طارق منينة
New member
- إنضم
- 19/07/2010
- المشاركات
- 6,330
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 36
أفول الغرب على وقع تضخم الدَيْن العام وهجرة الوظائف جون موينيهان الأربعاء ١٢ سبتمبر ٢٠١٢
أفول الغرب على وقع تضخم الدَيْن العام وهجرة الوظائف
جون موينيهان *
الأربعاء ١٢ سبتمبر ٢٠١٢
يسير الغرب على درب الهاوية. فمتوسط الراتب اليومي لعامل في منطقة دول منظمة التعاون الاقتصادي يبلغ 135 دولاراً بينما يبلغ نظيره في المناطق المدينية الصينية والهندية، 12 دولاراً. والفارق الضخم هذا بين العوائد والرواتب هو مصدر الخطر الذي يهدد الغرب. ففي اقتصاد معولم، يعصى تأمين فرص عمل للعمال الغربيين. فما السبيل الى دفع رواتب 500 مليون موظف في العالم المتقدم، وهي تفوق رواتب 1.1 بليون انسان في العالم النامي؟ ولا شك في أن قيمة الرواتب ترتفع في المناطق المدينية في الدول الناشئة الصناعية. فهذه الدول بدأت تنقل المصانع الى مناطق ريفية أو الى دول مجاورة كلفة التصنيع فيها متدنية أكثر على غرار الأمور في فيتنام. ولا مفر من خفض رواتب العمال من غير اصحاب الكفاءات. فعلى سبيل المثل، يجني العامل الاميركي الذي لم ينه مرحلة التعليم المدرسية الثانوية عائدات أقل من تلك التي جناها جده. وفي 2025، يتوقع ان تنخفض قيمة الراتب المتوسط في الغرب الى النصف، فتبلغ نحو 60 دولاراً على وقع التضخم المالي وخفض قيمة العملة. ومنذ العام 2000، تفيد المؤشرات بأفول نموذج القرن العشرين: طي صفحة نمو سوق العمل 2 في المئة سنوياً، وارتفاع الرواتب 3 في المئة سنوياً.
وهجرة الوظائف القابلة للتصدير وشيكة. ونزحت قطاعات صناعية كبيرة الى الدول النامية، واليوم يلحق بها قطاع صناعة السيارات، وفي المستقبل القريب ستركب هذه القاطرة الصناعة الفضائية. والاقتصاد الاميركي مرن: في ازمات الكساد السابقة كان يستعيد عافيته ويعوّض عن فرص العمل التي خسرها في 4 سنوات. لكن الأمور مختلفة اليوم: يعجز هذا الاقتصاد عن توفير 6 ملايين وظيفة لاستعادة معدلات ما قبل الازمة. وفي 1955، كانت شركة «جنرال موتورز» صاحبة اكبر رأسمال في وول ستريت. يومها بلغ عدد العاملين لديها 50 ألفاً في الولايات المتحدة و80 ألفاً في الخارج. واليوم، شركة «آبل» هي صاحبة أكبر رأسمال، لكن عدد عمالها في الولايات المتحدة يقتصر على 4 آلاف، ويرتفع الى 700 ألف في آسيا.
الدول النامية لم تعد تقنع بدور مصنع العالم للسلع البخسة الثمن. فهي ترتقي في سلسلة التصنيع، وتستثمر الفوائض التجارية في تمويل التعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا المتطورة، كما تفعل الصين التي تكرّس نصف ناتجها المحلي لمثل هذه الاستثمارات. وترمي الدول النامية الى اللحاق بقاطرة الدول المتطورة في قطاع الابتكار التكنولوجي. ففي 1995، لم تنل الصين أي شهادة اختراع علمي او ما يسمى تسجيل براءة اختراع. واليوم حصتها من الشهادات هذه تبلغ نحو 10 في المئة، ولا تزال الجامعات الغربية في صدارة سلّم «تصنيف شنغهاي للجامعات». لكن الصدارة هذه لن تدوم، فالدول النامية ترسل النخب المستقبلية الى أبرز الجامعات الغربية. وفي بريطانيا، 60 في المئة من حَمَلة الشهادات العليا في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والطب، هم من الاجانب. ومستوى التعليم المدرسي في الغرب يتقهقر: ففي أوروبا اكثر من 20 في المئة من التلامذة يتركون المدرسة قبل اكتساب مستوى من القراءة يخوّلهم المشاركة الايجابية في المجتمع، بينما لا تتجاوز النسبة 4 في المئة في شنغهاي.
وأهمل القادة في الغرب البحث في أسباب الأزمة الفعلية، وصرفوا الوقت لتشجيع النشاط الاقتصادي سعياً الى إحياء النمو كما لو أن الأمور على حالها ولم تتغير. والرد على التحديات الجديدة باشره ألان غرينسبان، رئيس الاحتياط الفيديرالي الأميركي في 1987، حين أغرق المعمورة بالسيولة. وتزامنت سياسة الإغراق مع خفض الفوائد الى نحو صفر وإرساء فوائد سلبية، وحملت الحكومات والشركات والأسر على الاستدانة للحفاظ على مستوى المعيشة الذي درجت عليه. لكن الإدمان على الإسراف في الاستهلاك أودى بنا الى الهاوية.
أُهمِلت مبادئ الكينزية، ولم يحفز النشاط الاقتصادي عبر زيادة الإنفاق العام في مراحل الكساد وإحراز فائض في مراحل الازدهار. ورفع قادة السياسات النيو كينزية (الكينزية الجديدة) لواء الإنفاق المزمن والمتواصل، فيما فاقمت أزمة الرهونات العقارية العجز الذي يموّله الدَّيْن. وتراكم ديون الأسر والشركات والدول، قد يبلغ الى الناتج المحلي 650 في المئة كما حصل في إرلندا، وأكثر من 200 في المئة كما الأمر في ألمانيا. فدائرة الدَّيْن مغلقة. وأثبت خبراء اقتصاديون من امثال كِنيث روغوف ورينهارت أن تجاوز الدَّيْن العام عتبة 90 في المئة من الناتج المحلي يشلّ النمو.
إن شطراً لا يستهان به من الأزمة يعود الى تضخّم القطاع المالي. فوراء أرباحه الضخمة عدد من الأسباب، منها الاحتكارات، والإعفاءات المالية الكبيرة، وتسريب المعلومات من أسواق البورصة الى المستثمرين، وبروز ثقافة المضاربة. وغلبت كفة القطاع المالي على كفة القطاعات الأخرى، واحتل مكانة كبيرة لا تناسب حجمه الفعلي. وارتفعت نسبة الارباح والرواتب في هذا القطاع من 3.8 في المئة من الناتج المحلي مطلع الثمانينات الى 7.6 في المئة عام 2010. ولا شك في ان رواتب المديرين تجاوزت الحدود منذ مطلع التسعينات. ففي بريطانيا والولايات المتحدة، تبلغ نسبة متوسط راتب الموظف الى راتب المدير واحداً الى 243. ومثل هذا الفارق الضخم يقوّض التماسك الاجتماعي، ولا يسع الحكومات بعد اليوم تمويل الطبقات الوسطى من طريق المساعدات والتقديمات الاجتماعية. ففي بعض الدول تفوق رواتب موظفي القطاع العام الرواتب في القطاع الخاص، على رغم أن انتاجية القطاع الأول تتدنى وانتاجية الثاني ترتفع.
حريّ بالحكومات توجيه الإنفاق نحو اكثر قطاعَيْن منتجين ومحفزين للنمو: التعليم والبنى التحتية. ولم يكن إهمال مكانة المعلم في محله. ففي 1930، كان 90 في المئة من الطلاب الذين ينتخبون التعليم مهنة لهم يشكلون ثلث دفعتهم الجامعية، واليوم نسبتهم تفوق قليلاً 20 في المئة. وحريّ بالقادة التحلي بالشجاعة لتقليص ارباح القطاع المالي، وتحفيز النمو، وزيادة الضرائب على الاستهلاك والعقارات وتخفيضها على الاسر والشركات. وتبرز الحاجة الى الاستثمار في تكنولوجيا المستقبل: «البيوتك»، و النانوتك»، و «الإنفو تك»، والعلوم المعرفية، والى دمج المصانع في نظام بيئي – صناعي متكامل.
وأرى ان تفادي تنقيل الوظائف ممكن عبر خفض مستوى المعيشة في الغرب 10- 15 في المئة. والسبيل الى ذلك هو اصلاح النموذج الاجتماعي وتوزيع الخسائر الناجمة عن التضحيات توزيعاً عادلاً. ويجب ارجاء سن التقاعد، وخفض المساعدات الاجتماعية وتقليص الرواتب. وحريّ بالغرب أن يبادر الى تنظيم عملية خفض مستوى المعيشة قبل أن تقتضي الظروف ذلك ويضطر إليها، من غير تخطيط وإعداد. فالثمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لإهمال هذه الاصلاحات الملحّة كبير.
* مدير مجلس الاستشارات في «بي آي غروب» اللندنية، عن «لو نوفيل اوبسرفاتور» الفرنسية، 23/8/2012، اعداد منال نحاس
Al Hayat-أفول الغرب على وقع تضخم الدَيْن العام وهجرة الوظائف
أفول الغرب على وقع تضخم الدَيْن العام وهجرة الوظائف
جون موينيهان *
الأربعاء ١٢ سبتمبر ٢٠١٢
يسير الغرب على درب الهاوية. فمتوسط الراتب اليومي لعامل في منطقة دول منظمة التعاون الاقتصادي يبلغ 135 دولاراً بينما يبلغ نظيره في المناطق المدينية الصينية والهندية، 12 دولاراً. والفارق الضخم هذا بين العوائد والرواتب هو مصدر الخطر الذي يهدد الغرب. ففي اقتصاد معولم، يعصى تأمين فرص عمل للعمال الغربيين. فما السبيل الى دفع رواتب 500 مليون موظف في العالم المتقدم، وهي تفوق رواتب 1.1 بليون انسان في العالم النامي؟ ولا شك في أن قيمة الرواتب ترتفع في المناطق المدينية في الدول الناشئة الصناعية. فهذه الدول بدأت تنقل المصانع الى مناطق ريفية أو الى دول مجاورة كلفة التصنيع فيها متدنية أكثر على غرار الأمور في فيتنام. ولا مفر من خفض رواتب العمال من غير اصحاب الكفاءات. فعلى سبيل المثل، يجني العامل الاميركي الذي لم ينه مرحلة التعليم المدرسية الثانوية عائدات أقل من تلك التي جناها جده. وفي 2025، يتوقع ان تنخفض قيمة الراتب المتوسط في الغرب الى النصف، فتبلغ نحو 60 دولاراً على وقع التضخم المالي وخفض قيمة العملة. ومنذ العام 2000، تفيد المؤشرات بأفول نموذج القرن العشرين: طي صفحة نمو سوق العمل 2 في المئة سنوياً، وارتفاع الرواتب 3 في المئة سنوياً.
وهجرة الوظائف القابلة للتصدير وشيكة. ونزحت قطاعات صناعية كبيرة الى الدول النامية، واليوم يلحق بها قطاع صناعة السيارات، وفي المستقبل القريب ستركب هذه القاطرة الصناعة الفضائية. والاقتصاد الاميركي مرن: في ازمات الكساد السابقة كان يستعيد عافيته ويعوّض عن فرص العمل التي خسرها في 4 سنوات. لكن الأمور مختلفة اليوم: يعجز هذا الاقتصاد عن توفير 6 ملايين وظيفة لاستعادة معدلات ما قبل الازمة. وفي 1955، كانت شركة «جنرال موتورز» صاحبة اكبر رأسمال في وول ستريت. يومها بلغ عدد العاملين لديها 50 ألفاً في الولايات المتحدة و80 ألفاً في الخارج. واليوم، شركة «آبل» هي صاحبة أكبر رأسمال، لكن عدد عمالها في الولايات المتحدة يقتصر على 4 آلاف، ويرتفع الى 700 ألف في آسيا.
الدول النامية لم تعد تقنع بدور مصنع العالم للسلع البخسة الثمن. فهي ترتقي في سلسلة التصنيع، وتستثمر الفوائض التجارية في تمويل التعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا المتطورة، كما تفعل الصين التي تكرّس نصف ناتجها المحلي لمثل هذه الاستثمارات. وترمي الدول النامية الى اللحاق بقاطرة الدول المتطورة في قطاع الابتكار التكنولوجي. ففي 1995، لم تنل الصين أي شهادة اختراع علمي او ما يسمى تسجيل براءة اختراع. واليوم حصتها من الشهادات هذه تبلغ نحو 10 في المئة، ولا تزال الجامعات الغربية في صدارة سلّم «تصنيف شنغهاي للجامعات». لكن الصدارة هذه لن تدوم، فالدول النامية ترسل النخب المستقبلية الى أبرز الجامعات الغربية. وفي بريطانيا، 60 في المئة من حَمَلة الشهادات العليا في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والطب، هم من الاجانب. ومستوى التعليم المدرسي في الغرب يتقهقر: ففي أوروبا اكثر من 20 في المئة من التلامذة يتركون المدرسة قبل اكتساب مستوى من القراءة يخوّلهم المشاركة الايجابية في المجتمع، بينما لا تتجاوز النسبة 4 في المئة في شنغهاي.
وأهمل القادة في الغرب البحث في أسباب الأزمة الفعلية، وصرفوا الوقت لتشجيع النشاط الاقتصادي سعياً الى إحياء النمو كما لو أن الأمور على حالها ولم تتغير. والرد على التحديات الجديدة باشره ألان غرينسبان، رئيس الاحتياط الفيديرالي الأميركي في 1987، حين أغرق المعمورة بالسيولة. وتزامنت سياسة الإغراق مع خفض الفوائد الى نحو صفر وإرساء فوائد سلبية، وحملت الحكومات والشركات والأسر على الاستدانة للحفاظ على مستوى المعيشة الذي درجت عليه. لكن الإدمان على الإسراف في الاستهلاك أودى بنا الى الهاوية.
أُهمِلت مبادئ الكينزية، ولم يحفز النشاط الاقتصادي عبر زيادة الإنفاق العام في مراحل الكساد وإحراز فائض في مراحل الازدهار. ورفع قادة السياسات النيو كينزية (الكينزية الجديدة) لواء الإنفاق المزمن والمتواصل، فيما فاقمت أزمة الرهونات العقارية العجز الذي يموّله الدَّيْن. وتراكم ديون الأسر والشركات والدول، قد يبلغ الى الناتج المحلي 650 في المئة كما حصل في إرلندا، وأكثر من 200 في المئة كما الأمر في ألمانيا. فدائرة الدَّيْن مغلقة. وأثبت خبراء اقتصاديون من امثال كِنيث روغوف ورينهارت أن تجاوز الدَّيْن العام عتبة 90 في المئة من الناتج المحلي يشلّ النمو.
إن شطراً لا يستهان به من الأزمة يعود الى تضخّم القطاع المالي. فوراء أرباحه الضخمة عدد من الأسباب، منها الاحتكارات، والإعفاءات المالية الكبيرة، وتسريب المعلومات من أسواق البورصة الى المستثمرين، وبروز ثقافة المضاربة. وغلبت كفة القطاع المالي على كفة القطاعات الأخرى، واحتل مكانة كبيرة لا تناسب حجمه الفعلي. وارتفعت نسبة الارباح والرواتب في هذا القطاع من 3.8 في المئة من الناتج المحلي مطلع الثمانينات الى 7.6 في المئة عام 2010. ولا شك في ان رواتب المديرين تجاوزت الحدود منذ مطلع التسعينات. ففي بريطانيا والولايات المتحدة، تبلغ نسبة متوسط راتب الموظف الى راتب المدير واحداً الى 243. ومثل هذا الفارق الضخم يقوّض التماسك الاجتماعي، ولا يسع الحكومات بعد اليوم تمويل الطبقات الوسطى من طريق المساعدات والتقديمات الاجتماعية. ففي بعض الدول تفوق رواتب موظفي القطاع العام الرواتب في القطاع الخاص، على رغم أن انتاجية القطاع الأول تتدنى وانتاجية الثاني ترتفع.
حريّ بالحكومات توجيه الإنفاق نحو اكثر قطاعَيْن منتجين ومحفزين للنمو: التعليم والبنى التحتية. ولم يكن إهمال مكانة المعلم في محله. ففي 1930، كان 90 في المئة من الطلاب الذين ينتخبون التعليم مهنة لهم يشكلون ثلث دفعتهم الجامعية، واليوم نسبتهم تفوق قليلاً 20 في المئة. وحريّ بالقادة التحلي بالشجاعة لتقليص ارباح القطاع المالي، وتحفيز النمو، وزيادة الضرائب على الاستهلاك والعقارات وتخفيضها على الاسر والشركات. وتبرز الحاجة الى الاستثمار في تكنولوجيا المستقبل: «البيوتك»، و النانوتك»، و «الإنفو تك»، والعلوم المعرفية، والى دمج المصانع في نظام بيئي – صناعي متكامل.
وأرى ان تفادي تنقيل الوظائف ممكن عبر خفض مستوى المعيشة في الغرب 10- 15 في المئة. والسبيل الى ذلك هو اصلاح النموذج الاجتماعي وتوزيع الخسائر الناجمة عن التضحيات توزيعاً عادلاً. ويجب ارجاء سن التقاعد، وخفض المساعدات الاجتماعية وتقليص الرواتب. وحريّ بالغرب أن يبادر الى تنظيم عملية خفض مستوى المعيشة قبل أن تقتضي الظروف ذلك ويضطر إليها، من غير تخطيط وإعداد. فالثمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لإهمال هذه الاصلاحات الملحّة كبير.
* مدير مجلس الاستشارات في «بي آي غروب» اللندنية، عن «لو نوفيل اوبسرفاتور» الفرنسية، 23/8/2012، اعداد منال نحاس
Al Hayat-أفول الغرب على وقع تضخم الدَيْن العام وهجرة الوظائف