتاب؟
 
بسم الله الرحمن الرحيم .
و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين .
أما بعد ، فإني أحمد الله إليكم أن وفقكم للاهتمام بالتراث التفسيري بالغرب الإسلامي ، وأحيطكم علما أنني أشتغل على تحقيقه منذ سنوات و أنني قد فرغت من تحقيق بعض السور ، علما أن التفسير ناقص ، و توجد له نسخة فريدة بالخزانة العامة بالرباط . و سنعمل على نشره تباعا ـ ، على أن ينشر مجموع ما هو موجود منه لاحقا إن شاء الله تعالى .
و تفضلوا بقبول خالص التحيات و التقدير .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
 
تفســير الإرشاد يتميز بميزات منها:
- سهولة الأسلوب
- الاهتمام بالمأثور
- الاهتمام بالقراءات
- ذكر المناسبات
-الترجيح
-الرد على المعتزلة
الاهتمام باللغة
-الاهتمام بالأحكام الفقهية.

ويؤخذ عليه التصوف الغالي في مواضع عديدة.
ولذلك يجب على من أراد نشـــره أن يتعقب مؤلفه في جميع المواضع التي زلَّ فيها، مع التنبيه على ذلك في مقدمة التحقيق.
 
نوقشت رسالة دكتوراه بجامعة اليرموك بالاردن تحت عنوان ابن برجان ومنهجه في التفسير وذلك في نهاية العام الماضي
 
كثيرا ما يرد في كلامنا ( لا زال ) بقصد إفادة الاستمرار ؛ مثل : لا زال الكتاب مخطوطا ، وذلك مما يخالف نهج العربية ؛ لأن الفعل ( زال ) بصيغة الماضي إذا استعمل ناقصاً وسبقته (لا) ينصرف إلى الدعاء ، كقولنا : لا زلت ممتعا بالصحة والعافية ؛ فهذا دعاء لا غير ، والصواب في المثال الأول : لا يزال الكتاب مخطوطا ، أو ما زال الكتاب مخطوطا . فإذا جاء الفعل بصيغة المضارع صح دخول النفي بما أو لا لإفادة معنى الاستمرار بلا حرج ، وبالله التوفيق .

طالع غيرَ مأمور:
الكتاب لا زال مخطوطا .. تعبير فاحش الخطأ للكاتب محمد بن القاضي

وقد قال أبو مالك العوضي وفقه الله في إحدى مشاركاته في هذا الموضوع:
وأشير إلى أن بعضهم قد أجاز مثل هذا الأسلوب، وإن لم يكن هو الجادة في كلام العرب.

واستشهد ببعض الشواهد على ذلك، وعلى جميعها إيرادات، منها قوله تعالى: { فلا اقتحم العقبة }.

وقد كنتُ قديما جمعتُ بعض الأبيات التي قال فيها الشعراء (لا زال) فجمعت أكثر من مائة بيت، وكلها دعائية، ولم أجد بيتا واحدا فيه (لا زال) نفيا، إلا ما كان في كلام بعض المتأخرين جدا!
 
عودة
أعلى