أعم قسم وقع في القرآن .. مع نقاش حول " لا " التي تسبق فعل القسم

إنضم
15/04/2003
المشاركات
1,144
مستوى التفاعل
4
النقاط
38
الموقع الالكتروني
www.tafsir.net
قال ابن القيم رحمه الله عن القَسَم في قوله تعالى {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لا تُبْصِرُونَ (39)} سورة الحاقة:

(وهذا أعم قَسَم وقع في القرآن؛ فإنه يعم العلويات والسفليات, والآخرة,
وما يُرى وما لا يُرى, ويدخل في ذلك الملائكة كلهم,
والجن والإنس, والعرش والكرسي, وكل مخلوق).

التبيان في أقسام القرآن (ص:174).
 
بعض المعتزلة يدعون أن (لا أقسم) تعني نفي القسم نقل ذلك الطبرسي في تفسيره فقال((وثالثها: إنه نفي للقسم ومعناه لا يحتاج إلى القسم لوضوح الأمر في أنه رسول كريم، فإنه أظهر من أن يحتاج في إثباته إلى قسم، عن أبي مسلم ورابعها: إنه كقول القائل: لا والله لا أفعل ذلك، ولا والله لأفعلن ذلك. وقال الجبائي. إنما أراد أنه لا يقسم بالأشياء المخلوقات، ما يرى وما لا يرى، وإنما أقسم بربها، لأن القسم لا يجوز إلا بالله))
ولكن معناها القسم كما قال إبن عاشور(({ لا أقسم } صيغة تحقيق قَسَم، وأصلها أنها امتناع من القسَم امتناع تحرّج من أن يحلف بالمُقْسم به خشية الحنث، فشاع استعمال ذلك في كل قسم يراد تحقيقه، ))
 
يرد قول من قال إن لا تعني نفي القسم قول الله تبارك وتعالى "فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم " فالاية الثانية اثبتت وجود القسم . وأما معنى لا الواردة في القسم فهو مختلف فيه والأقرب أنها زائدةٌ ، والتقدير : أُقْسِمُ , وهو قولُ أكثر المفسِّرينَ كما ذكر ذلكَ القرطبيُّ ، والشوكانيُّ ( 1)، وقال به سعيدُ بن جبير(2 )والزجّاجُ( 3)، وابن خالويه(4).
قال الشوكانيُّ :" ويؤيّدُ هذا قولهُ :{وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ }(الواقعة: من الآية76) " (5 ) أيْ بعد قولِه تعالى : {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}(الواقعة:75) ، وهذا هو أقربُ الأقوالِ( 6) والله أعلم
[line]
( 1) انظر : تفسير القرطبي ( 17 / 144 ) ، فتح القدير ( 5 / 159 ) .
(2 ) انظر : تفسير ابن جرير ( 27 / 203 ) ، تفسير ابن كثير ( 6 / 535 ) .
(3 ) انظر : معاني القرآن وإعرابه ( 5 / 115 ) .
(4 ) انظر : إعراب ثلاثين سورة مِن القرآن صـ ( 87 ) .
(5 ) فتح القدير ( 5 / 159 ) .
( ) انظر هذه المسألةَ في : معاني القرآن وإعرابه للزجاج ( 5 / 115 ) ، إعراب ثلاثين سورة مِن القرآن لابن خالويه صـ ( 87 ) ، إعراب القرآن للنحاس صـ ( 5 / 227 ) ، تفسير ابن جرير ( 27 / 203 ) ، تفسير ابن الجوزي ( 7 / 336 ) ، تفسير ابن عطية ( 15 / 383 ) ، تفسير القرطبي ( 17 / 144 ) ، تفسير = = البيضاوي ( 2 / 463 ) ، تفسير ابن كثير ( 6 / 535 ) ، تفسير الشوكاني ( 5 / 159 ) ، مغني اللبيب لابن هشام ( 1 / 238 ) وهو أوسع مَن تكلَّم عنها ، إمعان في أقسام القرآن صـ ( 6 ) .
 
الآية حملت ردا قويا بالفعل-جزى الله الاخ احمد على التذكير بها-......فصيغة "لا اقسم "قسم......لكن توجيه النفي فيه نظر..........ومن المستبعد ان تكون "لا "للتوكيد...كما قال قسم كبير من المفسرين.......لسبب فطري....وهو ان الشىء لا يؤكد.....بنفي الشىء........بمعنى لا يزداد البنيان ثباتا...بهدمه ....هذا لا يعقل....ولعل التحقيق ما ذهبت اليه عائشة عبد الرحمن.......عندما ميزت بين نفي القسم .....ونفي الحاجة الى القسم......والثاني هو المراد فى القرآن...وهذا الاسلوب عربي ..متداول...كما تقول لصاحبك:"لا اوصيك بكدا.."وتقصد تأكيد الوصية...لا بنفيها...بل بنفي الحاجة اليها...فتأمل
 
اختلف النحاة في دلالة "لا" إذا أتت قبل القسم....:

1- فمنهم من يقول بأن "لا" زائدة وتفيد توكيد القسم فمعنى "لا أقسم" = أقسم

2- وفريق يقول بأنّ "لا" نافية....والمعنى أن الأمر لا يحتاج للقسم لوضوحه وعدم الحاجة إليه.

3- وفريق آخر يقول بأن " لا" نافية لغرض الاهتمام والتوكيد. ومثاله - ما ذكره الأخ الكريم أبو عبد المعز - كأن تقول " لا أوصيك بأبي عبد المعز" .

والله أعلم.
 
محاورة لطيفة فيها بيان استعمال العرب لـ"لا" الداخلة على فعل القسم

محاورة لطيفة فيها بيان استعمال العرب لـ"لا" الداخلة على فعل القسم

قال الزركشي في البرهان 2/177 [ طبعة دار المعرفة بتحقيق المرعشلي ] :

(قال الخطابي وسمعت ابن أبي هريرة يحكي عن أبي العباس بن سريج قال سأل رجل بعض العلماء عن قوله تعالى : { لا أقسم بهذا البلد } 1 فأخبر أنه لا يقسم بهذا ، ثم أقسم به في قوله : { وهذا البلد الأمين } ( التين : 3 ) ؟!
فقال ابن سريج : أي الأمرين أحب إليك أجيبك ثم أقطعك أو أقطعك ثم أجيبك ؟

فقال : بل اقطعني ثم أجبني .

فقال : اعلم أن هذا القرآن نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرة رجال ، وبين ظهراني قوم ، وكانوا أحرص الخلق على أن يجدوا فيه مغمزاً ، وعليه مطعناً ؛ فلو كان هذا عندهم مناقضة لتعلقوا به وأسرعوا بالرد عليه ، ولكن القوم علموا وجهلت ، فلم ينكروا منه ما أنكرت .

ثم قال له : إن العرب قد تدخل ( لا ) في أثناء كلامها وتلغي معناها ، وأنشد فيه أبياتاً . ) انتهى
 
قطعتنا جميعاً يا أبا مجاهد بابن سريج,
شكر الله لك هذه الحسنة.
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سؤالي إلى فضيلة الدكتور الشيخ أحمد البريدي وفضيلة الدكتور الشيخ أبو مجاهد العبيدي حفظهما الله.
إذا سلمنا بزيادة( لا ) قبل فعل القسم كما يقول أكثر المفسرين.. فما الفائدة من زيادتها ؟ وما معنى قوله تعالى:( لا أقسم بمواقع النجوم* وإنه لقسم لو تعلمون عظيم* إنه لقرآن كريم ) ؟ وما الغرض من القسم؟
 
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله:
(واعلموا أن علماء العربية مطبقون على أن لفظة (لا) تُزَادُ لتأكيد المعنى وتقويته, أما في الكلام الذي فيه معنى الجحد فلا خلاف بينهم في ذلك, وشواهده في القرآن وأمثلته كثيرة).
العذب النمير 3/1040.
 
السلام عليك أخي أبو بيان ورحمة الله وبركاته.

السلام عليك أخي أبو بيان ورحمة الله وبركاته.

كنت أود من الشيخين الفاضلين أن يجيبا على أسئلتي، ولكنهما لم يفعلا، وأجبت أنت على السؤال الأول، وبقي أن تجيب على بقية الأسئلة، بارك الله فيك، مع ملاحظة أنني أريد أن أعرف رأيك الشخصي فيما قاله المفسرون في( لا ) قبل فعل القسم. أما ما قاله الشنقيطي، والطبري، والقرطبي، والرازي، والزمخشري، وأبو حيان، والألوسي، وابن عاشور، وغيرهم فهو موجود في تفاسيرهم، وليس من الصعب أن نعرف ما قالوا. ولكن الصعب هو الحكم على ما قالوا من حيث صحته، وعدم صحته. هذا ما أردت أن أشير إليه.
واسمح لي يا أخي أبو بيان أن أسألك: هل قرأت المقال الذي أشار إليه فضيلة الشيخ عبد الرحمن الشهري حول هذا الموضوع ( ظاهرة القسم المسبوق بلا النافية )؟ ثم هل قرأت ما قاله الدكتور فاضل السامرائي في لمسات بيانية ورد الدكتور عماد عليه؟ وما هو رأيك فيما قاله؟
ثم إذا كنتم انتم مقتنعين بأن قول القائل: لا أفعل، تأكيد لقوله: أفعل، فما الفرق بين النفي والإثبات،؟ وكيف يؤكد الإنسان الفعل بنفي الفعل؟ هلا شرحت لنا ذلك، وفقك الله، فما أنتم إلا أساتذتنا، ونحن تلاميذكم الذين يطلبون العلم منكم. وأرجو أن لا يضيق صدرك بأسئلتي مع الشكر.[/font]
[/size][/size]
 
عذراً أخي سليمان, لم أكتب ما سبق جواباً على سؤالك, وحيث قد وافق ما تريد فالحمد لله,
وأرجو معك أن يتولى الإخوة الإجابة على ما تريد, وسيفعلا إن شاء الله, ولكنها صوارف وعوارض, فاصبر لهما.
وفقنا الله وإياك لكل خير.
 
للشيخ عبدالرحمن حبنكة الميداني وفقه الله رأي موافق لما ذهبت إليه الدكتور عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطي) رحمه الله. وما فصلته الأستاذة الكريمة رفاه زيتوني في مقالتها التي أحلت عليها أعلاه في شبكة التفسير والدراسات القرآنية .
وقد ذكر هذا الرأي في كتابه (قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله عز وجل) ص 480-498
قال :
الحكمة من إيراد القسم المنفي في القرآن .
اختلفت أقوال المفسرين في القسم المسبوق بحرف النفي (لا) الوارد في القرآن ثماني مرات في سبع سور بصيغة ( لا أقسم) مسبوقة بحرف عطف ، أو غير مسبوقة بحرف عطف.
فمنهم من قال : لا زائدة ، والتقدير أقسم.
ومنهم من قال لا نافية لكلام مقدر ، وليس النفي مسلطاً على القسم.
ومنهم من قال غير ذلك.
وقد سبرت النصوص الورادة فيها هذه الصيغة فرأيت بفتح من الله أنها أسلوب بياني مبتكر للدلالة على أن الموضوع مع حال المخاطبين يقتضي اقتضائين متعارضين :
1- أحدهما يستدعي البيان فيه القسم المؤكد للخبر الذي هو المقسم عليه.
2- والآخر يستدعي البيان فيه عدم القسم.
فكان الحل المبتكر في أساليب البيان القرآنية اختيار أسلوب ذكر لفظ القسم ، وذكر المقسم به ، تنبيهاً عليه ، مع سبقه بأداة النفي.
فالوجه الذي اقتضى القسم روعي حاله بذكر القسم والمقسم به ، تنبيهاً على ما في المقسم به من تأكيد أو حجة هادية إلى أن الموضوع الذي يراد تأكيده هو متحقق الوقوع.
والوجه الذي اقتضى عدم الحاجة إلى القسم روعي حاله بنفي القسم بأداة النفي لا ...). الخ كلامه .
 
ماذكره الشيخ عبد الرحمن الشهري عن الميداني وبنت الشاطيء -رحمهما الله- في توجيه القسم المنفي هو المتعين .....وهنا ملاحظة اصطلاحية : "لا اقسم" عند بنت الشاطيء ليس قسما منفيا...بل المنفي في الحقيقة هو الحاجة إلى القسم....وقد نبهت على ذلك تنبيها قويا عندما قالت:
"وفرق بعيد أقصى البعد , بين أن تكون "لا لنفي القسم , كما قال بعضهم وبين أن تكون لنفي الحاجة إلى القسم"وقد شددت- رحمها الله -على العبارة الأخيرة بالتسطير...
بعبارة أخرى نفي القسم أو القسم المنفي تسمية باعتبار النحو والألفاظ....لكن باعتبار البيان والمعاني...لم ينف القسم بل ازداد تأكيدا عن طريق إثبات عدم الحاجة إليه.....لوضوح المقسم عليه..

وقريب مما لاحظه الاستاذ الشهري ما جاء في القرآن الكريم من حذف المقسم عليه تنبيها على أن المخاطبين لا ينفع معهم القسم وبالتالي من العبث ذكره.....من ذلك قوله تعالى:
ق والقرآن المجيد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم.
طوي المقسم عليه لأن المخاطبين لا يحيدون عن معتقدهم قيد أنملة فلا ينفع معهم قسم....
وهذا مستعمل في البيان العادي .....فقد يستهل المتكلم القسم بذكر المقسم به...ثم يخطر بباله أن مخاطبه لن يقتنع فيعدل عن ذكر المقسم عليه لينتقل الى كلام آخر.
 
أبو عبد المعز قال:
ماذكره الشيخ عبد الرحمن الشهري عن الميداني وبنت الشاطيء -رحمهما الله- في توجيه القسم المنفي هو المتعين .

ما الحجة التي جعلت هذا الرأي هو المتعين ؟؟

الذي أميل في هذا الأسلوب أنه جار على لغة العرب في استعمال هذه اللام بعد الفعل ، ولا يريدون بها إلا تأكيد القسم.

ولا أرى حاجة للتحمس لرأي معين لأن المسألة يسيرة إذا فهم المعنى.


وأؤكد على ما نقلته عن البرهان للزركشي في الرد رقم 7
 
طبعا ياأخوتي وأحبابي

فلا أقسم ................

لا : زائدة ، في مثل هذا القسم

والمعنى : فأقسم ، ولا تزاد في القسم ، فيقال : لا والله ، ولا أفعل ،

قال الشاعر امرؤ القيس :

[poem=font="Simplified Arabic,6,,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="http://vb.tafsir.net/images/toolbox/backgrounds/23.gif" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
لا وَأَبيكَ اِبنَةَ العامِرِيِّ= لا يَدَّعي القَومُ أَنّي أَفِر[/poem]

والمعنى :

وأبيك ، وإنما زيدت للتأكيد ، وتقوية الكلام ..

وقيل : نافية .. والمنفي محذوف ، وهو كلام الكافر والجاحد ، تقديره :

فلا صحة لما يقول الكافر ، ثم ابتدأ فقال :

أقسم ، وقيل : هي لام الابتداء ، دخلت على جملة من مبتدأ وخبر ، وهي :

أنا أقسم ، كقولك : لزيد منطلق ، ثم حذف المبتدأ ، فاتصلت اللام فقط ..

وقال أبو حيان : والأولى عندي : أنها لام أشبعت فتحتها ، فتولدت منها ألف ،

كقوله : ( أعوذ بالله من العقارب) ....
 
[align=justify]عقد الدكتور عبدالكريم الخطيب فصلاً في كتابه التفسير القرآني للقرآن عن الأقسام المنفية في القرآن ودلالاتها، وأطال في هذه المسألة، ومما قاله:
( فما هى « لا » هذه ؟ وما مفهومها ؟ .
هى ـ واللّه أعلم ـ « لا » النافية .. وهى تجىء غالبا فى معرض القسم تنزيها للمقسم به ، وإجلالا لقدره ، أن يقسم به على أمور واضحة بينة ، لا تحتاج إلى سند يسندها من قسم أو نحوه ..
فالقسم ـ عادة ـ إنما يرد لإثبات أمر من الأمور التي يستبعد المخاطب وقوعها أو لتقرير حقيقة من الحقائق ، وتوكيدها ، وإزالة الشبهة عنها عند المقسم له ، حتى يقبلها ويطمئن إليها ..
وإنه ـ والأمر كذلك ـ من الاستخفاف بقدر المقسم به ، بل والامتهان له ، أن يستدعى عند كل أمر وإن صغر ، وأن يبرر به كل شأن وإن حقر أو ظهر ، فذلك من شأنه أن يرخص هذا المقسم به ، وأن يذهب بجلاله ، وينزل من قدره ، فلا يكون له وقعه على النفوس ، إذا هو استدعى للقسم به فى حال تحتاج إلى تبرير وتوكيد! وهذا ما يشير اليه قوله تعالى : « وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ». (224 : البقرة) فتعريض اسم اللّه سبحانه وتعالى للقسم به ، حتى فى مقام البرّ بهذا القسم ، ورعاية حقه ، وحتى فى مقام الصلح بين الناس ـ هو مما ينبغى للمؤمن أن يتحاشاه ، وألا يجىء إليه إلا فى قصد ، عند ما تدعو الضرورة إليه! فقوله تعالى : « فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ » ـ هو تعريض وتلويح بالقسم بمواقع النجوم ، دون القسم بها ، لأنها ذات شأن عظيم ، فلا يقسم بها إلا لتقرير الحقائق المشكوك فيها ، والمرتاب فى أمرها .. أما جليّات الأمور وبدهياتها فلا يقسم لها ، لأن القسم لها ، هو تشكيك فيها ، ووضعها موضع ما يكون من شأنه أن يثير المماراة ، والخلاف ..
وقد كثر فى القرآن الكريم هذا الضرب من التلويح بالقسم عن طريق النّفى ، وذلك حين يكون المقسم هو اللّه سبحانه وتعالى ، والمقسم به ، ذات من ذوات المخلوقات العظيمة المكرمة عند اللّه ، وحين يكون المقسم عليه أمرا جليّا ، بينا لا يحتاج إلى بيان ..
ومن ذلك قوله تعالى : « فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ ، وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ ، وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ ، لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ » (16 ـ 19 الانشقاق) وقوله سبحانه : « لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ ، وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ، أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ ، بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ » (1 ـ 4 : القيامة) وقوله جلّ شأنه : « فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ. الْجَوارِ الْكُنَّسِ ، وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ ، وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ ، إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ، ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ » (15 ـ 20 التكوير) فهذه الأقسام واقعة على أمور عظيمة ، محققة الوقوع على الصورة المعروضة فيها ، وعلى الصفة الموصوفة بها ، بحيث لا يصح أن تقع موقع الإنكار ، من ذى مسكة من عقل أو فهم .. فإذا كان هناك من يشك أو يرتاب ، فإنه لا معتبر لشكّه أو ارتيابه ، ولا جدوى من وراء القسم له بأى مقسم به ، إذ كان لا يجدى معه ـ فى هذا الصبح المشرق بين يديه ـ أن تضاء له المصابيح ، وتقام له الحجج والبراهين. « وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ » (40 : النور).
فالأقسام هنا ـ كما ترى ـ واقعة على أحوال الإنسان ، وتنقله من حال إلى حال ، ومن وجود إلى وجود ، أو على قدرة اللّه سبحانه وتعالى ، على بعث الموتى من القبور ، وعلى إعادة هذه العظام البالية ، وإلباسها لباس الحياة من جديد ، أو على قول اللّه سبحانه ، وما تحمل كلماته من أخبار صادقة ، محققة الوقوع ..
وهذه كلها أمور لا تحتاج إلى قسم ، وفى القسم لها ـ كما قلنا ـ تشكيك فيها ، وفتح لباب الجدل والمماراة فى شأنها ..
أما هذا التلويح بتلك الأقسام ، فيما يبدو من نفى القسم ـ فهو وضع الأمر المقسم عليه فى ضمانة حقيقة من الحقائق الكبرى ، حيث يعتدل ميزانه مع ميزانها فى مقام الإعظام والإجلال ، بمعنى أنه لو احتاج هذا الأمر إلى قسم لما أقسم له إلا بهذه الحقائق العظيمة الجليلة ، المناسبة لعظمته وجلاله .. فإن العظائم كفؤها العظماء ، كما يقولون. )
[/align]
 
وما المانع من جعلها لام توكيد أشبعت فتحتها فتولد منها ألف ؟
 
ما قاله الدكتور الخطيب هو القول الحق في المسألة
إلا أن تعليله بأنه جاء تنزيها للمقسم به وإجلاله له فيه نظر فالله تعالى قد أقسم ببعض ما نبصر وبعض ما لا نبصر ومن ذلك القسم بنفسه تبارك وتعالى.
إذا هو على ظاهره نفي للقسم ونفي القسم أشد وقعا في النفس وأشد تأكيدا من القسم على حقيقة القضايا المطروحة.
ثم إن الدكتور الخطيب ـ حفظه الله إن كان حيا ورحمه إن كان ميتا ـ يقول هو نفي للقسم ثم يعود ويقول " فهذه الأقسام" وهذا تناقض ، مع أني أدرك ماذا يريد ، لكن الصحيح أنها ليست أقساما.
وأما الاحتجاج بقوله تعالى " وإنه لقسم لو تعلمون عظيم " فهذا ليس إثباتا للقسم في قوله تعالى " فلا أقسم بمواقع النجوم" وإنما هو إخبار أنه قسم عظيم لو أن الباري أقسم به.
هذا والله تعالى أعلى وأعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
 
الإخوة الأفاضل : جزاكم الله خيرا وأحسن إليكم

من خلال تتبع صيغة القسم ( لا أقسم ) في القرآن الكريم تبين لي أن أعرج على الأحاديث النبوية الشريفة فكانت النتيجة أن صيغة ( لا + القسم ) تكررت بصور متعددة أكتفي هنا بمثالين :

1- (كان يمين النبي التي يحلف بها كثيرا : لا و مقلب القلوب) (1)
2- (كنت قينا في الجاهلية ، وكان لي على العاص بن وائل دراهم ، فأتيته أتقاضاه ، فقال : لا أقضيك حتى تكفر بمحمد . فقلت : لاوالله لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى يميتك الله ثم يبعثك . قال : فدعني حتى أموت ، ثم أبعث ، فأتى مالا وولدا ثم أقضيك . فنزلت : { أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا } الآية . )(2)
فالصيغة الأولى : لا و مقلب القلوب = [لا + (ومقلب القلوب) ]
= [لا + القسم ] وهذا كله قسم وهو أسلوب شائع عند العرب

إذا قارنا هذا بالصيغة القرِآنية : {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ }
يتبين ما يلي : لا أقسم بمواقع النجوم = [لا + (أقسم بمواقع النجوم ) ]
= [لا + (ومواقع النجوم )]
= [لا + القسم ]
الصيغة القرآنية : [ لا + أقسم ] هي خاصة بالقرآن الكريم وتحديدا بالسور المكية السبعة التالية : الواقعة ، الحاقة ، المعارج ، القيامة ، التكوير ، الانشقاق ، البلد . فهي صيغة قرآنية مكية .
ولعلنا من خلال الاستقراء يتبين أن القسم المسبوق ب( لا ) له دلالة خاصة تؤدي إلى : النفي والإثبات
يقول الإمام الطبري في تفسيره : (وقال بعض نحويي الكوفة، (لا) ردّ لكلام قد مضى من كلام المشركين الذين كانوا ينكرون الجنة والنار، ثم ابتدئ القسم، فقيل: أقسم بيوم القيامة، وكان يقول: كلّ يمين قبلها ردّ لكلام، فلا بدّ من تقديم «لا» قبلها، ليفرق بذلك بين اليمين التي تكون جحداً، واليمين التي تستأنف، ويقول: ألا ترى أنك تقول مبتدئاً: والله إن الرسول لحقّ وإذا قلت: لا والله إن الرسول لحقّ فكأنك أكذبت قوماً أنكروه.)
هذا النفي والإثبات نجده يتكرر في كل السور المكية المذكورة سابقا ولنتأمل هذه الصيغ استئناسا :

{فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ }الواقعة75 === { أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ }
{فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ }الحاقة38 === { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ } * { وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }

{فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ }المعارج 40 === { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ }

{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ }القيامة1{وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ }القيامة2 === { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ }
{فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ }التكوير15 === {وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ }
{فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ }الانشقاق16 === { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }
{لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ }البلد1 === { أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ }

والله أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش :
1- الراوي:عبدالله بن عمرالمحدث: الألباني - المصدر: تخريج كتاب السنة - الصفحة أو الرقم: 236
خلاصة حكم المحدث:صحيح

2- الراوي:خباب بن الأرتالمحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2425
خلاصة حكم المحدث:[صحيح]
 
يقول تعالى في سورة الحاقة :

[فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ{38} وَمَا لَا تُبْصِرُونَ{39} إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ{40} وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ{41} وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ{42} تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ{43}]

من المشركين من يقول : إن القرآن الكريم قول شاعر ومنهم من يقول : إنه قول كاهن ، فجاء قول الله تعالى ردا على كلامهم نافيا زعمهم مثبتا بواسطة القسم بما نبصر وما لا نبصر أن القرآن قول رسول كريم وهو جبريل عليه السلام ، و يفسره قول الله تعالى في سورة التكوير :[ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ{19} ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ{20} مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ{21} ]
يقول الشوكاني في تفسيره : "{ فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ } هذا ردّ لكلام المشركين كأنه قال: ليس الأمر كما تقولون، ولا زائدة، والتقدير: فأقسم بما تشاهدونه وما لا تشاهدونه. قال قتادة: أقسم بالأشياء كلها ما يبصر منها وما لا يبصر، فيدخل في هذا جميع المخلوقات.) "

والله أعلم
 
الأخ الفاضل عبد الكريم حفظك الله وبارك فيك
فرق ين قول النبي صلى الله عليه وسلم : لا ، ومقلب القلوب. وقول : خباب : لا والله لا أكفر بمحمد.
وبين قول الله تعالى :
لا أقسم .
الفرق واضح فما جاء في الحديث النبوي ـ وهو كثير ـ قسم واضح وليس نفيا للقسم.
أما ما ورد في القرآن فهو نفي للقسم وهو واضح ولا أرى حاجة لتقدير محذوف بعد لا، ولا إلى القول إنها زائدة جاءت لغرض.
 
اقتباس :
الفرق واضح فما جاء في الحديث النبوي ـ وهو كثير ـ قسم واضح وليس نفيا للقسم.
أما ما ورد في القرآن فهو نفي للقسم وهو واضح ولا أرى حاجة لتقدير محذوف بعد لا، ولا إلى القول إنها زائدة جاءت لغرض.

أخي الحبيب أبو سعد الغامدي : جزاك الله كل خير وأحسن إليك وأنا سعيد بمداخلتك

في مشاركتي لم أقل بنفي القسم لكن قلت : أن هناك نفيا وإثباتا
هناك قسم يتألف من مقطعين :/ لا / أقسم . أي (لا + أقسم) وأن (لا) تأتي داخلة في صيغة القسم . وأن هذه الصيغة هي خاصة بالقرآن المكي وتركيبها الكلي يفضي إلى دلالة النفي والإثبات بحيث كل هذه الصيغ من الأقسام وردت لنفي كلام باطل وفي نفس الوقت تثبت الحقيقة القرآنية الصادقة . وكل واحدة منها قسم وليس نفيا للقسم .

وما جاء في كلام العرب وفي الأحاديث يبن كذلك أن القسم المركب من : (لا + القسم ) وجدته كذلك فيه نفي وإثبات ، وهو قسم وهذه أمثلة تؤكد ذلك :

قال امرؤ القيس:
لاَ وَأَبِيك ابْنَةَ الْعَامِرِيّ ... لاَ يَدَّعِى الْقَوْمُ أَنِّي أفِرّ

وقال غوثة بن سلمى :
أَلاَ نَادَتْ أُمَامَةُ بِاحْتِمالِ ... لِتَخْزُنَني فَلاَ بِكِ ما أُبَالِي
وفي الحديث :

- [كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب ، فقال له عمر : يا رسول الله ، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا ، والذي نفسي بيده ، حتى أكون أحب إليك من نفسك ) . فقال له عمر : فإنه الآن ، والله ، لأنت أحب إلي من نفسي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الآن يا عمر ) . ] (1)


- [لا والذي نفسي بيده ، لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني .] (2)

- [أن رجلا سرق على عهد أبي بكر رضي الله عنه مقطوعة يده ورجله فأراد أبو بكر رضي الله عنه أن يقطع رجله ويدع يده يستطيب بها ويتطهر بها وينتفع بها فقال عمر لا والذي نفسي بيده لتقطعن يده الأخرى فأمر به أبو بكر رضي الله عنه فقطعت يده] (3)


أما قول الإمام الشوكاني ب( لا الزائدة ) فأحسبه يقول ذلك ليؤكد أن ليس هناك نفي للقسم ليكون التقدير : فأقسم . معنى هذا أن القسم موجود ووظيفة (لا) جاءت لنفي كلام المشركين . وأن الصيغة الإجمالية هي قسم على صورة واحدة : ( لا + القسم )

هذا وأنا على استعداد للاستفادة من أي حقيقة علمية تثبت خلاف ذلك .

وفقنا الله جميعا لكل خير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش :
1- الراوي:عبدالله بن هشام بن زهرة القرشيالمحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6632
خلاصة حكم المحدث:[صحيح]

2- الراوي:-المحدث: الألباني - المصدر: بداية السول - الصفحة أو الرقم: 5
خلاصة حكم المحدث:حسن

3- الراوي:نافع مولى ابن عمرالمحدث: الألباني - المصدر: إرواء الغليل - الصفحة أو الرقم: 8/91
خلاصة حكم المحدث:إسناده حسن
 
ما قاله الدكتور الخطيب هو القول الحق في المسألة.

من النتائج التي توصلت إليها من خلال تجربتي في البحوث : ( إن استعمال صيغ الترجيح بطريقة صحيحة ، واختيارَ المناسب منها لكل مسألة مما ينبغي أن يهتم به الباحث اهتماماً كبيراً ؛ لأنه يُبنى على استعمال هذه الصيغ ، واختيارها أحكامٌ لها تأثير في تفسير كلام الله U ، ويترتب عليها الحكمُ على أقوال قد نقلت عن أئمة معتبرين ، وعلماء متبحرين ؛ وقد أمرنا الله U أن نكون قوامين بالقسط. وغير خاف أن لكل صيغة دلالتها الحكمية ؛ فلا ينبغي أن تستعمل صيغة في موضع وغيرها أنسب منها ، وأدل على المقصود.
وكلما ابتعد الباحث عن استعمال الصيغ العامة الجازمة كان ذلك أولى؛ فالجزم بالحكم على قول في مسألة خلافية مشهورة بأنه الحق والصواب جزماً قاطعاً غيرُ مناسب؛ لأن الحق قد يكون مع القول الآخر. وهكذا الجزم بأن مراد الله U من هذه الآية هو كذا، أو مقصود الآية كذا؛ مما ينبغي أن يُتورع عنه إلا إذا كان بحجة بيّنة من جهة الوحي .).
 
من النتائج التي توصلت إليها من خلال تجربتي في البحوث : ( إن استعمال صيغ الترجيح بطريقة صحيحة ، واختيارَ المناسب منها لكل مسألة مما ينبغي أن يهتم به الباحث اهتماماً كبيراً ؛ لأنه يُبنى على استعمال هذه الصيغ ، واختيارها أحكامٌ لها تأثير في تفسير كلام الله U ، ويترتب عليها الحكمُ على أقوال قد نقلت عن أئمة معتبرين ، وعلماء متبحرين ؛ وقد أمرنا الله U أن نكون قوامين بالقسط. وغير خاف أن لكل صيغة دلالتها الحكمية ؛ فلا ينبغي أن تستعمل صيغة في موضع وغيرها أنسب منها ، وأدل على المقصود.
وكلما ابتعد الباحث عن استعمال الصيغ العامة الجازمة كان ذلك أولى؛ فالجزم بالحكم على قول في مسألة خلافية مشهورة بأنه الحق والصواب جزماً قاطعاً غيرُ مناسب؛ لأن الحق قد يكون مع القول الآخر. وهكذا الجزم بأن مراد الله U من هذه الآية هو كذا، أو مقصود الآية كذا؛ مما ينبغي أن يُتورع عنه إلا إذا كان بحجة بيّنة من جهة الوحي .).

كلام وجيه ولكنه يبقى نتاج اجتهاد تختلف فيه وجهات النظر.
ومن خلال اطلاعي على كتب أهل العلم رأيت أنهم يستخدمون هذه الصيغ فيما يرجحونه من الأقوال في المسأئل المختلف فيها دون تحرج ، فيقولون : " والحق كذا" " والصحيح كذا".
وهذه بعض الأمثلة :
يقول صاحب أضواء البيان رحمه الله:
يقول: "إنما الأعمال بالنيات"، وخالف أبو حنيفة قائلاً: إن طهارة الحدث لا تشترط فيها النية، كطهارة الخبث.
واختلف العلماء أيضاً في الغاية في قوله:
{إِلَى الْمَرَافِقِ} [5/6]، هل هي داخلة فيجب غسل المرافق في الوضوء؟. وهو مذهب الجمهور. أو خارجة فلا يجب غسل المرافق فيه؟
والحق اشتراط النية، ووجوب غسل المرافق، والعلم عند الله تعالى."


ويقول:
"قوله تعالى: {وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى}، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الكفار يقولون بألسنتهم الكذب؛ فيزعمون أن لهم الحسنى والحسنى تأنيث الأحسن، قيل: المراد بها الذكور؛ كما تقدم في قوله: {وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ}
والحق الذي لا شك فيه: أن المراد بالحسنى: هو زعمهم أنه إن كانت الآخرة حقاً فسيكون لهم فيها أحسن نصيب كما كان لهم في الدنيا."
"واعلم أن ما يزعمه كثير من المفسرين وغيرهم، من المنتسبين للعلم من أن النار لا تبصر، ولا تتكلم، ولا تغتاظ. وأن ذلك كله من قبيل المجاز، أو أن الذي يفعل ذلك خزنتها كله باطل ولا معول عليه لمخالفته نصوص الوحي الصحيحة بلا مستند، والحق هو ما ذكرنا."

ويقول:
"قال صاحب الكشاف في تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ}.
فإن قلت: هل لزيادة: من في قوله:
{وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} فائدة؟ قلت: نعم.
لأنه لو قيل: وبيننا وبينك حجاب، لكان المعنى أن حجابا حاصل وسط الجهتين.
وأما بزيادة
{وَمِنْ} فالمعنى: أن حجابا ابتدأ منا وابتدأ منك. فالمسافة المتوسطة لجهتنا، وجهتك مستوعبة بالحجاب، لا فراغ فيها. انتهى منه.
واستحسن كلامه هذا الفخر الرازي وتعقبه ابن المنير على الزمخشري، فأوضح سقوطه والحق معه في تعقبه عليه."


ويقول:
"وعن ابن عباس: أن الكبائر أقرب إلى السبعين منها إلى السبع, وعنه أيضا أنها أقرب إلى سبعمائة منها إلى سبع.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: التحقيق أنها لا تنحصر في سبع، وأن ما دل عليه من الأحاديث على أنها سبع لا يقتضى انحصارها في ذلك العدد، لأنه إنما دل على نفي غير السبع بالمفهوم، وهو مفهوم لقب، والحق عدم اعتباره."


ويقول:
"وقال تعالى: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ} [صّ:52], إلى غير ذلك من الآيات.
وقد قدمنا: أن مفرد الأزواج زوج بلا هاء، وأن الزوجة بالتاء لغة لا لحن خلافا لمن زعم أن الزوجة لحن من لحن الفقهاء، وأن ذلك لا أصل له في اللغة.

والحق أن ذلك لغة عربية، ومنه قول الفرزدق:
وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي كساع إلى أسد الشرى يستبيلها
وقول الحماسي:
فبكى يناتي شجوهن وزوجتي والظاعنون إلى ثم تصدع
وفي صحيح مسلم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في صفية: "إنها زوجتي"."

وقال القرطبي رحمه الله في تفسير سورة آل عمران:
"وفي الموطأ عن مالك عن زيد بن أسلم قال : كتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم وما يتخوف منهم ؛ فكتب إليه عمر : أما بعد ، فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة يجعل الله له بعدها فرجا ، وإنه لن يغلب عسر يسرين ، وإن الله تعالى يقول في كتابه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وقال أبو سلمة بن عبدالرحمن : هذه الآية في انتظار الصلاة بعد الصلاة ، ولم يكن في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ؛ رواه الحاكم أبو عبدالله في صحيحه. واحتج أبو سلمة بقوله عليه السلام : "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط" ثلاثا ؛ رواه مالك. قال ابن عطية : والقول الصحيح هو أن الرباط هو الملازمة في سبيل الله. أصلها من ربط الخيل ، ثم سمي كل ملازم لثغر من ثغور الإسلام مرابطا ، فارسا كان أو راجلا. واللفظ مأخوذ من الربط. وقول النبي صلى الله عليه وسلم "فذلكم الرباط" إنما هو تشبيه بالرباط في سبيل الله."

وقال في تفسير سورة النساء:
"قال ابن مسعود : فإذا بيعت الأمة ولها زوج فالمشتري أحق ببضعها وكذلك المسبية ؛ كل ذلك موجب للفرقة بينها وبين زوجها. قالوا : وإذا كان كذلك فلا بد أن يكون بيع الأمة طلاقا لها ؛ لأن الفرج محرم على اثنين في حال واحدة بإجماع من المسلمين.
قلت : وهذا يرده حديث بريرة ؛ لأن عائشة رضى الله عنها اشترت بريرة وأعتقتها ثم خيرها النبي صلى الله عليه وسلم وكانت ذات زوج ؛ وفي إجماعهم على أن بريرة قد خيرت تحت زوجها مغيث بعد أن اشترتها عائشة فأعتقتها لدليل على أن بيع الأمة ليس طلاقها ؛ وعلى ذلك جماعة فقهاء الأمصار من أهل الرأي والحديث ، وألا طلاق لها إلا الطلاق. وقد احتج بعضهم بعموم قوله : { إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } وقياسا على المسبيات. وما ذكرناه من حديث بريرة يخصه ويرده ، وأن ذلك إنما هو خاص بالمسبيات على حديث أبي سعيد ، وهو الصواب والحق إن شاء الله تعالى."

وقال بن عطية في تفسيره:
"وقوله تعالى : { والعمل الصالح يرفعه } اختلف الناس في الضمير في { يرفعه } على من يعود ، فقالت فرقة يعود على { العمل } ، واختلفت هذه الفرقة فقال قوم الفاعل ب « يرفع » هو { الكلم } أي والعمل يرفعه الكلم وهو قول لا إله إلا الله لأنه لا يرتفع عمل إلا بتوحيد ، وقال بعضهم الفعل مسند إلى الله تعالى أي « والعمل الصالح يرفعه هو » .
قال القاضي أبو محمد : وهذا أرجح الأقوال ، وقال ابن عباس وشهر بن حوشب ومجاهد وقتادة الضمير في { يرفعه } عائد على { الكلم } أي أن العمل الصالح هو يرفع الكلم .
قال القاضي أبو محمد : واختلفت عبارات أهل هذه المقالة فقال بعضها وروي عن ابن عباس أن العبد إذا ذكر الله وقال كلاماً طيباً وأدى فرائضه ارتفع قوله مع عمله ، وإذا قال ولم يؤد فرائضه رد قوله على عمله ، وقيل عمله أولى به .
قال القاضي أبو محمد : وهذا قول يرده معتقد أهل الحق والسنة ولا يصح عن ابن عباس ، والحق أن العاصي التارك للفرائض إذا ذكر الله تعالى وقال كلاماً طيباً فإنه مكتوب له متقبل منه وله حسناته وعليه سيئاته"

وقال القرطبي في تفسيره:
"قوله تعالى : { فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً } قال بكر بن عبدالله المزني : لا يأخذ الزوج من المختلعة شيئا ؛ لقول الله تعالى : { فَلا تَأْخُذُوا } ، وجعلها ناسخة لآية "البقرة". وقال ابن زيد وغيره : هي منسوخة بقوله تعالى في سورة البقرة : { وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً }. والصحيح أن هذه الآيات محكمة وليس فيها ناسخ ولا منسوخ وكلها يبنى بعضها على بعض."

فإذا قلت أنا العبد الضعيف عن قول الله تعالى:

"فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ" سورة الواقعة (75)
"فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)" سورة الحاقة
"فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ" سور المعارج (40)
"لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)" سورة القيامة
"فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ " سورة التكوير(15)
( فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18)) سورة الإنشقاق
(لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ) سورة البلد(1)

أن الحق مع من قال إن هذه ليست أقسام وإنما هي نفي للقسم لا ينافي القسط ولا يلزم منه انتقاص أقوال الآخرين.
 
عودة
أعلى