إثبات صحة إمالة كلمة ((البارئ)) والرد على بعض الأفهام السقيمة

د. أنمار

New member
إنضم
30/03/2004
المشاركات
741
مستوى التفاعل
3
النقاط
18
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا محمد إمام المتقين وقائد الغر المحجلين وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد فإن العمر يمضي ولا ينفع المرء إلا توجهات أخلص فيها لربه أوعلم يتركه بعده مما ينتفع به، وسيقف الواحد بين يدي ربه ليس بينه وبينه ترجمان.

وإني قد طلب مني الرد بأسلوب علمي على جنايات وافتراءات ارتكبت في حق القراءات العشر بحجة تنقيتها مما دخل على على القراءة من طريق القياس وأن هذه الرواية بزعمهم لم ترد ولم تصح،
وبعض هؤلاء الأغمار إنما هم أنصاف متعلمين، لم يتمكنوا في العلم ولم يتقنوه وظنوا بأنهم يقارعون ابن الجزري والشاطبي. وما هم إلا وبال على أهل القراءات بطيشهم وجهلهم العريض.

وبما أن الوقت عندي أهم من أن يضيع في المهاترات والقيل والقال أحببت أن أضرب مثالا واحد يوضح حقيقة جهل بعضهم واللبيب من الإشارة يفهم إذ بالجزء يستدل على الكل

قال المدعي:
وأما اختيارات المصنفين التي تدعو إلى الاستغراب فمنها اختيار ابن مجاهد في بداية القرن الرابع إمالة البارئ الحشر24 لدوري الكسائي قياسا على إمالته حرفي البقرة بارئكم فهذا الاختيار مبك حقا لأنه قراءة حرف من كتاب الله بأداء لم ينزل به جبريل من عند الله على النبي الأمي إذ قرأ جميع القراء والرواة حرف الحشر بالفتح الخالص وإنما ألحقه ابن مجاهد بأحرف اختص الدوري عن الكسائي وتفرد بإمالتها قال في النشر ( 2/39 ) وقال الداني في جامعه لم يذكر أحد عن البارئ نصا وإنما ألحقه بالحرفين اللذين في البقرة ابن مجاهد قياسا عليهما سمعت أبا الفتح يقول ذلك اهـ .
قال : وهو كذلك في جامع البيان للداني (1/469) والله المستعان .
اهـ الكلام وفيه ما فيه.

الرد:

أولا آفة بتر النصوص:

أقول هذا مثال واضح لمن يتتبع السقطات والشبهات ويترك اليقين الواضح
فالنص المذكور أعلاه مشكل لكن المدعي نقله مبتور البداية. فقد أثبت الإمام ابن الجزري قبل تلك العبارة ضعفها وأن الصواب خلافها بقوله:
واختلف عنه في (البارئ المصور) من سورة الحشر فروى عنه إمالته، وأجراه مجرى (بارئكم) [mark=FFFF00]جمهور المغاربة[/mark] وهو الذي في تلخيص العبارات والكافي والهادي والتبصرة والهداية والعنوان والتيسير والشاطبية وكذلك رواه من طريق ابن فرح أعنى عن الكسائي صاحب التجريد والإرشادين والمستنير وغيرهم. ورواه عنه بالفتح خصوصاً أبو عثمان الضرير وهو الذي في أكثر كتب القراآت ونص على استثنائه الحافظ أبو العلاء وأبو محمد سبط الخياط وابن سوار وأبو العز وغيرهم [mark=FFFF33]والوجهان صحيحان عن الدوري[/mark]. وقال الداني في جامعه لم يذكر أحد عن البارئ نصا وإنما ألحقه بالحرفين اللذين في البقرة ابن مجاهد قياساً عليهما، سمعت أبا الفتح يقول ذلك انتهى.

وكأن العبارة [وإن قال الداني في جامعه ...]
فأول الكلام يقرر صحة الوجهين، أي ولا عبرة بما بعد ذلك.

ثانيا:
المدعي المتشبع بما لم يعط يتظاهر بالتحقيق، ولو كان كذلك لبحث عن صحة هذه العبارة.
لأن من أسند فقد أحالك. وهنا الداني وبعده ابن الجزري أحالا على القائل وهو أبو الفتح فارس بن أحمد بن موسى وترجمته في غاية النهاية ج 2 ص 5 ومعرفة القراء ج 1 ص 379 وقد ولد عام 333 وتوفي عام 401 هـ
أما ابن مجاهد فهو أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد ولد عام 245 وتوفي عام 324 هـ
فالسند منقطع بمفازة تقدر بـ 7 سنوات والناقل عن ابن مجاهد مجهول وعليه فالعبارة ساقطة لا قيمة لها عند التحقيق العلمي المحايد.


ثالثا:
ابن مجاهد نفسه لم يرو الإمالة إنما روى الفتح في كلمة البارئ كما في كتابه السبعة ص 150
وهذا يهدم العبارة التي تنسب له التغيير من أصلها.


رابعا :
قال الداني:
وعلة الكسائي في جمعه في حرفه بين الإمالة والفتح (أي القراءة بالوجهين )في ذلك أنه أراد الجمع بين اللغتين وأن يرى جواز اللغتين، هذا مع ما اتبعه في ذلك من [mark=FFFF00]الأثر الثابت لديه عن أئمته فاعتمد عليه[/mark].
ص 72 الفتح والإمالة

خامسا:
بالاستقراء السريع لبعض كتب القراءات المتوفرة يظهر أن الإمالة وصلت إلى العلماء الأوائل بعشرات الأسانيد التي تمر بغير ابن مجاهد

- رواها عن الدوري مباشرة من تلامذته كل من ابن فرح وأبو عثمان والمنقي وابن بكار وأبو الزعراء وابن بدر والبلخي وغيرهم كثير

وانظر ذلك في المستنير لابن سوار ج 2 ص 482
والروضة للمالكي ج 1 ص 371
والمبهج لسبط الخياط ج 3 ص 369
الاختيار له ص 752
والكنز للواسطي ج 1 ص 309
والكفاية الكبرى لأبي العز القلانسي ص 393
والإرشاد له ص 588
والتبصرة لمكي ص 378
والكشف له ج 1 ص 170
والمنتهى للخزاعي ص 206
والوجيز للأهوازي ص 109
والتجريد لابن الفحام ص 172
والعنوان لابن خلف ص 60
والاكتفاء له ص 57
والتبصرة لعلي بن فارس الخياط ص 530
والتلخيص لأبي معشر ص 179
والمصباح الزاهر للشهرزوري ص 78 وص 39 وفيها أشار إلى رواية إمالتها عن 9 من تلامذة الدوري

ولذا حق للباحث الشيخ أمين محمد الشنقيطي أن يقول عن إمالة بارئكم والبارئ هما متواتران عن الدوري (ص 379 من رسالة الانفرادات له)


سادسا:
- أقول لم ينفرد الدوري بروايتها عن الكسائي فقد رواها أيضا نصير وقتيبة وغيرهما وهما ليسا من طريق النشر
وانظر التذكرة لابن غلبون ص 192
والكامل للهذلي ورقة 89
الفتح والإمالة للداني ص 68

سابعا:
- لم ينفرد من العشر الكسائي بإمالتها بل نقلت إمالتها عن ابن ذكوان من غير طريق النشر
عن محمد بن موسى عن ابن ذكوان
المبهج لسبط الخياط ص 369 ج 3

ثامنا:
- لم ينفرد قراء العشر (أقصد الكسائي وابن عامر ) بل أمالها الأعمش من رواية ابن شنبوذ
كما في المصباح الزاهر ص 48 ج 2

تاسعا:
وعلى فرض صحة العبارة المنسوبة لابن مجاهد مع أنه صرح بالفتح في كتاب السبعة أقول تنزلا على فرض صحة ما اجتهد فيه، أقول هو اجتهاد من إمام عالم حيث غاب عنه النص فاستظهر الإمالة قياسا على ما ثبت لديه، فكان موافقا للمروي الثابت الصحيح، فيكون من التوفيقي الموافق للتوقيفي.


وأختم قائلا بأن مشكلتنا في بعض أنصاف المتعلمين المتجرئين على كتاب الله ببضاعة مزجاة ونظر سقيم، ولا يغرنك العبارات التي يطلقونها بأنهم طلبة علم ويبحثون عمن يرشدهم، فإنهم في ضلال بما يطلقون من الأحكام على كتاب الله وبما يخطئون به أئمة الهدى من أهل الله وخاصته.
وكان يكفيهم أن يتبنوا طريقة القراءة بالحرف كما هو حال الأعاجم في مشرق العالم الإسلامي ويتركوا أهل التحريرات في خدمتهم وإخلاصهم لكتاب الله بدل أن يكونوا عونا لأعداء القرآن.

وكم من عائب قولا صحيحا،،، وآفته من الفهم السقيم
ولكن تأخذ الآذان منه ،،، على قدر القريحة والفهوم

وصلى الله وسلم على سيدنا وشفيعنا وقرة أعيننا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والله المستعان وعليه التكلان.
 
السلام عليكم

جزاك الله أخي الشيخ أنمار على هذا التوضيح وقد كنت بصدد الخوض في هذا البحث فإذا بكم أجدتّم ووفيتم بالمطلوب والمرغوب.

لسنا ضدّ التحقيق العلمي ولكنّ التسرّع في الاعتراض على المنهجية التي انتهجها أئمّة القرن الرابع والخامس والتي تبنّاها إمام الفنّ ابن الجزري رحمه الله تعالى بإقراره لما جنحوا إليه من المسائل القياسية الاجتهادية هذا هو المشكل الكبير الذي واجبنا التصدّى له بالحجّة والدليل. ولو كان الاعتراض مجرّد نقد لبعض المسائل الجزئية لكان مسلّماً إن كان بالعلم والحجّة ولكن الاعتراض على منهجّية سار عليها الأئمّة المعتبرين ، فهذا من التسرّع. وسأتعرّض إن شاء الله تعالى إلى هذه المسائل جزئيّة جزئيّة.
 
عودة
أعلى