أضواء من قناديل رائية الخاقاني رحمه الله

إنضم
11/07/2012
المشاركات
604
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
العراق
أضواء من قناديل رائية الخاقاني رحمه الله(ت 325هـ)

الحمد لله والسلام على آل الله..
بلامقدمة ، الى المتن مباشرة..
بعد ان قال رحمه الله في البيت الاول :
(1) اقول مقالا معجبا لأولي الحجرِ == ولافخر ان الفخر يدعو الى الكبر
وكأنه سمع من يقول له: مقال؟؟!! بخصوص ماذا؟؟
ماذا تريد ان تعلّمنا بهذا المقال المعجب لأولي الحجر؟؟
فنحن نحسب أنفسنا منهم وان شاء الله سنكون قادرين بمعونته على فهم مقالك المعجب الذي لا شك انك لا تريد به فخرا ايها الشيخ الجليل بل نحن نفخر بتوجيه كلامك لنا وكلنا لك اذن صاغية.

فثنى مجيبا لهذا السائل المفترض قائلا:
(2) أعلّم في القول التلاوةَ عائذا == بمولاي من شر المباهاة والفخر
وهنا يبين الهدف من نظمه وهو التعليم بقوله أعلّم بالاستمرارية ،
اذن فهو المعلم ونحن التلاميذ، اما المادة والوسيلة العلمية فهي (القول أي المقال المعجب) ،
فما هو موضوعها؟؟
انه التلاوة وبلا شك هي تلاوة القرآن لا غيره والدليل قوله بعد ذلك : أيا قاريء القرآن ....

ويعود رحمه الله لتحصين نفسه بمولاه من شرور وادران المباهاة والفخر الذي نفاه عن نفسه في مطلع نظمه، بقوله الآن: عائذا بمولاي ومولاه هو منزل القرآن والأمر بتلاوته.

ثم طلب عونه تعالى على ما نواه ونعم النية منه والعمل ، وطلب الحفظ في الدين إلى منتهى الأجل وهذه تحصينات وقوى اضافية له لأتمام العمل فقال:

(3) وَأَسْأَلُهُ عَوْنِي عَلَى مَا نَوَيْتُهُ == وَحِفْظِيَ فِي دِينِي إِلَى مُنْتَهَى عُمْرِي

ثم طلب المغفرة في المحشر لأنه رحمه الله مؤمن بأزلية عفو الله وغفرانه ، وذلك بقوله:

(4) وَأَسْأَلُهُ عَنِّي التَّجَاوُزَ فِي غَدٍ == فَمَا زَالَ ذَا عَفْوٍ جَمِيلٍ وَذَا غَفْرِ

يتبع....
 
نتابع معا:

ثم يتوجه بالنداء ويخصه بقاريء القرآن الذي خصص نظمه له لا لغيره، أي من ينوي القراءة أو هو محسوب على القراء، فقال:
(5) أَيَا قَارِئَ القُرْآنِ أَحْسِنْ أَدَاءَهُ= = يُضَاعِفْ لَكَ اللهُ الجَزِيلَ مِنَ الْأَجْرِ
فأمره بحسن الأداء والهاء في الاداء تعود على القرآن بلا شك وحتما يعني بالأداء التلاوة الصحيحة المجودة،

وضمن للقاريء بهذا الفعل مضاعفة الجزيل من الاجر لعلمه بالأحاديث النبوية الضامنة لذلك.
وهنا كأنه سمع القاريء يسأله : ولمَ تأمرني بشيء أعرفه جيدا؟
فيجيبه بالنفي ، لا ليس كما تظن وتحسب ، قائلاً:
(6) فَمَا كُلُّ مَنْ يَتْلُو الكِتَابَ يُقِيمُهُ ==وَلا كُلُّ مَنْ في النَّاسِ يُقْرِئُهُمْ مُقْرِي

فوضع هنا ثلاث قواعد ذهبية :
الاولى: ليس كل من يتلو آيات الله يقيمها، لأنه رحمه الله ابن عصره وملء أذنيه لحون العوام وخروجهم عن جادة الأداء الصحيح المتقن.
ما معنى (يقيمه)؟
حتما أن الهاء تعود على الكتاب فما الذي يريده الناظم بإقامة الكتاب؟
انه يريد معنى يقيم تلاوته وأداءها الصحيح وليس حدوده أو فهم معانيه لان الناظم في محل تعليم التلاوة والدليل مطلع قصيدته( أقول مقالاً، أعلّم في القول التلاوة) وقال قبل قليل (أحسن أداءه)،
وبلا شك ستكون ثمار حسن الأداء فهم المعاني والتدبر المثمر أن شاء الله.

الثانية: ليس هناك مقريء لكل تالٍ للقرآن، بقوله: وما كل من في الناس يقرئهم مقري
أي ليس كل الذي يتلون القرآن ، من الناس القراء أو عامة الناس، يقرئهم مقريء
فهذا غير متيسر عادة إما لان القاريء التلميذ المتعلم لايبحث عن مقريء استاذ معلم ويظن أن في المصحف كفاية ،
أو يقصد أن المعلم عملة نادرة والمتعلمين كثر فسعيد الحظ من يلقى مقرئاً يوجهه ويدربه.
وقد تكون القاعدة الثانية تعليلاً للأولى أي ليس كل تالٍ يجيد التلاوة لأنه لم يحظ بمقريء يدله على الطريق.

ان قوله(ما كل) أي ليس كل التالين للكتاب يقيمونه، فهو يقر بان بعض التالين الكتاب مقيمين متقنين له، لماذا؟
لأن هذا البعض المتقن أخذه عن مقريء وهذا ما بينه في البيت التالي وهو القاعدة الذهبية الثالثة.

يتبع ...
 
شكرأ اخواني الاعزاء كمال المروش وخادمة الفرقان
ونستمرمعكم فنقول:
والقاعدة الثالثة التي وضعها لنا رحمه الله هي:
(7) وإِنَّ لَنَا أَخْذَ القِرَاءَةِ سُنَّةً ==عَنْ الأَوَّلِينَ المُقْرِئِينَ ذَوِى السِّتْرِ
وبقيت هذه السنّة إلى اليوم وستبقى.
سؤال: لماذا نعت الأولين المقرئين بذوي الستر وخصهم به؟
جاء في لسان العرب:
سَتَرَ الشيءَ يَسْتُرُه ويَسْتِرُه سَتْراً وسَتَراً: أَخفاه؛
والستَر، بالفتح: مصدر سَتَرْت الشيء أَسْتُرُه إِذا غَطَّيْته فاسْتَتَر هو.
وتَسَتَّرَ أَي تَغَطَّى.
وجاريةٌ مُسَتَّرَةٌ أَي مُخَدَّرَةٌ.
وفي الحديث: إِن اللهَ حَيِيٌّ سَتِيرٌ(سَتِّير) يُحِبُّ السَّتْرَ.
سَتِيرٌ فَعِيلٌ بمعنى فاعل أَي من شأْنه وإِرادته حب الستر والصَّوْن.
والسِّتْرُ العَقْل، وهو من السِّتارَة والسّتْرِ.
ويقال: ما لفلان سِتْر ولا حِجْر، فالسِّتْر الحياء والحِجْرُ العَقْل.

وجاء في القاموس المحيط:
السِّتْرُ، بالكسر: واحِدُ السُّتُورِ والأَسْتارِ، والخَوْفُ، والحياءُ، والعَمَلُ.

اذن هؤلاء الأئمة هم من ذوي الستر اي ذوي العقل،
وهذا مما لاشك فيه فهم من علماء الأمة من الطراز الاول.
وهم ذوو الحياء فهم متخلقون باخلاق القرآن.
وهم ذوو العمل فقد قضوا حياتهم في حفظ القرآن وتحفيظه وتلاوته وتعليمها.
وهم ذوو الصون فقد صانوا الكتاب بأمانتهم العلمية وأوصلوه لنا كاملا غير منقوص.
ولا يصح المعنى الأول وهو التغطية والاخفاء عن ان يصل الى الناس فيستضيؤوا بنوره،
ويمكن حمل معنى التغطية والاخفاء على الحفاظ والصون من ان يدنو اليه لحن العوام وتلاعبهم.
أو فهُم كالكنز المغطى المستور المكنون في الأمة ولا ينفتح إلا لأهله الساعين إلى تحصيل شيء من نفحاته.

وان شاء الله سنستمر بعونه تعالى ويشجعني تفاعلكم وارجو تصحيح مسار الشرح ان امكن وشكرا.
 
ونستمر بعونه تعالى:

(8) فَلِلسَّبْعَةِ القُرْاءِ حَقٌّ عَلَى الوَرَى == لإِقْرَائِهِمْ قُرْآنَ رَبِّهُمُ الوِتْرِ

نعم ان للقراء حق على من عاصرهم ومن تلاهم،
ياترى ماهو هذا الحق؟
انه حق المعلم على تلميذه،
وحق من سن سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل بها الى يوم القيامة،
فلهم حقوق على كل المسلمين من بعدهم،
انه حق الاقرار لهم بالفضل واداء الامانة كاملة غير منقوصة فقد اجتهدوا في اداءها وبذلوا وقتهم وصحتهم وآثروا تقديم تلك الخدمة حتى على خدمة ذويهم ومتعلقيهم.
انه حق الترحم عليهم والدعاء لهم ،
انه حق الاحترام والتبجيل والتنويه بمنزلتهم ومكانتهم في الأمة،
وهنا اسجل استغرابي وامتعاضي من ورود بعض التصريحات الجارحة والمقللة من شأنهم وعلميتهم من بعض النحويين او الفقهاء واهل الحديث سامحهم الله جميعا.

واذا ثبت هذا الحق على الورى للسبعة فبنفس المعيار هو ثابت للثلاثة المتممين بل ولكل من اجتهد في إقراء الكتاب العزيز من الأولين.

لكن الخاقاني رحمه الله كان في معرض التنويه بأهل الأداء المتفق عليهم في عصره فهم ممن يعود لأدائهم كل من اراد حسن الاداء، ولأنهم قد ذاع صيتهم واشتهروا بين الأمة بتخصصهم الأقرائي المتقن.

ثم يبين الخاقاني رحمه الله سبب استحقاقهم لهذا الحق وهو إقراؤهم القرآن وأضاف هذا القرآن الى الرب ووصله بضمير الجمع (هم) اعترافاً منه ومنهم بربوبيته عز وجل وصحة نسبة القرآن اليه تعالى ذكره، فقال (قرآن ربهم الوترِ).
وهنا سؤال: هل الوتر(بالكسر) الذي هو الفرد ، صفة لـ(رب) في كلمة ربهم المجرورة ايضا؟
ولمَ لا فهو سبحانه وتر.
أم الوتر صفة لقرآن(المنصوبة مفعولاً للاقراء)؟
طبعا لا !
أم صفة لـ(إقراء) في كلمة إقرائهم المجرورة ايضا؟
وهذا الاقراء فريد من نوعه ويستحق هذه الصفة ايضا، وان كنت اراه بعيدا بعض الشيء وفيه تكلف في صرف معناه اليه.
 
ونعود بلطف الله وعونه فنقول:
ثم بدأ بعدّ السبعة مع ذكر أمصارهم فقال:
(9) فَبِالْحَرَمَيْنِ ابْنُ الكَثِيرِ وَنَافِعٌ == وَبِالْبَصْرَةِ ابْنُ الْعَلاءِ أَبُو عَمْرِو
(10) وَبِالشَّامِ عَبْدُ اللهِ وَهْوَ ابْنُ عَامِرٍ == وَعَاصِمٌ الْكُوفِيُّ وَهْوَ أَبُو بَكْرِ
(11) وَحَمْزَةُ أَيْضَاً وَالْكِسَائِيُّ بَعْدَهُ == أَخُو الْحِذْقِ بِالقُرْآنِ وَالنَّحْوِ وَالشِّعْرِ

الحرمان مكة والمدينة
وقال: (ابن الكثير) باضافة (ال) مراعاة للوزن-بحر الطويل- فاذا قال ابن كثيرٍ تصبح التفعيلة الثانية مفاعيلُ:
فبلْحَـ / ـرَمَينِبْنُلْ / كثيرِ / ونافعٌ =
فعولن/مفاعيلن/ فعولُ/ مفاعلن – بينما لو قال:
فبلْحـَ/ ـرَمَينِبْنُ / كثيرٍ/ ونافعٌ =
فعولن/مفاعيلُ/فعولن/مفاعلن

ثم استمر بذكر أسماء القراء السبعة
أبوعمرو بن العلاء البصري، عبدالله بن عامر الشامي الدمشقي، أبوبكر عاصم بن أبي النجود الكوفي،
حمزة الزيات الذي قال بعد ذكره (أيضاً) أي كذلك حمزة احد السبعة أو كذلك هو كوفيُّ مثل عاصم ،
وعلي الكسائي بعد حمزة زمنيّا.

والملاحظ هنا في البيت(11) انه خص الكسائي بما لم يخص به الباقين بوصفه بـأخي الحذق، وذلك لاشتهاره بهذه الثلاثة (بِالقُرْآنِ وَالنَّحْوِ وَالشِّعْرِ ) دون الباقين.

وجاء في (الصّحّاح في اللغة)
حَذَقَ الصبي القرآنَ والعملَ يَحْذِقُ حَذْقاً وحِذْقاً، وحَذاقَةً وحِذاقاً، إذا مَهَر فيه.
وحَذِقَ بالكسر حِذْقاً، لغة فيه.
ويقال لليوم الذي يَختِم فيه القرآن: هذا يوم حِذاقِهِ.
وفلانٌ في صنعته حاذِقٌ باذِقٌ، وهو إتباعٌ له.
وحَذَقْتُ الحبلَ أَحْذِقُهُ حَذْقاً: قطعته. والحاذِقُ: القاطعُ.

ونتابع ان شاء الله
 
ثم وصف من يريد أن يكون حاذقا كالكسائي أن يتحلى بصفة التجويد فقال:

(12) فَذُو الْحِذْقِ مُعْطٍ لِلْحُرُوفِ حُقُوقَهَا == إِذَا رَتَّلَ القُرْآنَ أَوْ كَانَ ذَا حَدْرِ

فالتجويد اعطاء الحروف حقها ومستحقها كما هو معلوم، لكن الخاقاني اشترط التجويد في كلا طرفي سرعة القراءة (الترتيل البطيء والحدر السريع) ولم يذكر الوسط(التدوير) إما لأنها داخلة في البطء لأنها ليست سريعة أو لأنها لم تكن متعارفة عندهم.

ولكنه يعود لتفضيل البطيئة(الترتيل) على السريعة(الحدر) فيقول:
(13) وَتَرْتِيلُنَا القُرْآنَ أَفْضَلُ لِلَّذِي == أُمِرْنَا بِهِ مِنْ مُكْثِنَا فِيهِ وَالفِكْرِ

وسبب التفضيل هو الأمر بالمكث في التلاوة والتفكر والتدبر، وهو ماذهب إليه بعض المحققين أن الترتيل هو مرتبة التحقيق مع التدبر .
وهذا لايعني منع وتحريم السرعة(الحدر) بل أوضح الجواز والترخيص لليسر الذي في الدين بقوله:
(14) وَمهما حَدَرْنَا دَرْسَنَا فَمُرَخَّصٌ == لَنَا فَيهِ إِذْ دِينُ الْعِبَادِ إِلَى الْيُسْرِ

اللهم يسّر ولا تعسر
 
(14) وَمهما حَدَرْنَا دَرْسَنَا فَمُرَخَّصٌ == لَنَا فَيهِ إِذْ دِينُ الْعِبَادِ إِلَى الْيُسْرِ

وهو لا يعني أن اليسر في الحدر والعسر في التحقيق بل يريد القول أن الدين فيه يسر على العباد بترخيص الحدر للضرورة الملحة أحياناً كما في التراويح أو الفوز بثواب كثرة التلاوة وختم المصحف خصوصا في رمضان مثلا أو في عرض التلاوة المتقنة – وليست عند المبتدئين- على شيخك في الدرس ، وغيرها.

وهنا نسأل ما معنى (الدرس) الذي حدرناه؟
الجواب جاء في لسان العرب:
((دَرَسْتُ الكتاب أَدْرُسُه دَرْساً أَي ذللته بكثرة القراءة حتى خَفَّ حفظه عليَّ، من ذلك؛
الدُّرْسَةُ الرِّياضَةُ، ومنه دَرَسْتُ السورةَ أَي حَفظتها
وفي الحديث: تَدارَسُوا القرآن؛ أَي اقرأُوه وتعهدوه لئلا تَنْسَوْهُ.))ا.ه
اذن المعنى: ومهما حدرنا التلاوة المقروءة المحفوظة ، فمرخص لنا فيه.
----------------
((15أَلَا فَاحْفَظُوا وَصْفِي لَكُمْ مَا اخْتَصَرْتُهُ***لِيَدْرِيَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمُ يَدْرِى

وهنا يحث رحمه الله – بقوله ألا - الذين يقرأون قصيدته من القراء على حفظ وصفه لهم.
ملاحظة: ان موضع كلمة (لكم) يكون بعد (اختصرته) أي: ألا فاحفظوا وصفي ما اختصرته لكم أيها القراء، ولكن الوزن اقتضى منه تقديمها.

وهنا قال(ما اختصرته) فهذه ال (ما) إما ان تكون :
شرطية فيكون المعنى : احفظوا وصفي لكم كلما اختصرته لكم، فكلما كان مختصرا سهل حفظه واستذكاره.
أو موصولة فيكون المعنى: احفظوا وصفي لكم وهو الذي اختصرته بلا إطناب ممل.

فما هو الهدف من هذا الوصف المختصر؟
ليعلمه غير العالم به لئلا يقول اني ما علمته وما دريت به.
 
نتابع بتوفيق الله جل جلاله
ملاحظة:
قد يقول قائل: هل يحتمل معنى (ما) النفي؟
أي احفظوا وصفي لم أختصره لكم بل أسهبت في شرحي وأطلت وزدت من التوضيح لإيصال المعلومة التجويدية بدقة؟
أرى أن هذا ينافي الترغيب في مواصلة الاطلاع على القصيدة لأنه سيبعث على الملل في نفس القارئ إذ توعّده الاستاذ بالاطناب والتطويل الذي لا ترتاح له النفس.

وما يساعد على استبعاد النفي انه حدد بعد ذلك بقية القصيدة بعدد من الابيات لا تسمح بتفصيل واف وكاف لكل اسرار الضبط اللفظي.

ويكمل الشيخ رحمه الله قصيدته قائلاً:
(16) فَفِي شَرْبَةٍ لَوْ كَانَ عِلْمِي سَقَيْتُكُمْ وَلَمْ أُخْفِ عَنْكُمْ ذَلِكَ الْعِلْمَ بِالذُّخْرِ

وهنا يبين حرصه وتلهفه على نقل المعلومة التجويدية لمتلقّيها وتفانيه في إيصالِها بحيث انه يتمنى لو أن علمه بشربة ماء لسقاها للمتلقي ارغبته الملحة بالإسراع في تبليغ ذلك العلم وقد يُنبئ هذا عن عدم جهوزية المتلقي واستعداده لحفظ وتطبيق هذا العلم.
وهذا يذكرني بقول علي رضي الله عنه: إن ههنا(وأشار إلى صدره) لعلماً جمّاً ، آه لو أجد له حفظة.

وبالنظر لعجز البيت قد يُفهم من كلامه الآتي:
لو كان علمي في شربة لسقيتكموه فأنا لا أخفي عنكم ذلك العلم ولا أبخل بهبته لكم أبدا، فهو قد خرج من مدّخراتي وأصبح في شربة بإناء وهبتها للظامئين لهذا العلم.

وكأن سامعه يقول: وما ذلك العلم شيخنا؟

نتابع بلطفه تعالى
 
وكأن سامعه يقول: وما ذلك العلم شيخنا؟
فبيّن فقال:

(17) فَقْد قُلْتُ فِي حُسْنِ الأدَاءِ قَصِيدَةً رَجَوْتُ إِلَهِي أَنْ يَحُطَّ بِهَا وِزْرِى
إنه علم التجويد (حسن الأداء) صاغه بقصيدة ، غايته ورجاءه من الله مغفرة ذنبه بصياغة تلك القصيدة.
ويكمل حديثه عن قصيدته فيحدد أبياتها بقوله:

(18) وَأَبْيَاتُهَا خَمْسُونَ بَيْتَاً وَوَاحِدٌ تَنَظَّمُ بَيْتَاً بَعْدَ بَيْتٍ عَلَى الإِثْرِ
ولعل تحديد عدد الابيات هو للخشية من اضافة أو حذف أي بيت منها من قبل النساخ.
وهذه الأبيات منتظمة احدها يتلو الآخر باتساق بلا غرابة بينها ولا نفور.

ولا أدري كيف بدأ الشيخ رحمه الله من الآن بتحديد نهاية قصيدته التي بقي منها 33بيتاً لأنه بهذا البيت قد أكمل 18 بيتاً؟
ويُحتمل أنه أكمل القصيدة خمسين بيتاً ثم أضاف هذا البيت في هذا الموضع بدقة واتساق عاليين لضبط عدد ابياتها.
 
ثم يطلب الناظم رحمه الله التوفيق في نظمه من الله تعالى فبه تعالى تُوفّق العباد لبلوغ مراميها، فقد قال عز وجل على لسان شعيب عليه السلام (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّـهِ) فقال:

(19) وَبِاللهِ تَوْفِيقِي وَأَجْرِي عَلَيْهِ فِي *** إِقَامَتِنَا إِعْرَابَ آيَاتِهِ الزُّهْرِ

وكلّه ثقة بأن الله سيؤجره وهو قد ساق كلام الأنبياء عليهم السلام (إن أجري إلا على الله)، والشيخ رحمه الله مطمئن لتحصيل الأجر من الله في تعليمه التلاوة لقوله مسبقاً :
أَيَا قَارِئَ القُرْآنِ أَحْسِنْ أَدَاءَهُ= = يُضَاعِفْ لَكَ اللهُ الجَزِيلَ مِنَ الْأَجْرِ

ولكن الأجر هنا على أمر آخر وهو إقامة إعراب آيات الله الزهر.
الإعراب ؟! انه امر جديد، فالقصيدة قد نُظمت في حسن التلاوة (إقامة التلاوة) لقوله مسبقاً:
(فَمَا كُلُّ مَنْ يَتْلُو الكِتَابَ يُقِيمُهُ).وهنا يأمرنا باقامة الاعراب فهو يأمرنا بتجنب اللحن الجلي المبطل للقراءة وثوابها بعدم مخالفة قواعد الاعراب التي جاء النص موافقا لها أو يحتملها.

وبهذه الاقامة يضاعف الله الجزيل الوافر من الأجر وبعكسه فلا أجر على القراءة لأنها قراءة نص لم يُنزله الله هكذا، بل يستحق القارئ الاثم العظيم في ذلك مع التعمد طبعاً.
 
جزاكم الله خيرا دكتورنا الكريم : كريم :)
((15أَلَا فَاحْفَظُوا وَصْفِي لَكُمْ مَا اخْتَصَرْتُهُ
***لِيَدْرِيَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمُ يَدْرِى
(16) فَفِي شَرْبَةٍ لَوْ كَانَ عِلْمِي سَقَيْتُكُمْ وَلَمْ أُخْفِ عَنْكُمْ ذَلِكَ الْعِلْمَ بِالذُّخْرِ
لعل سياق هذين البيتين في يسر نشر العلم ، وتيسيره على طالبه ، وليس مجرد الإسراع فقط ، أو كونه لا يخفيه ولا يبخل به .
أي احفظوا وصفي لكم الذي اختصرته تيسيرا وتسهيلا ليدريه من لم يكن منكم على قدر من الدراية الكافية .
ثم عقب فقال : أن لو كان علمه شربة ماء لأسقاه طالبه ؛ رفعا للمشقة ، وتيسيرا على المبتدئ ، وهو بذلك يبين منهجه في منظومته ، بأنه سينتهج اليسر قدر المستطاع ، ويبتعد عن الغموض والتكلف ..
عذرا تطفلي بهذه المشاركة :) :)
 
وهو بذلك يبين منهجه في منظومته ، بأنه سينتهج اليسر قدر المستطاع ، ويبتعد عن الغموض والتكلف ..

بارك الله بكم شيخنا الدمياطي احمد نجاح
سررتنا والله بمشاركتكم التي أضافت معنى جديدا وهو اليُسر الذي يتمناه رحمه الله والذي ينفي معنى النفي ل(ما اختصرته) بل ويوافق الاختصار الذي انتهجه سبيلا لايصال المعلومة التجويدية.

كما ان اليسر في شرب الشربة أكثر من مضع وبلع اللقمة مثلا ولذا فهو قد تمنى جعل علمه في شربة لا غيرها زيادة في اليسر الذي أكده في ابياته السابقة(اذ دين العباد الى اليسر).

أجدد شكري لكم شيخنا يسّر الله لك ما عَسُر عليك.
 
نتابع ما بدأناه:

(20) وَمَنْ يُقِمِ القُرْآنَ كَالْقِدْحِ فَلْيَكُنْ *** مُطِيعاً لأمْرِ اللهِ فِي السِّرِ وَالْجَهْرِ

جاء في لسان العرب:
والقِدْحُ، بالكسر: السهمُ قبل أَن يُنَصَّلَ ويُراشَ
والقَدْحُ: قَدْحُك بالزَّنْد وبالقَدَّاح لتُورِيَ
وفي الحديث: أَن عمر كان يُقَوِّمُهم في الصف كما يُقَوِّمُ القَدَّاحُ القِدْحَ؛
وفي الحديث: إِنه كان يُسَوِّي الصفوف حتى يَدَعها مثل القِدْحِ أَو الرَّقِيمِ أَي مثل السهم أَو سَطْرِ الكتابة.
وحديث أَبي هريرة: فَشَرِبْتُ حتى استوى بطني فصار كالقِدْح أَي انتصبَ بما حصل فيه من اللبن وصار كالسهم، بعد أَن كان لَصِقَ بظهره من الخُلُوِّ.
نحن امام احتمالين للمعنى المراد:

1-المعنى الأول: أن مَن يُقم القرآن مبالَغاً في دقّتِهِ فيكون كالقِدح – أي يصبح كالسهم ، أو كالقَدح الموري للإنارة - عند ذلك وبعد بلوغه هذا المستوى من الدقة يجب عليه أن يكون قدوة في الطاعة لله سرّاً وعلناً لما يترتب على عصيانه من آثارٍ وضعيّةٍ دنيوية وأخروية وفسادٍ لمحبيه وتلاميذه وللرعيةِ المقتدين بفعلِه.

ولكن لا يعني بالضرورة أن من لم يبلغ مبلغ مستوى القدح لا يجب عليه أن يكون مطيعا، وان الطاعة مقتصرة على البالغين مرتبة القدح فمن لم يبلغها فهو غير مكلف بالطاعة .

كلا، بل نفهم أن المبالغة في الأداء واقامة القرآن العالية المستوى –كالقدح- تحتّم أن يكون في غاية الامتثال لأوامر الله ونواهيه فكلما ترقّى في مراتب العلوم القرآنية الأدائية كان ذنب عصيانه عظيما ، فكما قيل : ذنب العالِمِ كالعالَم.

2-المعنى الثاني: أن مَن يقم القرآن أي اقامة كانت، فعليه أن يكون مطيعاً لأمر الله كالقِدح.
ولعل هذا هو الأقرب عندي ، فان مجرد الاشتغال بهذا الميدان يجعله بعين الناس ممثلاً لفرد من عائلة القرآن (آل الله) فعليه أن يراقب نفسه جيدا في السر والعلن.
 
(21) أَلاَ اعْلَمْ أَخِي أَنَّ الفَصَاحَةَ زَيَّنَتْ *** تِلاوَةَ تَالٍ أَدْمَنَ الدَّرْسَ لِلذِّكْرِ

ان التلاوة من قاريءٍ داوم عليها حفظاً ودرساً تحتاج إلى كمالٍ وزينةٍ وهذه الزينة الـمـُحسّنة هي الفصاحة
ولأهمّيتها استهلّ بيته بِحَثّ شديد بفعل أمرٍ مصحوبٍ بتواضعٍ أخوي بقوله (ألا اعلم أخي ....)

وجاء في لسان العرب:
((الفَصاحةُ: البَيان؛ والفَصِيحُ في اللغة: المنطلق اللسان في القول الذي يَعْرف جَيِّدَ الكلام من رديئه))

وفي (الصّحّاح في اللغة)
((رجلٌ فصيحٌ وكلامٌ فصيحٌ، أي بليغٌ. ولسانٌ فصيحٌ، أي طلقٌ. ويقال: كلُّ ناطقٍ فصيح، وما لا ينطِقُ فهو أعجمُ. وفَصُحَ العَجَمِيٌّ بالضم فَصاحَةً: جادت لغته حتَّى لا يَلْحَنَ.))

اذن نفهم أن الادمان في الدرس في تلاوة الذكر وحده لا يكفي بل يحتاج إلى زينة وهي الفصاحة والبيان التي هي هبة من الله لعبده كالصوت الجميل.

ويعني هذا أن الفصيح بالاصل -كالذي يعيش في بيئة فصيحة- قادر على اداء التلاوة بيسر ووقت قصير، لا كغيره من الذين يحتاجون لوقت طويل طويل جدا كي يصل إلى مستوى الاداء المتقن الفصيح.
 
(22) إِذَا مَا تَلا التَّالِي أَرَقَّ لِسَانَهُ ***وَأَذْهَبَ بِالإِدْمَاِن عَنْهُ أَذَى الصَّدْرِ

جاء في (لسان العرب)
(الرَّقِيقُ: نقيض الغَلِيظ والثَّخِينِ. والرِّقَّةُ: ضدُّ الغِلَظ؛ وأَرَقَّ الشيءَ ورَقَّقه: جعله رقيقاً.)

وهنا يقرر رحمه الله نتيجتين أو أثرين للتلاوة احدهما طبعي والآخر صحي:
فاما الأثر الطبعي فهو يؤكد أن التالي إذا تلا أرقَّ لسانه ، فجعل رقة اللسان نتيجة للتلاوة، فكلما أكثر من تلاوة القرآن وداوم عليها تناغمت تقلصات لسانه وتناسقت حركاته في الفم فينطلق بيسر إلى موضع الحرف والذي يليه وبذلك يبتعد عن الغلظة وعم التناسق في فعالياته التي كان عليها.

واما الأثر الثاني الصحي فهو ذهاب أذى الصدر بإدمان التلاوة، لما لها من أثر في تعميق الشهيق وزيادة أخذ الأوكسجين برتابة كالمتمرن على الركض مثلا وهذا يساعد على التخلص من البلغم وافرازات الرئتين الذي سماها بأذى الصدر.

ويحتمل أن يكون معنى أذى الصدر هو الدرن الخُلُقي وبالتلاوة لآيات الله يكون قد أذهب الضيق النفسي وزاد من سعة صدره وبشاشته.

ويحتمل أن يكون المعنى (إذا تلا التالي فعليه أن يرقق لسانه، وعليه أيضا أن يداوم على التلاوة فبها ذهاب أذى الصدر).
 
ونكمل برعاية الله:

(23) فَأَوَّلُ عِلْمِ الذِّكْرِ إِتْقانُ حِفْظِهِ *** وَمَعْرِفَةٌ بِاللَّحْنِ مِنْ فِيكَ إِذْ يَجْرِي
أول الشيء بدايته ، والعلم هو المعرفة والذكر هو القرآن.
وهنا يحدد الخاقاني رحمه الله أوليّات ما على القارئ أن يطلبه من المعارف القرآنية وهما شيئان:

  1. إتقان الحفظ ، اذن فهو فهو لا يطلب الحفظ فقط بل اتقانه.
  2. معرفة اللحن الذي يرتكبه القارئ بجريانه من فمه، أي ليس المهم فقط أن تعرف ما يلحن به الآخرون بل أن تعرف ما تلحن أنت وما يصدر من فيك.
ثم يحدد الهدف من معرفة اللحن وهي:
(24) فَكُنْ عَارِفاً بِاللَّحْنِ كَيْمَا تُزِيلَهُ *** فَمَا لِلذِي لا يَعْرِفُ الَّلحْنَ مِنْ عُذْرِ
اذن فالغاية من معرفتك باللحن هو ازالته وتلافيه، ولهذا فهو رحمه الله يأمرك ايها القارئ- يا من تمتثل لنصائحه في قصيدته- بمعرفة اللحن لتتجنب ارتكابه.
ولا تظن ايها القارئ أنك بجهلك للّحن معذور، فانما يُعذر غيرك من العوام الذين لا يُتوقع منهم الاستماع لنصائح ومحاذير الشيخ رحمه الله.
ويستتبع عدم معذرية القارئ إثمه بتركه تحصيل العلم باللحن.

يتبع بعونه تعالى
 
نستمر بعون الله:
(25) فَإِنْ أَنْتَ حَقَّقْتَ القِرَاءَةَ فَاحْذَرِ الزْ *** زِيَادَةَ فِيها وَاسْأَلِ الْعَوْنَ ذَا الْقَهْرِ

(أنت) ضمير المخاطب .
للمرة الاولى والوحيدة يستعمل هذا الضمير واعتقد أن الوزن ألجأه لاستخدامه لان تاء المخاطب في(حقّقتَ) تغنيه عنه، أو لشد انتباه القارئ الموجه له التوجيهات النحوية من حريص على ايصالها بسرعة ويسر.

يقول رحمه الله: إن حقّقت القراءة فعليك بأمرين:

  1. الحذر من الزِيَادَةَ فِيها
  2. طلب الْعَوْن من الله القاهر والمذلل لكل المصاعب والاهوال.

فماذا يعني بتحقيق القراءة التي أن فعلها القارئ نفّذ الأمرين السابقين؟؟
القراءة هي قراءة القرآن أي تلاوته ، حقّقتَ من التحقيق ،
وجاء في معجم المعاني الجامع:
(( حَقّقَ الأمرَ : أثبته صَدَّقه ، حقَّق الأمرَ : أرساه ، جعله واقعًا ، حَقّقَ الشيءَ والأمرَ : أَحْكمه
حَقق الثوب : أحكم نَسْجَه ، كلام مُحَقَّق : مُحْكَمُ الصَّنعةِ رَصِين ، حقَّق في الأمر : بحث فيه ودقَّق))

اذن إذا أحكمت ودققت القراءة برصانة فعليك أن تحذر من الزيادة فيها وعليك طلب العون من الله.
والحقيقة انه لا تحصل عدم الزيادة(الضبط والاتقان والدقة والإحكام والرصانة) والاستعانة بالقاهر، بتحقيق القراءة لان تحقيقها وإحكامها برصانة ودقة هي نتيجة للاستعانة والضبط.

وهذا يذكرنا بالآية٩٨ من سورة النحل: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ فهل نحن نقوم بالاستعاذة بعد قراءة القرآن؟! اذن المعنى إذا أردت أن تقرأ القرآن فعليك بالاستعاذة أولاً.

اذن فيكون المعنى : إذا ابتغيت التحقيق في القراءة أي الإحكام والدقة والرصانة فاحذر الزيادة واطلب العون من الله على ذلك، أو ، فاستعن بالله لتتجنب الزيادة تحقيقاً للدقة في القراءة.

وقد يكون المقصود بالتحقيق مرتبة السرعة البطيئة التي ينتهجها المبتدؤون لإبراز الجوانب الصوتية واضحةً في الاداء. وسيأتي في البيت 27 ما يؤيد هذا الرأي.
 
(26) زِنِ الْحَرْفَ لا تُخْرِجْهُ عَنْ حَدِّ وَزْنِهِ *** فَوَزْنُ حُرُوفِ الذِّكْرِ مِنْ أَفْضَلِ الْبِرِّ

جاء في المعجم الوسيط :
((الحَرْف من كلِّ شيءٍ : طرفه وجانبه .
ويُقال : فلان على حَرْفٍ من أَمره : ناحية منه إِذا رأَى شيئاً لا يعجبه عَدَلَ عنه .
و الحَرْف كلُّ واحدٍ من حُروف المبَاني او المباني.
و الحَرْف الكلمةُ .
يقال : هذا الحرفُ ليس في لسانِ العَرب .
و الحَرْف اللُّغة واللَّهجة .
و الحَرْف الطريقة ، والوجه .))

والمقصود هنا هو الحرف القرآني المكون للكلمة القرآنية بدليل قوله: حروف الذكر.

وليس وزن الحرف قيمة كتلته بوحدات الغرام والكيلوغرام والطن وغيره بلا شك، اذن فوزن الحرف هو قيمته الزمنية وحدوده المخرجية وميزاته المعتبرة، فوزنك بين الناس منزلتك وقيمتك المجتمعية بقدر ما تقدمه -فقيمة كل امرئ ما يحسنه- وعندما تضع شيئا في كفة ميزان وتقدر وزنه يجب ان لا يفقد من وزنه شيئا في أي ميزان آخر بنفس الظروف.

وفي هذا البيت يأمر الناظم رحمه الله بأن تزن الحرف وبنفس الوقت يأمرك ان تحافظ على وزنه بان لا تزحزحه وتخرجه من حدود وزنه وقياساته. فلماذا؟

الجواب لأن وزن حروف الذكر(أي القيام بوزنها) من أفضل البر، فأفضل وأشرف الكلام كلام الأفضل والأشرف، وكما قيل : كلام الإمام إمام الكلام.
 
ونستمر بعون الله وإن تأخرنا فنقول:


(27) وَحُكْمُكَ بِالتَّحْقِيقِ إِنْ كُنْتَ آخِذاً *** عَلَى أَحَدٍ أَنْ لَا تَزِيدَ عَلَى عَشْرِ

بعد ان علمنا ان مرتبتي التلاوة عند الخاقاني هي البطء(التحقيق) والحدر(الأقل بطءاً)، نراه يوصي بعدم الزيادة على العشر أي 10 آيات إذا أخذت بالتعلم على احد.(ولا يعقل ان يكون المعنى 10 كلمات ولا 10 ساعات او دقائق). ويبدو ان العشرة في اليوم الواحد او الجلسة الواحدة التي قد تتكرر في نفس اليوم حسب المستطاع.

وهذا يعني ان التلاوة (المفردة) بلا أخذ على أحد غير مشروطة بالعشر او اقل او اكثر لأنه ليس مقام تعليم.
اما بمقام التعليم وهو الاخذ فيجب الالتزام بالكمية القليلة المناسبة الداعية لعدم الملل للطالب والاستاذ (الآخذ والمأخوذ عنه).

لكن السؤال يثار هنا : هل العشر آيات من الايات الطويلة او المتوسطة ام القصيرة فقد ترى في المصحف خليطا من هذه وتلك، ورب 10 آيات تقع في بضع اسطر وقد تكون في صفحة او اكثر(هذا في مصاحفنا اليوم ولعلها في مصاحف الأمس كانت اكثر حتما لخشونة الخط ).

وقد ورد في الاثر الاقتصار على عشر آيات في مقام التفسير والتطبيق إذ لم يكن الصحابة أو التابعين رضي الله عنهم يومئذ بحاجة إلى تعلم التلفظ الفصيح فهم فصحاء الدهر بلا منازع.

أقول لعل اليوم عشرة أسطر او حواليها للجلسة الواحدة فيها حل وسط للمبتدئين المتوسطين أما البليدين فسطر واحد عليهم كثير.

والفكرة النهائية من الحكم الذي قضى به الخاقاني رحمه الله على المعلمين والمتعلمين صنعة الأداء هو التأني والبطء، وان اختياره العشر اصابة للسنة وتأسياً بها ولا أرى بها إلزاماً شرعياً او فنيّاً.

ولم يذكر المرتبة السريعة ومقدار المأخوذ فيها إذ يبدو انه لا يقبلها في مقام التعليم وبلا شك هذا هو الرأي الصائب.
 
(28) فَبَيِّنْ إِذَنْ مَا يَنْبَغِي أَنْ تُبِينَهُ *** وَأَدْغِمْ وَأَخْفِ الحَرْفَ في غَيْرِ مَا عُسْرِ

أول ما أثارني في هذا البيت كلمة(تبينهُ) فهاؤها عروضياً يجب ان تكون ساكنة(تبينهْ) فآخر تفعيلة الصدر مفاعلن، وقد تجوز لضرورة مستكرهة جدا ولا يليق هذا الفرض مع ناظم محترف أبحر في بحر الطويل المتلاطم لا الرجز المعروف بمطية الشعراء.

أقول لعلها(تبينَنْ) بنون توكيد خفيفة وصحّفت ؟

المهم ان الخاقاني رحمه الله ابتدأ بـ(فاء) ثم فعل الامر (بيّنْ) ثم كلمة(إذن) وكأنه يريد ان يقول : بما انك اخترت التحقيق مرتبة للتلاوة التعلّمية إذن فبيّنْ كذا وكذاوووو.

اذن في مرتبة التحقيق البطيئة تكمن أعلى درجات الضبط الأدائي وتُجلى كل عيوب النطق المخفية في الحدر.

ولاحظ ان امر التبيين أي الإظهار يكون في ما يجب اظهاره فالاظهار هو الاصل في نطق الحروف ما لم يلاقها من البلاءات ما يجعلها تدغم او تخفى.

ان الناظم يطلب ان يقوم المتعلم بالتبيين والادغام والاخفاء بلا عسر أي بيسر ، وهذا يعني ان من عادة المتعلمين فعل ذلك بتكلف وعسر لا يستوجبه المقام، ولهذا حذّر منه رحمه الله.
ملاحظة1: ان (ما) في (غير ما عسر) زائدة للوزن.
ملاحظة2: من احب ان يعرف معاني الإظهار والادغام والاخفاء لغة واصطلاحا وأداءً فليطلبها في مظانها .
 
(29) وَإِنَّ الَّذِي تُخْفِيهِ لَيْسَ بِمُدْغَمٍ *** وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ فَفَرِّقْةُ بِاليُسْرِ

(الذي) هنا تعود على الحرف او الصوت اللغوي وهو يعني الحرف القرآني.
وهنا يطلب رحمه الله ان نفرق بين المخفى والمدغم(اللامـُظهَر) باليسر ، لماذا؟
لأن بينهما فرقاً، ولأن البعض يفرّق بعسر.
جيد جدا، المخفى ليس مدغما وليس مظهرا ايضا ، فلماذا لم يطلب التفريق بين المخفى والمظهر؟،
لان الفرق بين (كل من المخفى والمدغم) وبين المظهر واضح اشد الوضوح فكلاهما يعني اللاظهور بعضاً او كُلاًّ.

ولهذا سألت نفسي: بالطبع ان المخفى ليس مدغما وهل في هذا خلاف؟وطبعا بينهما فرق، فما وجه الأمر به؟
كأني أراه – وفي بداية نضوج المصطلحات التجويدية – يريد ان يحذر من فهم مغلوط للاخفاء وهو جعل الشيء خافياً غائباً منعدماً ساقطاً لاوجود له، وليس هو كذلك.
وكأني أرى بكلمة (تخفيه) أي تقوم انت بعملية الإخفاء للمظهر أي تستر ظاهر الشيء ولا تمنع رائحته من التضوع، كقارورة العطر أراها(جسما) وأشم رائحتها(روحاً) فهي مظهرة ، وما ان تجعلها خلف ستار يُذهب عني صورتها ولكن يهبّ علي عطرها. والجسم والصورة ذات الحرف والعطر صفته.

وكأنه يقول ان الحرف الذي ليس بمدغم ظاهرٌ بكل محاسنه الخارجية (الصفات) ولبّه الداخلي(المخرج)، وهو غير المخفى الذي يفقد لبه وجوهره الداخلي(المخرج) ويحافظ على محاسنه الصفاتية.
ومثاله الطاء عند التاء في أحطت والنون عند التاء في كنتم ومثلهما كثير.

ويصطلح ايضا على الإخفاء تقليل زمن اظهار الحركة فمن يقطع بحركته خطوة سيجعلها بالاخفاء شبرا وبذلك يختلس زمن تحركه لذا فان سرعة نطقه تزداد بطوي المسافة بزمن أقصر.
أو قد يعني بها فتور بقوة الظهور أي انخفاض بنبرة وذبذبة صوت الحركة، ثم العود إلى المستوى الطبيعي.

اما المدغَم فلا وجود له بل يتخلى عن هويته وينضوي تحت راية المدغم فيه ويلوذ بحماه ويتزيّى بزيّه ويتلوّن بلونه ويصرخ بصوته وذلك بعد أن تسكن جوارحه فلا يعود لموضعه الاول ، أي ان مضيفه(المدغم فيه) لا يكلف نفسه وضع عضوي نطقه بمحلهما بل يستكفي بقيام ضيفه بذلك وهو يقوم بعملية الانفلات من المخرج ساعياً بحركته الجديدة.
فيصبح الصوت صوتان صوت الضيف الساكن وصوت المضيّف المتحرك وذلك هو التضعيف او التشديد.
ومثال الادغام في التام لامٌ بلامٍ ، وفي الناقص النون في الواو.

فان قيل أليس الإدغام الناقص بهذا الموضع هو اخفاء بعينه إذ ذهب جسم النون وبقيت روحها الغنّية، قلنا أن هنا روحاً (غنة) وسط جسد جديد(الواو) حلت فيه إذ نسمع الغنة والشفتين مستديرتين بوضع الواو الساكنة وهذا ما لا يحصل في الإخفاء إذ تظهر الروح(الصفة) ولا وجود لصوت الحرف التالي وما إن تلفظ أنفاسها الأخيرة وتقضي الصفة نحبها ينطلق الحرف التالي روحا وجسداً ، وعلى هذا قس غيره.
 
ونتواصل باذن الله:
(30) وقُلْ إِنَّ تَسْكينَ الحُرُوفِ بِجَزْمِهَا *** وَتَحْريكَهَا بِالرَّفْعِ والنَّصْبِ وَالْجَرِّ

الصحيح هو: إن تسكينَ الحروفِ وتحريكَها(بفتح كاف تحريكها فهي معطوفة على تسكين المفتوحة، والعجب ان بعضهم طبعها بالكسر عطفاً على جزمِها).

هنا صرخ بنا الناظم رحمه الله قائلا:
وقل وردّد وقرّ واعترف وسلّم معي ايها القارئ ان التسكين للحروف بالجزم، والتحريك لها بـكذا وكذا.
لا أدري أيُّنا لا يعرف ذلك وما علاقته بالاداء ؟ فهذه مهمة النحو وقد كُفينا مؤونتها.
كلا ياعزيزي أتذكر عندما أمرنا في بداية القصيدة باعراب القرآن ،

انها مقدمة اعترافية منه ومنا لإلزامنا بنتيجة رائعة تؤسس لقاعدة صوتية ترتكز عليها معارفنا الادائية وهي عدم تحريك الساكن ولا تسكين المتحرك ولا تلاعب بالحركات لان الحركات منها الخالص ومنها المشوب بغيره كما هو معلوم عندنا.

وعندما سلّمنا معه بما قال، قال في البيت التالي:
(31) فَحَرِّكْ وَسَكِّنْ وَاقْطَعَنْ تَارَةً وَصِلْ *** وَمَكِّنْ ومَيِّزْ بَيْنَ مَدِّكَ وَالْقَصْرِ
الفاء الاستنتاجية هنا يتبعها أمر، ماهو؟
 
(31) فَحَرِّكْ وَسَكِّنْ وَاقْطَعَنْ تَارَةً وَصِلْ *** وَمَكِّنْ ومَيِّزْ بَيْنَ مَدِّكَ وَالْقَصْرِ
الفاء الاستنتاجية هنا يتبعها أمر، ماهو؟

حرّكْ: حرّكْ ما لاسكون فيه بحركته المقررة ، إلا اللهم بوقف عليه، ويعود بالوصل متحركا.

سكّن: سكّن مالا حركة له، بالاصل او بالعروض، وكل من التحريك والتسكين بالحفاظ على المظاهر الصوتية المميزة والمحسنة للحرف.
واقطع:
وليس هنا المعنى قطع التلاوة وانهائها واغلاق المصحف، بل يعني الفصل بالوقف مرة والوصل أخرى، واظن ان امره بالتحريك والتسكين لما يقبلهما وقفا ووصلا(وليس الساكن دوما) لمزيد من الذربة الفائقة على اداء كل الكيفيات الوصلية والوقفية ، أي يريد القول انك يجب ان تتقن لفظ كل كلمة بكل حروفها محركة وساكنة وكيف تصلها بما قبلها وبما بعدها وكيف تبدأ بها وكيف تقف عليها وفي كل ذلك تراعي صفات الحرف لازمها وعارضها.

ولعله يقصد القطع والوصل في علم الرسم، الله العالم.

ومكّن: أعط زمن الحرف الرخو زمنَ رخاوته ولا تبخسه حق زمن رخاوته(مديا الحرف كان ام غير مدي) والتمكين في المدي أظهر لليونته الفائقة.
وميّز:
أمَرَكَ أيها القارئ بالتمييز والتفريق بين مدك(بكاف الخطاب) فهو فعلك وتلفظك انت لاغيرك، والمد عكس القصر ومعانيهما معروفة.
 
(32) وما المَـدُّ إلاّ في ثلاثــةِ أحـــــرُفٍ *** تُسَمَّى حروفَ اللِّينِ باح بها ذِكْـرِى

هنا حصر المد بثلاثة حروف فقط ، ويظهر ان تسميتها بحروف اللين سابقة لأوان كتابة القصيدة إذ ليس هو من سمّاها بذلك - فأهل اللغة (وليس النحويون) قد اتفقوا على هذه التسمية - وباح بها(أظهرها) ذكره لها. فما هي هذه الثلاثة؟ قال:

(33) هي الألِفُ المعروفُ فيها سكونـــُها *** وياءٌ وواوٌ يَسكُنانِ معاً فَــادْرِ

الألف الساكنة التي لا يحتاج قول (ساكنة) لها لأنها لا تقبل الحركة مطلقا ولا تقبل بمجيء حركة قبلها إلا الفتحة، وهذا معروف ومسلّم به ولا يختلف عليه اثنان.
اما الياء والواو الساكنان فلأنهما يُحركان ويسكنان خصّهما بقوله (يسكنان معاً) ، والساكنان منهما إن سُبقا بحركة من جنسهما – الضمة قبل الواو الساكنة والكسرة قبل الياء الساكنة - فهما المديتان ، وان سبقا بالفتح فهما اللينتان ، اذن فهو لم يخصص الياء والواو المدية بالمد، بل شمل اللينة ايضاً.
وكلاهما قابلتان لزيادة الصوت - حتى مطلع الفجر -، والمد العارض للوقف ومد اللين المهموز عند ورش دليل قابلية الزيادة بأصولها المقررة.

ثم يختم البيت بقوله (فادرِ) أي فاعلم ذلك وهذه الدراية تلزمك بقوانين صوتية لا ينبغي ان تكون جاهلاً بها فتُفاجأ عندما تصطدم بها.
 
السلام عليكم
متى تكملون هذا الشرح المبارك ، بارك الله فيكم .
 
اما الياء والواو الساكنان فلأنهما يُحركان ويسكنان خصّهما بقوله (يسكنان معاً) ، والساكنان منهما إن سُبقا بحركة من جنسهما – الضمة قبل الواو الساكنة والكسرة قبل الياء الساكنة - فهما المديتان ، وان سبقا بالفتح فهما اللينتان ، اذن فهو لم يخصص الياء والواو المدية بالمد، بل شمل اللينة ايضاً.
وكلاهما قابلتان لزيادة الصوت - حتى مطلع الفجر -، والمد العارض للوقف ومد اللين المهموز عند ورش دليل قابلية الزيادة بأصولها المقررة.
بارك الله فيكم يا استاذنا الحبيب واسمح لي بسؤال
هل يتحول حرفا اللين الى حرفا مد بزيادة مدهم فقد صرح سيبويه أن لا خلاف بين الواوين والياءين وقال لي أحد شيوخي أن حرف الين بذاته أي بدون زيادة لا مد فيه ولكن فقط زمن رخاوته أما إذا مد بمقدار (6,4,2)فإنه يتحول من مخرج اللين إلى مخرج المد ؟
 
السلام عليكم
متى تكملون هذا الشرح المبارك ، بارك الله فيكم .
بعني وقتاً فأشتريه منك.
ملاحظة: حتى لو اكتمل الشرح فسوف لن يعد كتابا يُشار اليه في الرسائل الجامعية لانه لن يصدر من دار نشر.
دعواتك لاتمامه على الاقل في الملتقى.
 
هل يتحول حرفا اللين الى حرفا مد بزيادة مدهم فقد صرح سيبويه أن لا خلاف بين الواوين والياءين وقال لي أحد شيوخي أن حرف الين بذاته أي بدون زيادة لا مد فيه ولكن فقط زمن رخاوته أما إذا مد بمقدار (6,4,2)فإنه يتحول من مخرج اللين إلى مخرج المد ؟
عزيزي الشيخ حسن باسل بارك الله بك:
حرفا اللين(و ي قبلهما فتح) في وسط الكلمة وليس بعدهما ما يسكن بالوقف، لهما زمن رخاوتهما - كما تفضلت - او كما قيل: لامد فيهما او فيهما بعض مد، ولا سبب لزيادة مدهما.

اما مد اللين العارض للسكون او مد اللين المهموز فقد توفر سبب لقبول الزيادة ، والمهم ان الرواية جاءت بذلك.
اما تحول المخرج فلا اذهب اليه والفارق عندي هو اختلاف الحركة قبل الحرف فالمدي يسمى بالحركة الطويلة فهي مط لكسرة او ضمة او فتحة. واللين لم يسبق بحركة من جنسه والا فالمخرج واحد.
توضيح: مخرج الضمة(الحركة القصيرة او الصائت القصير)هو عينه مخرج الواو المدية(الحركة الطويلة او الصائت الطويل)
اما اللينة فمخرج الفتحة هو مخرج الالف ثم مخرج الياء الساكنة او الواو الساكنة، وهما مخرجان مختلفان.

هذا رأيي.
المهم ان الخاقاني رحمه الله لم يخص بنظمه المد باحدهما دون الاخر .
 
جزاكم الله خيرا لو كان عندي زيادة لأهديته لك إن كان بمقدوري، أسأل الله أن يبارك في وقتكم وعلمكم وعملكم ، ويوفقكم لك خير
 
نكمل بعون الله تعالى

(34) وخَفَّفْ وثَقِّلْ واشْدُدِ الفَكَّ عامـــداً *** ولا تُفْرطَنْ في فَتْحكَ الحرفَ والكســـــرِ

خفّف: من التخفيف أي حركة الحرف بلا سكونه عكس الثقل وهو التشديد حتماً ، وثقّل: عُرف معناه بمعرفة ضده. أي خفف ما يخفف وشدد ما يشدد بلا تجاوز واستخفاف بحدهما وحقهما في نفس القراءة للقارئ المعين.

وقد يكون المعنى خفف ما يخففه القارئ الفلاني في كلمة معينة ، وثقل ما يثقله القارئ الآخر بنفس الكلمة. مثل: إنْ إنَّ ، جبلاً جبلًّا وغيرها.
(واشدد الفك عامداً): رب حرفين منفكين منفصلين يدغمان بشَدة ، مثل: تأمنُنا تأمنّا ، او يرتدِدْ يرتدَّ.
وانت تفعل ذلك قاصدا له لا بعشوائية مراعاة للثابت رواية ونقلا.

ثم يأمر رحمه الله بأمر تستسيغه العوام بل وتتلذذ بفعله وهو التمطيط والافراط في مد صوت الحركة ليتولد منها حرفها المدي وصلاً مثل: الحمدو للاهي ، إيّاكا نعبدو.

ولا يُفهم من اقتصاره على ذكر الفتح والكسر عدم شمول الضم، فذلك للتمثيل فقط، علماً ان عجز البيت في نسخة: ولا تفرطن في الفتح والضم والكسرِ.
 
المهم ان الخاقاني رحمه الله لم يخص بنظمه المد باحدهما دون الاخر .
ظني والله أعلم أن الخاقاني رحمه الله لم يفرق بين اللين والمد بما هو متعارف عليه الان ، فقوله : اللين يقصد به حروف المد عموما ، وليس حرفا اللين كما هو معروف ، ودليله في الأبيات واضح بما لا يحتاج إلى بيان !
 
(35) وما كانَ مهموزاً فكن هامِزاً لــه *** ولا تهْمِزَنْ ما كانَ يَخفَى لدى الــنَّبْر

ويستمر رحمه الله بوصاياه وأوامره لتلاميذه ومريديه ومستمعي نصائحه(وهي مطاعة حتماً) بواو العطف.

وهنا يقول : خذوا حذركم في أداء لفظ الهمز فالكلمة المهموزة – اينما كانت همزتها – وهمزتها صلدة فولاذية لا تقبل التسهيل او الابدال او الحذف فإياك ان تستخف بتحقيق همزها ، فقال: كن هامزاً .

وأكد في عجز البيت على ترك تحقيق الهمز في مواضع الاعلال، أي انه يقول بنفس الوقت إياك ان تهمز وتحقق ما حقه الخفاء عند همزه ونبره.

وفي نسخة : ( وَ لَا تَهْمِزَنْ مَا كَانَ لَـحْنًا لَدَى النَّبرِ ) أي ما كان يُعدُّ لحناً لدى النبر، كلٌ على اصله وروايته، فالهمزة الثانية في (أأعجمي) محققة عند شعبة مسهلة أو مبدلة عند غيره.
 
(36) وإنْ تكُ قبل الياءِ والواو فتحـةٌ *** وبعدَهما هَمزٌ همزْتَ على قَـــــدْرِ

بالطبع يقصد بالياء والياء هنا الساكنة المسبوقة بفتح أي اللينة، فاذا تبعها همز يأمرك الخاقاني هنا –حسب النص – بفعلٍ غريب وهو الهمز على قدر.
ولا ادري هل يختلف القيام بالهمز للهمزة عند مجيئها بعد ياء او واو لينة او أي حرف آخر؟

ثم هل هناك قدر زمني للهمز يُتفاوت في أدائه بين القراء؟ حيث ان الهمزة حرف شديد لا رخاوة فيه.

والأصح في نظري انه قال( مددتَ ) وصحفت.
ويكون معنى المد هنا:
1-ما يُمد عند ورش وذاك هو اللين المهموز الموصول، وقدره الطبيعي أو التوسط او الاشباع،
2-او انه يقصد الهمز الساكن – الموقوف عليه – المسبوق بحرف لين، والمد هنا للكل بالقصر والتوسط والاشباع.
3-او قدر المد او المكث على حرف اللين الرخو زمن رخاوته ، وليس بعده سكون.

لعل الاخوة الا عزاء عندهم راي اوتعليق ... انتظر
 
1-ما يُمد عند ورش وذاك هو اللين المهموز الموصول، وقدره الطبيعي أو التوسط او الاشباع،
من طريق الشاطبية قدره دائر بين التوسط والإشباع، إلا في كلمة سوءات فالخلاف دائر بين القصر والتوسط.
 
لعل المقصود بـ"همزت على قدر" أي همزت دون تشديد للهمز كما قال السخاوي رحمه الله:
أو أنْ تُشدِّدَ بعد مدٍّ همزةً * أوْ أنْ تَلُوكَ الحرفَ كالسّكْرانِ
أو أن تَفُوهَ بهمزةِ مُتَهوِّعاً * فَيَفِرَّ سامعُها من الغَثيان
 
من طريق الشاطبية قدره دائر بين التوسط والإشباع، إلا في كلمة سوءات فالخلاف دائر بين القصر والتوسط.
شكرا جزيلا شيخنا العزيز سمير عمرعلى مشاركتك اياي مائدة الخاقاني الشعرية.
انما عنيت بالطبيعي ما استثني في موئلا و الموءودة او مافيها الخلاف في سؤءة واخواتها.
ولست في صدد تعدد الاوجه ، المهم انه حرف لين بعده همز فيه مد طويل او مد ما باصوله المقررة.
 
لعل المقصود بـ"همزت على قدر" أي همزت دون تشديد للهمز كما قال السخاوي رحمه الله:
أو أنْ تُشدِّدَ بعد مدٍّ همزةً * أوْ أنْ تَلُوكَ الحرفَ كالسّكْرانِ
أو أن تَفُوهَ بهمزةِ مُتَهوِّعاً * فَيَفِرَّ سامعُها من الغَثيان

ان التوجيهات الخاصة بلفظ الهمزة لا تقتصر على ما جاء بعد حرف لين بل اينما ورد ساكنا او متحركا سبقه او تلاه صامت او صائت.

وبما انه خص الهمز الاتي بعد حرفي اللين فأرى انه قصد المد الذي قبله لا عين الهمز.

نعم يمكن حمل ما تفضلت به على البيت 35 السابق.
اجدد شكري لكم شيخنا الفاضل سمير عمر على مشاركتك الهادفة.
 
انما عنيت بالطبيعي ما استثني في موئلا و الموءودة او مافيها الخلاف في سؤءة واخواتها.
ولست في صدد تعدد الاوجه
عقبت على كلامكم لأنكم ذكرتم المد الطبيعي الذي مقداره ألف، فلو عبرتم بالقصر لكان الأمر أحسن، والكلام يجر بعضه بعضا. زد على ذلك أنكم قلتم: ما يُمد عند ورش وذاك هو اللين المهموز الموصول، وقدره الطبيعي أو التوسط او الاشباع. فالعبارة تحتاج إلى تعديل والله أعلم.
أما بالنسبة لكلمة مددت بدل همزت، فتوجيه الكلام على ما هو ثابت في النسخ أولى من توجيهه على غير الثابت فيها .. والله أعلم.
 
فالعبارة تحتاج إلى تعديل والله أعلم.

أحسنتم شيخنا هو كذلك. عبارة القصر أفضل. أحسنت

أما بالنسبة لكلمة مددت بدل همزت، فتوجيه الكلام على ما هو ثابت في النسخ أولى من توجيهه على غير الثابت فيها .. والله أعلم.
أحسنتم ثانية ، ولكني -لا أكتمك سرا- أميل الى تصحيفها، لاني عجزت عن توجيهها على وجهها.

وما أكثرالتصحيف في نسخ أحرفهم - وما اكثر التحريف في قول من قالوا.

اكرر شكري لمناقشاتك وآرائك وكتاباتك الرائعة.
 
قال الداني رحمه الله: قد قدمنا من قولنا أن الياء والواو إذا انفتح ما قبلهما زال عنهما بذلك معظم المد، وانبسط اللسان بهما، وأجري لهما حكم سائر الحروف السواكن الجامدة في إلقاء حركات الهمزات عليهما في نحو قوله: قل تعالوا أتل، وخلوا إلى، ونبأ ابني آدم، وذواتي أكل وشبهه على مذهب ورش عن نافع دون سائر القراء، ومذهب المحققين من العرب.
ويدغمان أيضا في مثلهما في مذهب الكل، وذلك نحو قوله: اتقوا وآمنوا، وعصوا وكانوا، وكذا في الكلام: تعالي يا امرأة، واخشي ياسرا، إذا أمرت المؤنث.
ويحركان للساكنين في نحو قوله: اشتروا الضللة، وعصوا الرسول، ويصحبي السجن، ومن ثلثي الليل، وشبهه كما يفعل بالسواكن الخالية من اللين. إلا أنهما مع ذلك لا يخلوان من المد وإن قل فيهما، بدليلين:
أحدهما: أن سيبويه حكى أنهما لا يدغمان إذا انفتح ما قبلهما في شيء من الحروف المقاربة لهما في المخرج؛ لأن فيهما لينا ومدا.
قال أبو عمرو: وذلك مخافة الإخلال بهما إذا أدغما.
والدليل الثاني: مجيء العرب بالياء المفتوح ما قبلها مع الياء المكسور ما قبلها في الردف.
قال عمرو بن كلثوم التغلبي:
كأن متونهن متون غدر ***تصفقها الرياح إذا جرينا
والقصيدة مبنية على ياء قبلها كسرة، وواو قبلها ضمة، قال فيها:
كأن سيوفنا منا ومنهم***مخاريق بأيدي لاعبينا
إذا وضعت على الأبطال يوما***رأيت لها جلود القوم جونا
فلما جاء بقوله: جرينا مع لاعبينا وجونا، علم أنه إنما جمع بينهما من أجل تشاكلهما بالمد، وإن كان المد فيما انفتح ما قبله دون المد فيما كان قبله مكسورا ومضموما.
وقال عدي:
ففاجأها وقد جمعت جموعا***على أبواب حصن مصلتينا
وقدمت الأديم لراهشيه***وألفى قولها كذبا ومينا
فجاء بقوله: ومينا مع مصلتينا، وجمع بين الياء المفتوح ما قبلها وبين الياء المكسور ما قبلها لما قلناه.
فأما قول أبي مزاحم: .. همزت على قدر
فيحتمل أن يكون الهمز عبارة عن نفي المد في الياء والواو المفتوح ما قبلهما، وصدر البيت مؤذن بمراد ذلك. وأن يكون دلالة على تحقيق الهمزات بعدهما مخالفة لمذهب نافع، وموافقة لسائر القراء.
وكذا قوله: ...على قدر. يحتمل أن يكون لتأثير معنى وهو أن يلفظ بالهمزة سلسة من غير لكز ولاتكلف.
وأن يكون حشوا للقافية لا غير. هذا بين وبالله التوفيق.
من شرح الخاقانية للداني رحمه الله.
 
زد على ذلك أنكم قلتم: ما يُمد عند ورش وذاك هو اللين المهموز الموصول، وقدره الطبيعي أو التوسط او الاشباع. فالعبارة تحتاج إلى تعديل والله أعلم.
كلام الشيخ كريم جبر صحيح من وجه الطيبة
وإذا اردت التعديل شيخ سمير فيجب أن تقول الأزرق لا ورش لان الازرق هو الوحيد المتفرد بمد البدل واللين وله من الطيبة في المدين القصر والتوسط والطول
 
قال الداني رحمه الله: قد قدمنا من قولنا أن الياء والواو إذا انفتح ما قبلهما زال عنهما بذلك معظم المد، وانبسط اللسان بهما، وأجري لهما حكم سائر الحروف السواكن الجامدة في إلقاء حركات الهمزات عليهما في نحو قوله: قل تعالوا أتل، وخلوا إلى، ونبأ ابني آدم، وذواتي أكل وشبهه على مذهب ورش عن نافع دون سائر القراء، ومذهب المحققين من العرب.
ويدغمان أيضا في مثلهما في مذهب الكل، وذلك نحو قوله: اتقوا وآمنوا، وعصوا وكانوا، وكذا في الكلام: تعالي يا امرأة، واخشي ياسرا، إذا أمرت المؤنث.
ويحركان للساكنين في نحو قوله: اشتروا الضللة، وعصوا الرسول، ويصحبي السجن، ومن ثلثي الليل، وشبهه كما يفعل بالسواكن الخالية من اللين. إلا أنهما مع ذلك لا يخلوان من المد وإن قل فيهما، بدليلين:
أحدهما: أن سيبويه حكى أنهما لا يدغمان إذا انفتح ما قبلهما في شيء من الحروف المقاربة لهما في المخرج؛ لأن فيهما لينا ومدا.
قال أبو عمرو: وذلك مخافة الإخلال بهما إذا أدغما.
والدليل الثاني: مجيء العرب بالياء المفتوح ما قبلها مع الياء المكسور ما قبلها في الردف.
قال عمرو بن كلثوم التغلبي:
كأن متونهن متون غدر ***تصفقها الرياح إذا جرينا
والقصيدة مبنية على ياء قبلها كسرة، وواو قبلها ضمة، قال فيها:
كأن سيوفنا منا ومنهم***مخاريق بأيدي لاعبينا
إذا وضعت على الأبطال يوما***رأيت لها جلود القوم جونا
فلما جاء بقوله: جرينا مع لاعبينا وجونا، علم أنه إنما جمع بينهما من أجل تشاكلهما بالمد، وإن كان المد فيما انفتح ما قبله دون المد فيما كان قبله مكسورا ومضموما.
وقال عدي:
ففاجأها وقد جمعت جموعا***على أبواب حصن مصلتينا
وقدمت الأديم لراهشيه***وألفى قولها كذبا ومينا
فجاء بقوله: ومينا مع مصلتينا، وجمع بين الياء المفتوح ما قبلها وبين الياء المكسور ما قبلها لما قلناه.
فأما قول أبي مزاحم: .. همزت على قدر
فيحتمل أن يكون الهمز عبارة عن نفي المد في الياء والواو المفتوح ما قبلهما، وصدر البيت مؤذن بمراد ذلك. وأن يكون دلالة على تحقيق الهمزات بعدهما مخالفة لمذهب نافع، وموافقة لسائر القراء.
وكذا قوله: ...على قدر. يحتمل أن يكون لتأثير معنى وهو أن يلفظ بالهمزة سلسة من غير لكز ولاتكلف.
وأن يكون حشوا للقافية لا غير. هذا بين وبالله التوفيق.
من شرح الخاقانية للداني رحمه الله.
كذا حرف المد الواو والياء فقط ينقل ويدغم وقفا من الطيبة لحمزة كقوله تعالى (قَالُوا أَلَمْ) تقرأ بالمد مع التحقيق والسكت و (قَالُوَلَمْ,قَالُوَّلَمْ) و في الياء (فِي أَنفُسِهِمْ)تقرأ (فِيَنفُسِهِمْ,فِيَّنفُسِهِمْ)
 
الشكر الجزيل لأخواي وشيخاي العزيزين سمير عمر وحسن باسل على اثراء موضوع مد حرفي اللين .
ألانَ الله لهما كل قلب قاس.
 
الشكر الجزيل لأخواي وشيخاي العزيزين سمير عمر وحسن باسل على اثراء موضوع مد حرفي اللين .
ألانَ الله لهما كل قلب قاس.
بارك الله فيك شيخنا العزيز ورزقك الجنة
وانابانتظار ابداعاتك القادمة
 
ما رأيكم يا شيخ د.جبر منصور في قول الداني، لعلكم لم تنتبهوا إليه.
 
ما رأيكم يا شيخ د.جبر منصور في قول الداني، لعلكم لم تنتبهوا إليه.
بارك الله بك شيخي الجليل، بل انا منتبه.
ولكني لم أشأ ان أقول اني لا ارى هذا الرأي فيقال لي ومن تكون انت حتى ترى رأياً قبال رأي الداني رحمه الله. وقد بينت رأيي مسبقا،
وقد حاولت جاهدا في شرحي المختصر ان لا أتأثر الا بالنص وما يوحيه لي شخصيا .

ملاحظة: لا يتوفر عندي شرح الداني ما بعد البيت 31فهل يتوفر عندكم استاذي الكريم سمير عمر؟
 
وقد حاولت جاهدا في شرحي المختصر ان لا أتأثر الا بالنص وما يوحيه لي شخصيا .
ألا ترون أن شرح الداني لهذا النظم ـ بغض النظر عن مضمونه ـ يؤكد أن القضية ليس فيها تصحيف، خصوصا وأن الداني قريب العهد من الخاقاني، زد على هذا أن مثل هذه الأنظام كان مما يعتمد فيه أيضا على الحفظ والتلقي من المشايخ، قال الداني: والَّذِي دَعَانا إلى شرح هذه القصيدة وتلخيص معانيها ما رأيناه مِن استحسان العامّة والخاصّة لها، وشدّة ابتهال أهل القرآن بها، وأخذهم أنفسهم بحفظها.. وقال أيضا: أَنْشَدَنَا أبو الفتْحِ فارسُ بنُ أحمدَ بنِ موسى بنِ عِمرانَ الحِمصِيُّ وأبو الحسنِ طاهرُ بنُ غلبونَ الحلبيُّ قال: أنشدنا جعفرُ بنُ محمّدٍ الدقّاقُ قال: أنشدنا أبو مزاحمٍ لنفسه:
أما بالنسبة لباقي الشرح، فبعد الخلاف الذي وقع في شرح البيت أرسل إلي بعض الأفاضل صورة فيها شرح البيت فقط، وقد أثبت شرح البيت كاملا، والشرح هو رسالة علمية يسر الله للجنوبي الحصول عليها ونشرها في هذا الملتقى المبارك.
 
الاخ الفاضل سمير عمر شكرا جزيلا على اهتمامك بالموضوع
كل الذي قلتَه صحيح وهذا يدعونا الى التفكير بجدية لفهم معاني النص المكتوب مع الاحتفاظ بحقنا في افتراض احتمالية التصحيف او التعسف في تاويل النص أي نقول مثلا انه يعني (همزتَ على قدرٍ من المد قبله) اي ان المحذوف معناه في قلب الشاعر كما يقولون.

تحياتي واعجابي بطروحاتك الجادة شيخنا سمير عمر.
 
عودة
أعلى