أو التي بمعنى بل في القرآن الكريم

د محمد الجبالي

Well-known member
إنضم
24/12/2014
المشاركات
400
مستوى التفاعل
48
النقاط
28
الإقامة
مصر
[أو] التي بمعنى [بل] في القرآن الكريم

تأتي [أو] في كلامنا بمعنى [بل] إذا قصد بها االإضراب الإبطالي الحادث بسبب الخطأ أو النسيان في القول، مثل أن تقول: اذهب إلى عَمِّك أو عَمَّتك فاحملها إلى المستشفى. وقولك: اِصْحَبْ عُمَر أو زيدا فإنه أنفع لك في سفرك. فقد أخطأ المتكلم أو نسي، فأضرب عن الأول، وصَحَّحَ خطأه، فجاءت [أو] في الجملتين بمعنى [بل] والإضراب هنا إبطالي؛ لأنه لتصحيح خطأ، أو استدراك لسهو ونسيان، وعادة ما تقع [أو] في هذا النوع من الإضراب بين مفردين.

هذا النوع من [أو] التي للإضراب الإبطالي غير قائم في القرآن الكريم، وقد جاءت [أو] في القرآن الكريم بمعنى [بل] في مواضع كثيرة لكنها كلها تفيد الإضراب الانتقالي، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
  1. قول الله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } (الصافات147)، أنكر كثير من العلماء: "أن تجيء [أو] في هذه الآية أو غيرها بمعنى [بل]؛ لأنه سيفضي في رأيهم إلى محال، وهو نسبة النسيان أو الخطأ إلى الله تعالى الله عز وجل، ولابن عاشور كلام بديع في توجيه [أو] في الآية، قال رحمه الله: "حَرْفُ [أَوْ] فِي قَوْلِهِ: {أَوْ يَزِيدُونَ} بِمَعْنَى [بَلْ] عَلَى قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ، وَاخْتِيَارِ الْفَرَّاءِ، وَأَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ، وَابْنِ جِنِّيِّ، وَابْنِ بُرْهَانَ. وَاسْتَشْهَدُوا بِقَوْلِ جَرِيرٍ:
مَاذَا تَرَى فِي عِيَالٍ قَدْ بَرَمْتَ بِهِمْ *** لَمْ أُحْصِ عِدَّتَهُمْ إِلَّا بّعَدَّادِ
كَانُــوا ثَمَانِينَ أَوْ زَادُوا ثَمَانِيَــــــــــةً *** لَوْلَا رَجَاؤُكَ قَدْ قَتَّلْتَ أَوْلَادِي
وَالْبَصْرِيُّونَ لَا يُجِيزُونَ ذَلِكَ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا نَفْيٌ أَوْ نَهْيٌ وَأَنْ يُعَادَ الْعَامِلُ، وَتَأَوَّلُوا هَذِهِ الْآيَةَ بِأَنَّ [أَوْ] لِلتَّخْيِيرِ، وَالْمَعْنَى إِذَا رَآهُمُ الرَّائِي تَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: هُمْ مِائَةُ أَلْفٍ، أَوْ يَقُولَ: يَزِيدُونَ. وَيُرَجِّحُهُ أَنَّ الْمَعْطُوفَ بِـ [أَوْ] غَيْرُ مُفْرَدٍ بَلْ هُوَ كَلَامٌ مُبِينٌ نَاسَبَ أَنْ يَكُونَ الْحَرْفُ لِلْإِضْرَابِ"[1].
وأيَّدَ ذلك دكتور حجاج عبد الكريم قال: الثانية: أنّ الإضراب إنما جاز في كلامه تعالى في هذه الآية كما يقول الرضي: لأنه أخبر عنهم بأنهم مائة ألف، بناء على ما يحرُزُ الناس من غير تعمق، مع كونه تعالى عالماً بعددهم وأنهم يزيدون، ... أي: أرسلناه إلى جماعة يحزرهم الناس مائة ألفٍ، وهم كانوا زائدين على ذلك"[2].
  1. قول الله تعالى: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} (النحل77)، اختلف أهل اللغة في تأويل [بل] في هذه الآية اختلافا عظيما، فمنهم من جعلها على ما وضعت له من دون تأويل، ومنهم جعلها للشك، ومنهم من جعلها للإبهام على المخاطب، وقال بعضهم إنها للشك المصروف إلى السامع، على سبيل الحكاية عنه. أما ابن عاشور فقد رأى فيها رأيا حسنا، قال: "ولفظ « أو » في {أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} ليس للشك، بل للتمثيل. وقيل: دخلت لشك المخاطب ، وقيل : هي بمنزلة بل {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (النحل77)، ومجيء الساعة بسرعة من جملة مقدوراته وأَوْ فِي أَوْ هُوَ أَقْرَبُ لِلْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ، إِضْرَابًا عَنِ التَّشْبِيهِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُشَبَّهَ أَقْوَى فِي وَجْهِ الشَّبَهِ مِنَ الْمُشَبَّهِ بِهِ، فَالْمُتَكَلِّمُ يُخَيِّلُ لِلسَّامِعِ أَنَّهُ يُرِيدُ تَقْرِيبَ الْمَعْنَى إِلَيْهِ بِطَرِيقِ التَّشْبِيهِ، ثُمَّ يُعْرِضُ عَنِ التَّشْبِيهِ بِأَنَّ الْمُشَبَّهَ أَقْوَى فِي وَجْهِ الشَّبَهِ وَأَنَّهُ لَا يَجِدُ لَهُ شَبِيهًا فَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ فَيَحْصُلُ التَّقْرِيبُ ابْتِدَاءً ثُمَّ الْإِعْرَابُ عَنِ الْحَقِيقَةِ ثَانِيًا"[3].
  1. قول الله تعالى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (النجم9)، وقع في تأويل [أو] هنا كما أمثالها فيما مضى خلاف طويل، فمنهم مَن عَدَّها على أصل معناها، قال أبو السعود: "{أَوْ أَدْنَى} أيْ عَلى تقديرِكم، كَما في قولِه تعالى: {أَوْ يَزِيدُونَ} والمرادُ تمثيلُ ملَكةِ الاتصالِ وتحقيقُ استماعِه لما أُوحيَ إليه بنفِي البُعدِ الملبس"[4] ومنهم قال أنها بمعنى [بل]، ومنهم من قال بغير ذلك، نقل الشوكاني عن الزجاج: "أي: فيما تقدّرون أنتم، والله سبحانه عالم بمقادير الأشياء، ولكنه يخاطبنا على ما جرت به عادة المخاطبة فيما بيننا، وقيل: [أو] بمعنى الواو، أي: وأدنى، وقيل: بمعنى [بل]، أي: بل أدنى"[5].
والله أعلم
د. محمد الجبالي



[1] ابن عاشور، التحرير والتنوير، .....

[2] حجاج أنور عبد الكريم، راجع الالوكة، تاريخ الإضافة: 3/1/2015م - 12/3/1436هـ، رابط الموضوع:
https://www.alukah.net/literature_language/0/80638/#ixzz6cWjgKpBe

[3] ابن عاشور، التحرير والتنوير، ....

[4] أبو السعود، ......

[5] الشوكاني، فتح القدير، ....
 
وإياكم أخي الكريم: العصيمي عصمكم الله من كل زلل، وجزاكم الله خيرا
وأعانكم على ما أوكله الله بكم وسددكم

وعذرا المصادر لما توثق بسبب أن هذا المنشور مبحث من كتابي الجديد [بل في القرآن الكريم بين الإضراب الإبطالي والإضراب الانتقالي] وإني أعتمد على الموسوعة الشاملة اثناء كتابتي وبحثي ثم أعود فأوثق النقول من مصادرها الأصلية.
وهذا الكتاب قد طال بين والحمد لله قد أوشك، نسأل الله أن يعين ويسدد
 
ماشاء الله
شكرا جزيلا

لكن لم افهم كل شيء شخصيا

المرجو لو تشرحون قليلا كتعقيب على النقل
 
عودة
أعلى