يا أخي الكريم \ إن هؤلاء مُبتلون بقلبِ الأمور -
من المعلوم أنه من المُستحيل عقلا خطاب النائم الحي وإلزامه بتكليف مع أنه حي , فكيف نجيزُ ما هو أعقد ونقولُ بجواز خطابِ الموتى , أليس من القوم رجل رشيد !
والنائمُ مرفوعٌ عنه القلم – والحديث صحيح وهو عند أصحاب السنن .
وأهم من ذلك أن تتأمل قول الله تعالى { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)}
قلتُ :فإذا كان الإنسانُ يصل إلى حالة الضعف قبل أن يموت , فما بالنا بالميت نفسه ..
قوله تعالى :{ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)}
قال صاحب تفسير محاسن التأويل :
{ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ } أي : نطل عمره : { نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ } أي : بتناقض قواه وضعف بنيته حتى يرجع في حال شبيهة بحال الصبي في ضعف جسده وقلة عقله وخلوّه من العلم .
وقوله تعالى { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)}
وفي سورة الحج { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئا }
جاء في تفسير ابن كثير :قوله تعالى { وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر }: وهو الشيخوخة والهرم وضعف القوة والعقل والفهم وتناقص الأحوال من الخرف وضعف الفكر ، ولهذا قال : { لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً } .
ولو أنك مررتَ برجل مقطوع الأيدي ومقطوع الأرجل , هل تحدثك نفسُك بالطمع فيه وطلب حاجة منه ؟ هذا المبتلى أحسن حالا من الميت , فكيف تقولون بجواز حديث هؤلاء فضلا عما هو أعظم وهو طلب الحوائج منهم.
وقل لهم : ماذا أبقيتم لله إذ جعلتم للموتى كل هذا القدر ؟ أليس موتاكم ككل الموتى ؟ وهل هناك ميت يتصرف في أمور الأحياء ؟
إن قوما يضعون آمالهم في التراب وتحت التراب ولا يلتفتون إلى السماء - قوم مخذولون أبدا.
فعجبا أن يطلب حي من ميت - كحال بصير يطلب من أعمى أن يدله على الطريق .
إن المرء ليخجل عندما يقرأ قوله تعالى :{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ }
وقوله تعالى :{لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} وقوله تعالى :{ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا}
وقوله تعالى :{ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6)
إن من يقول بهذا الكلام – هو من قُطاع الطُّرق – الذين يقطعون الناس عن طريق ربهم .
إن الشرع والعُرف جاريان وجازمان بحاجة الموتى إلى الأحياء لا العكس .
قال تعالى :{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)}
قال تعالى :{ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22)}
وما قولهم في الحديث الذي رواه الترمذي وهو صحيح من قوله عليه الصلاة والسلام {وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ}
أليس الأحياء والأموات من الأمة ؟ أم من غيرها ؟