تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة .
أَوْجُهٌ وَجِيهَةٌ وَجَدِيدَةٌ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ الكَرِيمِ وَلَطَائِفِهِ
الشّاهِدُ مِمَّا سَبَق َ .............
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد بْنُ تَيْمِيَّة في مَجمُوعِ الفَتَاوَى -عَن الْمُسْلِمِينَ:
........حَتَّى فَلَاسِفَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَإِنَّهُمْ لَا يَرْتَابُونَ فِي أَنَّ الْمُسْلِمِين َ أَفْضَلُ عَقْلًا وَدِينًا.
- الْجَدِيدُ فِي الْمَوْضُوع ِ.........
قالَ في التَّحريرِ والتَّنويرِ :
وَقَدْ عَدَّ عِيَاضٌ فِي كِتَابِ «الشِّفَاءِ» مِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِ الْقُرْآن ِ: أَنَّ قَارِئَهُ لَا يَمَلُّهُ وَسَامِعَهُ لَا يَمَجُّهُ، بَلِ الْإِكْبَابُ عَلَى تِلَاوَتِهِ يَزِيدُهُ حَلَاوَةً، وَتَرْدِيدُهُ يُوجِبُ لَهُ مَحَبَّةً، لَا يَزَالُ غَضًّا طَرِيًّا، وَغَيْرُهُ مِنَ الْكَلَامِ وَلَوْ بَلَغَ مِنَ الْحُسْنِ وَالْبَلَاغَةِ مَبْلَغًا عَظِيمًا يُمَلُّ مَعَ التَّرْدِيدِ وَيُعَادَى إِذَا أُعِيدَ، وَلِذَا وَصَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ: «بِأَنَّهُ لَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَرْفُوعًا.
وَذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ سَمِعَ مِنَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ [النَّحْل: 90] الْآيَةَ فَقَالَ: «وَاللَّهِ إِنَّ لَهُ لَحَلَاوَةٌ وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةٌ».
وَقَدْ عَدَّ عِيَاضٌ فِي «الشِّفَاءِ» مِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِ الْقُرْآن ِ: الرَّوْعَةَ الَّتِي تَلْحَقُ قُلُوبَ سَامِعِيهِ عِنْدَ سَمَاعِهِ وَالْهَيْبَةَ الَّتِي تَعْتَرِيهِمْ عِنْدَ تِلَاوَتِهِ لِعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ عَلَى كُلِّ كَلَامٍ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَهَابَهُ سَامِعُهُ، قَالَ تَعَالَى: { لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [الْحَشْر: 21] .
وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ كَانَ أَصْحَابُ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا قرىء عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ كَمَا نَعَتَهُمُ اللَّهُ تَدْمَعُ أَعْيُنُهُمْ وَتَقْشَعِرُّ جُلُودُهُمْ. وَخَصُّ الْقُشَعْرِيرَةُ بِالَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِاعْتِبَارِ مَا سَيُرْدَفُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ: ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ كَمَا يَأْتِي.
قَالَ عِيَاضٌ: «وَهِيَ، أَيِ الرَّوْعَةِ الَّتِي تَلْحَقُ قُلُوبَ سَامِعِيهِ عِنْدَ سَمَاعِهِ، عَلَى الْمُكَذِّبِينَ بِهِ أَعْظَمُ حَتَّى كَانُوا يَسْتَثْقِلُونَ سَمَاعَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: { وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً } [الْإِسْرَاء: 46] .
وَهَذِهِ الرَّوْعَةُ قَدِ اعْتَرَتْ جَمَاعَةً قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْلَمَ لَهَا لِأَوَّلِ وَهْلَةٍ.
حُكِيَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مَطْعِمٍ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطَّوْرِ فَلَمَّا بَلَغَ قَوْلَهُ تَعَالَى:{ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ إِلَى قَوْله:الْمُصَيْطِرُونَ } [الطّور: 35- 37] كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ وَذَلِكَ أَوَّلُ مَا وَقَرَ الْإِسْلَامُ فِي قَلْبِي».
« كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ............... وَذَلِكَ أَوَّلُ مَا وَقَرَ الْإِسْلَامُ فِي قَلْبِي ».
بسم1
لم أذكر شيئا عن تفسير الآية وكل ماذكرته اللمحة التى انطلق منها الباحث إلى سرعة الضوء وهى قوله تعالى{فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}والحق هو لا يلزم من الآية ولكن هو ثمرة التدبر والاستنباط حتى لو اختلفنا معه فى اجراء التجربة النتيجة مبهرة وعليه أن يطور فيها حتى يزيل الشكوك وفى هذه المرحلة لا نقبل منه تفسيرا علميا للآية ولم يكن مقصدى من إثارة الموضوع لكن سيظل السؤال يفرض نفسه ماهو مقدارألف سنة بطريقة عدنا وعلاقتها باليوم؟
ترى هل أجاب الإغريق حتى بطريقة عدهم؟
الشّاهِدُ مِمَّا سَبَق َ .............
« كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ وَذَلِكَ أَوَّلُ مَا وَقَرَ الْإِسْلَامُ فِي قَلْبِي ».
- الْجَدِيدُ فِي الْمَوْضُوع ِ.........
قالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد رَشِيد رِضَا رَحِمَهُ اللَّهُ في تَفسيرِ المَنَارِ لَه :
قَدْ كَانَ تَوْحِيدُ الْمُسْلِمِينَ الْأَوَّلِينَ لِلَّهِ وَمَعْرِفَتُهُمْ بِهِ وَحُبُّهُمْ لَهُ وَتَوَكُّلُهُمْ عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي زَكَّى أَنْفُسَهُمْ ، وَأَعْلَى هِمَمَهُمْ ، وَكَمَّلَهَمْ بِعِزَّةِ النَّفْسِ وَشِدَّةِ الْبَأْسِ ، وَإِقَامَةِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ ، وَمَكَّنَهُمْ مِنْ فَتْحِ الْبِلَادِ وَسِيَاسَةِ الْأُمَمِ ، وَإِعْتَاقِهَا مِنْ رِقِّ الْكَهَنَةِ وَالْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ وَالْبُوذَاتِ وَالْمُوبَذَانَاتِ الرُّوحِيِّ وَالْعَقْلِيِّ ، وَتَحْرِيرِهِمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ وَاسْتِبْدَادِهِمْ ، وَإِقَامَةِ دَعَائِمِ الْحَضَارَةِ ، وَإِحْيَاءِ الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ الْمَيِّتَةِ وَتَرْقِيَتِهَا فِيهِمْ وَقَدْ تَمَّ لَهُمْ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَقَعْ مِثْلُهُ وَلَا مَا يُقَارِبُهُ لِأُمَّةٍ مَنْ أَمَّمِ الْأَرْضِ .
حَتَّى قَالَ الدُّكْتُورُ غُوسْتَافْ لُوبُونِ الْمُؤَرِّخُ الِاجْتِمَاعِيُّ الشَّهِيرُ : إِنَّ مَلَكَةَ الْفُنُونِ لَمْ يَتِمَّ تَكْوِينُهَا لِأُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ النَّاهِضَةِ إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَجْيَالٍ ، أَوَّلُهَا جِيلُ التَّقْلِيدِ ، وَثَانِيهَا جِيلُ الْخَضْرَمَةِ وَثَالِثُهَا جِيلُ الِاسْتِقْلَالِ وَالِاجْتِهَادِ - قَالَ : إِلَّا الْعَرَبَ وَحْدَهُمْ فَقَدِ اسْتَحْكَمَتْ لَهُمْ مَلَكَةُ الْفُنُونِ فِي الْجِيلِ الْأَوَّلِ الَّذِي بَدَءُوا فِيهِ بِمُزَاوَلَتِهَا .
وَأَقُولُ : إِنَّ سَبَبَ ذَلِكَ تَرْبِيَةُ الْقُرْآنِ لَهُمْ عَلَى اسْتِقْلَالِ الْعَقْلِ وَالْفِكْرِ وَاحْتِقَارِ التَّقْلِيدِ . وَتَوْطِينِ أَنْفُسِهِمْ عَلَى إِمَامَةِ الْبَشَرِ وَقِيَادَتِهَا فِي أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مَعًا ، وَقَدْ خَفِيَ كُلُّ هَذَا عَلَى سَلَائِلِهَا بَعْدَ ذَهَابِ الْخِلَافَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَزَوَالِ النَّهْضَةِ الْعَرَبِيَّةِ ،وَتَحَوُّلِ السُّلْطَانِ إِلَى الْأَعَاجِمِ الَّذِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا الظَّوَاهِرُ التَّقْلِيدِيَّةُ الْمُنْفَصِلَةُ عَنْ هِدَايَةِ الْقُرْآنِ .
الشّاهِدُ مِمَّا سَبَق َ .............
قالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد رَشِيد رِضَا رَحِمَهُ اللَّهُ في تَفسيرِ المَنَارِ لَه :
قَدْ كَانَ تَوْحِيدُ الْمُسْلِمِينَ الْأَوَّلِينَ لِلَّهِ وَمَعْرِفَتُهُمْ بِهِ وَحُبُّهُمْ لَهُ وَتَوَكُّلُهُمْ عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي زَكَّى أَنْفُسَهُمْ.................. وَإِقَامَةِ دَعَائِمِ الْحَضَارَةِ ، وَإِحْيَاءِ الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ الْمَيِّتَةِ وَتَرْقِيَتِهَا فِيهِمْ وَقَدْ تَمَّ لَهُمْ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَقَعْ مِثْلُهُ وَلَا مَا يُقَارِبُهُ لِأُمَّةٍ مَنْ أَمَّمِ الْأَرْضِ.
- الْجَدِيدُ فِي الْمَوْضُوعِ.........
قالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد رَشِيد رِضَا رَحِمَهُ اللَّهُ في تَفسيرِ المَنَارِ لَه :
وَلَمَّا كَانَ الْقُرْآنُ هُوَ الَّذِي هَدَى الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَنْوَاعِ الْعِلْمِ ، وَأَعْطَاهُمُ الْحِكْمَةَ وَالْحُكْمَ كَانَ تَرْكُهُمْ لِهِدَايَتِهِ هُوَ الَّذِي سَلَبَهُ ذَلِكَ حَتَّى انْقَلَبَ الْأَمْرُ ، وَانْعَكَسَ الْوَضْعُ ، وَاتَّبَعُوا سُنَنَ مَنْ قَبْلَهُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ، كَمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ ، فَالسَّوَادُ الْأَعْظَمُ الْجَاهِلُ اتَّبَعَ سُنَنَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي شَرِّ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي طَوْرِ جَهْلِهِمْ مِنَ الْخُرَافَاتِ ، وَابْتِدَاعِ الِاحْتِفَالَاتِ ، وَتَقْلِيدِ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ ، وَاتِّخَاذِ الْأَرْبَابِ وَالْأَنْدَادِ ، كَإِعْطَاءِ حَقِّ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ لِلْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ ، وَطَلَبِ النَّفْعِ ، وَدَفْعِ الضُّرِّ مِنْ دَجَّالِي الْأَحْيَاءِ ، وَقُبُورِ الْأَمْوَاتِ ، فَغَشِيَهُمْ مَا غَشِيَ أُولَئِكَ مِنْ ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ ، وَجَعَلَ الدِّينَ عَدُوًّا لِلْعِلْمِ وَالْعَقْلِ ، وَالنَّابِتَةُ الْعَصْرِيَّةُ الْمُتَفَرْنِجَةُ اتَّبَعَتْ سُنَنَ الْمُرْتَدِّينَ الْفَاسِقِينَ مِنْهُمْ فِي شَرِّ مَا صَارُوا إِلَيْهِ مِنْ طَوْرِ فَسَادِ حَضَارَتِهِمْ ، وَقَلَّدُوهُمْ حَتَّى فِيمَا لَا يَنْطَبِقُ عَلَى أَحْوَالِهِمْ وَمَصَالِحِهِمْ ، كَذَلِكَ ضَلَّ الْفَرِيقَانِ عَنْ هِدَايَةِ الْقُرْآنِ ، وَاشْتَرَكَا فِي إِضَاعَةِ مَا بَقِيَ مِنْ مُلْكِ الْإِسْلَامِ .
لَا عَالِمَ الشَّرْقِ بِدِينِهِ وَلَا ... مُقْتَبِسَ الْعِلْمِ مِنَ الْغَرْبِ هُدَى
الثَّابِت ُ فِي الْمَوْضُوع ِ --- وَسَ يَتَكَرَّر ُ مَعَنَا بِاسْتِمْرَار ٍ إنْ شَاءَ اللهُ..................
جَاءَ فِي كِتَابِ التَّبشِيرِ وَالاستِعمَارِ فِي البِلَادِ العَرَبيَّةِ ..........
تَأليِف الدُّكتُور مُصطَفَى خَالِدي و الدُّكتُور عُمَر فرُّوخ ........
يَقُولُ (جون تاكلي) عَن المُسلمينَ: «يَجِبُ أَنْ يُسْتَخْدَمَ كِتَابُهُمْ (أَيْ القُرْآنُ الكَرِيمُ)، وَهُوَ أَمْضَى سِلاَحٍ فِي الإِسْلاَمِ، ضِدَّ الإِسْلاَمِ نَفْسِهِ لِنَقْضِي عَلَيْهِ تَمَامًا. يَجِبُ أَنْ نُرِي هَؤُلاَءِ النَّاسِ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي القُرْآنِ لَيْسَ جَدِيدًا، وَأَنَّ الجَدِيدَ فِيهِ لَيْسَ صَحِيحًا ».
انْظُرْ هَذِه الجُملَة جَيَّدَا :{ يَجِبُ أَنْ نُرِي هَؤُلاَءِ النَّاسِ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي القُرْآنِ لَيْسَ جَدِيدًا، وَأَنَّ الجَدِيدَ فِيهِ لَيْسَ صَحِيحًا ».}
الشّاهِدُ مِمَّا سَبَقَ .............
وَلَمَّا كَانَ الْقُرْآنُ هُوَ الَّذِي هَدَى الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَنْوَاعِ الْعِلْمِ ، وَأَعْطَاهُمُ الْحِكْمَةَ وَالْحُكْمَ كَانَ تَرْكُهُمْ لِهِدَايَتِهِ هُوَ الَّذِي سَلَبَهُ ذَلِكَ حَتَّى انْقَلَبَ الْأَمْرُ...........
قَالَ فِي تَفسِيِرِ المَنَارِ ......
هَدَى اللهُ تَعَالَى بِهَذَا الْقُرْآنِ الْعَرَبَ ، وَهَدَى بِدَعْوَتِهِمْ إِلَيْهِ أَعْظَمَ شُعُوبِ الْعَجَمِ ، فَكَانُوا بِهِ أَئِمَّةَ الْأُمَمِ ، فَبِالِاهْتِدَاءِ بِهِ قَهَرُوا أَعْظَمَ دُوَلِ الْأَرْضِ الْمُجَاوِرَةِ لَهُمْ . دَوْلَةَ الرُّومِ (الرُّومَانِ) وَدَوْلَةَ الْفُرْسِ ، فَهَذِهِ مَحَوْهَا مِنْ لَوْحِ الْوُجُودِ بِهَدْمِ سُلْطَانِهَا وَإِسْلَامِ شَعْبِهَا ، وَتِلْكَ سَلَبُوهَا مَا كَانَ خَاضِعًا لِسُلْطَانِهَا مِنْ مَمَالِكِ الشَّرْقِ وَشُعُوبِهِ الْكَثِيرَةِ ، ثُمَّ فَتَحُوا الْكَثِيرَ مِنْ مَمَالِكِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ حَتَّى اسْتَوْلَوْا عَلَى بَعْضِ بِلَادِ أُورُبَّةَ ، وَأَلَّفُوا فِيهَا دَوْلَةً عَرَبِيَّةً كَانَتْ زِينَةَ الْأَرْضِ فِي الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ وَالْحَضَارَةِ وَالْعُمْرَانِ .
حَارَبُوا شُعُوبًا كَثِيرَةً كَانَتْ أَقْوَى مِنْهُمْ فِي جَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْقِتَالُ مِنْ عَدَدٍ وَعُدَدٍ ، وَسِلَاحٍ وَكُرَاعٍ ، وَحُصُونٍ وَقِلَاعٍ ، وَقَاتَلُوهَا فِي عُقْرِ دَارِهَا ، وَمُسْتَقِرِّ قُوَّتِهَا ، وَهُمْ بُعَدَاءُ عَنْ بِلَادِهِمْ ، نَاءُونَ عَنْ مَقَرِّ خِلَافَتِهِمْ......
وَإِنَّمَا كَانُوا يَفْضُلُونَ أَعْدَاءَهُمْ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ صَلَاحُ أَرْوَاحِهِمُ الَّذِي تَبِعَهُ صَلَاحُ أَعْمَالِهِمْ ، وَالرَّوْحُ الْبَشَرِيُّ أَعْظَمُ قُوَى هَذِهِ الْأَرْضِ ، سَخَّرَ اللهُ تَعَالَى لَهُ سَائِرَ قُوَاهَا وَمَادَّتِهَا كَمَا قَالَ : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ) .
تَأَمَّل ............................
وَإِنَّمَا كَانُوا يَفْضُلُونَ أَعْدَاءَهُمْ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ صَلَاحُ أَرْوَاحِهِمُ الَّذِي تَبِعَهُ صَلَاحُ أَعْمَالِهِمْ ، وَالرَّوْحُ الْبَشَرِيُّ أَعْظَمُ قُوَى هَذِهِ الْأَرْضِ ، سَخَّرَ اللهُ تَعَالَى لَهُ سَائِرَ قُوَاهَا وَمَادَّتِهَا كَمَا قَالَ : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ))
صَلُحَتْ أَنْفُسُ الْعَرَبِ بِالْقُرْآنِ إِذْ كَانُوا يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ فِي صَلَوَاتِهِمُ الْمَفْرُوضَةِ ، وَفِي تَهَجُّدِهِمْ وَسَائِرِ أَوْقَاتِهِمْ فَرَفَعَ أَنْفُسَهُمْ وَطَهَّرَهَا مِنْ خُرَافَاتِ الْوَثَنِيَّةِ الْمُذِلَّةِ لِلنُّفُوسِ الْمُسْتَعْبِدَةِ لَهَا ، وَهَذَّبَ أَخْلَاقَهَا وَأَعْلَى هِمَمِهَا ، وَأَرْشَدَهَا إِلَى تَسْخِيرِ هَذَا الْكَوْنِ الْأَرْضِيِّ كُلِّهِ لَهَا ، فَطَلَبَتْ ذَلِكَ فَأَرْشَدَهَا طَلَبُهُ إِلَى الْعِلْمِ بِسُنُّتِهِ تَعَالَى فِيهِ مِنْ أَسْبَابِ الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ ، وَالْعِزِّ وَالذُّلِّ ، فَهَدَاهَا ذَلِكَ إِلَى الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ وَالصِّنَاعَاتِ ، فَأَحْيَتْ مَوَاتَهَا ، وَأَبْدَعَتْ فِيهَا مَا لَمْ يَسْبِقْهَا إِلَيْهِ غَيْرُهَا ، حَتَّى قَالَ صَاحِبُ كِتَابِ تَطَوُّرِ الْأُمَمِ مِنْ حُكَمَاءِ الْغَرْبِ : " إِنَّ مَلَكَةَ الْفُنُونِ لَا تَسْتَحْكِمُ فِي أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَجْيَالٍ : جِيلِ التَّقْلِيدِ ، وَجِيلِ الْخَضْرَمَةِ ، وَجِيلِ الِاسْتِقْلَالِ ، وَشَذَّ الْعَرَبُ وَحْدَهُمْ فَاسْتَحْكَمَتْ فِيهِمْ مَلَكَةُ الْفُنُونِ فِي جِيلٍ وَاحِدٍ. "
وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ أَنْ تَمُرَّ السُّنُونَ وَالْأَحْقَابُ وَتَكِرَّ الْقُرُونُ وَالْأَجْيَالُ ، وَتَتَّسِعَ دَوَائِرُ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ ، وَتَتَغَيَّرَ أَحْوَالُ الْعُمْرَانِ ، وَلَا تُنْقَضُ كَلِمَةٌ مِنْ كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ ، لَا فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ ، وَلَا فِي أَحْوَالِ النَّاسِ وَشُئُونِ الْكَوْنِ ، وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ فُنُونِ الْقَوْلِ.
تَأَمَّل ............................
وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ أَنْ تَمُرَّ السُّنُونَ وَالْأَحْقَابُ وَتَكِرَّ الْقُرُونُ وَالْأَجْيَالُ ، وَتَتَّسِعَ دَوَائِرُ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ ، وَتَتَغَيَّرَ أَحْوَالُ الْعُمْرَانِ ، وَلَا تُنْقَضُ كَلِمَةٌ مِنْ كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ ، لَا فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ ، وَلَا فِي أَحْوَالِ النَّاسِ وَشُئُونِ الْكَوْنِ ، وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ فُنُونِ الْقَوْلِ.
الشّاهِدُ مِمَّا سَبَقَ .............
قَالَ فِي تَفسِيِرِ المَنَارِ .................
هَدَى اللهُ تَعَالَى بِهَذَا الْقُرْآنِ الْعَرَبَ ، وَهَدَى بِدَعْوَتِهِمْ إِلَيْهِ أَعْظَمَ شُعُوبِ الْعَجَمِ ، فَكَانُوا بِهِ أَئِمَّةَ الْأُمَمِ ، فَبِالِاهْتِدَاءِ بِهِ قَهَرُوا أَعْظَمَ دُوَلِ الْأَرْضِ الْمُجَاوِرَةِ لَهُمْ ..........
- الْجَدِيدُ فِي الْمَوْضُوعِ.........
قَالَ فِي «التَّحْرِيرِ وَالتَّنْوِيرِ »..........
الْمُقَدِّمَةُ الرَّابِعَةُ فِيمَا يَحِقُّ أَنْ يَكُونَ غَرَضَ الْمُفَسِّرِ..........................
إِنَّ الْقُرْآنَ أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى كِتَابًا لِصَلَاحِ أَمْرِ النَّاسِ كَافَّةً رَحْمَةً لَهُمْ لِتَبْلِيغِهِمْ مُرَادَ اللَّهِ مِنْهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ }[النَّحْل: 89]
فَكَانَ الْمَقْصِدُ الْأَعْلَى مِنْهُ صَلَاحَ الْأَحْوَالِ الْفَرْدِيَّةِ، وَالْجَمَاعِيَّةِ، وَالْعُمْرَانِيَّةِ، فَالصَّلَاحُ الْفَرْدِيُّ يَعْتَمِدُ تَهْذِيبَ النَّفْسِ وَتَزْكِيَتَهَا، وَرَأْسُ الْأَمْرِ فِيهِ صَلَاحُ الِاعْتِقَادِ لِأَنَّ الِاعْتِقَادَ مَصْدَرُ الْآدَابِ وَالتَّفْكِيرِ، ثُمَّ صَلَاحُ السَّرِيرَةِ الْخَاصَّةِ، وَهِيَ الْعِبَادَاتُ الظَّاهِرَةُ كَالصَّلَاةِ، وَالْبَاطِنَةُ كَالتَّخَلُّقِ بِتَرْكِ الْحَسَدِ وَالْحِقْدِ وَالْكِبْرِ. وَأَمَّا الصَّلَاحُ الْجَمَاعِيُّ فَيَحْصُلُ أَوَّلًا مِنَ الصَّلَاحِ الْفَرْدِيِّ إِذِ الْأَفْرَادُ أَجْزَاءُ الْمُجْتَمَعِ، وَلَا يَصْلُحُ الْكُلُّ إِلَّا بِصَلَاحِ أَجْزَائِهِ، وَمِنْ شَيْءٍ زَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ ضَبْطُ تَصَرُّفِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ عَلَى وَجْهٍ يَعْصِمُهُمْ مِنْ مُزَاحَمَةِ الشَّهَوَاتِ وَمُوَاثَبَةِ الْقُوَى النَّفْسَانِيَّةِ، وَهَذَا هُوَ عِلْمُ الْمُعَامَلَاتِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ بِالسِّيَاسَةِ الْمَدَنِيَّةِ. وَأَمَّا الصَّلَاحُ الْعُمْرَانِيُّ فَهُوَ أَوْسَعُ من ذَلِك إِذا هُوَ حِفْظُ نِظَامِ الْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ، وَضَبْطُ تَصَرُّفِ الْجَمَاعَاتِ وَالْأَقَالِيمِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ عَلَى وَجْهٍ يَحْفَظُ مَصَالِحَ الْجَمِيعِ، وَرَعْيُ الْمَصَالِحِ الْكُلِّيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَحِفْظُ الْمَصْلَحَةِ الْجَامِعَةِ عِنْدَ مُعَارَضَةِ الْمَصْلَحَةِ الْقَاصِرَةِ لَهَا، وَيُسَمَّى هَذَا بِعِلْمِ الْعُمْرَانِ وَعِلْمِ الِاجْتِمَاعِ.
وَقَدِ اخْتَارَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ اللِّسَانُ الْعَرَبِيُّ مُظْهِرًا لِوَحْيِهِ، وَمُسْتَوْدَعًا لِمُرَادِهِ، وَأَنْ يَكُونَ الْعَرَبُ هُمُ الْمُتَلَقِّينَ أَوَّلًا لِشَرْعِهِ وَإِبْلَاغِ مُرَادِهِ لِحِكْمَةٍ عَلَمِهَا:
مِنْهَا كَوْنُ لِسَانِهِمْ أَفْصَحَ الْأَلْسُنِ وَأَسْهَلَهَا انْتِشَارًا، وَأَكْثَرَهَا تَحَمُّلًا لِلْمَعَانِي مَعَ إِيجَازِ لَفْظِهِ، وَلِتَكُونَ الْأُمَّةُ الْمُتَلَقِّيَةُ لِلتَّشْرِيعِ وَالنَّاشِرَةُ لَهُ أُمَّةً قَدْ سَلِمَتْ مَنْ أَفْنِ الرَّأْيِ عِنْدَ الْمُجَادَلَةِ، وَلَمْ تَقْعُدْ بِهَا عَنِ النُّهُوضِ أَغْلَالُ التَّكَالُبِ عَلَى الرَّفَاهِيَةِ، وَلَا عَنْ تَلَقِّي الْكَمَالِ الْحَقِيقِيِّ إِذْ يُسَبِّبُ لَهَا خَلْطُهُ بِمَا يَجُرُّ إِلَى اضْمِحْلَالِهِ ................
فَيَجِبُ أَنْ تَعْلَمُوا قَطْعًا أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ خِطَابِ الْعَرَبِ بِالْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ التَّشْرِيعُ قَاصِرًا عَلَيْهِمْ أَوْ مُرَاعِيًا لِخَاصَّةِ أَحْوَالِهِمْ، بَلْ إِنَّ عُمُومَ الشَّرِيعَةِ وَدَوَامَهَا وَكَوْنَ الْقُرْآنِ مُعْجِزَةً دَائِمَةً مُسْتَمِرَّةً عَلَى تَعَاقُبِ السِّنِينَ يُنَافِي ذَلِكَ.....
نَعَمْ إِنَّ مَقَاصِدَهُ تَصْفِيَةُ نُفُوسِ الْعَرَبِ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ كَمَا قُلْنَا لِتَلَقِّيِ شَرِيعَتِهِ وَبَثِّهَا وَنَشْرِهَا، فَهُمُ الْمُخَاطَبُونَ ابْتِدَاءً قَبْلَ بَقِيَّةِ أُمَّةِ الدَّعْوَةِ فَكَانَتْ أَحْوَالُهُمْ مَرْعِيَّةً لَا مَحَالَةَ، وَكَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ مَقْصُودًا بِهِ خِطَابُهُمْ خَاصَّةً، وَإِصْلَاحُ أَحْوَالِهِمْ قَالَ تَعَالَى: { مَا كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا } [هود: 49] وَقَالَ:{ أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ } [الْأَنْعَام: 156، 157].
الشّاهِدُ مِمَّا سَبَقَ .............
قَالَ فِي «التَّحْرِيرِ وَالتَّنْوِيرِ »..........
وَقَدِ اخْتَارَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ اللِّسَانُ الْعَرَبِيُّ مُظْهِرًا لِوَحْيِهِ، وَمُسْتَوْدَعًا لِمُرَادِهِ، وَأَنْ يَكُونَ الْعَرَبُ هُمُ الْمُتَلَقِّينَ أَوَّلًا لِشَرْعِهِ وَإِبْلَاغِ مُرَادِهِ لِحِكْمَةٍ عَلَمِهَا.................
- الْجَدِيدُ فِي الْمَوْضُوعِ.........
قَولهُ تَعَالَى :{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)}
قَالَ فِي تَفسِيِرِ المَنَارِ............
قَولهُ تَعَالَى (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ).............
أَيْ قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ لِأُمَّتِكَ : هِيَ - أَيِ الزِّينَةُ وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ الرِّزْقِ - ثَابِتَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِالْأَصَالَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَلَكِنْ يُشَارِكُهُمْ غَيْرُهُمْ فِيهَا بِالتَّبَعِ لَهُمْ . وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّهَا مِثْلَهُمْ .
وَبَيَانُ هَذَا أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّمَا كَانُوا أَحَقَّ مِنَ الْكَافِرِينَ بِهَذِهِ النِّعَمِ ؛ لِأَنَّهُمْ أَجْدَرُ بِمَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فِي تَرَقِّيهَا مِنَ الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ الَّتِي أَرْشَدَهُمْ إِلَيْهَا الْإِسْلَامُ بِمَا حَثَّهُمْ عَلَيْهِ مِنْ مَعْرِفَةِ سُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ ، وَمَا أَوْدَعَهُ فِي هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ مِنَ الْحِكَمِ وَالْمَنَافِعِ وَالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ فِيمَا أَحْكَمَ مِنْ صُنْعِهَا ، وَعَلَى رَحْمَتِهِ وَجُودِهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَى عِبَادِهِ بِتَسْخِيرِهَا لَهُمْ ؛ وَلِأَنَّهُمْ أَحَقُّ بِشُكْرِهِ عَلَيْهَا بِلِسَانِهِمْ وَجَوَارِحِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ ، فَالْمُؤْمِنُ يَزْدَادُ عِلْمًا وَإِيمَانًا بِرَبِّهِ وَإِلَهِهِ كُلَّمَا عَرَفَ شَيْئًا مِنْ سُنَنِهِ وَآيَاتِهِ فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْمَوْجُودَاتِ ، وَيَزْدَادُ شُكْرًا لَهُ كُلَّمَا زَادَتْ نِعَمُهُ عَلَيْهِ بِالْعِلْمِ وَثَمَرَاتِ الْعِلْمِ فِيهَا ، وَلِذَلِكَ ذَكَّرَنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي أَوَّلِ هَذَا السِّيَاقِ بِمِنَّتِهِ عَلَيْنَا بِتَمْكِينِنَا فِي الْأَرْضِ ، وَمَا جَعَلَ لَنَا فِيهَا مِنَ الْمَعَايِشِ ، وَبِمَا يَجِبُ مِنْ شُكْرِهِ عَلَيْهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مِنْ أُصُولِ الشُّكْرِ قَبُولَ النِّعْمَةِ وَاسْتِعْمَالَهَا فِيمَا وَهَبَهَا الْمُنْعِمُ لِأَجْلِهِ وَهُوَ شُكْرُ الْجَوَارِحِ وَلَا يَكْمُلُ شُكْرُ الِاعْتِقَادِ بِأَنَّهَا مِنْ فَضْلِهِ وَشُكْرُ اللِّسَانِ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ إِلَّا بِشُكْرِ الْأَعْضَاءِ الْعَمَلِيِّ وَهُوَ الِاسْتِعْمَالُ .
فَقَدْ عَلِمْنَا مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الزِّينَةَ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ هِيَ حَقُّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَّهَا لَهُمْ بِالذَّاتِ وَالِاسْتِحْقَاقِ . وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونُوا بِمُقْتَضَى الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ أَعْلَمَ مِنَ الْكَافِرِينَ بِالْعُلُومِ وَالْفُنُونِ وَالصِّنَاعَاتِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَيْهَا . وَأَنْ يَكُونُوا مِنَ الشَّاكِرِينَ عَلَيْهَا ، ذَلِكَ الشُّكْرُ الَّذِي يَحْفَظُهَا لَهُمْ وَيَكُونُ سَبَبًا لِلْمَزِيدِ فِيهَا بِحَسَبِ وَعْدِ اللهِ تَعَالَى وَسُنَنِهِ فِي خَلْقِهِ وَمِنْهُ تُفْهَمُ حِكْمَةُ تَذْيِيلِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أَيْ مِنْ شَأْنِهِمُ الْعِلْمُ بِأَمْثَالِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَحِكَمِهَا وَلَوْ بَعْدَ خِطَابِهِمْ بِهَا ، وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُ هَذَا التَّعْبِيرِ .
وَالْمَعْنَى : أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ لِحُكْمِ الزِّينَةِ وَالطَّيِّبَاتِ الَّذِي ضَلَّ فِيهِ أَفْرَادٌ وَأُمَمٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْبَشَرِ إِفْرَاطًا وَتَفْرِيطًا ، لَا يَعْقِلُهُ إِلَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ سُنَنَ الِاجْتِمَاعِ وَطَبَائِعَ الْبَشَرِ وَمَصَالِحَهُمْ وَطُرُقَ الْحَضَارَةِ الشَّرِيفَةِ فِيهِمْ ، وَقَدْ فَصَّلَهَا تَعَالَى لَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَاتِ الْمُوَافِقِ هَدْيُهَا لِفِطْرَةِ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ، عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ الْأُمِّيِّ الَّذِي لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ شَيْئًا مِنْ تَارِيخِ الْبَشَرِ فِي بَدَاوَتِهِمْ وَحَضَارَتِهِمْ وَإِفْرَاطِهِمْ وَتَفْرِيطِهِمْ فِيهِمَا ، قَبْلَ أَنْ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ كِتَابَهُ الْحَكِيمَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي سَعَادَتِهِمْ ، فَكَانَ هَذَا التَّفْصِيلُ مِنَ الْآيَاتِ الْعِلْمِيَّةِ عَلَى نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ خُلَاصَةُ عُلُومٍ كَثِيرَةٍ فَاصِلَةٍ بَيْنَ النَّافِعِ وَالضَّارِّ ، مَا كَانَ لِمِثْلِهِ أَنْ يَعْلَمَهَا بِذَكَائِهِ ، وَإِنَّمَا هِيَ وَحْيُ اللهِ لَهُ . وَقَدْ قَصَّرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي بَيَانِ هَذِهِ الْحَقَائِقِ ، عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ قَدْ ذَكَرُوا مَا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ وَإِنْ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى تَأْيِيدِهِمْ لِوُضُوحِهِ فِي نَفْسِهِ . فَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَعْلَمُ مِنْ جَمِيعِ الْكَافِرِينَ بِكُلِّ الْعُلُومِ الْبَشَرِيَّةِ ، وَأَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ مِنْهُمْ أَعْلَمُ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ بِذَلِكَ .
نَعَمْ هَكَذَا كَانَ ...............................
فَلَوْلَا الْقُرْآنُ لَمَا خَرَجَتِ الْعَرَبُ مِنْ ظُلُمَاتِ جَاهِلِيَّتِهَا وَبَدَاوَتِهَا وَوَثَنِيَّتِهَا إِلَى ذَلِكَ النُّورِ ، الَّذِي صَلُحَتْ بِهِ وَأَصْلَحَتْ أُمَمًا كَثِيرَةً بِالدِّينِ وَالْعُلُومِ وَالْفُنُونِ وَالْآدَابِ بِمَا أَحْيَتْ مِنْ عُلُومِ الْأَوَائِلِ وَفُنُونِهَا ، وَأَصْلَحَتْ مِنْ فَاسِدِهَا ، فَصَدَقَ عَلَيْهِمْ تَعْرِيفُ الدِّينِ الْمَشْهُورِ بِأَنَّهُ : وَضْعٌ إِلَهِيٌّ سَائِقٌ لِذَوِي الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ بِاخْتِيَارِهِمْ إِلَى مَا فِيهِ نَجَاحُهُمْ فِي الْحَالِ ، وَفَلَاحُهُمْ فِي الْمَآلِ . أَوْ إِلَى سَعَادَةِ الدَّارَيْنِ .
وَلَقَدْ كَانَ مِنَ الْعَجَبِ أَنْ يَغْفُلَ الْكَثِيرُونَ عَنْ سَبَبِ هَذِهِ الْحَضَارَةِ أَوْ يَجْهَلُوا أَنَّهُ الْقُرْآنُ .
حَتَّى كَانَ الْجَهْلُ لِسَبَبِهَا سَبَبًا لِإِضَاعَتِهِ وَإِضَاعَتِهَا ، وَأَمْسَى الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَجْهَلِ الشُّعُوبِ وَأَفْقَرِهِمْ وَأَضْعَفِهِمْ ، وَأَقَلِّهِمْ خِدْمَةً لِدِينِهِمْ - فَغَايَةُ دِينِهِمْ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ زِينَةُ الدُّنْيَا وَطَيِّبَاتُهَا وَسِيَادَتُهَا وَمُلْكُهَا ، وَأَنْ يَكُونُوا فِيهَا شَاكِرِينَ لِلَّهِ عَلَيْهَا ، قَائِمِينَ بِمَا يُرْضِيهِ مِنَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَالْخَيْرِ وَالْبِرِّ وَكُلِّ مَا تَقْتَضِيهِ خِلَافَتُهُ فِي الْأَرْضِ وَبِذَلِكَ يَكُونُونَ أَهْلًا لِسَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . وَالدُّنْيَا مَزْرَعَةُ الْآخِرَةِ كَمَا قَالَ أَحَدُ حُكَمَاءِ دِينِهِمْ ، ثُمَّ انْتَهَى هَذَا الْجَهْلُ بِالْكَثِيرِينَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ أَنْ صَارُوا يَظُنُّونَ أَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ هُوَ سَبَبُ ضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ وَجَهْلِهِمْ وَذَهَابِ مُلْكِهِمْ ! وَقَدْ بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ بُطْلَانَ هَذَا الْجَهْلِ الَّذِي قَلَبَ الْحَقِيقَةَ قَلْبًا وَحُجَّتُنَا كِتَابُ اللهِ تَعَالَى وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَارِيخُ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَلَكِنَّ الْقَارِئِينَ قَلِيلُونَ ، وَالَّذِينَ يَفْهَمُونَ مِنْهُمْ أَقَلُّ وَالَّذِينَ يَعْتَبِرُونَ بِمَا يَفْهَمُونَ أَنْدَرُ ، وَلِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ .
الشّاهِدُ مِمَّا سَبَقَ .............
قَالَ فِي تَفسِيرِ المَنَارِ .......
وَلَقَدْ كَانَ مِنَ الْعَجَبِ أَنْ يَغْفُلَ الْكَثِيرُونَ عَنْ سَبَبِ هَذِهِ الْحَضَارَةِ أَوْ يَجْهَلُوا أَنَّهُ الْقُرْآنُ .
- الْجَدِيدُ فِي الْمَوْضُوعِ.........
قَالَ فِي تَفسِيِرِ المَنَارِ............
فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ انْتِصَارَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْقُرُونِ الْأُولَى كَانَ لِأَسْبَابٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ ، فَلَمَّا تَغَيَّرَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ خَانَهُمُ النَّصْرُ حَتَّى فَقَدُوا أَكْثَرَ مَمَالِكِهِمْ ، وَإِنَّنَا لَنَرَى الْأُمَمَ يَنْتَصِرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بِالِاسْتِعْدَادِ الْمَادِّيِّ مِنْ سِلَاحٍ وَعَتَادٍ بِالنِّظَامِ الْحَرْبِيِّ الَّذِي جَهِلَهُ الْمُسْلِمُونَ بِغُرُورِهِمْ بِدِينِهِمْ ، وَاتِّكَالِهِمْ عَلَى خَوَارِقِ الْعَادَاتِ ، وَقِرَاءَةِ الْأَحَادِيثِ وَالدَّعَوَاتِ ، وَلِذَلِكَ تَرَكَهُ سَاسَةُ التُّرْكِ ، وَأَسَّسُوا لِأَنْفُسِهِمْ حُكُومَةً مَدَنِيَّةً إِلْحَادِيَّةً تُنَاهِضُ الْإِسْلَامَ ، وَيُوشِكُ أَنْ يَتْبَعَهُمْ سَاسَةُ الْمِصْرِيِّينَ وَالْأَفْغَانِ .
قُلْنَا : إِنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ - وَهُوَ وَاقِعٌ لَا مَفْرُوضٌ - حُجَّةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا عَلَى الْإِسْلَامِ ، فَالْإِسْلَامُ يَأْمُرُ بِإِعْدَادِ الْقُوَى الْمَادِّيَّةِ ، وَيُضِيفُ إِلَيْهَا الْقُوَى الْمَعْنَوِيَّةَ ، وَمِنْهَا بَلْ أَعْظَمُهَا الْإِيمَانُ بِاللهِ وَدُعَاؤُهُ ، وَالِاتِّكَالُ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ حَتَّى الْمَادِّيِّينَ مِنْهُمْ ، وَلَمْ يَشْرَعْ لِلنَّاسِ الِاتِّكَالَ عَلَى خَوَارِقِ الْعَادَاتِ ، حَتَّى فِي أَيَّامِ الرَّسُولِ الْمُؤَيَّدِ بِالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ ، وَلَمَّا غُلِبَ الْمُسْلِمُونَ فِي وَقْعَةِ أُحُدٍ لِتَقْصِيرِهِمْ فِي الْأَسْبَابِ ، وَتَعَجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى :{ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ } .
وَمَا أَضْعَفَ التُّرْكَ وَالْمِصْرِيِّينَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ شُعُوبِ الْمُسْلِمِينَ ، إِلَّا تَرْكُهُمْ لِهِدَايَةِ الْقُرْآنِ فِي مِثْلِ هَذَا وَغَيْرِهِ مِنْ إِقَامَةِ الْعَدْلِ وَالْفَضَائِلِ ، وَسُنَنِ اللهِ فِي الِاجْتِمَاعِ الَّتِي انْتَصَرَ بِهَا السَّلَفُ الصَّالِحُ ، وَاسْتِبْدَادُ حُكَّامِهِمْ فِيهِمْ ، وَإِنْفَاقُ أَمْوَالِ الْأُمَّةِ وَالدَّوْلَةِ فِيمَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْإِسْرَافِ فِي شَهَوَاتِهِمْ ، وَقَدِ اتَّبَعَ الْإِفْرِنْجُ تَعَالِيمَ الْإِسْلَامِ فِي الِاسْتِعْدَادِ فِي الْأُمُورِ الرُّوحِيَّةِ مِنْ سُنَنِ اللهِ فِي الْعُمْرَانِ فَرَجَحَتْ بِهِمْ كِفَّةُ الْمِيزَانِ ، وَسَيَتَّبِعُونَهَا فِي الْأُمُورِ الرُّوحِيَّةِ بَعْدَ أَنْ تُبَرِّحَ بِهِمُ التَّعَالِيمُ الْمَادِّيَّةُ وَالْبَلْشَفِيَّةُ ، وَيَتَفَاقَمُ فَسَادُهَا فِي أُمَمِهِمْ ، حَتَّى تُخَرَّبَ بُيُوتُهُمْ بِأَيْدِيهِمْ ، مِنْ حَيْثُ فَقَدَ الْمُسْلِمُونَ الْجُغْرَافِيُّونَ النَّوْعَيْنِ كِلَيْهِمَا مِنْ تَعَالِيمِهِ ، وَقَامَ الْجَاهِلُونَ مِنْهُمْ يَحْتَجُّونَ عَلَيْهِ ، بِمَا أَفْسَدُوا وَابْتَدَعُوا فِيهِ وَنَسَبُوهُ إِلَيْهِ ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَعَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ .
وَأَمَّا الْأُمُورُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ الَّتِي مَكَّنَتْ سَلَفَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ فَتْحِ بِلَادِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الشُّعُوبِ فَهِيَ أَكْبَرُ حُجَّةٍ لِلْإِسْلَامِ أَيْضًا ، إِذْ لَيْسَتْ تِلْكَ الْأُمُورُ إِلَّا مَا كَانَ أَصَابَ تِلْكَ الشُّعُوبَ مِنَ الشِّرْكِ وَفَسَادِ الْعَقَائِدِ وَالْآدَابِ ، وَمَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ وَالْعَادَاتِ ، مِنْ فُشُوِّ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ ، وَسُلْطَانِ الْبِدَعِ وَالْخُرَافَاتِ ، الَّتِي جَاءَ الْإِسْلَامُ لِإِزَالَتِهَا ، وَاسْتِبْدَالِ التَّوْحِيدِ وَالْفَضَائِلِ بِهَا ، وَلِهَذَا وَحْدَهُ نَصَرَهُمُ اللهُ عَلَى الْأُمَمِ كُلِّهَا....
إِذْ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالتَّارِيخِ فِي أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا دُونَ تِلْكَ الشُّعُوبِ كُلِّهَا فِي الِاسْتِعْدَادِ الْحَرْبِيِّ الْمَادِّيِّ ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مَا يَمْتَازُونَ بِهِ إِلَّا إِصْلَاحُ الْإِسْلَامِ الْمَعْنَوِيِّ . وَلَمَّا أَضَاعَ جَمَاهِيرُ الْمُسْلِمِينَ هَذِهِ الْعَقَائِدَ وَالْفَضَائِلَ ، وَاتَّبَعُوا سُنَنَ تِلْكَ الْأُمَمِ مِنَ الْبِدَعِ وَالرَّذَائِلِ - وَهُوَ مَا حَذَّرَهُمُ الْإِسْلَامُ مِنْهُ - ثُمَّ قَصَّرُوا فِي الِاسْتِعْدَادِ الْمَادِّيِّ لِلنَّصْرِ فِي الْحَرْبِ فَفَقَدُوا النَّوْعَيْنِ مِنْهُ ، عَادَ الْغَلَبُ لِغَيْرِهِمْ عَلَيْهِمْ .
فَنَسْأَلُهُ تَعَالَى هِدَايَةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَكَشْفَ مَا هِيَ فِيهِ مِنْ غُمَّةٍ ، لِتَسْتَحِقَّ نَصْرَهُ بِاتِّبَاعِ شَرْعِهِ ، وَمُرَاعَاةِ سُنَنِهِ فِي خَلْقِهِ ، وَبِتَقْوَاهُ الْمُثْمِرَةِ لِلْفُرْقَانِ فِي الْعُلُومِ وَالْأَحْكَامِ وَالْأَعْمَالِ ، فَيَعُودُ لَهَا مَا فَقَدَتْ مِنَ الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ اللهُمَّ آمِينَ.
الشّاهِدُ مِمَّا سَبَقَ .............
وَمَا أَضْعَفَ التُّرْكَ وَالْمِصْرِيِّينَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ شُعُوبِ الْمُسْلِمِينَ ، إِلَّا تَرْكُهُمْ لِهِدَايَةِ الْقُرْآنِ فِي مِثْلِ هَذَا وَغَيْرِهِ مِنْ إِقَامَةِ الْعَدْلِ وَالْفَضَائِلِ ، وَسُنَنِ اللهِ فِي الِاجْتِمَاعِ الَّتِي انْتَصَرَ بِهَا السَّلَفُ الصَّالِحُ
- الْجَدِيدُ فِي الْمَوْضُوعِ.........
قَالَ فِي تَفسِيِرِ المَنَارِ............
عَلَّمَنَا اللهُ - تَعَالَى - هَذَا بِمَا قَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَخْبَارِ الْأُمَمِ ، وَأَنْعَمَ عَلَى أُمَّتِنَا - الَّتِي لَا تَخْتَصُّ بِشَعْبٍ وَلَا جِنْسٍ - بِهَذَا الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فَكَانَ لَهُمْ بِهِ نِعَمٌ لَا تُحْصَى تُعْرَفُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، مِنْهَا أَنَّهُمْ كَانُوا أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ فَأَصْبَحُوا بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ، وَمِنْهَا أَنَّهُمْ كَانُوا مُسْتَضْعَفِينَ فَمَكَّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَأَوْرَثَهُمْ أَرْضَ الشُّعُوبِ الْقَوِيَّةِ وَدِيَارَهَمْ وَجَعَلَ لَهُمُ السُّلْطَانَ عَلَيْهِمْ ، وَمِنْهَا أَنَّهُ جَعَلَهُمْ أُمَّةً وَسَطًا لَا تَفْرِيطَ عِنْدَهَا وَلَا إِفْرَاطَ ؛ لِيَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ الَّذِينَ غَلَوْا وَأَفْرَطُوا ، وَالَّذِينَ قَصَّرُوا وَفَرَّطُوا ، ثُمَّ لَمَّا كَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ أَنْزَلَ بِهَا أَلْوَانًا مِنَ الْبَلَاءِ وَالنِّقَمِ بِعُنْوَانِ الْأُمَّةِ . فَإِنَّ التَّتَارَ إِنَّمَا نَكَّلُوا بِهَا وَتَبَّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ؛ لِأَنَّهَا الْأُمَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ ، ثُمَّ زَحَفَ عَلَيْهَا الْغَرْبِيُّونَ أَيَّامَ حُرُوبِ الصَّلِيبِ وَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ؛ لِأَنَّهَا الْأُمَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ ،ثُمَّ إِنَّ الْفِتَنَ لَا تَزَالُ تَحُلُّ بِدِيَارِهِمْ ، وَتُنْقِصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ، وَسَوْطَ عَذَابِ اللهِ يُصَبُّ عَلَيْهَا بِعُنْوَانِ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ ، وَقَدْ مَرَّتْ عَلَيْهَا قُرُونٌ وَهِيَ لَا تَعْتَبِرُ بِمَا مَضَى ، وَلَا تَتَرَبَّى بِمَا حَضَرَ ، بَلْ جَهِلَتِ الْمَاضِيَ فَحَارَتْ فِي الْحَاضِرِ ، لَا تَعْرِفُ سَبَبَهُ وَلَا الْمَخْرَجَ مِنْهُ .
أَلَيْسَ مِنَ الْعَجِيبِ أَنَّ الْجُمْهُورَ الْأَعْظَمَ مِنَ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ مِنْهَا هُمْ أَجْهَلُهَا بِتَارِيخِهَا ، لَا يَعْرِفُونَ شَيْئًا مِنْ مَاضِيهَا وَلَا حَاضِرِهَا ؟ وَلَكِنَّهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ الْأُمَّةَ فِي بَلَاءٍ كَبِيرٍ ، وَيَعْتَذِرُونَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ عَنْ مَعْرِفَةِ الْأَسْبَابِ ، وَيَكِلُونَ إِلَى الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ النَّجَاةَ مِنْهُ أَوِ الْبَقَاءَ فِيهِ .
إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ دِيَارُهَا وَتَعَدَّدَتْ أَجْنَاسُهَا ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَعْرِفَ حَقِيقَتَهَا إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ تَارِيخِهَا الْمَاضِي ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَتَبُّعِ السَّوَاقِي وَالْجَدَاوِلِ إِلَى الْيَنْبُوعِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ .
كَانَ سَلَفُنَا - رَضِيَ اللهُ - تَعَالَى - عَنْهُمْ - يَضْبِطُونَ أَحْوَالَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا بِكُلِّ اعْتِنَاءٍ وَدِقَّةٍ ، حَتَّى كَانُوا يَرْوُونَ الْبَيْتَ مِنَ الشِّعْرِ أَوِ النُّكْتَةَ بَيْنَ الْعَاشِقِ وَمَعْشُوقَتِهِ بِالْأَسَانِيدِ الْمُتَّصِلَةِ ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمُبَالَغَةُ مِمَّا يُؤْخَذُ عَلَيْهِمْ ؛ فَإِنَّ الْأُمَّةَ إِنَّمَا تَكُونُ أُمَّةً بِدِينِهَا وَلُغَتِهَا وَأَخْلَاقِهَا وَعَادَاتِهَا ، فَإِذَا لَمْ يَحْفَظْ خَلَفُهَا عَنْ سَلَفِهَا هَذِهِ الْمُقَوِّمَاتِ بِحِفْظِ تَارِيخِهَا ، تَكُونُ عُرْضَةً لِلتَّغَيُّرِ بِتَأْثِيرِ حَوَادِثِ الزَّمَانِ ، وَتَقَلُّبَاتِ شُئُونِ الِاجْتِمَاعِ مَعَ جَهْلِ الْمُتَأَخِّرِ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُ ، وَبِكَيْفِيَّةِ حُدُوثِ التَّغْيِيرِ الضَّارِّ لِلْجَهْلِ بِالتَّارِيخِ ، بِهَذَا تَفْعَلُ فَوَاعِلُ الْكَوْنِ بِالْأُمَّةِ الْجَاهِلَةِ أَفَاعِيلَهَا حَتَّى تَقْلِبَ كِيَانَهَا ، وَتُقَوِّضَ بُنْيَانَهَا ، وَتَقْطَعَ عُرَى الرُّبُطِ الْعَامَّةِ بَيْنَ أَفْرَادِهَا ، فَلَا يَكُونُ لَهُمْ عَمَلٌ إِلَّا لِلْمَصْلَحَةِ الشَّخْصِيَّةِ ، وَهِيَ لَا حِفَاظَ لَهَا فِي مَجْمُوعِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِالْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ ، فَإِذَا أَهْمَلَتْ تَكُونُ الْأُمَّةُ مِنَ الْهَالِكِينَ .
عُنِيَتْ أُمَّتُنَا بِالتَّارِيخِ عِنَايَةً لَمْ تَسْبِقْهَا بِهِ أُمَّةٌ ، فَلَمْ تَكْتَفِ بِضَبْطِ الْوَقَائِعِ وَتُلْقِيهَا بِالرِّوَايَةِ كَالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ ، بَلْ تَفَنَّنَتْ فِيهَا فَصَنَّفَتْ فِي تَارِيخِ الْأَشْخَاصِ كَمَا صَنَّفَتْ فِي تَارِيخِ الْبِلَادِ وَالشُّعُوبِ ، ثُمَّ نَوَّعَتْ تَارِيخَ الْأَشْخَاصِ فَجَعَلَتْ لِكُلِّ طَبَقَةٍ تَارِيخًا ، فَنَرَى فِي الْمَكَاتِبِ طَبَقَاتِ الْمُفَسِّرِينَ ، وَطَبَقَاتِ الْمُحَدِّثِينَ ، وَطَبَقَاتِ النَّحْوِيِّينَ ، وَطَبَقَاتِ الْأَطِبَّاءِ ، وَطَبَقَاتِ الشُّعَرَاءِ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ .
ثُمَّ اهْتَدَى بَعْضُهُمْ إِلَى اسْتِنْبَاطِ قَوَاعِدِ الْعُمْرَانِ وَأُصُولِ الِاجْتِمَاعِ مِنَ التَّارِيخِ فَصَنَّفَ ابْنُ خَلْدُونَ فِي ذَلِكَ مُقَدِّمَةَ تَارِيخِهِ ، وَلَوْ لَمْ تَنْقَطِعْ بِنَا سِلْسِلَةُ الْعِلْمِ مِنْ ذَلِكَ الْعَهْدِ لَكُنَّا أَتْمَمْنَا مَا بَدَأَ بِهِ سَلَفُنَا ، وَلَكِنَّنَا تَرَكْنَاهُ وَسَبَقَنَا غَيْرُنَا إِلَى إِتْمَامِهِ وَاسْتِثْمَارِهِ ؛ فَالتَّارِيخُ هُوَ الْمُرْشِدُ الْأَكْبَرُ لِلْأُمَمِ الْعَزِيزَةِ الْيَوْمَ إِلَى مَا هِيَ فِيهِ مِنْ سَعَةِ الْعُمْرَانِ وَعِزَّةِ السُّلْطَانِ ، وَكَانَ الْقُرْآنُ هُوَ الْمُرْشِدُ الْأَوَّلُ لِلْمُسْلِمِينَ إِلَى الْعِنَايَةِ بِالتَّارِيخِ وَمَعْرِفَةِ سُنَنِ اللهِ فِي الْأُمَمِ مِنْهُ ، وَكَانَ الِاعْتِقَادُ بِوُجُوبِ حِفْظِ السُّنَّةِ وَسِيرَةِ السَّلَفِ هُوَ الْمُرْشِدُ الثَّانِي إِلَى ذَلِكَ ، فَلَمَّا صَارَ الدِّينُ يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أُهْمِلَ التَّارِيخُ ، بَلْ صَارَ مَمْقُوتًا عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُشْتَغِلِينَ بِعِلْمِ الدِّينِ ، فَإِنْ وُجِدَ مَنْ يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ ، فَإِنَّمَا يَكُونُ مُتَّبِعًا فِي ذَلِكَ سُنَّةَ قَوْمٍ آخَرِينَ .
................
وَكَانَ الْقُرْآنُ هُوَ الْمُرْشِدُ الْأَوَّلُ لِلْمُسْلِمِينَ إِلَى الْعِنَايَةِ بِالتَّارِيخِ وَمَعْرِفَةِ سُنَنِ اللهِ فِي الْأُمَمِ مِنْهُ.
الشّاهِدُ مِمَّا سَبَقَ .............
قَالَ فِي تَفسِيرِ المَنَارِ .......
وَكَانَ الْقُرْآنُ هُوَ الْمُرْشِدُ الْأَوَّلُ لِلْمُسْلِمِينَ إِلَى الْعِنَايَةِ بِالتَّارِيخِ وَمَعْرِفَةِ سُنَنِ اللهِ فِي الْأُمَمِ مِنْهُ.
- الْجَدِيدُ فِي الْمَوْضُوعِ.........
قَالَ فِي تَفسِيِرِ المَنَارِ............
وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْجَهْلَ بَلَغَ بِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ ظَهَرَ خَصْمٌ يَقُولُ : إِنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ هُوَ السَّبَبُ فِي جَهْلِ الْمُسْلِمِينَ وَضَعْفِهِمْ ، وَلَا حَيَاةَ لَنَا إِلَّا بِاقْتِبَاسِ عِلْمِ الِاجْتِمَاعِ وَسُنَنِ الْعُمْرَانِ مِنَ الْأُمَمِ غَيْرِ الْإِسْلَامِيَّةِ الَّتِي سَادَتْنَا بِهَذِهِ الْعُلُومِ ، وَمَا يُؤَيِّدُهَا مِنَ الْفُنُونِ وَالصِّنَاعَاتِ ....
وَهَؤُلَاءِ أَجْهَلُ بِالْإِسْلَامِ مِنْ أُولَئِكَ ، فَكِتَابُ الْإِسْلَامِ هُوَ الْمُرْشِدُ الْأَوَّلُ لِسُنَنِ الِاجْتِمَاعِ وَالْعُمْرَانِ ، وَلَكِنَّ الْمُسْلِمِينَ قَصَّرُوا فِي طَوْرِ حَيَاتِهِمُ الْعِلْمِيَّةِ عَنْ تَفْصِيلِ ذَلِكَ بِالتَّدْوِينِ لِعَدَمِ شُعُورِهِمْ بِالْحَاجَةِ إِلَيْهِ ، وَكَانَ حَقُّهُمْ فِي هَذَا الْعَصْرِ أَنْ يَكُونُوا أَوْسَعَ النَّاسِ بِهِ عِلْمًا; لِأَنَّ كِتَابَ اللهِ مُؤَيِّدٌ لِلْحَاجَةِ بَلِ الضَّرُورَةِ الَّتِي تَدْعُو إِلَيْهِ .
الشّاهِدُ مِمَّا سَبَقَ .............
قَالَ فِي تَفسِيِرِ المَنَارِ............
فَكِتَابُ الْإِسْلَامِ هُوَ الْمُرْشِدُ الْأَوَّلُ لِسُنَنِ الِاجْتِمَاعِ وَالْعُمْرَانِ......................
الْجَدِيدُ فِي الْمَوْضُوع ِ.........
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ.................
رَوَى الطَّبَرَانِيُّ، عَنِ الدَّبَرِيّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كُلُّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ خيرٌ مِمَّا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ .
وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مرَّة قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ أَرَادَ الْعِلْمَ فلْيَتَبوَّأْ مِنَ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ فِيهِ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ .
جاء في كتاب: إِعْجَازُ الْقُرْآن ِ للبَاقِلَّانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ (المتوفى:403هـ)....
"فإن اشْتُبِهَ عَلَى مُتأدِبٍ أو مُتَشَاعِرٍ أو نَاشئ أو مُرمَدٍ فَصَاحةَ الْقُرْآن ِ ومَوقِعَ بَلاغَتِهِ وَعَجِيبَ بَرَاعَتِهِ فَمَا عَلَيكَ مِنهُ، إنَّمَا يُخبِرُ عَن نَفسِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى عَجْزِه ِ ، وَيُبِينُ عَن ْ جَهْلِهِ، وَيُصَرِّح ُ بِسَخَافَة ِ فَهمِهِ وَرَكَاكَة ِ عَقْلِهِ" ما علينا ...
قَولُهُ تَعَالَى :{ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) }
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ ..............
قَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ سُلَيْمَانُ أَعْظَمَ مُلْكًا مِنْ دَاوُدَ وَأَقْضَى مِنْهُ، وَكَانَ دَاوُدُ أَشَدَّ تَعَبُّدًا مِنْ سُلَيْمَانَ. قَالَ غَيْرُهُ: وَلَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَا بَلَغَ مُلْكُهُ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَخَّرَ لَهُ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ وَالطَّيْرَ وَالْوَحْشَ، وَآتَاهُ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، وَوَرِثَ أَبَاهُ فِي الْمُلْكِ وَالنُّبُوَّةِ، وَقَامَ بَعْدَهُ بِشَرِيعَتِهِ .
هَذَا هو سُليمانُ عليه السَّلامُ ........
لكن انْظُر ... ..
قَولُهُ تَعَالَى :{ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)}
قَالَ فِي التَّحْريرِ وَالتّنْوِيرِ.................
وَهَذِهِ الْمُنَاظَرَة ُ بَيْنَ الْعِفْرِيتِ مِنَ الْجِنِّ وَالَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ تَرْمُزُ إِلَى أَنَّهُ يَتَأَتَّى بِالْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ مَا لَا يَتَأَتَّى بِالْقُوَّةِ، وَأَنَّ الْحِكْمَةَ مُكْتَسَبَةٌ لِقَوْلِهِ:{عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ } ، وَأَنَّ قُوَّةَ الْعَنَاصِرِ طَبِيعَةٌ فِيهَا، وَأَنَّ الِاكْتِسَابَ بِالْعِلْمِ طَرِيقٌ لِاسْتِخْدَامِ الْقُوَى الَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ اسْتِخْدَامَ بَعْضِهَا بَعْضًا.
فَذُكِرَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مَثَلًا لِتَغَلُّبِ الْعِلْمِ عَلَى الْقُوَّةِ. وَلَمَّا كَانَ هَذَانِ الرَّجُلَانِ مُسَخَّرَيْنِ لِسُلَيْمَانَ كَانَ مَا اخْتُصَّا بِهِ مِنَ الْمَعْرِفَةِ مَزِيَّةً لَهُمَا تَرْجِعُ إِلَى فَضْلِ سُلَيْمَانَ وَكَرَامَتِهِ أَنْ سَخَّرَ اللَّهُ لَهُ مِثْلَ هَذِهِ الْقُوَى. وَمَقَامُ نُبُوَّتِهِ يَتَرَفَّعُ عَنْ أَنْ يُبَاشِرَ بِنَفْسِهِ الْإِتْيَانَ بِعَرْشِ بِلْقِيسَ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ:{ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ } وَقَوْلَهُ: {قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } مَثَلَانِ فِي السُّرْعَةِ وَالْأَسْرَعِيَّةِ، وَالضَّمِيرُ الْبَارِزُ فِي رَآهُ يَعُودُ إِلَى الْعَرْشِ.
قَالَ أَبُو السُّعُود ِ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَفْسِيرِهِ ...... ..................
وَقِيلَ هُوَ سُلَيمَانُ نَفْسُهُ عَلَيْهِ السَّلَام ُ وَفِيهِ بُعدٌ لَا يَخْفَى وَالمُرَادُ بِالكِتَابِ الجِنْسُ المُنْتَظمُ لِجَمِيعِ الكُتُبِ المُنَزلِة أو اللوْحُ ، وَتَنْكِيرُ عِلْمٌ للتَّفْخِيمِ وَالرَّمزِ إِلَى أَنَّه عِلْمٌ غَيرُ مَعْهُودٍ .
جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ المُنِيرِ فِي العَقيدَةِ وَالشَّرِيعَةِ وَالمَنْهَجِ لِلزُحِيلِي ........
ثُمَّ أَجَابَهُ آخَرُ بَعْدَ أَنْ قَالَ سُلَيْمَانُ: أُرِيدَ أَعْجَلَ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ أَرَادَ بِإحْضَارِ هَذَا السَّرِيِرِ عَظَمَةَ مَا وَهَبَ اللّهُ لَهُ مِنَ الْمُلْكِ وَمَا سَخَّرَ لَهُ مِنَ الْجُنُودِ الَّذِي لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ قبْلَهُ وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ، وَلِيَتَّخِذَ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَى نُبُوَّتِهَ عِنَدَ بِلْقِيسَ وَقَوْمِهَا، بِأَنْ يَأْتِي بِخَارِقٍ عَظِيمٍ وَهُوَ إِحْضَارُ سَرِيرَهَا مِنْ بِلَادِهَا فِي الْيَمَنِ بَعْدَ أَنْ تَرَكَتْهُ مَحْفُوُظَا، قَبِلَ وُصُولِهَا إِلَيْهِ.
{ قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ }: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ أَيْ قَالَ عَالِمٌ مِنْ عُلُمَاءِ أَسْرَارِ الْكِتَابِ الْإِلَهِي ِّ: أَنَا أُحْضِرهُ فِي لَمْحِ الْبَصَر ِ قَبْلَ أَنْ تُغْمِضَ عَينَكَ وَقَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْكَ نَظُرُك.
قَاَلَ فِي البَحْرِ المُحِيطِ ..............
وَمِنْ أَغْرَبِ الْأَقْوَالِ أَنَّهُ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَام ُ، كَأَنَّهُ يَقُولُ لِنَفْسِهِ: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ، أَوْ يَكُونُ خَاطَبَ بِذَلِكَ الْعِفْرِيتَ.
قَالَ فِي التَّحْريرِ وَالتّنْوِيرِ ...
والَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْحِكْمَةِ مِنْ حَاشِيَةِ سُلَيْمَانَ.ومِنَ فِي قَوْلِهِ: مِنَ الْكِتابِ ابْتِدَائِيَّةٌ، أَيْ عِنْدَهُ عِلْمٌ مُكْتَسَبٌ مِنَ الْكُتُبِ، أَيْ مِنَ الْحِكْمَةِ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ ..............
وَعِلْمُ الْكِتَابِ عَلَى هَذَا عِلْمُهُ بِكُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ اسْمُهُ آصَفُ بْنُ بَرْخِيَا.
الشّاهِدُ مِمَّا سَبَق َ .............
هَذِهِ رِسَالَة ٌ لِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَام ُ نَفْسِهِ – فَهُوَ عَلَى مَا آتَاهُ اللَّهُ مِن َ الْمُلْك ِ وَالتَّسْخِير ِ لِلرِّيَاح ِ وَالْجِن ِّ كَمَا نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ . شَاءَ اللَّهُ أَن ْ تَظْهَر َ هَذِهِ الآيَةُ عَلَى يَدِ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ ..وَلَمْ تَظْهَرْ حَتَّى عَلَى يَدِ عِفْريتِ الْجِن ِّ.
وَكَمَا قَالَ فِي التَّحْريرِ وَالتّنْوِيرِ- {فَذُكِرَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مَثَلًا لِتَغَلُّبِ الْعِلْمِ عَلَى الْقُوَّةِ.}
وَقَولُهُ تَعَالَى :{ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) }
وَهُوَ عِلْمُ الدُّنْيَا إِجْمَاعًا مَع أنَّ الهُدْهُدَ قَالَ - وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْء ٍ – فَتَبَيَّنَ السَّبْقُ لَهُ بِتَعْلِيمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ ......
وَقَبْلَهَا قَالَ دَاوُدُ وَسُلَيْمَانُ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ :{وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْء ٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) }
هَلْ رَأَيْتُم أَوْ سَمِعْتُم بِعَرْشٍ انْتَقَلَ مِنَ الْيَمَنِ إِلَى فِلَسْطِين َ قَبْلَ ارْتِدَاد ِ طَرْفِ الْبَصَر ِ ؟ حَدَثَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ سُلَيْمَان َ عَلَيْهِ السَّلَام ُ مِنْ آلآفِ السِّنِين َ ..
وَالدَّلِيل ُ قَولُهُ تَعَالَى :{ فَلَمَّا رَآه ُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي }{ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا }{ فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ}
فَتَبَيَّنَ أَن َّ الْكِتَابَ الْمُنَزَّلَ مِن ْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَصْلٌ لِكُل ِّ تَغْيِيرٍ إِمَّا بِالنَّصِّ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ أَوْ بِانْدِرَاجِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ تَحْتَ الْعُمُومَاتِ الشَّامِلَةِ - فَهَذَا الرَّجُل ُ رَجُلُ دِينٍ إِجْمَاعًا .
قالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد رَشِيد رِضَا رَحِمَهُ اللَّهُ في تَفسيرِ المَنَارِ لَه :
فَالْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ فِي الْقُرْآنِ : أَنَّ الْإِيمَانَ الصَّحِيحَ وَدِينَ الْحَقِّ سَبَبٌ لِسَعَادَةِ الدُّنْيَا وَنِعْمَتِهَا بِالْحَقِّ وَالِاسْتِحْقَاقِ ، وَأَنَّ الْكُفَّارَ قَدْ يُشَارِكُونَهُمْ فِي الْمَادِّيِّ مِنْهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ :{ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } فَذَلِكَ الْفَتْحُ ابْتِلَاءٌ وَاخْتِبَارٌ لِحَالِهِمْ ، كَانَ أَثَرُهُ فِيهِمْ فَرَحَ الْبَطَرِ وَالْأَشَرِ بَدَلًا مِنَ الشُّكْرِ ، وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْعِقَابُ الْإِلَهِيُّ فَكَانَ نِقْمَةً لَا نِعْمَةً ، وَفِتْنَةً لَا بَرَكَةً .
فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ.................
قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ هُودٍ:{وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42)}
هَلْ رَأَيْتُم أَوْ سَمِعْتُم بِسَفِنًةٍ تَجْرِي فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ ؟ حَدَثَ ذَلِكَ مِنْ آلآفِ السِّنِين َ- سَفِينَةُ نُوحٍ عَلَيْه ِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِتَعْلِيمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ ......
تَأَمَّلْ ..{ تَجْرِي } ثُمَّ تَأَمَّلْ .... { فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ } وَلَيْس َ كَالْجَبَل ِ حَتَّى ...
قَالَ ابْنُ كَثيرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَفْسِيرِهِ ................
{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ} يَعْنِي: السَّفِينَةَ {بِأَعْيُنِنَا} أَيْ: بِمَرْأَى مِنَّا، {وَوَحْيِنَا} أَيْ: وَتَعْلِيمِنَا لَكَ مَاذَا تَصْنَعُهُ، {وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} .
قَالَ قَتَادَةُ: قَدْ أَبْقَى اللَّهَ سَفِينَةَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الْجُودِيِّ مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ عِبْرَةً وَآيَةً حَتَّى رَآهَا أَوَائِلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَكَمْ مِنْ سَفِينَةٍ قَدْ كَانَتْ بَعْدَهَا فَهَلَكَتْ وَصَارَتْ رَمَادًا.
(وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ) هَذَا تَصْوِيرٌ لِحَالِهَا فِي جَرْيِهَا بِهِمْ كَأَنَّهَا حَاضِرَةٌ أَمَامَ الْقَارِئِ أَوِ السَّامِعِ ، أَيْ تَجْرِي فِي أَثْنَاءِ مَوْجٍ يُشْبِهُ الْجِبَالَ فِي عُلُوِّهِ وَارْتِفَاعِهِ وَامْتِدَادِهِ ، وَهُوَ مَا يَحْدُثُ فِي ظَاهِرِ الْبَحْرِ عِنْدَ اضْطِرَابِهِ مِنَ التَّمَوُّجِ وَالِارْتِفَاعِ بِفِعْلِ الرِّيَاحِ ، وَاحِدُهُ مَوْجَةٌ وَجَمْعُهُ أَمْوَاجٌ ، وَأَصْلُ الْمَوْجِ الِاضْطِرَابُ وَمِنْهُ : (وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ)
قَالَ أَبُو السُّعُودِ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَفْسِيرِهِ ........................
{ وَوَحْيِنَا } إِلَيْكَ كَيْفَ تَصْنَعُهَا وَتَعْلِيمِنَا وَإِلْهَامِنَا.
قَالَ فِي التَّحْريرِ وَالتّنْوِيرِ.................
وَالْمُرَادُ بِالْوَحْيِ هُنَا الْوَحْيُ الَّذِي بِهِ وَصَفَ كَيْفِيَّةَ صُنْعِ الْفُلْكِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ عَطْفُهُ عَلَى الْمَجْرُورِ بِبَاءِ الْمُلَابَسَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَمْرِ بِالصُّنْعِ.
{وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ}. جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ دَعَا إِلَى اعْتِرَاضِهَا هُنَا ذِكْرُ (مُجْرَاهَا) إِتْمَامًا لِلْفَائِدَةِ وَصْفًا لِعِظَمِ الْيَوْمِ وَعَجِيبِ صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَيْسِيرِ نَجَاتِهِمْ. وَتَشْبِيهُهُ بِالْجِبَالِ فِي ضَخَامَتِهِ. وَذَلِكَ إِمَّا لِكَثْرَةِ الرِّيَاحِ الَّتِي تَعْلُو الْمَاءَ وَإِمَّا لِدَفْعِ دَفَقَاتِ الْمَاءِ الْوَارِدَةِ مِنَ السُّيُولِ وَالْتِقَاءِ الْأَوْدِيَةِ الْمَاءَ السَّابِقَ لَهَا.
ق َ الَ الشَّيْخُ الْعُثَيمِيِنُ رِحِمَهُ اللهُ فِي شَرْح ِ رِيَاض ِ الصَّالِحِين َ عَنْ الْقُرْآنِ .............
وَذَلِكَ لِأَن َّ هَذَا الْقُرْآنَ هُو َ أَصْلُ الْعِلْم ِ وَمَنْبَعُ الْعِلْم ِ وَكُلُّ الْعِلْم ِ - وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :{ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِين َ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}.
قالَ فِي تَفسِير المَنَارِ ........
إِنَّ الْقُرْآنَ هُوَ أَسَاسُ الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ ، بَلْ هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ ..........
إِنَّ الْقُرْآنَ يَنْبُوعٌ لِلْهِدَايَةِ وَالْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ ، لَا تَخْلُقُ جِدَّتُهُ ، وَلَا تَفْتَأُ تَتَجَدَّدُ هِدَايَتُهُ وَتَفِيضُ لِلْقَارِئِ عَلَى حَسَبِ اسْتِعْدَادِهِ حِكْمَتُهُ ، فَرُبَّمَا ظَهَرَ لِلْمُتَأَخِّرِ مَنْ حِكَمِهِ وَأَسْرَارِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ لِمَنْ قَبْلَهُ ، تَصْدِيقًا لِعُمُومِ حَدِيثِ : " فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوَعَى مِنْ سَامِعٍ ".
وَهَكَذا يُعلِّمُ اللهُ عبادَه الصَّادِقِينَ كلَّ مَا يحْتَاجُونَه ...........
قَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي سُورَة ِ الْأَنْعَامِ :{ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37) }
قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد رَشِيد رِضَا رَحِمَهُ اللَّهُ في تَفسيرِ المَنَارِ لَه .....
فَالْقُرْآنُ فِي جُمْلَتِهِ آيَةٌ عِلْمِيَّةٌ ، وَفِي تَفْصِيلِهِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ عَقْلِيَّةٌ وَكَوْنِيَّةٌ ، وَهِيَ دَائِمَةٌ لَا تَزُولُ كَمَا زَالَتِ الْآيَاتُ الْكَوْنِيَّةُ كَعَصَا مُوسَى مَثَلًا ، عَامَّةٌ لَا تَخْتَصُّ بِبَعْضِ مَنْ كَانَ فِي عَصْرِ الرَّسُولِ كَمَا كَانَتْ آيَةُ مُوسَى الْكُبْرَى خَاصَّةً بِمَنْ رَآهَا فِي عَصْرِهِ ، وَهِيَ أَدَلُّ عَلَى الرِّسَالَةِ مِنَ الْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ ; لِأَنَّ مَوْضُوعَ الرِّسَالَةِ عِلْمِيٌّ ، فَهُوَ عِلْمٌ مُوحَى بِهِ غَيْرُ مَكْسُوبٍ يُقْصَدُ بِهِ هِدَايَةُ الْخَلْقِ إِلَى الْحَقِّ ، فَظُهُورُ عُلُومِ الْهِدَايَةِ عَلَى لِسَانِ أُمِّيٍّ كَانَ هُوَ وَقَوْمُهُ أَبْعَدَ النَّاسِ عَنْ كُلِّ عِلْمٍ بِعِبَارَةٍ أَعْجَزَتْ بِبَلَاغَتِهَا قَوْمَهُ كَمَا أَعْجَزَتْ غَيْرَهُمْ - عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلُ مَعْدُودًا مِنْ بُلَغَائِهِمْ - أَدَلُّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَصَا مُوسَى عَلَى كَوْنِ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ التَّوْرَاةِ مُوحًى بِهِ مِنْهُ تَعَالَى ، وَهِيَ غَيْرُ مُعْجِزَةٍ فِي نَفْسِهَا ، وَقَدْ نَشَأَ مَنْ جَاءَ بِهَا فِي دَارِ مَلِكٍ أَرْبَى عَلَى سَائِرِ مَمَالِكِ الْأَرْضِ بِالْعُلُومِ وَالشَّرَائِعِ .
فَالْآيَةُ الْعِلْمِيَّةُ الْقَطْعِيَّةُ لَا يُمْكِنُ الْمِرَاءُ فِيهَا كَالْمِرَاءِ فِي الْآيَةِ الْكَوْنِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَمْرٌ غَرِيبٌ غَيْرُ مُعْتَادٍ يَشْتَبِهُ بِكَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ النَّادِرَةِ الَّتِي لَهَا أَسْبَابٌ خُفْيَةٌ كَالسِّحْرِ وَغَيْرِهِ ; وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْمَعْقُولِ فِي دَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى النُّبُوَّةِ ، هَلْ هِيَ عَقْلِيَّةٌ أَوْ عَادِيَّةٌ أَوْ وَضْعِيَّةٌ ؟
وَقَدْ جَاءَ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ عَشَرَ مِنْ سِفْرِ تَثْنِيَةِ الِاشْتِرَاعِ أَنَّ مَنْ أَتَى بِآيَةٍ أَوْ أُعْجُوبَةٍ مِنْ نَبِيٍّ أَوْ حَالِمٍ وَأَمْرَ بِعِبَادَةِ غَيْرِ اللهِ تَعَالَى لَا يُسْمَعُ لَهُ ، بَلْ يَجِبُ قَتْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالزَّيْغِ . فَالْآيَاتُ الْكَوْنِيَّةُ إِذًا لَا تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ كُلِّ مَنْ تَظْهَرُ عَلَى يَدَيْهِ ، بَلْ تَخْتَلِفُ دَلَالَتُهَا بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ مَنْ تَظْهَرُ عَلَى أَيْدِيهِمْ ، وَبِذَلِكَ يَقُولُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ .
وَأَمَّا طَلَبُهُمْ لِلْآيَةِ وَالْآيَاتِ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ ، فَسَبَبُهُ مُحَاوَلَةُ تَعْجِيزِ
الرَّسُولِ لَا كَوْنُهُ هُوَ الدَّلِيلُ الَّذِي يَرَوْنَهُ مُوَصِّلًا إِلَى الْمَدْلُولِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لِرَسُولِهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ : (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) وَقَالَ فِي أَوَّلِ " سُورَةِ الْقَمَرِ " : (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)
وَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُ مِثْلَ هَذَا فِي كُلِّ آيَةٍ كَوْنِيَّةٍ عَنِ اعْتِقَادٍ ، وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ : إِنَّ الْقُرْآنَ سِحْرٌ يُؤْثَرُ فَقَدْ كَانَ عَنْ تَضْلِيلٍ وَعِنَادٍ ، عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَيَّدَ رَسُولَهُ بِآيَاتٍ أُخْرَى غَيْرِ الْآيَاتِ الَّتِي اقْتَرَحَهَا الْجَاحِدُونَ الْمُعَانِدُونَ ازْدَادَ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ إِيمَانًا ،وَالْجَاحِدُونَ عِنَادًا وَطُغْيَانًا ، وَقَدْ سَبَقَ لَنَا بَحْثٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ قَبْلُ وَسَيَجِيءُ مَا يَقْتَضِي الْعَوْدَةَ إِلَيْهَا بَعْدُ .
قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّحْل ِ :{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْء ٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (89)}
قَالَ ابْنُ كَثيرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَفْسِيرِهِ ...... ..........
وَقَوْلُهُ: {وَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْء ٍ} قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَقَدْ بَيَّنَ لَنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ كُلَّ عِلْمٍ، وَكُلَّ شَيْءٍ.وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كُلُّ حَلَالٍ وَحَرَامٍ..
وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَعَمُّ وَأَشْمَلُ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ اشْتَمَلَ عَلَى كُلِّ عِلْمٍ نَافِعٍ مِنْ خَبَرِ مَا سَبَقَ، وَعِلْمِ مَا سَيَأْتِي، وَحُكْمِ كُلِّ حَلَالٍ وَحَرَامٍ، وَمَا النَّاسُ إِلَيْهِ مُحْتَاجُونَ فِي أَمْرِ دُنْيَاهُمْ وَدِينِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ وَهُدىً أَيْ لِلْقُلُوبِ وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْء ٍ أَيْ:بِالسُّنَّةِ.
قَالَ فِي التَّحْريرِ وَالتّنْوِيرِ.................
وَتَعْرِيفُ الْكِتَابِ لِلْعَهْدِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ.
وَ «كُلُّ شَيْءٍ» يُفِيدُ الْعُمُومَ إِلَّا أَنَّهُ عُمُومٌ عُرْفِيٌّ فِي دَائِرَةِ مَا لِمِثْلِهِ تَجِيءُ الْأَدْيَانُ وَالشَّرَائِعُ: مِنْ إِصْلَاحِ النُّفُوسِ، وَإِكْمَالِ الْأَخْلَاقِ، وَتَقْوِيمِ الْمُجْتَمَعِ الْمَدَنِيِّ، وَتَبَيُّنِ الْحُقُوقِ، وَمَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الدَّعْوَةُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ، وَصِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا يَأْتِي فِي خِلَالِ ذَلِكَ مِنَ الْحَقَائِقِ الْعِلْمِيَّةِ وَالدَّقَائِقِ الْكَوْنِيَّةِ، وَوَصْفِ أَحْوَالِ الْأُمَمِ، وَأَسْبَابِ فَلَاحِهَا وَخَسَارِهَا، وَالْمَوْعِظَةِ بِآثَارِهَا بِشَوَاهِدِ التَّارِيخِ، وَمَا يَتَخَلَّلُ ذَلِكَ مِنْ قَوَانِينِهِمْ وَحَضَارَاتِهِمْ وَصَنَائِعِهِمْ.
وَفِي خِلَالِ ذَلِكَ كُلِّهِ أَسْرَارٌ وَنُكَتٌ مِنْ أُصُولِ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ صَالِحَةٌ لِأَنْ تَكُونَ بَيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ الْحَقِيقِيِّ إِنْ سَلَكَ فِي بَيَانِهَا طَرِيقَ التَّفْصِيلِ وَاسْتُنِيرَ فِيهَا بِمَا شَرَحَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا قَفَاهُ بِهِ أَصْحَابُهُ وَعُلَمَاءُ أُمَّتِهِ، ثُمَّ مَا يَعُودُ إِلَى التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مِنْ وَصْفِ مَا أَعَدَّ لِلطَّائِعِينَ وَمَا أَعَدَّ لِلْمُعْرِضِينَ، وَوَصْفِ عَالَمِ الْغَيْبِ وَالْحَيَاةِ الْآخِرَةِ.
فَفِي كُلِّ ذَلِكَ بَيَانٌ لِكُلِّ شَيْءٍ يُقْصَدُ بَيَانُهُ لِلتَّبَصُّرِ فِي هَذَا الْغَرَض الْجَلِيل، فيؤول ذَلِكَ الْعُمُومُ الْعُرْفِيُّ بِصَرِيحِهِ إِلَى عُمُومٍ حَقِيقِيٍّ بِضِمْنِهِ وَلَوَازِمِهِ. وَهَذَا مِنْ أَبْدَعَ الْإِعْجَازِ.
وَخُصَّ بِالذِّكْرِ الْهُدَى وَالرَّحْمَةُ وَالْبُشْرَى لِأَهَمِّيَّتِهَا فَالْهُدَى مَا يَرْجِعُ مِنَ التِّبْيَانِ إِلَى تَقْوِيمِ الْعَقَائِدِ وَالْأَفْهَامِ وَالْإِنْقَاذِ مِنَ الضَّلَالِ. وَالرَّحْمَةُ مَا يَرْجِعُ مِنْهُ إِلَى سَعَادَةِ الْحَيَاتَيْنِ الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى، وَالْبُشْرَى مَا فِيهِ مِنَ الْوَعْدِ بِالْحُسْنَيَيْنِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ.
وَكُلُّ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ غَيْرَهُمْ لَمَّا أَعْرَضُوا عَنْهُ حَرَمُوا أَنْفُسَهُمُ الِانْتِفَاعَ بِخَوَاصِّهِ كُلِّهَا.
فَاللَّامُ فِي لِكُلِّ شَيْءٍ مُتَعَلِّقٌ بِالتِّبْيَانِ، وَهِيَ لَامُ التَّقْوِيَةِ، لِأَنَّ «كُلَّ شَيْءٍ» فِي مَعْنَى الْمَفْعُولِ بِهِ لِ تِبْياناً. وَاللَّامُ فِي لِلْمُسْلِمِينَ لَام العلّة يتنازع تعلّقها «تبيان وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى» وَهَذَا هُوَ الْوَجْه.
طَلَب ٌ ..........وَ..........جَوَاب ٌ
قَالَ تَعَالَى في سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ :{ وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)}
هَذّا مَا طَلَبُوه ُ :{ وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ }.....{ الْآيَاتِ الْحِسِّيَّة َ }...
وَهَذَا جَوَابُهُم ْ : { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ}... {الْقُرْآنُ الْكَرِيم ُ }.
قال في اللُّبَابِ : قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ } عِبارةٌ تُنبىء عَن كَوْنِ الق ُ رآنِ آيةً فَوْقَ الك ِ فَايةِ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ..............
قَوْلُهُ تَعَالَى (وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ) هَذَا قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعْنَاهُ هَلَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ كَآيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ. قِيلَ: كَمَا جَاءَ صَالِحٌ بِالنَّاقَةِ، وَمُوسَى بِالْعَصَا، وَعِيسَى بِإِحْيَاءِ الْمَوْتَى، أَيْ" قُلْ" لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: (إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ) فَهُوَ يَأْتِي بِهَا كَمَا يُرِيدُ، إِذَا شَاءَ أَرْسَلَهَا وَلَيْسَتْ عِنْدِي (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ). قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ) هذا جواب لقولهم" لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ" أي أو لم يَكْفِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْآيَاتِ هَذَا الْكِتَابُ الْمُعْجِزُ الَّذِي قَدْ تَحَدَّيْتَهُمْ بِأَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ، أَوْ بسورة منه فعجزوا، ولوا أَتَيْتَهُمْ بِآيَاتِ مُوسَى وَعِيسَى لَقَالُوا: سِحْرٌ وَنَحْنُ لَا نَعْرِفُ السِّحْرَ.
قَالَ فِي البَحْرِ المُحِيطِ .........
{ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ.} وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ رَدٌّ عَلَى الَّذِينَ قَالُوا: { لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ} : أيْ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ آيَةً مُغْنِيَةً عَنْ سَائِرِ الْآيَاتِ، إِنْ كَانُوا طَالِبِينَ لِلْحَقِّ، غَيْرَ مُتَعَنِّتِينَ هَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي تَدُومُ تِلَاوَتُهُ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ ؟ فَلَا تَزَالُ مَعَهُمْ آيَةٌ ثَابِتَةٌ لَا تَزُولُ وَلَا تَضْمَحِلُّ، كَمَا تَزُولُ كُلُّ آيَةٍ بَعْدَ وُجُودِهَا، وَيَكُونُ فِي مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ. أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ لَرَحْمَةٌ لَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ لَا تُنْكَرُ وَتُذْكَرُ.
قوله تعالى :{ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)}
قال أَبُو السُّعُودِ – رَحِمَه اللهُ- في تَفسيرِه-
{ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } مُجَاوِزُونَ الحُدُودَ فِي المُكَابَرَةِ وَالعِنَادِ لَا يَحُومُونَ حَوْلَ الرُّشْدِ وَالسَّدَادِ ، وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ مَا يَقُولُونَ مِنْ الأَكَاذِيبِ الخَارِجَةِ عَنْ دَائِرةِ العُقُولِ وَالظُّنُونِ .
{ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ } أَيْ اخْتَلَقَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ { بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ } فَلِكُفْرِهِم وَعِنَادِهِم يَرْمُونَ بِهَذِهِ الأَبَاطِيلِ الَّتِي لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ بُطلَانُها ....
كَيفَ لَا .. وَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِلَّا وَاحِدٌ مِنَ الْعَرَبِ.......
فكَيفَ أَتَى بِمَا عَجَزَ عَنْهُ كَافةُ الأُمَمِِ مِنَ الْعَجَم ِ وَ الْعَرَبِ....
فكَيفَ أَتَى بِمَا عَجزَ عَنه كَافةُ الأُممِ مِنَ الْعَجَم ِ وَ الْعَرَبِ .......
فكَيفَ أَتَى بِمَا عَجزَ عَنه كَافةُ الأُممِ مِنَ الْعَجَم ِ وَ الْعَرَبِ ِ.........
قَالَ ابْنُ الْقِيَمِ رَحِمَهُ اللَّه ُ فِي بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ .......
"وَاعْرِفْ قَدْرِ الْقُرْآنِ وَمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الْأَسْرِارِ وَكُنُوزِ الْعِلْمِ وَالْمَعَارِفِ الَّتِي عَجَزَتْ عُقُولُ الْخَلَائِقِ عَنْ إِحْصَاءِ عُشْرِ مِعْشَارِهَا".
رِفْعَة ُ أَهْلِ الْقُرْآن ِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة ِ
-عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ . رَوَاهُ مُسلمٌ
مَاذَا تَقُولُون َ فِي هَذِه ِ الرِّفْعَة ِ ؟ أَهِي َ رِفْعَةُ بُنْيَان ٍ ؟ أَمْ هِي َ رِفْعَةُ أُمَّةٍ بِأَكْمَلِهَا ؟
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِي ِّ رِحِمَهُ اللهُ في كَشْفِ المُشْكَلِ مْنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْن ِ : قَوْلُهُ :{إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ - يَعْنِي القُرآنَ - أَقْوَامَا - أَرَادَ يَرفَعُ حَافِظِيهِ وَالعَامِلِينَ بِهِ وَيَضَعُ المُضَيعِينَ لِحَقِّهِ المُفَرِّطينَ فِي أَمْرِهِ .
قال العُثيمين رِحِمَهُ اللهُ فِي شَرْح ِ رِيَاض ِ الصَّالِحِين َ...................
فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْفَعُه ُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة ِ. وَذَلِكَ لِأَن َّ هَذَا الْقُرْآنَ هُو َ أَصْلُ الْعِلْم ِ وَمَنْبَعُ الْعِلْم ِ وَكُلُّ الْعِلْم ِ - وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :{ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِين َ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}.
أَمَّا فِي الآخِرَة ِ فَيَرْفَعُ اللهُ بِهِ أَقْوَامًا فِي جَنَّاتِ النَّعِيم ِ - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارَتْقِ وَرَتِّل ْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخَرَ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا". خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ....}
قالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد رَشِيد رِضَا رَحِمَهُ اللَّهُ في تَفسيرِ المَنَارِ لَه :
{وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } أَيْ : وَلَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَرْفَعَهُ بِتِلْكَ الْآيَاتِ إِلَى دَرَجَاتِ الْكَمَالِ وَالْعِرْفَانِ ، الَّتِي تُقْرَنُ فِيهَا الْعُلُومُ بِالْأَعْمَالِ :{ يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ }- لَفَعَلْنَا ، بِأَنْ نَخْلُقَ لَهُ الْهِدَايَةَ خَلْقًا ، وَنَحْمِلَهُ عَلَيْهَا طَوْعًا أَوْ كُرْهًا ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُعْجِزُنَا ، وَإِنَّمَا هُوَ مُخَالِفٌ لِسُنَّتِنَا .
قَالَ فِي مَحَاسِنِ التَّأْوِيِلِ .....
{ ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } أَيْ : مِنْ التَّوْرَاةِ أَوْ غَيْرِهَا { فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } .
قَالَ الْبَغَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ..............
{ وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها } ، أَيْ: رَفَعْنَا دَرَجَتَهُ وَمَنْزِلَتَهُ بِتِلْكَ الْآيَاتِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَرَفَعْنَاهُ بِعِلْمِهِ بِهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ: لَرَفَعْنَا عَنْهُ الْكُفْرَ وَعَصَمْنَاهُ بِالْآيَاتِ.
قَالَ فِي التَّحْريرِ وَالتّنْوِيرِ.................
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها } أَفَادَ أَنَّ تِلْكَ الْآيَاتِ شَأْنُهَا أَنْ تَكُونَ سَبَبًا لِلْهِدَايَةِ وَالتَّزْكِيَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :{ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ }
قَالَ أَبُو السُّعُود ِ رَحِمَهُ اللهُ :
{ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } عَطْفٌ على { يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } نُظم مَعهُمَا في
لِمَوصُولٍ وَاحِدٍ لِمَا أنَّ الصِّحَّةَ وَالمَرضَ مِنْ مُتَفرِّعَاتِ الْأَكْلِ وَالشُّرْب ِ غَالِبَاً .
ألَيسَ المَرضُ تَابِعَا فِي الغَالِبِ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَمَا قَالَ أَبُو السُّعُودِ رَحِمَهُ اللهُ ؟
وهذا علمٌ في القرآنِ ......
قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الإِسْرَاءِ :{ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12) }
قَالَ فِي فَتْحِ القَدِيرِ ...............
وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا أَيْ: كُلَّ مَا تَفْتَقِرُونَ إِلَيْهِ فِي أَمْرِ دِينِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ بَيَّنَّاهُ تَبْيِينًا وَاضِحًا لَا يَلْتَبِسُ، وَعِنْدَ ذَلِكَ تَنْزَاحُ الْعِلَلُ وَتَزُولُ الْأَعْذَارُ: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ } .
جَاءَ فِي : تَفْسِيرِ ابْنِ بَادِيس ((فِي مَجَالِسِ التَّذْكِيرِ مِنْ كَلَامِ الْحَكِيمِ الْخَبِيرِ)).....
فَهَذِهُ الْكَلِمَاتُ الْقَلِيلَةُ الْكَثِيرَةُ، وَهِيَ: {لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} جَمَعَتْ جَمِيعَ أُصُولِ السَّعَادَةِ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ:
بِالْعَمَلِ مَعَ الْجِدَّ فِيهِ، وَالْمَحَبَّةِ لَهُ وَالرَّجَاءِ فِي ثَمَرَتِهِ، الَّذِي بِهِ قِوَامُ الْعُمْرَانِ.
وَبِالرِّضَا وَالتَّسْلِيمِ لِلمَوْلَى، الَّذِي بِهِ طُمَأْنِينَةُ الْقَلْبِ وَرَاحِةُ الضَّمِيرِ.
وَبِالْكَفِّ لِلقَلْبِ وَالْيَدِ عَنِ النَّاسِ، الَّذِي بِهِ الْأَمْنُ وَالسَّلَامُ.
وَيَذْكُرُ تَعَالَى عِلْمَ عَدَدَ السِّنِينَ ، الْمُتَضَمِّنَ لشعَدَدِ الشُّهُورِ وَالأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ تَنْبِيهًا لِخَلْقِهِ عَلَى ضَبْطِ الْأَعْمَالِ بِالْأَوْقَاتِ، فَإنَّ نِظَامَ الْأَعْمَالِ وَاطِّرَادِهَا وَخِفَّتِهَا وَالنَّشَاطِ فِيهَا وَقُرْبِ إِنْتَاجِهَا .... إِنَّمَا هُوَ بِهَذَا الضَّبْطِ لَهَا عَلَى دَقَائِقَ الزَّمَانِ.
كَمَا ذَكَرَ تَعَالَى جِنْسَ الْحِسَابِ تَنْبِيهًا عَلَى لُزُومِهِ لِهَذَا الضَّبْطِ، وَجَمِيعِ شُؤونِ الْحَيَاة ِ مِنْ عِلْمٍ وَعَمَل ٍ ؛ فَكُلُّ الْعُلُومِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى هَذَا الْعَدِّ وَهَذَا الْحِسَابِ هِيَ وَسَائلُ لَهَا حُكْمُ مَقْصِدِهَا فِي الْفَضْلِ وَالنَّفْعِ وَالتَّرْغِيبِ.
{ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا }.
فَكُلُّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْه ِ الْعِبَادُ لِتَحْصِيلِ السَّعَادَتَيْن ِ مِنْ عَقَائِد ِ الْحَقِّ، وَأَخْلَاقِ الصِّدْقِ، وَأَحْكَامِ الْعَدْلِ، وَوُجُوهِ الْإِحْسَاِن .. كُلُّ هَذَا فُصِّلَ فِي الْقُرْآنِ تَفْصِيلًا : كُلٌّ فُصِّلَ غَايَةَ الْبَيَانِ وَالْأَحْكَامِ.
وَهَذَا دُعَاءٌ وَتَرْغِيبٌ لِلْخَلْقِ أَنَّ يَطْلُبُوا ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ الَّذِي يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَم ُ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَل ِ. ، وَيَأْخُذُوا مِنْهُ وَيَهْتَدُوا بِه ِ ؛ فَهُوَ الْغَايَة ُ الَّتِي مَا وَرَاءَهَا غَايَة ٌ، فِي الْهُدَى وَالْبَيَانِ.
جَاءَ فِي كِتِابِ الْبِدَايَةْ وَالنِّهَايَةِ لِابْنِ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ...............
فَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ مُعْجِزٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ؛ مِنْ فَصَاحَتِهِ، وَبَلَاغَتِهِ، وَنَظْمِهِ، وَتَرَاكِيبِهِ، وَأَسَالِيبِهِ، وَمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الْإِخْبَارِ بِالْغُيُوبِ الْمَاضِيَةِ وَالْمُسْتَقْبَلَةِ، وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ الْمُحْكَمَةِ الْجَلِيَّةِ، فَالتَّحَدِّي بِبَلَاغَةِ أَلْفَاظِهِ يَخُصُّ فُصَحَاءَ الْعَرَبِ، وَالتَّحَدِّي بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَعَانِي الصَّحِيحَةِ الْكَامِلَةِ - وَهِيَ أَعْظَمُ فِي التَّحَدِّي عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَّاءِ - يَعُمُّ جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ مِنَ الْمِلَّتَيْنِ؛ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُقَلَاءِ الْيُونَانِ وَالْهِنْدِ وَالْفَرَسِ وَالْقِبْطِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْنَافِ بَنِي آدَمَ فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ وَالْأَعْصَارِ، وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ الْإِعْجَازَ إِنَّمَا هُوَ مَنْ صَرْفِ دَوَاعِي الْكَفَرَةِ عَنْ مُعَارَضَتِهِ مَعَ إِمْكَانِ ذَلِكَ، أَوْ هُوَ سَلْبُ قُدَرِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، فَقَوْلٌ بَاطِلٌ وَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ، خَلَقَهُ اللَّهُ فِي بَعْضِ الْأَجْرَامِ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ مَخْلُوقٍ وَمَخْلُوقٍ، وَقَوْلُهُمْ هَذَا كُفْرٌ وَبَاطِلٌ، وَلَيْسَ بِمُطَابِقٍ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، بَلِ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، تَكَلَّمَ بِهِ كَمَا شَاءَ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا .
فَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَاجِزُونَ حَقِيقَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ وَلَوْ تَعَاضَدُوا وَتَظَاهَرُوا عَلَى ذَلِكَ، بَلْ لَا تَقْدِرُ الرُّسُلُ الَّذِينَ هُمْ أَفْصَحُ الْخَلْقِ وَأَعْلَمُ الْخَلْقِ وَأَكْمَلُهُمْ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِمِثْلِ كَلَامِ اللَّهِ، وَهَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي يُبَلِّغُهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اللَّهِ كَلَامٌ لَهُ أُسْلُوبٌ لَا يُشْبِهُ أَسَالِيبَ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَسَالِيبُ كَلَامِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْمَحْفُوظَةُ عَنْهُ بِالسَّنَدِ الصَّحِيحِ إِلَيْهِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمِثْلِ أَسَالِيبِهِ فِي فَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ فِيمَا يَرُومُهُ مِنَ الْمَعَانِي بِأَلْفَاظِهِ الشَّرِيفَةِ....
بَلْ وَكَلَامُ الصَّحَابَةِ أُسْلُوبٌ أَعْلَى مِنْ أَسَالِيبِ كَلَامِ التَّابِعِينَ، وَهَلُمَّ جَرًّا إِلَى زَمَانِنَا، وَعُلَمَاءُ السَّلَفِ أَفْصَحُ وَأَعْلَمُ وَأَقَلُّ تَكَلُّفًا فِي أَدَاءِ مَا يُرِيدُونَهُ مِنَ الْمَعَانِي بِأَلْفَاظِهِمْ، مِنْ عُلَمَاءِ الْخَلَفِ، وَهَذَا يَشْهَدُهُ مَنْ لَهُ ذَوْقٌ بِكَلَامِ النَّاسِ، كَمَا يُدْرَكُ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَ أَشْعَارِ الْعَرَبِ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ وَبَيْنَ أَشْعَارِ الْمُوَلَّدِينَ الَّذِينَ كَانُوا بَعْدَ ذَلِكَ.
حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ
قَالَ الْبَغَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ..............
وَاقْتِدَاءً بِالْمَاضِينَ مِنَ السَّلَفِ فِي تَدْوِينِ الْعِلْمِ إِبْقَاءً عَلَى الْخَلَفِ، وَلَيْسَ عَلَى مَا فَعَلُوهُ مَزِيدٌ وَلَكِنْ لَا بُدَّ فِي كُلِّ زَمَانٍ مِنْ تَجْدِيدِ مَا طَالَ بِهِ الْعَهْدُ، وَقَصُرَ لِلطَّالِبِينَ فِيهِ الْجِدُّ وَالْجَهْدُ تَنْبِيهًا لِلْمُتَوَقِّفِينَ وَتَحْرِيضًا لِلْمُتَثَبِّطِينَ.
قَدْ جَاءَ الْوَعِيدُ فِي حَقِّ مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ وَذَلِكَ فِيمَنْ قَالَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ. فَأَمَّا التَّأْوِيلُ- وَهُوَ صَرْفُ الْآيَةِ إِلَى مَعْنًى مُحْتَمَلٍ مُوَافِقٍ لِمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا غَيْرِ مُخَالِفٍ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ - فَقَدْ رُخِّصَ فِيهِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ.
أَمَّا التَّفْسِيرُ: وَهُوَ الْكَلَامُ فِي أَسْبَابِ نُزُولِ الْآيَةِ وَشَأْنِهَا وَقِصَّتِهَا، فَلَا يَجُوزُ إِلَّا بِالسَّمَاعِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ مِنْ طَرِيقِ النَّقْلِ.
وَأَصْلُ التَّفْسِيرِ مِنَ التَّفْسِرَةِ وَهِيَ: الدَّلِيلُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي يَنْظُرُ فِيهِ الطَّبِيبُ فَيَكْشِفُ عَنْ عِلَّةِ الْمَرِيضِ، كَذَلِكَ الْمُفَسِّرُ يَكْشِفُ عَنْ شَأْنِ الْآيَةِ وَقِصَّتِهَا.
حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ
قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)}
هَذِهِ الآيَةُ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى مَا صَارَ إِلَيهِ حَالُ الدُّنْيَا وَمَا سَيَصِيرُ إِلَيهِ حَالُهَا مِمَّا نَرَى مِنْ زُخْرُفٍ وَزِينَةٍ وَتَغَيُّرٍ شَامِلٍ- وَهُوَ من نَبَأِ الْقُرْآنِ بِالْغَيْبِ .
قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد رَشِيد رِضَا رَحِمَهُ اللَّهُ في تَفسيرِ المَنَارِ لَه .....
وَلَا تَغْفُلْ عَنْ حُسْنِ الِاسْتِعَارَةِ فِي أَخْذِ الْأَرْضِ زِينَتَهَا ، حَتَّى كَانَ اسْتِكْمَالُ جَمَالِهَا ، كَأَنَّهُ فِعْلُ عَاقِلٍ حَرِيصٍ عَلَى مُنْتَهَى الْإِبْدَاعِ وَالْإِتْقَانِ فِيهَا {صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ }.
قَالَ فِي التَّحْريرِ وَالتّنْوِيرِ.................
وَفِي مَعْنَى الْغَايَةِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ (حَتَّى) مَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ بَيْنَ مَبْدَأِ ظُهُورِ لَذَّاتِ الْحَيَاةِ وَبَيْنَ مُنْتَهَاهَا مَرَاتِبَ جَمَّةً وَأَطْوَارًا كَثِيرَةً، فَذَلِكَ طُوِيَ فِي مَعْنَى (حَتَّى) .
قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد رَشِيد رِضَا رَحِمَهُ اللَّهُ في تَفسيرِ المَنَارِ لَه .....
وَالْعِبْرَةُ لِمُسْلِمِي عَصْرِنَا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ الْمُنَزَّلَةِ وَأَمْثَالِهَا ، الَّتِي اهْتَدَى بِهَا الشَّعْبُ الْعَرَبِيُّ فَخَرَجَ مِنْ شِرْكِهِ وَخُرَافَاتِهِ وَأُمِّيَّتِهِ وَبَدَاوَتِهِ إِلَى نُورِ التَّوْحِيدِ وَالْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَالْحَضَارَةِ ، ثُمَّ اهْتَدَى بِدَعْوَتِهِ إِلَيْهَا الْمَلَايِينُ مِنْ شُعُوبِ الْعَجَمِ ، فَشَارَكَتْهُ فِي هَذِهِ السَّعَادَةِ وَالنِّعَمِ _ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ حَظٌّ مِنْهَا إِلَّا تَرْتِيلَهَا بِالنَّغَمَاتِ فِي بَعْضِ الْمَوَاسِمِ وَالْمَآتِمِ ، وَلَا يَخْطُرُ لَهُمْ بِبَالٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمُ التَّفَكُّرُ لِلِاهْتِدَاءِ بِهَا ، وَلَوْ تَفَكَّرُوا لَاهْتَدَوْا .
ولا يُمكِن قصرُ الآيةِ على مَعنى واحدٍ -- إذ ما قبلَهَا ومَا بَعْدَها وَسِياق الآيَةِ لا يُمكِنُ تَوقِيفُه على معنى الزَّرعِ فَقَط ...
فَهَذَا خَبرُ القُرآنِِ بأقصى مَا وَصَل إليه حَالُ الدُّنيا مِمَّا نَرَى ....
ولا يُمكنُ أن يكونَ مقصودُها الآخرةَ - بدليلِ قولِهِ تَعَالى :{لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }.
فالتَّفكُّرُ شَأنُ الدُّنيا ......
ُهُ تَعَالَى :{ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)}
قالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد رَشِيد رِضَا رَحِمَهُ اللَّهُ في تَفسيرِ المَنَارِ لَه :
خَتَمَ لَهُ الشَّرَائِعَ وَالْمَنَاهِجَ بِالشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى أَصْلِ الِاجْتِهَادِ ، وَجَعَلَ أَمْرَهُ فِي الْقَضَاءِ وَالسِّيَاسَةِ وَالِاجْتِمَاعِ شُورَى بَيْنَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْ أَهْلِ الْمَكَانَةِ وَالْعِلْمِ وَالرَّأْيِ (لِيَبْلُوَكُمْ) أَيْ لِيُعَامِلَكُمْ بِذَلِكَ مُعَامَلَةَ الْمُخْتَبِرِ لِاسْتِعْدَادِكُمْ (فِيمَا آتَاكُمْ) أَيْ أَعْطَاكُمْ مِنَ الشَّرَائِعِ وَالْمَنَاهِجِ ، فَتَظْهَرُ حِكْمَتُهُ فِي تَمْيِيزِكُمْ عَلَى غَيْرِكُمْ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَلْقِ فِي أَرْضِكُمْ ، وَهُوَ كَوْنُكُمْ جَامِعِينَ بَيْنَ الْحَيَوَانِيَّةِ وَالْمَلَكِيَّةِ .
يَظْهَرُ مِثَالُ مَا حَقَّقْنَاهُ فِي الشَّرَائِعِ وَالْمَنَاهِجِ الْأَخِيرَةِ : الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَالْإِسْلَامِيَّةِ ، فَالْيَهُودِيَّةُ شَرِيعَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الشِّدَّةِ فِي تَرْبِيَةِ قَوْمٍ أَلِفُوا الْعُبُودِيَّةَ وَالذُّلَّ ، وَفَقَدُوا الِاسْتِقْلَالَ فِي الْإِرَادَةِ وَالرَّأْيِ ; فَهِيَ مَادِّيَّةٌ جَسَدِيَّةٌ شَدِيدَةٌ لَيْسَ لِأَهْلِهَا فِيهَا رَأْيٌ وَلَا اجْتِهَادٌ ، فَالْقَائِمُ بِتَنْفِيذِهَا كَالْمُرَبِّي لِلطِّفْلِ الْعَارِمِ الشَّكِسِ .
وَالْمَسِيحِيَّةُ يَهُودِيَّةٌ مِنْ جِهَةٍ وَرُوحَانِيَّةٌ شَدِيدَةٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى ، فَهِيَ تَأْمُرُ أَهْلَهَا بِأَنْ يُسَلِّمُوا أُمُورَهُمُ الْجَسَدِيَّةَ وَالِاجْتِمَاعِيَّةَ لِلْمُتَغَلِّبِينَ مِنْ أَهْلِ السُّلْطَةِ وَالْحُكْمِ ، مَهْمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْفَسَادِ وَالظُّلْمِ ، وَأَنْ يَقْبَلُوا كُلَّ مَا يُسَامُونَ بِهِ مِنَ الْخَسْفِ وَالذُّلِّ ، وَيَجْعَلُوا عِنَايَتَهُمْ كُلَّهَا بِالْأُمُورِ الرُّوحِيَّةِ ، وَتَرْبِيَةِ الْعَوَاطِفِ وَالْوِجْدَانَاتِ النَّفْسِيَّةِ ; فَهِيَ تَرْبِيَةٌ لِلنَّوْعِ فِي طَوْرِ التَّمْيِيزِ عِنْدَمَا كَانَ كَالْغُلَامِ الْيَافِعِ الَّذِي تُؤَثِّرُ فِي نَفْسِهِ الْخَطَابِيَّاتُ وَالشِّعْرِيَّاتُ .
وَأَمَّا الْإِسْلَامِيَّةُ فَهِيَ الْقَائِمَةُ عَلَى أَسَاسِ الْعَقْلِ وَالِاسْتِقْلَالِ ، الْمُحَقِّقَةُ لِمَعْنَى الْإِنْسَانِيَّةِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ مَصَالِحِ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ ، وَبِهَذَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) }وَقَوْلُهُ : { (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)} فَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَسَاسِ الِاسْتِقْلَالِ الْبَشَرِيِّ اللَّائِقِ بِسِنِّ الرُّشْدِ وَطَوْرِ ارْتِقَاءِ الْعَقْلِ ; وَلِذَلِكَ كَانَتِ الْأَحْكَامُ الدُّنْيَوِيَّةُ فِي كِتَابِهَا قَلِيلَةً ، وَفُرِضَ فِيهَا الِاجْتِهَادُ ; لِأَنَّ الرَّاشِدَ يُفَوَّضُ إِلَيْهِ أَمْرُ نَفْسِهِ ، فَلَا يُقَيَّدُ إِلَّا بِمَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْقِلَهُ مِنَ الْأُصُولِ الْقَطْعِيَّةِ ، وَمِنْ مُقَوِّمَاتِ أُمَّتِهِ الْمِلِّيَّةِ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ .
وَمِنْ فِقْهِ مَا حَقَّقْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ حُجَّةَ اللهِ تَعَالَى بِإِكْمَالِ اللهِ الدِّينَ بِالْقُرْآنِ ، وَخَتْمِهِ النُّبُوَّةَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعْلِ شَرِيعَتِهِ عَامَّةً دَائِمَةً ، لَا تَظْهَرُ إِلَّا بِبِنَاءِ هَذَا الدِّينِ عَلَى أَسَاسِ الْعَقْلِ ، وَبِنَاءً عَلَى هَذِهِ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَسَاسِ الِاجْتِهَادِ وَطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ ، الَّذِينَ هُمْ جَمَاعَةُ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ ، فَمَنْ مَنَعَ الِاجْتِهَادَ فَقَدْ مَنَعَ حُجَّةَ اللهِ تَعَالَى وَأَبْطَلَ مَزِيَّةَ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ عَلَى غَيْرِهَا ، وَجَعَلَهَا غَيْرَ صَالِحَةٍ لِكُلِّ النَّاسِ فِي كُلِّ زَمَانٍ ، فَمَا أَشَدُّ جِنَايَةَ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالِ عَلَى الْإِسْلَامِ ، عَلَى أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمْ عُلَمَاءَ الْإِسْلَامِ .
(فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) أَيْ فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَالْوَاجِبُ عَلَيْكُمْ جَمِيعًا أَنْ تَبْتَدِرُوا الْخَيْرَاتِ وَتُسَارِعُوا إِلَيْهَا ; لِأَنَّهَا هِيَ الْمَقْصُودَةُ بِالذَّاتِ مِنْ جَمِيعِ الشَّرَائِعِ ، وَمَنَاهِجِ الدِّينِ ، فَمَا بَالُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَنْظُرُونَ مِنَ الدِّينِ وَالشَّرْعِ إِلَى مَا بِهِ الْخِلَافُ وَالتَّفَرُّقُ ، دُونَ حِكْمَةِ الْخِلَافِ ، وَمَقْصِدِ الدِّينِ وَالشَّرْعِ ، أَلَيْسَ هَذَا هُوَ تَرْكَ الْهُدَى وَاتِّبَاعَ سُبُلِ الْهَوَى ؟ فَاسْتِبَاقُ الْخَيْرَاتِ هُوَ الَّذِي يَنْفَعُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَإِلَى اللهِ دُونَ غَيْرِهِ تَرْجَعُونَ فِي الْحَيَاةِ الثَّانِيَةِ ; فَيُنَبِّئُكُمْ عِنْدَ الْحِسَابِ بِحَقِيقَةِ مَا كُنْتُمْ تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ، وَيَجْزِي الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ ، فَعَلَيْكُمْ أَنْ تَجْعَلُوا الشَّرَائِعَ سَبَبًا لِلتَّنَافُسِ فِي الْخَيْرَاتِ ، لَا سَبَبًا لِلْعَدَاوَةِ بِتَنَافُسِ الْعَصَبِيَّاتِ .