إشكال منهجي في تفسير "غاسق إذا وقب "

أبو عبد المعز

Active member
إنضم
20/04/2003
المشاركات
596
مستوى التفاعل
25
النقاط
28
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين..وبعد
فهذا إشكال منهجي في تفسير "غاسق إذا وقب "
يمكن صياغة الاستشكال في سؤال:​
ماذا يبقى للمفسر بعد تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم؟
وننزل مقتضيات المسألة إلى حيز التطبيق فنسأل:
هل يصح للمفسر أن يفسر "الغاسق" بالليل بعد أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد فسره بالقمر!
فلنستعرض بعض أقوال المفسرين:

1-ابن جرير –رحمه الله-يورد أقوال من فسر الغاسق بالليل إذا أظلم..ثم يعرج على الرأي الآخر قائلا: وقال آخرون: بل الغاسق إذا وقب: القمر، ورووا بذلك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم خبرا.
ثم يختار التأليف بين الأقوال كلها،فيقول:
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، أن يقال: إن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ) وهو الذي يُظْلم، يقال: قد غَسَق الليل يَغُسْق غسوقا: إذا أظلم (إِذَا وَقَبَ) يعني: إذا دخل في ظلامه؛ والليل إذا دخل في ظلامه غاسق، والنجم إذا أفل غاسق، والقمر غاسق إذا وقب، ولم يخصص بعض ذلك بل عمّ الأمر بذلك، فكلّ غاسق، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يُؤمر بالاستعاذة من شره إذا وقب. وكان يقول في معنى وقب: ذهب.

2-أما الزمخشري فيقول:
"والغاسق: الليل إذا اعتكر ظلامه من قوله تعالى إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ومنه: غسقت العين امتلأت دمعا، وغسقت الجراحة امتلأت دما. ووقوبه: دخول ظلامه في كل شيء. ويقال: وقبت الشمس إذا غابت.
وفي الحديث: لما رأى الشمس قد وقبت قال: هذا حين حلها، يعنى صلاة المغرب . وقيل:
هو القمر إذا امتلأ، وعن عائشة رضى الله عنها: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأشار إلى القمر فقال: تعوّذى بالله من شر هذا، فإنه الغاسق إذا وقب . ووقوبه: دخوله في الكسوف واسوداده. ويجوز أن يراد بالغاسق: الأسود من الحيات: ووقبه: ضربه ونقبه."

ثم قال بعد:

والتعوّذ من شر الليل لأن انبثاثه فيه أكثر، والتحرّز منه أصعب. ومنه قولهم: الليل أخفى للويل. وقولهم: أغدر الليل، لأنه إذا أظلم كثر فيه الغدر."

ويشعر قوله الأخير بترجيحه لليل مع تجويزه للقولين الآخرين: القمر والحيات ...

3-أما ابن عاشور فاقتصر على تفسير الغاسق بالليل ولم يعرج على أي قول آخر، فلم يذكر الحديث الذي أورده كثير من المفسرين!!
قال:
وَالْغَاسِقُ: وَصْفُ اللَّيْلِ إِذَا اشْتَدَّتْ ظُلْمَتُهُ يُقَالُ: غَسَقَ اللَّيْلُ يَغْسِقُ، إِذَا أَظْلَمَ قَالَ تَعَالَى: إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ [الْإِسْرَاء: 78] ، فَالْغَاسِقُ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ لِظُهُورِهِ مِنْ مَعْنَى وَصْفِهِ مِثْلَ الْجَوَارِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ [الشورى: 32] وَتَنْكِيرُ غاسِقٍ لِلجِّنْسِ لِأَنَّ الْمُرَادَ جِنْسُ اللَّيْلِ.
وَتَنْكِيرُ غاسِقٍ فِي مَقَامِ الدُّعَاءِ يُرَادُ بِهِ الْعُمُومُ لِأَنَّ مَقَامَ الدُّعَاءِ يُنَاسِبُ التَّعْمِيمَ.
وَمِنْهُ قَوْلُ الْحَرِيرِيِّ فِي الْمَقَامَةِ الْخَامِسَةِ: «يَا أَهْلَ ذَا الْمَعْنَى وُقِيتُمْ ضُرًّا» أَيْ وُقِيتُمْ كُلَّ ضُرٍّ.
وَإِضَافَةُ الشَّرِّ إِلَى غَاسِقٍ مِنْ إِضَافَةِ الِاسْمِ إِلَى زَمَانِهِ عَلَى مَعْنَى (فِي) كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ [سبأ: 33] .
وَاللَّيْل: تَكْثُرُ فِيهِ حَوَادِثُ السُّوءِ مِنَ اللُّصُوصِ وَالسِّبَاعِ وَالْهَوَامِّ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا.
وَتَقْيِيدُ ذَلِكَ بِظَرْفِ إِذا وَقَبَ أَيْ إِذَا اشْتَدَّتْ ظُلْمَتُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتٌ يَتَحَيَّنُهُ الشُّطَّارُ وَأَصْحَابُ الدَّعَارَةِ وَالْعَيْثِ، لِتَحَقُّقِ غَلَبَةِ الْغَفْلَةِ وَالنَّوْمِ عَلَى النَّاسِ فِيهِ، يُقَالُ: أَغْدَرَ اللَّيْلُ، لِأَنَّهُ إِذَا اشْتَدَّ ظَلَامُهُ كَثُرَ الْغَدْرُ فِيهِ، فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ أَغْدَرُ، أَيْ صَارَ ذَا غَدْرٍ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ.

4-وقال ابن تيمية:
فَإِنَّ الْغَاسِقَ قَدْ فُسِّرَ بِاللَّيْلِ كَقَوْلَةِ: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ وَأَهْلِ اللُّغَةِ. قَالُوا: وَمَعْنَى {وَقَبَ} دَخَلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْغَاسِقُ الْبَارِدُ وَقِيلَ اللَّيْلُ غَاسِقٌ لِأَنَّهُ أَبْرَدُ مِنْ النَّهَارِ وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِي {عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ إلَى الْقَمَرِ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ تَعَوَّذِي بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهِ فَإِنَّهُ الْغَاسِقُ إذَا وَقَبَ} وَرَوَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {أَنَّ الْغَاسِقَ النَّجْمُ} وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ هُوَ الثُّرَيَّا وَكَانَتْ الْأَسْقَامُ وَالطَّوَاعِينُ تَكْثُرُ عِنْدَ وُقُوعِهَا وَتَرْتَفِعُ عِنْدَ طُلُوعِهَا وَهَذَا الْمَرْفُوعُ قَدْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ مُنَافَاتَهُ لِمَنْ فَسَّرَهُ بِاللَّيْلِ فَجَعَلُوهُ قَوْلًا آخَرَ ثُمَّ فَسَّرُوا وُقُوبَهُ بِسُكُونِهِ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَيُقَالُ الْغَاسِقُ الْقَمَرُ إذَا كَسَفَ وَاسْوَدَّ. وَمَعْنَى وَقَبَ دَخَلَ فِي الْكُسُوفِ وَهَذَا ضَعِيفٌ فَإِنَّ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُعَارَضُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ وَهُوَ لَا يَقُولُ إلَّا الْحَقَّ وَهُوَ لَمْ يَأْمُرْ عَائِشَةَ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ عِنْدَ كُسُوفِهِ بَلْ مَعَ ظُهُورِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} فَالْقَمَرُ آيَةُ اللَّيْلِ. وَكَذَلِكَ النُّجُومُ إنَّمَا تَطْلُعُ فَتُرَى بِاللَّيْلِ فَأَمْرُهُ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ آيَةِ اللَّيْلِ وَدَلِيلُهُ وَعَلَامَتُهُ وَالدَّلِيلُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْمَدْلُولِ فَإِذَا كَانَ شَرُّ الْقَمَرِ مَوْجُودًا فَشَرُّ اللَّيْلِ مَوْجُودٌ وَلِلْقَمَرِ مِنْ التَّأْثِيرِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ فَتَكُونُ الِاسْتِعَاذَةُ مِنْ الشَّرِّ الْحَاصِلِ عَنْهُ أَقْوَى وَيَكُونُ هَذَا كَقَوْلِهِ عَنْ الْمَسْجِدِ الْمُؤَسَّسِ عَلَى التَّقْوَى: " هُوَ مَسْجِدِي هَذَا " مَعَ أَنَّ الْآيَةَ تَتَنَاوَلُ مَسْجِدَ قُبَاء قَطْعًا. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَنْ أَهْلِ الْكِسَاءِ: " هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي " مَعَ أَنَّ الْقُرْآنَ يَتَنَاوَلُ نِسَاءَهُ فَالتَّخْصِيصُ لِكَوْنِ الْمَخْصُوصِ أَوْلَى بِالْوَصْفِ فَالْقَمَرُ أَحَقُّ مَا يَكُونُ بِاللَّيْلِ بِالِاسْتِعَاذَةِ وَاللَّيْلُ مُظْلِمٌ تَنْتَشِرُ فِيهِ شَيَاطِينُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ مَا لَا تَنْتَشِرُ بِالنَّهَارِ وَيَجْرِي فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ الشَّرِّ مَا لَا يَجْرِي بِالنَّهَارِ مِنْ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ وَالسِّحْرِ وَالسَّرِقَةِ وَالْخِيَانَةِ وَالْفَوَاحِشِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَالشَّرُّ دَائِمًا مَقْرُونٌ بِالظُّلْمَةِ وَلِهَذَا إنَّمَا جَعَلَهُ اللَّهُ لِسُكُونِ الْآدَمِيِّينَ وَرَاحَتِهِمْ لَكِنَّ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ تَفْعَلُ فِيهِ مِنْ الشَّرِّ مَا لَا يُمْكِنُهَا فِعْلُهُ بِالنَّهَارِ وَيَتَوَسَّلُونَ بِالْقَمَرِ وَبِدَعْوَتِهِ وَالْقَمَرِ وَعِبَادَتِهِ وَأَبُو مَعْشَرٍ البلخي لَهُ " مُصْحَفُ الْقَمَرِ " يَذْكُرُ فِيهِ مِنْ الكفريات وَالسِّحْرِيَّاتِ مَا يُنَاسِبُ الِاسْتِعَاذَةَ مِنْهُ.

ما قاله شيخ الإسلام قريب جدا مما قاله شيخ المفسرين..فالشيخان يميلان إلى الجمع بين اللغة والحديث ويوفق ابن تيمية بين التفسير بالليل والتفسير بالقمر على أساس الملازمة بين الاثنين...!!

لكن في النفس شيء من هذا الجمع!!

فلنستعرض بعض الأحاديث بمختلف ألفاظها:
1-الترمذي:
3366 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عَمْرٍو العَقَدِيُّ، عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ الحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ إِلَى القَمَرِ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ اسْتَعِيذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا، فَإِنَّ هَذَا هُوَ الغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ» : «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»

2-أبوداود الطيالسي:
1589 - حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِيَ الْحَارِثُ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْقَمَرِ فَقَالَ: «اسْتَعِيذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهِ فَإِنَّهُ الْغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ»

3-أحمد بن حنبل
24323 - حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ فَأَرَانِي الْقَمَرَ حِينَ طَلَعَ، فَقَالَ: " تَعَوَّذِي بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الْغَاسِقِ إِذَا وَقَبَ "
25711 - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ خَالِهِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي، فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ، فَقَالَ: " يَا عَائِشَةُ تَعَوَّذِي بِاللهِ مِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ، هَذَا غَاسِقٌ إِذَا وَقَبَ "

لا يمكن حمل اختلاف الألفاظ على محمل التنوع الأسلوبي مع وحدة المعنى..فبعض الروايات وردت فيها ألفاظ تجعل تفسير الغاسق بالليل باطلا!!

فلنرتب العبارات بحسب قوتها الدلالية التخصيصية من أدنى إلى أعلى:

أ-« يَا عَائِشَةُ تَعَوَّذِي بِاللهِ مِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ، هَذَا غَاسِقٌ إِذَا وَقَبَ »
ب-« تَعَوَّذِي بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الْغَاسِقِ إِذَا وَقَبَ »
ج-«اسْتَعِيذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهِ فَإِنَّهُ الْغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ»
د-«يَا عَائِشَةُ اسْتَعِيذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا، فَإِنَّ هَذَا هُوَ الغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ»

القوة التخصيصية في (أ) ضعيفة :
فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر عائشة بالتعوذ من الغاسق العام، ثم نبه على فرد من مصاديقه -وهو القمر-: هَذَا غَاسِقٌ إِذَا وَقَبَ...فتنكير الخبر يشعر بعدم تخصيص المبتدأ ،فمن الممكن أن تكون هناك أفراد أخرى مندرجة ضمن الغاسق العام...
وتفسير الطبري وابن تيمية مخرجان على ألفاظ هذه الرواية..

القوة التخصيصية في (ب و ج) عالية بسبب التعريف :
هَذَا الْغَاسِقِ إِذَا وَقَبَ
فَإِنَّهُ الْغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ...
لكن يبقى احتمال المجاز...فتكون اللام دالة على الاستحقاق وليس التخصيص...كما فسرالزمخشري قوله تعالى "ذلك الكتاب" في أول البقرة ،فقال :
ومعناه: أنّ ذلك الكتاب هو الكتاب الكامل، كأن ما عداه من الكتب في مقابلته ناقص، وأنه الذي يستأهل أن يسمى كتابا، كما تقول: هو الرجل، أى الكامل في الرجولية، الجامع لما يكون في الرجال من مرضيات الخصال.
فينسج على منواله ويقال:
القمر هو الغاسق الكامل كأن ما عداه من الغاسقين في مقابلته نقص...
فلا يكون القمر هو الغاسق الفريد وإنما هو المستحق لأن يوصف به..
فتفسير الغاسق بالليل ما زال ممكنا على هذه الرواية مع شيء من التحفظ....

لكن القوة التخصيصية في (د) -رواية الترمذي- مطلقة :
فَإِنَّ هَذَا هُوَ الغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ..
فليس هنا انتقال من كلي إلى جزئي، بل هو انتقال من مجمل إلى مبين فكأن الآية :
وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3)
مجملة ،فجاء الحديث النبوي ليزيل الإجمال ويبين ما المقصود بالغاسق فاستعمل الإشارة الحسية، وضمير التخصيص ،ولام التعريف، ليكون المراد هو القمر وحده..
فيكون تفسير ابن تيمية ضعيفا على لفظ الترمذي...ولا نحتاج إلى أن نبحث بعيدا عن سند لتضعيف هذا التفسير فشيخ الإسلام نفسه يمدنا بالحجة قال:
قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَيُقَالُ الْغَاسِقُ الْقَمَرُ إذَا كَسَفَ وَاسْوَدَّ. وَمَعْنَى وَقَبَ دَخَلَ فِي الْكُسُوفِ وَهَذَا ضَعِيفٌ فَإِنَّ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُعَارَضُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ وَهُوَ لَا يَقُولُ إلَّا الْحَقَّ وَهُوَ لَمْ يَأْمُرْ عَائِشَةَ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ عِنْدَ كُسُوفِهِ بَلْ مَعَ ظُهُورِهِ..

فنرد عليه بحجته ذاتها...فنقول إن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أشار إلى القمر وقال هذا هو الغاسق إذا وقب فكيف يكون النجم أو الليل!!
ولا يستقيم ذلك إلا على لفظ "هَذَا غَاسِقٌ إِذَا وَقَبَ" كما مر..

فهل نرد تفسير الشيخين ابن جرير وابن تيمية؟
إن تفسيرهما في نظرنا حق ولكنه غير صحيح!

ونحن إذ نقول هذا لا نمزح ولا نتلاعب بالألفاظ..وإنما نجري على منهج واصطلاح أهل الحديث..فالمتن عندهم قد يكون حقا لكن الحديث برمته غير صحيح -بسبب سنده- فيكون بين الصحة والحقيقة عموم وخصوص مطلقان فكل سند صحيح يلزم عنه متن حق...لكن المتن الحق لا يصحح السند الضعيف...فقد يعمد المرء مثلا إلى معنى قرآني هو حق فيركب له سندا وهميا فلا يكون الحديث إلا موضوعا باطلا..
ونحن نرى تبعا لهذا التقرير أن تفسير الشيخين حق لأن ما ذكروه عن شر الليل والظلام داخل في قوله تعالى:
مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)
ولكنه غير صحيح إزاء قوله تعالى
وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3)
فقد عين الرسول صلى الله عليه وسلم ما المراد بالغاسق فقد أشار إلى القمر وقال هذا هو الغاسق إذا وقب، والعبارة نص..
ولكن...تضعيف تفسير هذين العلمين متوقف على التأكد من لفظ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم...
فما السبيل إلى معرفة عبارته بالضبط..فهل قال :
"هذا غاسق"
أم قال
"هذا الغاسق"
أم قال
"هذا هو الغاسق"؟؟؟
واضح أن الرواة قد نقلوا المعنى فقط لأن الواقعة واحدة..ولكن للفظ شأنا خطيرا كما رأينا...
(أفلهذا السبب لم يعتمد جمهور أهل اللغة الشاهد من الحديث؟؟ )

 ​
 
(إذا صحَّ الحديثُ وكان نصاً في معنى الآية فلا يُصارُ إلى غيره ) هذه هي القاعدة التي يتبعها أهل التفسير في مثل هذا الموقف إذا كان هذا الحديث صحيحاً وكان نصاً في معنى الآية مما يوحي بأن النبي صلى الله عليه وسلم قصد تفسير هذا المعنى في الآية. ولا غضاضة في رد قول هؤلاء العلماء فمنهم تعلمنا هذا المنهج، والكمال عزيز . ولكنَّ في عدولهم عن القول به قرينة على أن ثمةً مانعاً منعهم من الاقتصار على القول الوارد في الحديث. فيمكن البحث في سبب هذا العدول، ولعل العلماء في كلامهم عن هذه الآية تعرضوا لتوجيه هذه الأقوال ، أو إبداء سبب العدول عن الاقتصار على المعنى الوارد في الحديث ، والغريب أن أكثر المفسرين على القول بأن الغاسق الليل ، والذين اقتصروا على القول بأنه القمر هم الذين اقتصروا على التفسير بالمأثور فقط ، واكتفوا بإيراد الحديث دون النص على أنه القمر أو الليل .
وقد يكون عنى النبي صلى الله عليه وسلم بإشارته بقوله لعائشة رضي الله عنها : (هذا هو الغاسق) بمختلف رواياتها الليلَ المشتمل على هذا القمر وليس القمر نفسه فقط ، وإنما على أنه مثال مما يصح عليه وصف الغسوق والله أعلم .
ولا شك أن اختلاف روايات الأحاديث من أكبر أسباب إعراض النحويين عن الاستشهاد بالحديث ، وقد ناقش الدكتور فخر الدين قباوة في كتابه الماتع (تاريخ الاحتجاج النحوي بالحديث الشريف) بتوسع .
 
إذا كنت ترى أن الحديث رُوي بالمعنى فمعنى هذا أننا لا نستطيع القطع بأنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم حصر معنى الغاسق بالقمر
لجواز أنه عبّر بلفظ لا يفيد الحصر بل بلفظ أفاد التعريف بالعموم ببعض أفراده فان لفظ الغاسق من المشترك اللفظي و اذا كان الامر كذلك فلا معنى للتعقيب على الطبري و ابن تيمية لان ترجيح معنى على معنى متعذر مع غياب الدليل القطعي.
 
الفاضل أبو عبد المعز

يقول الراغب الأصفهاني في مادة كل من : (غسق) و (وقب) :
"غسق
غَسَقُ الليل : شدّة ظلمته. قال تعالى : {إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ }[الإسراء / 78] ، والْغَاسِقُ : الليل المظلم. قال : {وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ} [الفلق / 3] ، وذلك عبارة عن النائبة بالليل كالطارق ، وقيل : القمر إذا كسف فاسودّ.
والْغَسَّاقُ : ما يقطر من جلود أهل النار ، قال : {إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً }[عمّ / 25] ".
"وقب
الوَقْبُ كالنّقرة في الشيء ، ووَقَبَ : إذا دخل في وَقْبٍ ومنه وَقَبَتِ الشمسُ : غابت. قال تعالى : {وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ} [الفلق / 3] ".

وردت مفردة (غسق) في القرآن الكريم أربع مرات : غَسَقِ ـ غَاسِقٍ ـ (غَسَّاقٌ ـ غَسَّاقاً)
وذلك على الشكل التالي :
1 ـ غَسَقِ : {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً }[الإسراء78]
2 ـ غَاسِقٍ : {وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ }[الفلق3]
3 ـ غَسَّاق : {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ }[ص57]
{إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً }[النبأ25]

ولنتأمل الآيات التي وردت فيها هذه المفردة في سورتي الإسراء والفلق ، لعلنا نقترب إلى المعنى :
في الآية 78 من سورة الإسراء نجد فيها الحث على إقامة الصلاة في أوقات معينة : {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } . يقول الآلوسي : "{ أَقِمِ ٱلصَّلَٰوةَ } أي المفروضة { لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ } أي لزوالها عن دائرة نصف النهار وهو المروي عن عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس في رواية وأنس وأبي برزة الأسلمي والحسن والشعبي وعطاء ومجاهد، ورواه الإمامية عن أبي جعفر وأبي عبد الله رضي الله تعالى عنهما وخلق آخرين، وأخرج ابن جرير وإسحاق بن راهويه في «مسنده» وابن مردويه في «تفسيره» والبيهقي في «المعرفة» عن أبي مسعود عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتاني جبريل عليه السلام لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر "
وعن غسق الليل يقول : "{ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلْلَّيْلِ } أي إلى شدة ظلمته كما قال الراغب وغيره وهو وقت العشاء. وأخرج ابن الأنباري في «الوقف» عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني ما الغسق؟ فقال: دخول الليل بظلمته "
" ويقول طنطاوي في معنى {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ } : " والمراد بقرآن الفجر: صلاة الفجر. وسميت قرآناً، لأن القراءة ركن من أركانها، من تسمية الشيء باسم جزئه، كتسمية الصلاة ركوعاً وسجوداً وقنوتاً " يقول البيضاوي : " والآية جامعة للصلوات الخمس إن فسر الدلوك بالزوال "
نعود للتركيب القرآني لنجد أن : الكلمة القرآنية : { غَسَقِ ٱلْلَّيْلِ } مركبة من مفردتين : (غسق) و (الليل) . بمعنى أن الغسق ليس هو الليل والليل ليس هو الغسق . لأن هذا ليس من عادة القرآن الكريم . إذ لا يوجد الترادف في القرآن .
وللدليل على ذلك نتأمل : الآيتين :
يقول تعالى : { ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ }[البقرة:187]
ويقول تعالى : { إِلَىٰ غَسَقِ ٱلْلَّيْلِ } [الإسراء: 78]
فهنا يتجلى الفرق بين (إلى الليل) و (إلى غسق الليل)
إلى الليل : إلى حدود الليل ، الذي يكون بغروب الشمس .
أما : إلى غسق الليل فمعناه : مرحلة جديدة بعد دلوك الشمس ، تبتدئ بالظلام الذي هو ملازم لليل .
وإذا رجعنا للسنة النبوية ، حيث بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الغاسق إذا وقب هو القمر ، أو القمر هو غاسق إذا وقب .
من خلال القرآن والسنة نستنتج أن كل ملازم لليل فهو غاسق .
ابتداء بالقمر ثم الشرور المختلفة لشياطين الإنس والجن وكل ذي شر ، هذه الشرور التي تظهر بالليل . وتكون عاقبتها وخيمة على الأفراد والجماعات . وبهذا تكون كل الشرور التي تلازم الليل تسمى غاسقا .
وبالنظر لبيان الرسول صلى الله عليه وسلم أن القمر غاسق إذا وقب ، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في صيام الأيام البيض ، كلها إشارات قوية على أن للقمر تأثير سلبي على حياة الإنسان النفسية والاجتماعية . وهذا الكلام مؤكد بدراسات علمية معاصرة ، يمكن الرجوع إليها في أماكنها المتخصصة .
صلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والله أعلم وأحكم
 
تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للغاسق بأنه القمر فيما صححه بعض أهل العلم هو من باب التنبيه لا الحصر، نظيره قول النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم : ((هو مسجدي هذا )) مع أن الآية نزلت في مسجد قباء قطعاً.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم نظائر لهذا الإطلاق.
ولم أر أهل العلم المعروفين بالإمامة في التفسير واللغة فهموا من هذا التفسير ما فهمه الأخ الكريم صاحب الموضوع من قصر المراد عليه إلا ما روي عن ثعلب.

وقد اطلعت على هذا الموضوع على عجل، ولعل في هذا النص الذي أدرجه لكم من تفسير أعمل على إعداده للمعوذتين ما يفيد في هذه المسألة، وهي تفسير الغاسق بأنه القمر.
وأما تفسير الغاسق بالقمر فقد ورد فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه أحمد والنسائي في السنن الكبرى وغيرهما من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: قالت عائشة أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأراني القمر حين طلع ؛ فقال: تعوذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب.
والحديث أخرجه أيضاً الترمذي والحاكم وأبو يعلى وغيرهم لكن هذا اللفظ (فأراني القمر حين طلع) تفرد به أبو داوود الحفري عن ابن أبي ذئب عند أحمد والنسائي وفيه فائدة لغوية لم أجدها في الطرق الأخرى وهي معنى الوقوب في هذا الحديث.
والحديث حسنه الحافظ ابن حجر في الفتح.
وقد أشكل هذا الحديث على بعض أهل العلم حتى أورده الطحاوي في شرح مشكل الآثار ولهم أجوبة عنه .
وقد ذهب إبراهيم الحربي في غريب الحديث والطحاوي وشيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقهم إلى أن مناسبة ذكر القمر في الحديث للآية أنه آية الليل واستدلوا بقوله تعالى: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة} .
وفي هذا التوجيه نظر.
وقال بعضهم: {ومن شر غاسق إذا وقب}؛ أي القمر إذا خَسَف.
وهؤلاء أرادوا أن القمر إذا خَسَف اسودَّ فيكون ذلك غسوقه لأنهم فهموا من معنى الغسوق الإظلام، والقمر إذا كسف أظلم، وهذا التعليل ذكره ابن قتيبة في غريب القرآن والبغوي في معالم التزيل، وهو خطأ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أشار إلى القمر لم يكن منكسفاً.
وقد ضعَّف هذا القولَ شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وأحسنا في ذلك.
وأغرب منه قول ابن خالويه في توجيه هذا القول بأن الغاسق إذا وقب القمر إذا ذهب ضوءه، قال: (وإنما يكون ذهابُ ضوئه أمارة لقيام الساعة).

والصواب أن يقال: إن القمر غاسق من جملة ما يغسق، ودلَّ الحديث على أن لغسوقه شرّا عظيماً لا نعلمه ولا ندركه بحواسنا؛ كما أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم من الشر في الليل والخلوة فيه ما لو علمناه ما سار راكب بليل وحده أبداً.
فهذا يدل على أن الشرور التي يغيب عنَّا علمها وإدراكها كثيرة، وهي قد تصيب بعض الخلق بأمر الله تعالى .
وهذا نظير ما صحَّ أن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان كما في صحيح مسلم وسنن أبي داوود من حديث عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه.
وفي صحيح البخاري من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بين قرني شيطان)).
والشيطان يقارن الشمس عند طلوعها فإذا ارتفعت فارقها فإذا استوت في كبد السماء قارنها فإذا زالت فارقها، فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها .
وهذا الاقتران يكون معه شر وفتنة لبعض الخلق، ويعصم الله منه من اتبع هداه، وهذا يكون كلَّ يوم حتى يأتي اليومُ الموعود الذي تطلع فيه الشمسُ من مغربها، إلا ما ذكر في صبيحة ليلة القدر إن صحَّ فيه ما رواه ابن أبي شيبة وغيره من حديث سماك عن عكرمة عن ابن عباس موقوفاً: (إن الشيطان يطلع مع الشمس كل ليلة إلا ليلة القدر، وذلك أنها تطلع يومئذ بيضاء لا شعاع لها).
فطلوع الشمس وغروبُها بين قرني شيطان دليل على اقتران شرٍّ بطلوعها وغروبها لا ندركه، وإنما نعلم منه ما دلَّ عليه الدليل.
فكذلك اقتران طلوع القمر بشرّ لا نعلمه يكون له أثر على الخلق هو أمر من أمور الغيب نؤمن به ولا نتكلم في تعيينه ولا وصفه إلا بما دل عليه الدليل، وما ظهر لنا علمه.

وقد ذكر الرازي في تفسيره قولاً له حظ من النظر في معنى وصف القمر بأنه غاسق، وهو أن القمر غاسق بطبعه لأنه جسم مظلم غير منير بنفسه كما يقول أهل العلم بالفلك وإنما تكون إنارته التي تظهر للناس بسبب عكسه لإضاءة الشمس، وهذا ظاهر لأن القمر لو كانت إنارته من قبل نفسه لما كان هلالاً أول الشهر وآخره ولأضاء جميعُ ما يرى منه .
لكن الرازي قال إن الوقوب هو انمحاء نور القمر في آخر الشهر. وهذا التفسير لا تدل عليه اللغة.
وقد ذكر الرازي من الفوائد أن السحرة يتحينون لعمل سحر التمريض آخر الشهر لأجل ازدياد ظلمة القمر، والرازي له معرفة بالسحر وقد ألف فيه كتاباً ثم تاب من ذلك، فإن صح ما ذكره فهذا نوع من أنواع السحر يتحينون فيه هذا الوقت، وقد يكون لأنواع أخرى منه أوقاتاً أخرى يتحينها السحرة وغيرهم من أصحاب الشرور.
بل إن المنجّم أبا معشر جعفر بن محمد البلخي (ت:272هـ) وكان رئيس المنجمين زمن الخليفة العباسي المعتز بالله، وهو من المؤلفين في التنجيم والسحر وطرقه وأوقاته ألف كتاباً أسماه (مصحف القمر) قال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية: ذكر فيه من الكفريات والسحريات ما يناسب الاستعاذة منه.
والمقصود أن القمر غاسق وفي وقوبه شر عظيم الله أعلم به؛ فما يجعله السحرة من مواقيت أعمالهم المتعلقة بمنازل القمر، وما يكون من الآفات والشرور التي تخرج في مواقيتَ مقدرَّةٍ لها تعلق بمنازل القمر، وما تتحينه الشياطين وبعض الحيوانات من أوقاتٍ مقدرة تنتشر فيها أو تخرج من بياتها لها تعلق أيضاً بمنازل القمر ووقوبه من منزلة إلى منزلة.
وقد رَوى ابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الغاسق كوكب.
ورَوى عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنه قال: (كانت العرب تقول: الغاسق سقوط الثريا، وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها وترتفع عند طلوعها).
ويروى في هذا المعنى حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (النجم الغاسق) رواه ابن جرير في تفسيره وأبو الشيخ في العظمة كلاهما من طريق محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن عمِّه أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة رضي الله عنه .
قال ابن كثير: (وهذا الحديث لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم).ا.هـ.

وهذا التفسير إن صح فهو جزء من المعنى، وتفسير بالمثال للتنبيه عليه، والله تعالى أعلم بما يُحدث في خلقه من الفتن والشرور، ونحن علينا الإيمان واتباع هدى الله تعالى؛ فمن اتبع هدى الله فإن الله يضمن له أن لا يخاف ولا يحزن، وأن لا يضل ولا يشقى، ومن استعاذ بالله أعاذه.
قال ابن جرير: (الليلُ إذا دخل في ظلامه: غاسق، والنجم إذا أفل: غاسق، والقمر: غاسق إذا وقب، ولم يخصِّص بعضَ ذلك، بل عمَّ الأمرَ بذلك ، فكلُّ غاسق فإنه صلى الله عليه وسلم كان يؤمر بالاستعاذة من شرّه إذا وقب)ا.هـ.
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ذكر ابن جرير- رحمه الله- أن قتادة فسر" الوقوب" بمعنى" ذهب. ورده لأنه لا يعرف في كلام العرب؛ وأن المعروف في كلامهم: " وقب" بمعنى دخل.ووافقه أهل اللغة في ذلك. وأيده النحاس بقوله:":" وقول قتادة: وقب ذهب لا يعرف".
فأود الاستفسار هل قول خالويه:"بأن "الغاسق إذا وقب" القمر إذا ذهب ضوءه . هو ماأراده قتادة؟
وهل قول العرب :وَقَبَتِ الشمسُ: غابت.
لايفسر بمعنى الذهاب وإنما يفسر بالدخول. فيكون المعنى:وَقَبَت الشمسُ: إِذا غابَتْ ودخلتْ موضِعَها. ؟


 
في تفسير الصنعاني رحمه الله
قال : عن معمر عن قتادة ( اذا غاب ، اذا ذهب ) ، في تصورى .. ان قول قتاده هو تفسير وفهم لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم . قتاده رحمه الله اعطى المعنى الصحيح اولا لكلمة (وقب ) ..بقوله (غاب ) ثم اردف بكلمة تفسيريه لوصف القمر وضوئه ( بالذهاب ) ، ولاحظي انه .. اعطى الكلمة معناها الاول ، المتبادر في لغة العرب فلا اشكال ، انشاء الله .

من مقاييس اللغة
(وقب)
الواو والقاف والباء: كلمةٌ تدلُّ على غَيبةِ شيءٍ في مَغَاب. يقال وَقب الشَّيءُ: دخَلَ في وَقْبة، وهي كالنُّقْرة في الشَّيء. ووقَبَتْ عيْناه: غارتا



معلومه استئناسيه
يقول علماء الفلك ان القمر يبتعد عن الارض بمقدار ضئيل جدا (3.7 cm ) سنويا
يمكن الاستزاده بالبحث ( مثلا ) : ابتعاد القمر عن الارض او باللغة الانجليزية مثال البحث the moon drifting away from earth



والله اعلم
 
أثابكم الله...لكن ماسبب استدارك ابن جرير على قتادة بقوله: أن كلامه غير معروف في كلام العرب..وأن وقب لا يعرف بمعنى ذهب..
أليس كلمة ذهب مرادفة لكلمة غاب ؟
ومافهمه قتادة رده ابن تيمية لأن القمر لم يغب..
 
احتاج لمراجعة بعض ماكتب ، ولكن اقرئي هذا المستل ..
هناك فرقاً بين التفسير بالمعنى والتفسير باللفظ ، فتفسير اللفظ شيء وتفسير المعني الذي يراد بالآية شيء آخر، يعنى أن اللفظ يفسر بمعناه بحسب الكلمة، ويفسر بالمراد به بحسب السياق والقرائن.والفرق بين اختلاف التنوع واختلاف التضاد: أن اختلاف التضاد لا يمكن الجمع فيه بين القولين؛ لأن الضدين لا يجتمعان.واختلاف التنوع يمكن الجمع فيه بين القولين المختلفين؛ لأن كل واحد منهما ذكر نوعاً، والنوع داخل في الجنس، وإذا اتفقا في الجنس فلا اختلاف.
ففي الاقتباس اعلاه بيان لقول قتادة رحمه الله ، وفيه ايضا تجدي ان معظم اختلاف السلف هو من التنوع وليس التضاد . فقتاده رحمه الله (لغويا )، فسر باللفظ اولا ثم اتبعه تفسيريا معنوي بقوله ( ذهب ) ، ذهب ضوء القمربالغياب ، قتادة رحمه الله مفسر لغوي محدث ، ابن جرير نفسه رحمه الله كان يستشهد به كثيرا ، اما تفسير ابن تيميه وابن القيم رحمهما الله ( الشيخ عبد الرحمن الشهري له قول هناك المشاركه 2 ) . استند ابن القيم رحمه الله الي ..ان ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، غير مخصص للاية ، اي ان الغسق هو القمر وقد يعني ايضا الليل ، فاعتقد انه خلاف تنوع ، ولو اني اميل وارجح قوله صلى الله عليه وسلم في الاية و تفسير قتادة وابن خالويه، ورحم الله سلفنا الصالح .

ملاحظه :
(ذهب ) ليست مرادف او معنى من معاني (وقب ) ، ولكن مفرده ( دخل) هي معني من معاني (وقب) ، فكل (من وقب او دخل ذهب منه شي او فقد منه شئ) ، كمسالتنا هنا ، فالقمر دخل بحيث ان نوره او ضوئه ذهب ، او القمر دخل (فقد ذهب ) ، فذهب .. كانت من قتادة رحمه الله ، توصيف للقمر وضوئه ولم تكن منه تعريف (لكلمة وقب ) ..لماذا ؟ لانه بدا بتعريفها ثم ثني بوصف اثرها وفعلها في القمر بقوله ( ذهب) ، ..لماذا ؟ لانه الظن بعبقري اللغة والمفسر (قتادة بن دعامه رحمه الله ) .


والله اعلم
 
فهمت من كلامكم أثابكم الله أن ابن جرير رحمه الله رد اللفظة من جهة "اللغة " لأن وقب بالفعل لاتعرف عند العرب بمعنى "ذهب" ؛وإن كان لفظة ذهب مرادفة ل " غاب" وهذا ماقصدته..
لكن من جهة التفسير أليس تفسير الوقوب بمعنى " الغياب" أيضا مردود؟
ولاأؤيد أن معنى الدخول هنا بمعنى ذهب -والمراد به الغياب- ولاشك أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم كما بين الإخوة من قبل هو تفسير لمعنى "الغاسق إذا وقب" ويكون وقوبه هنا بمعنى الدخول أو الظلمة وليس الذهاب - والله أعلم- لأنه أشار إليه مما يدل على ظهوره ولم يكن خاسفا إذ ذاك. وإنما كان مستنيرا، ولو كان خاسفا لذكرته عائشة رضي الله عنها.... لأن الخسوف هو الغياب .
والإخبار بأن القمر غاسق لا ينف عن الليل اسم الغاسق.
والرواية في تفسير ابن جرير ذكرت اللفظ فقط(ذهب)...
 
بمثله .. (جزاك الله خيرا )، اذا ظهر لي شي ،شاركت به يإذن الله تعالى ، ماحيرني حقيقه هو لماذا؟ .. لم يعالج ابن جرير رحمه الله قول قتاده من اوله ( اذا غاب ) ، اقول : لعله لم يقف عليه ، فقول قتاده كان من اوله تعريف (لوقب بالغياب ) وهو صحيح لاغبار عليه ، ولكن تعريفه يحصر ويوجه تفسير الايه ، ويخالف تفسير من ادخل فيها (الليل )

والله اعلم
 
ملاحظة : تعقيباتي بالازرق
فهمت من كلامكم أثابكم الله أن ابن جرير رحمه الله رد اللفظة من جهة "اللغة " لأن وقب بالفعل لاتعرف عند العرب بمعنى "ذهب" ؛وإن كان لفظة ذهب مرادفة ل " غاب" وهذا ماقصدته..فهمت قصدك واستفدت منه
لكن من جهة التفسير أليس تفسير الوقوب بمعنى " الغياب" أيضا مردود؟
لماذا هو مردود ؟ الغياب هو المعنى الاول للوقوب ، ومارده الا القول ( الغاسق هو الليل وظلمته ) لان الغياب يحصر التفسير ويوجهه فقط لحديث الرسول عليه الصلاة والسلام
ولاأؤيد أن معنى الدخول هنا بمعنى ذهب -والمراد به الغياب- ولاشك أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم كما بين الإخوة من قبل هو تفسير لمعنى "الغاسق إذا وقب"
والرواية في تفسير ابن جرير ذكرت اللفظ فقط(ذهب)...

ويكون وقوبه هنا بمعنى الدخول أو الظلمة وليس الذهاب - والله أعلم- لأنه أشار إليه مما يدل على ظهوره ولم يكن خاسفا إذ ذاك. وإنما كان مستنيرا، ولو كان خاسفا لذكرته عائشة رضي الله عنها.... لأن الخسوف هو الغياب .
التعليل السابق لايشترط .. لماذا ؟ قوله تعالى ( ومن شر غاسق اذا وقب ) في الاية يوجد ( إذا ) وهي أداة شرط غير جازمة لما يستقبل من الزمان ، تفيد الربط بين جملة الشرط ، وجوابه . ف.. (اذا) الظرفيه تحتاج لجملتين جملة شرط تقع بعد (إذا ) مباشرة تكون في محل جر مضاف اليه وكثيرا مايكون فعلها ماضيا ( كما في الاية ) ، الارتباط بين الشرط وجوابه سببي ، بمعني لابد هنا من حدوث الثاني فيقع الاول . (إذا وقب) شرط دال على الاستقبال الزماني و جوابه : جمله الجار والمجرور (من شر غاسق )

يبقى امر (اجتهادي ) يتعلق بالقمر
الخسوف يحدث للقمر (عندما تقع الارض بينه وبين الشمس ) ، ويرجع منه معافى ، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى وإلى الصلاة ) ، إلا خسوف واحد ذكره الله سبحانه وتعالى في سورة القيامه ، قوله سبحانه وتعالى ( فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) ) ، هذا الخسوف علامة من علامات يوم القيامة الكبرى ، يسبقه وميض شديد يؤثر على البصر ، مفرده (وقب ) وردت في القران مرة واحد فقط ، معاني كلمة (وقب ) وكلمة (خسف ) تشابه كبير ، يجمع بينها ذكر القمر ، الغور ، والغياب الي جهه وصف العين اذا غارت ، في ظني - والله اعلم - ان قوله تعالى ( من شر غاسق اذا وقب ) كقوله تعالى في سورة القيامه ( وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) ، ويكون امر الاستعاذه من شره في سورة الفلق ،استعاذه من شره يوم خسفه ووقوبه بلا رجعة، كالاستعاذه من شر المسيخ الدجال الذي هو ايضا علامه من علامات الساعة الكبرى وكما ورد في الحديث الصحيح .


والله اعلم وهو ولي التوفيق
 
ليس الغريب أن لا يحيط إمامنا الطبري بكلام العرب، فهذا الأفصح منه عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يعرف المقصود بالتخوف في قوله تعالى: " أو يأخذهم على تخوف ".
ومثله ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما في كلمة: " يحور " وكلمة " افتح ".
قال السيوطي في المهذب: لغة العرب متسعة جداً، ولا يبعد أن تخفى على الأكابر الجلة، وقد خفي على ابن عباس رضي الله عنهما معنى: " فاطر ".

وقال الزركشي في البحر المحيط: قال الشافعي في الرسالة : لسان العرب أوسع الألسنة لا يحيط بجميعه إلا نبي ، ولكنه لا يذهب منه شيء على عامتها ، والعلم به عند العرب كالعلم بالسنة عند أهل الفقه ، لا نعلم رجلا جمع السنن فلم يذهب منها عليه شيء، وتوجد مجموعةً عند جميعهم .
وقال ابن فارس في كتاب فقه العربية : قال بعض الفقهاء : كلام العرب لا يحيط به إلا نبي . قال : وهذا كلام حقيق أن يكون صحيحا ، وما بلغنا عن أحد من الماضين أنه ادعى حفظ اللغة كلها.

وسبحان من وسع كل شيء علماً
 
وقع خطأ في افتتاحية الموضوع المشاركة 1

1 فإنه صلى الله عليه وسلم كان يُؤمر بالاستعاذة من شره إذا وقب. وكان يقول في معنى وقب: ذهب.

خطا في ( فيما لونه ازرق ) ، توهم الجملة ان الرسول صلى الله عليه وسلم من قال : في معنى ( وقب : ذهب ) ولكن القول قول قتاده فيما نقله ابن جرير رحمهما الله تعالى عنه .

وهذا النص التفسيري من جامع البيان
فإنه صلى الله عليه وسلم كان يُؤمر بالاستعاذة من شرّه إذا وقب . وكان قتادة يقول في معنى وقب : ذهب .
 
لكن جميع المفسرين الذين نقلوا قول قتادة -رحمه الله- نقلوه بهذة اللفظة فقط (ذهب)،ولم أقف على من ذكر اللفظتين "غاب" و"ذهب" إلا عند الصنعاني- رحمه الله- فقط ، بل إنه ذكر رواية أخرى لقتادة فسر فيها الوقوب بالليل.
...عَنْ مَعْمَرٍ , عَنِ الْحَسَنِ , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الفلق: 3] قَالَ: «اللَّيْلُ إِذَا دَخَلَ عَلَى النَّاسِ».

لذلك لم أتنبه للرواية الثانية في الصفحة التي تليها إلا منكم؛ ظناً مني أنه ذكر هذا القول فقط.
وقد بينت من قبل تعقيب النحاس على قول قتادة ؛وتأييده لابن جرير بأن قوله غير معروف في كلام العرب.
ولدي سؤال لماذا عبر البعض بالخسوف ؛ والبعض بالكسوف،وهل ينبني على هذا التعبير فروق أو لاإشكال في ذلك؟
قال البغوي:الْمُرَادُ بِهِ إِذَا خَسَفَ وَاسْوَدَّ: وَقَبَ، أَيْ دخل في الخسوف أو أخذ فِي الْغَيْبُوبَةِ وَأَظْلَمَ.
وقال ابن القيم:"....فإن قيل: فما تقولون في القول الذي ذهب إليه بعضهم: أن المراد به القمر إذا
خسف واسودّ. وقوله: «وقب» أي دخل في الخسوف، أو غاب خاسفا؟.
و قال ابن جزي:ووقوبه هذا
كسوفه، لأن وقب في كلام العرب يكون بمعنى الظلمة والسواد وبمعنى الدخول فالمعنى إذا دخل في الكسوف أو إذا أظلم به.
قال الزمخشري:ووقوبه: دخوله في
الكسوف واسوداده.
وقال ابن تيمية:"قال ابن قتيبة: ويقال الغاسق القمر إذا كسف واسودّ. ومعنى وقب دخل في الكسوف. وهذا ضعيف فإن ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعارض بقوله غيره، وهو لا يقول إلا الحق. وهو لم يأمر عائشة بالاستعاذة منه عند كسوفه بل مع ظهوره".
 
لكن جميع المفسرين الذين نقلوا قول قتادة -رحمه الله- نقلوه بهذة اللفظة فقط (ذهب)، ولم أقف على من ذكر اللفظتين "غاب" و"ذهب" إلا عند الصنعاني رحمه الله فقط ، بل إنه ذكر رواية أخرى لقتادة فسر فيها الوقوب بالليل.
...عَنْ مَعْمَرٍ , عَنِ الْحَسَنِ , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الفلق: 3] قَالَ: «اللَّيْلُ إِذَا دَخَلَ عَلَى النَّاسِ».

لذلك لم أتنبه للرواية الثانية في الصفحة التي تليها إلا منكم؛ ظناً مني أنه ذكر هذا القول فقط.
وقد بينت من قبل تعقيب النحاس على قول قتادة ؛وتأييده لابن جرير بأن قوله غير معروف في كلام العرب.
نظن بهم كلهم الخير ، ولكن نقل الصنعاني رحمه الله قول ( قتاده - اذا غاب) ، قتادة قال ( الليل اذا دخل ) لانعرف كيف اثبت الصنعاني وهو اقدم من ابن جرير والنحاس قول قتادة ، تبقى احتمالات ، هل اخطا الصنعاني ..، هل كان قتادة يقول (بالقولين) ..لماذا ؟اثبت ابن جرير نصف مقالته ،هل ؟ قال قتادة القولين في الزمان واحد ام قال احدهما قبل الاخر ؟ كل هذا التساؤلات و حديثه ( الثابت ) صلى الله عليه وسلم في الايه بين ايدينا ،والامر كما قال علماء الاصول (اذا ورد الاثر بطل النظر ) ، ولو رجعنا لكتب التفسير تجدي الاقوال في ( غاسق اذا وقب ) قد تصل الي عشرة اقوال ، وقد بسط الشراح اسباب تعدد الاقوال ، ككتاب : إختلاف المفسرين أسبابه وآثاره - سعود الفنيسان .


والله اعلم
 
أشكر الأخ أبا عبد المعزّ على هذا البحث الماتع الذي حاول فيه "حل الإشكال المنهجي" في تفسير معنى قوله تعالى "غاسق إذا وقب" وطريقته فيه علمية قطعا تستثير الذهن وتستدعي التعليق من القارئ المهتمّ، كما أشكر الإخوة الفضلاء على إثرائهم للموضوع بتعاليقهم المفيدة وفهومهم الثاقبة وآرائهم السديدة.
ولي على بحثه تعليق يتضمن أمورا منهجية وقواعد علمية وعقلية تساير طريقته في البحث وتضيف عليها آفاقا جديدة لمقاربة فهم النص، وهذه فائدة الحوارات العلمية في ملتقى متخصص بالتفسير والفهم. وهذه القواعد تتعلق بالبحث في عمومه وبقدر اقتناع القارئ بها يتضح أن رد الباحث على ابن جرير هو بسبب عدم إيلاء هذه القواعد أهميتها التي نظن أن لها عند ابن جرير ومن هم في مثل منزلته من العلماء قيمة ضمنية تتجلى في صنيعه في التفسير
قال الأخ الباحث:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين..وبعد
فهذا إشكال منهجي في تفسير "غاسق إذا وقب "
يمكن صياغة الاستشكال في سؤال:
ماذا يبقى للمفسر بعد تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم؟
وننزل مقتضيات المسألة إلى حيز التطبيق فنسأل:
هل يصح للمفسر أن يفسر "الغاسق" بالليل بعد أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد فسره بالقمر!
فلنستعرض بعض أقوال المفسرين:

القاعدة العلمية التي تؤخذ في الاعتبار هاهنا هي التي أوردها الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" ومغزاها تقسيم العلماء للسنة إلى نوعين سنة مباشرة وسنة غير مباشرة، فأما السنة المباشرة فهي التي سمعها المسلم (أو العالم) من النبيِّ صلى الله عليه وسلم مباشرة، أو علمها علما يقينا ممن سمعه من المسلمين مباشرة فهذه التي لا يجوز ردها ولا مخالفة الأصحاب في فهمها أما تلك التي إنما هي خبر شفاهي رواه الرواة فواجب المسلم أو العالم بعد التبيُّن (التحقق من صدق الرواة ) تحري القرائن العقلية والإمكانات الواقعية للنص. وعليه فللعلماء بحسب هذه القاعدة إهمال هذا الحديث كلية بسبب تعدد رواياته التي تنقله من الظاهر إلى المحتمل والاكتفاء بالمعنى اللغوي والسياق. وأن ثم احتمالات أخرى قد أخذ بها علماء التفسير.
القاعدة الثانية لغوية: يتوقف معنى الجملة على اسم الفاعل "غاسق" والفعل الماضي "وقب" . فالمعنى الأولي لها هو المعنى اللغوي لمادة غ س ق ولمادة و ق ب. ثم يُشرع في محاولة تحديد المعنى أكثر بقرائن لغوية وروائية ونصوصية.
غسق: أظلم ويرجح هذا المعنى استخدام القرآن الكريم له:(أقم الصلوة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) / بَرد [عن الزجاج]/غسقت العين: امتلأت دمعاً [الزمخشري]/ غسقت الجراحة: امتلأت دماً [الزمخشري]/
وقب: الليل دخل ظلامه في كل شيء، / وقبت الشمس: غابت/
ولتعدد معاني المادتين (غسق) و(وقب) وأيضا عدم شهرتهما وكونهما من غرائب الألفاظ ذهب الناس في تفسير هذه الجملة مذاهب لخصها الأخ أبو عبدالمعز من أقوال المفسرين.

القاعدة العلمية الثالثة في معنى الحديث الصحيح: يوجد ما يصحّ أن نصفه (بالوهم الشائع) بين أهل العلم وهو الظن أن (الحديث الصحيح) مطابق للواقع، وهذا الوهم دبّ إليهم من المعنى اللغوي لكلمة (صحيح) في حين أن المعاني الجزئية التي تشكل التعريف الكلي للحديث الصحيح لا تتضمن (مطابقة الواقع) ألبتة، فالحديث الصحيح هو فقط ما رواه الثقات المزكَّون عند علماء الحديث والمدونين الكبار قبل عصر التدوين. فالتعريف لا يعطي الحديث الصحيح السلطة المعرفية التي للآية القرآنية ولا لما هو مجمع عليه بين أهل العلم ولهذا قال عبدالرحمن بن مهدي (ت ١٩٨): "السنة المتقدمة من عمل أهل المدينة خيرٌ من الحديث" يعني خيرا من الحديث الصحيح قطعا لأنه ليس له بذاته قيمة مطابقة الواقع على خلاف ما هو أولى وأهم منه معرفيا وهو ما هو مجمع عليه عند أحفاد الصحابة وتلاميذهم من أهل المدينة (ابن حبان في "مشاهير علماء الأمصار": "مات بالمدينة من فقهاء الصحابة مئة واثنان وثلاثون رجلا").
وعلى هذه القاعدة فللعلماء أن يقدموا السياق القرآني والمعنى اللغوي المترابط المتسق مع جميع الاستعمالات القرآنية على "الحديث الصحيح" لأن مصطلح "حديث صحيح" لا يعني مطابقة الواقع ألبتة. وهذا ما كان عليه أساطين التفسير من علماء السلف.
والذي جرأنا على وصف "فهم الحديث الصحيح على أنه مطابق للواقع" بالوهم الكبير الشائع بين أهل العلم، ما هو مشاهد ملموس من أنصار التمسك بالحديث إلى حدّ أنهم ناقضوا شعارهم ومنهجهم نفسه، فشعارهم ومنهجهم هو "الدعوة الى القرآن والسنة على فهم السلف الصالح" وهذا يستلزم أن لا يفهموا لا القرآن ولا السنة إلا بعد أن يطلعوا على (آراء علماء الأمصار وفهومهم) فيما تضمنه مثل كتاب: "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف" لابن المنذر ت ٣١٨ أو "كتاب اختلاف الفقهاء" للطبري ت ٣١٠، أو "كتاب الإشراف على مذاهب أهل العلم" لابن المنذر أيضا [وهو مختصر الأوسط] لأنه ليس للطبقة الأولى ولا الثانية من السلف الصالح كتاب محفوط معروف ممكن الرجوع إليه، فاقتضى الرجوع إلى آراء وكتب علماء الأمصار في المئة الثانية وما ثبت من أقوالهم في مدونات كتب الاختلاف في المئة الثالثة والرابعة، في حين أن المشاهد من طريقة "علماء" أنصار الحديث عدم إيلاء قول جمهور فقهاء الأمصار وأحيانا إجماعهم القيمة المعرفية التي يستحقها ذلك ظنا منهم وتوهما أن "حديث صحيح" تعني مطابقة الواقع! فالتناقض الفاضح المحسوس هو ما حصل من (العمل بالقرآن والسنة بالفهم المباشر للعلماء المعاصرين) بدلا من (فهم السلف الصالح) الموجود في الشعار فقط.

القاعدة الرابعة: حسنا فعل الأخ صاحب المقال بإيراد الروايات الشفاهية للحديث التي دونت في المئة الثالثة في كتب الحديث فأصبحت:

أ-« يَا عَائِشَةُ تَعَوَّذِي بِاللهِ مِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ، هَذَا غَاسِقٌ إِذَا وَقَبَ »
ب-« تَعَوَّذِي بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الْغَاسِقِ إِذَا وَقَبَ »
ج-«اسْتَعِيذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهِ فَإِنَّهُ الْغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ»
د-«يَا عَائِشَةُ اسْتَعِيذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا، فَإِنَّ هَذَا هُوَ الغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ»

ثم شرع يعدد ما أسماه "القوة التخصيصية" لكل من الروايات الأربعة لكون الغاسق إذا وقب هو القمر لا سواه، وقد أجاد وأفاد في ذلك، ولا سيما أن من العلماء الذين أورد أقوالهم كابن قتيبة ت ٢٧٦ وابن تيمية ت ٧٢٨ من يسيرون في فلك الشفاهية ويظنون أن الحديث الصحيح مطابق للواقع أو يكاد، إلا أنه لم يعط البحث حقه من الحرية في احتمال كون كل الروايات قد خالفت الواقع، فاحتمال أن تكون رواية ما أصح من رواية أخرى لا يلغي احتمال أن يكون الاحتمال الأصوب قد اندثر وتلاشى ولم يُرو أصلا. وهذا الاحتمال يتجاهله الشفاهيون إلى حد أنهم يخافون من إيراده بله إيلائه أهمية معرفية تليق به.

ومن ذلك يتضح أن علماء التفسير الكبار كابن جرير ليسوا شفاهيين بإفراط كما أصبح أنصار أتباع الحديث، وظل قول ابن جرير في تفسير الآية هو القول الأكثر اتساقا مع اللغة، والسياق، والاستعمال القرآني، والقواعد الموردة أعلاه ، وهو قوله:"وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، أن يقال: إن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ) وهو الذي يُظْلم، يقال: قد غَسَق الليل يَغُسْق غسوقا: إذا أظلم (إِذَا وَقَبَ) يعني: إذا دخل في ظلامه؛ والليل إذا دخل في ظلامه غاسق، والنجم إذا أفل غاسق، والقمر غاسق إذا وقب، ولم يخصص بعض ذلك بل عمّ الأمر بذلك، فكلّ غاسق، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يُؤمر بالاستعاذة من شره إذا وقب. وكان [قتادة] يقول في معنى وقب: ذهب."
أي وضع جميع التخصيصات التي حملتها الروايات في حجمها الطبيعي دون إعطائها "قوة تخصيصية" أكثر مما لها بسبب طبيعة النص الشفاهي التي لا تؤهله لمنازعة السياق وقوانين اللغة، لا في التفسير وحده، وهو موضوعنا، بل في الفقه والكلام وأصول الدين ، بل إن سبب انحراف الناس عن مذاهب السلف وعلماء الأمصار هو سبب معرفي [نقص معرفي] قد تقدم بيانه والله أعلم.
وفي هذه النقطة كما هو واضح نخالف الأخ الباحث فيما ذهب إليه في الرد على ابن جرير [وابن تيمية معه] لأن القواعد التي أوردتها في هذا التعليق كانت معمولا بها عند ابن جرير، نعرف ذلك من طريقته في التعامل مع التفسير والقراءات واختلاف الفقهاء ومذهبه الفقهي، وفي رأيي أنه أعلم وأقرب إلى الصواب من التطرف شفاهيا الذي وقع فيه الناس بحسن نية طبعا.

وهذا ليس غضا من قيمة المقال بل مشاركة للأخ الباحث في التفكير فيه.

والله الموفق
 
دكتور / عبد الرحمن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف تم تاسيس هذه القواعد ، وبخاصه (القاعد العلميه الثالثه ) ، لان قول عبد الرحمن المهدي لايسلم من الاعتراض ، والحديث الصحيح ( السند ، والمتن ) ، ولو اكرمتنا بمثال ، بارك الله فيك ، للقاعده الثالثه ، حتى افهم بشكل افضل .

وجزاك الله خيرا
 
من حكم أهل الصين:
إذا كنت إلى القمر مشيرا فلا تنظرن إلى أصبعي!
ومن المؤسف حقا أن تنطبق هذه المقولة على كثير من التعقيبات والردود، بحيث يضطر الحريص على وقته أن يزهد في الردود ولربما زهد في الكتابة أصلا...
قليل من الناس يقرؤون كل المكتوب، وأقل منهم من يفهم مقاصد المكتوب...وجل القراء (معاذ الله أن أقول كلهم) لا يستوعب الكلام برمته، وإنما تستثيره كلمة هنا أو عبارة هناك فيدبج مقال استحسان أو استهجان ..ويتناسل الجدل في بنيات الطريق..فإذا المقال الذي كتبه صاحبه في مسألة من العقيدة يصبح مضمارا لمداخلات في اللغة أو الفقه..أو يجعل جذع الموضوع نسيا منسيا، فلا يناقش إلا مثالا أورده صاحب الموضوع...مع أن الأمثلة موجهة للتوضيح ليس إلا..فهب ذلك المثل غير صحيح فهذا لا يسقط الفكرة ،كما أن الخطأ في اللغة أو في الاستشهاد لا ضير منه على الفكرة لو كانت في ذاتها صائبة..
هذه النزعة التجزيئية في النقد والرد لن تفلح أبدا في إغناء المواضيع أو الحث على التفكير...وقد رأيت ثمار هذا النهج عند بعض الرادين...فتراه يقطع المكتوب جملة جملة...ويكر عليها بالنقض والتسفيه...فيما يبقى روح الموضوع خارج الجدال .
لنعد إلى الحكمة الصينية:
فيها-حسب فهمي- تمييز حاسم بين مقاصد الكلام ووسائله...والأجدر أن تتوجه سهام النقد إلى المقاصد وتترك الوسائل إلى محلها الطبيعي أي في الذيل لا في الصدارة...
أحب للراد أن يثبت لي أنني لا أشير إلى أي قمر، بل هو نجم ،بل هو مصباح ، بل زاغ مني البصر!
ولا أحب أن يقول :رأيت لك ظفرا مستطيلا ثم يأتي بأحاديث تدل على سنية تقليم الأظافر...
أو يقول :لقد أشرت إلى القمر بالشمال وكان الأولى أن تشير إليه باليمين...
أو يقول :لقد تختمت بالذهب وهذا لا يجوز....
نعم، كل هذا الكلام حق، ولكنه في غيرموضعه، فمقصودي هل ترى القمر أم لا تراه!
كتبنا موضوعا في مشكلة منهجية ،ما زالت تقض مضجعي إلى اليوم، أصيغها على النحو التالي:
معلوم أن النص (شرعي أو غير شرعي) يحتمل دلالات لغوية مختلفة...لنفرض أنها حصريا خمس احتمالات..
أولا: يمنع قطعا إحداث دلالة سادسة ..لأن هذا خروج عن اللغة ومواضعات أهلها.
ثانيا :الباحث محكوم عليه باختيار احتمال من الاحتمالات الممكنة فقط ( وله أن يختارها كلها أو بعضها إن شاء مع الوفاء بالبند الثالث الآتي...)
ثالثا: لكي يخرج من سلطة الهوى هو مطالب باعتماد معايير موضوعية في اختيار الاحتمال أو ترجيحه...وحجة أنها ممكنة في اللغة غير كافية ...فليس العبرة بالإمكان ولكن بترجيح الممكن.
والآن نصل إلى محز الموضوع:
-نص من القرآن العظيم احتمل خمس احتمالات (مثلا).
-جاء الرسول صلى الله عليه وسلم وعين احتمالا فقط (ساكتا عن الاحتمالات الأخرى..)
فما مصير تلك الاحتمالات المسكوت عنها..
هل ننساق مبدئيا مع "الاستصحاب" فنفحص الاحتمالات الأخرى على ضوء البند الثالث الذي ذكرناه..فنقبل بعضها معتقدين أنه أيضا مراد الله مادام عندنا دليل..
أم نرى أن تعيين الرسول صلى الله عليه وسلم لاحتمال واحد هو قطع للطريق على كل الاحتمالات الأخرى..ومهما استدللنا على احتمال غيره سيكون من باب فساد الاعتبار ويرد بالحجة الحاسمة " لا اجتهاد مع النص".
هذا هو الموضوع الذي اريد النظر فيه..
أما مسألة الغاسق الذي وقب فهي فقط من باب المثال التوضيحي...وقد يكون هناك مثل أحسن منه..ولكنني وجدت فيه تمثيلا جيدا للمشكلة..
فالغاسق يحتمل لغة القمر أو الليل ..
وفهمنا من أحاديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم أشار إلى القمر مفسرا الآية..
فماذا الآن عن الاحتمال الثاني الليل (أو غيره من الاحتمالات ..)هل تقبل أم لا..
هذا كل ما في الأمر ...وما جاءت الإشارة إلى الطبري أو ابن تيمية إلا في ثنيات الأصبع الذي يشير إلى القمر!
ولا زلت أنتظر من يجيب على الإشكال..علما أنه ليس لي في الموضوع إلا طرح الإشكال ولم أصل بعد إلى رأي قاطع..ونحن نتوسم في الأفاضل مقترحات في صلب الموضوع ...وقد يكون الموضوع مثمرا لو صرفنا النظر عن كثير من الجزئيات في المثل المضروب.
 
اخي / ابوعبد المعز

ملتقى التفسير =brainstorming

جد الوقت ، وتجاوب مع اخوانك ، ولاتفتر من الكتابه = الرفق
جد الوقت ، وتجاوب مع اخوانك ، ولاتفتر من الكتابه = التواضع
جد الوقت ، وتجاوب مع اخوانك ، ولاتفتر من الكتابه = الاهتمام
جد الوقت ، وتجاوب مع اخوانك ، ولاتفتر من الكتابه = الاستفاده
جد الوقت ، وتجاوب مع اخوانك ، ولاتفتر من الكتابه = الثقه
جد الوقت ، وتجاوب مع اخوانك ، ولاتفتر من الكتابه = التعاون
جد الوقت ، وتجاوب مع اخوانك ، ولاتفتر من الكتابه = التوجيه

وعليه كن مستعدا لاسئله واعتراضات ( الذراع ) الي ( الاصبع ) على امل الوصول للقمر

وجزاك الله خيرا
 
والآن نصل إلى محز الموضوع:
-نص من القرآن العظيم احتمل خمس احتمالات (مثلا).
-جاء الرسول صلى الله عليه وسلم وعين احتمالا فقط (ساكتا عن الاحتمالات الأخرى..)
فما مصير تلك الاحتمالات المسكوت عنها..
هل ننساق مبدئيا مع "الاستصحاب" فنفحص الاحتمالات الأخرى على ضوء البند الثالث الذي ذكرناه..فنقبل بعضها معتقدين أنه أيضا مراد الله مادام عندنا دليل..
أم نرى أن تعيين الرسول صلى الله عليه وسلم لاحتمال واحد هو قطع للطريق على كل الاحتمالات الأخرى..ومهما استدللنا على احتمال غيره سيكون من باب فساد الاعتبار ويرد بالحجة الحاسمة " لا اجتهاد مع النص".

لا اجتهاد مع النص
وللألباني رحمه الله كلام جيد حول هذه المسألة ، قال :
( ولذلك كان من أصول التفسير وقواعد علم التفسير، أنه يجب تفسير القرآن بالقرآن والسنة، وأكرر مؤكدا: يجب تفسير القرآن بالقرآن والسنة، ولا أقول كما قد تقرءون في بعض الكتب يجب تفسير القرآن بالقرآن أولاً ثم بالسنة ثانياً.
هذا خطأ شائع مع الأسف الشديد لأن السنة كما عرفتم تبين القرآن تفصل مجمله وتخصص عامه وتقيد مطلقه إلى غير ذلك من البيانات التي لا مجال للمسلم أن يستغني عن شئ منها إطلاقأ، ولذلك فلا يجوز تفسير القرآن بالقرآن فقط وإنما يجب تفسير القرآن بالقرآن والسنة معاً. فلا جرم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث السابق: ( ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ).
 
قد كان للأصبع قيمة إذ منه كانت الإشارة..!! وإن انفصل النظر عنه..
ومعذرة على التطفل على الموضوع ؛ فقد كانت له علاقة بمسألة متعلقة بمعنى " الوقوب" كنت أبحث عنها...
وقد أستفدت كثيرا من حيثيات هذا الإشكال المطروح ...
والحمدلله مازال النظر إلى القمر مستمرا ..فهاهو الدكتور عبد الرحمن يتحاشى كل تلك التقطعات من ذلك الأصبع!!..ليصوب النظر عاليا إلى القمر ..
وإن كنت أشكر الأستاذ عمر أحمد لأنه ظل موازناً بين الجانبين...
ويبقى الشكر أولا لله عزو جل ،ثم لصاحب الموضوع...
 
عودة
أعلى