أفضل مختصر لتفسير الطبري من مقدمة المحدث عبد الله السعد لمختصري

إنضم
12/06/2004
المشاركات
456
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
قال الشيخ حفظه الله في آخر مقدمته لكتابي (مختصر تفسير الطبري):
هذا ما جعل جمع من أهل العلم في القديم والحديث إلى محاولة اختصار هذا التفسير لتقريبه للناس..
ومنهم الابن: إسلام بن منصور بن عبد الحميد، فقام باختصاره وذلك بتجريد التفسير من كل ما فيه سوى كلام ابن جرير وضم بعضه إلى البعض الآخر مع المحافظة على عبارته ولفظه.
ولعله بصنيعهِ هذا يكون من أحسن من اختصر هذا الكتاب فجزاه الله خيرًا وبارك فيه ونفع به الإسلام والمسلمين، وبالله التوفيق.
كتب: عبد الله بن عبد الرحمن السعد
10 / 4/ 1437​
 
والآن أنقل لكم مقدمة سماحة الشيخ الوالد الفقيه المحدث العلامة عبد الله بن عبد الرحمن السعد...
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله..
القائل: { أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}[النساء: 82].
وقائل: { أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين}[المؤمنون: 68].
وقائل: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليذكر أولوا الألباب}[ص: 29].
وقائل: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}[محمد: 24]
وأصلي وأسلم على عبده المصطفى ونبيه المجتبى...
القائل فيما أخرجه الشيخان ([1]): من طريق مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اقْرَإِ القُرْآنَ فِي شَهْرٍ» قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً حَتَّى قَالَ: «فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ وَلاَ تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ». وهذا لفظ البخاري.
وفي صحيح البخاري ([2]): من طريق مُغِيرَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه ... الحديثَ، وفيه قال صلى الله عليه وسلم: « وَاقْرَأْ فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً...».اهـ
قال أبو عبدالله البخاري بعد هذا الحديث: «وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي ثَلاَثٍ وَفِي خَمْسٍ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى سَبْعٍ». اهـ


([1]) [خ/5054]، [م/1159]

([2]) [5052]
 
والحِكْمَةُ فِي هَذَا النَّهْي..
حتَّى يَتَدَبَّرَ القارئُ القرآنَ، وَيَفْهَمَ مَعَانِيَهَ..
كما في جامع الترمذي ([1])، والنسائي في الكبرى ([2])، وابن ماجه ([3]): من طريق شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليه وسَلم قَالَ: «لَمْ يَفْقَهْ مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ». قال أبو عيسى: «هذا حديثٌ حسنٌ صَحِيحٌ».
وأخرجه أيضًا أبو داود ([4]): من طريق همام وسعيد عن قتادة به.
ولهذا بَوَّبَ البخاريُّ فَقَالَ: «بَابُ التَّرْتِيلِ فِي القِرَاءَةِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً}[المزمل: 4]، وَقَوْلِهِ: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ}[الإسراء: 106]، وَمَا يُكْرَهُ أَنْ يُهَذَّ كَهَذِّ الشِّعْرِ، {يُفْرَقُ}[الدخان:4]: يُفَصَّلُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {فَرَقْنَاهُ}[الإسراء: 106]: فَصَّلْنَاهُ.
ثم روى ([5]): من طريق وَاصِلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «غَدَوْنَا عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ رَجُلٌ: قَرَأْتُ المُفَصَّلَ البَارِحَةَ، فَقَالَ: هَذَّاً كَهَذِّ الشِّعْرِ، إِنَّا قَدْ سَمِعْنَا القِرَاءَةَ..».
وأخرج البيهقي في الشعب ([6]): عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: «إِنِّي سَرِيعُ الْقُرْآنِ، إِنِّي أَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي ثَلَاثٍ، قَالَ: لَأَنْ أَقْرَأَ الْبَقَرَةَ فِي لَيْلَةٍ أَتَدَبَّرُهَا، وَأُرَتِّلُهَا أَحَبُّ إِلَيَّ من أَنْ أَقْرَأَهُ كَمَا تَقْرَأُ»..
وفي رواية أخرى في الشعب ([7]): «إِنِّي أُهَذْرِمُ الْقُرْآنَ هَذْرَمَةً ...».
وأخرج ابن المبارك في الزهد ([8])، وعبدالرزاق ([9])، وأبو عبيد في فضائل القرآن ([10])، واللفظ له: عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ، قَالَ: قُلْتُ لِمُجَاهِدٍ: رَجُلٌ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، وَرَجُلٌ قَرَأَ الْبَقَرَةَ؛ قِيَامُهُمَا وَاحِدٌ، وَرُكُوعُهُمَا وَاحِدٌ، وَسُجُودُهُمَا وَاحِدٌ، وَجُلُوسُهُمَا وَاحِدٌ، أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «الَّذِي قَرَأَ الْبَقَرَةَ»، ثُمَّ قَرَأَ {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا}[الإسراء: 106].

([1]) [2949].

([2]) [8013].

([3]) [1347].

([4]) [1390، 1394].

([5]) [5043].

([6]) [1882].

([7]) [1971]

([8]) [1285]

([9]) [4188].

([10]) [202].
 
قلت:
وهذه صفة قراءة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ومنه أخذ ذلك الصحابة –رضي الله عنهم- ومن أتى من بعدهم..
كما أخرجه مسلم في صحيحه ([1]): من طريق صِلَةَ بْنِ زُفَرَ, عَنْ حُذَيْفَةَ, قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليه وسَلم ذَاتَ لَيْلَةٍ, فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ, فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِئَةِ, ثُمَّ مَضَى, فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ, فَمَضَى, فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا, ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ, فَقَرَأَهَا, ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ, فَقَرَأَهَا, يَقْرَأُ مُتَرَسِّلاً, إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ, وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ, وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ....» الحديث.
وبهذا أمره ربهُ عز وجل فقال:{وقرءانا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا}[الإسراء : 106].
قال ابن جرير الطبري ([2]): (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى تُؤَدَةٍ، فَتُرَتِّلَهُ، وَتُبَيِّنَهُ، وَلَا تَعْجَلْ فِي تِلَاوَتِهِ، فَلَا يُفْهَمْ عَنْكَ).اهـ
ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى بعد ذلك: { ونزلناه تنزيلا}، أي شيئًا فشيئًا, لأنه لو نزل مرة واحدة لصعب فهمه عليهم.
.......................يتبع


([1]) [772]

([2]) [17/175]
 
وكما أُمر بترتيله عليهم أمر بتفسيره لهم:
قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} [النحل : 44].
(فَالدِّينُ الَّذِي اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ اجْتِمَاعًا ظَاهِرًا مَعْلُومًا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ نَبِيِّهِمْ نَقْلًا مُتَوَاتِرًا، نَقَلُوا الْقُرْآنَ وَنَقَلُوا سُنَّتَهُ، وَسُنَّتُهُ مُفَسِّرَةٌ لِلْقُرْآنِ مُبَيِّنَةٌ لَهُ كَمَا قَالَ - تَعَالَى - لَهُ:{بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين إليهم ولعلهم يتفكرون}[النحل:44]، فَبَيَّنَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَفْظَهُ وَمَعْنَاهُ، فَصَارَ مَعَانِي الْقُرْآنِ الَّتِي اتَّفَقَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ اتِّفَاقًا ظَاهِرًا مِمَّا تَوَارَثَتْهُ الْأُمَّةُ عَنْ نَبِيِّهَا، كَمَا تَوَارَثَتْ عَنْهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ، فَلَمْ يَكُنْ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - فِيمَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ شَيْءٌ مُحَرَّفٌ مُبَدَّلٌ مِنَ الْمَعَانِي، فَكَيْفَ بِأَلْفَاظِ تِلْكَ الْمَعَانِي؟!
فَإِنَّ نَقْلَهَا وَالِاتِّفَاقَ عَلَيْهَا أَظْهَرُ مِنْهُ فِي الْأَلْفَاظِ، فَكَانَ الدِّينُ الظَّاهِرُ لِلْمُسْلِمِينَ الَّذِي اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِمَّا نَقَلُوهُ عَنْ نَبِيِّهِمْ، لَفْظَهُ وَمَعْنَاهُ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَحْرِيفٌ وَلَا تَبْدِيلٌ، لَا لِلَّفْظِ وَلَا لِلْمَعْنَى، بِخِلَافِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، فَإِنَّ مِنْ أَلْفَاظِهَا مَا بَدَّلَ مَعَانِيَهُ وَأَحْكَامَهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَوْ مَجْمُوعُهُمَا، تَبْدِيلًا ظَاهِرًا مَشْهُورًا فِي عَامَّتِهِمْ) [SUP]([SUP][1][/SUP][/SUP]).
قلت: وهذا ظاهر، ومع ذلك فقد اعترض بعض أهل العلم، فقال: إن الأحاديث التي نقلت في التفسير قليلة.
والجواب عن ذلك: أن الآية المتقدمة نصٌّ في المسألة، فلا شك أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بيََّنَ للأمَّةِ مَعَانِيَ الآيَاتِ وَفَسَّرَهَا لَهُمْ، فَمَثَلًاً الإسلامُ والإيمانُ والإحسانُ، وهي كثيرةُ الدورانِ فِي القرانِ الكريمِ، بَيَّنَ المقصودَ مِنْهَا كما في حديث جبريل قَالَ: يَا مُحَمَّدُ, أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَمِ, فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم: «الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ, وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم, وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ, وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ, وَتَصُومَ رَمَضَانَ, وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً», قَالَ: صَدَقْتَ, قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ, وَيُصَدِّقُهُ, قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ, قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ, وَمَلاَئِكَتِهِ, وَكُتُبِهِ, وَرُسُلِهِ, وَالْيَوْمِ الآخِرِ, وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ», قَالَ: صَدَقْتَ, قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ, قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ, فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ, فَإِنَّهُ يَرَاكَ»[SUP]([SUP][2][/SUP][/SUP]).
وهكذا الصلاةُ: فبيَّنَ -صلى الله عليه وسلم- شُروطَهَا وفَرائضَهَا وسُنَنَها، وكيفيةَ أقامَتِها.
ومِثْلُهَا: الزَّكاةُ، والصِّيامُ، والحَجُّ، وغيرُ ذِلِكَ..
فسنَّتُه، وسَيرَتًه مُفَسِّرَةٌ لَهَذَا القرآنِ.
ولما سألت عائشةُ رضي الله عنها عن خُلِقِه، فَقَالتْ: (كَانَ خُلُقُهُ القُرْآنُ) [SUP]([SUP][3][/SUP][/SUP]).
ولذا قال ابن مسعود فيما رواه ابن جرير الطبري ([4]): من طريق الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قال: (كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا إِذَا تَعَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ، لَمْ يُجَاوِزْهُنَّ حَتَّى يُعْرَفَ مَعَانِيَهُنَّ وَالْعَمَلَ بِهِنَّ). وإسناده جيد.
وأخرج أحمد ([5]): من طريق عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ, عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ, قَالَ: (حَدَّثنا مَنْ كَانَ يُقْرِئُنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليه وَسَلم: أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَرِئُونَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَليه وَسَلم عَشْرَ آيَاتٍ, فَلاَ يَأْخُذُونَ فِي الْعَشْرِ الأُخْرَى, حَتَّى يَعْلَمُوا مَا فِي هَذِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، قَالُوا: فَعَلِمْنَا الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ).وإسناده جيد.
ولذا قَالَ أبو حامدٍ الغَزَالي: (والتفصيل في مقدار القراءة، أنه إن كان من العابدين السالكين طريق العمل، فلا ينبغي أن ينقص عن ختمتين في الأسبوع، وإن كان من السالكين بأعمال القلب وضروب الفكر، أو من المشتغلين بنشر العلم، فلا بأس أن يقتصر في الأسبوع على مرة، وإن كان نافذ الفكر في معاني القرآن، فقد يكتفي في الشهر بمرة لكثرة حاجته إلى كثرة الترديد والتأمل)[SUP]([SUP][6][/SUP][/SUP]).
وقال أبو العباس ابن تيمية في مقدمة التفسير: (وَحَاجَةُ الْأُمَّةِ مَاسَّةٌ إلَى فَهْمِ الْقُرْآنِ).([7])
وقال محمد بن علي الموزعي المعروف بابن الخطيب تيسير البيان ([8]): (واعلموا أن الله تَعَالى أَوْجَبَ عَلَى نَبِيِّهِ بَيَانَ مَا أَنْزَلَ عَلَيهِ، وَجَعَلَ بَيَانَ ذَلكَ إِليهِ وخصَّه بِهَذا المنصبِ الشريفِ ... قال تعالى {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون}[النحل:44]، ثم اعلموا أن بيانه لأمته من ثلاثة أوجه، فوجهان متفق عليهما وفي الثالث اختلاف عندهم: الأول: ما نص اللهُ جل جلاله عليه وأحكم فَرْضَه وبَيَّنَه بأوضحِ بيانٍ، ثم بيَّنَه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، إما بقولٍ أو فعلٍ، كما بيَّنَه اللهُ، الثاني: ما نصَّ اللهُ تعالى عليه جُمْلةً، وَأَحْكَمَ فَرْضَهُ، وَجَعَلَ إِلى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم بَيَانَ تِلْكَ الجُمْلَةِ، فَبَيَّنَ مَوَاقِيْتَهَا وَأَحْوَالَهَا وَفَرَائِضَهَا وَآدَابَهَا وَمُقَدِّمَاتِهَا وَلَوَحِقَهَا، وَبَيَّنَ عَمَّنْ تَجِبْ، وَعَمَّنْ تَسْقُطْ، وَكَيْفَ يَأْتِي بِهَا العَبْدُ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الأَحْوَالِ، الثالث: ما سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مما لم يَرِدْ فِيْهِ كِتَابٌ، فَهَذَا المُخْتَلَفُ فِيْهِ، فَمِنْهُم مَنْ قَالَ: جَعَلَ اللهُ لَهُ ذَلِكَ لِمَا خَصَّهُ مِنْ وُجُوْبِ طَاعَتِهِ وَتَوفيقِهِ لِمَا يَرضَاه، وعِصمَتِه عن الخطأ أنْ يَسِنَّ فيما لم يَردْ فِيه كِتَابُ، وَإليهِ مَيْلُ الإمامِ الشافعي, ومنهم من قال لم يَسِنَّ سنةً قطٌ إِلَّا وَلَها أَصْلٌ فِي كِتَابِ اللهِ).اهـ
......................يتبع


([1])الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح [3/17].

([2]) صحيح مسلم [ 8 ]

([3]) مسند أحمد [25240]

([4]) [1/80]

([5]) [23878]

([6])إحياء علوم الدين [2/35].

([7]) [مجموع الفتاوى/13/330]

([8]) [1/11]
 
ولا يخفى أهمية تدبر القران ومعرفة تفسيره ومعانيه، في اعتقاد ما دلَّ عليه والعمل بأحكامه، وفي زيادة إيمان العبد وقوة يقينه، والتحقق بظهور إعجازه له.
ولذا كم من شخصٍ لا يعرف لغة القران -لكونه أعجمي- عندما قرأ معاني القران بلغتهِ قادهُ هذا إلى الإسلام والإيمان.
وأخرج ابن جرير في تفسيره ([1]): من طريق أبي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: (اسْتَعْمَلَ عَلِيٌّ ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَى الْحَجِّ، قَالَ: فَخَطَبَ النَّاسَ خِطْبَةً، لَوْ سَمِعَهَا التُّرْكُ وَالرُّومُ لَأَسْلَمُوا، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ النُّورِ، فَجَعَلَ يُفَسِّرُهَا).اهـ
وجاء عند الحاكم من نفس الطريق بلفظ ([2]): (خَطَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ عَلَى الْمَوْسِمِ، فَافْتَتَحَ سُورَةَ النُّورِ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ وَيُفَسِّرُ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: مَا رَأَيْتُ وَلَا سَمِعْتُ كَلَامَ رَجُلٍ مِثْلَهُ، لَوْ سَمِعَتْهُ فَارِسٌ وَالرُّومُ لَأَسْلَمَتْ).اهـ
وأخرجه أيضًا أبو عبيد في فضائل القرآن ([3])، وابن جرير ([4])، واللفظ له: من طريق الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، قال: «قرأ ابنُ عباسٍ سورة البقرة، فجعل يُفسِّرها، فقال رجل: لو سمعتْ هذا الديلمُ لأسلمتْ»[SUP]([SUP][5][/SUP][/SUP]).
ولذا قال ابن جرير، في ما رواه أبو بكر محمد بن مجاهد، قال: سمعت أبا جعفر يقول: (إني أعجب ممن قرأ القرآن، ولم يعلم تأويله كيف يلتذ بقراءته؟)[SUP]([SUP][6][/SUP][/SUP]).
......................يتبع

([1]) [1/81].

([2]) [3/618/6290]

([3]) [250]

([4]) [1/81 ]

([5]) صححه ابن حجر في الفتح (7/100)، وينظر: المعرفة والتاريخ (1/495).

([6]) معجم الأدباء (2/2453).
 
عودة
أعلى