يقول الله تعالى : {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }[الأعراف:54]
فالأداة (ألا) هنا للاستفتاح للتنبيه على أهمية الخبر ، فالخلق والأمر لله لا لغيره . ولقد تكرر هذا المعنى في القرآن الكريم بصيغ مختلفة :
{قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}[يونس:34]
{أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }[النمل:64]
{...قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ...}[آل عمران:154]
{... بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً ...}[الرعد:31]
ومثل هذا الأسلوب ورد في الآية 62 من سورة الأنعام :
{ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ }[الأنعام:62]
يقول رشيد رضا (ت:1354) في تفسيره : "{ ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين ( 62 ) } ألا حرف استفتاح يذكر في أول الكلام لتنبيه المخاطب لما بعده إذا كان مهما لئلا يفوته منه شيء ، وقوله : { له الحكم } يفيد الحصر ، أي له الحكم وحده ليس لغيره منه شيء في ذلك اليوم ، لا على سبيل الصورة والإضافة الموقتة ولا على سبيل الحقيقة . "
ويقول ابن عاشور (ت:1393) : "وجملة : { ألا لَهُ الحكمُ وهو أسرع الحاسبين } تذييل ولذلك ابتدئ بأداة الاستفتاح المؤذنة بالتنبيه إلى أهمية الخبر . والعرب يجعلون التذييلات مشتملة على اهتمام أو عموم أو كلام جامع .
وقدّم المجرور في قوله { له الحكم } للاختصاص ، أي له لا لغيره ، فإن كان المراد من الحكم جنس الحكم فقصره على الله إمَّا حقيقي للمبالغة لعدم الاعتداد بحكم غيره ، وإمَّا إضافي للردّ على المشركين ، أي ليس لأصنامكم حكم معه ، وإن كان المراد من الحكم الحساب ، أي الحكم المعهود يوم القيامة ، فالقصر حقيقي . وربَّما ترجَّح هذا الاحتمال بقوله عقبه : { وهو أسرع الحاسبين } أي ألاَ له الحساب ، وهو أسرع من يحاسب فلا يتأخَّر جزاؤه . "