بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما
أخي الحبيب أسامة، قلت :
( إعجاز الرسم ) حديث خرافة !!
أقول هذا في وقت كثر فيه الحديث عن الرسم وخرج عن حد المعقول إلى مايشبه العبث ، حتى بلغ الأمر ببعضهم أن يتحدث عما يسمى بإعجاز الرسم القرآني !! وعقدت فيه ندوات وألفت فيه كتب أكثرها متكلف بارد !! ونقول لو كان الذي كتب القرآن هو رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبه بيده وخطه بيمينه لم يكن معجزا !! فكيف وليس له في كتابته حرف واحد إنما كتبه أصحابه رضي الله عنهم على ما كانت تكتب العرب وتعرف !!
وأنا لا أنكر أن أكثر ما كتب لم يقصد به وجه الله، فظهر فيه التكلف والتبلد والبرودة، ولكن لا يعني هذا أن ننكر الحق وندعي الباطل.
ثم تقول لو خط القرآن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده لم يكن معجزا.. أتضحك على نفسك أم على الآخرين.
ثم تستمر في كلامك فتذكر أنه من خط الصحابة على ما كانت تكتب العرب.. وأنا سائلك : كيف كانت تكتب العرب ؟ مرة يثبتون ألفا ومرة يحذفونها ومرة يزيدون حرفا ومرة يكتبون الكلمة بدون زيادة.. أذكر لي كيف طريقتهم ؟ أم هي هكذا طريقتهم أن تكتب الكلمة برسمين مختلفين ؟
ولعلك تنظر في حال القوم اليوم. أترى لو ذهبت المصاحف كلها، هل يستطيع حملة القرآن إعادة كتابته على النحو الذي هو عليه الآن ؟
طبيعي أن يكون الجواب نعم، فهناك من الحفظة من يحفظ الكلمات حرفا حرفا لا يغادر منها كلمة.
وأنا سائلك : إذا كان هذا أمر حفظة الكتاب اليوم. أيكونون أوعى من رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب الله ؟
طبعا، ستقول لا..
فهل يحفظون الكلمات حرفا حرفا ولا يحفظها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
وهل يستجب حفظ حروف الكلمة إتقان الكتابة ؟ طبعا لا.
ثم لعلي أعطيك مثالا عن رسم القرآن فانظر فيه : كلمة عباد: ذكرت في القرآن عديد المرات، وكتبت في كلها بالألف، إلا مرة واحدة بدون ألف. هذه المرة بدون الألف هي قوله تعالى في سورة الزخرف، الآية 19: وجعلوا الملائكة الذين هم عبد الرحمن اناثا اشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسالون.
فكتبت: عبد الرحمن بدون ألف.
ولعلي أحيلك إلى أمر متعلق بكلمة عباد هنا في هذه الآية خاصة. فإنها قرئت : عباد، وقرئت عند.
فاستوجب أن لو رسمتها عباد بالألف، أن ترد قراءتها: عند، وهي قراءة متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها خالفت خط المصحف. ووقتها ما حفظ القرآن !
ولكن وعد الله بحفظ القرآن وافقه رسمه المصحف. فخطت الكلمة في القرآن جميعا دون غيرها، بدون ألف. فتبين أن رسم القرآن من الأمور التي حفظت القرآن من التلف. وهذا لا يصح أن ينسب إلى العباد، لأن أمر الحفظ والجمع والتلاوة نسبه الله تعالى إلى نفسه. ومن ثم عُلِم توقيفه، وتبيَّن إعجازه.
والله تعالى أعلم
يغفر الله لي ولكم
د. عمارة سعد شندول
(السنة الثانية من مرحلة الماجستير في العلوم الإسلامية)