بارك الله في الأخوين الكريمين ونفعَ بهما، واسمحا لي أن أوافقكما على أكثر ما قلتماه، ولكن: الدين النصيحة، والمستشار مؤتمَن:
وإماتة الشبهة أو تركها ميتة ، أولى من إحيائها ومن ثم محاولة إمراضها أو إماتتها
هل أمات ابن حنبل وابن تيمية الشبهات أم ... تركوها ميتة ؟!
بل لولا ردودهما لماتت السُنَّة..
عندما تصدى الأئمة للرد على الشبهات، سكتَ من هم دونهم.
أما حين يسكت الأئمة وأهل العلم، سيضطر العوام ـ وأشباههم ـ للرد، فيفسدون أكثر مما يصلحون.
وسبق بيان أمثلة على ذلك في بعض مشاركات ابنكم وتلميذكم الفقير الضعيف. ومنها قيام أحد مترجمي القرآن الكريم بترجيح ضياع بعض نصوص القرآن الكريم، وأحد المدافعين عن القرآن بالإكثار من الأدلة على أن تارح والد إبراهيم وليس آزر، وتوجيه أن مريم أخت هارون بتكلف يغني عنه حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
قارن علو همة الإمامين (ابن حنبل وابن تيمية) مقابل دعوى إماتة الباطل بالسكوت عنه، التي كانت حجة خبيثة من رجل خبيث (سعد زغلول) تجاه طروحات الخبيث الآخر (طه حسين)..
انظر: علو الهمة فكانت همة محمد رشيد رضا في الرد على شبهات المنصرين رغم تهديد الحكومة المعينة من الاحتلال البريطاني له، قائلاً: إن الرد على الشبهات فرض كفاية.. ورغم شعوره بتهافت الشبهات، لكنه نظرَ إلى أنه في الناس عوام.
فإن كان المقصود استحداث ميدان للمعركة ـ وهي معركة بلاشك ـ فيجب اتخاذ العدة اللازمة التي أمر الله بها
المعركة موجودة، وننزهكم عن الفرار يوم الزحف!! بدعوى أن العدو أضعف من أن يواجَه.
ومِن العدة التدريب والمِران على مناظرة مثيري الشبهات حول القرآن الكريم، وهذا فن لا يُتقَن بالدراسة النظرية فقط.. بل يُتقن بالممارسة العملية كعلوم التجويد والفرائض والخطابة..
" كل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع، مناظرة تقطع دابرهم .. لم يكن أعطى الإسلام حقه، ولا وفَّى بموجب العلم والإيمان، ولا حَصَلَ بكلامه شفاء الصدور، وطمأنينة النفوس،
ولا أفاد كلامُه العلم واليقين ".
ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل: 1/ 357
وختاما/ فلست مع هذه الفكرة كما أني لست ضدها ، وأشعر أنها لم تنضج ولم تختمر حق التخمير
ولن تتخمر طالما أننا ننتظر.. وننتظر.. والشبهات تتضخم، والمتأثرين سلبياً بها يتزايدون.. بل تختمر بـ ((المُفاعَلة)).
و أشد ما أخشاه أن يكون الملتقى المقترح مقرا لجمع و طرح كل الشبهات المثارة حول القرآن الكريم - قديمها و حاضرها و جديدها - ليصبح مكانا جامعا لكل الشبهات المبهمات ، و التشكيكات الموهمات ، و التناقضات الواهيات ، فنجمع - بأيدينا - قاذورات الكافرين و الكارهين و المنافقين في مكان واحد ، ثم ننفق من الجهد و الفكر و الوقت ما ننفق لتنظيفه و تطهيره ، و مهما فعلنا فلن تنمحي آثار تلك القاذورات عند الغالب الأعم من مرتادي تلك المواقع ، بل تترك شبها و ظنونا أكثر مما تكشف و تزيل ، إلا من عصم ربي و كان متمكنا من علمه و دينه .
الحمد لله بأن بيَّنتم أن الشبهات موجودة معلومة، فلا داعي لاختراعها. وليست (((( كل )))) الشبهات تظهَرُ تهافَتها لـ ((كل)) الناس. بل لعلي لا أغالي إن قلت: كل الدعاة.
ومَن قال إن الشبهات ستزيد ؟!
هي موجودة، ونحن (المتخصصين بالقرآن الكريم والأشد غيرة عليه) أجهلُ الناس بها.
الجميل في تخصيص ملتقى كهذا، أنَّ الرد على الشبهات سيكون تحت أنظار إخوة كرام من علمائنا، كأخوينا ابن الشجري والدكتور (أبو بكر خليل) ، يُسدِّدون رميَنا، ويُصلِحونَ عِوَجَنا، ويدعون لنا في ظاهر الغيب.
وين لنا بأمثل أفضالِهم سوى في هذا الملتقى ؟
أوافق الإخوة بشدة على منع دخولِ (المخالِف) إلى منتدى كهذا، وإلا فسيتحول إلى منتدى مهاترات، ننزه هذا الملتقى المبارك عنه..
والطرح الأسلم والأحسن أن يُفتَح في الملتقى بابٌ لفتاوى وأسئلة العامة (من مسلمين وغيرهم)، يوَجَّه السؤال للأخ المشرف (على البريد الخاص) فيعرض الأخ المشرف السؤال على متخصصين من أهل العلم في منتدى لا يراه غيرهم، ثم يخرج بالجواب علمياً محكماً جميلاً بديعاً يليق بعلو وسمو القرآن الكريم. ومن ثم يُخرَج للعموم بأبهى حُلَّة...
ويكون الجواب موضوعاً في (خزانة) كلما احتاجه الدعاة سيجدونه؛ فالشبهة ذاتها ستتكرر مرات ومرات..
نعم : إذا عرضت شبهة نكشفها و ندفعها ، و إذا عنَ إشكال نزيله و نحله ، كلّ في حينه و محله ، و لكن لا نجمع ذلك في محل واحد
لا فُضَّ فوك أخي المكرم، فالرد البطيء الهادئ أوقع أثراً في المخالف من الرد السريع المنفعل.. وهذا مُجرَّب.
وبه سيعلم المخالِف مقدار علمك ويُقدِّر لك الرجوع إلى مختلف المراجع والمصادر المُعِينة للرد عليها، لأجله.
وأرى ـ والله أعلم ـ ألا يُفتح مجال لمناقشة قضية ما، في حين أن قضية أخرى ما زال الرد عليها ليس محكماً من جميع الجهات.
ختاماً :
لقد فتحَ الله سبحانه وتعالى لنا بهذا الملتقى المبارك باباً لأجرٍ ينفعنا بعد الموت: ففيه العلم الذي يُنتَفعُ به، والصالحون الذين يدعون لكم..
انظر إلى شبهة دعوى " أن القصص القرآني أساطير "، بزعامة طه حسين ومحمد خلف الله. فرغم أنها كانت شبهة متهافتة في زمانها، إلا أن ذلك لم يمنع الردود العلمية عليها.. وقد نفعَنا الله بعلمِ إخوة لنا طواهم التراب في ردها، فكانت ردودهم علماً يُنتفَع به.
زرعوا فأكلنا، ونزرع فيأكلون.
بهذا المقياس يجب أن تكون ردودنا علمية هادئة على شبهات لا تقل عنها طرافة: كدعوى الجذور الوثنية للديانة الإسلامية، وصرع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ووجود المُعرَّب في القرآن الكريم... الخ.
فكلها شبهات تبدو لنا متهافتة، ولكن التركيز والتكرار والتكرار لها في وسائل إعلام لا نملك 1% من قوتها يجعل لها قبولاً ـ أو على الأقل وجهة نظر ـ لدى كثير من أصحاب بعض (مراكز القوى) والتأثير في الوطن العربي.. فضلاً عن حيرة كثير من الدعاة ـ وخاصة في دول غربية ـ، كيف يردون على شبهات كهذه ؟!
ولنا في إثارة شبهة دعوى (رضاعة الكبير) على إحدى الفضائيات العربية وتأثيرها على عوام المسلمين، قبل أسابيع.. خير مثال قريب على ذلك.
اللهم اجعلنا ممن يسلك سبيل أئمة أهل السنة (ابن تيمية وابن حنبل) فالتمثل بالكرام فلاح..
أسأل العلي القدير أن يوفقنا لما فيه رضاه، وأن يستعملنا لخدمة دينه..