أفتونا يا أهل الحديث في مسألة بلقيس

لؤي الطيبي

New member
إنضم
25/04/2004
المشاركات
60
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
فلسطين
الموقع الالكتروني
www.alfaseeh.com
[align=justify][align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
الإخوة الأفاضل
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، وبعد :

فأنا لست من المتخصصين في علم الحديث ، وأشكلت علي قضية ، أسأل الله تعالى أن أجد جواباً لها في هذا الملتقى المبارك إن شاء الله تعالى . فقد جاء في التفاسير حديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إحدى أبوي بلقيس كان جنياً ".

حيث جاء في (الدرّ المنثور): " أخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه وابن عساكر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إحدى أبوي بلقيس كان جنّيًا " . وأخرج ابن أبي شيبه وابن المنذر عن مجاهد قال: صاحبة سبأ كانت أمها جنّية . وأخرج الحكيم الترمذي وابن مردويه عن عثمان بن حاضر قال : كانت أم بلقيس امرأة من الجن ، يُقال لها بلقمة بنت شيصان . وأخرج ابن عساكر عن الحسن أنه سئل عن ملكة سبأ فقال : إن أحد أبويها جنّي . فقال : الجن لا يتوالدون! أي أن المرأة من الإنس لا تلد من الجن "(1) .

وردّ على هذا القول ابن العربي في (أحكام القرآن) ، قال : "قال علماؤنا : هي بلقيس بنت شرحبيل ملكة سبأ ، وأمها جنّية بني أربعين ملكًا . وهذا أمر ينكره الملحدون ويقولون : إن الجن لا يأكلون ولا يلدون ، وهم في ذلك كاذبون . ذلك صحيح ونكاحهم مع الجن جائز عقلاً . فإن صحّ نقلاً فبها ونعمت ، وإلا بقينا على أصل الجواز العقلي "(2) .

وذكر القرطبي في تفسيره شيئًا قريبًا مما ذكرناه(3) .

وجاء في كتاب (غمز عيون البصائر) للحموي : " وجاء في القَصَص أن بلقيس من بنات الجنّ ، وأن أباها السرح بن الهداهد ، تزوّج بريحانة بنت السكن وكانت بنت الجن "(4) .

وقال ابن كثير في (البداية والنهاية) : " وهي بلقيس بنت السيرح .. وكان أبوها من أكابر الملوك ، وكان يأبى أن يتزوّج من أهل اليمن ، فيقال : إنه تزوّج بامرأة من الجن ، إسمها ريحانة بنت السكن ، فولدت له هذه المرأة ، وإسمها تلقمة ، ويقال لها بلقيس . وقد روى الثعلبي من طريق سعيد بن بشير عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كان أحد أبوي بلقيس جنيًّا " . وهذا حديث غريب ، وفي سنده ضعف(5) .

وقال الإمام المناوي في (فيض القدير) في شرحه للحديث " أحد أبوي بلقيس كان جنيًّا " : " رواه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب العظمة وابن مردويه في التفسير وابن عساكر في ترجمتهما عن أبي هريرة . وفيه سعيد بن بشير ، قال في الميزان عن ابن معين ضعيف وعن ابن مسهر لم يكن ببلدنا أحفظ منه ، وهو ضعيف منكر الحديث ، ثم ساق من مناكيره هذا الخبر . وبشير بن نهيك أورده الذهبي في الضعفاء ، وقال أبو حاتم لا يُحتجّ به ، ووثقه النسائي "(6) .

وجاء في تفسير الطبري : " حدّثني أحمد بن الوليد الرملي ، قال : ثنا هشام بن عمار ، قال : ثنا الوليد بن مسلم ، عن سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كان أحد أبوي صاحبة سبأ جنيًّا " . قال : ثنا صفوان بن صالح ، قال : ثني الوليد ، عن سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يذكر النضر بن أنس "(7) .

ومع مؤيد ومعارض لصحة هذا الحديث أو ضعفه ، أطرح السؤال التالي :

هل القول بأن أحد أبوي بلقيس كان جنياً هو صحيح ؟

أرجو من الإخوة المتخصصين في علم الحديث أن يدلّوني على مصدر يجزم في هذه القضية ..
وبارك الله فيكم ..
[/align]--------------------------------------------------------------------------------
(1) جلال الدين السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، سورة النمل الآية 23.
(2) أبو بكر ابن العربي، أحكام القرآن، 3/1444.
(3) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 13/183، تفسير الآية 44 من سورة النمل.
(4) شهاب الدين الحموي، غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر، الفن الثالث: الجمع والفرق، باب أحكام الجان.
(5) ابن كثير، البداية والنهاية، ج2، قصة سليمان مع داوود عليهما السلام.
(6) الإمام عبد الرؤوف المناوي، فيض القدير شرح الجامع الصغير، الحديث 242.
(7) تفسير الطبري، سورة النمل، الآية 44.
 
(( كان أحد أبوي بلقيس جنياً )) .

هذا حديث منكر :

أخرجه ابن جرير الطبري (19/189) ، وابن عدي في "الكامل" (3/372) ، والثعلبي في "الكشف والبيان" من طريق هشام بن عمار ، ثنا الوليد بن مسلم ، ثنا سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة مرفوعاً .

قلت : هذا إسناد ضعيف ؛ فيه علل :

الأولى : الوليد بن مسلم ؛ كان يدلس تدليس التسوية ؛ فنحتاج منه التصريح بالسماع في جميع طبقات السند ؛ وهذا غير متحقق في الإسناد السابق .
الثانية : سعيد بن بشير ؛ قال الحافظ في"تقريب التهذيب" : "ضعيف" .
الثالثة : قتادة ؛ مدلس ؛ وقد عنعنه .

وقد توبع هشام بن عمار على الإسناد السابق ؛ تابعه (( أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة )) – وهو ضعيف ؛ انظر "لسان الميزان -
أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (4/46/2693) : [ حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة ، ثنا أبو الجماهر ، والوليد بن مسلم ، قالا : ثنا سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( كان أحد أبويها جنيا )) يعني أبوي سبأ .
لم يذكر أبو الجماهر : النضر بن أنس ، وذكره الوليد بن مسلم ] . انتهى .

وقد وجدت للحديث علة أخرى ؛ فقد أخرج ابن أبي حاتم في "التفسير" (16431) : حدثنا محمد بن يحيى ، أنبا العباس بن الوليد ، ثنا يزيد ، ثنا سعيد ، عن قتادة :
قوله : (( قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة )) : ماء وكان الصرح بناء من قوارير بني على الماء فلما رأت اختلاف السمك وراءه لم يشتبه عليها انه لجة ماء كشفت عن ساقيها .
(( وكنا نحدث أن احد أبويها كان جنيا وكان مؤخر رجلها كحافر الدابة وكانت إذا وضعته على الصرح هشمته )) .

قلت : وهذا إسناد حسن إلى قتادة .

قلت : من هذا الأسناد نجد أن (( يزيد )) وهو (( يزيد بن زريع )) – ثقة ثبت – قد رواه عن قتادة مقطوعاً عليه ، وخالف بذلك ( أبو الجماهر ، والوليد بن مسلم ) ، وهذه علة أخرى .

قلت : والأشبه أن هذا الحديث من قول قتادة ، ولا يصح مرفوعاً إلى النبي .

ــــــــ

الخلاصة : هذا الحديث منكر ، كما بيناه .

وقال الألباني في "الضعيفة" (1818) : [ ضعيف ] .

وقال العلامة الألوسي في "روح المعاني" (19/189) : [والذي ينبغي أن يعول عليه عدم صحة هذا الخبر ] .
ـــــــ

وكتبه
أحمد بن سالم بن أحمد بن علي المصري
غفر الله له ولوالديه
 
عودة
أعلى