ألكل إنسان أجَلان؟ أَجَلٌ مَقْضِيٌّ وأَجَلٌ مُسَمًى كما يزعم د.علي الكيالي؟

د محمد الجبالي

Well-known member
إنضم
24/12/2014
المشاركات
400
مستوى التفاعل
48
النقاط
28
الإقامة
مصر
ألكل إنسان أجَلان؟
أَجَلٌ مَقْضِيٌّ وأَجَلٌ مُسَمًى كما يزعم د. علي الكيالي؟!
أرسلَت إحدى الأخوات تشكو وتقول: إن كثيرا من الشباب قد فُتِنُوا بالدكتور علي منصور الكيالي في كثير من المسائل العَقَدِية التي يثيرها في قناته على اليويتوب، وكذلك تأويله لآيات القرآن الكريم، وأرسلَت فيديو له، وقالت هذا الفيديو مثال، وتطلب مني أن أرد عليه، وتسأل: ما الفرق بين الأجَل والأجَل الْمُسَمَّى في آية الأنعام: {قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ}؟
فشاهدتُ الفيديو فوجدتُ الرجل يُؤَوِّلُ الأجَل في قول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} [الأنعام: 2] تأويلا بعيدا عما ذهب إليه المفسرون، وعما يعتقده أهل السنة.
وإليكم أهم ما جاء على لسان الدكتور الكيالي في الفيديو مُرْفَقًا به رُدُودٌ تَدْحَضُ ما ذهب إليه:
أولا: زعم أن لكل إنسان أجلان:
يزعم الكيالي أن لكل إنسان أجَلَيْن، الأول: أجَلٌ مَقْضِيٌّ يحدث بسبب القتل أو الغرق أو المرض أو حادث أو غير ذلك، والثاني: أجَلٌ مُسَمًّى سواء واحد لجميع الناس لا يتقدم ولا يتأخر.
ثم ضرب الرجل مثالا قائلا: لو قلنا أن الله جعل عُمْرَ فلان عشرين سنة، وعمر آخر ثمانين سنة، فهذا ليس عدلا، والله عادل، حيث يكتب للجَنِينِ في رحم أمه أَجَلا مُسَمًّى واحدا لجميع البشر، وليس أجَلا مَقْضِيًّا، واستشهد بقول الله عز وجل: {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الحج: 5].

وقد بحثتُ عن أصل هذا الرأي، فوجدته عند بعض المعتزلة، وليس كل المعتزلة؛ فإن الزمخشري رحمه الله – وهو من المعتزلة – ذهب مذهب أهل السنة في تأويل الأجلين في الآية، كما وجدته عند الشِّيعَة أيضا.

أما رأي أهل السنة في تأويل {أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} فقد ذكر جُلُّ المفسرين أربعة أوجه لتأويلها، وبعضهم ذكر ستة أوجه، لكنك تستطيع أن تلحظ أن الجميع يرجح الوجه الأول منها وهذه الوجوه هي:

  • الأول: أن الأجَل الأول: أجَل الحياة إلى الموت، والثاني: أجَل الموت إلى البعث.
  • والثاني : أن الأجَل الأول: النوم الذي تُقْبَضُ فيه الروح، ثم ترجع في حال اليقظة؛ والأجل الثاني: الأجَل المسمى عنده وهو موت الإِنسان.
  • والثالث: أن الأجَل الأول: أجَل الآخرة متى يأتي، والأجَل الثاني: أجَل الدنيا.
  • والرابع: إن الأوّل الأجَل الذي هو محتوم؛ والثاني: الزيادة في العمر لمن وصل رحمه، فإن كان برّاً تقياً وصولاً لرحمه زِيدَ في عُمْرِه، وإن كان قاطعاً للرحم لم يُزَد له، ويرشد إلى هذا قوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِى كتاب} [ فاطر: 11] . وقد صَحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صِلَةَ الرحم تزيد في العمر
  • والخامس: أن الأول: المراد منه آجال الماضين من الخلق لأن الماضين لَمَّا ماتوا صارت آجالهم معلومة، والثاني: آجال الباقين من الخلق، فهم بعد لم يموتوا فلم تصر آجالهم معلومة.
  • والسادس: أن الأول: مقدار ما انقضى من عمل كل أحد، والثاني: ما بقي من عمره.

وللشيعة رأي آخر:
أما الشيعة فإنهم يرون أن لكل إنسان أجَلَيْنِ، الأول: مَقْضِيٌّ، يكون بسبب عارض طارئ بقتل أو حرق أو غرق أو مرض، والثاني: أجَلٌ مُسَمًّى، مكتوب عند الله يبلغه المرء حال إذا لم يعرض لشيء يقطع أجله.
وهذا صاحب تفسير الميزان - وهو شيعي- يسخر من تأويل أهل السنة للأجَلَيْنِ في الآية فبعد أن عرضها في إيجاز قال ساخرا: "ولا أرى الاشتغال بالبحث عن صحة هذه الوجوه وأشباهها، وسقمها يسوغه الوقت على ضيقه، ولا يسمح بإباحته العمر على قصره"[1].
ولا أدري أي الرجلين الدكتور علي الكيالي؟!
أهو من المعتزلة فأخذ برأي من قال منهم بهذا الذي زعمه؟
أم أنه من الشيعة الروافض؟!
فَلْيَكُنْ الكيالي ما شاء، مِن هؤلاء أو مِنْ أولئك، لكن يجب على الشباب المسلم أن يتفطَّن للحق، فلا يأخذوا أقوال الكيالي وأمثاله أخذا، بل يجب أن يستوثقوا من صحتها وموافقتها لما ذهب إليه أهل السنة.

ثانيا: قال الكيالي:
إن لجميع البشر أجَلا مُسَمًّى سواءً لجميع البشر، لأن ذلك هو العدل، والله تعالى عادل، قدر الكيالي هذا الأجل بالتقريب بـ 120 سنة، وقد استنتج هذا التقدير بناء على عدد نبضات القلب. وزعم أن هذا الأجل الْمُسَمَّى الذي تصوره إنما هو العمر الذي كتبه الله عز وجل للإنسان لا يتقدم ولا يتأخر، يصل الإنسان لهذا الأجل ويعيشه إذا لم يتعرض لطارئ يقطع عمره بقتل أو غرق أو مرض أو غيره، فإن تعرض الإنسان لشيء من هذه الأسباب للموت انقطع عمره، وكان هذا هو الأجل الْمَقْضِيٌّ. واستدل بقول الله عز وجل: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [فاطر: 11] وضرب مثلا بِمَنْ أُصيب في حادث إصابة شديدة وأخذ ينزف، لو تركناه مات بأجله الْمَقْضِيِّ، ولو أدركته سيارة الإسعاف وأسْعَفَهُ الطبيب فإنه يعيش لأنه مازال عنده أجَلٌ.
فهو يرى أن العدالة تقتضي أن يكون الأجل المكتوب للناس جميعا سواء، والله عادل، كتب أجَلا مُسَمًّى عنده، أجَلٌ سواء لكل البشر.
ونرد على الكيالي بأمرين:
الأمر الأول: سبحان الله! كأن تقديرك العلمي يوافق هوى الشيعة، فقد سَبَقَكَ إلى هذا التقدير الطبطبائي في تفسيره، حيث قال: "فالتركيب الخاص الذي لِبِنْيَةِ هذا الشخص الإنساني مع ما في أركانه من الاقتضاء المحدود يقتضي أن يعمر العمر الطبيعي الذي ربما حددوه بمائة أو بمائة و عشرين سنة وهذا هو المكتوب في لوح المحو والإثبات"[2]

والأمر الثاني: على افتراض أن التقدير الذي قدره الكيالي صحيحا، وأنه من العدل أن تكون أعمار البشر سواء، فَبِحَسْبِ قياسه هذا فإنَّا سائلوه: إن بعض الناس يقضون أعمارهم مُنَعَّمِين في غِنًى وتَرَفٍ، وفي الْمُقابل بعضهم يقضون أعمارهم في فقر وعَوَز، وبعضهم يقضي عمره صحيحا قويا، وفي المقابل بعضهم قد يقضي عمره مريضا عليلا، وبعضهم خُلِقَ جميلا، وبعضهم خُلِقَ دَمِيما، وبعضهم خُلِقَ طويلا، وبعضهم خُلِقَ قصيرا، بحسب قياس الكيالي: هل ينتفي العدل في هذا التفاوت؟! حاشا لله.

ثالثا: استدلال الكيالي بقول الله عز وجل: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَاب} فقد روي العلماء عن ابن عباس رضي الله عنهما توجيها بديعا قال: (إن الله تعالى قضى لكل أحدٍ أجلين: أجلاً من مولده إلى موته، وأجلاً من موته إلى مبعثه، فإن كان بَرّاً تقياً وَصولاً للرحِم زِيدَ له من أجل البعث في أجَل العمر، وإن كان فاجراً قاطعاً نُقِصَ من أجل العُمُر وزيد في أجل البعث).

رابعا: قتل الذكر دون قتل الأنثى:
لقد طَلَّ علينا الكيالي بشيء عَجَب من وحي خياله؛ حيث زعم الكيالي وتَقَوَّلَ على الله عز وجل بغير علم فقال: إن موت الذكور بالنسبة إلى الله شيء عادي {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ}، لكن الله يخرب الكون كله حين تقتل الأنثى ظلما، واستدل بمطلع سورة التكوير حتى قوله عز وجل: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ}.
وإنَّا نسأل الكيالي: هل المقصود في الآية {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93] الأنثى فقط، أم الأنثى والذكر معا؟! ولماذا يغضب الله لقتل الأنثى ويخرب الكون كله لأجل الأنثى، في حين أن قتل الذكر عنده - بحسب زعمك وحاشاه - شيء عادي؟!

وخامسا أخيرا إليكم دليلا آخر ننقض به ما ذهب إليه الدكتور الكيالي، ونهدمه:
إننا ندعو الكيالي وندعوكم إلى أن تتأملوا ذَيْلَ الآية: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} [الأنعام: 2]، لا أدري ألم تقع عين الكيالي على فاصلة الآية: {ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} فيتفكر قليلا: فيم يشك الكافرون؟! وماذا ينكرون؟!
لقد اتفق علماء أهل السنة على أن المقصود بالأجل المسمى في الآية البعث والقيامة، ويؤيد ذلك ويثبته ذيل الآية: {ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} أي تَشُكُّون في البعث والقيامة، قال أبو السعود: " استبعادٌ واستنكارٌ لامترائهم في البعث بعد معاينتهم لما ذُكر من الحُجج الباهرة الدالةِ عليه، أي تمترون في وقوعه وتحقّقِه ... ووصْفُهم بالامتراء الذي هو الشكُّ، وتوجيهُ الاستبعاد إليه مع أنهم جازمون بانتفاءِ البعث مُصِرّون على إنكاره كما يُنْبىء عنه قولُهم: {أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وعظاما أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ} ونظائرُه"[3]
لقد تَأَوَّلَ الكيالي كلام الله بغير مقاصده، وحَمَّلَه ما لا يحتمل، وقال الكيالي على الله بغير علم، وحسبه ما قال الله فيه وفي أمثاله: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 168، 169].
ولمن يرغب في أن يستوثق من مزاعم الدكتور علي الكيالي هذا هو رابط الفيديو:
https://www.youtube.com/watch?v=uB9Rj8JZHu8

هذا والله أعلم
د. محمد الجبالي


[1] الطبطائي، السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ط1، ج7، ص12، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1997

[2] المصدر السابق، ج7، ص11

[3] تفسير أبي السعود (2/ 328، بترقيم الشاملة آليا)
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم شيخنا
أما يحتمل أن يكون الاجل الاول هو المقضي والثاني المسمى ما يحتمله من زيادة او نقصان في الاجل قال تعالى (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره الا في كتاب) وقال أيضا (يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى)
أي ان هناك افعال ان فعلها زادت او نقصت من اجله المسمى فيكون اجلان مسمى والاخرى المقضي ؟!
دمتم سالمين
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أهلا وسهلا بك أخي : حسن باسل
لقد قال بما قدمتم بعض علماؤنا:
قال الشوكاني: وقيل : إن الأوّل الأجل الذي هو محتوم؛ والثاني الزيادة في العمر لمن وصل رحمه
وقال صاحب البحر: "وقيل : الأول مقدار ما انقضى من عمر كل إنسان ، والثاني مقدار ما بقي"
 
بالنظر لمفهوم القضاء فإن الأجل المقضي لا يقبل التبديل فلا يرد قضاء قضى به الله أما الأجل المسمى فيقضي الله عليه بالتقديم أو بالتأخير ، ويمكن أن يوافق الأجل المسمى القضاء ، إلا أن كل قدر ينتهي إلى التحقق أصبح قضاء ، وهناك أقدار لا تتحقق كما سميت ولكن تتغير بدعاء أو بصدقة أو بمعصية فيكون الحادث الجديد عند تحققه "قضاء" وإجمالا وحديثها هنا عن الفرق بين القدر والقضاء ، فالأجل المسمى قدر ، والأجل المقضي قضاء
"والأقدار دروب متوازية تفتحها النية ويغلقها القضاء"
ولا أعدم مطالعتكم واستدراككم على ذلك من خلال هذا البحث
والله أعلم
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أهلا وسهلا بك أخي : حسن باسل
لقد قال بما قدمتم بعض علماؤنا:
قال الشوكاني: وقيل : إن الأوّل الأجل الذي هو محتوم؛ والثاني الزيادة في العمر لمن وصل رحمه
وقال صاحب البحر: "وقيل : الأول مقدار ما انقضى من عمر كل إنسان ، والثاني مقدار ما بقي"
بارك الله فيكم وجزاكم الجنة
دمتم سالمين
 
عودة
أعلى