أبو فهر السلفي
New member
- إنضم
- 26/12/2005
- المشاركات
- 770
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
هذه درة مضية وشذرة ذهبية انتزعتها من مقدمة الشيخ العلامة محمد محمد أبي موسى لكتابه الجديد : (( مراجعات في أصول الدرس البلاغي)).
والحق أنها مقالة ضافية،تحفة تستحق الإشادة والإعجاب ،فلم أجد والحال هذه أعز علي من إخواني في شبكة التفسير لأتحفهم بها راجيا انتفاعهم بها.
يقول حفظه الله ورعاه في كلام شريف يستحق أن تنتبه لألفاظه وتستيقظ لمعانيه:
(( إنه من أهم ما يجب أن يكون هو أن نبذل فى دراسة علومنا القدر الذى بذله كل جيل من أجيال علمائنا الذين سبقونا بإحسان مع زيادة فى المجهود ، وزيادة فى التحرير والتدقيق وزيادة فى إتقان الوسائل وتجويد العمل تتعادل هذه الزيادة مع التقدم السريع الذى تحققه الأجيال فى سباقها المحموم نحو التقدم والسبق والغلبة .
وكانت أجيالنا من العلماء الذين سبقونا يبذلون كل وقتهم وكدهم وجهدهم فى تقريب علم الأمة الى أجيالها وخلق السبل الميسرة للتواصل بين أهل الزمان الذى يعيش فيه العالم وبين العلم الذى شغل به ، إيماناً منهم بضرورة أن تقارب هذه العلوم عقول الأجيال وأن تساكن نفوسهم وهم يمارسون ما يمارسون من بناء وتقدم ، لأن روح الأمة وماهيتها وما تمتاز به بين الناس من خصوصية إنما هو فى هذه العلوم ، وما تتضمن من قيم وأفكار ومعان ومبادئ وليس تقريب العلم من روح العصر بالأمر الهين و لا هو بتغيير فى أسلوب العلم ولغته وإنما تقريب العلم من روح العصر وأهل الزمن عمل أبعد من ذلك ، ولا يقف أبداً عند اللغة لأنه إعمال العقل فى جوهر المعرفة ، وتحوير فى هذا الجوهر وتعديل فى البناء الفكري حتى يتلاءم جوهر العلم مع الزمن الجديد وهذا جهاد آخر لا يقل عن جهاد الذين أسسوا ، واستنبطوا ، ثم هو نفسه تطوير للفكر وتجديد له وتحديث له ، لأن إعمال العقل لا يكون أمر معتداً به ما لم ينفذ هذا العقل الى حقائق العلم وينفث فيها من روحه ، فيستحسن ما يستحسن من أفكار ، ويطيل الكلام فيه ويكشف وجها من وجوه حسنه كان مغشى فى كلام من سبق ، ويستهين بفكره ، ويغمض الكلام فيها وكانت بارزة فى كلام من سبق ، وبذلك وغيره كثير يصير هذا العلم مصبوغاً بعقل هذا الباحث الذى درسه وقربه وأحضره لعصره ولهذا نري كل كتاب فى العلم الواحد والذى له ثوابت واحدة يتميز بتميز مصنفه ، ويحمل روح كاتبه هذه الروح التى تصر على أن تظهر من وراء الثوابت الكثيرة والضوابط المطردة .
ولا يكون تقديم العلم الى الزمن الذى نحن فيه تغييراً فى الأسلوب فحسب إلا عند الملخصين للمعرفة والذين يأخذون ظواهرها ولا تتولج قلوبهم وعقولهم فى حقائقها وجوهرها . وقد قالوا إن كتاب سيبويه مع جودته وأنه لم يشذ عنه شئ فى بابه حتى إن أبا الطيب اللغوي كان يسميه قرآن النحو ، أقول هو مع هذا قالوا فيه إنه كتب على شريطة زمانه قال بن كيسان : (نظرنا فى كتاب سيبويه فوجدناه فى الموضع الذى يستحقه ، ووجدنا ألفاظه تحتاج الى عبارة وإيضاح لأنه كتاب ألف فى زمان كان أهله يألفون مثل هذه الألفاظ فاختصر على مذهبهم) انتهى كلام ابن كيسان . وقوله وجدنا ألفاظه تحتاج الى عبارة وإيضاح لا أفهم منها غرابة الألفاظ لأن كتاب سيبويه ليس فيه ألفاظ غريبة وإنما الألفاظ هنا المراد بها صياغة الأفكار وتركيب الأفكار وأن الإيضاح المقصود هو إعادة تركيب الأفكار على الوجه الذى يفهمه أهل الزمان وإن سر وروده فى كتاب سيبويه هو أن أهل زمانه كانوا يؤلفون هذه الأبنية أعنى أبنية الأفكار ولذلك نجد أن الغموض الذى ذكره العلماء فى كتاب سيبويه وسأل فيه الأكابر الأكابرَ لم يكن راجعاً الى لفظ غريب وإنما كان راجعاً الى بيان مراد سيبويه من عبارته وراجع شروحه سيبويه فى الأزمنة المتتابعة تجد كل شرح كأنه صناعة جديدة لعلم سيبويه أعني وعياً جديداً للمادة النحوية وبناء جديداً لها وهذا هو الذى يفسر لنا ولع أهل العلم بقراءة الكتاب حتى إن أحد نحاة الأندلس وهو عبد الله بن محمد بن عيسي كان يختم كتاب سيبويه فى كل خمسة عشر يوماً وهذا قاطع فى أن المراد ليس هو تحصيل المادة العلمية كما هى فى الكتاب وإنما المراد التدسس فى أعطاف هذه المادة لإستخراج ما خفى من علم الرجل وكان أبو جعفر النحاس يقول: ( إن سيبويه جعل من كتابه شروحاً وجعل فيه مشتبهاً ليكون من استنبط ونظر فضل وعلى هذا خاطبهم الله عز وجل بالقرآن) .
الذى أريده هو أن اللاحقين من علمائنا بذلوا من الجهد فى مزاولة وتحرير وتدقيق علم من سبقوهم الشئ الكثير حتى أنك لو قلت أنهم أكثر كدا وكدحاً ومزاولة وصبراً لم تتجاوز وإن كانوا دائماً يعترفون بالتقصير وتقديم من سبق لأن هذا من خلق وطبع أهل العلم .
لا شك فى أن من شراح سيبويه وممن قرؤوا كتابه وعقبوا عليه من لا يقل فضلاً وعلماً عن سيبويه، ولا أتردد فى أن أبا سعيد السيرافي كان من طبقة سبويه فى عمله ، وذكاءه ووعيه باللسان وربما كان أوسع ميداناً من سيبويه لأنه كان مفسراً وفقيهاً ومفتياً وقد وصفه أبو حيان بقوله كان أبو سعيد أجمع لشمل العلم وأنظم لمذاهب العرب وأدخل فى كل باب وأخرج من كل طريق وألزم للجادة الوسطي فى الدين والخلق وأقضى فى الأحكام وأفقه فى الفتوي .
أردت أن أؤكد أن الذين عالجوا نقل المعرفة من جيل الى جيل على الوجه الأفضل والأشمل والأمكن هم الذين طوروها من خلال هذه المعالجة وقد بذلوا فى ذلك جهوداً لا تقل عن جهود الذين استنبطوا واستخرجوا وأنهم كانوا يعانون التغلغل فى أعطاف المعرفة وفى جوهر المعرفة تغلغلاً يكشف لهم خبايها وسرها وفقهها وأن زماننا حرم من هذا الصبر والانقطاع وطول الملازمة وكل ذلك وما هو أكثر منه واجب فى تقريب العلوم واستمرار تيارها وتفاعلها وفعلها فى أجيال العامة والخاصة ومن الخطر أن يتوقف هذا التيار وخصوصاً بعد هجمات التغريب التى دخلت العلوم العربية والاسلامية وهى فى أحضان المخلصين لها .
الأصل أن يجتهد المشتغلون بعلم البلاغة فى زماننا اجتهاد عبد القاهر والزمخشري والرازي وأبو يعقوب وابن الأثير وابن أبى الأصبع وغيرهم وأن يجتهد النحاة اجتهاد الخليل وسيبويه وينس والأخفش والصرفي وأبى على وأبى الفتح وأن يجتهد الفتح اجتهاد مالك والشافعي وأحمد ومن فى طبقتهم ولا يكون ذلك إلا بالإنقطاع والصبر وطول الملابسة والصدق والإخلاص وهذا هو الطريق الذى لا طريق للناس سواه فى تطوير المعرفة ونموها وإزدهارها وليس باللغو الكاذب الذى تراه من حولك وتسمعه .
وهذا الاجتهاد وهذا الصبر وهذا الإخلاص وهذا الصدق هو الذى تتخلق فى محيطه النقي الصادق عبقريات لا غنى لحياة الناس عنها وأن يكون ذلك فى كل ميادين المعرفة وإن لمن الشئ الذى يجب أن نتوقف عنده بحذر وخوف هو أن تنقطع سلسلة النجوم فى أى فرع من فروع المعرفة حتى لا نري نابها مع كل عقد من الزمن فى كل باب من أبواب العلم.
إنه لمن المخيف بل والمرعب أن تنسي حياتنا ظهور النوابغ وأن تغفل عن صناعتهم وأن تكون جامعتنا كالأرض الخراب ليس فيها إلا أصداء أصوات الآخرين فى كل فروع المعرفة وليس لهذا كله على إلا علة واحدة هى أننا نسينا مذاهب العلماء فى الانقطاع لطلب العلم والصبر على ملازمة الدرس والمراجعة والصدق النقي فى طلب وجه الصواب وتخليص النفس من كل شئ إلا لهذا ولم تضع يد لبنة فى بناء المعرفة فى أي باب إلا بالصبر وطول المراجعة وطول الانقطاع والصدق وهؤلاء فى تاريخنا هم الشراه الذي اشترى الله منهم أنفسهم .
وهذا الانقطاع الواجب الذى لا بد أن يكون فى جمهرة الدارسين فى كل فرع من فروع المعرفة ليس من الترف وإنما هو من الواجب الذى لا سبيل إلى التخلي عنه وذلك لأن طبيعة المعرفة لا تكشف لنا عن جوهرها المكنون إلا بهذا الصبر وهذا الانقطاع وأن عبد الله بن محمد بن عيسي الأندلسي الذى كان يختم كتاب سيبويه كل خمسة عشر يوماً لم يكن عابثاً ولم يقتل فراغه بذلك وطول المراجعة لكتب العلماء تكشف جوانب لأن مدد العلم لا ينقطع وشريعته دائماً زرقاء كما يقول عبد القاهر يعني فيها الجديد لكل من طلب العلم على وجهه ووجهه هو الانقطاع والصدق والصبر
ومعنى قولهم أن العلم لا يؤتيك بعضه إلا إذا أتيته كلك أن العلم إذا أعطيته بعض لا يعطيك شيئاً وما طالت مراجعاتي لباب إلا تكشفت به وجوه من المعاني لم تكن قبل طول المراجعة وتحصيل العلم وحده هو الخطوة الأولى والدرجة الأولي التى يجب أن يقف عليها عامة الناس وخاصتهم ثم تأتي المراقى بعد ذلك مرقاه فوق مرقاه وتمتد بامتداد الحياة وامتداد المراجعة والانقطاع والصبر والصدق .
هذا هو العاصم الذى يعصم عقل الأمة من الإنزلاق فى مستنقع التبعية الفكرية التى تري كثيراً منا غارقاً فيها وهو مغتبط بتبعيته وعبوديته لعدوه الألد .
ولله فى خلقه شئون )).
والحق أنها مقالة ضافية،تحفة تستحق الإشادة والإعجاب ،فلم أجد والحال هذه أعز علي من إخواني في شبكة التفسير لأتحفهم بها راجيا انتفاعهم بها.
يقول حفظه الله ورعاه في كلام شريف يستحق أن تنتبه لألفاظه وتستيقظ لمعانيه:
(( إنه من أهم ما يجب أن يكون هو أن نبذل فى دراسة علومنا القدر الذى بذله كل جيل من أجيال علمائنا الذين سبقونا بإحسان مع زيادة فى المجهود ، وزيادة فى التحرير والتدقيق وزيادة فى إتقان الوسائل وتجويد العمل تتعادل هذه الزيادة مع التقدم السريع الذى تحققه الأجيال فى سباقها المحموم نحو التقدم والسبق والغلبة .
وكانت أجيالنا من العلماء الذين سبقونا يبذلون كل وقتهم وكدهم وجهدهم فى تقريب علم الأمة الى أجيالها وخلق السبل الميسرة للتواصل بين أهل الزمان الذى يعيش فيه العالم وبين العلم الذى شغل به ، إيماناً منهم بضرورة أن تقارب هذه العلوم عقول الأجيال وأن تساكن نفوسهم وهم يمارسون ما يمارسون من بناء وتقدم ، لأن روح الأمة وماهيتها وما تمتاز به بين الناس من خصوصية إنما هو فى هذه العلوم ، وما تتضمن من قيم وأفكار ومعان ومبادئ وليس تقريب العلم من روح العصر بالأمر الهين و لا هو بتغيير فى أسلوب العلم ولغته وإنما تقريب العلم من روح العصر وأهل الزمن عمل أبعد من ذلك ، ولا يقف أبداً عند اللغة لأنه إعمال العقل فى جوهر المعرفة ، وتحوير فى هذا الجوهر وتعديل فى البناء الفكري حتى يتلاءم جوهر العلم مع الزمن الجديد وهذا جهاد آخر لا يقل عن جهاد الذين أسسوا ، واستنبطوا ، ثم هو نفسه تطوير للفكر وتجديد له وتحديث له ، لأن إعمال العقل لا يكون أمر معتداً به ما لم ينفذ هذا العقل الى حقائق العلم وينفث فيها من روحه ، فيستحسن ما يستحسن من أفكار ، ويطيل الكلام فيه ويكشف وجها من وجوه حسنه كان مغشى فى كلام من سبق ، ويستهين بفكره ، ويغمض الكلام فيها وكانت بارزة فى كلام من سبق ، وبذلك وغيره كثير يصير هذا العلم مصبوغاً بعقل هذا الباحث الذى درسه وقربه وأحضره لعصره ولهذا نري كل كتاب فى العلم الواحد والذى له ثوابت واحدة يتميز بتميز مصنفه ، ويحمل روح كاتبه هذه الروح التى تصر على أن تظهر من وراء الثوابت الكثيرة والضوابط المطردة .
ولا يكون تقديم العلم الى الزمن الذى نحن فيه تغييراً فى الأسلوب فحسب إلا عند الملخصين للمعرفة والذين يأخذون ظواهرها ولا تتولج قلوبهم وعقولهم فى حقائقها وجوهرها . وقد قالوا إن كتاب سيبويه مع جودته وأنه لم يشذ عنه شئ فى بابه حتى إن أبا الطيب اللغوي كان يسميه قرآن النحو ، أقول هو مع هذا قالوا فيه إنه كتب على شريطة زمانه قال بن كيسان : (نظرنا فى كتاب سيبويه فوجدناه فى الموضع الذى يستحقه ، ووجدنا ألفاظه تحتاج الى عبارة وإيضاح لأنه كتاب ألف فى زمان كان أهله يألفون مثل هذه الألفاظ فاختصر على مذهبهم) انتهى كلام ابن كيسان . وقوله وجدنا ألفاظه تحتاج الى عبارة وإيضاح لا أفهم منها غرابة الألفاظ لأن كتاب سيبويه ليس فيه ألفاظ غريبة وإنما الألفاظ هنا المراد بها صياغة الأفكار وتركيب الأفكار وأن الإيضاح المقصود هو إعادة تركيب الأفكار على الوجه الذى يفهمه أهل الزمان وإن سر وروده فى كتاب سيبويه هو أن أهل زمانه كانوا يؤلفون هذه الأبنية أعنى أبنية الأفكار ولذلك نجد أن الغموض الذى ذكره العلماء فى كتاب سيبويه وسأل فيه الأكابر الأكابرَ لم يكن راجعاً الى لفظ غريب وإنما كان راجعاً الى بيان مراد سيبويه من عبارته وراجع شروحه سيبويه فى الأزمنة المتتابعة تجد كل شرح كأنه صناعة جديدة لعلم سيبويه أعني وعياً جديداً للمادة النحوية وبناء جديداً لها وهذا هو الذى يفسر لنا ولع أهل العلم بقراءة الكتاب حتى إن أحد نحاة الأندلس وهو عبد الله بن محمد بن عيسي كان يختم كتاب سيبويه فى كل خمسة عشر يوماً وهذا قاطع فى أن المراد ليس هو تحصيل المادة العلمية كما هى فى الكتاب وإنما المراد التدسس فى أعطاف هذه المادة لإستخراج ما خفى من علم الرجل وكان أبو جعفر النحاس يقول: ( إن سيبويه جعل من كتابه شروحاً وجعل فيه مشتبهاً ليكون من استنبط ونظر فضل وعلى هذا خاطبهم الله عز وجل بالقرآن) .
الذى أريده هو أن اللاحقين من علمائنا بذلوا من الجهد فى مزاولة وتحرير وتدقيق علم من سبقوهم الشئ الكثير حتى أنك لو قلت أنهم أكثر كدا وكدحاً ومزاولة وصبراً لم تتجاوز وإن كانوا دائماً يعترفون بالتقصير وتقديم من سبق لأن هذا من خلق وطبع أهل العلم .
لا شك فى أن من شراح سيبويه وممن قرؤوا كتابه وعقبوا عليه من لا يقل فضلاً وعلماً عن سيبويه، ولا أتردد فى أن أبا سعيد السيرافي كان من طبقة سبويه فى عمله ، وذكاءه ووعيه باللسان وربما كان أوسع ميداناً من سيبويه لأنه كان مفسراً وفقيهاً ومفتياً وقد وصفه أبو حيان بقوله كان أبو سعيد أجمع لشمل العلم وأنظم لمذاهب العرب وأدخل فى كل باب وأخرج من كل طريق وألزم للجادة الوسطي فى الدين والخلق وأقضى فى الأحكام وأفقه فى الفتوي .
أردت أن أؤكد أن الذين عالجوا نقل المعرفة من جيل الى جيل على الوجه الأفضل والأشمل والأمكن هم الذين طوروها من خلال هذه المعالجة وقد بذلوا فى ذلك جهوداً لا تقل عن جهود الذين استنبطوا واستخرجوا وأنهم كانوا يعانون التغلغل فى أعطاف المعرفة وفى جوهر المعرفة تغلغلاً يكشف لهم خبايها وسرها وفقهها وأن زماننا حرم من هذا الصبر والانقطاع وطول الملازمة وكل ذلك وما هو أكثر منه واجب فى تقريب العلوم واستمرار تيارها وتفاعلها وفعلها فى أجيال العامة والخاصة ومن الخطر أن يتوقف هذا التيار وخصوصاً بعد هجمات التغريب التى دخلت العلوم العربية والاسلامية وهى فى أحضان المخلصين لها .
الأصل أن يجتهد المشتغلون بعلم البلاغة فى زماننا اجتهاد عبد القاهر والزمخشري والرازي وأبو يعقوب وابن الأثير وابن أبى الأصبع وغيرهم وأن يجتهد النحاة اجتهاد الخليل وسيبويه وينس والأخفش والصرفي وأبى على وأبى الفتح وأن يجتهد الفتح اجتهاد مالك والشافعي وأحمد ومن فى طبقتهم ولا يكون ذلك إلا بالإنقطاع والصبر وطول الملابسة والصدق والإخلاص وهذا هو الطريق الذى لا طريق للناس سواه فى تطوير المعرفة ونموها وإزدهارها وليس باللغو الكاذب الذى تراه من حولك وتسمعه .
وهذا الاجتهاد وهذا الصبر وهذا الإخلاص وهذا الصدق هو الذى تتخلق فى محيطه النقي الصادق عبقريات لا غنى لحياة الناس عنها وأن يكون ذلك فى كل ميادين المعرفة وإن لمن الشئ الذى يجب أن نتوقف عنده بحذر وخوف هو أن تنقطع سلسلة النجوم فى أى فرع من فروع المعرفة حتى لا نري نابها مع كل عقد من الزمن فى كل باب من أبواب العلم.
إنه لمن المخيف بل والمرعب أن تنسي حياتنا ظهور النوابغ وأن تغفل عن صناعتهم وأن تكون جامعتنا كالأرض الخراب ليس فيها إلا أصداء أصوات الآخرين فى كل فروع المعرفة وليس لهذا كله على إلا علة واحدة هى أننا نسينا مذاهب العلماء فى الانقطاع لطلب العلم والصبر على ملازمة الدرس والمراجعة والصدق النقي فى طلب وجه الصواب وتخليص النفس من كل شئ إلا لهذا ولم تضع يد لبنة فى بناء المعرفة فى أي باب إلا بالصبر وطول المراجعة وطول الانقطاع والصدق وهؤلاء فى تاريخنا هم الشراه الذي اشترى الله منهم أنفسهم .
وهذا الانقطاع الواجب الذى لا بد أن يكون فى جمهرة الدارسين فى كل فرع من فروع المعرفة ليس من الترف وإنما هو من الواجب الذى لا سبيل إلى التخلي عنه وذلك لأن طبيعة المعرفة لا تكشف لنا عن جوهرها المكنون إلا بهذا الصبر وهذا الانقطاع وأن عبد الله بن محمد بن عيسي الأندلسي الذى كان يختم كتاب سيبويه كل خمسة عشر يوماً لم يكن عابثاً ولم يقتل فراغه بذلك وطول المراجعة لكتب العلماء تكشف جوانب لأن مدد العلم لا ينقطع وشريعته دائماً زرقاء كما يقول عبد القاهر يعني فيها الجديد لكل من طلب العلم على وجهه ووجهه هو الانقطاع والصدق والصبر
ومعنى قولهم أن العلم لا يؤتيك بعضه إلا إذا أتيته كلك أن العلم إذا أعطيته بعض لا يعطيك شيئاً وما طالت مراجعاتي لباب إلا تكشفت به وجوه من المعاني لم تكن قبل طول المراجعة وتحصيل العلم وحده هو الخطوة الأولى والدرجة الأولي التى يجب أن يقف عليها عامة الناس وخاصتهم ثم تأتي المراقى بعد ذلك مرقاه فوق مرقاه وتمتد بامتداد الحياة وامتداد المراجعة والانقطاع والصبر والصدق .
هذا هو العاصم الذى يعصم عقل الأمة من الإنزلاق فى مستنقع التبعية الفكرية التى تري كثيراً منا غارقاً فيها وهو مغتبط بتبعيته وعبوديته لعدوه الألد .
ولله فى خلقه شئون )).