لأن ورشا لا ينقل إلى ميم الجمع
ومن المضحكات المبكيات أني كنت حاضرا يوما مع أحد المتصدرين للإقراء! فكانت تقرأ عليه إحدى الأخوات عبر النت، وألح علي في الحضور، فكان يقرئ رواية ورش وهو لا يتقنها، فقرأت عليه الأخت: "عليكم أنفسكم" بإسكان ميم الجمع الأولى، فقال لها الشيخ: انقليي حركة الهمزة، فقرأ: عليكمَ اَنفسكم. والله المستعان.
وكنت حاضرا مع آخر، وهو ممن سجل مصحفا كاملا بالمغرب، فكان يقرئ سورة التكاثر، وقال: الهمزة في "ألهاكم" همزة وصل تسقط في الدرج، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم الهاكم...والله المستعان.
وقال ابن الباذش في الإقناع: وذكر أبو بكر بن أشته قال: وقال إبراهيم النقاش في تصنيفه في قراءة نافع: وإن أردت ترك همزة الألف وأنت تريد مذهب نافع وأصحابه فأتبع الميم بالهمزة، إن كانت مضمومة فأشمها الرفعة، وإن كانت مفتوحة فمثلا، وإن كانت مكسورة فكذلك نحو قوله: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} [البقرة: 78] و {كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة: 28] ، و {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ} [الإسراء: 54] وكذلك ما كان من نحوه في كل القرآن، قال: وهي لغة قريش وكنانة.
قال ابن أشته: وإنما يريد ذلك مع تسكين الميم وترك إثبات الواو بعدها، ويعني بالإشمام إلقاء حركة الهمزة على الميم وتحريكها بها، ولم أر أحدا كان يأخذ بشيء من ذلك، ولا بلغني.
قال أبو جعفر: وقد أجاز أبو إسحاق الزجاج نقل حركة الهمزة إلى ميم الجميع على وفق ما ذكر إبراهيم النقاش فقال في "المعاني": وإذا نقلت حركة الهمزة, قلت: "عليهمُ أنْذرتهم". وسألت عن هذا أبا عبد الله محمد بن أبي العافية النحوي فأجازه لي, وقال لي: قد قرئ في غير السبع، وكتب لي بذلك خط يده بحضرتي.
وقال لي أبي -رضي الله عنه: هذا ذهاب عن الصواب الذي عليه الخليل وسيبويه وسائر النحويين المتقدمين. والقول في ذلك أن ورشا إنما ضم ميم الجميع مع الهمزة للإشعار بأنه قصد إلى أصله، من تخفيف الهمزة ونقل حركتها إلى الساكن قبلها في مثل: {هَلْ أَتَاكَ} ، و {مِنْ إِمْلاقٍ} [الأنعام: 151] ، و {فَقَدْ أُوتِيَ} [البقرة: 269] فاعترضه أن ميم الجميع لا تحرك عند الحاجة إلا بحركتها، لا بحركة التقاء الساكنين ولا بحركة غيرها، وإنما تحرك بحركة أصلها في نحو: {عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ} [البقرة: 61] , [آل عمران: 112] ، و {إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ} [يس: 14] فصرفته حركة الأصل عما قصد إليه من نقل الحركة إليها.
وهذا أحد الأحكام التي يقصدها المتكلم فتعترضه الأصول، فلا يصل إليها مخافة الإحالة في معارضة الأصول.