وقال أبو البقاء: حتى يتبين متعلق بمحذوف دل عليه الكلام تقديره: هلاّ أخرتهم إلى أن يتبين أو ليتبين. وقوله: لم أذنت لهم يدل على المحذوف. ولا يجوز أن تتعلق حتى بأذنت، لأن ذلك يوجب أن يكون أذن لهم إلى هذه الغاية، أو لأجل التبيين، وهذا لا يعاتب عليه انتهى
وفي قوله: { وَلَبِثُواْ فِى كَهْفِهِمْ } قولان: الأول: أن هذا حكاية كلام القوم والدليل عليه أنه تعالى قال: { سَيَقُولُونَ ثَلَـٰثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ } وكذا إلى أن قال: { وَلَبِثُواْ فِى كَهْفِهِمْ } أي أن أولئك الأقوام قالوا ذلك ويؤكده أنه تعالى قال بعده: { قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ } وهذا يشبه الرد على الكلام المذكور قبله ويؤكده أيضاً ما روي في مصحف عبد الله: وقالوا ولبثوا في كهفهم.
والقول الثاني: أن قوله: { وَلَبِثُواْ فِى كَهْفِهِمْ } هو كلام الله تعالى فإنه أخبر عن كمية تلك المدة، وأما قوله: { سَيَقُولُونَ ثَلَـٰثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ } فهو كلام قد تقدم وقد تخلل بينه وبين هذه الآية ما يوجب انقطاع أحدهما عن الآخر وهو قوله: { فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآء ظَـٰهِرًا } وقوله: { قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } لا يوجب أن ما قبله حكاية، وذلك لأنه تعالى أراد: { قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } فارجعوا إلى خبر الله دون ما يقوله أهل الكتاب.
وقال القرطبي:
هذا خبر من الله تعالى عن مدّة لبثهم. وفي قراءة ابن مسعود «وقالوا لبثوا». قال الطبري: إن بني إسرائيل اختلفوا فيما مضى لهم من المدة بعد الإعثار عليهم إلى مدّة النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: إنهم لبثوا ثلثمائة سنة وتسع سنين، فأخبر الله تعالى نبيّه أن هذه المدّة في كونهم نياماً، وأن ما بعد ذلك مجهول للبشر. فأمر الله تعالى أن يردّ علم ذلك إليه. قال ابن عطية: فقوله على هذا «لبثوا» الأول يريد في نوم الكهف، و«لبثوا» الثاني يريد بعد الإعثار إلى مدة محمد صلى الله عليه وسلم، أو إلى وقت عدمهم بالبلاء. مجاهد: إلى وقت نزول القرآن. الضحاك: إلى أن ماتوا. وقال بعضهم: إنه لما قال: { وَٱزْدَادُواْ تِسْعاً } لم يدر الناس أهي ساعات أم أيام أم جُمَع أم شهور أم أعوام. واختلف بنو إسرائيل بحسب ذلك، فأمر الله تعالى برد العلم إليه في التسع، فهي على هذا مبهمة....
اعلم اخى الحبيب ان من قال ان فى الاية حذف مضاف تقديره لا تقربوا مواضع الصلاة اى المساجد مثل الامام الشافعى قال ان قوله تعالى ولا جنبا الا عابرى سبيل يقتضي جواز العبور الجنب في المسجد لا الصلاة فيه
.اما من ذهب الى انه لا يوجد حذف وان المراد بالصلاة هنا الصلاة المعروفة مثل الامام ابى حنيفة حملوا قوله تعالى ولا جنبا الا عابرى سبيل على المسافر إذا لم يجد الماء فإنه يتيمم ويصلى
قال القرطبي فی تفسيره
قوله تعالى: { ٱلصَّلاَةَ } اختلف العلماء في المراد بالصلاة هنا؛ فقالت طائفة: هي العبادة المعروفة نفسها؛ وهو قول أبي حنيفة؛ ولذلك قال { حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ }. وقالت طائفة: المراد مواضع الصلاة؛ وهو قول الشافعي، فحذف المضاف. وقد قال تعالى
{ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ }
[الحج: 40] فسمّى مواضع الصلاة صلاةً. ويدلّ على هذا التأويل قوله تعالى { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ } وهذا يقتضي جواز العُبُور للجُنُب في المسجد لا الصلاة فيه.
وقال أبو حنيفة: المراد بقوله تعالى { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ } المسافر إذا لم يجد الماء فإنه يتيمم ويصلّي؛ وسيأتي بيانه. وقالت طائفة: المراد الموضع والصلاة معاً؛ لأنهم كانوا حينئذٍ لا يأتون المسجد إلا للصلاة ولا يصلون إلا مجتمعين، فكانا متلازمين.
احبابى ان من ذهب الى وجوب الافطار فى السفر اخذ بظاهر الاية
.اما من ذهب الى عدم الوجوب فذهب الى ان فى الاية حذف تقديره.فمن كان مريضا او على سفر فافطر فعدة من ايام اخر
قال القرطبي:
الخامسة: قوله تعالى: { فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ } في الكلام حذف؛ أي من يكن منكم مريضاً أو مسافراً فأفطر فَلْيَقض....
وقال الرازی
المسألة السابعة: ذهب قوم من علماء الصحابة إلى أنه يجب على المريض والمسافر أن يفطرا ويصوما عدة من أيام أخر، وهو قول ابن عباس وابن عمر، ونقل الخطابـي في أعلام التنزيل عن ابن عمر أنه قال لو صام في السفر قضى في الحضر، وهذا اختيار داود بن علي الأصفاني، وذهب أكثر الفقهاء إلى أن الإفطار رخصة فإن شاء أفطر وإن شاء صام حجة الأولين من القرآن والخبر أما القرآن فمن وجهين الأول: أنا إن قرأنا { عِدَّةَ } بالنصب كان التقدير: فليصم عدة من أيام أخر وهذا للإيجاب، ولو أنا قرأنا بالرفع كان التقدير: فعليه عدة من أيام، وكلمة { عَلَىٰ } للوجوب فثبت أن ظاهر القرآن يقتضي إيجاب صوم أيام أخر، فوجب أن يكون فطر هذه الأيام واجباً ضرورة أنه لا قائل بالجمع.
الحجة الثانية: أنه تعالى أعاد فيما بعد ذلك هذه الآية، ثم قال عقيبها
{ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ }
[البقرة: 185] ولا بد وأن يكون هذا اليسر والعسر شيئاً تقدم ذكرهما، وليس هناك يسر إلا أنه أذن للمريض والمسافر في الفطر، وليس هناك عسر إلا كونهما صائمين فكان قوله: { يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ } معناه يريد منكم الإفطار ولا يريد منكم الصوم فذلك تقرير قولنا، وأما الخبر فإثنان الأول: قوله عليه السلام: " ليس من البر الصيام في السفر " ا يقال هذا الخبر وارد عن سبب خاص، وهو ما روي أنه عليه الصلاة والسلام مر على رجل جالس تحت مظلة فسأل عنه فقيل هذا صائم أجهده العطش، فقال: " ليس من البر الصيام في السفر " لأنا نقول العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب والثاني: قوله عليه الصلاة والسلام: " الصائم في / السفر كالمفطر في الحضر "
أما حجة الجمهور: فهي أن في الآية إضماراً لأن التقدير: فأفطر فعدة من أيام أخر وتمام تقرير هذا الكلام أن الإضمار في كلام الله جائز في الجملة وقد دل الدليل على وقوعه ههنا أما بيان الجواز فكما في قوله تعالى:
{ فَقُلْنَا ٱضْرِب بّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنفَجَرَتْ }
[البقرة: 60] والتقدير فضرب فانفجرت وكذلك قوله تعالى: { وَلاَ تَحْلِقُواْ رؤسكم } إلى قوله:
{ أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ }
[البقرة: 196] أي فحلق فعليه فدية فثبت أن الإضمار جائز، أما أن الدليل دل على وقوعه ففي تقريره وجوه الأول: قال القفال: قوله تعالى:
{ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }
[البقرة: 185] يدل على وجوب الصوم ولقائل أن يقول هذا ضعيف وبيانه من وجهين الأول: أنا إذا أجرينا ظاهر قوله تعالى:
{ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }
[البقرة: 185] على العموم لزمنا الإضمار في قوله تعالى: { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } وقد بينا في أصول الفقه أنه متى وقع التعارض بين التخصيص وبين الإضمار كان تحمل التخصيص أولى والثاني وهو أن ظاهر قوله تعالى: { فَلْيَصُمْهُ } يقتضي الوجوب عيناً، ثم إن هذا الوجوب منتف في حق المريض والمسافر، فهذه الآية مخصوصة في حقهما على جميع التقديرات سواء أجرينا قوله تعالى فعليه: { عِدَّةَ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } على ظاهره أو لم نفعل ذلك وإذا كان كذلك وجب إجراء هذه الآية على ظاهرها من غير إضمار.....
فاعلم أن أكثر المفسرين من الأدباء زعموا أن المراد بالمحيض ههنا الحيض، وعندي أنه ليس كذلك، إذ لو كان المراد بالمحيض ههنا الحيض لكان قوله: { فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنّسَاء فِي ٱلْمَحِيضِ } معناه: فاعتزلوا النساء في الحيض، ويكون المراد فاعتزلوا النساء في زمان الحيض، فيكون ظاهره مانعاً من الاستمتاع بها فيما فوق السرة ودون الركبة ولما كان هذا المنع غير ثابت لزم القول بتطرق النسخ أو التخصيص إلى الآية، ومعلوم أن ذلك خلاف الأصل أما إذا حملنا المحيض على موضع الحيض كان معنى الآية: فاعتزلوا النساء في موضع الحيض، ويكون المعنى: فاعتزلوا موضع الحيض من النساء، وعلى هذا التقدير لا يتطرق إلى الآية نسخ ولا تخصيص، ومن المعلوم أن اللفظ إذا كان مشتركاً بين معنيين، وكان حمله على أحدهما يوجب محذوراً وعلى الآخر لا يوجب ذلك المحذور، فإن حمل اللفظ على المعنى الذي لا يوجب المحذور أولى، هذا إذا سلمنا أن لفظ المحيض مشترك بين الموضع وبين المصدر، مع أنا نعلم أن استعمال هذا اللفظ في موضع أكثر وأشهر منه في المصدر....
وقال القرطبي
السابعة ـ قوله تعالى: { فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ } أي في زمن الحيض، إن حملت المحيض على المصدر، أو في محل الحيض إن حملته على الاسم. ومقصودُ هذا النهي تركُ المجامعة. وقد ٱختلف العلماء في مباشرة الحائض وما يُستَباح منها؛ فرُوي عن ٱبن عباس وعَبيدةَ السَّلْمانيّ أنه يجب أن يعتزِل الرجلُ فِراش زوجته إذا حاضت. وهذا قولٌ شاذ خارجٌ عن قول العلماء. وإن كان عمومُ الآية يقتضيه فالسُّنّة الثابتة بخلافه؛ وقد وقَفَتْ على ٱبن عباس خالتُه ميمونةُ وقالت له: أراغب أنت عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وقال مالك والشافعيّ والأُوزاعيّ وأبو حنيفة وأبو يوسف وجماعةٌ عظيمة من العلماء: له منها ما فوق الإزار؛ " لقوله عليه السلام للسائل حين سأله ـ: ما يَحِلّ لي من ٱمرأتي وهي حائض؟ فقال ـ: «لِتشدّ عليها إزارَها ثم شأنَكَ بأعلاها» " وقوله عليه السلام لعائشة حين حاضت: " شُدّي على نفسِك إزارَكِ ثم عودي إلى مضجعك " وقال الثَّوريّ ومحمد بن الحسن وبعض أصحاب الشافعيّ: يجتنب موضعَ الدم؛ لقوله عليه السلام: " اصنعوا كلّ شيء إلا النكاح " وقد تقدّم.
وهو قول داود، وهو الصحيح من قول الشافعيّ. وروى أبو معشر عن إبراهيم عن مسروق قال: سألت عائشة ما يحل لي من ٱمرأتي وهي حائض؟ فقالت: كلُّ شيء إلا الفرج. قال العلماء: مباشرة الحائض وهي مُتَّزرة على الاحتياط والقطع للذريعة، ولأنه لو أباح فخذَيها كان ذلك منه ذَريعة إلى موضع الدم المحرّم بإجماع فأمر بذلك ٱحتياطاً، والمحرَّمُ نفسه موضعُ الدم؛ فتتفق بذلك معاني الآثار، ولا تضادّ، وبالله التوفيق.
اخى الحبيب تقدير الاية عند السادة الاحناف.للذين يُؤْلُون من نسائهم تربُّصُ أربعة أشهر، فإن فاؤوا فيها فإنّ الله غفور رحيم.
فالطلاق يقع عندهم بترك الفيئة مدة التربص
وتقدير الاية عند غيرهم من الفقهاء.
للذين يُؤْلُون من نسائهم تربُّصُ أربعة أشهر، فإنْ فاؤوا بعد انقضائها فإنَّ اللهَ غفورٌ رحيم
قال القرطبي
قال القاضي ٱبن العربيّ: وتحقيق الأمر أن تقدير الآية عندنا: «للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا» بعد ٱنقضائها«فإن الله غفور رحيم. وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم». وتقديرها عندهم: «للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا» فيها «فإن الله غفور رحيم. وإن عزموا الطلاق» بترك الفيئة فيها، يريد مدّة التربص فيها «فإن الله سميع عليم». ٱبن العربيّ: وهذا ٱحتمال متساوٍ، ولأجل تساويه توقفت الصحابة فيه.....
اختلف أهل العربية في قوله: { ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَـٰتٌ } فقال بعضهم: تقديره الحج حج أشهر معلومات، فعلى هذا التقدير يكون الإحرام بالحج فيها أكمل من الإحرام فيما عداها، وإن كان ذاك صحيحاً، والقول بصحة الإحرام بالحج في جميع السنة مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وبه يقول إبراهيم النخعي والثوري والليث بن سعد، واحتج لهم بقوله تعالى:
{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ }
[البقرة: 189] وبأنه أحد النسكين، فصح الإحرام به في جميع السنة كالعمرة.
وذهب الشافعي رحمه الله، إلى أنه لا يصح الإحرام بالحج إلا في أشهره، فلو أحرم به قبلها لم ينعقد إحرامه به. وهل ينعقد عمرة؟ فيه قولان عنه. والقول بأنه لا يصح الإحرام بالحج إلا في أشهره مروي عن ابن عباس وجابر، وبه يقول عطاء وطاوس ومجاهد رحمهم الله، والدليل عليه قوله: { ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَـٰتٌ }
وظاهره التقدير الآخر الذي ذهب إليه النحاة، وهو أن وقت الحج أشهر معلومات، فخصصه بها من بين سائر شهور السنة، فدل على أنه لا يصح قبلها؛ كميقات الصلاة، وقال الشافعي رحمه الله: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج، أخبرني عمر بن عطاء عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في شهور الحج؛ من أجل قول الله تعالى: { ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَـٰتٌ... }
....وقال قتادة: كان الله أعلمهم أنه إذا جعل في الأرض خلقاً أفسدوا وسفكوا الدماء، فسألوا حين قال تعالى: { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } أهو الذي أعلمهم أم غيره.
وهذا قول حَسَن، رواه عبد الرزاق قال: أخبرنا مَعْمَر عن قتادة في قوله: { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } قال: كان الله أعلمهم أنه إذا كان في الأرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء، فلذلك قالوا: «أتجعل فيها مَن يفسد فيها».
وفي الكلام حذف على مذهبه؛ والمعنى إني جاعل في الأرض خليفة يفعل كذا ويفعل كذا، فقالوا: أتجعل فيها الذي أعلمتناه أم غيره؟ والقول الأوّل أيضاً حسن جداً؛ لأن فيه ٱستخراج العلم وٱستنباطه من مقتضى الألفاظ وذلك لا يكون إلا من العلماء؛ وما بين القولين حسن، فتأمّله. وقد قيل: إن سؤاله تعالى للملائكة بقوله: " كيف تركتم عبادي " ـ على ما ثبت في صحيح مسلم وغيره ـ إنما هو على جهة التوبيخ لمن قال: أتجعل فيها، وإظهار لما سبق في معلومه إذ قال لهم: { إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }.....
ثم الظاهر أن النسيان على حقيقته وهو ليس متعلقاً بذات الحوت بل بذكره. وجوز أن يكون مجازاً عن الفقد فيكون متعلقاً بنفس الحوت، والأكثرون على الأول أي نسيت أن أذكر لك أمر الحوت وما شاهدت من عجيب أمره.
فقيل: المحذوف إنسان، وقيل: المحذوف مال. والمولى: لفظ مشترك بين معان كثيرة، منها: الوارث وهو الذي يحسن أن يفسر به هنا، لأنه يصلح لتقدير إنسان وتقدير مال، وبذلك فسر ابن عباس وقتادة والسدي وغيرهم: أن الموالي العصبة والورثة،
فإذا فرّعنا على أنّ المعنى: ولكلّ إنسان، احتمل وجوهاً:
أحدها: أن يكون لكلّ متعلقاً بجعلنا، والضمير في ترك عائد على كل المضاف لإنسان، والتقدير: وجعل لكل إنسان وارثاً مما ترك، فيتعلق مما بما في معنى موالي من معنى الفعل، أو بمضمر يفسره المعنى، التقدير: يرثون مما ترك، وتكون الجملة قد تمت عند قوله: مما ترك، ويرتفع الوالدان على إضمار كأنه قيل: ومن الوارث؟ فقيل: هم الوالدان والأقربون ورّاثاً، والكلام جملتان.
والوجه الثاني: أن يكون التقدير وجعلنا لكل إنسان موالي، أي ورّاثاً. ثم أضمر فعل أي: يرث الموالي مما ترك الوالدان، فيكون الفاعل بترك الوالدان. وكأنه لما أبهم في قوله: وجعلنا لكل إنسان موالي، بيَّن أن ذلك الإنسان الذي جعل له ورثة هو الوالدان والأقربون، فأولئك الورّاث يرثون مما ترك والداهم وأقربوهم، ويكون الوالدان والأقربون موروثين. وعلى هذين الوجهين لا يكون في: جعلنا، مضمر محذوف، ويكون مفعول جعلناه لفظ موالي. والكلام جملتان.
الوجه الثالث: أن يكون التقدير: ولكل قوم جعلناهم موالي أي: ورّاثاً نصيب مما ترك والداهم وأقربوهم، فيكون جعلنا صفة لكلٍّ، والضمير من الجملة الواقعة صفة محذوف، وهو مفعول جعلنا. وموالي منصوب على الحال، وفاعل ترك الوالدان. والكلام منعقد من مبتدأ وخبر، فيتعلق لكل بمحذوف، إذ هو خبر المبتدأ المحذوف القائم مقامه صفته وهو الجار والمجرور، إذ قدر نصيب مما ترك.
والكلام إذ ذاك جملة واحدة كما تقول: لكل من خلقه الله إنساناً من رزق الله، أي حظ من رزقه الله.
وإذا فرعنا على أن المعنى: ولكل مال، فقالوا: التقدير ولكل مال مما تركه الوالدان والأقربون، جعلنا موالي أي ورّاثاً يلونه ويحرزونه. وعلى هذا التقدير يكون مما ترك في موضع الصفة لكل، والوالدان والأقربون فاعل بترك ويكونون موروثين، ولكل متعلق بجعلنا. إلا أن في هذا التقدير الفصل بين الصفة والموصوف بالجملة المتعلقة بالفعل الذي فيها المجرور وهو نظير قولك: بكل رجل مررت تميمي، وفي جواز ذلك نظر.....
قوله تعالى: { ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ } أي ذلك الذي ذكرناه عيسى ابن مريم فكذلك اعتقدوه، لا كما تقول اليهود إنه لغير رشدة، وأنه ابن يوسف النجار، ولا كما قالت النصارى: إنه الإلٰه أو ابن الإلٰه. { قَوْلُ ٱلْحَقِّ } قال الكسائي: «قَوْلُ الْحَقِّ» نعت لعيسى؛ أي ذلك عيسى ابن مريم (قَوْلُ الحَقِّ). وسمي قول الحق كما سمي كلمة الله؛ والحق هو الله عز وجل. وقال أبو حاتم: المعنى هو قول الحق. وقيل: التقدير هذا الكلام قول الحق
. قال ابن عباس: يريد هذا كلام عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم قول الحق ليس بباطل
لا حظ اخى الحبيب حطة مر فوعة فى قراءة الجمهور لابد من مقدر محذوف
قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط
{ وقولوا حطة } ، حطة: مفرد، ومحكي القول لا بد أن يكون جملة، فاحتيج إلى تقدير مصحح للجملة، فقدر مسألتنا حطة هذا تقديراً لحسن بن أبي الحسن
وقال الطبري: التقدير دخولنا الباب كما أمرنا حطة، وقال غيرهما: التقدير أمرك حطة. وقيل: التقدير أمرنا حطة، أي أن نحط في هذه القرية ونستقر فيها.
قال الزمخشري: والأصل النصب بمعنى حط عنا ذنوبنا حطة، وإنما رفعت لتعطي معنى الثبات كقوله:صبـر جميـل فكـلانـا مبتلـي
والأصل صبراً. انتهى كلامه، وهو حسن.
ويؤكد هذا التخريج قراءة إبراهيم بن أبي عبلة: حطة بالنصب، كما روي:صبـراً جميـلاً فكـلانـا مبتلـي
بالنصب.
والأظهر من التقادير السابقة في إضمار المبتدأ القول الأول، لأن المناسب في تعليق الغفران عليه هو سؤال حط الذنوب لا شيء من تلك التقادير الأخر، ونظير هذا الإضمار قول الشاعر:إذا ذقت فاهاً قلت طعم مدامة معتقة مما تجيء به التجر .
روي برفع طعم على تقدير: هذا طعم مدامة، وبالنصب على تقدير: ذقت طعم مدامة.
قال الزمخشري: فإن قلت: هل يجوز أن ينصب حطة في قراءة من نصبها يقولوا على معنى قولوا هذه الكلمة؟ قلت: لا يبعد، انتهى.
وما جوزه ليس بجائز لأن القول لا يعمل في المفردات، إنما يدخل على الجمل للحكاية، فيكون في موضع المفعول به، إلا إن كان المفرد مصدراً نحو: قلت قولاً، أو صفة لمصدر نحو: قلت حقاً، أو معبراً به عن جملة نحو: قلت شعراً وقلت خطبة، على أن هذا القسم يحتمل أن يعود إلى المصدر، لأن الشعر والخطبة نوعان من القول، فصار كالقهقري من الرجوع، وحطة ليس واحداً من هذه. ولأنك إذا جعلت حطة منصوبة بلفظ قولوا، كان ذلك من الإسناد اللفظي وعري من الإسناد المعنوي، والأصل هو الإسناد المعنوي. وإذا كان من الإسناد اللفظي لم يترتب على النطق به فائدة أصلاً إلا مجرد الامتثال للأمر بالنطق بلفظ، فلا فرق بينه وبين الألفاظ الغفل التي لم توضع لدلالة على معنى. ويبعد أن يرتب الغفران للخطايا على النطق بمجرد لفظ مفرد لم يدل به على معنى كلام.
أما ما ذهب إليه أبو عبيدة من أن قوله حطة مفرد، وأنه مرفوع على الحكاية وليس مقتطعاً من جملة، بل أمروا بقولها هكذا مرفوعة، فبعيد عن الصواب لأنه يبقى حطة مرفوعاً بغير رافع، ولأن القول إنما وضع في باب الحكاية ليحكى به الجمل لا المفردات، ولذلك احتاج النحويون في قوله تعالى:
{ يقال له إبراهيم }
[الأنبياء: 60] إلى تأويل....
يحتمل أن يكون البنيان هنا مصدراً أي: لا يزال ذلك الفعل وهو البنيان، ويحتمل أن يراد به المبني، فيكون على حذف مضاف أي: لا يزال بناء المبنى. قال ابن عباس: لا يزالون شاكين. وقال حبيب بن أبي ثابت: غيظاً في قلوبهم، أي سبب غيظ. وقيل: كفراً في قلوبهم. وقال عطاء: نفاقاً في قلوبهم. وقال ابن جبير: أسفاً وندامة. وقال ابن السائب ومقاتل: حسرة وندامة، لأنهم ندموا على بنيانه.
وقال قتادة: في الكلام حذف تقديره: لا يزال هدم بنيانهم الذي بنوا ريبة أي: حزازة وغيظاً في قلوبهم. وقال ابن عطية: الذي بنوا تأكيد وتصريح بأمر المسجد ورفع الإشكال، والريبة الشك، وقد يسمى ريبة فساد المعتقد واضطرابه، والإعراض في الشيء والتخبيط فيه. والحزازة من أجله، وإن لم يكن شكا فقد يرتاب من لا يشك، ولكنها في معتاد اللغة تجري مع الشك. ومعنى الريبة في هذه الآية تعم الحيق، واعتقاد صواب فعلهم، ونحو هذا مما يؤدي كله إلى الريبة في الإسلام. فمقصد الكلام: لا يزال هذا البنيان الذي هدم لهم يبقي في قلوبهم حزازة وأثر سوء. وبالشك فسر ابن عباس الريبة هنا، وفسرها السدي بالكفر.
وقال المفسرون { الرسول } هنا جبريل عليه السلام، وتقديره من { أثر } فرس { الرسول } وكذا قرأ عبد الله، والأثر التراب الذي تحت حافره { فنبذتها } أي ألقيتها على الحليّ الذي تصور منه العجل فكان منها ما رأيت. وقال الأكثرون رأى السامري جبريل يوم فلق البحر، وعن عليّ رآه حين ذهب موسى إلى الطور وجاءه جبريل فأبصره دون الناس....
فثبت بهذه الدلائل الظاهرة أنه لا يجوز أن يقال إن إبراهيم عليه السلام قال على سبيل الجزم: هذا ربي. وإذا بطل هذا بقي ههنا احتمالان: الأول: أن يقال هذا كلام إبراهيم عليه السلام بعد البلوغ ولكن ليس الغرض منه إثبات ربوبية الكوكب بل الغرض منه أحد أمور سبعة.
الأول: أن يقال إن إبراهيم عليه السلام لم يقل هذا ربي، على سبيل الأخبار، بل الغرض منه أنه كان يناظر عبدة الكوكب وكان مذهبهم أن الكوكب ربهم وآلههم، فذكر إبراهيم عليه السلام ذلك القول الذي قالوه بلفظهم وعبارتهم حتى يرجع إليه فيبطله، ومثاله: أن الواحد منا إذا ناظر من يقول بقدم الجسم، فيقول: الجسم قديم؟ فإذا كان كذلك، فلم نراه ونشاهده مركباً متغيراً؟ فهو إنما قال الجسم قديم إعادة لكلام الخصم حتى يلزم المحال عليه، فكذا ههنا قال: { هَـٰذَا رَبّى } والمقصود منه حكاية قول الخصم، ثم ذكر غقيبه ما يدل على فساده وهو قوله: { لا أُحِبُّ ٱلأَفِلِينَ } وهذا الوجه هو المتعمد في الجواب، والدليل عليه: أنه تعالى دل في أول الآية على هذه المناظرة بقوله تعالى: { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءاتَيْنَـٰهَا إِبْرٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ }.
والوجه الثاني في التأويل: أن نقول قوله: { هَـٰذَا رَبّى } معناه هذا ربي في زعمكم واعتقادكم ونظيره أن يقول الموحد للمجسم على سبيل الاستهزاء: أن إلهه جسم محدود أي في زعمه واعتقاده قال تعالى:
{ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِى ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً }
[طه: 97] وقال تعالى:
{ وَيَوْمَ يُنَـادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكآءِيَ }
[القصص: 62] وكان صلوات الله عليه يقول: " يا إله الآلهة "
والمراد أنه تعالى إله الآلهة في زعمهم وقال:
{ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ }
[الدخان: 49] أي عند نفسك.
والوجه الثالث في الجواب:
أن المراد منه الاستفهام على سبيل الإنكار إلا أنه أسقط حرف الاستفهام استغناء عنه لدلالة الكلام عليه.
والوجه الرابع: أن يكون القول مضمراً فيه، والتقدير: قال يقولون هذا ربي. وإضمار القول كثير، كقوله تعالى:
{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَـٰعِيلُ رَبَّنَا }
[البقرة: 127] أي يقولون ربنا وقوله:
{ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَى }
[الزمر: 3] أي يقولون ما نعبدهم، فكذا ههنا التقدير: إن إبراهيم عليه السلام قال لقومه: يقولون هذا ربي. أي هذا هو الذي يدبرني ويربيني.
والوجه الخامس: أن يكون إبراهيم ذكر هذا الكلام على سبيل الاستهزاء كما يقال لذليل ساد قوماً هذا سيدكم على سبيل الاستهزاء.
الوجه السادس: أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يبطل قولهم بربوبية الكواكب إلا أنه عليه السلام كان قد عرف من تقليدهم لأسلافهم وبعد طباعهم عن قبول الدلائل أنه لو صرح بالدعوة إلى الله تعالى لم يقبلوه ولم يلتفتوا إليه، فمال إلى طريق به يستدرجهم إلى استماع الحجة. وذلك بأن ذكر كلاماً يوهم كونه مساعداً لهم على مذهبهم بربوبية الكواكب مع أن قلبه صلوات الله عليه كان مطمئناً بالإيمان، ومقصوده من ذلك أن يتمكن من ذكر الدليل على إبطاله وإفساده وأن يقبلوا قوله وتمام التقرير أنه لما يجد إلى الدعوة طريقاً سوى هذا الطريق، وكان عليه السلام مأموراً بالدعوة إلى الله كان بمنزلة المكره على كلمة الكفر، ومعلوم أن عند الإكراه يجوز إجراء كلمة الكفر على اللسان قال تعالى:
{ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَـٰنِ }
[النحل: 106] فإذا جاز ذكر كلمة الكفر لمصلحة بقاء شخص واحد فبأن يجوز إظهار كلمة الكفر لتخليص عالم من العقلاء عن الكفر والعقاب المؤبد كان ذلك أولى وأيضاً المكره على ترك الصلاة لو صلى حتى قتل استحق الأجر العظيم، ثم إذا جاء وقت القتال مع الكفار وعلم أنه لو اشتغل بالصلاة انهزم عسكر الإسلام فههنا يجب عليه ترك الصلاة والاشتغال بالقتال. حتى لو صلى وترك القتال أثم ولو ترك الصلاة وقاتل استحق الثواب، بل نقول: أن من كان في الصلاة فرأى طفلاً أو أعمى أشرف على غرق أو حرق وجب عليه قطع الصلاة لإنقاذ ذلك الطفل أو ذلك الأعمى عن ذلك البلاء. فكذا ههنا أن إبراهيم عليه السلام تكلم بهذه الكلمة ليظهر من نفسه موافقة القوم حتى إذا أورد عليهم الدليل المبطل لقولهم كان قبولهم لذلك الدليل أتم وانتفاعهم باستماعه أكمل، ومما يقوي هذا الوجه: أنه تعالى حكى عنه مثل هذا الطريق في موضع آخر وهو قوله:
{ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى ٱلنُّجُومِ * فَقَالَ إِنّى سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ }
[الصافات: 88 ـ 90] وذلك لأنهم كانوا يستدلون بعلم النجم على حصول الحوادث المستقبلة فوافقهم إبراهيم على هذا الطريق في الظاهر مع أنه كان بريئاً عنه في الباطن، ومقصوده أن يتوسل بهذا الطريق إلى كسر الأصنام، فإذا جازت الموافقة في الظاهر ههنا. مع أنه كان بريئاً عنه في الباطن، فلم لا يجوز أن يكون في مسألتنا كذلك؟ وأيضاً المتكلمون قالوا: إنه يصح من الله تعالى إظهار خوارق العادات على يد من يدعى الإلهية لأن صورة هذا المدعي وشكله يدل على كذبه فلا يحصل فيه التلبيس بسبب ظهور تلك الخوارق على يده، ولكن لا يجوز إظهارها على يد من يدعي النبوة لأنه يوجب التلبيس فكذا ههنا. وقوله: { هَـٰذَا رَبّى } لا يوجب الضلال، لأن دلائل بطلانه جلية وفي إظهاره هذه الكلمة منفعة عظيمة وهي استدراجهم لقبول الدليل فكان جائزاً والله أعلم.
الوجه السابع: أن القوم لما دعوه إلى عبادة النجوم فكانوا في تلك المناظرة إلى أن طلع النجم الدري فقال إبراهيم عليه السلام { هَـٰذَا رَبّى } أي هذا هو الرب الذي تدعونني إليه ثم سكت زماناً حتى أفل ثم قال: { لا أُحِبُّ ٱلأَفِلِينَ } فهذا تمام تقرير هذه الأجوبة على الاحتمال الأول وهو أنه صلوات الله عليه ذكر هذا الكلام بعد البلوغ.
وقال الامام الطبرى فى تفسيره
وقال آخرون منهم: وإنما معنى الكلام: أهذا ربي على وجه الإنكار والتوبيخ أي ليس هذا ربي. وقالوا: قد تفعل العرب مثل ذلك، فتحذف الألف التي تدلّ على معنى الاستفهام. وزعموا أن من ذلك قول الشاعر:
رفُونِي وقالُوا يا خُوَيلِدُ لا تُرَعْ فقلتُ وأنكرْتُ الوُجُوهَ هُمُ هُمُ
يعني: «أهم هم»؟ قالوا: ومن ذلك قول أوس:
لَعَمْرُكَ ما أدْرِي وإنْ كُنْتَ دَارِياً شُعَيْثُ بنُ سَهْمٍ أمْ شُعَيْثُ ابنُ مِنْقَرِ
قوله تعالى: { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ } اختلف الناس في معنى هذا الكلام؛ فقال السّدي والطّبري والفراء: هذا الكلام من موسى عليه السلام على جهة الإقرار بالنعمة؛ كأنه يقول: نعمٰ وتربيتك نعمة عليّ من حيث عبّدت غيري وتركتني، ولكن لا يدفع ذلك رسالتي. وقيل: هو من موسى عليه السلام على جهة الإنكار؛ أي أتمنّ عليّ بأن ربيتني وليداً وأنت قد استعبدت بني إسرائيل وقتلتهم؟ٰ أي ليست بنعمة؛ لأن الواجب كان ألا تقتلهم ولا تستعبدهم فإنهم قومي؛ فكيف تذكر إحسانك إليّ على الخصوص؟ٰ قال معناه قتادة وغيره. وقيل: فيه تقدير استفهام؛ أي أو تلك نعمة؟ قاله الأخفش والفراء أيضاً وأنكره النحاس وغيره. قال النحاس: وهذا لا يجوز لأن ألف الاستفهام تحدث معنى، وحذفها محال إلا أن يكون في الكلام أم؛ كما قال الشاعر:
تَـرُوحُ مـن الـحـيّ أم تَبْـتَـكِـر
ولا أعلم بين النحويين اختلافاً في هذا إلا شيئاً قاله الفراء. قال: يجوز حذف ألف الاستفهام في أفعال الشك، وحكى تُرَى زيداً منطلقاً؟ بمعنى أترى. وكان علي بن سليمان يقول في هذا: إنما أخذه من ألفاظ العامة. قال الثعلبيّ: قال الفراء ومن قال إنها إنكار قال معناه أو تلك نعمة؟ على طريق الاستفهام؛ كقوله:
{ هَـٰذَا رَبِّي }
[الأنعام: 78]
{ فَهُمُ الْخَالِدُونَ }
[الأنبياء:34] قال الشاعر:
رَفَوْنِي وقالوا يا خُوَيلدُ لا تُرَعْ فقلتُ وأنكرتُ الوجوهَ هُمُ هُمُ
وأنشد الغزنوي شاهداً على ترك الألف قولهم:
لم أنس يوم الرحيل وقفتَها وجفنها من دموعها شَرِقُ
وقولَها والركابُ واقفةٌ تَركتني هكذا وتَنطلقُ
قلت: ففي هذا حذف ألف الاستفهام مع عدم أم خلاف قول النحاس. وقال الضحاك: إن الكلام خرج مخرج التبكيت والتبكيت يكون باستفهام وبغير استفهام؛ والمعنى: لو لم تقتل بني إسرائيل لرباني أبواي؛ فأي نعمة لك علي فأنت تمنّ عليّ بما لا يجب أن تمنّ به. وقيل: معناه كيف تمنّ بالتربية وقد أهنت قومي؟ ومن أهين قومه ذل....
حقيقة في الاطلاع على أمر كان خفياً وأمر التجوز على حاله. ومفعول { أَعْثَرْنَا } الأول محذوف لقصد العموم أي وكذلك أطلعنا الناس عليهم، وقال أبو حيان: أهل مدينتهم.
قوله تعالى: { أكادُ أخفيها } أكثر القراء على ضم الألف.
ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال.
أحدها: أكاد أخفيها من نفسي، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد في آخرين. وقرأ ابن مسعود، وأُبيّ بن كعب، ومحمد بن عليّ: أكاد أخفيها من نفسي، قال الفراء: المعنى: فكيف أُظهركم عليها؟! قال المبرِّد: وهذا على عادة العرب، فإنهم يقولون إِذا بالغوا في كتمان الشيء: كتمتُه حتى مِنْ نَفْسي، أي: لم أُطلع عليه أحداً.
والثاني: أن الكلام تم عند قوله: «أكاد»، وبعده مضمر تقديره: أكاد آتي بها، والابتداء: أخفيها، ....
والثالث: أن معنى «أكاد»: أريد، قال الشاعر:كادَتْ وكِدْتُ وَتِلْكَ خَيْرُ إِرَادَةٍ لَوْ عَادَ مِنْ لَهْو الصَّبابَة مَا مَضَىمعناه: أرادت وأردتُ، ذكرهما ابن الأنباري....
إن قيل: كيف يسأل الرُّسل وقد ماتوا قبله؟ فعنه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه لمّا أُسري به جُمع له الأنبياءُ فصلَّى بهم، ثم قال[له] جبريل: سَلْ من أرسَلْنا قَبْلَك...الآية. فقال: لا أَسألُ، قد اكتَفَيْتُ. رواه عطاء عن ابن عباس. وهذا قول سعيد بن جبير، والزهري، وابن زيد؛ قالوا: جُمع له الرُّسل ليلةَ أُسري به، فلقَيهم، وأُمر أن يسألَهم، فما شَكّ ولا سأل.
والثاني: أن المراد: [اسأل] مؤمني أهل الكتاب [من] الذين أرسلت إِليهم الأنبياء، روي عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، والسدي في آخرين. قال ابن الأنباري: والمعنى سَلْ أتباع مَنْ أرسَلْنا قَبْلَكَ، كما تقول: السخاء حاِتم، أي: سخاء حاتِم، والشِّعر زهير، أي: شِعر زهير. وعند المفسرين أنه لم يسأل على القولين. وقال الزجاج: هذا سؤال تقرير، فإذا سأل جميع الأمم، لم يأتوا بأن في كتبهم: أن اعبدوا غيري.
والثالث: [أن] المُراد بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم: خطابُ أُمَّته، فيكون المعنى: سَلُوا، قاله الزجاج. وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: { إذ هُمْ منها يَضحكون } استهزاءً بها وتكذيباً.
وقال السمين الحلبى فى الدر المصون
فيه ثلاثةُ أوجهٍ،
أظهرُها: أنَّ " مَنْ " موصولة، وهي مفعولةٌ للسؤالِ. كأنه قيل: واسأل الذي أرْسَلْناه مِنْ قَبْلِك عَمَّا أُرْسِلوا به، فإنَّهم لم يُرْسَلوا إلاَّ بالتوحيد.
الثاني: أنَّه على حَذْفِ حَرْفِ الجرِّ على أنه المسؤولُ عنه. والمسؤولُ الذي هو المفعولُ الأولُ محذوفٌ، تقديرُه: واسْأَلْنا عن مَنْ أَرْسَلْناه.
الثالث: أنَّ " مَنْ " استفهاميةٌ مرفوعةٌ بالابتداء، و " أَرْسَلَ " خبرُه. والجملةُ مُعَلِّقَةٌ للسؤالِ، فتكونُ في محلِّ نصبٍ على إسقاطِ الخافضِ، وهذا ليس بظاهرٍ، بل الظاهرُ أنَّ المُعَلِّقَ للسؤال إنما هو الجملةُ الاستفهاميةُ مِنْ قولِه " أَجَعَلْنا ".
قوله تعالى: { قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } (أي ليس من أهلك) الذين وعدتهم أن أنجيهم؛ قاله سعيد بن جُبير. وقال الجمهور: ليس من أهل دينك ولا ولايتك؛ فهو على حذف مضاف؛ وهذا يدلّ على أن حكم الاتفاق في الدِّين أقوى من (حكم) النسب.
وقال الامام الالوسى فى تفسيره
قال: { قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } أي ليس منهم / أصلا لأن مدار الأهلية هو القرابة الدينية وقد انقطعت بالكفر فلا علاقة بين مسلم وكافر ولذا لم يتوارثا، وقد ذكروا أن قرابة الدين أقرب من قرابة النسب كما أشار إلى ذلك أبو فراس بقوله:كانت مودة سلمان له نسباًولم يكن بين نوح وابنه رحمأو { لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } الذين أمرتك بحملهم في الفلك لخروجه عنهم بالاستثناء، وحكى هذا عن ابن جرير وعكرمة والأول عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما؛ وعلى القولين ليس هو من الذين وعد بإنجائهم
قوله تعالى: { قال لا يأتيكما طعام تُرْزَقانه } في معنى: الكلام قولان:
أحدهما: لا يأتيكما طعام تُرْزَقانه في اليقظة إِلا أخبرتكما به قبل أن يصل إِليكما، لأنه كان يخبر بما غاب كعيسى عليه السلام، وهو قول الحسن.
والثاني: لا يأتيكما طعام تُرْزَقانه في المنام إِلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما في اليقظة، هذا قول السدي. قال ابن عباس: فقالا له: وكيف تعلم ذلك، ولست بساحر، ولا عرّاف، ولا صاحب نجوم؛ فقال: { ذلكما مما علَّمني ربي }.
قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط بعد ان ذكر خمسة عشر قولا من اقوال المفسرين فى معنى كما اخرجك
ومن دفع إلى حوك الكلام وتقلّب في إنشاء أفانينه وزاول الفصاحة والبلاغة لم يستحسن شيئاً من هذه الأقوال وإن كان بعض قائلها له إمامة في علم النحو ورسوخ قدم لكنه لم يحتط بلفظ الكلام ولم يكن في طبعه صوغه أحسن صوغ ولا التصرّف في النظر فيه من حيث الفصاحة وما به يظهر الإعجاز.
وقبل تسطير هذه الأقوال هنا وقعت على جملة منها فلم يلق لخاطري منها شيء فرأيت في النوم أنني أمشي في رصيف ومعي رجل أباحثه في قوله { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } فقلت له ما مرّ بي شيء مشكل مثل هذا ولعل ثم محذوفاً يصح به المعنى وما وقفت فيه لأحد من المفسرين على شيء طائل
ثم قلت له ظهر لي الساعة تخريجه وإن ذلك المحذوف هو نصرك واستحسنت أنا وذلك الرجل هذا التخريج ثم انتبهت من النوم وأنا أذكره، والتقدير فكأنه قيل { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } أي بسبب إظهار دين الله وإعزاز شريعته وقد كرهوا خروجك تهيباً للقتال وخوفاً من الموت إذ كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم لخروجهم بغتة ولم يكونوا مستعدين للخروج وجادلوك في الحق بعد وضوحه نصرك الله وأمدّك بملائكته ودلّ على هذا المحذوف الكلام الذي بعده وهو قوله تعالى { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم } الآيات،
ويظهر أن الكاف في هذا التخريج المنامي ليست لمحض التشبيه بل فيها معنى التعليل، ود نص النحويون على أنها قد تحدث فيها معنى التعليل وخرجوا عليه قوله تعالى:
{ واذكروه كما هداكم }
[البقرة: 198] وأنشدوا:لا تشتم الناس كما لا تشتم
أي لانتفاء أن يشتمك الناس لا تشتمهم ومن الكلام الشائع على هذا المعنى كما تطيع الله يدخلك الجنة أي لأجل طاعتك الله يدخلك الجنة فكان المعنى إن خرجت لإعزاز دين الله وقتل أعدائه نصرك الله وأمدّك بالملائكة...
والصواب عندي من القول في ذلك أن يقال: إن في الكلام محذوفاً قد كفى دليل الظاهر منه، وهو أن معناه: ما منعك من السجود فأحوجك أن لا تسجد؟ فترك ذكر أحوجك استغناء بمعرفة السامعين. قوله:
{ إلاَّ إبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ }
أن ذلك معنى الكلام من ذكره، ثم عمل قوله { ما مَنَعَكَ } في أن ما كان عاملاً فيه قبل أحوجك لو ظهر إذ كان قد ناب عنه.
وإنما قلنا إن هذا القول أولى بالصواب لما قد مضى من دلالتنا قبل على أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله شيء لا معنى له، وأن لكلّ كلمة معنى صحيحاً، فتبين بذلك فساد قول من قال «لا» في الكلام حشو لا معنى لها.
وأما قول من قال: معنى المنع ههنا: القول، فلذلك دخلت «لا» مع «أن، فإن المنع وإن كان قد يكون قولاً وفعلاً، فليس المعروف في الناس استعمال المنع في الأمر بترك الشيء، لأن المأمور بترك الفعل إذا كان قادراً على فعله وتركه ففَعَله لا يقال فعله وهو ممنوع من فعله إلا على استكراه للكلام وذلك أن المنع من الفعل حوّل بينه وبينه، فغير جائز أن يكن وهو محُول بينه وبينه فاعلاً له، لأنه إن جاز ذلك وجب أن يكون محولاً بينه وبينه لا محولاً وممنوعاً لا ممنوعاً وبعد، فإن إبليس لم يأتمر لأمر الله تعالى بالسجود لآدم كِبراً، فكيف كان يأتمر لغيره في ترك أمر الله وطاعته بترك السجود لآدم، فيجوز أن يقال له: أيّ شيء قال لك لا تسجد لآدم إذ أمرتك بالسجود له؟ ولكن معناه إن شاء الله ما قلت: ما منعك من السجود له، فأحوجك، أو فأخرجك، أو فاضطّرك إلى أن لا تسجد له على ما بيَّنت.
وقال السمين الحلبى فى الدر المصون
وقد زعم جماعةٌ أن " لا " في هذه الآية الكريمة غيرُ زائدة، لكن اختلفت عبارتهم في تصحيح معنى ذلك فقال بعضهم: في الكلام حَذْفٌ يصحُّ به النفي، والتقدير: ما منعك فأحوجك أن لا تسجد؟
وقال بعضهم: المعنى على ما ألجأك أن لا تسجد؟ وبعضهم: مَنْ أمَرَكَ أن لا تسجد؟ ومَنْ قال لك أن لا تسجد، أو ما دَعاك أن لا تسجد؟
وهذا تمحُّل مَنْ يتحرَّج مِنْ نسبة الزيادة إلى القرآن وقد تقدَّم تحقيقه، وأنَّ معنى الزيادة على معنىً يفهمه أهلُ العلم وإلا فكيف يُدَّعى زيادةٌ في القرآن بالعُرْف العام؟ هذا ما لا يقوله أحد من المسلمين
{ فإن طلقها } قيل: الضمير عائد على: زوج، النكرة، وهو الثاني، وأتى بلفظ: إن، دون إذا تنبيهاً على أن طلاقه يجب أن يكون على ما يخطر له دون الشرط. انتهى. ومعناه أن: إذا، إنما تأتي للمتحقق، وإن تأتي للمبهم والمجوز وقوعه وعدم وقوعه، أو للمحقق المبهم زمان وقوعه، كقوله تعالى:
{ أفان مت فهم الخالدون }
[الأنبياء: 34] والمعنى: فإن طلقها وانقضت عدتها منه { فلا جناح عليهما } أي: على الزوج المطلق الثلاث وهذه الزوجة. قاله ابن عباس،
ولا خلاف فيه بين أهل العلم على أن اللفظ يحتمل أن يعود على الزوج الثاني والمرأة،
وتكون الآية قد أفادت حكمين:
أحدهما: أن المبتوتة ثلاثاً تحل للأول بعد نكاح زوج غيره بالشروط التي تقدمت، وهذا مفهوم من صدر الآية، والحكم
الثاني: أنه يجوز للزوج الثاني الذي طلقها أن يراجعها، لأنه ينزل منزلة الأول، فيجوز لهما أن يتراجعا، ويكون ذلك دفعاً لما يتبادر إليه الذهن من أنه إذا طلقها الثاني حلت للأول، فبكونها حلت له اختصت به، ولا يجوز للثاني أن يردها، فيكون قوله: { فلا جناح عليهما أن يتراجعا } مبيناً أن حكم الثاني حكم الأول، وأنه لا يتحتم أن الأول يراجعها، بل بدليل إن انقضت عدّتها من الثاني فهي مخيرة فيمن يرتد منهما أن يتزوجه، فإن لم تنقضِ عدّتها، وكان الطلاق رجعياً، فلزوجها الثاني أن يراجعها،
وعلى هذا لا يحتاج إلى حذف بين قوله: { فإن طلقها } وبين قوله: { فلا جناح عليهما أن يتراجعا } ويحتاج إلى الحذف إذا كان الضمير في: عليهما، عائداً على المطلق ثلاثاً وعلى الزوجة، وذلك المحذوف هو، وانقضت عدّتها منه، أي: فإن طلقها الثاني وانقضت عدتها منه فلا جناح على المطلق ثلاثاً والزوجة أن يتراجعا، وقوله: { إن ظنا أن يقيما حدود الله } أي: إن ظن الزوج الثاني والزوجة أن يقيما حدود الله، لأن الطلاق لا يكاد يكون في الغالب إلاَّ عند التشاجر والتخاصم والتباغض، وتكون الضمائر كلها منساقة انسياقاً واحداً لا تلوين فيه، ولا اختلاف مع استفادة هذين الحكمين من حمل الضمائر على ظاهرها، وهذا الذي ذكرناه غير منقول، بل الذي فهموه هو تكوين الضمائر واختلافها.
قوله عزّ وجلّ: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلاَْخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً } ، قال ابن عباس: هم اليهود والنصارى والمشركون. فأما اليهود فقالوا: عزير ابن الله، ويد الله مغلولة، وقالوا: إن الله فقير، وأما النصارى فقالوا: المسيح ابن الله, وثالث ثلاثة، وأما المشركون فقالوا: الملائكة بنات الله، والأصنام شركاؤه.
وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله سبحانه وتعالى: شتمني عبدي، يقول: اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفواً أحد ". وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: " يؤذيني ابنُ آدم يسبُّ الدهرَ وأَنا الدهر، بيدي الأمرُ أقلِّبُ الليلَ والنهارَ ".
وقيل: معنى " يؤذون الله " يلحدون في أسمائه وصفاته.
وقال عكرمة هم أصحاب التصاوير.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا محمد بن العلاء، أخبرنا ابن فضيل، عن عمارة، عن أبي زرعة، سمع أبا هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو شعيرة ".
وقال بعضهم: " يؤذون الله " أي: يؤذون أولياء الله، كقوله تعالى:
{ وَٱسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ }
[يوسف: 82]، أي: أهل القرية.
وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: " من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وقال من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة ".
ومعنى الأذى هو مخالفة أمر الله تعالى وارتكاب معاصيه، ذكره على ما يتعارفه الناس بينهم، والله عزّ وجلّ منزه عن أن يلحقه أذى من أحد، وإيذاء الرسول، قال ابن عباس: هو أنه شج في وجهه وكسرت رباعيته. وقيل: شاعر، ساحر، معلم، مجنون.
قوله تعالى: { أمرنا مترفيها } قرأ الأكثرون: «أَمرْنَا» مخففة، على وزن «فَعَلْنا»، وفيها ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه من الأمر، وفي الكلام إِضمار، تقديره: أمرنا مترفيها بالطاعة، ففسقوا، هذا مذهب سعيد بن جبير. قال الزجاج: ومثله في الكلام: أمرتك فعصيتني، فقد علم أن المعصية مخالفة الأمر.
والثاني: «كثَّرنا» يقال: أمرت الشيء وآمرته، أي: كثَّرته، ومنه قولهم: مُهرَةٌ مأمورةٌ، أي: كثيرة النِّتاج، يقال: أَمِر بنو فلان يأمَرون أمراً: إِذا كثروا، هذا قول أبي عبيدة، وابن قتيبة.
والثالث: أن معنى «أَمَرْنَا»: أمَّرْنا، يقال: أَمرت الرجل، بمعنى: أمَّرته، والمعنى: سلَّطنا مترفيها بالإِمارة، ذكره ابن الأنباري. وروى خارجة عن نافع: «آمرنا» ممدودة، مثل «آمنّا»، وكذلك روى حماد بن سلمة عن ابن كثير، وهي قراءة ابن عباس، وأبي الدرداء، وأبي رزين، والحسن، والضحاك، ويعقوب. قال ابن قتيبة: وهي اللغة العالية المشهورة، ومعناه: كثَّرنا، أيضاً. وروى ابن مجاهد أن أبا عمرو قرأ: «أمَّرْنَا» مشددة الميم، وهي رواية أبان عن عاصم، وهي قراءة أبي العالية، والنخعي والجحدري. قال ابن قتيبة: المعنى: جعلناهم أُمراءَ
وقوله: إنما التوبة على الله هو على حذف مضاف من المبتدأ والخبر، والتقدير: إنما قبول التوبة مترتب على فضل الله، فتكون على باقية على بابها. وقال الزمخشري: يعني إنما القبول والغفران واجب على الله تعالى لهؤلاء انتهى. وهذا الذي قاله هو على طريق المعتزلة، والذي نعتقده أن الله لا يجب عليه تعالى شيء من جهة العقل، فأما ما ظاهره الوجوب من جهة السمع على نفسه كتخليد الكفار وقبول الإيمان من الكافر بشرطه فذلك واقع قطعاً، وأما قبول التوبة فلا يجب على الله عقلاً وأما من جهة السمع فتظافرت ظواهر الآي والسنة على قبول الله التوبة، وأفادت القطع بذلك. وقد ذهب أبو المعالي الجويني وغيره: إلى أن هذه الظواهر إنما تفيد غلبة الظن لا القطع بقبول التوبة،
وقال الامام ابن عطية فى المحرر الوجيز
وقوله تعالى: { على الله } فيه حذف مضاف تقديره: على فضل الله ورحمته لعباده، وهذا نحو " قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ قال الله ورسوله أعلم، قال: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ثم سكت قليلاً، ثم قال: يا معاذ أتدري ما حق العباد على الله؟ قال الله ورسوله أعلم، قال: أن يدخله الجنة " ، فهذا كله إنما معناه: ما حقهم على فضل الله ورحمته، والعقيدة: أنه لا يجب على الله تعالى شيء عقلاً، لكن إخباره تعالى عن أشياء أوجبها على نفسه يقتضي وجوب تلك الأشياء سمعاً، فمن ذلك تخليد الكفار في النار، ومن ذلك قبول إيمان الكافر، والتوبة لا يجب قبولها على الله تعالى عقلاً، فأما السمع فظاهره قبول توبة التائب، قال أبو المعالي وغيره: فهذه الظواهر إنما تعطي غلبة ظن لا قطعاً على الله بقبول التوبة.
قال القاضي أبو محمد: وقد خولف أبو المعالي وغيره في هذا المعنى، فإذا فرضنا رجلاً قد تاب توبة نصوحاً تامة الشروط، فقول أبي المعالي يغلب على الظن قبول توبته، وقال غيره: يقطع على الله تعالى بقبول توبته، كما أخبر عن نفسه عز وجل.
والإرادة هنا إما أن تبقى على بابها، فتحتاج إلى حذف، ولذلك قدره صاحب (المنتخب): يريد الله أن يأمركم بما فيه يسر، وإما أن يتجوز بها عن الطلب، أي: يطلب الله منكم اليسر، والطلب عندنا غير الإرادة، وإنما احتيج إلى هذين التأوّيلين لأن ما أراده الله كائن لا محالة، على مذهب أهل السنة، وعلى ظاهر الكلام لم يكن ليقع عسر وهو واقع، وأما على مذهب المعتزلة فتكون الآية على ظاهرها،
المسألة الثالثة: في الآية إشكال، وهو أن كثيراً من المفسرين حملوا السلم على الإسلام، فيصير تقدير الآية: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في الإسلام، والإيمان هو الإسلام، ومعلوم أن ذلك غير جائز، ولأجل هذا السؤال ذكر المفسرون وجوهاً في تأويل هذه الآية:
أحدها: أن المراد بالآية المنافقون، والتقدير: يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم ادخلوا بكليتكم في الإسلام، ولا تتبعوا خطوات الشيطان، أي آثار تزيينه وغروره في الإقامة على النفاق، ومن قال بهذا التأويل احتج على صحته بأن هذه الآية إنما وردت عقيب ما مضى من ذكر المنافقين وهو قوله:
{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ }
[البقرة: 204] الآية فلما وصف المنافق بما ذكر دعا في هذه الآية إلى الإيمان بالقلب وترك النفاق.
وثانيها: أن هذه الآية نزلت في طائفة من مسلمي أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه وذلك لأنهم حين آمنوا بالنبـي عليه السلام أقاموا بعده على تعظيم شرائع موسى، فعظموا السبت، وكرهوا لحوم الإبل وألبانها، وكانوا يقولون: ترك هذه الأشياء مباح في الإسلام، وواجب في التوراة، فنحن نتركها احتياطاً فكره الله تعالى ذلك منهم وأمرهم أن يدخلوا في السلم كافة، أي في شرائع الإسلام كافة، ولا يتمسكوا بشيء من أحكام التوراة اعتقاداً له وعملاً به، لأنها صارت منسوخة { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ } في التمسك بأحكام التوراة بعد أن عرفتم أنها صارت منسوخة، والقائلون بهذا القول جعلوا قوله: { كَافَّةً } من وصف السلم، كأنه قيل: ادخلوا في جميع شرائع الإسلام اعتقاداً وعملاً.
وثالثها: أن يكون هذا الخطاب واقعاً على أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بالنبـي عليه السلام فقوله: { يا أيها الذين آمنوا } أي بالكتاب المتقدم { ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسّلْمِ كَافَّةً } أي أكملوا طاعتكم في الإيمان وذلك أن تؤمنوا بجميع أنبيائه وكتبه فادخلوا بإيمانكم بمحمد عليه السلام وبكتابه في السلم على التمام، ولا تتبعوا خطوات الشيطان في تحسينه عند الاقتصار على دين التوراة بسبب أنه دين اتفقوا كلهم على أنه حق بسبب أنه جاء في التوراة: تمسكوا بالسبت ما دامت السموات والأرض، وبالجملة فالمراد من خطوات الشيطان الشبهات التي يتمسكون بها في بقاء تلك الشريعة.
ورابعها: هذا الخطاب واقع على المسلمين { يا أيها الذين آمنوا } بالألسنة { ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسّلْمِ كَافَّةً } أي دوموا على الإسلام فيما تستأنفونه من العمر ولا تخرجوا عنه ولا عن شيء من شرائعه { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ } أي ولا تلتفتوا إلى الشبهات التي تلقيها إليكم أصحاب الضلالة والغواية ومن قال بهذا التأويل قال: هذا الوجه متأكد بما قبل هذه الآية وبما بعدها، أما ما قبل هذه الآية فهو ما ذكر الله تعالى في صفة ذلك المنافق في قوله: { سَعَىٰ فِى ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا } وما ذكرنا هناك أن المراد منه إلقاء الشبهات إلى المسلمين، فكأنه تعالى قال: دوموا على إسلامكم ولا تتبعوا تلك الشبهات التي يذكرها المنافقون،
وفي قوله: من نفس واحدة إشارة إلى ترك المفاخرة والكبر، لتعريفه إياهم بأنهم من أصل واحد ودلالة على المعاد، لأن القادر على إخراج أشخاص مختلفين من شخص واحد فقدرته على إحيائهم بطريق الأولى. وزوجها: هي حواء. وظاهر منها ابتداء خلق حوّاء من نفسه، وأنه هو أصلها الذي اخترعت وأنشئت منه، وبه قال: ابن عباس، ومجاهد، والسدّي وقتادة
قالوا إن الله تعالى خلق آدم وحشاً في الجنة وحده، ثم نام فانتزع الله تعالى أحد أضلاعه القصرى من شماله. وقيل: من يمينه، فحلق منها حواء. قال ابن عطية: ويعضد هذا القول الحديث الصحيح في قوله عليه السلام: " إن المرأة خلقت من ضلع أعوج، فإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها " انتهى. ويحتمل أن يكون ذلك على جهة التمثيل لاضطراب أخلاقهن، وكونهن لا يثبتن على حالة واحدة، أي: صعبات المراس، فهي كالضلع العوجاء كما جاء خلق الإنسان من عجل. ويؤيد هذا التأويل قوله: إن المرأة، فأتى بالجنس ولم يقل: إن حوّاء.
وقيل: هو على حذف مضاف، التقدير: وخلق من جنسها زوجها قاله: ابن بحر وأبو مسلم لقوله:
{ من أنفسكم أزواجاً }
[الشورى: 11] و
{ رسولاً منهم }
[البقرة: 129].
قال القاضي: الأول أقوى، إذ لو كانت حواء مخلوقة ابتداء لكان الناس مخلوقين من نفسين لا من نفس واحدة. ويمكن أن يجاب عنه بأن كلمة من لابتداء الغاية، فلما كان ابتداء الخلق وقع بآدم، صح أن يقال خلقكم من نفس واحدة. ولما كان قادراً على خلق آدم من التراب كان قادراً على خلق حواء أيضاً كذلك.
وقيل: لا حذف، والضمير في منها، ليس عائداً على نفس، بل هو عائد على الطينة التي فصلت عن طينة آدم. وخلقت منها حواء أي: أنها خلقت مما خلق منه آدم.
والظاهر أن { يوم حصاده } معمول لقوله: { وآتوا } والمعنى واقصدوا الإيتاء واهتموا به وقت الحصاد فلا يؤخر عن وقت إمكان الإيتاء فيه.
ويجوز أن يكون معمولاً لقوله: { حقه } أي { وآتوا } ما استحق { يوم حصاده } فيكون الاستحقاق بإيتاء يوم الحصاد والأداء بعد التصفية ولذلك قال بعضهم في الكلام: محذوف تقديره { وآتوا حقه يوم حصاده } إلى تصفيته قال: فيكون الحصاد سبباً للوجوب الموسع والتصفية سبب للأداء، والظاهر وجوب إخراج الحق منه كله ما أكل صاحبه وأهله منه وما تركوه وبه قال أبو حنيفة ومالك. وقال جماعة: لا يدخل ما أكل هو وأهله منه في الحق، والظاهر أنه أمر بأن يؤتى { حقه يوم حصاده } فلا يخرص عليه. قال النخعي: الخرص اليوم بدعة. وقال الثوري: الخرص غير مستعمل ولا يجوز بحال وإنما على رب الحائط أن يؤدّي عشر ما يصل في يده للمساكين إذا بلغ خمسة أوسق
وقال الامام الالوسي فى تفسيره
{ وَءَاتُواْ حَقَّهُ } الذي أوجبه الله تعالى فيه { يَوْمَ حَصَاده } وهو على ما في رواية عطاء عن ابن عباس العشر ونصف العشر، وإليه ذهب الحسن وسعيد بن المسيب وقتادة وطاوس وغيرهم، والظرف قيد لما دل عليه الأمر بهيئته من الوجوب لا لما دل عليه بمادته من الحدث إذ ليس الأداء وقت الحصاد والحب في سنبله كما يفهم من الظاهر بل بعد التنقية والتصفية. وادعى علي بن عيسى أن الظرف متعلق بالحق فلا يحتاج إلى ما ذكر من التأويل.
قال علماؤنا: معنى «يخادعون الله» أي يخادعونه عند أنفسهم وعلى ظنهم. وقيل: قال ذلك لعملهم عمل المخادع. وقيل: في الكلام حذف، تقديره: يخادعون رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ عن الحسن وغيره. وجعل خداعهم لرسوله خداعاً له؛ لأنه دعاهم برسالته؛ وكذلك إذا خادعوا المؤمنين فقد خادعوا الله. ومخادعتهم: ما أظهروه من الإيمان خلاف ما أبطنوه من الكفر، لَيحْقنوا دماءهم وأموالهم، ويظنون أنهم قد نجْوا وخدعوا؛ قاله جماعة من المتأوّلين. وقال أهل اللغة: أصل الخدع في كلام العرب الفساد؛ حكاه ثعلب عن ٱبن الأعرابي. وأنشد:أبْيَضُ اللّونِ لذيذٌ طعْمُه طيِّبُ الرّيق إذا الرِّيقُ خَدَعْ
قلت: فـ «ـيخادعون الله» على هذا، أي يفسدون إيمانهم وأعمالهم فيما بينهم وبين الله تعالى بالرياء. وكذا جاء مفسَّراً عن النبيّ صلى الله عليه وسلم على ما يأتي. وفي التنزيل: «يُرَاءُونَ النَّاسَ». وقيل: أصله الإخفاء؛ ومنه مخدع البيت الذي يحرز فيه الشيء؛ حكاه ٱبن فارس وغيره. وتقول العرب: ٱنخدع الضب في جُحره.
وقوله: { فجزاؤه جهنم } تقديره عند أهل السنة، فجزاؤه أن جازاه بذلك أي هو أهل ذلك ومستحقه لعظم ذنبه، ونص على هذا أبو مجلز وأبو صالح وغيرهما وهذا مبني على القول بالمشيئة في جميع العصاة قاتل وغيره،
وذهبت المعتزلة إلى عموم هذه الآية، وأنها مخصصة بعمومها لقوله تعالى:
{ ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }
[النساء 48-116]
وتوركوا في ذلك على ما روي عن زيد بن ثابت أنه قال: نزلت الشديدة بعد الهينة، يرد نزلت { ومن يقتل مؤمناً متعمداً } بعد
{ ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }
[النساء 48-116] فهم يرون أن هذا الوعيد نافذ حتماً على كل قاتل يقتل مؤمناً، ويرونه عموماً ماضياً لوجهه، مخصصاً للعموم في قوله تعالى:
{ ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }
[النساء: 48 و 116] كأنه قال: إلا من قتل عمداً.
قوله تعالى: { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } أي ما أصابك يا محمد من خِصب ورخاءٍ وصحةٍ وسلامةٍ فبفضل الله عليك وإحسانه إليك، وما أصابك من جَدْب وشدّة فبذنب أتيته عوقبت عليه. والخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد أُمّته. أي ما أصابكم يا معشر الناس من خصب وٱتساع رزق فمن تفضل الله عليكم، وما أصابكم من جدب وضيق رزق فمن أنفسكم؛ أي من أجل ذنوبكم وقع ذلك بكم. قاله الحسن والسَّدِّي وغيرهما؛ كما قال تعالى:
{ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ }
[الطلاق: 1]. وقد قيل: الخطاب للإنسان والمراد به الجنس؛ كما قال تعالى:
{ وَٱلْعَصْرِ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ }
[العصر: 1] أي إن الناس لفي خسر، ألا تراه استثنى منهم فقال «إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا» ولا يستثنى إلا من جملة أو جماعة. وعلى هذا التأويل يكون قوله { مَآ أَصَابَكَ } استئنافاً. وقيل: في الكلام حذف تقديره يقولون؛ وعليه يكون الكلام متصلاً؛ والمعنى فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً حتى يقولوا ما أصابك من حسنة فمن الله. وقيل: إن ألف الاستفهام مضمرة؛ والمعنى أفمن نفسك؟ ومثله قوله تعالى:
{ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ }
[الشعراء: 22] والمعنى أو تلك نعمة؟ وكذا قوله تعالى:
{ فَلَمَّآ رَأَى ٱلْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي }
[الأنعام: 77] أي أهذا ربي؟ قال أبو خِراشٍ الهُذلِيّ:
رَمَوْني وقالوا يا خُوَيلد لم تُرَع فقلت وأنكرتُ الوجوهَ هُمُ هُمُ
أراد «أهم» فأضمر ألف الاستفهام وهو كثير وسيأتي. قال الأخفش «ما» بمعنى الذي. وقيل: هو شرط. قال النحاس: والصواب قول الأخفش؛ لأنه نزل في شيء بعينه من الجدب، وليس هذا من المعاصي في شيء ولو كان منها لكان وما أصبت من سيئة....
مسألة ـ وقد تجاذب بعض جهال أهلِ السنة هذه الآية واحتجّ بها؛ كما تجاذبها القَدرية واحتجوا بها، ووجه ٱحتجاجهم بها أن القَدرية يقولون: إن الحسنة هٰهنا الطاعة، والسيئة المعصية؛ قالوا: وقد نسب المعصية في قوله تعالى: { وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } إلى الإنسان دون الله تعالى؛ فهذا وجه تعلقهم بها. ووجه تعلّق الآخرين منها قوله تعالى: { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } قالوا: فقد أضاف الحسنة والسيئة إلى نفسه دون خلقه. وهذه الآية إنما يتعلق بها الجهال من الفريقين جميعاً؛ لأنهم بنوا ذلك على أن السيئة هي المعصية، وليست كذلك لما بيناه. والله أعلم. والقدرية إن قالوا { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ } أي من طاعة { فَمِنَ ٱللَّهِ } فليس هذا اعتقادَهم؛ لأن اعتقادهم الذي بنوا عليه مذهبهم أن الحسنة فعل المحسن والسيئة فعل المسيء.
وأيضاً فلو كان لهم فيها حجة لكان يقول: ما أصبت من حسنة وما أصبت من سيئة؛ لأنه الفاعل للحسنة والسيئة جميعاً، فلا يضاف إليه إلا بفعله لهما لا بفعل غيره. نصّ على هذه المقالة الإمام أبو الحسن شبيبُ بن إبراهيم بن محمد بن حيدرة في كتابه المسمى بحز الغَلاصم في إفحام المخاصم.
كيف يعقل أن يبوء القاتل بإثم المقتول مع أنه تعالى قال:
{ وَلاَ تَزِرُ وٰزِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ }
[فاطر: 18].
والجواب من وجهين: الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما وابن مسعود والحسن وقتادة رضي الله عنهم: معناه تحمل إثم قتلي وإثمك الذي كان منك قبل قتلي، وهذا بحذف المضاف، والثاني: قال الزجاج: معناه ترجع إلى الله بإثم قتلي وإثمك الذي من أجله لم يتقبل قربانك
وقال ابن كثير فى تفسيره:
وقوله: { إِنِّىۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّـٰلِمِينَ } قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي في قوله: { إِنِّىۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ } أي: بإثم قتلي، وإثمك الذي عليك قبل ذلك، قاله ابن جرير. وقال آخرون: يعني بذلك: إني أريد أن تبوء بخطيئتي، فتتحمل وزرها، وإثمك في قتلك إياي، وهذا قول وجدته عن مجاهد، وأخشى أن يكون غلطاً؛ لأن الصحيح من الرواية عنه خلافه، يعني: ما رواه سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد: { إِنِّىۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِى } قال: بقتلك إياي، { وَإِثْمِكَ } قال: بما كان منك قبل ذلك، وكذا رواه عيسى عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بمثله، وروى شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، { إِنِّىۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ } يقول: إني أريد أن يكون عليك خطيئتي ودمي، فتبوء بهما جميعاً.
(قلت): وقد يتوهم كثير من الناس هذا القول، ويذكرون في ذلك حديثاً لا أصل له: " ما ترك القاتل على المقتول من ذنب " وقد روى الحافظ أبو بكر البزار حديثاً يشبه هذا، ولكن ليس به، فقال: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا عامر بن إبراهيم الأصبهاني، حدثنا يعقوب بن عبد الله، حدثنا عتبة بن سعيد عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قتل الصبر لا يمر بذنب إلا محاه " وهذا بهذا لا يصح، ولو صح، فمعناه أن الله يكفر عن المقتول بألم القتل ذنوبه، فأما أن تحمل على القاتل، فلا، ولكن قد يتفق هذا في بعض الأشخاص، وهو الغالب، فإن المقتول يطالب القاتل في العرصات، فيؤخذ له من حسناته بقدر مظلمته، فإن نفدت، ولم يستوف حقه، أخذ من سيئات المقتول، فطرحت على القاتل، فربما لا يبقى على المقتول خطيئة إلا وضعت على القاتل، وقد صح الحديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المظالم كلها، والقتل من أعظمها وأشدها، والله أعلم
قوله تعالى: { جَعَلاَ لَهُ }: قيل: ثَمَّ مضاف، أي: جعل له أولادُهما شركاءَ، وإلا فحاشا آدم وحواء من ذلك، وإن جُعِل الضمير ليس لآدم وحواء فلا حاجة إلى تقديره. وقيل في الآية أقوال تقتضي أن يكون الضميرُ لآدم وحواء من غيرِ حَذْفِ مضاف بتأويل ذُكر في التفسير....
ومنهم من قال: هو مضروب بتشبيه داعي الكافر بالناعق،
ومنهم من قال: هو مضروب بتشبيه الداعي والكافر بالناعق والمنعوق به.
فعلى أن المثل مضروب بتشبيه الكافر بالناعق،
قيل: يكون التقدير: ومثل الذين كفروا في قلة فهمهم وعقلهم، كمثل الرّعاة يكلمون البهم، والبهم لا تعقل شيئاً.
وقيل: يكون التقدير: ومثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم التي لا تفقه دعاءهم، كمثل الناعق بغنمه، فلا ينتفع من نعيقه بشيء غير أنه في عناء ونداء، وكذلك الكافر ليس له من دعائه الآلهة وعبادته الأوثان إلا العناء.
قال الزمخشري: وقد ذكر هذا القول، إلا أن قوله: { إلاّ دعاء ونداء } لا يساعد عليه، لأن الأصنام لا تسمع شيئاً. انتهى كلامه. ولحظ الزمخشري في هذا القول تمام التشبيه من كلّ جهة، فكما أن المنعوق به لا يسمع إلا دعاء ونداء، فكذلك مدعو الكافر من الصنم، والصنم لا يسمع، فضعف عنده هذا القول. ونحن نقول: التشبيه وقع في مطلق الدعاء، لا في خصوصيات المدعو، فشبه الكافر في دعائه الصنم بالناعق بالبهيمة، لا في خصوصيات المنعوق به.
وقيل في هذا القول، أعني قول من قال التقدير: ومثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم وأصنامهم أن الناعق هنا ليس المراد به الناعق بالبهائم من الضأن أو غيرها، وإنما المراد به الصائح في جوف الجبال، فيجيبه منها صوت يقال له الصدا، يجيبه ولا ينفعه. فالمعنى: بما لا يسمع منه الناعق إلا دعاءه ونداءه، قاله ابن زيد. فعلى القولين السابقين يكون الفاعل بيسمع ضميراً يعود على ما، وهو المنعوق به. وعلى هذا القول يكون الفاعل ضميراً عائداً على الذي ينعق، ويكون الضمير العائد على ما الرابط للصلة بالموصول محذوفاً لفهم المعنى تقديره: بما لا يسمع منه، وليس فيه شروط جواز الحذف، لأن الضمير مجرور بحرف جر الموصول بغيره. واختلف ما يتعلقان به، فالحرف الأول باء تعلقت بينعق، والثاني من تعلق بيسمع. وقد جاء في كلامهم مثل هذا، قال: وقيل المراد بالذين كفروا: المتبوعون لا التابعون، ومعناه: مثل الذين كفروا في دعائهم أتباعهم، وكون أتباعهم لا يحصل لهم منهم إلا الخيبة والخسران، كمثل الناعق بالغنم.
وأمّا القول على أن المثل مضروب بتشبيه الكافر بالمنعوق به، وهو البهائم التي لا تعقل مثل: الإبل، والبقر، والغنم، والحمير، وهو قول ابن عباس وعكرمة وعطاء ومجاهد وقتادة والحسن والربيع والسدي. وأكثر المفسرين اختلفوا في تقديره مصحح هذا التشبيه،
فقيل التقدير: ومثل الذين كفروا في دعاتهم إلى الله تعالى وعدم سماعهم إياه، كمثل بهائم الذي ينعق، فهو على حذف قيد في الأول، وحذف مضاف من الثاني.
وقيل التقدير: ومثل الذين كفروا في عدم فهمهم عن الله وعن رسوله، كمثل المنعوق به من البهائم التي لا تفقه من الأمر والنهي غير الصوت. فيراد بالذي ينعق، الذي ينعق به، فيكون هذا من المقلوب عندهم. قالوا: كما تقول: دخل الخاتم في يدي والخف في رجلي. وكقولهم: عرض الحوض على الناقة، وأوردوا مما ذكروا أنه مقلوب جملة. وذهب إلى هذا التفسير أبو عبيدة والفراء وجماعة، وينبغي أن ينزه القرآن عنه، لأن الصحيح أن القلب لا يكون إلا في الشعر، أو إن جاء في الكلام، فهو من القلة بحيث لا يقاس عليه.
وأما القول على أن المثل مضروب بتشبيه داعي الكافر بالناعق، فيكون قوله تعالى: { ومثل الذين كفروا } هو على تقدير: ومثل داعي الذين كفروا. فهو على حذف مضاف، فلا يكون من تشبيه الكافر بالناعق، ولا بالمنعوق، وإنما يكون من باب تشبيه داعي الكافر في دعائه إياه بالناعق بالبهائم، في كون الكافر لا يفهم مما يخاطبه به داعيه إلا دويّ الصوت دون إلقاء ذهن ولا فكر، فهو شبيه بالناعق بالبهيمة التي لا تسمع من الناعق بها إلا دعاءه ونداءه، ولا تفهم شيئاً آخر. قال الزمخشري: ويجوز أن يراد بما لا يسمع الأصم الأصلخ، الذي لا يسمع من كلام الرافع صوته بكلامه إلا النداء والصوت لا غير، من غير فهم للحروف.
وأما على القول بأن المثل مضروب بتشبيه الداعي والكافر بالناعق والمنعوق به، فهو الذي اختاره سيبويه في الآية. إن المعنى: مثلك يا محمد ومثل الذين كفروا، كمثل الناعق والمنعوق به. وقد اختلف في كلام سيبويه فقيل: هو تفسير معنى لا تفسير إعراب، وقيل: هو تفسير إعراب، وهو أن في الكلام حذفين: حذف من الأول، وهو حذف داعيهم، وقد أثبت نظيره في الثاني، وحذف من الثاني، وهو حذف المنعوق به، وقد أثبت نظيره في الأول؛ فشبه داعي الكفار براعي الغنم في مخاطبته من لا يفهم عنه، وشبه الكفار بالغنم في كونهم لا يسمعون مما دعوا إليه إلا أصواتاً، ولا يعرفون ما وراءها. وفي هذا الوجه حذف كثير، إذ فيه حذف معطوفين، إذ التقدير الصناعي: ومثل الذين كفروا وداعيهم كمثل الذي ينعق والمنعوق به
وذهب إلى تقرير هذا الوجه جماعة من أصحابنا، منهم الأستاذ أبو بكر بن طاهر وتلميذه أبو الحسن بن خروف، والأستاذ أبو علي الشلوبين وقالوا: إن العرب تستحسنه، وإنه من بديع كلامها، ومثاله قوله تعالى:
{ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء }
[النمل: 12] التقدير: وأدخل يدك في جيبك تدخل، وأخرجها تخرج بيضاء، فحذف تدخل لدلالة تخرج، وحذف وأخرجها لدلالة وأدخل...
وقال ابن كثير فى تفسيره:
{ وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي: فيما هم فيه من الغي والضلال والجهل كالدواب السارحة التي لا تفقه ما يقال لها، بل إذا نعق بها راعيها، أي: دعاها إلى ما يرشدها، لا تفقه ما يقول، ولا تفهمه، بل إنما تسمع صوته فقط. هكذا روي عن ابن عباس وأبي العالية ومجاهد وعكرمة وعطاء والحسن وقتادة وعطاء الخراساني والربيع بن أنس نحو هذا.
وقيل: إنما هذا مثل ضرب لهم في دعائهم الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل شيئاً، واختاره ابن جرير، والأول أولى؛ لأن الأصنام لا تسمع شيئاً، ولا تعقله ولا تبصره، ولا بطش لها ولا حياة فيها...
أظهرُها: أن يتعلَّقَ بيتفكرون على معنى يتفكرون في أمرهما، فيأخذونَ ما هو الأصلحُ، ويُؤْثِرُون ما هو أبقى نفعاً.
والثاني: أن يتعلَّقَ بـ " يبيِّن " ويُرْوَى معناه عن الحسن، وحينئذٍ يُحْتَمَلُ أن يُقَدَّر مضافٍ، أي: في أمرِ الدنيا والآخرة، ويُحْتَمل ألاَّ يقدَّرَ، لأنَّ بيانَ الآيات وهي العلاماتُ يظهرُ فيها....
وقال ابن عاشور فى التحرير والتنوير:
{ لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة } أي ليحصل للأمة تفكر وعلم في أمور الدنيا وأمور الآخرة، لأن التفكر مظروف في الدنيا والآخرة، فتقدير المضاف لازم بقرينة قوله { والآخرة } إذ لا معنى لوقوع التفكر يوم القيامة ...
وقال ابن الأنباري: في الآية حذف واختصار، والتأويل: حتى يتبين لهم ما يتقون، فلا يتقونه، فعند ذلك يستحقون الضلال؛ فحذف ما حذف البيان معناه، كما تقول العرب: أمرتك بالتجارة فكسبتَ الأموال؛ يريدون: فتجرت فكسبت.
المسألة الأولى: ذكروا في قوله: { وَلاَ يَأْتَلِ } وجهين: الأول: وهو المشهور أنه من ائتلى إذا حلف، افتعل من الألية، والمعنى لا يحلف،
قال أبو مسلم هذا ضعيف لوجهين:
أحدهما: أن ظاهر الآية على هذا التأويل يقتضي المنع من الحلف على الإعطاء وهم أرادوا المنع من الحلف على ترك الإعطاء، فهذا المتأول قد أقام النفي مكان الإيجاب وجعل المنهي عنه مأموراً به؛
وثانيهما: أنه قلما يوجد في الكلام افتعلت مكان أفعلت، وإنما يوجد مكان فعلت، وهنا آليت من الألية افتعلت. فلا يقال أفعلت كما لا يقال من ألزمت التزمت ومن أعطيت اعتطيت، ثم قال في يأتل إن أصله يأتلي ذهبت الياء للجزم لأنه نهى وهو من قولك ما آلوت فلاناً نصحاً، ولم آل في أمري جهداً، أي ما قصرت ولا يأل ولا يأتل واحداً، فالمراد لا تقصروا في أن تحسنوا إليهم ويوجد كثيراً افتعلت مكان فعلت تقول كسبت واكتسبت وصنعت واصطنعت ورضيت وارتضيت، فهذا التأويل هو الصحيح دون الأول، ويروى هذا التأويل أيضاً عن أبي عبيدة.
أجاب الزجاج عن السؤال الأول بأن (لا) تحذف في اليمين كثيراً قال الله تعالى:
{ وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَـٰنِكُمْ أَن تَبَرُّواْ }
[البقرة: 224] يعني أن لا تبروا، وقال امرؤ القيس:
فقلت يمين الله أبرح قاعدا ولو قطعوا رأسي إليك وأوصالي
أي لا أبرح، وأجابوا عن السؤال الثاني، أن جميع المفسرين الذين كانوا قبل أبي مسلم فسروا اللفظة باليمين وقول كل واحد منهم حجة في اللغة فكيف الكل، ويعضده قراءة الحسن ولا يتأل.