الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وبعد.
***
صاحب الفضيلة
الشيخ عبد الحكيم عبد الرازق حفظه الله
لن أقول لفضيلتكم إنَّ المسألة – في تقديري إن كان يصحُّ لمثلي تقدير – (محسومة) لصالح الإطباق، فالبداية بالحكم ثم محاولة التدليل عليه هي هي ما عابه علماؤنا حين نعوا على بعض أهل العلم أنَّهم يعتقدون ثم يستدلون، والصواب في منهج مريدي الحقِّ أن يستدلوا ثمَّ يعتقدوا بمُؤدَّى الدليل.
وربَّما تكونون فضيلتكم قد قضيتكم شطرًا من عمركم المبارك في دراسة تلك المسألة حتى انتهيتم إلى ذلك (الحسم)، ولكنَّ غيركم من أهل العلم الأفاضل قد قضوا من أعمارهم أوقاتًا مماثلة، فانتهَوا إلى غير ما انتهيتم إليه. فرأيي ألا نَصِفَ اجتهادَنا بذلك (الحسم)، وإلَّا؛ فالتحكم بالأوصاف الضخام يجيده كلُّ أحدٍ - كما قلتُ في المشاركة السابقة – والصواب أن نعرض وجهة نظرنا ونترك للعلماء وطلاب العلم المميِّزين الحكم عليها.
وفي الوقت نفسه – حتى تُحسم المسألة عن حقٍّ - فليُقرئ ْكلٌّ بما قرأ، فإن كان قد قرأ بالإطباق وبالفرجة كليهما، وهو من أهل النظر السديد – بشرط امتلاك أدوات هذا النظر -
فليجتهد في ترجيح قولٍ يُقرئُ به، حتى لا تتشعَّب المسألة فبعد أن كان يجب أن تكون على وجهٍ واحدٍ هو الحقُّ الذي لا يتعدد = صارت إلى ثلاثة أوجه هي الفرجة والإطباق والتخيير! وربما تولَّد من هذا الجدل العقيم وجه رابعٌ وخامسٌ وهلمَّ جرًا.
وهذا الكلام أقوله للناظرين في هذه المسألة من طلاب العلم الذي يبدأون بالحسم فيُصنِّف أحدهم معنونًا؛ مثلًا: (إقامة الحجة على من أنكر الفرجة!) ويفتتح الآخر مقدمة رسالته في الانتصار للفرجة بالرد على المعتزلة الذي يقدمون الأدلة العقلية على النقلية، وأنا أحاول أن أفهم: ما علاقة تلك المقدمة الاعتقادية بمسألة الإطباق والفرجة، فإذا به – لما تقاصر به اجتهاده عن الردِّ على الأدلة العقلية التي تنصر الإطباق – لم يَبق له إلا التشبث بأنَّ ذلك اعتزالًا؛ لأنَّ فيه تقديمًا للعقل على النقل على مذهب المعتزلة! ولاحظ أن هذا كله في العنوان أو المقدمة... فماذا بقيَ ليقال في متن الكتاب؟!!
وليس ذلك مقصورًا على أهل الفرجة (ابتسامة عريضة) فكذلك من أهل الإطباق مَن يتعصَّب في الردِّ حتى إنَّ هلو طُلب إليه التصنيف في المسألة لَعَنْوَنَ لمصنَّفه المنتظر قائلًا:
(عليَّ الطلاق إخفاء الميم قبل الباء بالإطباق)
ولسان حالهم: ولِمَ باؤُكَ تجرُّ وبائي لا تجرُّ؟!! (ابتسامة)
وبلغ من تعصُّب أحدهم أن يقول [في حالة غضبٍ وهو لا يعتقد ذلك قطعًا إذ إنِّي أحسبه من الأفاضل الأخيار والله حسيبه ولا أزكِّي على الله أحدًا] قال: والله؛ لو سمعتُ عاصِمًا أو ابنَ العلاء يقرآنِها بـ(كذا) لرددتُّ عليهما قراءتهما!!
وهذا يجب ألا يقال، ولا على سبيل التيئيس للمخالف، فلا يقال (وقد قيل لأسف) للمُخالف: أنتم يا أهل (كذا) لو سمعتُم جبريل يقرؤها (بكذا) ما صدَّقتم ولا اقتنعتم!!! فإن لم يكن هذا تكفيرًا فما أدري ما هو التكفير...
أما بخصوص الردِّ الذي أحالني عليه فضيلة الشيخ عبد الحكيم حفظه الله فليس هذا مقام التعليق المفصَّل عليه، وسيكون ذلك – إن قدَّر الله لي وأذن – من خلال موضوع مفصَّل، هو في الأصل رسالة مختصرة كنتُ كتبتها لنفسي أولًا منذ فترة ونُشرت – تصويرًا مخطوطًا - على نطاق محدود بعنوان: (المنهج القويم في بيان كيفية إخفاء الميم) حاولتُ فيها أن أؤصِّل منهج النظر في المسألة، ويعلم الله – عزَّ وجلَّ – أنِّي لم أكن متحيِّزًا في حرفٍ كتبتُه لأحد القولين، وقد راجعتُ هذه الرسالة على فترات – وما زلتُ – مُنقِّحًا ومُعدِّلًا ومُضيفًا، وحين أنتهي منها – إن شاء الله - على وجهٍ أرتضيه سأضيفها في موضوع مستقلِّ.
وفي الختام يبقى رجاءان:
الرجاء الأوَّل: أن نُغلق الباب في هذه المسألة ها هنا ، فقد أُشبِعَت قولًا، في موضوعات مُستقلة، وما أظنُّ فضيلة الشيخ المبجل سليم ربيع كان يهدف - في جملة ما يهدف بهذا الموضوع - إلى إثارتها ها هنا، فهو قد اجتهد في جمع المواضع، متغاضيًا عن الإشارة من قريب أو بعيد إلى كيفية الأداء، ولذلك فالأَوْلى – من وجهة نظري القاصرة – أن يُنقِّحَ شيخُنا الحبيبُ محمد حسن بوصو نظمَ الأبيات؛ متغاضيًا – هو أيضًا – عن الإشارة إلى تلك المسألة.
الرجاء الثاني: إلى فضيلة شيخي الكريم الذي تعلمتُّ الكثير من موضوعاته القيمة فضيلة الشيخ عبد الحكيم عبد الرازق، والذي أشهد الله أني أحبه في الله، وأسأله سبحانه وتعالى، أن يُقدِّرَ لي ويُيسِّرَ لقيا فضيلته ونيل شرف التتلمذ والقراءة على يديه (بس من غير فرجة/ قصدي من غير ما يفرَّج الناس عليَّ.... ابتسامة كبيرة).
وأرجو ألا يظنَّ بي سوءَ أدبٍ أو تطاولًا على مقامِ فضيتله، فوالله ليس ذلك من قصدي ولا خُلقي، فإن كان ظاهر الكلام – ربَّما يحمل بعض الجفاءِ، فوالله ما عمدتُ ذلك ولا ركبتُ إليه صعبًا ولا ذلولًا، ولكنها كلماتٌ عفو الخاطر في النُّصح لأهل القرآن في مسألة طالما تسبَّبت في أن يرمي بعض طلاب العلم بعضًا بالاعتزال أو الابتداع أو التقليد الأعمى أو التعصُّب أو عدم الفهم... إلى غير ذلك من التُّهم التي يجب أن يترفَّع عنها أهل العلم، وخصوصًا أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
***