إنكار المدرسة العقلية الحديثة لحقيقة السحر وبيان الحق في ذلك:

إنضم
12/01/2013
المشاركات
701
مستوى التفاعل
21
النقاط
18
العمر
52
الإقامة
مراكش-المغرب
بسم1


إنكار المدرسة العقلية الحديثة لحقيقة السحروبيان الحق في ذلك:

مما خالفت فيه المدرسة العقلية الحديثة سلف الأمة في تفسير القرآن الكريم مسألة السحر سالكة بذلك مسلك المدرسة العقلية القديمة -المعتزلة-، وهذه أقوال لبعض أقطاب هذه المدرسة في تأوليهم للسحر، وبيان الحق في ذلك:
يقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى:[FONT=QCF_BSML] ﭽ [/FONT][FONT=QCF_P128]ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ [/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT][SUP]([/SUP][1][SUP])[/SUP]:" والآية تدل على أن السحر خداع باطل، وتخييل يري ما لا حقيقة له في صورة الحقائق...فقد نص القرآن على أن السحر تخييل لما ليس واقعا، وأنه كيد ومكر..."[SUP]([/SUP][2][SUP])[/SUP]، وقال عند تفسير قوله تعالى:[FONT=QCF_BSML] ﭽ [/FONT][FONT=QCF_P016]ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ [/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT][SUP]([/SUP][3][SUP])[/SUP]:" وقد وصف الله السحر في القرآن بأنه تخييل يخدع الأعين فيريها ما ليس بكائن كائنا..."[SUP]([/SUP][4][SUP])[/SUP]، وهذا ما أكده في مجلته –المنار- بقوله:" السحر لغة إخراج الباطل في صورة الحق بالتمويه والخداع ، والسحر الذي جاء في الشرع ليس غير هذا بدليل وصفه تعالى لعمل سحرة فرعون في قوله جلت حكمته:[FONT=QCF_BSML] ﭽ [/FONT][FONT=QCF_P164]ﯝ ﯞ[/FONT][FONT=QCF_P164]ﯟ[/FONT][FONT=QCF_P164] ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ [/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT][SUP]([/SUP][5][SUP])[/SUP][FONT=QCF_BSML]ﭽ [/FONT][FONT=QCF_P316]ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ [/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT][SUP]([/SUP][6][SUP])[/SUP]"[SUP]([/SUP][7][SUP])[/SUP]. هذا الإنكار لحقيقة السحر دفعهم إلى إنكار سحر اليهود للنبي صلى الله عليه و سلم[SUP]([/SUP][8][SUP])[/SUP].
يقول الشيخ محمد عبده:" وقد رووا ههنا أحاديث في أن النبي صلى الله عليه وسلم سحره لبيد بن الأعصم وأثر سحره فيه حتى كان يخيل له أنه يفعل الشيء وهو لا يفعله... ولا يخفى أن تأثير السحر في نفسه عليه السلام حتى يصل به الأمر إلى أن يظن أنه فعل شيئًا وهو لا يفعله ، ليس من قبيل تأثير الأمراض في الأبدان ،ولا من قبيل عروض السهو والنسيان في بعض الأمور العادية ، بل هو ماس بالعقل ، آخِذٌ بالروح ، وهو مما يصدق قول المشركين فيه :[FONT=QCF_BSML] ﭽ [/FONT][FONT=QCF_P286]ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ [/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT][SUP]([/SUP][9][SUP])[/SUP]... وقد قال كثير من المقلدين الذين لا يعقلون ما هي النبوة ولا ما يجب لها[SUP]([/SUP][10][SUP])[/SUP] : إن الخبر بتأثير السحر في النفس الشريفة قد صح ، فيلزم الاعتقاد به ... وقد جاء القرآن بصحة السحر . فانظر كيف ينقلب الدين الصحيح والحق الصريح في نظر المقلد بدعة ؟ نعوذ بالله...وأما الحديث فعلى فرض صحته هو آحاد ، والآحاد لا يؤخذ بها في باب العقائد وعصمة النبي من تأثير السحر في عقله عقيدة من العقائد لا يؤخذ في نفيها عنه إلا باليقين ، ولا يجوز أن يؤخذ فيها بالظن والمظنون..."[SUP]([/SUP][11][SUP]) [/SUP].
وسلف هؤلاء في إنكار السحر المعتزلة الذين بلغ الأمر ببعضهم إلى تكفير من أقر بحقيقته،" وأما أهل السنة فقد جوزوا أن يقدر الساحر على أن يطير في الهواء ويقلب الإنسان حماراً والحمار إنساناً إلا أنهم قالوا إن الله تعالى هو الخالق لهذه الأشياء عندما يقرأ الساحر رقى مخصوصة وكلمات معينة فأما أن يكون المؤثر في ذلك الفلك والنجوم فلا..."[SUP]([/SUP][12][SUP])[/SUP]، يقول الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى:[FONT=QCF_BSML] ﭽ [/FONT][FONT=QCF_P016]ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ[/FONT][FONT=QCF_P016]ﭘ[/FONT][FONT=QCF_P016] ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ [/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT][SUP]([/SUP][13][SUP])[/SUP]:" فمن ذلك ما جاء في هذه الآية من ذكر السحر وتعليمه ، ولو لم يكن له حقيقة لم يمكن تعليمه، ولا أخبر تعالى أنهم يعلمونه الناس ، فدل على أن له حقيقة."[SUP]([/SUP][14][SUP])[/SUP]. وقال الإمام المازري رحمه الله تعالى:" مذهب أهل السنة وجمهور علماء الأمة على إثبات السحر وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثابتة خلافا لمن أنكر ذلك ونفى حقيقته وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة لا حقائق لها وقد ذكره الله تعالى فى كتابه وذكر أنه مما يتعلم وذكر مافيه اشارة إلى أنه مما يكفر به وأنه يفرق بين المرء وزوجه وهذا كله لا يمكن فيما لاحقيقة له."[SUP]([/SUP][15][SUP])[/SUP].
يقول الحافظ الحكمي رحمه الله تعالى في منظومته الموسومة سلم الوصول إلى علم الأصول:
والسحر حق وله تأثيـــــــــــــــــــــر ... لكن بما قدره القديــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر
أعني بذا التقدير ما قد قدره ... في الكون لا في الشرعة المطهره
ويقول رحمه الله تعالى في شرحه لهذين البيتين:" والسحر حق يعني متحقق وقوعه ووجوده ولو لم يكن موجودا حقيقة لم ترد النواهي عنه في الشرع والوعيد على فاعله والعقوبات الدينية والأخروية على متعاطيه والاستعاذة منه أمرا وخبرا... وله تأثير فمنه ما يمرض ومنه ما يقتل ومنه ما يأخذ بالعقول ومنه ما يأخذ بالأبصار ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه لكن تأثيره ذلك إنما هو بما قدره القدير سبحانه وتعالى أي بما قضاه وقدره وخلقه عندما يلقي الساحر ما ألقى ولذا قلنا أعني بذا التقدير في قوله بما قدره القدير وما قد قدره في الكون وشاءه لا أنه أمر به في الشرعة التي أرسل الله بها رسله وأنزل بها كتبه المطهرة من ذلك وغيره"[SUP]([/SUP][16][SUP])[/SUP].
وأما شبهة الشيخ محمد عبد في إنكاره لسحر النبي صلى الله عليه وسلم بحجة أن ذلك يخالف صريح القرآن في تنزيهه صلى الله عليه وسلم عن السحر، فالحق أن القرآن الكريم لا يعارض السنة، وكيف يتعارضان وهما من مشكاة واحدة، والجمع بين ما ورد من الآيات في تنزيهه صلى الله وسلم من السحر وبين حديث عائشة رضي الله عنها واضح: ففي كل ما يتعلق بأمور الدين والوحي وتبليغ الشرع لا يمكن أن يطرأ عليه صلى الله عليه وسلم ما يؤثر في عقله لأن الله تعالى تكفل بحفظ كتابه ووحيه، ومن لوازم هذا الحفظ حفظه صلى الله عليه وسلم من كل ما قد يؤثر في التبليغ. وأما في أمور الدنيا التي لا علاقة لها بالوحي وتبليغه فقد يعرض له صلى الله عليه وسلم بطبيعته البشرية ما قد يؤثر فيه من سحر ونحوه.
يقول الإمام المازري رحمه الله تعالى:"وقد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث بسبب آخر فزعم أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع وهذا الذى ادعاه هؤلاء المبتدعة باطل لأن الدلائل القطعية قد قامت على صدقه وصحته وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ والمعجزة شاهدة بذلك وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل فأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التى لم يبعث بسببها ولا كان مفضلا من أجلها وهو مما يعرض للبشر فغير بعيد أن يخيل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له.".

والله أعلم وأحكم.


([1] ) سورة الأنعام، الآية:7.

([2] ) رشيد رضا، تفسير المنار، مرجع سابق،7/257.

([3] ) سورة البقرة:الآية 102.

([4] ) رشيد رضا، المرجع السابق،1/325.

([5] ) سورة الأعراف:الآية 116.

([6] ) سورة طه:الآية 66.

([7] ) رشيد رضا، محمد، "الداء أو الفتور العام"، مجلة المنار، المجلد الخامس،( غرة صفر - 1320هـ 9 مايو - 1902م)،ص:105.

([8] ) وحديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم ثبت في البخاري وغيره، فقد روى رحمه الله تعالى بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت:" سحر النبي صلى الله عليه و سلم حتى إنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله ودعاه ثم قال ( أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه ) . قلت وما ذاك يا رسول الله ؟ قال ( جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي ثم قال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل ؟ قال مطبوب قال ومن طبه ؟ قال لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق قال في ماذا ؟ قال في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر قال فأين هو ؟ قال في بئر ذي أروان )..." -كتاب الطب،باب السحر، رقم الحديث:5433-.

([9] ) سورة الإسراء الآية 47.

([10] ) إذن فعلى زعم محمد عبده فكل الأئمة الكبار الذين رووا الحديث كالإمام البخاري والإمام مسلم والإمام أحمد وغيرهم، وكل من اعتقد بصحة الحديث وأثبت قصة سحره صلى الله عليه وسلم هم من المقلدين الذين لا يعقلون معنى النبوة...فإن كان مثل هؤلاء لا يعقلون معنى النبوة فمن يعقلها إذن؟ أهم العقلانيون الذين آثروا إلا تحكيم عقولهم في فهم النقل، واستكفوا من إخضاعها للشرع؟

([11] ) محمد عبده، تفسير جزء عم،ط 3،(مصر: مطبعة مصر،1341هــ)،181-182.

([12] ) الرازي، مفاتيح الغيب:3/193.

([13] ) سورة البقرة، الآية:102.

([14] ) القرطبي، مرجع سابق، 2/46.

([15] ) النووي، أبو زكريا يحيى، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، ط 2،(بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1392)،14/174.

([16] ) حافظ حكمي، معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول، تحقيق عمر بن محمود أبو عمر،ط1،(الدمام: دار ابن القيم، 1410 – 1990)، 2/544.
 
السحر موجود لكن ما عليه الناس في دول الخليج مبالغ فيه جدا، وأخشى أن يفتح عليهم هذا الاعتقاد وما يترتب عليه من الرقى باب الشعوذة المقنعة ثم السافرة.
بعض الناس يكفيهم العلم بالوجود حتى يعمموا.
لهؤلاء العقلانيين دور إيجابي في كبح جماح النفوس المتسحرة.
فمنذ صدر كتاب محمد الغزالي المثير للجدل "السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث" نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، خفت حدة الحديث عن السحر، وتقلصت مبيعات كتب وحيد عبد السلام بالي وأمثاله إلى أقل من 20% في الوقت الذي كانت الردود على الغزالي حادة بقدر ما كانت آراؤه صادمة للرادين عليه.
 
إنكار المدرسة العقلية الحديثة لحقيقة السحر وبيان الحق في ذلك:

حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالف القرآن فقد قال الله تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام ( يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) فالتخييل قد يحصل للأنبياء بتأثير السحر بإذن الله عز وجل لكن ما يُمكن أن يُتناقش فيه هو قول الراوي واصفا شأن النبي عليه الصلاة والسلام أنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله، والذين ردوا الخبر مصيبون من وجه ومخطئون من وجه. مصيبون من حيث دفاعهم عن العصمة وما قد يجره ظاهر الخبر من معنى، فهم من هذا الوجه مجتهدون مجزيون بحسن نياتهم. وما نحسبهم أخطئوا فيه هو المسارعة إلى رد الخبر جملة في حين أن لقبوله وجها ثابتا في القرآن العظيم وقد كان يمكنهم مناقشة الراوي في تعبيره عن الحدث وهذا مخرج لكثير من الإشكالات العقدية لأن الرواة غير معصومين عن الخطأ في التعبير ما داموا ليسوا أنبياء وهذا معلوم من الدين بالضرورة والله أعلم
 
نعم، نتعبد الله تعالى بإثبات ما في الصحيحين.
لكن لو كان الأمر بدرجة خوفنا في زمننا لو كان مستفيضاً في زمن القرون الأولى لانتشرت أخباره ولتواترت قصص الرقاة في الصدر الأول حيث حقد اليهود أشد، والشياطين أنشط؛ والسحرة أكثر عدداً، والعلم أقل، والحاجة إلى السحر أدعى.. حتى إنه في زمننا صار الخوف من السحر أشد من خشية الذنوب والشيطان، بل بتنا نخشى على توحيد الناس وسلامة توكلهم على الله.

قرأت في زمننا أن أحدهم ارتكب جريمة قتل، ثم زعم بأنه كان تحت تأثير السحر، وأحضر القاضي (خبراء) أكدوا بأنه صادق، فقد قام بجريمته تحت تأثير السحر، فأفرجَ عنه!

وقبل أسبوعين قرأت على تويتر أن إحدى النسوة حلفت أنها تدعو في كل صلاة على عالم معروف في بلدها أباح (النشرة) عند الضرورة، فما كان منها إلا أن ذهبت إلى ساحر استغل حاجتها واعتدى عليها.

لا أدري مدى صحة الخبرين، ولكن (الأمر إذا اتسع ضاق)، كما يقول الأصوليون.
 
جوابي للأخ عبد الرحمن الصالح:

- قلت:"ما يُمكن أن يُتناقش فيه هو قول الراوي واصفا شأن النبي عليه الصلاة والسلام أنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله"اهــ:
وهذا القول منك فيه نظر، لأن القائل لذاك الكلام هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، والحديث ثابت في أصح الكتب بعد القرآن الكريم ألا وهو صحيح البخاري.
كما أنه ثابت في صحيح مسلم بلفظ:"سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي من يهود بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم قالت: حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله."
فهذان الإمامان الجليلان والعلمان الكبيران اتفقا على إثبات هذا اللفظ من كلام عائشة رضي الله عنها، وهي أقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأعلمهم بحاله خاصة في ما يتعلق بالأمور والأحداث الواقعة في بيته، وحاشاها رضي الله عنه أن تدعي أنه صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله، دون أن يكون الأمر كذلك.
وليس ذاك الكلام من كيس راو أو مدرج من أحد رجال السند، أو عبارة عبر بها أحد روات الحديث، حتى نضعها على طاولة المناقشة، والحقيقة أن مثل هذا الكلام سيفتح الباب على مصراعيه أمام المتأولين أو المنكرين لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
مع أن قولها"يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله" واضح المعنى وإن وقع تغيير في العبارة أو اللفظ من بعض الروات.
- كذلك قولك:"مصيبون من حيث دفاعهم عن العصمة" فيه نظر، لأن الدفاع عنه صلى الله عليه وسلم وعن عصمته لا يكون بإنكار سنته ورد ما ثبت من خبره، بل الدفاع عنه وعن عصمته يكون بالاستسلام لسنته وقبول خبره، وعدم تأويله أو إنكاره أو إخضاعه لميزان العقل.
وهل الأئمة الكبار ومنهم الشيخان وغيرهم ممن أثبت الحديث على ظاهره هم متنقصون لعصمته صلى الله عليه وسلم؟
لا حاشاهم، وقد بينوا أن ما وقع له صلى الله عليه وسلم من تأثير السحر لا علاقة له بجانب الوحي والتبليغ، بل يتعلق بأمور الدنيا، وقد نقلت بعض أقوالهم في ذلك.

والله أعلم وأحكم.
 
أخي ناصر ، مشكلة هذا المنهج أنه لا يتسم
( بقاعدة مطردة ) معينة .
فهم مرة يردون الحديث بدعوى أنه مخالف لصريح القران.
ومرة يردونه بدعوى أن الرواة غير ضابطين ، ضاربين جهود الحفظة من علماء السلف عرض الحائط .
فإن أتيناهم بحديث منضبط ومتواتر " ومتوافق مع القران " - على مقياسهم - قالوا الحديث لا يصح عقلا، ، ولا يقبله العقل .

ويبدو أن ( الهوى والتشهي ) هو السمة المصاحبة لأولئك الفئة من الناس .
هذا إذا أضفت (الأسلوب السوقي )الذي يردون به جهد علماء الحديث ! عرفت حينها أنه آن لك أن تمد رجليك .
 
ناصر عبد الغفور ! عبد الله الأحمد !
أنا لا أنكر وجود السحر، ولا أنكر سحر النبي صلى الله عليه وسلم، وليست لدي أية ملاحظة على عبارات الأحاديث في الموضوع، ولكني ألفت انتباهكما إلى أن عبد الرحمن الصالح، في مشاركته أعلاه، لا ينكر كلمة واحدة من رواية البخاري، ولا يشكك في ورودها، ولا يرد شيئا مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما تعني عبارته "ما يمكن أن يتناقش فيه هو قول الراوي واصفا شأن النبي عليه الصلاة والسلام أنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله" أن صحة الحديث ليس محل نقاش وإنما يجب فهم قصد العبارات التي جاء بها الحديث فهما دقيقا يعين على تفسيره تفسيرا سليما.
يمكنكما مناقشته في هذه النقطة حتى يتبين لأحد الطرفين صواب أو خطأ ما عند الطرف الآخر، والرجل ليس مبتدئا في العلم ولا عييا.
هذه وجهة نظره الخاصة به في هذه المشاركة، ولا أدري أين وجدتما دواعي هذه الإدانة الطويلة والعريضة التي أفضت إلى هذه العبارات: "ويبدو أن الهوى والتشهي....." ؟ "الأسلوب السوقي الذي يردون" ؟
لا أعتقد أن أهل الحديث الصالحين كانوا بهذا السلوك.
 
حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالف القرآن فقد قال الله تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام ( يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) فالتخييل قد يحصل للأنبياء بتأثير السحر بإذن الله عز وجل لكن ما يُمكن أن يُتناقش فيه هو قول الراوي واصفا شأن النبي عليه الصلاة والسلام أنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله، والذين ردوا الخبر مصيبون من وجه ومخطئون من وجه. مصيبون من حيث دفاعهم عن العصمة وما قد يجره ظاهر الخبر من معنى، فهم من هذا الوجه مجتهدون مجزيون بحسن نياتهم. وما نحسبهم أخطئوا فيه هو المسارعة إلى رد الخبر جملة في حين أن لقبوله وجها ثابتا في القرآن العظيم وقد كان يمكنهم مناقشة الراوي في تعبيره عن الحدث وهذا مخرج لكثير من الإشكالات العقدية لأن الرواة غير معصومين عن الخطأ في التعبير ما داموا ليسوا أنبياء وهذا معلوم من الدين بالضرورة والله أعلم
لايزال هناك فرقا جوهريا بين ماكان مع موسي عليه السلام وماروي أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم أن موسى يرى الشيء فى يد الساحر فخيّله له هذا الساحر أنه يسعى وذلك باستعمال حيل وانعكاسات ضوئية وماشابه ،أى أن هناك رجل أمامه وشيء مادي وحيلة وتخييل للعين . أما ماروى أنه كان مع النبي فغير ذلك تماما....لاشيء أمامه ولاشخص يخيل له ولافعل قد تم إنما هو خيال نابع من داخله وطلاسم على انشوطة ملقاة فى بئر.
 
الأستاذ الكريم محمد بوصو ، لم أقصد أياً منكما ، إنما كلامي أتى بشكل عام عن أصحاب ذلك المنهج ( العقلي ) والذي صدقاً لا أعرف له قاعدة يلتزم بها.
أولئك الناس الذين تحدث عنهم الأخ ناصر في أصل موضوعه.

أما قضية سحر النبي صلى الله عليه وسلم فلا أعتقد أن في ألفاظ الحديث ما يعارض عصمته عليه الصلاة والسلام .
أليس السحر مذكوراً في القرآن وعلى أنه ( علم ) وأن من أضراره التفريق بين المرء وزوجه ؟
أليس القرآن ذكر لنا كيف خُيّل لموسى عليه السلام بسبب السحر ؟
ثم إن الله مقدر الأقدار ومسبب الأسباب ، ولا يضر شيء إلا باذنه؟
فهذا السحر الذي وقع بالنبي عليه الصلاة والسلام قَدَر، وبالتالي هو معلوم المكان والزمان والمقدار والمدة، ولم يخرج هذا الأمر من سلطان الله، فعلى هذا لم يخرج عليه الصلاة والسلام من دائرة العصمة في حالته تلك . فالله حافظه وهو بكل شيء محيط.
وهذا ماوقع فعلاً ، فاستخرج السحر وبطل ماكانوا يصنعون .

والحمكمة من ذلك : كونه بشر عليه الصلاة والسلام يضره ويجري عليه مايجري على البشر من السهو والنسيان وغير ذلك إلاّ أن الله حافظه ومسدده، وماعلمناه من التشريع في أمر المعوذتين وأنه ماتعوذ بمثلهمها، وغير ذلك، والله أعلم .
 
الأخ محمد بوصو: نحن لم ننقص من قدر الأخ عبد الرحمن الصالح جزاه الله خيرا.
والأخ عبد الله -كما بين- إنما ذكر كلاما عاما حول مسلك هؤلاء العقلانيين.
وأنا لم أرتض بعض ما سطره الأخ عبد الرحمن وقد بينت السبب في ذلك من وجهة نظري المتواضعة.
ولعلي أذكر في المستقبل إن شاء الله بعض النماذج من مخالفات هذه المدرسة لكثير من صريح القرآن بشكل لا يمكن أن نجد لهم عذرا أو محملا حسنا.
وأسأل الله تعالى أن يهدينا وجميع المسلمين إلى الحق بإذنه.
 
عندما نقول الهلوسة إحساس بشيء غير متحقق في صورة الأشياء الحقة، فلابد أن نفرق بين الهلوسة (حقيقة) والإحساس الناتج عن هذه الهلوسة (وهم وخيال وما شابه) ؛ وفي نفس الوقت التأثير حقيقة بمعنى أن الشخص المهلوس يتصرف تصرفات حقيقية أي لاوهمية كأن تلك الأوهام والخيالات عنده حقائق.

والسحر كما أظن يطلق على الفعل والمفعول والمفعول به، فالسحر حقيقة وفي نفس الوقت تخييل.

أما الهدف من الموضوع فلم يتضح لي: هل ندافع هنا عن آراء لمجرد إنتسابها لمذهب أم ننتصر للرأي الأصوب؟

كتبت بارك الله فيك: "أما أهل السنة فقد جوزوا أن يقدر الساحر على أن يطير في الهواء ويقلب الإنسان حماراً والحمار إنساناً"، وربما يقلب القنابل ورودا كذلك، لم لا؟ حسنا، ما الدليل؟ لا أريد إجابة بالقياس كأن تقيس هذه القدرة على التفريق بين المرء وزوجه مثلا لأن هذا قد يكون بسحر التخييل وسحر الخداع، كما هو ممكن بسحر شهادة الزور والنمائم، والآن بسحر التكنلوجيا أيضا كأن تقوم بتعديل صور وفيديوهات ثم تأتي بها الزوج فيظن أنه يشاهد زوجته .. على سبيل المثال.

أما "إلا أنهم قالوا إن الله تعالى هو الخالق لهذه الأشياء" فإضافة لا معنى لها - وفي المدرسة الأشعرية خاصة - لأن الله يفعل عندها لا بها في كل الأشياء.

ثم "عندما يقرأ الساحر رقى مخصوصة وكلمات معينة" هذه: ما الدليل عندهم أن تلك القدرة بتلك القراءة خاصة، وما الدليل أن السحر يكون بتلك القراءة عامة؟


وأخيرا بعض الأسئلة الهامشية:
فيه نظر، لأن الدفاع عنه صلى الله عليه وسلم وعن عصمته لا يكون بإنكار سنته ورد ما ثبت من خبره.
(طبعا لا أحد أنكر هنا الرواية) لكن هل النبي
صلى الله عليه وسلم هو الذي أخبر؟
وهل الحديث أي حديث هو من السنة؟
وهل هذا الخبر من السيرة أم من السنة؟

مثلا واحد أنكر حديث (ثلاثة رهط..) التوسل بالأعمال الصالحة، فهل أنكر السنة، يعني النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوسل بأعماله الصالحة، مثلا؟ هذا مع العلم أن الرواية حديث، ويستفاد منها حكم التوسل هذا وهو الجواز، لكن "سنة" ؟

وعدم تأويله
هداك الله، كيف عدم "تأويله"؟ كل قراءة هي تأويل حتى إعادة إنتاج نفس المعنى وبعبارات أخرى هو تأويل، وهذا من المسلمات في علم النفس الإدراكي، وعلوم التواصل.

أو إخضاعه لميزان العقل
أصلا التخريج والتصحيح والتضعيف ودراسة الرجال وأحوالهم .. كلها عمليات تمت بالعقل، كيف إذن لا إخضاع لميزان العقل؟ نخضعه لميزان ايش؟ ميزان التصنيفات والاصطفافات من قبيل عند المعتزلة وعند أهل السنة وسلف هؤلاء وسلف أولئك، ومثل هذه الأشياء، ثم نختفي وراء تصنيف معين نبحث عن آراء ومقولات رجاله، ننتصر لها، ونضرب ماعدا ذلك عرض الحائط؟ ممكن، لكن تلك الآراء والمقولات من نتاج العقل أيضا، حتى نأتي بخبر صحيح، قطعي الثبوب والدلالة، في كل ما إختلفنا حوله مما يتعلق بالسحر تعريفه، حقيقته، أنواعه، كيفيته، أساليبه، تأثيراته، أدواته، طلاسيمه .. وقدرة الساحر على الطيران في الهواء. !!
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مشاركتك أخي تضمنت عدة أسئلة وتعقيبات تحتاج فيما رأيت لشيء من التفصيل والبيان، لذا فسيكون جوابي في شطرين، راجيا منه سبحانه وتعالى الإخلاص والسداد:

1- قولك:" أما الهدف من الموضوع فلم يتضح لي: هل ندافع هنا عن آراء لمجرد انتسابها لمذهب أم ننتصر للرأي الأصوب؟"اهـــ.
فلا أدري ما وجهة الغموض في البحث فالموضوع واضح لا خفاء فيه، أنا نقلت أقوالا لبعض أقطاب المدرسة العقلية الحديثة في رؤيتهم للسحر حيث أنكروا حقيقته، وبعض الإخوة الأفاضل أدلوا بدلوهم في هذه المسألة، ولا ريب أن هدف الجميع الوصول إلى الحق، -إن شاء الله تعالى-.

2- قولك:" كتبت بارك الله فيك: أما أهل السنة فقد جوزوا أن يقدر الساحر على أن يطير في الهواء ويقلب الإنسان حماراً والحمار إنساناً"اهــ.
عفوا هذا الكلام ليس من كيسي، ولو أمعنت النظر لرأيت أنني إنما نقلته عن الإمام الفخر الرازي رحمه الله تعالى.

3- قولك:" وربما يقلب القنابل ورودا كذلك، لم لا؟ حسنا، ما الدليل؟ لا أريد إجابة بالقياس كأن تقيس هذه القدرة على التفريق بين المرء وزوجه مثلا لأن هذا قد يكون بسحر التخييل وسحر الخداع، كما هو ممكن بسحر شهادة الزور والتمائم، والآن بسحر التكنلوجيا أيضا كأن تقوم بتعديل صور وفيديوهات ثم تأتي بها الزوج فيظن أنه يشاهد زوجته .. على سبيل المثال."اهــ.
أقول: أما بالنسبة للمثال الذي ذكرته وما أخاله إلا ورد منك على سبيل التهكم –والله أعلم- فقد قلت لك أنني ناقل لكلام إمام من الأئمة الأعلام وهو الرازي عليه رحمة المنان، جوابا على سؤالك، أقول نعم يقدر أن يقلب القنابل ورودا بمشيئة الله تعالى.
وأما بالنسبة للدليل، فالواقع المشاهد خير دليل، فكم وكم نرى ونسمع من الأحداث والوقائع، كم من إنسان كان سويا من أعقل الناس، فأضحى مجنونا تائها بين الطرقات، وكم من زوجين كانا في حب وصفاء فأصبح الواحد منهما أو أحدهما لا أبغض له من صاحبه.
وأما مسألة القياس وقولك بأن التفريق لا أقيس عليه بحجة أنه من باب التخييل، فهل حقا أنت مقتنع أن الزوجين الذين فرقا بينهما - بسحر الصرف- من باب التخييل؟ كيف يكون تخييلا والرجل يعاني أشد المعاناة بسبب فرار زوجته منه حيث لم تعد تطيق مجرد النظر في وجهه، بعد أن كان أحب إنسان لديها، والعكس كذلك، تجد بعض الزوجات تعاني كثيرا من تغير أحوال زوجها، فبعد أن كان لا يسمعها إلا طيب الكلام أصبح يسبها ويضربها ولا يطيق النظر إليها، أهذا كله تخييل؟؟
وأما ما ذكره الإمام الرازي من قدرة الساحر على قلب الأشياء، فحق لا مرية فيه، لأن ما يقوم به إنما هو بمشيئة الله تعالى الذي لا يكون في الكون إلا ما شاء. فالساحر يستعين لا ريب بالجن والشياطين في تحقيق مآربه –مقابل الكفر برب الأرض والسماء وقضاء وتر المردة والشياطين والزلفى لهم بأنواع من الشركيات والكفريات-
يقول شيخ الإسلام عليه رحمة المنان:" وَالْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ مِثْلُ البخشية والطونية وَالْبُدَّى وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَشُيُوخِهِمْ الَّذِينَ يَكُونُونَ لِلْكُفَّارِ مِنْ التُّرْكِ وَالْهِنْدِ الْجَوَارِ وَغَيْرِهِمْ تَكُونُ الْأَحْوَالُ الشَّيْطَانِيَّةُ فِيهِمْ أَكْثَرَ وَيَصْعَدُ أَحَدُهُمْ فِي الْهَوَاءِ وَيُحَدِّثُهُمْ بِأُمُورِ غَائِبَةٍ وَيَبْقَى الدُّفُّ الَّذِي يُغَنَّى لَهُمْ بِهِ يَمْشِي فِي الْهَوَاءِ وَيَضْرِبُ رَأْسَ أَحَدِهِمْ إذَا خَرَجَ عَنْ طَرِيقِهِمْ وَلَا يَرَوْنَ أَحَدًا يَضْرِبُ لَهُ وَيَطُوفُ الْإِنَاءُ الَّذِي يَشْرَبُونَ مِنْهُ عَلَيْهِمْ وَلَا يَرَوْنَ مَنْ يَحْمِلُهُ وَيَكُونُ أَحَدُهُمْ فِي مَكَانٍ فَمَنْ نَزَلَ مِنْهُمْ عِنْدَهُ ضَيَّفَهُ طَعَامًا يَكْفِيهِمْ وَيَأْتِيهِمْ بِأَلْوَانِ مُخْتَلِفَةٍ وَذَلِكَ مِنْ الشَّيَاطِينِ تَأْتِيهِ مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ الْقَرِيبَةِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا تَسْرِقُهُ وَتَأْتِي بِهِ . وَهَذِهِ الْأُمُورُ كَثِيرَةٌ عِنْدَ مَنْ يَكُونُ مُشْرِكًا أَوْ نَاقِصَ الْإِيمَانِ مِنْ التُّرْكِ وَغَيْرِهِمْ وَعِنْدَ التَّتَارِ مِنْ هَذَا أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ ." – م الفتاوى:1/364-.

4- قولك: "أما "إلا أنهم قالوا إن الله تعالى هو الخالق لهذه الأشياء" فإضافة لا معنى لها - وفي المدرسة الأشعرية خاصة - لأن الله يفعل عندها لا بها في كل الأشياء".اهــ.
فأعود لأكرر أن الكلام المنقول هو للإمام الرازي وليس من كيسي، فلا داعي إلى قولك أنها إضافة لا معنى لها.

5- قولك: " ثم
"عندما يقرأ الساحر رقى مخصوصة وكلمات معينة" هذه: ما الدليل عندهم أن تلك القدرة بتلك القراءة خاصة، وما الدليل أن السحر يكون بتلك القراءة عامة؟" اهـــ.
يجب أن يعلم أن الساحر أو الشياطين الذين يعينونه على سحره ليس لهم من الأمر شيء وليس هم الذين يخلقون تلك الأشياء، بل الخالق هو الله سبحانه فهو الرب لا شريك له في ربوبيته، يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:" وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ إذَا كَانَ عَالِمًا بِمَا يَحْصُلُ بِالسِّحْرِ مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْجِبْتِ وَكَانَ عَالِمًا بِأَحْوَالِ الشَّيْطَانِ وَالْأَصْنَامِ وَمَا يَحْصُلُ بِهَا مِنْ الْفِتْنَةِ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا بِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِأَحْوَالِهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَقِدْ أَحَدٌ فِيهَا أَنَّهَا تَخْلُقُ الْأَعْيَانَ وَأَنَّهَا تَفْعَلُ مَا تَشَاءُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ وَلَكِنْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِعِبَادَتِهَا لَهُمْ نَوْعٌ مِنْ الْمَطَالِبِ كَمَا كَانَتْ الشَّيَاطِينُ تُخَاطِبُهُمْ مِنْ الْأَصْنَامِ وَتُخْبِرُهُمْ بِأُمُورِ ."اهـــ.-م الفتاوى:7/559-.

يتبع إن شاء الله تعالى.

 
يا أخي الكريم ناصر عبدالغفور رعاك الله:
أنا لم أقل أنت قلت بل قلت أنت كتبت حيث نقلت، وأقول قلتَ حيث كذلك. لهذا سألتك: "ما الدليل عندهم؟" فهو سؤال موجه للناقل حول المنقول، وليس قول العالم مهما علا كعبه بحجة، خاصة في الأمور الخلافية، وبما أنك لم تنقل آيات قرآنية ولا أحاديث شريفة، فأنا أسأل، خاصة في ملتقى كهذا فيه كفاءات علمية محترمة قادرة على التصويب والتوجيه والتعليم والنصح. خذ على سبيل المثال "يقدر الساحر على أن يقلب الإنسان حماراً" و "السحر يكون بقراءة رقى مخصوصة وكلمات معينة": هذه العبارات ليست من كلام عالم الغيب والشهادة، ولا قول معصوم، ولا حتى تأويل سلف الأمة. فما الدليل عندهم؟

وقولي "أما الهدف من الموضوع فلم يتضح لي" فلأنه لا معنى لوصف مدرسة معينة بالتوجه العقلي أو العقلاني في التأويل في أمور يفترض أنها تنتمي لعالم الشهادة مثل السحر، ولذلك ظننت ربما كان الهدف مذهبي صرف.

يقول الإمام القرطبي رحمه الله:
.. ذهب أهل السنة إلى أن السحر ثابت وله حقيقة. وذهب عامة المعتزلة وأبو إسحاق الإستراباذي من أصحاب الشافعي إلى أن السحر لا حقيقة له، وإنما هو تمويه وتخييل وإيهام لكون الشيء على غير ما هو به، وأنه ضرب من الخفة والشعوذة، كما قال تعالى: {يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} ولم يقل تسعى على الحقيقة، ولكن قال {يخيل إليه}. وقال أيضا: {سحروا أعين الناس}. وهذا لا حجة فيه؛ لأنا لا ننكر أن يكون التخييل وغيره من جملة السحر، ولكن ثبت وراء ذلك أمور جوزها العقل وورد بها السمع، فمن ذلك ما جاء في هذه الآية من ذكر السحر وتعليمه، ولو لم يكن له حقيقة لم يمكن تعليمه، ولا أخبر تعالى أنهم يعلمونه الناس، فدل على أن له حقيقة. وقوله تعالى في قصة سحرة فرعون: {وجاءوا بسحر عظيم}، وسورة "الفلق"، مع اتفاق المفسرين على أن سبب نزولها ما كان من سحر لبيد بن الأعصم، وهو مما خرجه البخاري و مسلم وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي من يهود بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم، الحديث. وفيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما حل السحر: "إن الله شفاني". والشفاء إنما يكون برفع العلة وزوال المرض، فدل على أن له حقا وحقيقة، فهو مقطوع به بإخبار الله تعالى ورسوله على وجوده ووقوعه. وعلى هذا أهل الحل والعقد الذين ينعقد بهم الإجماع، ولا عبرة مع اتفاقهم بحثالة المعتزلة ومخالفتهم أهل الحق. ولقد شاع السحر وذاع في سابق الزمان وتكلم الناس فيه، ولم يبد من الصحابة ولا من التابعين إنكار لأصله. وروى سفيان عن أبي الأعور عن عكرمة عن ابن عباس قال: علم السحر في قرية من قرى مصر يقال لها: "الفرما" فمن كذب به فهو كافر، مكذب لله ورسوله، منكر لما علم مشاهدة وعيانا.

قوله: "ولو لم يكن له حقيقة لم يمكن تعليمه" غير صحيح إذ يمكن تعليم التخييل والتمويه والخداع، في الفنون العسكرية، والرياضية، والفلكلورية، والفتوغرافية، وغيرها.

وقوله: "والشفاء إنما يكون برفع العلة وزوال المرض، فدل على أن له حقا وحقيقة" غير صحيح لأن للكيد والمكر والخداع والتخييل أيضا آثار نفسية، ناهيك عن تسبب التخييل بإستخدام مادة ما في الأكل والشراب. ثم إن الحديث الذي يستشهد به هنا يؤيد من وجهة نظري تأويل عامة المعتزلة وأبو إسحاق الإستراباذي من أصحاب الشافعي لأنا نقرأ "حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله".

وقوله: "ولم يبد من الصحابة ولا من التابعين إنكار لأصله" لا خلاف حولها وإنما الإختلاف حول هذا الأصل ما هو؛ هل تمويه وتخييل وإيهام أم شيء آخر: ما هو؟، وكذلك "لم يبد من الصحابة ولا من التابعين إثبات حقيقة ما للسحر" فأين الإشكال ما دام عدم العلم بالدليل ليس علما بالعدم؟

ونقله: "علم السحر في قرية من قرى مصر يقال لها: الفرما" نقل مهم بغض النظر عن صحته إذ نستفيد منه أن السحر غير "ما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت"؛ ثم يظهر لي من أول وهلة أن تلك الرواية معقولة لأن (بعض) الفراعنه عايشوا فترة زمنية عرفت تفوقا كبيرا في التخييل الخيميائي والتمويه الهندسي وتسحير أعين الناس، لذلك كانت معجزة موسى عليه السلام من جنس ما برع به قومه إلى جانب معجزات أخرى ليست كذلك.
 
عودة
أعلى