أحمد العمراني
New member
إعجاز القرآن والايمان بالواحد الديان
"أية علاقة".
"أية علاقة".
تقديم:
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على النبي الأمين وبعد:
لا يخفى على كل من ألقى السمع والبصر، أو اطلع وتأمل ونظر، سواء في الكتاب المنظور، أو في الكتاب المسطور، أن خلق البشرية، وإرسال الرسل مع كتبهم، لم يكن عبثا، بل كان لحكم لا ندريها، وإن وصلنا إلى إدراك كنه بعضها .
ولعل من هذا البعض، تحقيق الايمان بالله الخالق، ومعرفة عظمته وقدرته .
فقد عاشت البشرية ردحا من الزمن، ومجموعة من المعارف والعلوم خافية عنها، إلى أن أذن الحق سبحانه ببزوغ عصر الاكتشافات العلمية والثورة التكنولوجية، لتعلن حقائق كبرى أوقعت العلماء في دهشة قل نظيرها .
حقائق برزت والصراع في موطن الظهور ( بلاد الغرب ) على أشده بين العلم والدين، صراع لم يعرف عند أهل الاسلام لإيمانهم بكل تطور وتقدم واكتشاف، ولدعوة كتابهم " القرآن" المطلقة إلى الاستفادة من النظر في الكتابين.
وقد قام بعض علماء الغرب- بعد أن سمعوا بما في القرآن من دلائل بينات على بعض ما توصلوا إليه من اكتشافات علمية –بدراسة القرآن، ليعلن الكثير منهم إسلامه ، بعد أن استرشدوا بنصوص القرآن العلمية، واشتعلت جذوة الإيمان في قلوبهم داعية إياهم للعودة إلى فطرتهم التي خلقوا عليها، وليضعوا بكل صراحة اللوم الشديد على مفكري الاسلام بسبب تهاونهم في الدعوة الى هذا القرآن والى رب هذا القرآن.
من أجل بيان بعض هذا الأثر، تأتي هذه الورقات التي أخذت من آيات القرآن موردا ترده ، فتصدر عن ذات ري، وهي في الوقت نفسه حريصة على أن تقدم للقارئ ما تظن أن في سطورها ما ليس مذكورا فيما وردته وصدرت عنه من مقالات أهل الاختصاص، ولولا هذا الظن الناشب بها ما كان لها أن تسفر وجهها للناظرين.
فما هي يا ترى العلاقة بين إعجاز القرآن والايمان بالواحد الديان ؟.
وهل لهذا الإعجاز من أثر في تحقيق الايمان أو زيادته عند بني الانسان ؟.
لمعرفة ذلك يجدر بنا ولو بعجالة أن نعرج على تعريف الإعجاز المقصود ، وكذا مفهوم الاعجاز العلمي ، فمفهوم الايمان .
أولا : تحديد المفاهيم :
1-مفهوم الاعجاز : لن نطيل البحث عن المعنى اللغوي ولا الاصطلاحي لمفهوم الاعجاز ، ولكن أقول وبإيجاز : بأن المعجزة مشتقة من العجز الذي يفيد الضعف وعدم القدرة على مضاهاة الشيء كما يفهم من تعريفات ابن منظور في اللسان [1]
وفي الاصطلاح : هي أمر خارق للعادة ، داع إلى الخير والسعادة، مقرون بدعوى النبوة ، قصد به إظهار صدق من ادعى أنه رسول من الله. ".[2].
2-مفهوم الاعجاز العلمي : يأتي ارتباط الإعجاز بالعلم هنا ، بما له علاقة بكتاب الله من الناحية العلمية ، ولا أقصد به التفسير العلمي ، بل أعني به : ما أخبر به القرآن من حقائق أثبتها العلم التجريبي وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول ، وهذا مما يظهر صدق الرسول محمد فيما أخبر بهعن ربه سبحانه .[3]
3-مفهوم الايمان : هو كما عرفه النبي الأمين للملك جبريل حين جاء سائلا معلما فقال له : " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ".[4]
وايمان بهذه الشروط الست، هو الايمان بالغيب باختصار، ومن هذا الغيب، الايمان بالكتب، ومن الكتب القرآن الكريم، ومن آياته، آيات التأمل في الأنفس والآفاق .
حيث يلزم الانسانية أن تؤمن بهذا الكتاب بأنه من عند الواحد الأحد، وحتى يبقى هذا الغيب غيبا فعليا ، جاء فيه من الآيات ما يدعو المتأمل فيها والباحث عن أسرارها الى الايمان برب ومنزل هذا القرآن .
ومن هذه الآيات ما يخاطب العقل دون غيره ، إذ العقل مناط التكليف ، والعقل خلق من خلق من خلق الله ، ولكنه مؤهل بعد التأمل والاكتشاف والمقارنات والدراسة الى الوصول الى الحقائق الكونية التي أثبتها الله في كتابه المنظور ، وأسس لوجودها في كتابه المسطور .
وقد لخص النبي الأمين هذه الآيات بحديث صحيح صريح فقال فيما رواه عنه الصحابي الجليل عبد الله بن عمر:" تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في الله ".[5] وهي دعوة صريحة للتأمل فيما ينفع ويدفع لتقوية الإيمان وإلى التوصل إليه .
4- إعجاز القرآن والايمان " أية علاقة ". تعتبر العلاقة بين المفهومين أوضح من أن توضح ، فالعلم يدعو الى الايمان ، بل ويوصل صاحبه إليه ، والايمان محله القلب ، والقلب يستمع لحوار العقل ، والعقل الناضج الحر كلما صال وجال في مكونات النفس والآفاق ، اقترب من نداء الفطرة والايمان .
فكل البشرية مؤمنة بالواحد الديان ، وكلهم لبوا نداء الفطرة وهم في أصلاب آدم عليه السلام، مصداقا لقوله تعالى:" وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بريكم قالوا بلى ". [6].لكن متغيرات الحياة وسيطرة الماديات، تبعد الانسان عن النظر بالبصيرة النقية ، والتأمل بالفكر الوهاج بحثا عن الاطمئنان الداخلي والنفسي، ألم يقل إبراهيم عليه السلام لربه:" رب أرني كيف تحيي الموتى". فرد عليه الحق سبحانه:" أو لو تومن؟ ". فقد تأمل إبراهيم في سر الموت وما استطاع التوصل إلى كنهه ، فسأل ليتعلم وليزداد إيمانا بقدرة القادر، وقد حاول علماء اليوم البحث عن سر الموت ، فما وصلوا ولن يصلوا، لأنه سر إلهي في خلقه ولخلقه .
لهذا أقول: بأن العلم الوارد في الآيات المعجزة ، هو المقود للكثيرين الى درب الايمان بمنزل الكتاب ، وخصوصا لمن يبحث ويقرأ وينقب .
قال عبد الله دراز:" والقرآن في دعوته إلى الايمان والفضيلة لا يسوق الدروس من التعاليم الدينية والأحداث الجارية وحدها، وإنما يستخدم في هذا الشأن الحقائق الكونية الدائمة، ويدعو عقولنا الى تأمل قوانينها الثابتة، لا بغرض دراستها وفهمها في ذاتها فحسب، وإما لأنها تذكر بالخالق الحكيم القدير، ونلاحظ أن هذه الحقائق التي يقدمها تتفق تماما مع آخر ما توصل إليه العلم الحديث ".[7]
وقال السيوطي رحمه الله : " ...أكثر معجزات هذه الأمة عقلية ، لفرط ذكائهم وكمال أفهامهم ، ولأن هذه الشريعة لما كانت باقية على صفحات الدهر إلى يوم القيامة، خصت بالمعجزة العقلية ليراها ذوو البصائر ".[8]
ويقول مصطفى صادق الرافعي رحمه الله بعد أن تحدث عن الاعجاز العلمي في القرآن الكريم : " ولعل متحققا بهذه العلوم الحديثة لو تدبر القرآن وأحكم النظر فيه ، وكان بحيث لا تعوزه أداة الفهم ، ولا يلتوي عليه أمر من أمره ، لاستخرج إشارات كثيرة تومئ إلى حقائق العلوم ، وإن لم تبسط من أنبائها فتدل عليها ، وإن لم تسم بأسمائها".[9].........
ثانيا: بعض مظاهر إعجازالقرآن العلمية ؛ الحاجة والأثر :
1- حاجة إنسان اليوم إلى لغة العلم : إننا لو تأملنا واقع الانسانية المعرفي ، وما قام بإبرازه العلم من معجزات في عالم التقنيات ، وما جُعل رهن إشارة الباحثين من مستحيلات سابقة ، لعلمنا التطور السريع للمعارف والعلوم ، ولفهمنا لماذا اتجه العلماء بعد ذلك للانسان وجسده ، حيث تمكنوا من كشف العديد من الأسرار المتعلقة بالذات البشرية وصحتها ومرضها .
لكن غاب عن هؤلاء العلماء أو عن بعضهم ، بل غاب عن حضارة الغرب -جلها إن لم نقل كلها - الجانب الروحي المبني على قواعد الأخلاق والفضائل ، لأنهم في بحوثهم ومعارفهم أعلوا من شأن العقل والعلم وحكموا العقل في القلب ، كما حكموا العلم في الدين ، لتنتج فوضى عارمة أدت الى انحراف العلم عن صوابيته ، فأصبح بدلا من أن يخدم الحضارة البشرية ، يسعى لخرابها والقضاء عليها ، لتصبح القوة هي المعيار تقدم الأمم وعظمتها . ولو تدخل القلب ، واتجهت آلة العلم نحو البناء والخير والكمال لارتفع شأن البشرية.
وهكذا يظهر بكل جلاء أن العلم وحده غير كاف لنهضة البشرية، بل يحتاج الى أن يحاط بسياج من الأخلاق البانية، وهذا هو دور أمة الاسلام ، وهذا هو دورها الرسالي . ألم يقل رسولها في حديث جامع شامل : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".[10]
فمن المسلم به أن إنسان اليوم محتاج لمن يعيد إليه فطرته المسلوبة، وسعادته المفقودة ، محتاج الى اكتساب قناعات مبنية على حقائق علمية ، لأنه ليس هناك شيء أفيد للانسان من قناعات تحقق له اليقين . وكتاب الله أفضل من يمنح بإعجازه المبين بعض هذه الحقائق ، فلماذا لا تتحرك الأمة في شخص متخصصيها لإنقاذ إنسان اليوم من تيهانه ، ومحاولة استرجاع يقينه المسلوب والمفقود.
إن الايمان الحقيقي هو الايمان القائم على الاقتناع ، ولا اقتناع دون علم ، فالعلم هو الشيء الوحيد الذي يؤمن به أبناء اليوم ، ولإيصال هذا الفهم لغير المسلمين بل وللمسلمين أنفسهم ، لابد من مخاطبتهم بلغة العصر ، اللغة التي أصبحت تفهم أكثر من غيرها ، لغة العلم.
وإذا كان الغرب قد قطع أشواطا في ميدان العلم التجريبي ، فليس يفوت المسلمين أن يقدموا للعالم شواهد علمية نطق بها القرآن ، وعنها أبان بأفصح بيان قبل أربعة عشر قرنا ، بل لقد كشف عنها بعض علماء الغرب أنفسهم فأذهلتهم النتائج والحقائق ، بل ولا يزال في جعبة النصوص المعجزة ما سيدهش الانسان الباحث حينما يميط عن أسرارها اللثام . أليس الإله العظيم هو من قال : " ولتعلمن نبأه بعد حين ". [11]
نعم، إن اللغة المطلوبة اليوم هي لغة العلم، وهي اللغة التي يرتضيها علماء الغرب والانسان الغربي، وهذا ما أكده الأستاذ عبد المجيد الزنداني في المؤتمر الدولي عن الاعجاز الطبي في القرآن الذي عقد بالقاهرة عام 1985م، حيث نقل كلاما قاله مذيع إذاعة لندن بعد انتهاء المؤتمر:" لأول مرة يتمكن علماء الاسلام من التحدث لعلماء الغرب بلغة يفهمونها ".[12]
إن العصر الذي نحياه، لا تكفي فيه الخطب والمواعظ العاطفية –دون أن ننكر أهميتها ودورها- بل لابد من مخاطبة العقل بجانب ذلك. وهذا ما نص عليه القرآن وجعله منهاجا له في مخاطبة الناس ، فكان مما قال:" أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت، وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الارض كيف سطحت". [13]ويقول:" أمن جعل الارض قرارا، وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي، وجعل بين البحرين حاجزا، أإله مع الله، بل أكثرهم لا يعلمون " [14]. بل وخاطب الانسانية جمعاء ودعاهم الى التأمل والبحث والتنقيب فقال : " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ".[15] وأكد هذه الدعوة في آية أخرى فقال : " وقل الحمد لله ، سيريكم آياته فتعرفونها ".[16]
وهذا يعني ضمن ما يعنيه أن هذه الآيات ستتكشف يوما بعد يوم بالبحث العلمي .
إن مثل هذا النوع من البحث في الاعجاز العلمي للقرآن الكريم يحفظ على البشرية فطرتها، ويحفظ أبناء المسلمين من الارتماء في أحضان الإلحاد أو العبثية المدمرة، كما يعجز الالحاد أن يجد موضعا للتشكيك فيه إلا أن يتبرأ من العقل، وهذا لا يمكن لعاقل أن يقبله .
2-نداء الفطرة وإعجاز الآيات : لن نستطيع الغوص في القرآن للكشف عن كل آياته المعجزة ، ولن نستطيع استقراء ما توصل إليه العلماء من اكتشافات علمية اكتشفت حديثا ووجد أصلها في القرآن ، كما لا نستطيع أن نستوعب من تأثر بهذه الآيات الباهرة ، لندلل على علاقة الاعجاز بالايمان بالواحد الديان ؛ فهذا عمل أكبر من هذه الورقات ، ولا تستوعبه العروض ولا المحاضرات ، ولكن بحسبي أن أذكر بالمشهور دون المغمور ، وأذكر بالمعلوم بدل المجهول .
فمنذ القديم وآيات القرآن تبهر وأبهرت الأعراب ، وعبروا عن الايمان بمُنزله دون تعقيد أو تشكيك ، فقال أحدهم لما سئل عن الدليل على وجود الصانع : " إن البعرة تدل على البعير ، وآثار القدم تدل على المسير ، فهيكل علوي بهذه اللطافة ، ومركز سفلي بهذه الكثافة ، أما يدلان على الصانع الخبير ".[17]وورد بلفظ آخر عن أحد الأعراب : " البعرة تدل على البعير وأثر الأقدام على المسير ، أفسماء ذات أبرج ، وأرض ذات فجاج ، لا تدل على اللطيف الخبير".[18]
فهؤلاء أعراب تأملوا في جمال البناء الكوني ونظامه، لم يغوصوا في نظام بنائه ولا مكوناته، ولكن نظروا بأعينهم وقلوبهم فأفصحوا عما جال في خاطرهم بأفصح بيان، ينم عن تأمل معرفي وعلمي كبير دون آلات ولا وسائل تكشف عما صرحوا به..
ولكن عصرنا أوجد الامكانيات، وما ترك لأحد من عذر إن لم يؤمن برب الكون والآيات، وهذه أمثلة لعلماء أسلموا ، وفي آيات باهرة تأملوا، لما رأوا فيها من البراهين ما رأوا، فتأثروا بها أيما تأثر لما تأكدت لهم حقيقته ومصدريته .
أ- قال تعالى:" حتي إذا أتوا علي واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ".[19]
قبل أعوام قليلة اجتمع مجموعة من علماء الغرب للبحث عن خطأ في كتاب الله تعالى حتي تثبت حجتهم بأن الدين الاسلامي دين لا صحة فيه ، وبدأوا يقلبون المصحفحتي وصلوا الي الاية الكريمة التي ذكرتها في البداية ، او بالأحرى عند لفظ " يحطمنكم" .
وهنا اعترتهم الغبطة والسرور فها قد وجدوا في نظرهم ما يسيء للإسلام . فقالوا بأن الكلمة "يحطمنكم" منالتحطيم والتهشيم والتكسير فكيف يكون للنملة ان تتحطم فهي ليست مادة قابلة للتحطم، قال تعالى : " كبرت كلمة تخرج من أفواهم إن يقولون إلا كذبا "... وبدأوا ينشرون اكتشافهم الذي اعتبروه عظيما ، وبعد أعوام مضت من اكتشافهم ظهر العالم الاسترالي الذي أجرى بحوثا طويلة على تلك المخلوقة الضعيفة ليجد ما لا يتوقعه إنسان على وجه الأرض . لقد وجد أن النملة تحتوي علي نسبة كبيرة في جسمها من الزجاج ولذلك ورد اللفظ المناسب في مكانهالمناسب ، وعلى إثر ذلك أعلن العالم الاسترالي إسلامه....[20]
ب-قال تعالى : " إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيماَ".[21]
وحدث هذه الآية ، حصل في في المؤتمر الطبي السعودي الثامن بالرياض، حيث أعلن البروفيسور تاجات تاجاسون رئيس قسم التشريح والأجنة في جامعة شاينج ماي بتايلاند والآن عميد كلية الطب بها إسلامه .
يقول الزنداني: بدأت صلتنا بالبروفيسور تاجات تاجاسون عندما عرضنا عليه بعض الآيات والأحاديث النبوية المتعلقة بمجال تخصصه في مجال علم التشريح وعندما أجاب عليها قال لنا: ونحن كذلك يوجد لدينا في كتبنا المقدسة البوذية أوصاف دقيقة لأطوار الجنين فقلنا له: نحن بشوق لكي نعرف هذه الأوصاف ونريد أن نطلع على ما كتب في هذه الكتب . وعندما جاء ممتحناً خارجياً لطلاب الطب في جامعة الملك عبد العزيز بعد عام سألناه فاعتذر لنا وقال : كنت قد أجبتكم دون أن أتثبت لهذا الأمر ولما بحثت عنه وجدت أنه لا توجد النصوص التي ذكرتها لكم . عندئذٍ قدمنا له محاضرة مكتوبة للدكتور كيث مور وكان عنوان المحاضرة " مطابقة علم الأجنة لما في القرآن والسنة " وسألناه عن الأستاذ كيث مور هل تعرفه ؟ قال : إنه رجل من كبار علماء العالم المشهورين في هذا المجال. وبعد أن اطلع على هذه المحاضرة اندهش أيضاً. وسألناه عدداً من الأسئلة في مجال تخصصه كان منها ما يتعلق بالجلد فأجابنا قائلاً :
-الدكتور تاجات تاجاسون : نعم ، إذا كان الحرق عميقاً دمر عضو الإحساس بالألم .
-المترجم المناقش : سيهمك أن تعرف أنه في هذا الكتاب المقدس القرآن الكريم إشارة منذ ألف وأربعمائة سنة إلى يوم عقاب الكافرين بعذاب النار في جهنم ويذكر القرآن أنه عندما ينضج الجلد يخلق الله لهم جلوداً أخرى حتى يذوقوا العقاب بالنار مما يشير إلى حقيقة أطراف الأعصاب في الجلد ونص الآية هو : " إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا ً حكيماَ".
هل توافق على أن هذه إشارة إلى أهمية أطراف الأعصاب في الجلد بالنسبة إلى الإحساس منذ 1400سنة ؟
-الدكتور تاجاتات تاجاسون : نعم , أوافق أن هذه معرفة إذا الإحساس عرفت منذ زمن طويل قبل ذلك لأنه مذكور أنه إذا ارتكب أحد خطيئة وعوقب بحرق جلده يخلق الله جلداً جديداً ويغطيه لجعله يذوق الألم مرة أخرى هذا يعني أنه كان معروفاً منذ 1400سنة أن مستقبل الإحساس بالألم لا بد وأن يكون في الجلد ولذلك فلا بد أن يخلق لهم جلداً جديداً.
-الشيخ الزنداني: إن الجلد هو مركز الإحساس بالحريق إذا حرق الجلد بالنار فإذا نضج فقد الإحساس, لذلك يعاقب الله الكفار يوم القامة بإعادة الجلد مرة بعد مرة كما قال تعالى:﴿إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب…﴾ وهكذا ذكرنا له عدداً من الآيات والأحاديث وسألناه بعد ذلك هل يمكن أن تكون هذه الآيات قد جاءت إلى محمد صلى الله عليه وسلم من مصدر بشري؟.
-فأجاب: لا يمكن أن يكون ذلك.
-قلنا: فمن أين جاءت ؟ قال : لا يمكن أن تكون مصدراً بشرياً ولكن أسألكم أنتم من أين تلقى محمد هذه العلوم ؟ قلنا له : من عند الله .
-فقال لنا : ومن هو الله ؟ .
قلنا له : إنه الخالق لهذا الوجود . إذا رأيت الحكمة ، الحكمة تدل على الحكيم ، وإذا رأيت العلم في هذا الوجود دلك على أنه من صنع العليم، وإذا رأيت الخبرة في تكوين هذه المخلوقات دلتك على أنها من صنع الخبير. وإذا رأيت الرحمة شهدت لك على أنها من صنع الرحيم وهكذا إذا رأيت النظام الواحد في هذا الوجود والترابط المحكم دلك ذلك على أنه من صنع الخالق الواحد سبحانه وتعالى.
فأقر بما قلنا ، ثم عاد إلى بلاده وألقى عدداً من المحاضرات عن هذه الظاهرة التي رآها واطلع عليها وبلغنا أنه أسلم بعد محاضرته خمسة من طلابه.
-ثم جاء موعد المؤتمر الطبي السعودي الثامن واستمع في الصالة الكبرى التي خصصت للإعجاز الطبي في القرآن والسنة طوال أربعة أيام لعدد من الأساتذة من المسلمين وغير المسلمين يتحدثون عن هذه الظاهرة ( الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ).
وفي ختام هذه الجلسة وقف البروفيسور تاجاتات تاجسون يقول هذه الكلمات . البروفيسور تاجاتات تاجاسون : " في السنوات الثلاث الأخيرة أصبحت مهتماً بترجمة معاني القرآن الكريم الذي أعطاه لي الشيخ عبد المجيد الزنداني في العام الماضي ، ومحاضرات البروفيسور كيث مور التي طلب مني الشيخ الزنداني أن أترجمها إلى اللغة التايلاندية وأن ألقي فيها بعض المحاضرات للمسلمين الذي أعطيته في دراساتي ، فإنني أؤمن أن كل شيء ذكر في القرآن منذ 1400 سنة لا بد أن يكون صحيحاً ، ويمكن إثباته بالوسائل العلمية ، وحيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يستطيع القراءة والكتابة فلا بد أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول جاء بهذه الحقيقة، لقد بعث إله هذا عن طريق وحي من خالق عليم بكل شيء، هذا الخالق لا بد أن يكون هو الله ، ولذلك فإنني أعتقد أنه حان الوقت لأن أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.[22]
ج-قال تعالى : " حتى إذا أتوا علي واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ".
قبل أعوام قليلة اجتمع مجموعة من علماء الغرب للبحث عن خطأ في كتاب الله تعالى حتى تثبت حجتهم بأن الدين الإسلامي دين لا صحة فيه ، وبدأوا يقلبون المصحفحتى وصلوا إلى الآية الكريمة التي ذكرتها في البداية , او بالأحرى عند لفظ " يحطمنكم". وهنا اعترتهم الغبطة والسرور فها قد وجدوا في نظرهم ما يسيء للإسلام . فقالوا بأن الكلمة "يحطمنكم" منالتحطيم والتهشيم والتكسير فكيف يكون للنملة أن تتحطم فهي ليست مادة قابلة للتحطم ، قال تعالى : " كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ".. وبدأوا ينشرون اكتشافهم الذي اعتبروه عظيما ، وبعد أعوام مضت من اكتشافهم ظهر العالم الاسترالي الذي أجرى بحوثا طويلة على تلك المخلوقة الضعيفة ليجد ما لا يتوقعه إنسان على وجه الأرض ، لقد وجد أن النملة تحتوي على نسبةكبيرة في جسمها من الزجاج ولذلك ورد اللفظ المناسب في مكانهالمناسب ، وعلى إثر ذلك أعلن العالم الاسترالي إسلامه....[23]
3- إعجاز القرآن والبحث عن الايمان: كما أسلم بعض العلماء تأثرا بآيات علمية أبهرت عقولهم، تأثر آخرون بالقرآن ودعوته الى الايمان، نعم لم يؤمنوا ولكنهم كانوا على الطريق أو في طريق البحث عن الايمان. وهنا أسوق بعض كلماتهم وأقوالهم التي تنبئ عن مدى قربهم من التوصل الى نداء الفطرة، وأثر القرآن في كل ما صرحوا به وفاهوا.
ومن هؤلاء :
أ-موريس بوكلي : الطبيب الفرنسي الذي يقول: " لقد أثارت الجوانب العلمية التي يختص بها القرآن دهشتي العميقة في البداية ، فلم أكن أعتقد –قط-بإمكان اكتشاف عدد كبير إلى هذا الحد من الدعاوى الخاصة بموضوعات شديدة التنوع ، ومطابقة تماما للمعارف العلمية الحديثة ، وذلك في نص كتب منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا في البداية لم يكن لي أي إيمان بالاسلام ، وقد طرقت دراسة هذه النصوص بروح متحررة من كل حكم مسبق ، وبموضوعية تامة [..] وتأولت القرآن منتبها بشكل خاص إلى الوصف الذي يعطيه عن حشد كبير من الظاهرات الطبيعية . لقد أذهلتني دقة بعض التفاصيل الخاصة بهذه التظاهرات ، وحتى تفاصيل لا يمكن أن تدرك إلا في النص الأصلي . أذهلتني مطابقتها للمفاهيم التي نملكها اليوم عن نفس هذه الظاهرات ، والتي لم يكن ممكنا لأي إنسان في عصر محمد أن يكون عنها أدنى فكرة ".إن أول ما يثير الدهشة في روح من يواجه هذا النصر –لأول مرة-هو : ثراء الموضوعات الخاصة المعالجة فهناك الخلق ، وعلم الفلك ، وعرض لبعض الموضوعات الخاصة بالأرض ، وعالم الحيوان ، وعالم النبات ، والتناسل الانساني ، وعلى حين نجد في التوراة أخطاء علمية ضخمة ، لا نكشف في القرآن أي خطأ ، وقد دفعني ذلك لأن أتساءل : لو كان كاتب القرآن إنسانا كيف استطاع في القرن السابع من العصر المسيحي أن يكتب ما اتضح أنه يتفق اليوم مع المعارف العلمية الحديثة ؟. ليس هناك أي مجال للشك ، فنص القرآن الذي نملك اليوم هو –فعلا-نفس النص الأول".[24]
وهناك كثير من عقلاء الناس استطاعوا الوصول إلى رحاب الايمان بعد رحلة طويلة وشاقة مع البحث وترهات الرهبان ، بل وكثير ممن اسلم منهم أصبح من دعاة الايمان ، أسوق بعض أقوالهم .
ب- الدكتور وولز أوسكار لندبرج :[25] من أقواله : " أما المشتغلون بالعلوم الذين يرجون الله فلديهم متعة كبرى يحصلون عليها كلما وصلوا إلى كشف جديد يدعم إيمانهم بالله ويزيد من إدراكهم وإبصارهم لأيادي الله في هذا الكون ".[26]
ج- الدكتور ميربت ستانلي كونجدن:[27] قال : " إن جميع ما في الكون يشهد على وجود الله سبحانه ويدل على قدرته وعظمته وعندما نقوم نحن العلماء بتحليل ظواهر الكون ودراستها حتى باستخدام الطريقة الاستدلالية فإننا لا نفعل أكثر من ملاحظة آثار أيادي الله وعظمته ، ذلك هو الله الذي لا نستطيع الوصول إليه بالوسائل العلمية المادية وحدها ولكننا نرى آياته في أنفسنا وفي كل ذرة من ذرات هذا الوجود وليست العلوم إلا دراسة خلق الله وآثار قدرته ".[28]
هذه إشارات وددت إثارتها ، استلهاما من واقعنا ، ومن أثر الآيات في تراث الإنسانية من حولنا، تبرز بكل وضوح ، علاقة الإيمان بالواحد الديان والأثر الايجابي لآيات القرآن العلمية المعجزة . فإن حصل هذا لغير المسلمين ، فما بال المسلمين ابتعدوا عن هذا الدين ؟. أينتشر هذا الدين في أصقاع المعمور بالعلم والمعرفة ، ويغيب عمن نزل فيهم هذا القرآن ؟. إنها دعوة للعودة السريعة للقيام بحق هذا الكتاب وإبراز ما في مكنونه من حكم ، وكشف أسراره لغير أهل الاسلام ، فحي على العمل ورب العالمين يقول : " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون ".
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وكتبه د/ أحمد العمراني
أستاذ التعليم العالي بجامعة شعيب الدكالي. بالجديدة –المغرب
أستاذ التعليم العالي بجامعة شعيب الدكالي. بالجديدة –المغرب
[1]لسان ابن منظور مادة عجز.
[2]التعريفات :1/72.
[3]http://www.nooran.org////////http://hael.maktoobblog.com.
[4]صحيح مسلم:1/36/رقم:8.
[5]المعجم الأوسط للطبراني :6/250/6319، وشعب الايمان للبيهقي :1/136/120، وصححه الألباني في الجامع الصغير :1/529/5286، وفي الصحيحة:4/395/1788.
[6]الأعراف :172.
[7]مدخل إلى القرآن الكريم:ص:175/176.
[8]الاتقان في علوم القرآن :2/116.
[9]إعجاز القرآن ::142.
[10]المستدرك على الصحيحين للحاكم :2/270/4221وصححه ، ووافقه الذهبي .
[11]سورة ص/88.
[12]من محاضرة الزنداني له بكلية أصول الدين بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية بالرياض في شهر ربيع الأول لعام:1426//1986.
[13]سورة الغاشية/17-20.
[14]سورة النمل/61.
[15]سورة فصلت/53.
[16]سورة النمل/93.
[17]زاد المسير لابن الجوزي :1/362.
[18]روح المعاني للألوسي : 26/62.
[19]سورة النمل/18.
[20]www.islammessage.com-.
[21] سورة النساء, الآية:56.
[22]http://www.nooran.org/J/J3.htm.
[23]http://www.nooran.org/J/J3.htm.
[24]القرآن الكريم والتوراة والانجيل والعلم لموريس بوكاي : ص:144-145.
[25]عالم الفسيولوجيا والكيمياء الحيوية – حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة جونز هونكنز استاذ فسيولوجية الكيمياء بجامعة منيسونا – عميد معهد هورمل منذ سنة 1949 – عضو ورئيس جمعيات عديدة لدراسة الطعام وتركيبه الغذائي – مؤلف سلسلة كتب تركيب الدهون والليبيدات الاخرى – نشر كثيرا من البحوث العلمية. نقلا عن كتاب الله يتجلى في عصر العلم: ص:14.
[26] كتاب نحو الايمان لعبد المجيد الزنداني
[27]عالم طبيعي وفيلسوف دكتوراه من جامعة بورتون – أستاذ سابق باحدى كليات فلوريدا – عضو الجمعية الأمريكية الطبيعية – اخصائي في الفيزياء وعلم النفس وفلسفة العلوم والبحوث الانجيلية.نقلا عن كتاب الله يتجلى في عصر العلم: ص:7.
[28]كتاب نحو الايمان لعبد المجيد الزنداني.