أخوكم قال:
الأخ كثير وجليل الفوائد أبو عبد المعز أعزه الله
1- أعتذر لك عن التأخير الكثير
2- قلتَ بأن في الآية ثمة يأسيين :
ثمة يأس من العثور على يوسف وأخيه.
ثمة يأس من روح الله.
ثم بنيتَ بقية كلامك على وجود هذين اليأسيين ... ولكننا عند التأمل لا نجد إلا يأسا واحدا وهو اليأس من روح الله
وما كان هذا اليأس إلا بعد الأمر بالتحسس من يوسف وأخيه
3- أعرض عليك مستشيرا ما أرى أنه أفضل جواب للخروج من الإشكال في الآية
ومن خلال بعض كتب التفسير وخلاصته:
أن الآية على ظاهرها فاليأس هنا هو يأس محرم موقع للكفر كما ظاهر الآية
ولكن هذا اليأس له قرائن جعلته محرما بل كفرا ، وإلا فالأصل في هذا اليأس هو الجواز
أما القرائن فمن ذلك قول يعقوب عليه السلام في الآية التي قبلها مباشرة:
وأعلم من الله ما لا تعلمون
.
وبالتالي لو عدنا لسؤال الموضوع لوجدنا جوابه بأنه :
إذا فقد أحدنا شيئا ويئس أن يجده صار يأسه جائزا
إلا إذا كان لديه علم من الله فسينقلب اليأس الجائز إلى محرم وكفر كما في آية سورة يوسف.
فهذه الآية ( إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون )
آية مستثناة في الأمور المفقودة
فلا ينبغي استدلال كثير من الناس بها إذا فقدوا شيئا
4- ملاحظة : بما أن أي مسألة يكفي فيها دليل واحد
فسواء كان هذا العلم الذي عند يعقوب هو الرؤيا التي رآها يوسف _ ورؤيا الأنبياء حق_
أو كان علما منفصلا كدليل أولي ، والرؤيا دليل ثانٍ
ففي كلا الحالين سنكسب إما دليلين أو دليلا واحدا
والمسألة يكفيها دليل واحد ، فالحمد لله رب العالمين
والله أعلم وأجل وأحكم
الحقيقة ايها الاخ الكريم, لقد أثار سؤالك الكثير من القضايا, وارجو ان يتسع صدرك لما سأقول .. صحيح اني لا املك اجابة شافية, لكن اطرح بعض الاسئلة التي قد تعين على التدبّر, ولعل هناك أمورا خفيت عليّ فأجد جوابها عندك او عند بعض الاخوة ..
1- هل الربط بين الموضوع والاية مشروع؟ أقصد انك سألت: اذا فقد أحدنا شيئا فهل اذا يئس أن يجده صار يائسا من روح الله وصار من الكافرين .. فهل يصح الربط بين فقدان الشيء وبين هذه الاية؟
الاية تقول: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } (87) سورة يوسف
السؤال هنا: هل أخو يوسف يعدّ مفقودا هنا؟ فالاخوة والاب يعلمون انه عند الملك .. اذا فأخو يوسف بهذا المعنى لا يعد مفقودا ..ّ
لننتقل الان الى يوسف عليه السلام:
هل يوسف يعدّ مفقودا هنا؟ أقصد ان يوسف بالنسبة للاخوة قد يعدّ مفقودا حيث هم اعلم اين وضعوه وقد يكونون استفقدوه بعد ذلك فلم يجدوه .. على أية حال, الاخوة جاءوا الاب حينها يقولون ان الذئب قد أكله .. لا يوجد في السياق القرآني ان الاخوة قد اعترفوا للاب بفعلتهم, فمن ثم ان توجيه الطلب من الاب للاخوة بأن يبحثوا عن يوسف قد يحمل على توجيه اتهام من الاب للاخوة بأن قصتهم القديمة عن يوسف غير صحيحة أكثر من حمله على البحث عن شيء مفقود, والاّ فان قبول الاخوة البحث عن يوسف هو اقرار منهم بفعلتهم القديمة, وهذا ما لا يشير اليه النص, بل ان السياق القرآني يشير الى ان الاخوة ما زالوا يكنّون ليوسف الحسد القديم: {قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ} (77) سورة يوسف ممّا يعني استبعاد ان يكونوا قد اعترفوا لأبيهم بفعلتهم, حيث ان الاعتراف قد يثير عليهم اباهم أكثر,وكيف يفعلون ذلك وهم قد أبعدوا يوسف كي ينالوا حظوة اكبر عند ابيهم: {إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} (8) سورة يوسف .. يضاف الى هذا ما جاء في نهاية القصة بعد ان جمع الله الجميع بيوسف: {قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} (97) سورة يوسف
كل هذا يجعلنا نستبعد ان يكون طلب يعقوب من اولاده طلبا عن شيء مفقود ..
2- لقد قلت ايها الاخ الكريم:
فالنبي الكريم بن الكريم يعقوب بن إبراهيم عليهما السلام لديه علمُ من الله بأنه سيجد يوسف
فحالئذ وجب التصديق بهذا العلم فصار اليأس الجائز هنا محرما بل موقع في الكفربسبب هذا العلم ..
نقول: هذا العلم وان كان صادقا في حق يعقوب عليه السلام وحتى ولو حملنا علم يعقوب في هذه الاية على علم ما سيكون في المستقبل, الاّ ان هذا لا يصدق على أبنائه, فأبناء يعقوب قد لا يكون حصل عندهم العلم بما سيكون, بل العلم هنا قد يكون محصورا فقط بيعقوب عليه السلام, واذا كان الامر كذلك فلا ينطبق عليهم قول اليأس المحرّم ..