أين المفضول في الآية: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)؟

د محمد الجبالي

Well-known member
إنضم
24/12/2014
المشاركات
400
مستوى التفاعل
48
النقاط
28
الإقامة
مصر
أين المفضول في الآية: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)؟
اسم التفضيل (أكبر) يستوجب فاضلا ومفضولا ، الفاضل في الآية (ذكر الله) فأين المفضول؟!
لقد فسر العلماء حذف المفضول في الآية بأربعة وجوه أختار منها اثنين يملآن قلبي يقينا، وأرى أن كلا الوجهين قائم كائن، فلا أقصد باختياري الوجهين أن أحدهما كائن والآخر غير كائن، لا ، بل إن كلا الوجهين قائم كائن.

الوجه الأول: حذف المفضول لإفادة العموم والشمول، أي أن كل الأعمال يعلوها ذكر الله ويفضلها، فذكر أعظم من كل عمل.

الوجه الثاني: المقصود ب (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) هو : إن ذكر الله إياك حين تذكره خير لك من ذكرك الله.
فإن المؤمن حين يذكر الله فإن الله يذكره؛ قال تعالى: (فاذكروني أذكركم)
وجاء في الحديث القدسي، يقول الله تعالى:" أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم".
د. محمد الجبالي
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كذا نقل الشيخ النابلسي فقالوا بان نقله خطأ وردوا عليه فدخل في نفسي شيء منه فأرجو من حضرتك أخي الكريم ان تذكر لي من قال بالوجه الثاني
جزاكم الله خيرا
دمتم سالمين
 
أحسن الله إليكم

كذلك هناك وجه قائم ، فلو قرأنا الآية الكريمة كاملة وفي سياقها لوجدناها :
{ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } [العنكبوت:45] فتنقسم الآية الكريمة لثلاثة أجزاء :
الأول : الأمر بتلاوة الكتاب واتباع مافيه من أمر ونهي. (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ )
الثاني : إقامة الصلاة ، لما فيها من نهي عن الفحشاء والمنكر.(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)
الثالث: الذكر ، فهو أكبر عند الله مما سواه. (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)

فالجزء الثالث من الآية متعلق بالجزئين السابقين ، فالذكر أفضل وأكبر من الصلاة ، بل إن الصلاة لم تشرع إلا لأجل تحقق ذكر الله ، يقول تعالى { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } [طه:14] فكانت الصلاة مشروعة لاستمرار حصول ذكر الله طيلة اليوم والليلة ، ولذلك فإن الملائكة يتميزون بالسجود والذكر يقول تعالى فيهم : { يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ } [الأنبياء:20].
والذكر عبادة لا يشترط فيها طهارة ولا الإتيان بحركات معينة كالصلاة ، ولا وقت للذكر فيمكن إتيانه سائر الليل والنهار ، يقول تعالى: { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } [آل عمران:191].
ثم اننا لو تتبعنا مواضع اجتماع الذكر والصلاة لوجدنا أن الذكر دائما مقدمٌ على الصلاة
فيقول تعالى:

{ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } [المائدة:91]​
ويقول تعالى :

{ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } [الحج:35]​
ويقول تعالى:

{ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } [النور:37]

فكان ذكر الله أكبر من الصلاة مع وجوب الصلاة وعظم أمرها فإنها شرعت لتحقيق هذا الذكر فكلما ملأ المؤمن يومه ذكراً وأجراه دائما على لسانه وفي قلبه كان متصلا بالله وتحقق ذكر الله له في كل حين .
إن ذكر الله لعبده مقيد بذكر العبد لربه فيقول تعالى : فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) [البقرة] وجعل من الصلاة معيناً لتأدية عبادة الذكر ، فكان هذا الموضع دليلاً على أن الذكر هو الغاية ، وأن الصلاة وسيلة لبلوغ هذه الغاية.
إن المؤمن يفتر عن الذكر وتأخذه الصوارف ، فهو ليس كالملائكة الذاكرين لطبيعة خلقته وحاجته للسعي للرزق والانشغال بدنياه ، فشرع لنا الصلاة حتى تبقي ذكر الله حاضراً في قلوبنا.
في عن ابي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يقول اللهُ تعالَى: أنا عندَ ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكَرَنِي، فإن ذَكَرَنِي في نفسِه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكَرَنِي في ملأٍ ذكرتُه في ملأٍ خيرٌ منهم، وإن تقرَّبَ إليَّ شبرًا تقرَّبتُ إليه ذراعًا، وإن تقرَّبَ إليَّ ذراعًا تقرَّبتُ إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيتُه هرْولةً
فانظر كيف أن الله يذكر من يذكره فإن امتلأ يومك بالذكر كان ذكر الله لكَ حاضراً في كل حين مادمت ذاكراً له ، وإذا ذكرته في الصلاة فقط ذكركَ سبحانه وقت الصلاة فقط ، فكان عِظم الذكر وفضله على الصلاة وغيره من الأعمال بيّناً لكل مؤمن لديمومة تحقيق الاتصال بالله من خلال الذكر عن سواه من العبادات، جعلنا الله وإياكم من الذاكرين الشاكرين .
 
جزاكم الله خيرا جميعا
وإلى أخانا باسل: إن هذا القول مشهور متواتر في كتب التفاسير عن ابن عباس وغيره من الصحابة رضي الله عنهم ، يكاد لا يخلو منه تفسير وإليك بعضها:
تفسير الطبري (20/ 42)
عن عبد الله بن ربيعة، قال: قال لي ابن عباس: هل تدري ما قوله:(وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) قال: قلت: نعم، قال: فما هو؟ قال: قلت: التسبيح والتحميد والتكبير في الصلاة، وقراءة القرآن ونحو ذلك، قال: لقد قلت قولا عجبا وما هو كذلك، ولكنه إنما يقول: ذكر الله إياكم عندما أمر به أو نهى عنه، إذا ذكرتموه(أَكْبَرُ) من ذكركم إياه.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن ابن ربيعة، عن ابن عباس قال: ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.

تفسير ابن كثير (6/ 282)
وحدثنا أبي، حدثنا النفيلي، حدثنا إسماعيل، عن خالد، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس
في قوله: { وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } قال: لها وجهان، قال: ذكر الله عندما حرمه، قال: وذكر الله إياكم أعظم من ذكركم إياه.
وقال ابن جرير: حدثني يعقوب بن إبراهيم، حدَّثنا هُشَيْم، أخبرنا عطاء بن السائب، عن عبد الله بن ربيعة قال: قال لي ابن عباس: هل تدري ما قوله تعالى: { وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } ؟ قال: قلت: نعم. قال: فما هو؟ قلت: التسبيح والتحميد والتكبير في الصلاة، وقراءة القرآن، ونحو ذلك. قال: لقد قلت قولا عجبًا، وما هو كذلك، ولكنه إنما يقول: ذكر الله إياكم عندما أمر به أو نهى عنه إذا ذكرتموه، أكبر من ذكركم إياه (1)
. وقد روي هذا من غير وجه عن ابن عباس. وروي أيضا عن ابن مسعود، وأبي الدرداء، وسلمان الفارسي، وغيرهم. واختاره ابن جرير.

تفسير البغوي (6/ 247)
وقال قوم: معنى قوله: "ولذكر الله أكبر" أي: ذكر الله إياكم أفضل من ذكركم إياه. ويروى ذلك عن ابن عباس ، وهو قول مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير ، ويروي ذلك مرفوعًا عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم

تفسير الألوسي (15/ 288، بترقيم الشاملة آليا)
{ وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ } قال ابن عباس . وابن مسعود . وابن عمر . وأبو قرة . ومجاهد . وعطية : المعنى لذكر الله تعالى إياكم أكبر من ذكركم إياه سبحانه ، وفي لفظ لذكر الله تعالى العبد أكبر من ذكر العبد لله تعالى ، وعن ابن عباس أنه قال ذلك ثم قرأ { اذكرونى أَذْكُرْكُمْ } [ البقرة : 152 ] .

تفسير البحر المحيط (9/ 60، بترقيم الشاملة آليا)
والظاهر أن { أكبر } أفعل تفضيل . فقال عبد الله ، وسلمان ، وأبو الدرداء ، وابن عباس ، وأبو قرة : معناه ولذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه

فتح القدير (5/ 444، بترقيم الشاملة آليا)
وقيل : المعنى : ولذكر الله لكم بالثواب والثناء عليكم منه أكبر من ذكركم له في عبادتكم وصلواتكم ، واختار هذا ابن جرير ، ويؤيده حديث : « من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم » { والله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } لا تخفى عليه من ذلك خافية ، فهو مجازيكم بالخير خيراً وبالشرّ شرّاً .

هذي بعض اقتباسات سريعة لو راجعت باقي كتب التفسير فما أظنك تجد أحدا ترك هذا القول.
 
السلام عليكم،
المفاضلة قد تكون فى نوع "العمل" مقارنة بتلاوة الكتاب والصلاة كما تفضلتما أعلاه،

بمعنى "ولذكر الله أكبر درجات وأكبر تفضيلا" عند الله تعالى من التلاوة والصلاة.

والوجه الآخر للآية والله تعالى أعلم :

اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ(نهيا ۗعن الفحشاء والمنكر) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ -45-

بمعنى "أن ذكر الله أكبر تأثيرا من الصلاة فى النهى عن الفحشاء والمنكر".
فالذكر يجلى القلوب والنفوس من الوساوس والشهوات كما الآية :

الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ .
صدق الله العظيم

والله تعالى أعلم
 
عودة
أعلى