عبدالقادر محجوبي
New member
دوافع البحث في الموضوع:
لعل من الأسئلة التي قد تتبادر إلى ذهن القاريء الكريم لهذا العنوان، سؤال هو: ما السب في اختيار محمد أركون ليكون فكره موضع نقد بدلا من غيره ممن يعدون أو يعتبرون من المفكرين الحداثيين ومن في حكمهم؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال لابد من الإشارة إلى أن الحداثة (Modernisme) ليست هي التحديث (Modernité) ، فبين المصطلحين بون شاسع وفرق كبير، فالأول يمكن أن نُسلم بأنه مذهب فكري له أصول ومرتكزات يقوم عليها في بنائه لآرائه وأفكاره؛ والثاني يراد منه جعل الوسائل والأدوات ملائمة للعصر وفي تناغم معه أو بعبارة أخرى جعلها "عصرية"، أما جوابا على السؤال المذكور فيمكن الإشارة إلى ما يلي:
1. في صيف سنة 1986م أو في صف السنة الموالية لها استمعت إلى برنامج (لا أذكر اسمه) بثته الإذاعة الجهوية للدار البيضاء وكان ضيف البرنامج مفكر اسمه محمد أركون، وأكثر المُقدم للبرنامج وفي ثنايا استضافته له من وصفه بـ" المفكر الإسلامي" فاعتقدت أنه بهذا الوصف من طينة الشيخ عبد الحميد كشك ومحمد الغزالي رحمها الله وجميع المسلمين، وكنت حينها أدرس بالمدرسة الثانوية، أي قبل الحصول على الباكالوريا. بالإضافة إلى هذا وخلال زياراته للمغرب فإن عددا من التلاميذ ممن كنت أدرس معهم كانوا يتبادلون الحديث عنه بكثرة رغم أنهم لم يقرؤوا له، والسبب في هذا الضجة التي كانت ترافقه وكان يحدثها دخوله إلى المغرب في تلك المرحلة. كما أن وسائل إعلامنا خاصة المكتوبة من مجلات وصحف تتقاطع النظر مع أركون فيما يهدف إليه أظهرته على أنه ذلك العبقري الذي لم يسبق أن ظهر مثله في الغرب الإسلامي.
2. لما التحقت بالجامعة ودرست السنة الأولى في شعبة الاقتصاد لفت نظري استعمال البعض من المدرسين للعديد من المصطلحات والألفاظ التي نطق بها أركون في البرنامج الإذاعي الذي حل ضيفا عليه بإذاعة الدار البيضاء، وهنا بدأ البحث بالنسبة لي عن وفي كتابات أركون وإنتاجه الفكري.
3. إيراد أركون في كتاباته وحواراته وأحاديثه الإذاعية والتلفزية للكثير من مفاهيم ومصطلحات الفكر الغربي ومحاولته تقديمها على أنها أدوات منهجية حديثة لنقد "العقل الديني والإسلامي" وإعادة قراءة القرآن وتاريخ الإسلام وتراثه، ومن هذه الألفاظ: الابستمولوجيا، الأنتروبولوجيا، الإبيستمية، البنيوية، الميتافزيقا، التاريخية، الأركيولوجيا، التيولوجيا... وغيرها من المصطلحات، لإيهام قليلي العلم والاطلاع على أنها البديل أو الاجتهاد المخلص من التقليد والجمود الذي يعاني منه الفكر الإسلامي والاجتهاد المعاصر (المتمثل أساسا في الدعوة الإسلامية المعاصرة ومعها اليقظة الإسلامية) في فهم الدين الفهم العلمي الصحيح وقراءة الميراث العلمي للأمة قراءة علمية كذلك.
4. إن مطاردة الأغلاط العلمية والأخطاء التي وقع فيها أركون أو غيره والوقوف عندها واحدا تلو الآخر أمر مقبول لكنه يتطلب وقتا أطول وجهدا أكبر قد لا ينتهي، لأن أغلب ما كتبه أو قاله وصرح به هنا وهناك فيه وعليه نظر أو نظرات طويلة وعميقة بعمق القصد الفكري الذي أراده ويريده؛ ويبدو لي أن الوقوف عند أركان أو نقط ضعف المشروع الأركوني لتكون منطلقا ومرتكزات يُبنى عليها لنقده، قد تكون أنجع في نبشه وتقويضه من الداخل ثم نسفه، كما أراد أن يفعل مع الميراث العلمي للأمة، وقد خاب سعيه وبوادر بوار مشروعه لاحت في الأفق منذ مدة، ويزداد فشل مشروعه في الظهور يوما عن يوم، لمن له بصر وبصيرة.
5. غياب الشروط العلمية والموضوعية في التعامل مع الميراث العلمي للأمة ومع الوحي (القرآن والسنة) مصدر هذا الميراث؛ وهنا يُطرح مسوغ المشروع "العلمي" لأركون وأبعاده، ومراده ومبتغاه مما يقوله أو يتبناه، ففي الغالب غياب الوضوح والمبتغى. يقول هاشم صالح:" إن ما يفعله أركون بالنسبة للتراث الإسلامي يشبه إلى حد بعيد ما فعله علماء أوروبا ومفكريها بالنسبة للمسيحية" [ينظر: قضايا في نقد العقل الديني، كيف نفهم الإسلام اليوم؟ لمحمد أركون، ص:15] كدين يقابل التراث الإسلامي، مما يعني إدخال الوحي بشقيه القرآن والسنة ضمن التراث، الذي هو إنتاج بشري؛ فهذه النظرة "العلمية" المسبقة لها ما بعدها، من اعتبار الوحي بمنزلة الكلام البشري يجري عليه جميع ما يجري على كلام البشر من السهو والنسيان والوقوع في الخطأ؛ وهذا يفتح الباب لتصحيحه وتصويبه وإعطائه معنى حسب هذه السمات أو الخصائص التي للكلام البشري.
هذه هي الدوافع التي كانت وراء اختياري محمد أركون ليكون فكره مجال نقد وقراءة في جوانب تعد في نظري الأكبر والأضخم، بناء على ملاحظات اختمرت في ذهني لمدة تزيد على العقدين.
وهنا لابد من الإشارة إلى أنني لم أطلع على كل ما كتبه أركون أو كتب عنه، رغم تتبعي وقراءتي لبعض كتاباته. كما أن غالبية ما سأعرضه تجمع لدي في أوراق وجذاذات خاصة، قمت بنفض الغبار عنها راجيا أن يكون إخراج ما بداخلها ذا فائدة، وقد زاد من رغبتي وحماسي لهذا، أمران:
أولهما لقائي بمدير إشراف "ملتقى الانتصار للقرآن الكريم" الأخ اللطيف الدكتور حاتم بن عابد القرشي، لقائي به في "المؤتمر العالمي الثاني للباحثين في القرآن الكريم وعلومه" المنعقد بفاس خلال هذا العام (1434هـ)، وما راج بيني وبينه من نقاش في موضوع الانتصار للقرآن الكريم؛
وثانيهما ظهور موضوعات قديمة/جديدة في هذا الملتقى المبارك، وما عرفته وقد تعرفه من الردود والتعليقات على آراء وأفكار أركون التي ستظل موضع نقاش وتحليل مدة طويلة.
ومن ثم يمكن الوقوف عند ومع خمسة أركان أتناولها تباعا، وهي:
لعل من الأسئلة التي قد تتبادر إلى ذهن القاريء الكريم لهذا العنوان، سؤال هو: ما السب في اختيار محمد أركون ليكون فكره موضع نقد بدلا من غيره ممن يعدون أو يعتبرون من المفكرين الحداثيين ومن في حكمهم؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال لابد من الإشارة إلى أن الحداثة (Modernisme) ليست هي التحديث (Modernité) ، فبين المصطلحين بون شاسع وفرق كبير، فالأول يمكن أن نُسلم بأنه مذهب فكري له أصول ومرتكزات يقوم عليها في بنائه لآرائه وأفكاره؛ والثاني يراد منه جعل الوسائل والأدوات ملائمة للعصر وفي تناغم معه أو بعبارة أخرى جعلها "عصرية"، أما جوابا على السؤال المذكور فيمكن الإشارة إلى ما يلي:
1. في صيف سنة 1986م أو في صف السنة الموالية لها استمعت إلى برنامج (لا أذكر اسمه) بثته الإذاعة الجهوية للدار البيضاء وكان ضيف البرنامج مفكر اسمه محمد أركون، وأكثر المُقدم للبرنامج وفي ثنايا استضافته له من وصفه بـ" المفكر الإسلامي" فاعتقدت أنه بهذا الوصف من طينة الشيخ عبد الحميد كشك ومحمد الغزالي رحمها الله وجميع المسلمين، وكنت حينها أدرس بالمدرسة الثانوية، أي قبل الحصول على الباكالوريا. بالإضافة إلى هذا وخلال زياراته للمغرب فإن عددا من التلاميذ ممن كنت أدرس معهم كانوا يتبادلون الحديث عنه بكثرة رغم أنهم لم يقرؤوا له، والسبب في هذا الضجة التي كانت ترافقه وكان يحدثها دخوله إلى المغرب في تلك المرحلة. كما أن وسائل إعلامنا خاصة المكتوبة من مجلات وصحف تتقاطع النظر مع أركون فيما يهدف إليه أظهرته على أنه ذلك العبقري الذي لم يسبق أن ظهر مثله في الغرب الإسلامي.
2. لما التحقت بالجامعة ودرست السنة الأولى في شعبة الاقتصاد لفت نظري استعمال البعض من المدرسين للعديد من المصطلحات والألفاظ التي نطق بها أركون في البرنامج الإذاعي الذي حل ضيفا عليه بإذاعة الدار البيضاء، وهنا بدأ البحث بالنسبة لي عن وفي كتابات أركون وإنتاجه الفكري.
3. إيراد أركون في كتاباته وحواراته وأحاديثه الإذاعية والتلفزية للكثير من مفاهيم ومصطلحات الفكر الغربي ومحاولته تقديمها على أنها أدوات منهجية حديثة لنقد "العقل الديني والإسلامي" وإعادة قراءة القرآن وتاريخ الإسلام وتراثه، ومن هذه الألفاظ: الابستمولوجيا، الأنتروبولوجيا، الإبيستمية، البنيوية، الميتافزيقا، التاريخية، الأركيولوجيا، التيولوجيا... وغيرها من المصطلحات، لإيهام قليلي العلم والاطلاع على أنها البديل أو الاجتهاد المخلص من التقليد والجمود الذي يعاني منه الفكر الإسلامي والاجتهاد المعاصر (المتمثل أساسا في الدعوة الإسلامية المعاصرة ومعها اليقظة الإسلامية) في فهم الدين الفهم العلمي الصحيح وقراءة الميراث العلمي للأمة قراءة علمية كذلك.
4. إن مطاردة الأغلاط العلمية والأخطاء التي وقع فيها أركون أو غيره والوقوف عندها واحدا تلو الآخر أمر مقبول لكنه يتطلب وقتا أطول وجهدا أكبر قد لا ينتهي، لأن أغلب ما كتبه أو قاله وصرح به هنا وهناك فيه وعليه نظر أو نظرات طويلة وعميقة بعمق القصد الفكري الذي أراده ويريده؛ ويبدو لي أن الوقوف عند أركان أو نقط ضعف المشروع الأركوني لتكون منطلقا ومرتكزات يُبنى عليها لنقده، قد تكون أنجع في نبشه وتقويضه من الداخل ثم نسفه، كما أراد أن يفعل مع الميراث العلمي للأمة، وقد خاب سعيه وبوادر بوار مشروعه لاحت في الأفق منذ مدة، ويزداد فشل مشروعه في الظهور يوما عن يوم، لمن له بصر وبصيرة.
5. غياب الشروط العلمية والموضوعية في التعامل مع الميراث العلمي للأمة ومع الوحي (القرآن والسنة) مصدر هذا الميراث؛ وهنا يُطرح مسوغ المشروع "العلمي" لأركون وأبعاده، ومراده ومبتغاه مما يقوله أو يتبناه، ففي الغالب غياب الوضوح والمبتغى. يقول هاشم صالح:" إن ما يفعله أركون بالنسبة للتراث الإسلامي يشبه إلى حد بعيد ما فعله علماء أوروبا ومفكريها بالنسبة للمسيحية" [ينظر: قضايا في نقد العقل الديني، كيف نفهم الإسلام اليوم؟ لمحمد أركون، ص:15] كدين يقابل التراث الإسلامي، مما يعني إدخال الوحي بشقيه القرآن والسنة ضمن التراث، الذي هو إنتاج بشري؛ فهذه النظرة "العلمية" المسبقة لها ما بعدها، من اعتبار الوحي بمنزلة الكلام البشري يجري عليه جميع ما يجري على كلام البشر من السهو والنسيان والوقوع في الخطأ؛ وهذا يفتح الباب لتصحيحه وتصويبه وإعطائه معنى حسب هذه السمات أو الخصائص التي للكلام البشري.
هذه هي الدوافع التي كانت وراء اختياري محمد أركون ليكون فكره مجال نقد وقراءة في جوانب تعد في نظري الأكبر والأضخم، بناء على ملاحظات اختمرت في ذهني لمدة تزيد على العقدين.
وهنا لابد من الإشارة إلى أنني لم أطلع على كل ما كتبه أركون أو كتب عنه، رغم تتبعي وقراءتي لبعض كتاباته. كما أن غالبية ما سأعرضه تجمع لدي في أوراق وجذاذات خاصة، قمت بنفض الغبار عنها راجيا أن يكون إخراج ما بداخلها ذا فائدة، وقد زاد من رغبتي وحماسي لهذا، أمران:
أولهما لقائي بمدير إشراف "ملتقى الانتصار للقرآن الكريم" الأخ اللطيف الدكتور حاتم بن عابد القرشي، لقائي به في "المؤتمر العالمي الثاني للباحثين في القرآن الكريم وعلومه" المنعقد بفاس خلال هذا العام (1434هـ)، وما راج بيني وبينه من نقاش في موضوع الانتصار للقرآن الكريم؛
وثانيهما ظهور موضوعات قديمة/جديدة في هذا الملتقى المبارك، وما عرفته وقد تعرفه من الردود والتعليقات على آراء وأفكار أركون التي ستظل موضع نقاش وتحليل مدة طويلة.
ومن ثم يمكن الوقوف عند ومع خمسة أركان أتناولها تباعا، وهي: