نجومُ القرآن:
وهل مِن أحدٍ من العلماء اجتهد لمعرفة عددِ نجوم القرآن؟
لا أعلمُ أحدًا بحث في هذا الموضوعِ منْ قبْلُ على الإطلاقِ، وإن كانَ ثمةَ مباحثُ ذاتُ صلةٍ بهِ، وتساعدُ في تحديدِ عددِ تلكَ النجومِ، أو تقريب منها، مثل أين ومتى نزلت الآيات والسور، وكذا التقسيم الموضوعيِّ لآيات القرآن الذي أفرز مصاحف موضوعيَّة.
سأمهِّد بمختصرٍ جيد أثبتهُ السيوطيُّ في الإتقان:
"الَّذِي اسْتُقْرِئَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَغَيْرِهَا: أَنَّ الْقُرْآنَ كَانَ يَنْزِلُ بِحَسْبِ الْحَاجَةِ: خَمْسُ آيَاتٍ وَعَشْرُ آيَاتٍ وَأَكْثَرُ وَأَقَلُّ، وَقَدْ صَحَّ نُزُولُ الْعَشْرِ آيَاتٍ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ جُمْلَةً، وَصَحَّ نُزُولُ عَشْرِ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ ( الْمُؤْمِنُونَ ) جُمْلَةً، وَصَحَّ نُزُولُ
{غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} (النِّسَاءِ 95) وَحْدَهَا، وَهِيَ بَعْضُ آيَةٍ. وَكَذَا قَوْلُهُ:{
وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} (التَّوْبَةِ:28) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، نَزَلَتْ بَعْدَ نُزُولِ أَوَّلِ الْآيَةِ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ، وَذَلِكَ بَعْضُ آيَةٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي كِتَابِ "الْمَصَاحِفِ"، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ بِمَوَاقِعِ [الْوَاقِعَةِ : 75] قَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ نُجُومًا ثَلَاثَ آيَاتٍ، وَأَرْبَعَ آيَاتٍ، وَخَمْسَ آيَاتٍ. وَقَالَ النِّكْزَاوِيُّ فِي كِتَابِ "الْوَقْفِ": كَانَ الْقُرْآنُ يَنْزِلُ مُفَرَّقًا، الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ وَالْأَرْبَعَ، وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ، مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: كَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ خَمْسَ آيَاتٍ بِالْغَدَاةِ وَخَمْسَ آيَاتٍ بِالْعَشِيِّ، وَيُخْبِرُ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ بِالْقُرْآنِ خَمْسَ آيَاتٍ، خَمْسَ آيَاتٍ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَلْدَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ خَمْسَ آيَاتٍ خَمْسَ آيَاتٍ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَنْزِلُ بِالْقُرْآنِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا خَمْسًا.
وَمِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ خَمْسًا خَمْسًا إِلَّا سُورَةَ الْأَنْعَامِ، وَمَنْ حَفِظَ خَمْسًا خَمْسًا لَمْ يَنْسَهُ.
فَالْجَوَابُ : أَنَّ مَعْنَاهُ - إِنْ صَحَّ إِلْقَاؤُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الَقَدْرَ حَتَّى يَحْفَظَهُ، ثُمَّ يُلْقِي إِلَيْهِ الْبَاقِي، لَا إِنْزَالُهُ بِهَذَا الَقَدْرِ خَاصَّةً. وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: قَالَ لَنَا أَبُو الْعَالِيَةِ: تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ خَمْسَ آيَاتٍ، خَمْسَ آيَاتٍ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ جِبْرِيلَ خَمْسًا خَمْسًا." انتهى.
حسابٌ تقريبيٌّ لمتوسطِ ما كان ينزل في النَّجْم الواحِدِ:
إذا اعتمدنا على الآثارِ تفيد بنزولِ القرآنِ نجومًا كلٌّ منها خمس آياتٍ.
6236 آية مقسومة على
5 آيات للنجم، فنحصل على:
1247 نجمًا.
وبقسمة العددِ الأقصى لأيام البعثة (
8165 يومًا) على العدد الافتراضيِّ للنجوم (
1247 نجمًا) نجدُ:
6.54 يومًا لكلِّ نجمٍ.
أيْ أنَّ:
معدَّل تنزلِ القرآنِ كانَ نجمًا واحدًا بخمس آياتٍ كلَّ أُسْبوعٍ.
وهذا لا يعْدو أن يكونَ معدَّلا حسابيًّا نظريًّا خاليًا من الإسقاط الواقعيِّ الصَّحيحٍ، بسببِ:
- نزول القرآن كما في كلام السيوطيّ آية وآيتَينِ وثلاثًا وأربعًا وخمسًا وسورةً من القصارِ، وعشرًا وأكثر من ذلك، وسورةً من الطوالِ جملةً واحدةً كالأنعام (165 آية)
[1].
- مرور مُدَدٍ تتسمُ بفترةِ الوَحي كما دلّت عليه الروايات والآثارِ.
___
إنَّ ما يساعدُ على تحديدِ مواقع النجوم القرآنية (بدئِها ونهايتِها وعددِها الإجمالي وتاريخها) هوَ:
-
الرِّواية: ويمكنُ أن نجدَ من المروياتِ:
-
الصريحة الواضحة في تحديد نجم قرآني، مثل الآيات الخمس الأوَلِ من العلق.
-
القابلة للاستنباط منها: كتضاربِ آراء المفسرينَ في المكيّ والمدنيِّ في أغلب السُّور، ومثاله اختلافهم في سورة القلم
[2]،لأن هذا الاختلاف جرَّ فائدةً عظيمةً هي اتفاقهم على بداية ونهاية النجوم المتنازع عليها:
-
{ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)} نهاية نجم.
-
{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا (17)} بداية نجم،
{ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33)} نهاية نجم.
-
{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ (34)} بداية نجم، {
فَهُمْ يَكْتُبُونَ} (القلم 47) نهاية نجم.
- {
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ (48)} بداية نجم، {
فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50)} نهاية نجم.
-
الدراية: ومن القواعدِ التي يمكن تطبيقها:
- لا يمكن الفصل بين الشرط وجوابه، مثل قوله سبحانه:
{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) ...... عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ } (التكوير 1 - 14).
- لا يمكن الفصل بين القسم وجوابه، مثل قوله سبحانه:
{وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) ......إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} (المرسلات 1 - 7).
- لا يمكن الفصل بين الصفة والموصوف، مثل قوله سبحانه: {
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} (التكوير 19 - 20).
إلا أن يرد بالرواية الصحيحة دليلُ الاستثناء.
-
طولُ الآياتِ في النجم الواحد و
وزنُ الكلِم في الآية، و
فاصلةُ الآيةِ يكادُ يكونُ متقاربًا في الفترة المكية على وجْه الخصوص. مثل: أوائل العلق الخمسة ثم مايليها، وأوائل المدثرالسبعة ثم ما يليها.
-
حصر زمان النزول بالنظر إلى موضوع السورة أو الآيات، ومثاله سورة البروج التي فيها صورة الأذى والتنكيل بالمؤمنينَ، فعلى هذا يغلب الظن أنها نزلتْ بعد الفترة السِّرِّية (السَّنة الثَّالثة من البعثة)، إلا أن تكونَ نزلت قبل ذلك تمهيدا وتوطئة وتهيئة للمؤمنين لما يستقبل من صنوف الأذى لشد أزرهم وتقوية النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا بعيد.
-
حصر زمان النزول بالنظر إلى حوادث متعلقة بها السورة أو الآيات، ومثاله سورة مريم التي استدلَّ بها جعفر بن أبي طالب في الهجرة الأولى عند النجاشيّ لمَّا سألهم عن عيسى عليه السلام ما يقولون فيه، ومعلوم أن الهجرة الأولى كانت في الخامسة من البعثةِ، فكانت قرينةً لحصر زمان نزول سورة مريم.
وأصعب الفتراتِ من بعثة النبيّ صلى الله عليه وسلم في تحديد وحصر تواريخ النزول كانت المرحلة المكية، وبالأخص السنوات الأولى منها لاشتداد الأذى بالصحابة وانشغالهم بالعقيدة والدين ولم تكن لهم دولةٌ، ولمْ تشرع العباداتُ الموقوتة من صلاة وزكاة وصومٍ وحجٍّ على الوجه الأكمل الدقيق الذي به تضبط التواريخ.
[1] حكاه جماعة كبيرة من المفسرين وخالفهم ابن الصلاح وضعف سند الروايات المتعلقة بنزول الأنعام جملة واحدة. http://jamharah.net/showthread.php?t=11409
[2] http://jamharah.net/showthread.php?t=11471