إعراب القرآن الكريم للشيخ العثيمين رحمه الله

إنضم
02/06/2003
المشاركات
514
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد ..

عشت مع تفسير شيخنا الرحل محمد العثيمين رحمه الله قرابة الشهرين .

فعملتُ فهرساً لفوائده ؛ فضممت النظير إلى نظير . ورتبتها حسب الموضوعات .

ثم جمعتُ ما تفرق من إعرابه للآيات ، سيَّما والشيخ رحمه الله من فحول اللغة اليوم .

ووالله كلما قرأتُ له في الإعراب ، تذكرت الإمام الشافي رحمه الله ، و حجيَّته في اللغة .

لذا ؛ جمت إعرابه من تفسيره الذي خرج ، والذي ضم الفاتحة ، والبقرة ، وآل عمران .

فرتبتها كالتالي :

الكلمة : إعرابها


وكان منهجي فيه :

أولاً : أن ألتزم عبارة الشيخ رحمه الله في الغالب ، وحين التكرار للإعراب ( في الفوائد مثلاً ) أذكره مختصراً .

ثانياً : إن ذكر الشيخ رحمه الله في الآية عدة إعرابات ، أثبتُ ترجيحه في المتن ، وإن كان للترجيح توجيه ألحقته في الحاشية ، وإن كان ثمة إعرابات الحقتها كذلك في الحاشية .

ثالثاً : استفدت من كتب الإعراب الاخرى في ذكر بعض الفوائد ، وخاصة كتاب إعراب القران للنحاس و لدرويش رحمها الله تعالى .

رابعاً : أضفت بعض الفوائد البلاغية التي ذكرها الشيخ رحمه الله .

فأسأل الله العلي القدير أن ينفعني به كثيراً ، وأن يغفر لشيخنا رحمه الله رحمة واسعة .

وسأنزل الإعراب هنا على حلقات .( والحلقة الأولى )

إعراب سورة الفاتحة .

أما الفوائد ؛ فسأصفها على الوورد وانزلها للتحميل هنا

ودمتم على الخير أعواناً .
 
جهد مبارك، جزاك الله خيراً، والحقيقة أن اختيارات الشيخ في النحو في تفسيره تحتاج لدراسة، وتتبع المنهج الذي يسير عليه في الاختيار، لكن لم تضع شيئاً في الرابط أخي الفاضل!!
 
شكر الله لك أخي الكريم وننتظر ما وعدت , وللعلم فتفسير الشيخ الذي خرج أكثر مما ذكرت , ومشاركة في موضوعك هذه أهم ملامح منهج الشيخ رحمه الله في الجانب الإعرابي :
أولاً : عنايتهُ بالإعرابِ
لقد صُنِّفَ في إعرابِ القرآنِ مُصنّفاتٌ مستقلّةٌ ( )،وتعرّضَ له المفسِّرونَ في تفاسيرهم فَمِنْ مُقِلٍّ ومُكْثِر ( )، ولقد سَلَكَ الشيخُ رحمه الله مَسلكًا وسطًا فيما أرى فلم يُكثر مِن ذكرِ الإعراباتِ والاحتمالات النحويةِ في الآيةِ ، ولم يُهمل ذلكَ بالكلِّيةِ ؛ بل بيّنَ ما يُحتاج إليه في فَهمِ الآيةِ في الأعمِّ الأغلبِ ؛ وإنْ كان يخرجُ عن هذا الأصلِ أحيانًا يسيرةً ، ويُمكن إجمالُ طريقتهِ في الإعراب بما يلي :
1 – الاهتمامُ بذكرِ القواعدِ الإعرابيةِ والترجيحِ بها
ومِن أمثلتهِ :
عند تفسيره لقوله تعالى :{ ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً}(البقرة: من الآية260)
قال :" { سَعْياً}مَصدر ؛ لكن هل هو مَصدرٌ عاملهُ مَحذوفٌ ، والتقديرُ : يَسْعَيْنَ سَعْيًا ؛ أو هو مَصدرٌ في مَوضعِ الحالِ ، فيكونُ بمعنى : سَاعِيَاتٍ ؟ يحتمل هذا ، وهذا ؛ والثاني أَوْلَى( ) ؛ لأنّه لا يحتاجُ إلى تقديرٍ ؛ والقاعدةُ أنّه إذا دَارَ الأمرُ بين أنْ يكونَ الكلامُ مَحذوفًا مِنْهُ ، أو غير مَحذوفٍ فهو غيرُ مَحذوفٍ مِنْهُ ".( )
وعند تفسيره لقوله تعالى :{مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ } (النساء: من الآية46)
قال :" قوله تعالى :{ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ } هذه الجملةُ لا يصحُّ أنْ تكونَ مبتدأ ؛ لأنّ الفعلَ لا يُبتدأُ به ؛ وإذا لم يصحَّ أنْ تكونَ مبتدأ ، فإعرابها : صفةٌ لموصوفٍ مَحذوفٍ هو المبتدأ ، والتقديرُ :مِن الذينَ هادوا قَوْمٌ يُحرّفونَ الكَلِمَ عن مَواضعهِ ، وقالَ بعضُ النحويّينَ : إنّ{مِنَ }التبعيضية اسمٌ فتعربُ على أنّها مبتدأ ؛ لأنّ تقديرَ{مِنَ }التبعيضية بعض الذينَ هادوا يُحرّفونَ الكَلِمَ عن مَواضعهِ ، وعلى هذا فيكون{مِنَ }في صورة الحرفِ ، ولكنّها اسمٌ ، وتكون هي المبتدأ ، وجملةُ : يُحرّفونَ هي الخبرُ ولا حاجةَ إلى التقديرِ ، ولها نظائرُ في القرآنِ ، مثل قوله تعالى:{ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ}(التوبة:من الآية101) والتقديرُ: وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَوْمٌ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ .
كُلٌّ مِن الوجهينِ لهُ وَجْهٌ ، أمّا الذينَ قالوا إنّ {مِنَ}التبعيضية اسمٌ يُرجِّحُ قولهم أنّا لا نحتاجُ إلى تقديرٍ في الآيةِ ، وإذا دَارَ الكلامُ بينَ التقديرِ وعَدمِهِ فعدمُ التقديرِ أَوْلَى ؛ لأنّ الأصلَ عدمُ الحذفِ ، وأمّا الثاني فيقوّيهِ أنّ{مِنَ}التبعيضية حرفٌ ، واستعمالها اسمًا إخراجٌ لها عن موضوعها الأصليِّ ".( )
وإضافةً لما سبقَ فلقد أكْثَرَ الشيخُ رحمه الله مِن ذِكْرِ القواعد الإعرابيّة في تفسيره ، وهي على سبيل المثال :
– جوابُ الشرطِ يلي المشروطَ مباشرةً .( )
– الضميرُ يعودُ إلى اقربِ مَذكورٍ ما لم يمنع مِنه مانعٌ .( )
– ضميرُ الشأنِ يُقدَّرُ بما يقتضيه السياقُ .( )

– يجب أنْ تُؤخذ القواعد مِن القرآنِ لِيُحكمَ لها لا عليها .( )
– القرآنُ حاكمٌ وليسَ مَحكومًا عليهِ .( )
– ليسَ في القرآنِ ما هو شاذٌّ أبدًا .( )
– لا يُجمع بينَ المفسِّرِ والمفسَّرِ .( )
– إذا وُجِدَتْ كلمتانِ إحداهما مَعرفةٌ والأخرى نكرةٌ ، وأمكنَ أنْ تكونَ المعرفةُ هي المبتدأَ فلتكُنْ هي المبتدأ .( )
– كلّما جاءت ( مِن ) بعد اسمِ الشرطِ أو الأسماءِ الموصولةِ فهي بيانيّةٌ .( )
– كُلُّ حرفِ جَرٍّ زائد فهو مِن أدواتِ التوكيدِ .( )
– إذا أمكنَ أنْ يعودَ اسم الإشارةِ أو الضمير إلى كُلِّ ما سبقَ فَمُعَوَّلٌ عليه .( )
– همزةُ الاستفهام إذا دخلتْ على ما يُفيد النَّفْيَ أفادتِ التقريرَ .( )
– ( كذلكَ ) تكونُ مفعولاً مُطلقًا للفعلِ الذي بعدها .( )
– إذا تعدّدت الشروطُ ( إنْ ) أو ( إذا ) أو ما اشبهها فإنّ الشرطَ التالي الأخير شرطٌ فيما قبلهُ .( )

– إذا جاءت ( إلاّ ) بعد ( إنْ ) فهي – أيْ (إن) – بمعنى ( ما ) أيْ نافية .( )
– متى اختلفَ علماءُ النحوِ في إعرابِ كلمةٍ أو جملةٍ فإنّنا نأخذُ بالأسهلِ ما دام المعنى يحتملهُ .( )
– لا يُحمل كلامُ الله  على مُجرّدِ الاحتمالِ النحويِّ بل لا بُدَّ مِن تأمّلِ المعنى .
وهذه القاعدةُ مِن القواعد الإعرابيّةِ المهمّةِ ، وسأتكلّمُ عنها لأهمّيتها ، فعند تفسيره لقولـه تعـالى:{لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ}(يّـس:6) قرَّرَ أنّ {مَا} نافيةٌ ، ثمّ قالَ :" قال بعضُ المُعْرِبينَ الذينَ يجمعونَ الأقوالَ - صَحَّتْ أو لم تصحَّ أيْ أنّهم يقولوا أيَّ احتمالٍ – قالوا : ويجوز أنْ تكونَ{مَا}مَوصولةً ، ويجعلون العائدَ مَحذوفًا تقديرهُ : الذي أُنذرَ آباؤهم : أيْ لِتُنذرهم الذي أنذره آباؤهم( )، ولكن هـذا وإنْ كانَ مُحتملاً مِن قِبَلِ اللفظِ ، لكن بعيد مِن جهةِ المعنى ، لأنّ الآيات الكثيرة المتعدّدةِ تدلُّ على أنّ قريشًا الذي بُعثَ فيهم النبيُّ محمد  لم يُنذر آباؤهم ، ومِنه قوله تعالى في سورة الم السجدة : { لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ }(السجدة:من الآية3) وهذا صريحٌ في أنّ{مَا} هنا للنَّفْيِ لا غير ".( )
قُلْتُ : وهذه القاعدةُ مهمّةٌ للمفسِّرِ قرَّرها غيرُ واحدٍ مِن أهل العلمِ مِنهم شيخُ الإسلامِ ابن تيمية والزركشيُّ والسيوطيُّ ( )، وقالَ ابنُ القيّمِ :" وينبغي أنْ يُتفطّنَ هَهُنَا لأمرٍ لا بُدَّ مِنه : وهو أنّه لا يجوزُ أنْ يُحملَ كـلامُ الله  ويُفسَّرَ بِمُجرّدِ الاحتمـالِ النحويِّ الإعرابيِّ الذي يَحتملُهُ تركيبُ الكلامِ ويكونُ للكلامِ بهِ لَهُ مَعنًى مَا ، فإنّ هذا مقامٌ غَلِطَ فيه أكثرُ المعْرِبينَ للقرآنِ ، فإنّهم يُفسِّرُونَ الآيةَ ويُعرِبُونَها بما يحتملهُ تركيبُ تلكَ الجملةِ ، ويُفهم مِن ذلكَ التركيب أيَّ معنًى اتّفقَ ،وهذا غلطٌ عظيمٌ يقطعُ السامعُ بأنّ مُرادَ القرآنِ غيرهُ".( )
هذه أهم القواعد الإعرابية التي أشار إليها الشيخ في تفسيره ،ومن ملامح منهجه أيضًا:
2 – بيانُ ما أشْكَلَ إعرابهُ مِن الآياتِ والجوابُ عنه
وقد تقدّم الحديثُ عن ذلكَ والتمثيلُ له في مبحث : مُشْكِلِ القرآنِ .
3 – رُبّمَا استنبطَ فائدةً علميّةً بناءً على مسألةٍ نحويّةٍ
مثال ذلكَ :
عند تفسيره لقولـه تعـالى :{ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ} (البقرة: من الآية87)
ذكر مِن فوائدها :" أنّ بني إسرائيلَ يُبادِرونَ بالاستكبارِ عند مَجيءِ الرُّسُلِ إليهم ، ولا يَتَأَنَّوْنَ ؛ لقوله تعالى{أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ }،ثم قالَ تعالى{اسْتَكْبَرْتُمْ}؛لأنّ مُقتضَى تَرَتُّبِ الجزاءِ على الشرطِ أنْ يكونَ الجزاءُ عَقِيْبًا للشرطِ :كُلَّمَا وُجِدَ الشرطُ وُجِدَ الجزاءُ فورًا ".( )
4 – يُعرِبُ مِن الآيةِ ما يَحتاجُ إلى إعرابٍ في الأعمِّ الأغلبِ ، ورُبّمَا أعربَ جميعَ الآيةِ وهو قليلٌ .
وهذا يتّضحُ للناظرِ في تفسيرهِ فلم يلتزمِ الشيخُ رحمه الله إعرابَ كُلِّ الكلماتِ الواردةِ في الآيةِ ، وإنّمَا يُعرِبُ ما يحتاجُ ذلكَ ويتركُ بقيّتها إمّا لوضوحهِ أو لعدمِ الحاجةِ إلى إعرابهِ .
ومِن أمثلته :
عند تفسيره لقوله تعالى{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ}(البقرة:من الآية240)
قـالَ :" قوله تعالى :{ وَصِيَّة }فيها قراءتانِ : النَّصْبُ ، والرَّفْعُ ؛ وقوله تعالى : {الَّذِينَ } مُبتَدأ ؛ و{ وَصِيَّة } بالرفعِ مبتدأ خبرهُ مَحذوفٌ ؛ والتقديرُ : عليهم وصيةٌ ؛ والجملةُ : خبر{الَّذِينَ } ؛ أمّا على قراءةِ النصبِ فإنّ خبرَ{الَّذِينَ } جملةٌ فعليةٌ مَحذوفةٌ ؛ والتقديرُ : يُوصُونَ وصيةً ؛ أو نُوصِيهم وصيةً - على خلافٍ في ذلكَ : هل هي وَصِيَّةٌ مِن الله ؛ أو مِنهم ؛فإنْ كانت مِن الله  فالتقديرُ : نُوصِيهم وصيةً ؛وإنْ كانت مِنهم فالتقديرُ: يُوصُونَ وصيةً - والجملةُ المحذوفةُ خبرُ {الَّذِينَ } ؛ والرابطُ الضميرُ في الجملةِ المحذوفةِ سواءٌ قُلنا : " عليهم وَصِيَّةٌ " ؛ أو قلنا: " نُوصِيهم وصيةً " ، أو " يُوصُونَ وصيةً " .
قوله تعالى :{ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ} ؛ { مَتَاعاً }مَصدرٌ لِفِعْلٍ مَحذوفٍ ؛ والتقديرُ : يُمَتِّعُونَهُنَّ مَتاعاً إلى الحوْلِ ؛ و :{ غَيْرَ إِخْرَاجٍ }إمّا صفةٌ لمصدرٍ مَحذوفٍ ؛ أيْ مَتاعاً غير إخراجٍ ؛ أيْ مُتْعَةً غير مُخْرَجَاتٍ فيها ؛ أو أنّها حَال مِن الفاعلِ في الفعلِ المحذوفِ .
قوله تعالى :{فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ }؛ هذهِ ( لا) النافيةُ للجنسِ ، واسمها ، وخبرها ؛ وقوله تعالى :{مِنْ مَعْرُوفٍ} مُتعلِّقٌ بـ{فَعَلْنَ}؛ وباقي الآيةِ إعرابها ظاهرٌ ، وواضح".( )
ومِن أمثلةِ إعرابهِ للآيةِ كاملةً ما ذكره عند تفسيره لقوله تعالى :{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}(البقرة:163)
حيثُ قال :" الخطابُ للبشرِكُلِّهِم ؛ أيْ أيّها الناسُ مَعبودُكم الحقُّ الذي تكونُ عِبادَتُه حقًّا ؛ و{ إِلَهٌ }بمعنى مَأْلُوه ؛ فهي بمعنى اسمِ المفعولِ ؛ و" الْمَأْلُوه " معناهُ المعبودُ حُبًّا ، وتَعظِيماً وهو إِلَهٌ واحدٌ ؛و{إِلَهُكُمْ}مبتدأ ؛و{إِلَهٌ}خبر ؛و{وَاحِدٌ}صفة لـ{إِلَهٌ}؛ وجملةُ{إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}طرفها الأولُ معرفةٌ ؛ والثاني نكرةٌ مَوصُوفةٌ ، ومُؤَكَّدٌ بالوحدانيةِ يعني أنّ إِلَهَ الخلقِ إِلَهٌ وَاحدٌ ؛ ووحدانيتهُ بالألوهيةِ مُتضمنةٌ لوحدانيتهِ بالربوبيةِ ؛ إذْ لا يُعبدُ إلا مَن يُعلم أنّهُ رَبّ .
ثم أَكَّدَ هذهِ الجملةَ الاسميةَ بجملةٍ تُفيد الحصْرَ ، فقالَ :{لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}؛ وهذهِ الجملةُ تَوْكِيدٌ لما قبلها في المعنى ؛ فإنّه لما أثبتَ أنّه إِلَهٌ وَاحدٌ نَفَى أنْ يكونَ مَعَهُ إِلَه .
وقوله تعالى:{لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ } أيْ لا مَعْبُود حَقٌّ إلاَّ هُوَ ؛ وعلى هذا تكونُ{ لا} نافية للجنسِ ؛ وخبرها مَحذوفٌ ؛ والتقديرُ : لا إِلَهَ حَقٌّ إلاَّ هُوَ ؛ وإنما قَدَّرْنَا " حَقّ " ؛ لقولهِ تعالى :{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ}(الحج: من الآية62) ؛ ولهذا قالَ الله تعالى عن هذهِ الآلهةِ :{إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ }(النجم:من الآية23) ؛ وقد زَعَمَ بعضهم أنّ تقديرَ الخبرِ " موجود " ؛ وهذا غَلَـطٌ واضحٌ ؛ لأنّه يختلُّ به المعنى اختلالاً كبيراً مِن وَجْهَيْنِ :
الوجه الأولُ : أنّ هناكَ آلهةً مَوجُودةً سِوَى الله ؛ لكنَّها باطلةٌ ، كما قال تعالى : {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ}(الحج: من الآية62) ، وكما قالَ تعالى :{ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ }(هود: من الآية101) ، وكما قال تعالى :{فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ}(الشعراء: من الآية213) .
الوجه الثاني : أنّه يَقتضِي أنّ الآلهةَ المعبودةَ مِن دُوْنِ اللهِ هي اللهُ ، ولا يَخْفَى فَسَادُ هذا ؛ وعليهِ فَيَتَعَيَّنُ أنْ يكونَ التقديرُ : " لا إِلَهَ حَقٌّ " ، كَمَا فَسَّرْنَاهُ .
قولهُ تعالى :{الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}خبرٌ ثالثٌ ، ورابعٌ لقولهِ تعالى :{إِلَهُكُمْ }؛ ويجوزُ أنْ يَكُوْنَا خَبَرَيْنِ لمبتدأ مَحذوفٍ ؛ والتقديرُ : هُوَ الرحمنُ الرحيمُ ".( )
5 – الاستدراكُ على بعضِ المُعْرِبِينَ ومُناقشتهم والردُّ عليهم
وهذا واضحٌ في تعليقه على تفسير الجلالين ، وقد قدّمتُ أمثلةً لذلكَ في الباب الأول.( )
ومِن أمثلةِ ذلكَ في غير تعليقهِ على تفسير الجلالين :
عند تفسيره لقوله تعالى :{ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }(النساء من الآية 3) ذكرَ أنّ مُلْكَ اليمينِ تُوْطَأُ بالملْكِ لا بالنكـاحِ لأنّه أقوى إذْ السيّدُ يملكُ الرقبةَ والمنفعةَ بخلافِ الزوجِ ؛ فإنّه لا يملكُ إلاّ المنفعةَ ، ثُمَّ قالَ بعد ذلكَ :" إذاً لا يصحُّ أنْ نقولَ إنّ قولهُ:{ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }مَعطوفٌ على قولهِ{ فَوَاحِدَةً }لأنّه يختلُّ المعنى ؛ لأنّ المعنى : فانكحوا واحدةً أو " استمتعوا بما ملكتْ أيمانكم " أو كلمةً نحوها . المهمُّ أنّها ليستْ مَعطوفةً على ما سبقَ إلاّ مِن بابِ عطفِ الجُمَلِ ، فَيُقَدَّرُ فعلٌ مُناسب لقولهِ{ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }".( )
والشيخُ بهذا التقريرِ يَرُدُّ على مَن قـالَ بالعطفِ مِن المفسِّرينَ كالنحاسِّ ( ) ، وأبي السعودِ( ) ، والشوكانيِّ( ) ؛ ولذا فَمَنْ قالَ بالعطفِ استدركَ على نَفْسِهِ للعلّةِ التي ذكرها الشيخُ ، فأبو السعودِ قالَ :" وهو عطفٌ على "واحدة" على أنّ اللُّزُومَ والاختيارَ فيه بِطَرِيقِ التسرِّي لا بِطَرِيقِ النكاحِ " ( ) ، وقال الشوكانيُّ :" والمرادُ نكاحهم بطريقِ الملْكِ لا بطريقِ النكاحِ ".( )
6 – رُبَّمَا استطردَ في قضايا نحويّةٍ لا تَعَلُّقِ لها بالآيةِ . ( )
7 – إذا كانَ في الآيةِ أكثرُ مِن قـراءةٍ أو للقرّاءِ في أدائها أكثرُ مِن وَجْـهٍ فإنّه يُبيِّنُ ذلكَ ويُعرِبُهَا على كُلِّ الأحوالِ
وقد تقدّمَ بيانُ ذلكَ عند الحديثِ على مَنهجهِ في توجيه القراءات .( )
8 – اعتمدَ على آراءِ ابنِ مالكٍ في أَلْفِيَّتِهِ ؛ فكثيرًا ما يستشهدُ بها ( ) ، ورُبّمَا ذكرَ أقوالَ الكوفيّينَ والبصريّينَ .( )
9 – النَّظَرُ في كُتُبِ إعرابِ القرآنِ عند تفسير الآيةِ ، والاستفادةُ مِنها .( )
10 – يذكرُ الشيخُ رحمه الله أحيانًا أَكْثَرَ مِن وَجْهٍ في إعرابِ الايةِ ثمّ يختارُ أحدها ( ) ؛ أو يُشير إلى صِحَّةِ كلا الإعرابينِ . ( )
11 – تكرار بعض المسائلِ النحويةِ في تفسيرهِ ، وسببُ ذلكَ كما قَدّمْتُ مِرارًا أنّ التفسيرَ أملاهُ الشيخُ رحمه الله إملاءً في فتراتٍ زمنيةٍ متباعدةٍ ؛ فيحتاجُ إلى الإعادة لعدم ترابطِ المعلوماتِ .
12 – إعرابهُ في تفسيرهِ شاملٌ لإعرابِ الجُمَلِ والمفردَاتِ .
هذه أهمُّ ملامحِ مَنهجهِ في إعرابِ القرآنِ .( )
 
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ..

الأخ الكريم ابن الجزيرة ما ذكرت كان تمهيداً للموضوع
والسبت بحول الله تعالى سينزل ما أعربه الشيخ رحمه الله من الفاتحة .

فضيلة الشيخ أحمد نفع الله به

أولاً : صحيح ، ولا زالت كتب الشيخ رحمه الله تتوفر عندي تباعاً ، ولكن أنا شرعت في البدايات ، والبقية سأتابع عليها بنفس المنهج بحوله وقوته .

وثانياً : أشكر لكم هذه المداخلة ، والتي حقيقة قد استفدت منها كثيراً .

واعتبرها مدخلاً مهمة للفهم ؛ ذلك وإني أستأذنك في النقل منها مع العزو ، فليتك تسمح لي بارك الله فيك .

ودمتم على الخير أعوانا ، وأشكر مروركما الكريم .
 
أخي الكريم أبو العالية : لك ما طلبت نفع الله بك .
 
إعراب سورة الفاتحة ( نص الشيخ بدون التعليقات )

إعراب سورة الفاتحة ( نص الشيخ بدون التعليقات )

الحمد لله ، وبعد ..

إعراب سورة الفاتحة​


الكلمة : إعرابها

بسم الله : الجار والمجرور مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ ، وهذا المحذوف يُقدَّرُ فعلاً متأخراً مناسباً ؛ فإذا قلتَ : (( بسم الله )) وأنتَ تريدُ أن تأكل ، تُقدِّرُ الفعل (( بسم الله آكل )) .

قلنا : إنه يجب أن يكون مُتعلقاً بمحذوف ؛ لأن الجار والمجرور معمولان ، ولا بُدَّ لكلِّ معمولٍ من عاملٍ .وقدَّرْناه مُتأخراً ؛ لفائدتين :
الفائدة الأولى : التبرك بتقديم اسم الله عز وجل.
والفائدة الثانية : الحصر ؛ لأن تأخير العامل يفيد الحصر ؛ كأنَّك تقولُ : لا آكلُ باسم أحدٍ متبرِّكاً به ، ومستعيناً به إلا باسم الله عزوجل.
وقدَّرْناه فعلاً ؛ لأن الأصل في العمل الأفعال _ وهذه يعرفها أهل النحو _ ولهذا لا تعمل الأسماء ، إلا بشروط .

وقدَّرْناه مناسباً ؛ لأنه أدل على المقصود ، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ )) أو قال : (( عَلى اسْمِ اللهِ )) ؛ فخصَّ الفعل .

الحمد : (( أل )) للاستغراق ، أي : استغراق جميع المحامد .

لله : اللام للاختصاص والاستحقاق .

الرحمن : صفة للفظ الجلالة .

الرحيم : صفة اخرى .

مالك يوم الدين : صفة لـ ( الله ) .

إيَّاك نعبد : ( إيَّاك ) مفعول به مُقدَّم ، وعامله ( نعبد )وقُدِّم على عامله ؛ لإفادة الحصر .فمعناه : لا نعبدُ إلا إيَّاك ، وكان منفصلاً لتعذر الوصل حينئذٍ .

وإيَّاك نستعين : حيث قدَّم المفعول .

صراط الذين أنعمت عليهم : عطف بيان لقوله : (( الصراط المستقيم ))


تم بحمد الله .

والتالي إعراب الجزء الأول من سوؤة البقرة بحوله تعالى .
 
عودة
أعلى