أين ذهب عنا ذاك الشعور الخفي بالإعجاز وسحر البيان ؟!

عبدالرحمن الشهري

المشرف العام
إنضم
29/03/2003
المشاركات
19,322
مستوى التفاعل
131
النقاط
63
الإقامة
الرياض
الموقع الالكتروني
www.amshehri.com
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم [/align]
لعل إلفنا للغة العربية أفقدنا كثيراً من الشعور بجمالياتها ، وقديماً قالت العرب : كثرة الإمساس تذهب الإحساس ! وصدقوا في ذلك. أقول هذا لأقف مع قوله تعالى :(قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك) سورة هود 48
هذه الآية في جزء منها هو (أمم ممن معك) قد تتابعت فيها الميمات فوصلت ثمان. حيث قلب تنوين (أمم) ميماً ، فهذه ثلاث ميمات ، ثم قلبت نون (من) ميماً ، فهذه خمس ، ثم قلبت نون (من) الثانية ميماً فهذه سبع والثامنة ميم (معك) !
وقلب النون ميماً واجتماع هذه الميمات متفق عليه من جميع القراء ، قراء المتواتر والشاذ ، لم يقرأ أحد بغير ذلك.
وقد استوقفتني هذه الآية ، فرجعت لكتب التفسير فلم أجدها تعرضت لهذه المسألة ، وإنما تعبرها إلى غيرها ! فرجعت إلى كتب اللغة فوجدتهم قد شفوا الغليل ، وأفاضوا في ذكرها ولا سيما كتب البلاغة.
وإذا علمنا أن علماء البلاغة يشترطون للفصاحة أن تكون خالية من التنافر الذي يمثلون له في كتب البلاغة بالشاهد الشعري الذي يقول :
[align=center]وقَبْرُ حربٍ بِمكانٍ قَفْرٍ*** وليسَ قُربَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ[/align]
والتنافر فيه في شطره الثاني ، وهو تنافر في الكلمات لا في الحروف كالهُعْخُع.
القرآن الكريم معجز بنظم أسلوبه ، وبجرس ألفاظه ، وأصوات كلماته. ولكن العجيب أننا قد فقدنا هذه السليقة والحاسة الدقيقة لتحسس هذا النوع من الإعجاز ، ولم نعد نتحسسها كما أحس بها الوليد عندما سمع القرآن الكريم من النبي صلى الله عليه وسلم أول مرة ، حتى قال قولته السائرة التي تعد من أبلغ ما وصف به نظم القرآن على عمومها (والله لقد سمعت كلاماً ما هو من كلام الإنس ، ولا من كلام الجن ، إن له لحلاوة !
وإن عليه لطلاوة !
وإن أعلاه لمثمر !
وإن أسفله لمغدق !
وإنه ليعلو ولا يُعلى عليه ! )
وعدم نبو السمع عن تكرر الميمات في الآية الكريمة السالفة من إعجاز القرآن العجيب ، فلم يشعر القارئ ولا السامع بثقلها في سمعه ، ولا غرابتها ، كما أحس البلاغيون بنفور أسماعهم عن كلمات بيت الشعر اليتيم الشاهد . هذه مسألة.
مسألة أخرى هي إعجاز جرس القرآن ، أو نغمة قراءته وتلاوته ، ولا سيما إذا كان صوت القارئ ندياً ، يستوقف العجلان المستوفز كما قال ابن الرومي ! فإنه يكون للصوت فقط - مع تجاوز المعنى – أثرٌ بليغ في أذن المستمع ولو لم يكن عربياً يفهم ما ترمي إليه الكلمات. وهذا سر عجيب ، وهناك قصص كثيرة لأعاجم أسلموا لما سمعوا القرآن من صوت ندي. وهاك بعضها.
ذكر الشيخ الجليل محمد عبدالخالق عضيمة رحمه الله رحمة واسعة أن ضابطاً كندياً من جنود الحلفاء في الحرب العالمية الثانية تأثر بقراءة الشيخ محمد رفعت رحمه الله ، وكان قد سمعها في الإذاعة. فسأل عن هذا الشيخ القارئ ، فدل عليه ، فحضر إلى مجلسه ، واستمع لقراءته ، ثم أعلن إسلامه ! وهو لم يفهم من القراءة شيئاً ، وإنما دفعه ابتداء جرس التلاوة لكلام الله . أليس هذا سراً بديعاً ؟ !
قصة أخرى لفتاة أمريكية ، متخصصة في الموسيقى ، والنغمات ، سمعت ذات يوم قارئاً يقرأ في إحدى الإذاعات ، فهشت لهذا الصوت وخفَّ سمعها له ! ودفعها ذلك إلى تعلم اللغة العربية ، حتى أصبحت تقرأ العربية وتتحدثها ، ولكنها لم تصل إلى ذلك السر الذي استوقفها أول مرة ! فماذا صنعت ؟ أمر عجيب . سافرت إلى القاهرة ، وسألت عن أفضل من يقرأ القرآن ويعلمه ، فدلت على الشيخ الجليل عامر السيد عثمان رحمه الله وغفر له ، وهو من القراء المقدمين الكبار . فأخذت تقرأ القرآن عنده . يقول الشيخ عبدالخالق عضيمة رحمه الله تعليقاً على هذه القصة : وقد تركتها في القاهرة ، وأخبرني الشيخ عامر بأن فتاة أمريكية أخرى قد انضمت إليها !
لا تسأل أخي الكريم : لماذ تمكن من قراءة القرآن وهي لم تسلم بعد ، ونحو ذلك من الأسئلة ، وقف فقط مع الفكرة التي بدأت بها ، وهي كيف قاد صوت القرآن هؤلاء جميعاً من أقاصي الأرض ليعرفوا سراً ، نحن أو كثير منا لم يتنبه له قط ، ولم يستوقفه قط !
أنا أعلم أن القصص المشابهة كثيرة وحسبي أن أفتح الباب للأحباب ليتحفونا بمثيلاتها إن شاء الله.
اللهم فقهنا في وحيك يا رب العالمين ، وارزقنا الإخلاص في العلم والعمل. آمين
 
جل من لا يسهو..

جل من لا يسهو..

أعتذر من شيخنا عبد الرحمن... ولكن ليس في القرآن "معجز", إنما في القرآن "آية", أو "بينة", أو "سلطان" أو "برهان"..... فما كان الله يريد أن يعجزنا, ولكن ليبين لنا....

أما "المعجز" فمن عند أنفسنا, والله أولى بوصف كلامه وكتابه!.
 
قال الله تعالى (الم*ذلك الكتاب لاريب فيه)

قال الله تعالى (الم*ذلك الكتاب لاريب فيه)

الاخ الكريم عبد الرحمن الشهري حفظه الله

ماذكرتموه في وقفتكم الأولى أمر ملموس من النفس البشرية ، وهو كالطبع لها لا تدعه حتى تدع الإبلُ حنينَها ، وهذه الغرائز قد لا يكلف المرء بتغييرها أكثر من تكليفه بتهذيبها وترويضها ، فلكل جديد في حياة المرء فرحة ثم تنقضي ، فالملل والسآمة من أمراض النفس البشرية التي لايمكن الحكم بصحتها من عدمه إلا بأمر نسبي تتفاوت فيه الأجناس ، إلا أنه في حد ذاته دليل على انتفاء الكمال البشري وإثبات العجز والافتقار دائما إلى الواحد القهار .
وقد ذكرتني بما سطرت يداك ـ لا شُلَّتا ـ ببحث يتناوله الفقهاء رحمهم الله في كتبهم ، ألا وهو حكم المجاورة بمكة ـ حرسها الله ـ إذ كره جماعة من السلف المجاورة بها لمعان ذكروها منها ومِمَّا له تعلق بحديثنا ـ خوفا من التقصير في حرمتها واعتياد المكان والأنس به ، مما يجر إلى قلة المهابة والتعظيم على حد قول الشاعر:
[align=center]وأخ كثرت عليه حتى ملني*** والشئ مملول إذا مايكثر[/align]
قالوا ولهذا كان عمر رضي الله عنه يأمر الحاجَ بالرجوع الى أوطانهم ، ويمنع الناس من كثرة الطواف بالبيت .
وكم من شخص حول مكة وفيها تمر به الأيام تترى ما طاف ولا سعى ، وتجد المعتمر والحاج من أقاصي الصين والهند وما هو أبعد وأقرب قد طعن في عشر الستين أو السبعين أوالثمانين وهو يحلم أن يرى هذا البيت ، فقلبه يخفق عند سماع ذكره ، ومازال يجمع المال عمره لأجل ساعة في عمرة ، فبعضهم يأتي محمولا على ظهر ابنه ، وبعضهم يأتي قد طوى أكفانه ليوم رمسه .
أما كتاب الله تعالى فهو فوق هذا كله ، إنما أخشى أخي الكريم أن يكون من باب قوله تعالى:(نسوا الله فنسيهم ) ، فهو الكتاب الذي إن قرأه المؤمن ازداد إيماناً ويقينا ، وإن قرأه الضال بنفس غاوية إزداد ضلالاً وتيها ، لامبدل لكلمات الله ، فهو كتاب لا ككل الكتب، كلما ازددت علما به أزددت اكتشافا لنفسك المتعطشه لغزير معانيه على حد قول بعضهم :
[align=center]وإذا ما ازددت علما *** زادني علمي علما بجهلي [/align]
( تنسب للشافعي فالله أعلم )
وما أجمل أن نورد هنا قول الشاطبي رحمه الله واصفا كتاب الله تعالى في قصيدته اليتيمه:
[align=center] وإن كتاب الله أوثق شافع *** وأغنى غناء واهبا متفضلا
وخير جليس لايمل حديثه *** وترداده يزداد في تجملا[/align]
وإيرادها يغني عن شرحها أو التعليق عليها.
وأختم بهذه الحكاية :
سمعت أنه لما أسلم بعض العجم سئل عن سبب إسلامه فأجاب : مامن مؤلف أو كاتب يكتب كتابا إلا وتجده في أول كتابه يقدم ما يعتذر به عن أي قصور أو خلل قد يلحظ في كتابه لتيقنه من ذلك ، إلا كتاب الله فإنك أول ما تقرأه يطالعك قول الحق سبحانه ( الم * ذلك الكتاب لاريب فيه ) .

الوقفة الثانية:
أخي الكريم كنت أشرت في صفحة سابقة لبعض ما نوهتم عنه هاهنا ـ عندما كتب أحد الإخوة عن عبد الباسط رحمه الله ـ وأنا أنقل بعضا مما كتبت :
( هذا المقرئ رحمه الله رحمة واسعه له صوت من اندى الاصوات عز نظيره , فعذوبة الصوت وحسنه نعمة من أجل نعم الله . فأمره عجب كماقال العسكري رحمه الله ، فمنه مايقتل كصوت الصاعقه . ومنه مايسر ويبهج ، ومنه مايبكي ومنه مايزيل العقل ..وقد بكى ماشرحويه ـ اليهودي ـ من قراءة أبي الجراح فقيل له كيف تبكي من كتاب لاتصدق به ؟ قال : إنما أبكاني الشجا .قال : وبه ينومون الصبيان , ويسقون الدواب ... الى أن قال :وذلك موجود في كلام العرب: قال حميد بن ثور :
[align=center]وماهاج هذا الشوق إلاحمامة *** دعت ساق حزم حمام ترنما
عجبت لها أنا يكون غناؤها *** فصيحا ولم تفغربمنطقها فما
ولم أرمثلي شاقه صوت مثلها***ولاعربياشاقه صوت أعجما.[/align]
فللصوت أمر عجيب في النفس يلحظه كل ذي طبع سليم ، فاكثر من تراهم يبكون عند سماع كلام الله ليس إلا لعذوبة صوت القاري وحسنه ، ولست بهذا اذم هذا الصنيع ، فغالبا ماتوجد رقة في القلب بعد سكب العبرات ينشأ بعدها تدبر لكلام الله تعالى فبينها رابط وثيق .
[align=center]الى الله أشكو دمعة تتحير *** ولو قد حدى الحادي لظلت تحدر[/align]

ـ وأذكر أني قرأت في سيرة سيد قطب رحمه الله عند سفره في البحر الى ديار الغرب وإقامته لصلاة الجمعه وتلاوة القرآن على ظهر السفينه وكان معهم في رحلتهم جماعة غيرمسلمة لاتحسن العربيه، الا أنهم مع ذلك وقفو مشدوهين عند سماع كلام الله تعالى حتى رقت قلوبهم واظهروا عجبهم من هذا الكلام .مع عدم فهمهم لمعناه.وكان من بينهم إمرأة فاضت عيناهابالدمع ، ولاغرو فهو كلام رب العالمين الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل من حكيم حميد .فهو معجز بلفظه ومعناه .
ـ بل ذكر لي احد الاخوه الدارسين للطب في بلاد العجم أنه كان يوما من الايام يقرا القرآن وشخص بوذي أعجمي يستمع له قال: فرأيته يصغي لي ثم لم يتمالك د موعه حتى انهارت على خديه . قال: فالتفت اليه سائلا عن ماجلب له البكا قال : من هذا الكلام الذي اسمع قال : فزدته وحبرته له تحبيرا حتى لم يتمالك الرجل نفسه .فسألته عن دينه ومعتقده وشرحت له الاسلام وبينت له أنه الدين الحق وأن هذا الكلام كلام الله خالق الارض والسماء الذي خلقه فأحسن خلقه وبدأخلق الانسان من طين ... قال : فوالله ماقمنامن مجلسنا الا وقد نطق بالشهادتين بفضل الله وكلامه الذي هو شفاء لمافي الصدور . وهذا إنما هو وجه من وجوه اعجازه فكلام الله لاكسائر الكلام .اللهم اجعلنا ممن تعلم القرآن وعلمه بحقه فقاده الى رضوانك وجنات النعيم , ولا تجعلنا ممن تعلمه أوعلمه رياءا وسمعة فزج في قفاه الى نار الجحيم .)

أقول : وفي ترجمة محمد رفعت رحمه الله أن فتاة غير مسلمة من بلاد الروم لزمته ما يقارب ثلاثة أعوام حتى أتمت دراسة العالمية العاليه ـ الدكتوراه ـ وكانت اطروحة بحثها عن اثر صوت القارئ ـ نسيت عنوان البحث ـ
وقد طبعت بمصر ، وكان الذي استهواها هو صوت المقرئ ومايقرأبه .
حقا إنها المعجزة الخالدة الذي اوتيها محمد صلى الله عليه وسلم .

الخاتمة :
وهنا مسائل جديرة بالبحث والاشارة ، وهي
1ـ هل الانسان مكلف بتحسين صوته بالقرآن؟
2ـ مالمراد بالتغني بالقرآن الوارد في الحديث؟
3ـ هل عذوبة الصوت محمودة شرعا في حد ذاتها؟
4ـ ماهي الادوية المساعدة على تحسين الصوت ؟
5ـ مامشروعية تقليد بعض القراء في ادائهم ؟

أشكر مرة أخرى أخي الكريم عبدالرحمن الشهري الذي أتاح لنا المشاركة في هذا الملتقى العلمي ، وأسأله سبحانه أن يوفق الجميع لكل خير، والحمد لله رب العالمين .
 
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شيخنا الكريم ( عبد الرحمن الشهري) -حفظه الله-: لله درك، مقال رائع، جزاك الله خيرًا.
الشيخ الكريم (أبا أحمد) -حفظه الله-: فائدة لطيفة عزيزة، جزاك الله خيرًا، وقد نَبَّه شيخ الإسلام (ابن تيمية) -رحمه الله- على ذلك في كِتابِه «النُّبوات»: (ص 45، طـ دار القلم)؛ فليُراجَع.
الشيخ الكريم (ابن الشجري) -حفظه الله-: تذييلات رائعة لا حرمنا الله أمثالَكم. وأما عن المسائل التي ختمت بها مُشاركَتك؛ فقد حرر بعضها (3، 5) العلامة الشيخ (بكر بن عبد الله أبو زيد) -حفظه الله تعالى- في رسالته الرائعة «بدع القراء، القديمة والمعاصرة»، وبأوعب منه في كِتابه النفيس «تصحيح الدُّعاء»؛ فليُراجَع. وتبقى المسألة الثانية وقد تكلم عنها الكثير من الأجِلَّة الثقات -وعلى رأسهم الإمام المُحقق (ابن القيم) -رحمه الله تعالى-؛ فلعل أحد الإخوة يتفحنا -ولو برؤوس المراجِع. ولعل مشايخنا يتحفونا بتحرير القول في المسألة الأولى، وأما المسألة الرابعة: "الأدوية المُساعدة على تَحسين الصَّوت"، فلعل مكانها في "ملتقى أهل الطب" (ابتسامة).
وجزاكم الله خيرً، ولا حرمنا الله أمثالَكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
الاخ الطيب محمد بن يوسف, هلا أعنتنا فنقلت لنا النص من كتاب الامام, جزاك الله خيرا!
 
الشيخ الكريم (أبا أحمد) -وفقه الله تعالى-
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ها هو نص كلام شيخ الإسلام (ابن تيمية) -رحمه الله تعالى-:
قال -رحمه الله- (ص 45): "وليس في الكتاب والسنة تعليق الحكم بهذا الوصف، بل ولا ذكر خرق العادة ولا لفظ المعجز، وإنما فيه آيات وبراهين". ويعني بقوله: "هذا الوصف" أي "معجزة".
وقال أيضًا (ص 19 : 21): "وحقيقة الأمر أن ما يدل على النبوة هو آية على النبوة وبرهان عليها ، فلا بد أن يكون مختصا بها لا يكون مشتركا بين الأنبياء وغيرهم؛ فإن الدليل هو مستلزم لمدلوله، لا يجب أن يكون أعم وجودا منه، بل إما أن يكون مساويا له في العموم والخصوص، أو يكون أخص منه وحينئذ فآية النبي لا تكون لغير الأنبياء، لكن إذا كانت معتادة لكل نبي أو لكثير من الأنبياء لم يقدح هذا فيها فلا يضرها أن تكون معتادة للأنبياء.
وكون الآية خارقة للعادة أو غير خارقة للعادة هو وصف لم يصفه القرآن والحديث ولا السلف. وقد بينا في غير هذا الموضع أن هذا وصف لا ينضبط وهو عديم التأثير، فإن نفس النبوة معتادة للأنبياء خارقة للعادة بالنسبة إلى غيرهم. وليس في هذا ما يدل على أن كل خارق آية؛ فالكهانة والسحر هو معتاد للسحرة والكهان ، وهو خارق بالنسبة إلى غيرهم.
فإذا قيل لهم المعجزة هي: الفعل الخارق للعادة، أو قيل هي: الفعل الخارق للعادة المقرون بالتحدي، أو قيل مع ذلك: الخارق للعادة السليم عن المعارضة؛ فكونه خارقا للعادة ليس أمرًا مضبوطا، فإنه إن أريد به أنه لم يوجد له نظير في العالم فهذا باطل، فإن آيات الأنبياء بعضها نظير بعض، بل النوع الواحد منه كإحياء الموتى هو آية لغير واحد من الأنبياء، وإن قيل إن بعض الأنبياء كانت آيته لا نظير لها كالقرآن و العصا والناقة لم يلزم ذلك في سائر الآيات" اهـ كلامه رحمه الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
أحسنت أبا عبدالله ، وجزاك الله خيرا ، فقد لامست جرحا لم يكد يسلم منه أحد ، ويبقى السؤال مطروحا :
أين ذهب عنا ذاك الشعور الخفي بالإعجاز وسحر البيان ؟!

· إنها ذنوب تراكمت على القلوب .
· وجفوة عن تدبر القرآن وتوثيق الصلة به .
· وبعد شاسع عن اللغة وفهم خصائصها ، وتذوق حلوها .
والله المستعان .
 
وهذا نقل له صلة :

( إن الذي يعيش مع القرآن يدرك إعجاز القرآن من معينه الصافي الذي لم تكدره الدلاء؛ لأن وصف العلماء لوجوه الإعجاز قاصر جداً، ولو وصفوه وحددوه بالحدّ المطابق للمحدود لما كان معجزاً.

وقد صرح بالعجز الدكتور محمد عبد الله دراز، وهو يحاول أن ينقل ما أدركه، ويترجم ما أحسه فقال: «ولقد وردتُ مناهل القول، وتذوقتُ طعومها فما وجدت كالقرآن أعذب مورداً، والآن آمنت أنه نسيج وحده، وأنه يعلو وما يُعلى، وأنه يحطم ما تحته؛ غير أنني ـ وقد أدركتُ من قوة الأسلوب القرآني وحلاوته ما أدركت ـ لم يزل الذي أحس به من ذلك معنى يتجمجم في الصدر لا أحسن تفسيره ولا أملك تعليله».

وقد قرر أبو سليمان الخطابي من قبله عجز العلماء عن إبراز تفاصيل وجوه الإعجاز، فقال: «ذهب الأكثرون من علماء النظر إلى أن وجوه الإعجاز من جهة البلاغة، لكن صعب عليهم تفصيلها، وصغوا فيه إلى حكم الذوق».

وقال العلامة ابن خلدون: «الإعجاز تقصر الأفهام عن إدراكه، وإنما يدرك بعض الشيء منه من كان له ذوق بمخالطة اللسان العربي وحصول ملكته، فيدرك من إعجازه على قدر ذوقه».

وتحدث الإمام السكاكي عن إعجاز القرآن، وهو لا يرى إدراكه بالوصف وإنما بالذوق وطول الممارسة لعلوم البلاغة، فقال: «واعلم أن شأن الإعجاز عجيب يُدرَك ولا يمكن وصفه؛ كاستقامة الوزن تدرك ولا يمكن وصفها» .

وإذا كان الأمر كما سمعت من تقرير العلماء، فإن إعجاز القرآن أول ما تفقده عندما تتفقه في غير كتاب الله، ولو كانت هذه العلوم من علوم الدين، فإن إعجاز القرآن يُدرك بالوجدان، ولا يترجم بالأقلام، ولا تحيط به السطور، ومن ثم كان التفقه في القرآن وحده هو السبيل الوحيد الذي يلج منه الدارس والمتعلم إلى استشعار هذا الإعجاز بحاسته الذوقية وملكاته البيانية، وبغير ذلك فإنه سيظل أسيراً يستروح مما تذوقه الآخرون من معانٍ وبيان وأحكام وحِكَم، وليس فيها موضع للإعجاز؛ فلا سبيل لأحد أن ينقل إعجاز القرآن إلى الآخرين كما دلت على ذلك النصوص السابقة، ولا سبيل لأحد أن يدرك إعجاز القرآن من دراسة الآخرين؛ فلم يبق له إلا أن يطلبه من معينه الصافي من أصله القرآن الكريم.)

منقول من

هنـــــــــــــــــــــــــــا
 
شكر الله لك يا ابن يوسف..

ولكن الا ترى إلى المشاركات التي تلت, ما زالت تصف القرآن "بالمعجزة"..... فهذا باطل, باطل, وإن قاله الخطابي... وليرجع اهل الحق الى الحق!.
 
شكر الله لكم أيها النبلاء تعقيباتكم ، وكم يسعدني هذا الأدب الوافر في أعطافها ، والعلم الظاهر في عباراتها ، وهل تُحب الحياة وتشتهى إلا مع أمثالكم ؟ !
وقديماً قال أحد عشاق العلم : لولا لذة مذاكرة الإخوان في العلم ما أحببت البقاء. وقد روي عن علي بن الجهم قوله :

[poem=font="Traditional Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
لََجلسةٌ مع أديب في مذاكرةٍ = أنفي بها الهمَّ ، أو أستجلب الطربا
أشهى إليَّ من الدنيا وزخرفها=وملئها فضةً أو ملئها ذهبا !![/poem]
وقد قام لنا هذا الملتقى مقام الجلوس معكم ، وإن كان لا يفي بالغرض كله ، ولكن ببعضه حتى حين .
أشكر الأخ الكريم محمد بن يوسف على تعقيبه النافع ، وأدبه الرفيع ، وبودنا لو أتحفتنا بما عندك من العلم ، فما أحوجنا إلى الفائدة من أمثالكم .
وأما أخي ابن الشجري فلا يفتأ يذكرني بكبار المنشئين في أدبنا العربي ، وما أقرب ذلك الأدب إلى قلبي ، وقلب كل محب لأمته ، من أمثال أبي حيان التوحيدي والجاحظ وأضرابهما من كبار أهل العلم والأدب ، في أسلوبه الأدبي الرائق ، وتخيره للمفردات المعبرة عن الغرض بأيسر طريق ، ولعمري إن هذا نتيجة مسامرة الأوائل في إبداعاتهم ورسائلهم ، وطول مثاقفة تلك الطبقة العالية من أهل العربية رحمهم الله كفاء ما بذلوا وقدموا ، والحرص على القراءة لتلك الطبقة ، والاكتفاء من كلام المتأخرين بالوشل ، فإن إدمان قراءة كتب المتأخرين تصيب اللسان بالعجمة والحُبْسة. وقد انتفعتُ بما عقبت به كثيراً أحسن الله إليك ، ونفعنا جميعاً بالعلم.
وما أشرتم إليه في ذيل تعقيبكم من أهمية بحث بعض الموضوعات فكما تفضل أخي الكريم محمد بن يوسف وفقه الله ، وأحب أن أضيف إشارةً إلى الموضوع الثاني وهو:
مالمراد بالتغني بالقرآن الوارد في الحديث؟
وذلكم أن الدكتور بشار عواد معروف البغدادي - حفظه الله - قد بحث هذه المسألة التي أشرتم إليها بحثاً في غاية النفاسة كعادته ، في بحث بعنوان :(البيان في حكم التغني بالقرآن). وهو دراسة في ضرورة تحسين الصوت والتطريب بالقراءة. وقد درس كل الأحاديث التي وردت في ذلك ، وأسانيدها ، وهو بصير برجال الأحاديث كما تعلم ، وخَلَصَ من كل ذلك إلى تضعيف تفسير سفيان بن عيينة رحمه الله بأن المقصود بذلك الاستغناء بالقرآن ، ورجح أن المقصود هو التطريب بالصوت وتحسينه. وقال في آخر بحثه :
القول الفصل
بعد كل هذا الذي قدمنا نرى من المفيد أن نقتبس خلاصة رأي واحد من أعاظم المحدثين الفقهاء ، ممن تشبعوا بالهدي النبوي وعرفوه حق معرفته ، في هذه المسألة هو حافظ عصره ابن حجر العسقلاني ، وهو خلاصة هذا البحث ، وهو الذي نعتقده ونؤمن به لما تحصل عندنا من الأدلة.
قال الحافظ ابن حجر :(والذي يتحصل من الأدلة أن حسن الصوت بالقرآن مطلوب ، فإن لم يكن حسناً فليحسنه ما استطاع كما قال ابن أبي مليكة أحد رواة الحديث ، وقد أخرج ذلك عنه أبو داود بإسناد صحيح.
ومن جملة تحسينه أن يراعي فيه قوانين النغم ، فإن الحسن الصوت يزداد حسناً بذلك ، وإن خرج عنها أَثَّرَ ذلك في حسنه.
وغير الحسن ربما انجبر بمراعاتها ما لم يخرج عن شرط الأداء المعتبر عند أهل القراءات ، فإن خرج عنها لم يف حسن الصوت بقبح الأداء.  ولعل هذا مستند من كره القراءة بالأنغام لأن الغالب على من راعى الأنغام أن لا يراعي الأداء ، فإن وجد من يراعيهما معاً فلا شك في أنه أرجح من غيره ؛ لأنه يأتي بالمطلوب من تحسين الصوت ، ويجتنب الممنوع من حرمة الأداء).فتح الباري 9/89
ثم ختم بحثه بإيراد كلام الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله في حكم التغني بالقرآن الذي كتبه في كتابه النفيس (المعجزة الكبرى) والذي ذهب فيه إلى إنكار جواز التغني بالقرآن ورد فيه الأحاديث الصحيحة لرأي ذهب إليه رحمه الله لما رأى من خروج القراء في عصره عن حدود التغني الجائز ، وقد ناقشه الدكتور بشار بكل أدب وعلم على عادة أهل العلم الجارية في الأدب والعلم. وهو جدير بالقراءة ، فاقرأه إن شئت في كتاب :(الإعجاز القرآني – بحوث المؤتمر الأول للإعجاز القرآني المعقود بمدينة السلام – حرسها الله – عام 1410 هـ في شهر رمضان. من ص 65 – 118
ولعل الله ييسر لنا في قابل الأيام نقل البحث بكامله في صفحات الملتقى ليطلع عليه الجميع.
وأما ما أشار إليه أخي الكريم خالد الباتلي فكما ذكر حفظه الله ، من أسباب فقدان ذلك الشعور الذي سقنا المقالة تنبيهاً عليه والله المستعان.
وأما أخي الكريم الشيخ أبو أحمد فأشكره على حسن نيته ، ومحبته للخير لنا جميعاً ، وهو حريص على أن تخلو تعبيراتنا من كل ما يمكن أن يؤاخذ عليه ، وإن كان مجال القول فيها واسعاً فيما أحسب ، وحسبك قول الله تعالى :(قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً). الآ يظهر منها إظهار العجز عن الإتيان بمثله ؟ سؤال فحسب ، وأنا أتفق معك أن لفظ المعجزة وما تصرف منها لم يرد في القرآن ولا في السنة ، وكلام ابن تيمية يدور حول هذه المسألة ، ولكن ابن تيمية لا يمنع استعماله رحمه الله. وعلى كل حال فهذا باب آخر من القول غير ما نحن فيه فلك مني كل الحب والتقدير.
 
أشكرك يا أبو أحمد على هذا التوضيح
والله أنا أستغرب من علمائنا ألله يقول لنا اية ويقول لنا بينة ويقول لنا برهان ويقول لنا سلطان
وعلماؤنا يأتونا بكلمة لم يذكرها الله في كتابه الكريم ويقولون لنا المعجزة .....
سؤال وأرجوا الإجابة
من أين أتى العلماء بهذه الكلمة "المعجزة"؟؟؟
 
بسم الله

استعمال لفظ المعجزة والإعجاز استعمال اصطلاحي لا مشاحة فيه ، وأكثرالذين درسوا الإعجاز أو كتبوا حوله نبهوا على هذه القضية ، فلا ينبغي أن تعطى أكبر من حجمها .

ومعلوم أن المقصود من كون القرآن معجزاً : أي لا يأتي أحد بمثله .

وليس معناه أنه معجز بحيث يعجز الناس عن تلاوته أو فهمه .
 
موضوع جميل من جمال عنوانه

موضوع جميل من جمال عنوانه

بسم الله الرحمن الرحيم

عيدٌ مبارك على الجميع ،

أخي الكريم / عبد الرحمن الشهري سلمه الله
الإخوة الكرام / ، أبا مجاهد العبيدي ، محمد يوسف ، خالد الباتلي ، فهد الوهبي ، الشيخ أبو أحمد ، داود عيسى ، ابن الشجري ، و فقهم الله لطاعته

تحية طيبة و بعد
إن ما أشرتم إليه غاية في الروعة و الجمال ، و إن كان صاحب الموضوع قد حاز السبق أولاً ، و قد أشار أخي الكريم خالد الباتلي إلى مسألة مصيبتنا في أنفسنا و لم نؤت إلا من قبلها ، فلولا ذنوبنا لما استوحشنا كلام الله ، و لولا سوء أعمالنا لما خجلنا من أنفسنا أمام كلام الله .
و لكن لدي أمرٌ آخر و هو أننا لم نكن في حقيقة الأمر قريبين من التدبر و إن تدبَّرنا كان الفرد منا على عجلٍ ، و إلا فأين سير السلف ممن ردَّدوا في الليلة الواحدة آية أو انقطعت أصواتهم عند مرورهم بآية ، أو استعبرت محاجرهم لما عظَّموا معنى ما قرأوه ، كعائشة ، و عمر رضي الله عنهما ، و رسول الرحمة نبينا محمدٍ صلى الله عليه و سلم في آيتي سورتي المائدة و إبراهيم .
و لو أراد أحدنا أن يتأمل القرآن على الهدي النبوي الكريم ؛ فليقرأ - " خالياً " -أواخر سورة آل عمران من آخر الليل و لينظر و يتفكر في خلق السماوات و الأرض ، و ليجرِّب مواطن قلبه ، و رحمات فؤاده لعلَّ عيناً تدمع ، أو قلباً يخشع ، أو دعَاءً صادِقاً يُسمَع ،
و الله من وراء القصد .

### و أما بخصوص ما استشكله الإخوة من المعجزة ، فلا مشاحة في الاصطلاح – كما قال أبو مجاهد - ، و لكن ما ذكره داود عيسى ، إنما يؤول إلى المتكلم ، و إنما المعجز لنا باعتبار وقوع التحدي به و العجز من البشر – لا صرفةً و لا انشغالاً عنه ؛ بل عجزاً عن مجاراته أو الإتيان بمثله ، كما أشار إلى شيئٍ منه الشيخ أبو أحمد ( المعجز" فمن عند أنفسنا, والله أولى بوصف كلامه وكتابه !.) ###
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة الفضلاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فسياق كلام شيخ الإسلام في موضوع آخر ليس فيه المنع من إطلاق المعجز على القرآن ومن تأمل كلامه وما قبله وما بعده بان له ذلك ولذا فقد وصف ابن تيمية القرآن بذلك .
قال في الجواب الصحيح ج: 1 ص: 399
فصل : وكان يأتيهم بالآيات الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم ومعجزاته تزيد على ألف معجزة مثل انشقاق القمر وغيره من الآيات ومثل القرآن المعجز.
وقال في العقيدة الأصفهانية ج: 1 ص: 18
والدليل على كونه سميعاً بصيراً السمعيات والدليل على نبوة الأنبياء المعجزات والدليل على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم القرآن المعجز نظمه ومعناه.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى
 
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأت كلاماً جيداً للمحقق القدير محمود شاكر في رسالة : مداخل إعجاز القرآن .
فقد نبه على مسائل تتعلق بهذا المصطلح الحادث بعد القرنين الأولين ؛ فقال بعد أن بين معنى لفظ المعجزة : ( وقد ألجأني إلى العناية بتفسير لفظ ( الإعجاز ) ولفظ ( المعجزة ) على ما يوجبه مجاز اللغة أمور سوف أقتصر منها على أمرين .
ولكن مهما بلغت هذه الأمور من الخطر ؛ فإنها لا تستيع أن تسقط هذين اللفظين : ( إعجاز القرآن ) ، و ( ومعجزات الأنبياء ) من أقلام الكتاب المحدثين ولا أن تنتزعه من تراث اللغة المكتوبة في مصنفات علماء الأمة منذ القرن الثالث للهجرة إلى يومنا هذا .
فكان أعدل الطرق عندي هو إثبات تعريف صحيح من مجاز اللغة للفظ ( الإعجاز) ولفظ ( المعجزة ) ، لا يختلف الناس عليه ، مهما تباينت آراؤهم .
والألفاظ التي تستقر في اللغة استقراراً شاملاً مستفيضاً ، يكون من الجهل والتهور محاولة انتزاعها وإسقاطها من أقلام الكتاب ، ومن كتب العلماء قديماً وحديثاً .
بل الواجب الذي لا مرية فيه ، هو محاولة تعريفها تعريفاً مطابقاً للحق الذي نراه ؛ لأن الذين وضعوها وكتبوها في كتبهم ومصنفاتهم وضعوها وضعاً مطابقاً لحق رأوه ، لا نخالفهم نحن في جوهره ، وإن خالفناهم في وجوه النظر التي أوجبت عليهم وضع هذه الألفاظ . ما دام مجاز اللغة قادراً على تعريف اللفظ تعريفاً يرفع أسباب الاختلاف ، ويسير بنا جميعاً على طريق مستتب ؛ فلا معنى لإبطال ما استقر عليه الكتاب والعلماء من التعبير عن الجوهر المتفق عليه .) انتهى المراد نقله .ص18-19
 
رجعتُ بعد مدة طويلة لهذا الموضوع هذا اليوم (الثلاثاء 8/6/1427هـ) ، وكنت طرحته (يوم الإثنين 4/12/1424 هـ ) ، أي قبل سنتين ونصف ، فقرأته وقرأت تعقيبات الزملاء النبلاء عليه ، فانتفعتُ بها كثيراً جزاكم الله خيراً . وسأجعل تعقيبي في نقاط :
الأولى : أن بحث الدكتور بشار عواد قد تم نشره في مكتبة الموقع وتجده كاملاً على هذا الرابط البيان في حكم التغني بالقرآن .

الثانية : أن لفظة المعجزة ومشتقاتها اصطلاحية حادثة ، وقد أجاد أبو مجاهد بنقله لكلام العلامة محمود شاكر رحمه الله في هذا ، والتشدد في مثل هذا لا مسوغ له ، ومثل ذلك كثير من الاعتراضات على بعض التعبيرات والنهي عن بعض الألفاظ دون دليل قاطع ، ومثل ذلك ما في كثير من محتويات ما صنف تحت اسم "معاجم الأخطاء الشائعة" .

الثالثة : أن الخشوع في التعبد لله سبحانه وتعالى ، والمداومة على الذكر وتلاوة القرآن تعين على تدبر معانيه والتأثر بها ، وفي ما نقل من مقالات حول ذلك ما يثري هذا الجانب .

الرابعة : أن تحسين الصوت بالقرآن مطلوب شرعاً بقدر الوسع والطاقة دون تكلف وتنطع ، وهذا باب من أبواب البحث في كتب تجويد القرآن الكريم ، وأحسب من أوجه التحسين تقليد ومحاكاة القراء المجيدين ذوي الأصوات الحسنة حتى يتدرب القارئ على تحسين الصوت ، وأحسب هذه المحاكاة ضرورية في كل فن ومهارة كالتلاوة وتحسين الخط وغيرها ، فهي تقوم في أول أمرها على المحاكاة للنماذج المتميزة ، حتى يستقل المتعلم بمهارته وطريقته الخاصة في ذلك الفن والعلم .

الخامسة : ومما يدخل تحت النقطة السابقة ما يتعلق بعذوبة الصوت ، فلا شك أنها نعمة من الله سبحانه وتعالى يمن بها على من يشاء من عباده ، فمن استعملها في طاعة الله فهي محمودة ، ومن استعملها في المعصية فلا شك في ذمه . إلا أنها نعمة يرجوها المسلم ليقرأ بصوت عذبٍ ينتفع به أولاً وينتفع به من يسمعه ثانياً ، وكم من مقرئ يستوقفك لاستماع القرآن وتدبره ، فتدعو له وتغبطه على عذوبة صوته ، وبلاغة تأثيره . نسأل الله من فضله ، وكم من مرة أفتح فيها إذاعة القرآن الكريم فيستوقفني صوت القارئ وجماله فلا أدعه حتى ينتهي ، ولو اضطررت للبقاء في سيارتي حتى ينتهي من تلاوته ، والتأخر عما ذهبت من أجله من أمور الدنيا ، ومثلها قناة المجد للقرآن الكريم جزاهم الله خيراً.

السادسة : أما الأدوية المساعدة على تحسين الصوت فلا أعرفها ، ولكن حدثني أخي الكريم الدكتور عماد زهير حافظ عن تجربة مرت به عندما كان يسجل رواية حفص في مجمع الملك فهد بالمدينة النبوية ، وتوقفه عن التسجيل عارض ألمَّ به أوقفه عن التسجيل ، مما جعله يختلفُ إلى طبيب متخصص في الصوتيات ، فساعده الطبيب ببعض التدريبات ، ولا شك أن هذه التدريبات على استعادة الصوت بعد فقده أو مرضه ليست هي ما تعنيه بالأدوية المساعدة على تحسين الصوت السليم ، ولكن لعل هؤلاء المتخصصين يملكون جواباً على هذا السؤال ، كما أن هناك أدوية لتحسين الحفظ ، فربما يكون هناك مثلها للصوت ، وفي تراجم بعض المقرئين المعاصرين كعبدالباسط عبدالصمد رحمه الله وغيره بعض الأفكار في كيفية محافظتهم على نقاوة أصواتهم .

السابعة : في قولي : (ولا سيما إذا كان صوت القارئ ندياً ، يستوقف العجلان المستوفز كما قال ابن الرومي !) إشارة إلى ثلاثة أبيات للشاعر علي بن الرومي هي أحسن ما سمعتُ وقرأتُ في وصف حسن الحديث ، وجمال المنطق ، وهي قوله :
[poem=font="Traditional Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وحديثُها السِّحرُ الحلالُ لو اْنَّهُ = لم يَجْنِ قتلَ المُسلمِ المُتحرِّزِ
إنْ طالَ لم يُمللْ وإِن هىَ أَوجزتْ = وَدَّ المُحدَّثُ أَنَّها لم تُوجِزِ
شَرَكُ العُقولِ ، ونُزهةٌ ما مثلُها= للمُطمئنِّ وعُقْلَةُ المُستَوفِز[/poem]ِ
والشاهد البيت الأخير حيث وصف حديثها العذب لجماله بثلاث صفات :
الأولى : أنه (شَرَكٌ للعُقولِ) أي فخ تقع فيه العقول لروعته وجماله الأَخَّاذ.
الثانية : أنه (نزهة للمطمئن) أي أنه يشبه الحديثة الغناء التي ينتجعها الرجل المطمئن رخي البال ، فيسعده جمالها .
الثالثة : أنه (عُقْلَةٌ للمستوفز) والمستوفز هو الرجل المستعجل ، المتهيؤ للقيام من المجلس ، لكن هذا الحديث العذب أشبه العقال الذي عقل رجله وركبته عن القيام ، كما يعقل البعير فلا يستطيع القيام من مبركه . ولعمري لقد أجاد ابن الرومي في وصفه لحديث محبوبته وجماله ، وقل أديب متقدم أو متأخر ممن جاء بعد ابن الرومي إلا واحتفى بأبياته هذه ، وأحلها محل الصدارة في وصف الحديث العذب .

الثامنة : حاولتُ في لقاء سجلته في حلقتين عن (إعجاز القرآن) بقناة المجد العلمية مع الأخ الكريم معمر العمري تنبيه الباحثين إلى نقاط مهمة في الإعجاز البياني خاصة ، نبه إليها الدكتور محمد عبدالله دراز ، والأستاذ محمود شاكر ، ومن قبلهم عبدالقاهر الجرجاني ، وأرجو أن أكون وفقت في ذلك ، فنحن اليوم في حاجة ماسة للعودة بالذوق العربي إلى عهوده الأولى التي كانت تهتز للبيان ، وتخضع للبلاغة كما كان في عصر نزول الوحي . والله الموفق سبحانه ، لا إله غيره ، ولا رب سواه .
 
وأنا أقتنص هذه الفرصة لأسأل فضيلة الشيخ عبد الرحمن عن بعض ما دار في الحلقة الأولى من حلقات موضوع الإعجاز على قناة المجد:
1/ تحدثت عن قضية التحدي، وأن الذي تراه هو أن التحدي لم يقع إلا بالقرآن دون بقية الآيات والمعجزات الأخرى الواقعة للنبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. أرجو التكرم بإعادة توضيح هذه النقطة، لأن الذي يُفهم من المعجزة أنها متحدية لمن جاءته، وإلا فما هو وجه الإعجاز إذا لم يكن هناك تحدٍ؟ بمعنى أن لفظ "المعجزة" متضمن في معناه التحدي، لأنه أعجز البشر أن يأتوا بمثله، فبما أنه أعجزهم فقد تحداهم من باب أولى.
2/ أشرت بما يكفي جزاك الله خيرا إلى موضوع "الصرفة"، لكن استفساري جانبيٌّ متعلق بكيفية نطق هذه الكلمة، لأن الذي تعودنا عليه في الجامعة ونسمعه دائما هو نطقها بكسر الصاد، وسمعتك تنطقها بالفتح .. -مع أني ارى عدم أهمية هذا- إلا أني أود أن أعرف ما هو النطق الصحيح لها .

كما أود أن أعرف ما إذا كانت حلقات البرنامج تسجل حتى يتسنى الرجوع إليها والإفادة منها.
جزاك الله خيرا ونفع بك أينما حللت.
 
الأستاذ العزيز العبادي وفقه الله ورعاه
أشكرك على حسن ظنك بأخيك ، وجواباً للسؤالين أقول :
1- كلامك في موضوع استلزام المعجزة للتحدي كلام وجيهٌ ، ولا اعتراض عليه ، وما قلتهُ وجهة نظرٌ ألقيتها على عجل ، ومقصودي بها أن التحدي في نظري هو استثارة همم المعارضين مرة بعد مرة ، بطريقة مستمرة لمعارضة المعجزة وإبطالها ، وهذا الأمر لم يحدث التصريح به إلا في معجزة القرآن خاصة دون بقية معجزات الأنبياء السابقين ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم . فلم يبلغنا أن موسى كرر التحدي بمعجزاته ، وإنما كان ما فعله ردٌّ على معارضة السحرة ومن قبلهم فرعون لرسالته ودعوته ، ولم يبلغنا أنه تحداهم بهذه المعجزة أو كررها مرة أخرى ، ومثلها بقية معجزاته ومعجزات الأنبياء ، بل ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم الأخرى غير القرآن . ثم إن كثيراً من المعجزات الحسبة التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقع تحت أعين المسلمين دون غيرهم كنبع الماء من بين أصابعه ، وحنين الجذع ، إلا ما كان من انشقاق القمر له في مكة بعد طلب المشركين . فكان هذا دافعاً للقول بأن التحدي الظاهر لم يكن إلا بالقرآن الكريم ، حيث وردت عدة آيات تظهر التحدي بأن يأتي المعارضون بمثل هذا القرآن الكريم . فهذا ما دعا إلى القول بأن التحدي خاص بالقرآن الكريم ، والعلم عند الله سبحانه وتعالى ، وقد تركت لنفسي مخرجاً بعد ذلك فيما أذكر - حيث لم أشاهد الحلقة للأسف لاختلاف مواعيدها - إذ قلت : إن لسان حال من يأتي بالمعجزة يتضمن التحدي ، وهذا دليلٌ وجيهٌ لمن يشترط التحدي ، ولعله يكون لهذا الحديث موضع آخر في هذا الملتقى من أعضائه الفضلاء إن شاء الله ، وإنما هذا جواب سريعٌ عجلتُ به خوف الفوات والتأجيل .

2- وأما النطق الصحيح لكلمة (الصرفة) فهي (الصَّرفة) بفتح الصاد وتشديدها. وضبطها بفتح الصاد ، وإسكان الراء هكذا (صَرْفَة) على وزن فَرْحَة ، وهي على وزن اسمِ المَرَّةِ ، وقد أصبحت عَلَمَاً بالغَلَبَةِ(1) على هذه النظرية في إعجاز القرآن ، وصيغت على وزن اسم المَرَّةِ للدلالة على أَنَّ هذا الصَّرْفَ صَرْفٌ خاصٌّ(2) .


--الحواشي -----
(1) العَلَمُ بالغلبة هو ما كان علماً بسبب غلبة استعمال اللفظ في فرد من مدلولاته لشهرته. وهو نوعان : مضاف ، ومحلى بأل كالصرفة . انظر : دليل السالك شرح ألفية ابن مالك للفوزان 1/156-157
(2) انظر : التحرير والتنوير 1/103
 
بارك الله فيك شيخي الكريم، وأشكرك على نبلك وسرعة ردّك.
وبقيت نقطة سألت عنها وهي: هل تسجل حلقات قناة المجد؟ مع أن أوقات البث قد تغيرت على ما أظن في الصيف، فلعلي أفرد لهذا موضوعا يجيبنا فيه الأخ معمر العمري أو غيره من الإخوة المطلعين.
 
معذرة على السهو ، لا جواب عندي حول هذا السؤال ، ولم أجد تسجيلاً للبرنامج في موقع القناة ، وأظنهم يعطون من يطلب حلقة البرنامج نسخة منه على شريط مسجل مرئي ، ولم أحصل عليه بعدُ ، والمواعيد تغيرت مما فوت علي مشاهدته المرة الأولى والثانية أيضاً ، لكن لعله يعاد يوم السبت القادم كما أخبرني الأخ معمر العمري وفقه الله.
 
عجائب قراءة القرآن على الأوربيين والأمريكان

عجائب قراءة القرآن على الأوربيين والأمريكان

حول هذا الموضوع جمع الدكتور الفاضل نجيب بن عبدالله الرفاعي وفقه الله عدداً من القصص والتجارب الشخصية النافعة في كتاب سماه (عجائب قراءة القرآن على الأوربيين والأمريكان) طبع إلى الآن طبعتان .

6_60214593e1acb3f75.jpg

وقد أورد فيه أراء أكثر من ثلاثمائة أمريكي وأوربي بعد سماعهم للقرآن الكريم وتأثرهم الشديد من ذلك . وقد كان للمؤلف الدكتور الرفاعي جهد متميز في عرضه وإسماعه القرآن الكريم بطرق مثيرة كثيرة لغير المسلمين ، ولديه مبادرة وجرأة في اقتحام مجتمعات الغربيين وعرض القرآن الكريم عليهم في المؤتمرات والدورات وغيرها ، وهي تجربة بديعة أدعو الله لصاحبها بالتوفيق والقبول ، وهي جديرة بالتطبيق فهي باب من أبواب الدعوة إلى الله بقراءة القرآن (وأن أتلو القرآن).
 
(( فرجعت إلى كتب اللغة فوجدتهم قد شفوا الغليل ، وأفاضوا في ذكرها ولا سيما كتب البلاغة.))
فضيلة الشيخ هلا ذكرت لنا شيئا مما قالوا في هذه الآية تحديدا
 
أحسنت أبا عبدالله ، وجزاك الله خيرا ، فقد لامست جرحا لم يكد يسلم منه أحد ، ويبقى السؤال مطروحا :
أين ذهب عنا ذاك الشعور الخفي بالإعجاز وسحر البيان ؟!

· إنها ذنوب تراكمت على القلوب .
· وجفوة عن تدبر القرآن وتوثيق الصلة به .
· وبعد شاسع عن اللغة وفهم خصائصها ، وتذوق حلوها .
والله المستعان .
 
أحسنت أبا عبدالله ، وجزاك الله خيرا ، فقد لامست جرحا لم يكد يسلم منه أحد ، ويبقى السؤال مطروحا :
أين ذهب عنا ذاك الشعور الخفي بالإعجاز وسحر البيان ؟!

· إنها ذنوب تراكمت على القلوب .
· وجفوة عن تدبر القرآن وتوثيق الصلة به .
· وبعد شاسع عن اللغة وفهم خصائصها ، وتذوق حلوها .
والله المستعان .
 
الأستاذ عبد الرحمن الشهري؛

أنقل مما جاء في موضوعك الفقرة التالية :"ذكر الشيخ الجليل محمد عبدالخالق عضيمة رحمه الله رحمة واسعة أن ضابطاً كندياً من جنود الحلفاء في الحرب العالمية الثانية تأثر بقراءة الشيخ محمد رفعت رحمه الله ، وكان قد سمعها في الإذاعة. فسأل عن هذا الشيخ القارئ ، فدل عليه ، فحضر إلى مجلسه ، واستمع لقراءته ، ثم أعلن إسلامه ! وهو لم يفهم من القراءة شيئاً ، وإنما دفعه ابتداء جرس التلاوة لكلام الله . أليس هذا سراً بديعاً ؟ !
قصة أخرى لفتاة أمريكية ، متخصصة في الموسيقى ، والنغمات ، سمعت ذات يوم قارئاً يقرأ في إحدى الإذاعات ، فهشت لهذا الصوت وخفَّ سمعها له ! ودفعها ذلك إلى تعلم اللغة العربية ، حتى أصبحت تقرأ العربية وتتحدثها ، ولكنها لم تصل إلى ذلك السر الذي استوقفها أول مرة ! فماذا صنعت ؟ أمر عجيب . سافرت إلى القاهرة ، وسألت عن أفضل من يقرأ القرآن ويعلمه ، فدلت على الشيخ الجليل عامر السيد عثمان رحمه الله وغفر له ، وهو من القراء المقدمين الكبار . فأخذت تقرأ القرآن عنده . يقول الشيخ عبدالخالق عضيمة رحمه الله تعليقاً على هذه القصة : وقد تركتها في القاهرة ، وأخبرني الشيخ عامر بأن فتاة أمريكية أخرى قد انضمت إليها !"

فهذه الأمثلة لدليل مثبت لجوع روح المستمعين للقرآن، فالله خلقنا أجسادا وأرواحا،والجسد غداؤه مما ينتجه التراب، أما الروح فلا غداء لها كروح القرآن، وما جاء عن ربها من تسبيح وحمد وتكبير وتهليل واستغفار وصلاة على النبي صلى الله عليه ووسلم.
إنه بصيغة أخرى إسماع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والتي أمرنا بمجاهدة الكافرين به جهادا كبيرا.إسماع تملك الروح وأثر فيها أيما تأثير. ما هي إلا نتيجة صفاء الأحوال التي يعيشها هؤلاء، {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ} [فاطر : 22]

وهذا الذي لا يعرف لغة القرآن وتقبل عليه روحه، ويبلغ به الأثر مبلغه، فما هو إلا من شدة جوع روح صاحبها، ألا ترى كيف شد الوليد بن المغيرة فوصف القرآن وصفا عاليا.
ثم ألم تر كيف نعى الله على الكافرين والمنافقين موت حواس روحهم {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف : 179]

والقرآن يكمن سره في روحه {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الشورى : 52].

و يكمن تحديه للإنس والجن في في بعث الروح سواء في الخلق أو الأمر الذي لن تجد له مخالفا، فالله يأمر ويخير العباد في الفعل أو الترك، لكنه يعد ووعده لن تجد له تبديلا ولا تغييرا ولا تحويلا.

أما القول بالإعجاز البلاغي، فقد كفاني فيها القول أئمة أجلة أذكر منهم الخطابي وما جاء في بيان إعجاز القرآن : " والتحقيق أن أجناس الكلام مختلفة مراتبها في درجة البيان متفاوتة
- فمنها البليغ الرصيف الجزل؛
- ومنها الفصيح القريب السهل؛
- ومنها الجائز الطلق السهل.
وهذه أقسام الكلام المحمود"

كما أبان الرماني في كتابه إعجاز القرآن البلاغي قائلا:
"فأما بلاغته فهي ثلاث طبقات:
- منها ما هو أعلى طبقة؛
-ومنها ما هو أدنى طبقة.
ومنها ما هو من الوسائط.
فما كان في أعلى طبقة فهو معجز، وهو بلاغته، ومنها ما هودون ذلك فهو الممكن كبلاغة البلاغاء من الناس، وليست البلاغة إفهام المعنى.... إنما البلاغة إيصال المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ."

ويذهب محمد ابن حزم مذهبه في ذلك فيقول: "ونحن نجد في القرآن إدخال معنى بين معنيين ليس بينهماكقوله تعالى {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } [مريم : 64] وليس هذا من بلاغة في ورد ولا صدر ومثل هذا في القرآن كثير..."
وليس هذا منه برأي سديد؛ إذ أرى أن البلاغاء يعتبرون مثل ما جاء في هذه الآية يدخل في ما يعرف بالتقسيم، وهو ضرب من المحسنات المعنوية البديعية: إذ تطرق إلى الغائب والماضي والحاضر.
ويقول الباقلاني في البرهان: نحن نعتقد أن الإعجاز في بعض القرآن أظهر وفي بعض أدق وأغمض.

فها أنت ترى بأن الكلام عن الإعجاز البلاغي ليس هو الإعجاز الذي تحدى به الله الإنس والجان؛ وإنما جاء الكتاب ليحتك الناس ببلاغته ويتعلمونها {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} } [الجمعة : 2].

وأقول مع البهي الخولي : " ولست أبيح لنفسي أن أفاضل بين الروح والمعاني والألفاظ، فكله من الله - سبحانه وتعالى-، وهو بكل شيء عليم، ولكني أقول: إن الاهتمام بناحية الروح في القرآن يجب أن يأخذ مكانه في قلوبنا وعقولنا، وليس حسنا أن نهتم بالروح في أجسامالحيوان والإنسان ولا نهتم بها في كلام الله.-عز وجل- فهو يقول في موطن الروح في الأجسام {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } [الإسراء : 85]..." (تذكرة الدعاة للبهي الخولي ص249).

وراجع موضوعي كيفية دلالة القرآن على إعجازه.
وأقتصر اللحظة على هذه الإشارات، فقد أبانت ما أردت الإرشاد إليه.
 
بارك الله أولاً بالدكتور عبد الرحمن على هذه المشاركة القيمة . فجزاه الله عنا كل خير .
ولكني سأبدأ فيما علّق عليه الأخوة حول اطلاق كلمة المعجزة أو المعجز على القرآن العظيم . فوجدت أن كتب التفسير مليئة بكلمة الإعجاز القرآني أو اعجاز القرآن. ذكرها الطبري والقرطبي وابن كثير وغيرهم وغيرهم. فهي ليست حديثة العهد كما يظن البعض ولكنها أصيلة مؤصلة:
يقول القرطبي: إجماع الأمة أن القرآن هو المعجز، فلو قلنا إن المنع والصرفة هو المعجز كما يقول بعض القدرية لخرج القرآن عن أن كونه معجزا، وذلك خلاف الإجماع، قال ابن عطية:" وجه التحدي في القرآن إنما هو بنظمه وصحة معانيه، وتوالي فصاحة ألفاظه. ووجه إعجازه: أن الله تعالى قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً، وأحاط بالكلام كله علما، فعلم بإحاطته أي لفظه تصلح أن تلى الأولى، وتبين المعنى بعد المعنى، ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره، والبشر معهم الجهل والنسيان والذهول، ومعلوم ضرورة أن بشرا لم يكن محيطا قط، بهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة. وبهذا النظر يبطل قوال من قال: إن العرب كان في قدرتها إن تأتي بمثل القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة، فلما جاء محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صرفوا عن ذلك، وعجزوا عنه. والصحيح أن الإتيان بمثل القرآن لم يكن قط في قدرة أحد من المخلوقين، ويظهر لك قصور البشر في أن الفصيح منهم يضع خطبة أو قصيدة يستفرغ فيها جهده، ثم لا يزال ينقحها حولا كاملا، ثم تعطى لآخر بعده فيأخذها بقريحة جامة فيبدل فيها وينقح، ثم لا تزال بعد ذلك فيها مواضيع للنظر والبدل، وكتاب الله تعالى لو نزعت منه لفظه، ثم أدير لسان العرب أن يوجد أحسن منها لم يوجد".
ويقول ابن كثير: والصواب: أن كل سورة من القرآن معجزة لا يستطيع البشر معارضتها طويلة كانت أو قصيرة.
ويقول ابن كثير في موضع آخر: ثم أرشدهم إلى أن هذا القرآن هو أعظم المعجزات، وأبين الدلالات، وأصدق الحجج والبينات، فقال: { هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }فلا حجة ولا معجزة أبلغ ولا أنجع في النفوس والعقول من هذا القرآن.
 
عودة
أعلى