السؤال الثاني
ما هو الدليل النقلي الصحيح الدال على أن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- ممن شهد العرضة الأخيرة أو الدال على أنه من أعلم الناس بالعرضة الأخيرة؟
جزاك الله خيرا .
وفي سبيل متابعة البحث العلمي في هذا الأمر ، أقرر أنه لم أقف حتى الساعة على ما يدل دلالة تقوم بها الحجة على السؤال الأول .
أما هذا السؤال فقد وقع بخلاف أثر أبي عبد الرحمن السلمي الذي ذكره البغوي في شرح السنة دون إسناد ، ونقله عنه السيوطي في الإتقان ؛ وقع لي بخلافه أثران ، قد يدلان على المطلوب .
الأول :
عَنْ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «عُرِضَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَاتٍ» فَيَقُولُونَ: إِنَّ قِرَاءَتِنَا هَذِهِ هِيَ الْعَرْضَةُ الْأَخِيرَةُ .
أخرجه الحاكم في المستدرك ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط البخاري بعضه ، وبعضه على شرط مسلم ولم يخرجاه .
وقال الذهبي صحيح ( على الخلاف في هل هذا حكم الذهبي أم لا ) .
وذكره الحافظ في الفتح ، والسيوطي في الدر .
قلت : وإسناده ظاهره الصحة :
قال الحاكم : أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ الْخَلَدِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، بِمَكَّةَ، ثنا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ ، به .
الثاني :
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ الْقُرْآنَ كَانَ يُعْرَضُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ عُرِضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ.
قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: فَيَرَوْنَ، أَوْ فَيَرْجُونَ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَتُنَا هَذِهِ أَحْدَثَ الْقِرَاءَتَيْنِ عَهْدًا بِالْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ
وهذا أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ، وابن شبة في تاريخ المدينة .
وإسناده :
قال ابو عبيد : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، به .
وهذا إسناد صحيح .
ـ ويبقى التدبر في معنى (ويقولون) في كلام الصحابي سمرة ، والتابعي الكبير محمد بن سيرين ، فهي محتملة بقوة أن هذا كان مشهورا في طبقتها ، ومن استدل بهذا لم يُبْعِد .
بل إن رواية ابن عباس التي رواها في المستدرك : عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَيُّ الْقِرَاءَتَيْنِ تَرَوْنَ كَانَ آخِرَ الْقِرَاءَةِ؟ قَالُوا: قِرَاءَةُ زَيْدٍ قَالَ: لَا، «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
يَعْرِضُ الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ عَلَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّنَةُ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا عَرَضَهُ عَلَيْهِ عَرْضَتَيْنِ، فَكَانَتْ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ آخِرَهُنَّ» .
قد يفهم منها أن هؤلاء السائلين كانوا يرون أن قراءة زيد هي الأخيرة ، وأن هذا كان ذائعا في تلك الطبقة ، لكن المزيد عليها في رواية جابر بن سمرة أنها من الصحابي .
ـ ولا يخفى أن هذا معارض كذلك بروايات صحيحة عن ابن مسعود أنه كان يذكر أن قراءته هي الأخيرة ، وكذا رواية ابن عباس الآنفة في تأخر قراءة ابن مسعود .
ومحل التأمل قائم .
والله أعلم