الأستاذ الكريم حسن عبد الجليل:
هذا جواب سؤالك كما وعدتك، وأرجو الله أن ينفع به.
[align=justify]
وهذا كلامه هو وليس كلام الله ، فالنتق الله تعالى ، ونتجرد من هذا السجن للعقول والعلوم عسى أن نعيد مجد ديننا وشعوبنا ونرتقي إلى الدرجة التي خلقنا الله تعالى لأجلها . فإذا سألت أحدا من علماء الشريعة كيف ينتقل الالكترون في مداراته حول أنوية الذرات هل ينتقل بطريق ثابتة أم بقفزات يدخل فيها بأبعاد مختلفة عن الأبعاد التي نعرفها فأكاد لا أكاد أجد جوابا ، أو سألتهم ما هي الموصلات الفائقة أو ماهي وسائل التخلص من الجاذبية الأرضية .... فمتى سأجد الجواب؟؟؟؟؟؟؟؟ بقولي بأن الشمس تدور حول الأرض؟؟؟؟؟؟؟
ليس مطلوباً إلى علماء الشرع أن يأتوك بجواب على هذا...
ولا أظنك عرفت الجواب على هذه الأسئلة من القرآن، ولا أن القرآن دلك عليها، ولكن عرفنا هذا من التجربة والملاحظة التي أدت بأهل العلوم الحديثة إلى هذه النتائج. فكيف ندعي أن القرآن دل على حقائق استفدناها من التجربة والملاحظة أو من البراهين المنطقية والرياضية لا من آيات القرآن؟
أما فتوى الشيخ ابن عثيمين، فقد ظن رحمه الله أن هناك تعارضاً بين ظاهر لفظ القرآن، ودعاوى أهل العلوم الحديثة، فقدم ظاهر القرآن والسنة على نظريات هي فيما أداه إليه نظره من المختلف فيها. ولو تأملت ما نقلتَ لنا في آخر كلامه عرفتَ أنه – رحمه الله- معذور في اجتهاده:
[align=justify]
[[align=justify]QUOTE=عمر المقبل;32276]
فعلينا في هذه الأمور العظيمة علينا أن نؤمن بظاهر كلام الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم اللهم إلا أن يأتي من الأمور اليقينيات الحسيات المعلومة علماً يقينياً بما يخالف ظاهر القرآن فإننا في هذه الحالة يكون فهمنا بأن هذا ظاهر القرآن غير صحيح ويمكن أن نقول إن القرآن يريد كذا وكذا مما يوافق الواقع المعين المحسوس الذي لا ينفرد فيه أحد وذلك لأن الدلالة القطعية لا يمكن أن تتعارض أي أنه لا يمكن أن يتعارض دليلان قطعيان أبداً إذ أنه لو تعارضا لأمكن رفع أحدهما بالآخر وإذا أمكن رفع أحدهما بالآخر لم يكونا قطعيين
والمهم أنه يجب علينا في هذه المسألة أن نؤمن بأن الشمس تدور على الأرض وأن اختلاف الليل والنهار ليس بسبب دوران الأرض ولكنه بسبب دوران الشمس حول الأرض. [/align]
ـــــــــــــــــــــــ
من فتاوى نور على الدرب (النسخة الحاسوبية ،الصادرة عن مؤسسة ابن عثيمين الخيرية)
[/align]
[/QUOTE]
ولو كان دوران الأرض عند الشيخ –رحمه الله- من اليقينيات الحسيات المعلومة علماً يقينياً لعدل عن ظاهر القرآن إلى تأويلٍ جارٍ على أصول العربية، ولكان فهمه بأن هذا ظاهر القرآن غير صحيح كما تراه بيّناً في كلامه.
فيبقى الخطب في هذا الأمر يسيراً...
والخطأ واردٌ في تأويلِ القرآنِ وتفسيرِه عند الأوَّلين والآخرين، وليسوا منه بمعصومين، فقد ذكرَ الإمام القرطبيُّ رحمه الله – المتوفى سنة 671 هـ- في تأويلِ قولِه تعالى ﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الرَّعد:3):
(مسألة:
في هذه الآيةِ ردٌّ على من زعمَ أنَّ الأرضَ كالكُرةِ، وردٌّ على من زعمَ أنَّ الأرضَ تهوِي أبوابها عليها، وزعمَ ابنُ الرَّاونديِّ أنَّ تحت الأرضِ جسماً صَعَّاداً كالرِّيحِ الصعَّادةِ؛ وهي منحدرةٌ فاعتدلَ الهاوي والصعادي في الجِرْمِ والقوَّةِ فتوافقا. وزعمَ آخرون أنَّ الأرضَ مركَّبةٌ من جسمين: أحدُهما منحدرٌ، والآخرُ مصعدٌ، فاعتدلا، فلذلك وَقَفَت.
والذي عليه المسلمون وأهلُ الكتابِ القولُ بوقوفِ الأرضِ وسكونها ومدِّها، وأنَّ حركتَها إنما تكونُ في العادةِ بزلزلةٍ تصيبُها).
فقد ظنَّ - رحمه اللهُ- أنَّ هذه الآيةَ ردٌّ على من زعمَ أنَّ الأرضَ كُرَوِيَّةٌ، وذكر أيضاً أن الذي عليه المسلمون وأهل الكتاب القول بوقوف الأرض وسكونها (أي أنها لا تتحرك)، وهذا ما أداه إليه اجتهاده، وهو فيه معذور رحمه الله، إذ لم يثبت له أن الأرض كروية، ولا أنها تتحرك.
أما الإمام الشوكاني – المتوفى سنة 1250- فله في تفسير الآية نظرٌ آخر، إذ يقولُ في تفسير الآية نفسها:
(ولمّا ذكرَ الدَّلائلَ السَّماويَّةَ، أتبعَها بذكرِ الدَّلائلِ الأرضيَّةِ، فقالَ ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ﴾، قال الفرّاءُ: بسطَها طولاً وعرضاً. وقالَ الأصمُّ: إنَّ المَدَّ: هو البسطُ إلى ما لا يُدرَكُ منتهاه،
وهذا المدُّ الظّاهرُ لِلْبَصَرِ لا يُنافي كُرِيَّتَها في نفسِها لِتباعُدِ أطرافِها).
فانظر إلى الإمام الشوكاني رحمه الله يقرر أنَّ مدَّ الأرضِ لا يُنافي كُرَوِيَّتَها، وإذا ما ثبتَ – عقلاً- أنَّ الأرضَ كُرَوِيَّةٌ كان هذا مانعاً عقليّاً من حملِ "مدِّ الأرضِ" الواردِ في الآيةِ على معنى المدِّ المقابلِ للكُرَوِيَّةِ، أي أنَّ المدَّ المقصودَ بالآيةِ هو المدُّ الظاهرُ لِلبَصَرِ، لا على معنى أنها سطحٌ غيرُ كُرويٍّ، وكذلك فإنَّ استقرارَ الأرضِ وثباتَها، وعدمَ الإحساسِ بحركتِها لا يلزمُ منه أنها لا تدورُ حولَ نفسِها وحول الشمسِ.
ونحن وقد عرفنا أنَّ الأرضَ كرويَّةٌ، عرفنا أنَّ المقصودَ بِقولِه تعالى ﴿مَدَّ الأَرْضَ﴾ إنما هو بسطُها، وليس يلزمُ من كونها مبسوطةً ألاّ تكونَ كُرويَّةً، فإنَّ هذه الكرةَ الكبيرةَ الضخمةَ لا تظهرُ كُرَوِيَّتُها بالإضافةِ إلى حجمِ الإنسانِ أو طولِه، كما أنَّه لو قيلَ لك إنَّ هذا المصباحَ الكهربائيَّ في غرفتِك يضيءُ وينطفيءُ لم تصدِّق ذلك، وما تدركُه ببصرِك أنَّ ضوءَه ثابتٌ مستقرٌّ، فإن قيل لك إنَّه يضيءُ وينطفيءُ خمسين مرَّةً أو ستِّين مرَّةً في الثانيةِ، فلا تَتَمَكَّنُ عينُك من ملاحظةِ ذلك لسرعتِه، قضى عقلُك بإمكانِ ذلك، ثمَّ إذا ما أقمنا لك الدَّلائلَ الفيزيائيَّةَ والكهربيَّةَ على أنَّه بالفعلِ يضيءُ وينطفيءُ لم تَتَرَدَّدْ في قبولِ ذلك، فقولُك بأنَّه ضوءٌ مستقرٌّ ثابتٌ صحيحٌ بالإضافةِ إلى مُدرَك البصرِ، وقولُك بأنَّه ضوءٌ متقطِّعٌ متردِّدٌ صحيحٌ بالإضافةِ إلى قوانينِ الكهرباءِ في توليدِ التَّيّارِ المُتَرَدِّدِ، وليس يلزمُ من كونِه متقطِّعاً في قوانين الكهرباءِ أن يكونَ متقطِّعاً للأبصارِ، ولذلك نأخذ كلام الإمام الشوكاني ونرد كلام القرطبي – رحمهما الله- فيما ذهب إليه.
وواقعُ الأمرِ أنَّ تفسيراتِ العلماءِ السابقين واجتهاداتهم في هذا البابِ إنما هي لِدرءِ تعارضِ العقلِ والنقلِ، أي ما يُتَوَهَّمُ من أدلَّةِ النَّقلِ أنَّه معارضٌ لأدلَّةِ العَقلِ، أو ما ظاهرُه معارضةُ العقلِ، فيصارُ إلى التَّأويلِ على ما تحتمِلُه اللغةُ ومعهودُ العربِ في كلامِها. وكذلك الأمرُ هنا، يكونُ الكلامُ على وجهٍ، والمعارضُ له على وجهٍ آخرَ بحيث لا يتعارضان حقيقةً، وإن كنت تظنُّهما في ظاهرِ الأمرِ متعارضين، فإذا ما فهمنا من آيةٍ ما معنىً معيَّناً، ثم تبيَّنَ أنَّ هذا المعنى الذي فهِمناه يعارضُ أدلَّةَ العقلِ، عرفنا أنَّ هذا المعنى الذي فهمناه غيرُ مقصودٍ بالآيةِ تنزيهاً لِلقرآنِ عن التناقضِ والاختلافِ، وذلك بناءً على اليقينِ الذي لا يتطرَّقُ إليه الشكُّ بأنَّ هذا القرآنَ كلامُ اللهِ الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفِه. وفرقٌ كبيرٌ بين من يردُّ وجهاً من وجوهِ التأويلِ لمخالفتِه أدلَّةَ العقولِ، وبين من يدَّعي أنَّ في هذه الآياتِ إعجازاً علميّاً، ويحمِّلُ آياتِ القرآنِ ما لا تحتملُ.
غاية الأمر إذن يا أخي الكريم أن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أخطأ فيما ذهب إليه من أن الأرض تدور حول الشمس، كما أن القرطبي أخطأ حين ظن أن الأرض ساكنة غير كروية.
ثم إني محدثك بأمر آخر:
ألا ترى معي أن هؤلاء الأئمة ممن أخطؤوا معذورون فيما أداهم إليه اجتهادهم؟ ذلك أن ما فهموه من نصوص القرآن هو أول ما يغلب على الظن؟
فالشيخ ابن عثيمين – رحمه الله- ذهب إلى أن الشمس تدور لا الأرض أخذاً بظاهر قوله تعالى فإن الله يقول في القرآن الكريم (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)، إذ أسند الجريان للشمس، ومن قوله (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) إذ أسند للشمس، كما أن الإمام القرطبي فهم بأن الأرض غير كروية من قوله تعالى (مد الأرض) وهذا أمر يمكن أن نفهمه من ظاهر الآيات.
فلما كان هذا الفهم مخالفاً للمعقول المحسوس، عندي وعندك، صرنا إلى التأويل، وقلنا إن المقصود إنما هو حركة الشمس الظاهرية، وقلنا إن المقصود بمد الأرض ليس على ما ينافي كرويتها، وهذا تأويل جارٍ على لغة العرب.
فتحصل لدينا إذن معنيان تحتملهما الآيات من حيث ألفاظها وتراكيبها، وليست دلالة الآيات على أحد المعنيين – من حيث الألفاظ والتراكيب- بأولى من الآخر، بل إنها أظهر في المعنى الأول الخاطيء من المعنى الثاني الذي صرنا إليه؟ بل ما صرنا إلى الوجه الثاني إلا لمخالفة الأول لصريح المعقول، وليس لأن القرآن الكريم دلنا على هذه الحقيقة العلمية.
فكيف تجعل العقل حكما على معنى الآية، ثم تعود فتزعم أن القرآن يدل على هذه الحقائق العلمية؟ وتجعل من هذا إعجازاً؟
وبمعنى آخر: ألم يكن الأولى أن يقال مثلاً – وهذا فقط من باب إلزام القائلين بالإعجاز العلمي فلا يُفهمنَّ على غير وجهه- ألم يكن الأولى أن يقال مثلاً (وترى الشمس إذا بدت لها الأرض تزاور عن كهفهم ذات اليمين، وإذا مضت الأرض في دورانها تقرضهم ذات الشمال) أو شيئاً من هذا القبيل بحيث تكون الآيات دالة – قطعاً- على الحقيقة العلمية؟ بدلاً من أن تكون الآية محتملة لمعنيين متناقضين، فكيف وهي أظهر في الدلالة على المعنى الخاطيء منها على المعنى الصحيح؟
هذا والله أعلم، وصل اللهم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم...