أمية الرسول صلى الله عليه وسلم من أدلة إلهية القرآن

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع الخطيب
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

الخطيب

New member
إنضم
24/04/2003
المشاركات
113
مستوى التفاعل
0
النقاط
16


قرأت لأحدهم مقالا بعنوان (أمية محمد في ميزان العقل والنقل ) قد صب فيه جام غضبه على أمتنا المحمدية لأنها تتباهى – حسب زعمه – بأمية رسولها ويقول في ذلك:
اقتباس:
لم أرى طيلة حياتي أمة تتباهى وتتفاخر بأمية زعيمها(نبيها) مثل الأمة الإسلامية . التي أخذت من أمية محمد مصدراً للتفاخر والاعتزاز .وكأن الجهل وقلت المعرفة شيئاً يعتز به ويبني أصحاب نظرية الأمية ، نظريتهم هذه على بعض الآيات القرآنية التي أساءوا تفسيرها وتأويلها مفسري القرآن.
ـــــــــــ
هكذا آثرت أن أنقل كلامه بطريقة القص واللصق على ما فيه من أخطاء بدهية أتركها لفطنة القارئ وليفرح المسلمون بمستوى ناقديهم.
وفي بقية المقال أمضى الكاتب رحلة وسيطة هدف من ورائها إلى إثبات أن لفظ أمي إنما يعني من ليس إسرائيليا - فاللفظ بحسب رأيه - مصطلح توراتي أي ليس له في العربية مدلول.
وودت لو أنه تمتع بالإنصاف فذكر أن اللفظ عربي له معان مستخدمة منها كذا وكذا وليرجح الرأي الذي يراه ولو كان توراتيا ، ونحن بدورنا نناقشه فيما وصل إليه فإن كان حقا قبلناه ، وإن كان باطلا رددناه عليه ، أما أن يقف عند حد أن اللفظ توراتي بدون الإشارة إلى تضمن اللغة العربية له تقريرها أن الأمي هو من لا يقرأ ولا يكتب فهذا ما لا يقبله منصف.

لكن ما سر العداء بين الكاتب ولفظ الأمي بمعناه المعروف من جهة ثم بينه وبين المتفاخرين بأمية رسولهم – حسب تعبيره – من جهة أخرى ؟
هذا ما أفصح عنه من خلال مقالته التي اعتمد في استخلاص أصولها من روايات واردة في كتب الصحاح المعتمدة لديه ومنها:
طبقات اللغويين والنحاة ، وصبح الأعشى ، وكتاب الأستاذ الحداد ( في سبيل الحوار الإسلامي المسيحي )
أين مراجعه اللغوية ؟ أين مراجعه الحديثية ؟ أين ، أين ........؟
كل هذا لا قيمة له لأنه لن يحقق المطلوب.

الحاصل أن الكاتب أراد أن يثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مجيدا للقراءة والكتابة وأهم دلائله على ذلك أن لفظ الأمي لا يطلق في رأيه على من لا يجيد القراءة والكتاب بل على غير الإسرائيلي
والكاتب بالطبع لا يريد إثبات فضيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بادعاء أنه كان يعرف القراءة والكتابة بل يريد أن ينفذ إلى ما وراء عرضه بادعاء أن القرآن من تأليفه حيث لا غرابة في ذلك إذا كان مجيدا للقراءة والكتابة وكأن القراءة والكتابة هما المحك والفيصل وهما علة تأليف القرآن – حسب زعمهم – وكأن كل قارئ كاتب قد صار عالما نحريرا ، ولأن الكاتب قد ذكر – وهو في ذلك محق - أن في مكة من يقرأ ويكتب فنحن نحاججه فلماذا لم يأت كتبة مكة وقراؤها بمثل القرآن بل لماذا آمنوا به وأذعنوا له وهم في القراءة والكتابة والبلاغة المكتسبة من وحدة القبيلة مثل مؤلف القرآن ؟
يقولون هنا: بالتأكيد قد جاءوا بذلك لكن التاريخ لم يثبت إلا فوضى مسيلمة وحتى هذه فيها شك.
ونقول لهم: دعونا نصدقكم في دعواكم أن العرب قد جاءوا بمثل القرآن لكن التاريخ ظلمهم لكنكم لم تجيبونا: لماذا آمن به من آمن من أهل مكة بمجرد صدوعه بالدعوة وقراءته القرآن إذا كان ما جاء به في عرفهم أمرا مستطاعا فإن من آمنوا به هم – بلا شك - كمن يتوهم أنهم قد جاءوا بمثل القرآن في البلاغة سواء ؟
أي لماذا آمن أبو بكر وعلي وعثمان وعمر وطلحة والزبير وسائر إخوانهم من أهل البلاغة واللسن لماذا صدقوا بالقرآن إن لم يكن خارقا ؟
قد كان صلى الله عليه وسلم بمكة من أفقرهم ليس له والد يدفع عنه ولا ولد يسانده أي لم تكن له سطوة على من آمنوا به بل كانت السطوة لمن كفروا فالعدد عددهم والعدة عدتهم ورغم ذلك سارعوا إلى الإيمان به وصبر صلى الله عليه وسلم وصابر حتى هدى الله إليه من الخلق من لا يحصون عددا

وهكذا يدور المعارضون في حلقة مفرغة حول مركز واحد هو دعوى بشرية القرآن الكريم
وحين نحاججهم قائلين لماذا لم يأت أحد بمثله إذا كان بشريا ؟
يقولون هي العبقرية أي أنهم يعترفون بأنه غير عادي لكن الشيطان يمسك ألسنتهم عن تجاوز العبقرية إلى الإقرار بالنبوة.
ولماذا لم يتعبقر غيره ليأتي بمثل ما جاء به ؟
وما قولكم في إخباره بماض قد اندرس ومستقبل قد وقع كما ذكر ؟
هل للعبقرية في ذلك مجال؟
ولماذا لم ينسبه إلى نفسه ونسبه إلى ربه فالناس يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا وهو يتبرأ مما فعل ؟
شيء غير معهود في طباع بني البشر التي جبلت على الفخار والغرور والعجب.
يقولون إنه قد تعلمه من ورقة أو غلام نصراني أعجمي – يا للعجب - كان يختلف إليه بمكة.
ومن ثم كان رد القرآن قاطعا:
{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ }
ولماذا لم يأت المعلم إذن بمثل ما جاء به إن لم يكن أفضل منه ؟
والجواب جاهز طبعا:
إنه التلميذ الذي فاق أستاذه.
لكن ألم يكن لهذا الأستاذ مقدرة على أن يأتي بأي شيء ؟ فماذا علمه إذن ؟
وأخيرا وددت من كاتب المقال أن يذكر لنا لماذا لم يكتب النبي صلى الله عليه وسلم القرآن بنفسه إذن ، بل كان في أحلك الأوقات يرسل إلى الكتبة ليدونوا ما نزل حتى إنه استدعى زيد بن ثابت ليدون فقط هذه العبارة { غير أولي الضرر } فلماذا لم يكتبها بنفسه؟
وإن أجاب بأنه صلى الله عليه وسلم كان يكتب القرآن فهل سيقبل ورفاقه فكرة أن القرآن لم يُحرَّف من قبل الكتبة حيث كاتبه عين مؤلفه؟
هل ، هل ............أسئلة كثيرة تكشف عن زيف المكتوب فهل ندع ما ثبت لدينا يقينا لكتابات من هذا النوع ليست وثيقة الصلة بالمصداقية العلمية.؟
كل هذا ليس مهما للتبوأ ناصية الكتابة بمواقع حساسة ودوريات واسعة الانتشار ويوميات تباع بالملايين فقط امتلك الجرأة على الله ورسوله وستفتح أمامك كل المغاليق.
حسبنا الله ونعم الوكيل
وصدق الله:
{ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ 47 وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ 48 بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ 49 وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ 50 أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ 51 قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ 52 }
 

أتابع هنا تتمة ما بدأت لأن من وقفوا على أن الكتابيين كانوا يطلقون على العرب: وصف أميين لم يفقهوا أن بين الأمي الذي هو العربي أو غير الكتابي مطلقا، وبين الأمي الذي هو غير عالم بالقراءة والكتابة قرابة ورحما من جهة المعنى ، فلنتصفح إذن أمهات المعاجم وكتب التفسير والمفردات لندرك بعد هذا التصفح أن لفظ الأمي يطلق إطلاقا أصيلا على الذي لا يقرأ ولا يكتب نسبة إلى الحالة التي خرج عليها من بطن أمه حيث لم يخرج أحد عالما أو قارئا كاتبا وفي هذا المعنى جاء قوله سبحانه: { وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا } وكانت اليهود تطلق على العرب " أميين " لأنه لم ينزل إليهم كتاب وهذا سر عدم اتجاههم إلى القراءة والكتابة لأن الأمة التي يكون منهاجها الديني مسطورا في كتاب مقدس تتجه عادة إلى التعلم والتعليم لإجادة قراءة وكتابة كتابهم المقدس ، وهذا سر انتشار القراءة والكتابة لدى الكتابيين في هذا العهد أكثر من انتشاره وعلى هذا فلفظ الأمي متجه في معناه الأصل ومعانيه المتفرعة عنه إلى عدم إجادة القراءة والكتابة والمعنى اتبعوا هذا النبي الأمي المنتسب إلى الأمة الأمية التي لم ينزل عليها كتابا لتقرأه ضرورة أنه لم يبعث إليها رسول.
يقول القرطبي:
(الأمي) منسوب إلى الأمة الأمية، التي هي على أصل ولادتها، لم تتعلم الكتابة ولا قراءتها؛ قال ابن عزيز. وقال ابن عباس رضي الله عنه: كان نبيكم صلى الله عليه وسلم أميا لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب؛ قال الله تعالى: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك) العنكبوت: 48]. وروي في الصحيح عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)

ما الحكمة في كون الرسول أميا ولماذا التباهي والتفاخر بهذا الوصف على حد وصف المدعي ؟

لا أعتقد أن القارئ من عدم عدم الوعي بحيث يحتاج إلى أن نبين له أن الأمية هنا دليل مصداقية لأن هذا النبي الذي يعرفونه جيدا ويدركون أنه مثل غالبيتهم لا يقرأ ولا يكتب ورغم هذا فقد جاءهم بهذا الكتاب المبين المتضمن من المعارف السابقة واللاحقة ما لا يعرف في سابقه إلا بتعلم وبلوغ رتبة فوق طاقة البشر ، وفي لاحقه بما يحتاج إلى وقوف على الغيب .
ولأنه لم يكن هذا أو ذاك فقد ثبت أنه ما جاء بذلك إلا من خلال وصله بقوة فوق قوة البشر ، ولأنه قد أعلن أن هذه القوة فوة إلهية وجاءهم على صدق دعواه بالمعجزات الحسية والمعنوية وفوق ذلك كله معجزته الكبرى القرآن ، فقد لزم تصديقه ضرورة أنه جاء بذلك وهو الأمي الذي لم يختلف يوما إلى معلم ولم يبارح مكة هائما في رحلة علمية أو سائحا لحاجة معرفية ولم يتبع دينا كتابيا كاليهودية أو المسيحية.
ولنتخيل لو كان محمد صلى الله عليه وسلما متعلما قارئا كاتبا هل كانوا سيقبلون على القرآن وما جاء به إقبال الواثقين بأنه من عند الله أم كانوا سيقنعون بأن ما جاء به هو نتيجة تعلمه ؟
بالطبع هذا ما كان سيحدث ، بدليل أن مدعي عدم الأمية الآن يريدون أن يصلوا إلى تلك الغاية .

أدلة القائلين بعدم أمية الرسول صلى الله عليه وسلم ودمغها:

يحتج القائلون بعدم أمية الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه كان متعلما بعدة أدلة أهمها:

1- أن لفظ الأمي يطلق على غير الكتابي في مصطلح الكتابيين ، وهذا ما نقشناه فيما مضى حيث أبرزنا الصلة الحميمة بين المعنيين المطروحين على بساط البحث.
2- يقولون: إن أول آية نزلت في القرآن هي قوله تعالى: { اقرأ } فكيف يأمره بالقراءة ما لم يكن قارئا ؟ والجواب أنه أمره بذلك ليوقفه على أن المسببات وإن كانت مرهونة بأسبابها ، لكنها أمام سلطان الله ليست كذلك ، فها أنت يا محمد أمي لا تقرأ ولا تكتب ، ولكن الله سيعينك على حفظ ما سنزله عليك أفضل من حفظ من يجيدون القراءة والكتابة والمذاكرة ، ولذا قال له { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } أي مستعينا به فمنه العون وقد أعانه وضمن له الحفظ وقال له: { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ 16 إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ..} وهؤلاء الذين استدلوا بالآية على دعوى إجادته القراءة نسوا الملابسة التي أحاطت بنزول الآية
ورد في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: الصحيحين عنها قالت: أول ما بدئ به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم؛ فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء، يتحنث فيه الليالي ذوات العدد، قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك؛ ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها؛ حتى فجئه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: (اقرأ) فقال: (ما أنا بقارئ - قال - فأخذني فغطني، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني) قال: "أقرأ " فقلت: "ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: "اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم "
إنه يصرح بأميته ويقول: " ما أنا بقارئ " ويكررها ، فهل يصلح هذا دليلا على صدق الدعوى ؟

3- يقولون: إن علي بن أبي طالب كان يجيد القراءة والكتابة وفيه دليل على أن محمدا – صلى اله عليه وسلم – كان يجيد ها أيضا لأنه تربى مع علي في بيت عمه أبي طالب ، فلا يعقل أن يكون علي قد انفرد بذلك دونه.
وللجواب جوابا مختصرا قاطعا عن ذلك لابد من كبت دافع التهكم والسخرية ، فما أوهى الأدلة إن كان هذا دليلا ، وكأن كل بيت فيه متعلم واحد قد صار دليلا على تعلم البيت كله.
لا أعتقد أنني بحاجة إلى رد هذه الترهة بأكثر من الاحتجاج بالواقع الذي نعيشه فمع يسر وسائل التعلم وإجباريته أيضا تبلغ نسبة الأمية في بلادنا معدلات عالية وبعضها أعلى من بعض – عذرا لأنني لا أمتلك أحدث الإحصائيات حول هذا الموضوع – نرى رأي العين بيوتات يزيد تعدادها على عشرة أبناء ولم يتعلم منهم إلا فرد واحد أو اثنان أو ...

من الشواهد الدالة على أمية الرسول صلى اله عليه وسلم:

1- ورود آيات كثيرة في القرآن الكريم شاهدة بذلك ومنها قوله تعالى:
{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ } ( الأعراف: 157 )
ومن ذلك اعتراف الكفار بأميته وعدم معرفته القراءة والكتابة قال تعالى: { وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا } ( الفرقان: 5 ) فقولهم: اكتتبها أي كتبت له لتتلى بعد ذلك على مسامعه صباح مساء.
ومنه قوله تعالى: { وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ } ( العنكبوت: 48)

2- عندما نزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء أول مرة بمستهل سورة العلق { اقرأ } كان رده المؤكد بالتكرار: ما أنا بقارئ ومثل هذه الصياغة تفيد العموم حيث النكرة " قارئ " وقعت في سياق النفي والمعنى: لا أجيد أي لون من ألوان القراءة.
3- اتخاذه صلى الله عليه وسلم كتبة للوحي دليل بارز على أميته إذ لو لم يكن كذلك لكتب القرآن بنفسه فإن قيل: ذلك عسير عليه أن يكتبه بمفرده قلنا: لا عسر في ذلك فالقرآن نزل منجما في ثلاث وعشرين سنة ، وكثير من الصحابة كتبوا مصاحف لخاصة أنفسهم ، وإذا لم يتفرد بهذا فلا أقل من أن يقوم معاونا للكتبة مشاركا لهم ، فإذا لم يفعل صلى الله عليه وسلم هذا مع توفر الدواعي إلى مثله فقد دل على أنه كان أميا لا يقرأ ولا يكتب. وقد مضى أنه أرسل إلى زيد بن ثابت ليكتب له { غير أولي الضرر }
4- كان صلى الله عليه وسلم يعاجل جبريل بالقراءة عند نزوله عليه بالقرآن خشية أن يتفلت منه فضمن الله له الحفظ وأنزل عليه قوله : { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ 16 إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ 17 فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ } ( القيامة: 16- 18 ) والشاهد أنه لو كان كاتبا قارئا لما خشي ذلك لأن عليه فقط أن يدون ما نزل ليرجع إليه عند الحاجة ، ولأن ذلك لم يحدث فقد دل على أنه أمي.
5- في فداء أسرى بدر جعل النبي صلى الله عليه وسلم فداء الواحد منهم أن يعلم عشرة من أبناء المسلمين ، وهذا تنبه منه صلى الله عليه وسلم إلى أهمية العلم فنحن مطالبون به ديانة ، وعليه فلو كان مجيدا للقراءة والكتابة لقام بتعليم الصحابة وأبناءهم ضرورة أنه معلم الأمة ، فإن قيل: كان من الممكن أن يعهد بذلك لأحد المسلمين القارئين الكاتبين قلنا: لم يكن واحد منهم ليؤثر في المتلقين تأثير النبي صلى الله عليه وسلم فيهم وهذا معروف ، فلما لم يحدث هذا فقد دل على أميته.
6- النبي صلى الله عليه وسلم صرح بهذا عندما قال – كما ورد في الصحيح -:
" إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " فهذا تصريح واضح مصدر بإن التوكيدية ومذيل بجملة توضيحية تفسيرية " لا نكتب ولا نحسب "
فهل لمدعي عدم الأمية بعد هذا قول؟
 
بارك الله فيكم يا شيخنا .

حسنٌ .. فما رأيكم في هذا الكلام على موقع المنظمة الإسلامية للعلوم للتربية و العلوم و الثقافة ؟
http://www.isesco.org.ma/pub/ARABIC/Quran/P3.htm

و خصوصاً تفسيره لحديث " نحن أمة أمية " !!
 
بسم الله الرحمن الرحيم ...
جزى الله الجميع خيرا ، وهذا موضوع مما أختبأنا منه زمنا ، تارة بالتملص والتحوير ، وتارة بالتكلف في التأويل ..

وأنا ممن يتبنى رأي صاحب المقال التالي جزاه الله خيرا ، وأعرضه هنا لعموم الفائدة ان شاء الله :
[color=FF0000][align=center]الأمي".. ليس الذي لا يقرأ ولا يكتب..
بل هي أعظم صفات الرسول النبي محمد
التي لا تنبغي لغيره!.[/align]
[/color]صلاح الدين إبراهيم أبوعرفة



إن ما وصلنا من "آراء" الأولين من المفسرين والمأولين في هذا الباب, لا يطمئن إليها قلب المؤمن السائل المتدبر، فهم -جزاهم الله خيراً-، اجتهدوا ما استطاعوا, ولنا نحن المؤمنون أن نضع رحالنا حيث تطمئن قلوبنا, فهي آراؤهم أولاً وأخيراً, ولو كان فيما نقلوه إلينا نص محكم من آية أو حديث, لسلمنا وآمنا, ولكننا نسمع كما يسمعون, ونؤمر كما يؤمرون, ونخاطب بالقرآن كما يخاطبون, فاللهم ليس "الأمي" كما تقول التفاسير, والله أعلم بالحق والمراد.
الحق أن هذه التفاسير تصلح مثلاً لنا لتقعيد مفهوم حديث النبي عليه الصلاة والسلام عمن قال بالقرآن "برأيه" –وإن كان أهل الحديث لا يحتجون به ولا يستندون إليه-، فهذه الاجتهادات، هي قول "برأي" أولاً وأخيراً، بقي قائلوها من صالحينا وأكابرنا على عهدنا فيهم من الهدى والسداد، دون أن يتبوؤا مقاعدهم من النار، كما يفهم من يطلق الحديث لهواه!.
فالحديث مطلق عام عن "من قال برأيه", لا يحابي أحداً ولا يستثني أحداً, بعد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
وأظهر ما وصلنا منهم، أن يحملوا "الأمّي" على الذي لا يقرأ ولا يكتب فهو على حاله التي ولدته فيها "أمه".
أو أن يحملوها على المبعوث من الأمة "الأمّية"، على قاعدة "القرآن" الراسخة في تقسيم الناس الى أمتين، أمة أمّية لم يؤتها الله كتاباً، ولم يرسل إليها رسولاً، وأمّة "كتابية" أتاها الرسول وجاءها الكتاب، كاليهود والنصارى, بدليل الآية, {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم}، والناس كانوا "أمّة" اختلفت فيما بعد، فأنزل الله إليهم الكتاب {كان الناس أمّة واحدة، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق}، فأصل الناس كما هو ظاهر "أمّيّون" ثم أنزل الله الكتاب.
فقد تكون "كتابياً" وأنت لا تقرأ ولا تكتب..
وقد تكون "أمياً" وأنت تقرأ وتكتب!.

فالأمي عند علمائنا، الذي بعث من "الأميين"، ولكن ظاهر الكتاب للمتدبر على خلاف هذا، ولا يحق لأحد أن يلزم الناس بشيء لم يلزمهم به رسول الله أو صحابته فيما فهموه عنه مجمعين عليه كاتبين له, تقرأه العامة والخاصة.
[color=FF0000]السؤال الأصل[/color]
لم ترد "الأمي" وصفاً لرسول لله في القرآن إلا مرتين، ولم يوصف بها -فيما نعلم- نبياً غير محمد عليه الصلاة والسلام، فوردت مرة في دعوة اليهود والنصارى لوجوب إتباعه على أنه "الرسول النبي الأمّي"، ثم في الآية التي تليها مباشرة من سورة الأعراف 158،{قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض، لا إله إلا هو، يحيي ويميت، فآمنوا بالله "ورسوله النبي الأمّي" الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون}.
فبهذه الصفات الثلاث متتالية يوجب الله على الناس جميعاً -بما فيهم أهل الكتاب– أن يتبعوا هذا "الرسول النبي الأمّي"..

وها هنا أصل السؤال!.
فأن يؤمر الناس جميعاً باتباعه لأنه رسول من الله، أمر معقول واجب, وأن يؤمر الناس جميعاً باتباعه لأنه نبي الله، أمر واجب أيضاً، يستسيغه كل مدعو بهذه الآية, وأما أن يؤمر الناس جميعاً باتباعه، لأنه "لا يقرأ ولا يكتب"، فهمٌ فيه نظر، فلا خلاف أن اتباع "الكتاب" ومن يحمل الكتاب أولى من اتباع ما سواه.

ثم من يضمن لنا ببينة، أنه لم يكن نبي لا يقرأ ولا يكتب غير رسول الله محمد، وأكثر النبيين "أمّيين" على المعنى الثاني في التفسير, حتى الساعة التي يؤتوا فيها صحيفة، أو يؤمروا باتباع كتاب، فلم يعد رسول الله بهذا "أمّيا" بالمعنى الثاني للتفسير, عند أول أية تلقاها.
وجب أن تكون "الأمّي" كصفة حصريَّة متفردة لهذا الرسول، وجب أن تكون ركناً وشرطاً أساساً في وجوب اتباعه من الناس كافة, كرُكني الرسالة والنبوة، يجد المدعو بهذه الآية نفسه طائعاً مقتنعاً بوجوب اتباعه لأنه "الأمّي" والرسول والنبي!.

إذا ماذا؟.
القرآن أَولى بالتصديق، وظاهرُه أولى بالإتباع، فهو من أوَّلِه كتابٌ عربيٌ مفصَّل مبيَّن.

فـ "الأمّي" أصلها "أُمْ" أضيفت إليها ياءُ النسبة، ك"مكِّي" نسبة لمكة، والأم بلسان القرآن العربي: الأصل والأول، فأم الرجل أصله وأوله ومنشأه، كما في سورة القَصَصْ {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في "أُمِّها" رسولاً}، أي في أصولها وجمعها, وليس هناك مسلم لا يعرف "أم الكتاب" التي في أول القرآن وأصله, وهي السبع المثاني والقرآن العظيم بوصف النبي المعصوم لها، بكونها "أم الكتاب".
وأية آل عمران دليل آخر "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب" بما تحمله الآية من معاني الأصول والجوهر.
فهو بذلك الرسول النبي "الأصل" و"الأول" بكل ما تعنيه الكلمة من معاني"الأصل" في الرسالة والمنشأ, وحتى "أصل" اللغة واللسان!.
فهو كما في صحيح الحديث: "إني عند الله مكتوب خاتم النبيين وإن آدم لمجندل في طينته", فلم يُبعث نبي ولم يرسل رسول إلا على "لا أله إلا الله محمد رسول الله"، كما تقرره آية آل عمران {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه، قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري، قالوا أقررنا، قال فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين}.
"وفي الحديث: "لو كان موسى حياً ما حل له إلا أن يتبعني".
تبدو واضحة
فهو بهذا "أم" الرسالة والنبوة، لم يرسل رسول ولا نبي، إلا وأُمر باتباع "الرسول النبي الأمّي", وأن يأمر قومه باتباعه! وهذا ما يشهد له "إمامة" النبي للنبيين في المسجد الأقصى!.
فكان بذلك كل نبي ورسول يرسل الى قومه خاصة وهو يعلم أن محمدا رسول الله، ويأمر بها قومه، حتى إذا أدى كل نبي ما عليه في كل الأمم، بُعث الرسول النبي "الأمّي" عامة لكل الأمم، فكل الرسل والنبيين مقدِّمون "خاصون" للرسالة العامة "الأم" بالرسول النبي "الأمّي".
ثم هي في القراءات القرآنية من غير المتواتر, ولكن لها سند يرفعها, فقد قُرأت "الأَمي", بالألف المفتوحة, كما أوردها ابن جني, وعلق عليها بقوله: هو الذي يأتم به من قبله!. فيما الأصل أن يأتم به من يأتي بعده, ولكن هذه القراءة تؤكد ما ذهبنا إليه, فهو النبي "الإمام" للنبيين الأولين وللناس كافة.
وهذا كله لا ينفي أنه لم يكن يقرأ ويكتب، فهو هكذا بعث وهكذا قُبض ، ولكن "القرآن" يذْكرها على أنها حالة من حالات نبوته كيُتْمِه وفقره، ولم تكن بحال شرطاً للنبوة ولا شرفاً لحاملها، إنما هي حالة كما قلنا تُعين على التبليغ, {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون}، ولو كانت شرفاً وشرطاً للنبوة, لما علم الله عيسى بن مريم الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل قبل مبعثه.
أمية أخرى عظيمة

فهو رسول الله الى الناس جميعاً كونه "الأمّي", نسبة الى منشأ الناس الأول، وقريتهم الأم "أم القرى"، كما في الأثر: "كانت الكعبة خشعة على الماء ثم دحى الله الأرض من حولها"، فكانت مكة أول ما تشكل على ظهر البحر، ثم انبسطت الأرض من حولها، {لتنذر أم القرى ومن حولها} و{إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة}، فمكة "أم القرى" وأصل نشأة الناس وانتشارهم، ليكون بذلك النبي "الأمّي" للناس جميعاً, كونه من "أم قراهم"، ومن "بيت" أبيهم الأول، وإن تباعدت بهم السبل وتفرقت بهم الأرضون، فهذه أرضهم "وبيت" أبيهم آدم من قبل, فهو لهم كافة.

أمية ثالثة كبيرة
ثم هو النبي "الأمّي" الوحيد الذي تكلم بلغة الناس "الأم"، ولعل هذا الفهم الذي نطرحه، ما قد يحل سؤالاً عظيماً, ألا وهو..

ما ورد في سورة أية إبراهيم {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم}، فأرسل نوح بلسان قومه ليبين لهم، وكذا موسى وعيسى، وسائر النبيين، فإذا كان رسول الله محمد رسول الى الناس جميعاً، وكتابه الوحي رسالة الناس جميعاً, وجب أن يكون لسانه لسان الناس جميعاً, وهذا ما لم يكن فيما يظهر لنا ونراه, فكيف يستقيم هذا؟!, وكيف يعقل أن موسى النبي الخاص لبني اسرائيل يبعث بآية يعقلها كل أهل الأرض, ومثله عيسى ابن مريم, ويرسل محمد رسول الله إلى الناس جميعاً بآية لا يعقلها إلا خاصته وقومه؟!, هذا إلا أن يكون أمراً آخر وأعظم مما كان يبدو لنا.

فآية إبراهيم تحل مسألة وتفرض فرضاً، نقرأه بالمفهوم اللازم للنص، أنه إن كان كل رسول يرسل بلسان قومه، فيكون لسان القوم لسان نبيهم, وأرسل محمد عليه الصلاة والسلام الى الناس جميعاً, لزم أن يكون لسان الناس جميعاً, لسان نبي الناس جميعاً, محمد عليه الصلاة والسلام بلسانه العربي "الاُم", الذي أرسل به وأنزل به كلام الرب الذي خلق الناس جميعا!.
فهو بهذا أرسل بلسانهم "الأم" الذي كان عليه الناس أول ما كانوا, ثم تبدلت ألسنتهم واختلفت, فعليهم هم أن يرجعوا إلى لسانهم الأم, لسان نبيهم "الأم" محمد.
وليس بين كل إنسان مهما كانت لغته وعمرها وأمته وحضارتها, ليس بينه وبين لسان النبي "الأم" إلا أم هذا الانسان وأبوه, فإن نشأ الغلام الصيني مثلاً بين العرب تكلم بلسانهم كواحد منهم بلا خلاف, دون أن يكون لخمسة آلاف سنة من حضارة قومه شأن ولا مانع.
وفي القرآن شاهد على ما نقول، فالقرآن لا يُقر إلا "لسانين" إما عربي أو أعجمي، فكل الألسن على اختلافها ما لم تكن عربية فهي أعجمية، والأعجمي هو الذي لا يُبين ولا يُفصّل. "والعربي" لغة: ما أبان وفصّل, وهذا ظاهر نصوص القرآن.

وآية سورة "فصلت" تفصل هذا بوضوح، {ولو جعلناه قرآناً أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته، أأعجمي وعربي}، فالأعجمي بنص الآية غير مفصَّل ولا مفصِّل، إنما هاتان الصفتان للسان" العربي, {ولقد نعلم انهم يقولون إنما يعلمه بشر، لسان الذي يلحدون إليه أعجمي، وهذا لسان عربي مبين}، فالأعجمي لا يبين، إنما العربي هو المفصل المبين, {حم، تنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون}.

ولعل هذا الفهم أيضاً بخصوص الفرق بين العربي والأعجمي, قد يحل مشكل آية فصلت، {ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته، أأعجمي وعربي}. فكل من ينظر في التفسير يجد خلافاً في التأويل لا يكاد يشفي سائلاً ولا مستفسراً, أما بهذا الفهم فيمكن حل مشكِلها، فالعربي هو المفصل فقط، فلا يكون أعجميا ومفصلاً، لتفهم الآية بعدها هكذا: "ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته, أأعجمي "ومفصل"؟!, فلا يطلب التفصيل في ما أعجم؛ إنما العربي هو المفصل!.

ولسان العرب حجة لما نقول، فيقال: رجل مُعرِب إذا كان فصيحاً مبيناً, وإن كان عجمي النسب, والإعراب هو الإبانة، ولمن أراد الاستزادة أن يرجع للأصول!.

بهذا يصبح "الرسول النبي الأمّي" واجب الأتباع بهذه الأركان الثلاثة, أمّية الرسالة والنبيين وإمامتهم، و"أمّية" الأرض والمنشأ في أم القرى، وأمّية اللسان واللغة، فهو للناس جميعا بلسانهم "الأم" وإن تبدلوا بها أي لغة كانت فهذا لسانهم "الأم" أولى بهم أن يتعلموه وأن يرجعوا له، وهذه أرضهم "الأم" وبيت أبيهم الأول.

بهذه الثلاث يصبح الرسول النبي "الأمّي" ملزم الإتباع واجب القبول.
ولنا اليوم -بهذا الفهم لا بالفهم السابق- أن ندعو أهل الكتاب والناس جميعاً لاتباعه, فهو نبيهم "الأم" بكل ما في الكلمة من معاني.

وقد يسأل سائل، إذا كانت من "أمّية" محمد عليه الصلاة والسلام إمامته للناس وللنبيين، فكيف نفهم أية "النحل", {إن إبراهيم كان أمّة.. ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم}؟.

وأحسن قول المفسرين، أن إبراهيم كان إماماً، بدليل ما ينبني عليها من بعد، بالأمر بالاتباع، فإن كان كذلك، فكيف يكون رسول الله هو الإمام "الأم", ثم يؤمر باتباع إبراهيم الإمام؟.
ويجاب عليها: بأنه يستقيم أن يكون رسول الله متبعاً في حال مخصوص في وقت مخصوص, متبوعاً إماماً في عامة الأحوال على أنه خاتم النبيين، مثله في هذا كمن يتبع إماماً ما، في باب ما، ثم يغدوا بعدها إماماً لإمامه وسائر أقرانه. وهذا ما جرى فعلا, وأكد ما ذهبنا إليه, يوم أم النبي محمد عليه الصلاة والسلام النبيين جميعا وفيهم أبراهيم, فهو بهذا إمام النبيين, وهو بهذا النبي "الأمي"!.

[color=FF0000]سؤال في محله[/color]
ولنا أن نطرح سؤالاً على من أحب أن يشاركنا, فإذا كنا نقرأ {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}. فهل من الممكن أن تكون "خاتم النبيين" بمعنييّها الضد، أي آخر النبيين وأول النبيين، إذ المختوم هو المغلق من أوله وآخره؟.
ولمن نظر في لسان العرب وجد مُسَوغا لما نقول، فالعرب تقول: "ختم الزرع" إذا سقاه أول سقيه، ومحمد عليه الصلاة والسلام صاحب مثل الزرع في القرآن, {ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه}, فأول سقي الزرع هو الختم، ولم نعلم أن أحدا من النبيين من أولهم الى آخرهم كان خاتماً مختوماً بالنبوة إلا رسول الله محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام.
 
[align=center]الأخ الكريم د هشام

شكر الله لك جدك ونشاطك وعملك الدؤوب

طالعت المقال الذي أشرت إليه حضرتك فلم أجده أتى بجديد حول لفظ " الأميين " فقط ردد قول القائلين بأن المراد بهم غير الكتابيين وهذا ما ناقشته في مقالي السابق وذكرت أن مآل المعنيين راجع إلى عدم الدراية بالقراءة والكتابة حيث لم يوجد محفز لتعليمهما ، ولا يعارض ذلك وجود بعض الكتبة لأن الحكم بالأمية هو باعتبار الأغلبية وليس باعتبار الحصر ، كما أنه لا يمكن الحكم على جميع الكتابيين بأنهم غير أميين هكذا بإطلاق.

وأما بخصوص تعليله لحديث " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب "
والذي علق عليه بقوله:
إن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك في حديث الصيام عن رؤية الهلال، وعليه فهذا الحديث لا يعني إلا ضرباً خاصّاً من الكتابة والحساب، وهو حساب النجوم، وتقييد ذلك بالكتابة لمعرفة مطلع الشهر، فقد أخبر أن هذا الضرب من العلم المدون المسجل القائم على الحساب والتقويم لم يكن للعرب عهد به، ومن هنا علق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير.أ.هـ

فهو وإن بدا رأيه حول تخصيصه للحساب بنوع منه – هو حساب النجوم - محتملا بقرينة أن الكلام كان عن الشهر ومطلعه ومنتهاه ، فإنه لا يبدو كذلك في تعليله نفي الكتابة بأنه منصرف فقط إلى نفي تقييد مطلع الشهر بالكتابة فلا دليل من الخارج ولا من الداخل على التخصيص بل الأدلة الخارجية تؤيد التعميم ، وهي الأدلة التي ذكرت بعضا منها في مقالي ، ومن الداخل حذف المفعول فإنه يفيد التعميم ، وإلا فليطلعنا على دليله المعين للمفعول حسب فهمه المعلن إذ المفعول على كلامه تقديره ولا نكتب مطلع الشهر فإين المخصص ؟
[/align]
 
نريد أن نسمع راي الشيخ الخطيب بما ساقه الاخ خالد عبد الرحمن.
 
[align=center]شكر الله لكم شيخنا أبا أحمد
ويسعدني كثيرا اهتمامكم بمعرفة رأيي حول ما كتب الشيخ خالد عبد الرحمن نقلا عن بعض أهل العلم (صلاح الدين إبراهيم أبوعرفة ) وهو جهد لا أغمض كاتبه فيه حقه ، فقد صبر عليه وصابر ، ليصل إلى رأي هو من وجهة نظره راجح ، لكنه لا يبدو كذلك من وجهة نظري الضعيف وهاك مناقشته:

يقول أخونا الكريم
الأمي".. ليس الذي لا يقرأ ولا يكتب..
بل هي أعظم صفات الرسول النبي محمد
التي لا تنبغي لغيره!.
[align=right]وأقول:[/align]
بل الأمي هو الذي لا يقرأ ولا يكتب وهذا ما تقوله مراجعنا في اللغة وكتب التفسير فكيف ننفيها؟
يقول الراغب في مفرداته:
الأمي: هو الذي لا يكتب ولا يقرأ من كتاب، وعليه حمل  هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم} [ الجمعة/2] قال قطرب: الأمية: الغفلة والجهالة، فالأمي منه، وذلك هو قلة المعرفة، ومنه قوله تعالى: } ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني } [البقرة/78] أي: إلا أن يتلى عليهم.
قال الفراء: هم العرب الذين لم يكن لهم كتاب، و } النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل{ [الأعراف/157] قيل: منسوب إلى الأمة الذين لم يكتبوا، لكونه على عادتهم كقولك: عامي، لكونه على عادة العامة، وقيل: سمي بذلك لأنه لم يكن يكتب ولا يقرأ من كتاب، وذلك فضيلة له لاستغنائه بحفظه، واعتماده على ضمان الله منه بقوله} سنقرئك فلا تنسى{[الأعلى: 6 ] أ.هـ المفردات
والأمية هنا شرف عظيم لا يعادله شرف لأنها دليل واضح على صدق النبوة فمن لا يقرأ ولا يكتب ومع ذلك يجيء بما عجز ويعجز عنه الكاتبون القارئون العالمون لا يُشك في اعتبار أميته هنا دليلا على صدقه في دعوى نزول القرآن عليه وكذب دعوى أنه أنشأه من تلقاء نفسه فالأصل أن الأمي لا يقدر على ما يقدر عليه المتعلمون وليس العكس ، فإذا ما حصل العكس فلابد أن ذلك بفعل عوامل خارجية قادرة على إحداث نتائج منفصمة عن مقدماتها ، وهذا ما عرفناه في شرعنا بأنه الوحي.
وهذا يصلح أيضا إجابة عن كلام أخينا الكريم الذي قال فيه:
" فأن يؤمر الناس جميعاً باتباعه لأنه رسول من الله، أمر معقول واجب, وأن يؤمر الناس جميعاً باتباعه لأنه نبي الله، أمر واجب أيضاً، يستسيغه كل مدعو بهذه الآية, وأما أن يؤمر الناس جميعاً باتباعه، لأنه "لا يقرأ ولا يكتب"، فهمٌ فيه نظر، فلا خلاف أن اتباع "الكتاب" ومن يحمل الكتاب أولى من اتباع ما سواه"
ــــــــ
يقول فخر الدين الرازي عند تفسيره لقوله تعالى في سورة الأعراف: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ } قال الزجاج: معنى {ٱلأُمِّىَّ } الذي هو على صفة أمة العرب. قال عليه الصلاة والسلام: [إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب] فالعرب أكثرهم ما كانوا يكتبون ولا يقرؤون والنبي عليه الصلاة والسلام كان كذلك، فلهذا السبب وصفه بكونه أمياً
قال أهل التحقيق – والكلام لا زال للفخر - : وكونه أمياً بهذا التفسير كان من جملة معجزاته وبيانه من وجوه:
الأول: أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ عليهم كتاب الله تعالى منظوماً مرة بعد أخرى من غير تبديل ألفاظه ولا تغيير كلماته والخطيب من العرب إذا ارتجل خطبة ثم أعادها فإنه لا بد وأن يزيد فيها وأن ينقص عنها بالقليل والكثير، ثم إنه عليه الصلاة والسلام مع أنه ما كان يكتب وما كان يقرأ يتلو كتاب الله من غير زيادة ولا نقصان ولا تغيير. فكان ذلك من المعجزات وإليه الإشارة بقوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ} (الأعلى: 6)
والثاني: أنه لو كان يحسن الخط والقراءة لصار متهماً في أنه ربما طالع كتب الأولين فحصل هذه العلوم من تلك المطالعة فلما أتى بهذا القرآن العظيم المشتمل على العلوم الكثيرة من غير تعلم ولا مطالعة، كان ذلك من المعجزات وهذا هو المراد من قوله: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَـٰبٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَـٰبَ ٱلْمُبْطِلُونَ} (العنكبوت: 48)
الثالث: أن تعلم الخط شيء سهل فإن أقل الناس ذكاء وفطنة يتعلمون الخط بأدنى سعى، فعدم تعلمه يدل على نقصان عظيم في الفهم، ثم إنه تعالى آتاه علوم الأولين والآخرين وأعطاه من العلوم والحقائق ما لم يصل إليه أحد من البشر، ومع تلك القوة العظيمة في العقل والفهم جعله بحيث لم يتعلم الخط الذي يسهل تعلمه على أقل الخلق عقلاً وفهماً، فكان الجمع بين هاتين الحالتين المتضادتين جارياً مجرى الجمع بين الضدين وذلك من الأمور الخارقة للعادة وجار مجرى المعجزات. أ.هـ
[align=right]إذن فتفسير الأمي بأنه الذي لا يقرأ ولا يكتب مؤيد بمايلي:
1- كونه مستقيما مع الأصل اللغوي للكلمة
2- كونه مؤيدا بالرواية
3- كونه مساعدا على تقبل صدق دعوى النبوة ونزول القرآن .
4- كونه معتمدا لدى جمهور المفسرين لقوة حجته [/align]

************
[align=right]يقول الأخ الكريم:[/align]
وجب أن تكون "الأمّي" كصفة حصريَّة متفردة لهذا الرسول، وجب أن تكون ركناً وشرطاً أساساً في وجوب اتباعه من الناس كافة, كرُكني الرسالة والنبوة، يجد المدعو بهذه الآية نفسه طائعاً مقتنعاً بوجوب اتباعه لأنه "الأمّي" والرسول والنبي!.
ـــــــ
ونقول للأخ الفاضل لماذا وجب أن تكون الأمية صفة حصرية فيه ؟
إن القرآن الكريم يقرر أن هذه الأمية موجودة في قومه الذين بعثه منهم قال تعالى: { هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم } ومعنى هذا أن الأمية التي كان يتسم بها صلى الله عليه وسلم هي نفسها موجودة في قومه فهو واحد من أمة أمية فلم المغايرة في المعنى مع إدراجه صلى الله عليه وسلم معهم هنا ؟
ولم يقل أحد بأنها شرط للنبوة أو ركن ، وإلا كان قومه الأميون أنبياء ، بل هي داعم لصدق النبوة. كما أن التعلم أيضا ليس شرطا للنبوة لكوننا متفقين على عدم معرفته صلى الله عليه وسلم للقراءة والكتابة.

***********
وأما ماذهب إليه أخونا الكريم من احتمالات لمعنى الأمي وهي :
أن الأمي بمعنى الأصل والمعنى عليه " النبي الأصل " فهذا معارض بالنصوص القرآنية التي لم تفرق بين الرسل فكلهم سواء لا ينشطرون إلى أصل وفرع من جهة النبوة قال تعالى:
{ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ}
وهو صلى الله عليه وسلم يؤكد أنه تتمة البناء الذي شيده الأنبياء قبله وذلك في حديث جابر رضي الله عنه عند مسلم قال قال رسول الله صلى وسلم " مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأتمها وأكملها إلا موضع لبنة فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون. منها ويقولون لولا وضع اللبنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبياء]
ولأن معنى الأصل الذي قرره الأخ الكريم هنا يصطدم بكونه آخر الأنبياء والأصل لا شك مقدم فإن الأخ الكريم يبرر هذا بكون هذه الأولية كائنة في علم الله مستدلا بحديث " إني عند الله مكتوب خاتم النبيين وإن آدم لمجندل في طينته" ولست أدري أي دليل في ذلك على المعنى المذكور ، فكل ما وقع ويقع هو في علم الله وليس فقط كونه صلى الله عليه وسلم نبيا ، كما أنه لا دليل على صحة ذلك من الآية المذكورة من سورة آل عمران { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه، قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري، قالوا أقررنا، قال فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين } ولا من حديث "لو كان موسى حياً ما حل له إلا أن يتبعني " فكل ما فيه الإشارة إلى صحة نبوته صلى الله عليه وسلم والدلالة على أنه خاتم النبيين وأن موسى عليه السلام لو كان حيا لاتبعه على ذلك .

**********
[align=right]وهنا يقول الأخ الكريم:[/align]
وهذا كله لا ينفي أنه لم يكن يقرأ ويكتب، فهو هكذا بعث وهكذا قُبض ، ولكن "القرآن" يذْكرها على أنها حالة من حالات نبوته كيُتْمِه وفقره، ولم تكن بحال شرطاً للنبوة ولا شرفاً لحاملها، إنما هي حالة كما قلنا تُعين على التبليغ, {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون}، ولو كانت شرفاً وشرطاً للنبوة لما علم الله عيسى بن مريم الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل قبل مبعثه.
ـــــــــــــــــ
وهنا نقول للأخ الكريم : نتفق معك في أن الأمية ليست شرطا للنبوة بدليل حصول النبوة لمتعلمين لكن لا نتفق معك في دعوى أنها ليست شرفا في حال النبي صلى الله عليه وسلم بل هي شرف من جهة كونها دعامة على صدقه كما أسلفنا ، والأخ هنا يقر بأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرأ أو يكتب لكنه لا يقر أن هذا هو المراد في الآية بدعوى أن ذلك لا يعد شرفا ، وبمنطق التقابل لدى الأخ العزيز فإنه يعد نقيصة فهل يليق نسبة نقيصة إليه صلى الله عليه وسلم أو أن يكون على حال ناقصة ؟ كيف وهو أكمل الناس ؟
صلى الله وسلم وبارك عليه
وقياس حالته صلى الله عليه وسلم على حالة عيسى عليه السلام قياس مع الفارق لأن كل نبي تأيد بآية من جنس ما برع فيه قومه فبنو إسرائيل قوم علماء أهل كتاب فكان لابد من أن يفوقهم عيسى عليه السلام في ذلك وفي علم الطب الذي يذكر أنهم برعوا فيه أيضا بخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث في قوم أميين قد برعوا في البلاغة واللسن إذن فلابد من أن يكون أميا مثلهم ثم يأتي بما هو أرقى مما جاءوا به بل أرقى مما جاء به المتعلمون منهم حد الإعجاز
*************
ثم يذكر الأخ الكريم رأيا ثانيا وهو أن النسبة إلى أم من أم القرى وهي مكة المكرمة وهو رأي تعرض له المفسرون بيد أن أخانا يضيف بعدا خاصا هو أن مكة مركز الأرض " وأصل نشأة الناس وانتشارهم، ليكون بذلك النبي "الأمّي" للناس جميعاً, كونه من "أم قراهم"، ومن "بيت" أبيهم الأول، وإن تباعدت بهم السبل وتفرقت بهم الأرضون، فهذه أرضهم "وبيت" أبيهم آدم من قبل, فهو لهم كافة "
ـــــــــــ
وهذا الرأي عندي غير معتمد لأنه يربط النبوة بحيز معين هو مكة ورسالته صلى الله عليه وسلم رسالة عالمية ، فهل من المقبول حين يؤمر الناس باتباع هذا الرسول العالمي أن يوصف بأنه المكي في ظل تعصب الناس في كل العصور لقومياتهم سواء وقت الرسالة أو بعدها وحتى عصرنا الحاضر ، ومتى كانت للقوميات عصبية بعد أن اتشح الناس بوشاح الإسلام الواسع الذي جعل من الجميع جسدا واحدا { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } ويقرر النبي صلى الله عليه وسلم أنه " لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى " هنا ترجم سلمان رضي الله عنه واقعه الجديد بقوله الذي يحمل كل أطياف الفخر والاعتزاز بالإسلام دينا:
أبي الإسلام لا أب لي سواه ******* إذا افتخروا بقيس أو تميم
ألا يوحي هذا ولو من طرف خفي بصحة زعم كثير من المشككين بأن هذه الرسالة رسالة عربية بدوية محصورة في نطاقها الذي نزلت فيه وأن النص القرآني هو منتج ثقافي تاريخي محدود الزمان والمكان ؟
والحاصل أن هذا الرأي لا ينسجم التركيز على ذكر قومية النبي صلى الله عليه وسلم كداعم لتقرير نبوته لا ينسجم وعالمية دعوته التي اعتمدت مساواة الجميع في ظل الإسلام بعيدا عن التعصب القومي.

*************
[align=right]ثم يذكر أخونا رأيا ثالثا قال فيه:[/align]
أمية ثالثة كبيرة
ثم هو النبي "الأمّي" الوحيد الذي تكلم بلغة الناس "الأم"، وهي في نظره اللغة العربية مشيرا في هذا الصدد إلى أن القرآن الكريم لا يُقر إلا "لسانين" إما عربي أو أعجمي، فكل الألسن على اختلافها ما لم تكن عربية فهي أعجمية، والأعجمي هو الذي لا يُبين ولا يُفصّل. "والعربي" لغة: ما أبان وفصّل, وهذا ظاهر نصوص القرآن..
ــــــــــ
وهذا يقودنا إلى سؤال لم يقطع حوله بجواب حتى الآن
ما أصل اللغات؟
تقدر اللغات في العالم الآن بحوالي ستة آلاف لغة أو تزيد فهل هذه اللغات كلها انبثقت عن اللغة العربية ؟
ليس من السهولة بمكان إقناع كثيرين بذلك لأن أهل كل لغة قد تعصبوا لها وقالوا: إن لغتهم أصل اللغات.
عندما نقول ذلك لغير العرب يجب أن تكون نفس القناعة موجودة لديهم ، ونحن نعرف أن صراعا كبيرا قام ولا زال بين علماء فقه اللغة حول قضية اللغات وهل لها أصل واحد أم لا ، وإن كان فأي لغة ؟
أما قضية أن اللغة العربية مبينة وغيرها ليس كذلك فهذا محصور فيمن لسانه عربي ، فالعربية بالنسبة لغير العربي لغة غير مبينة ، وعليه فالنسبي لا يصلح قاعدة في الأحكام العامة.

****** ومن خلال ما مضى أزداد قناعة بأن الأمي وصفا للنبي صلى الله عليه وسلم معناه الذي لا يقرأ ولا يكتب أي غير المتعلم وهي هنا شرف له لا نقيصة ،كما أن نقصان الشهر ليس عيبا فيه وكذا نقصان صلاة المسافر ، مع أن النقص في الأصل عيب .
وكيف تكون الأمية مَنقصة وهي دعم واضح لتصديقه صلى الله عليه وسلم فيما جاء به؟
هذه الأمية بالمعنى الراجح لدي يدعمها القرآن الكريم والسنة النبوية والواقع الذي عاشه صلى الله عليه وسلم على النحو الذي أوضحته في مقالي ويحاول كثير من الشككين نفي أمية الرسول صلى الله عليه وسلم لاستغلال ذلك في تصديق دعواهم بأنه كان عالما عبقريا قادرا على تأليف القرآن وليس نبيا أميا نزل عليه القرآن.
[/align]
 
هذا أدب جم, يصلح درسا للمتخالفين... أسأل الله أن يملأك خلقا حسنا...

ولكن.. كل الذي كتبته 0بارك الله في جهدك- يرده هذا السؤال..

إذا كان هو الامي لانه من الامة الامية التي لم تؤت كتابا, وكذلك هم, الاميون للسبب نفسه, فقد انتفى الشرط والسبب الذي لاجله سمو وسمي الامي, فلم يعد ولم يعودوا أميين, عند أول آية تلقاها ثم تلاها عليهم... أليس كتابنا خير الكتب؟؟ إذا نحن لسنا أميين -بالفهم القديم- منذ ذلك اليوم.

وأحترم رأيك كثيرا, ولكن ما زال مجموع ما أتى به الشيخ, وسياقاته العامة أقوى دليلا واهدى سبيلا..

اللهم اغفر لي وللخطيب!.
 
[align=center]شيخنا الجليل أبا احمد

ما أحوج الفقير إلى دعاء الصالحين ، فمن الصالحين السائرين على الدرب نتعلم الأدب

لكن اسمح لي شيخي أن أوضح لكم موقفي مرة أخرى فأنا لم أتبن القول بأن الأمي هو من ليس له كتاب ، فقط أنا أصر على أن الأمي هو الذي لا يقرأ ولا يكتب ، لكن وبضرب من التوفيق حاولت أن أجمع بين الرأيين لإصرار المفسرين على ذكرهما معا ، ولتصيد الملحدين والمشككين للرأي الذي لا أتبناه ليحاجونا به على أنه صلى الله عليه وسلم كان عالما يقرأ ويكتب وأنه قد ألف القرآن بضرب من العبقرية التي لم تتوفر لغيره وقلت بالنص:

" أتابع هنا تتمة ما بدأت لأن من وقفوا على أن الكتابيين كانوا يطلقون على العرب: وصف أميين لم يفقهوا أن بين الأمي الذي هو العربي أو غير الكتابي مطلقا، وبين الأمي الذي هو غير عالم بالقراءة والكتابة أن بينهما قرابة ورحما من جهة المعنى ، فلنتصفح إذن أمهات المعاجم وكتب التفسير والمفردات لندرك بعد هذا التصفح أن لفظ الأمي يطلق إطلاقا أصيلا على الذي لا يقرأ ولا يكتب نسبة إلى الحالة التي خرج عليها من بطن أمه حيث لم يخرج أحد عالما أو قارئا كاتبا وفي هذا المعنى جاء قوله سبحانه: { وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا } وكانت اليهود تطلق على العرب " أميين " لأنه لم ينزل إليهم كتاب وهذا سر عدم اتجاههم إلى القراءة والكتابة لأن الأمة التي يكون منهاجها الديني مسطورا في كتاب مقدس تتجه عادة إلى التعلم والتعليم لإجادة قراءة وكتابة كتابهم المقدس ، وهذا سر انتشار القراءة والكتابة لدى الكتابيين في هذا العهد أكثر من انتشاره وعلى هذا فلفظ الأمي متجه في معناه الأصل ومعانيه المتفرعة عنه إلى عدم إجادة القراءة والكتابة والمعنى اتبعوا هذا النبي الأمي المنتسب إلى الأمة الأمية التي لم ينزل عليها كتابا لتقرأه ضرورة أنه لم يبعث إليها رسول. "

**********
وبهذا المعنى يصبح وصف الأمي والأميين ساريا مع نزول القرآن الكريم فقد استمر النبي صلى اله عليه وسلم غير عالم بالقراءة ولا الكتابة حتى وفاته ، كما أن فضيلتكم لا تحتاجون لأن أذكر لكم أن الكتبة في عصر الرسالة على ندرتهم لأسباب عديدة حالت دون انتشار الكتابة والقراءة .

وأخيرا أحب أن ألفت نظر فضيلتكم إلى أن الرأي الذي ارتآه أخونا الكريم احتيج معه لتشعبه وتفرعه إلى ركوب مركبة المجاز والتأويل ليصل إليه ، بخلاف ما رجحناه فهو مؤيد بالكتاب والسنة صراحة واعتماد جمهرة المفسرين له ، ومضيه مع قواعد التفسير واللغة التي تقدم الحقيقة على المجاز ارتكازا على الأصل.

الأهم من ذلك أنا جد سعيد بالتفاعل والتحاور مع شيخ جليل هو شيخي أبو أحمد وإن اختلفنا في الرأي
[/align]
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
لقد وصف الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بوصف "الأمي" في قوله تعالى من سورة الأعراف:

(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158))

والرسول صلى الله عليه وسلم وصف بهذا الوصف لأنه كان من أمة أمية، أي: أمة لا تقرأ ولا تكتب. وهذا ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره من حديث بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ"

وهذا الذي أخبر به النبي صلى الله عليه السلام هو الغالب على حال العرب في ذلك الزمن ، ولا يعني هذا أنه ليس فيهم من يعرف القراءة والكتابة ، ولا يعني أن هذا حث للأمة أن تبقى على هذا الحال كما فهمه أو يفهمه البعض ، وإنما قال ذلك صلى الله عليه وسلم في سياق بيان أحكام الصيام ؛ بداية الشهر ونهايته ،فعلق الحكم بالرؤية المتيسرة لكل أحد فقال: "صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة". وهذا من اليسر الذي بني عليه الإسلام كما قال بن بطال في شرحه على البخاري:

"وإنما المعول على الرؤية في الأهلة التي جعلها الله مواقيت للناس في الصيام والحج والعدد والديون، وإنما لنا أن ننظر من علم الحساب ما يكون عيانا أو كالعيان، وأما ما غمض حتى لا يدرك إلا بالظنون وتكييف الهيئات الغائبة عن الأبصار فقد نهينا عنه، وعن تكلفه."

والرسول صلى الله عليه وسلم كان ينطبق عليه هذا الوصف الذي ذكره عن أمته بنص الكتاب ، قال تعالى:

(وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) سورة العنكبوت (48)

والآية واضحة في أنه لم يكن يتلو لأنه لا يعرف صورة الحرف ولا يقدر أن يخطه بيده الشريفة صلى الله عليه وسلم. وهذا أمر قدره الله تعالى ليكون من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم والآية واضحة في ذلك.

وأما كون الأمية نقص في حقه صلى الله عليه وسلم فلا، نعم قد تكون في حق غيره، أما هو فلا.

كم ممن يجيد القراءة والكتابة ولكنك لا تأمنه على ثلاث من البهم.

أما النبي صلى الله عليه وسلم فهو معلم الدنيا.
النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرأ ولم يكن يكتب ولكن الله حباه عقلاً لا تساويه عقول العالمين ، وحباه قلبا لا تساويه قلوب العالمين ، وحياته وسيرته صلى الله عليه وسلم شاهدة بذلك.

النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن كما يظنه البعض مجرد واسطة أو آلة ينقل ما سمع ويبلغه للآخرين وينتهي دوره ،لا.

لقد كلف صلى الله عليه وسلم بتقديم المثال الحي لوحي الله على الأرض ، كلف بإبلاغ الشريعة أولاً والدعوة إليها والجهاد من أجل التمكين لها في الأرض ومن ثم تربية الأتباع على التطبيق الصحيح لهذه الشريعة ، وما كان له ذلك لو لم يكن الله قد حباه من المعاني والصفات الخلقية ما تجعله أهلاً لذلك.
لقد كان صلى الله عليه وسلم الداعي والمربي والمعلم والمحاور والقائد والمقاتل والقاضي والأب والزوج والجار.....وهيهات هيهات أن يبلغ أحد مبلغه صلى الله عليه وسلم في أي جانب من هذا الجوانب.
وصدق الله العظيم القائل: ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) سورة القلم (4)
 
عودة
أعلى