وأرجو من فضيلتكم التفصيل فى مسألة شهرة الثلاث المتممة للعشر فى عصر بن مجاهد رحمه الله...هل كانت قراءة يعقوب و خلف و ابو جعفر فى شهرة السبع ام اقل شهرة ام لم تكن مشهورة أصلا ؟
و انتم تقولون بأنكم تكتفون بصحة السند و لا تشترطون الشهرة...الا يحتمل خطأ احد الرواة فى الاسناد..فيجب اشتراط التواتر او الشهرة على الاقل كى نضمن صحة القراءة فى كل الحروف و جزاكم الله خير
تعريف المتواتر:
عرفوا الحديث المتواتر في علم مصطلح الحديث الذي هو من أضبط العلوم وأكثرها منطقية بأنه: الذي رواه جماعة يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب أو وقوعهم في الخطإ، وأسندوه إلى شيء محسوس، ويكون العدد المعتبر (4 أو5 أو10 أو 12 أو 20 أو 70....) في كل طبقات السند. كل ما ليس بمتواتر فآحاد
إحصائية بسيطة:
1- المتواتر اللفظي (310 أحاديث) يساوي 7% من الأحاديث الصحيحة البالغ عددها أربعة آلاف وأربعمائة حديث على القول الراجح، مقابل 93% من أحاديث الآحاد الصحيحة.
2- الصحيح (4.400 حديث) ىيساوي 13،75% من مجموع أحاديث الكتب الستة: صحيحي البخاري ومسلم وسنن أبي داوود والترمذي والنسائي وابن ماجه البالغ عددها (31997) في العد المعتمد، مقابل قريب من 86،25% من الأحاديث الضعيفة.
3- المتواتر اللفظي (310 أحاديث) يساوي أقل من 1% من مجموع أحاديث الكتب الستة: صحيحي البخاري ومسلم وسنن أبي داوود والترمذي والنسائي وابن ماجه البالغ عددها (31997) في العد المعتمد. مقابل 99% من أحاديث الآحاد فيها. ثم اعلم بأن كل هذا لا يخلو من خلاف بحسب الاعتبارات المختلفة.
تعريف المشهور والمستفيض:
المشهورهو: ما رواه ثلاثة فصاعدا ولم يصل إلى حد التواتر. أما المستفيض فليس في الأصل من علم مصطلح الحديث بل من الفقه والأصول. ولما دخل علم الحديث اختلفوا في الأخص والأعم بين المشهور والمستفيض، ولم يتفقوا إلى الآن.
التواتر في القراءات:
فصّل – وليس ذكر- ابن الجزري الطرق الآخذة عن كل راو فبلغت:
83 طريقا عن قالون، 61 طريقا عن ورش- 41 عن البزي – 32 عن قنبل – 126 عن الدوري – 28 عن السوسي – 51 عن هشام - 79 عن ابن ذكوان –76 عن شعبة - 52 عن حفص – 53 عن خلف – 68 عن خلاد – 40 عن أبي الحارث – 24 عن الدوري عن الكسائي – 40 عن ابن وردان – 12 عن ابن جماز – 41 عن رويس – 44 عن روح – 22 عن إسحاق – 9 عن إدريس. وهذه 982 طريقا.
وكل راو من هؤلاء الرواة قد أسندت إليه طرق وصلت حد التواتر، وبعضها فاقت حد التواتر بأضعاف كثيرة، مع أن هذه الطرق لا تعني عدد الذين أخذوا عنه بل عدد الذين أسندوا عنه، وإلا فعدد الذين أخذوا عنه أضعاف الذين أسندوا كما هو واضح حتى في عصرنا الحاضر.
ولا يخفى أنه كلما امتد الزمن كلما اتسع خارطة التواتر وتضاعفت الطرق، ولذلك لم يكن الإشكال فيما فوق القراء والرواة الأساسيين بل ما بين الرواة وبين النبي صلى الله عليه وسلم.
ومع أن أوضح رجال القراءات عندي هم رجال قراءة نافع إلا أني سأطبق ما أراه تواترا على قراءة عاصم التي هي المشهورة عند كثير من قراء الملتقى.
خذ مثلا: عاصم – زر – ابن مسعود –النبي صلى الله عليه وسلم
الناظر في هذا السند لا يراه إلا أنه من الآحاد لكن دعنا نر الذين أخذوا عن كل واحد من هؤلاء.
1- النبي صلى الله عليه وسلم: أخذ عنه ما لا يطلب حصره عاقل.
2- ابن مسعود: عرض عليه الأسود، وتميم بن حذلم، والحارث بن قيس، وزر بن حبيش، وعبيد بن قيس، وعبيد بن حنضلة، وعلقمة، وعبيدة السلماني، وعمرو بن شرحبيل، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو عمرو الشيباني، وزيد بن وهب، ومسروق. هؤلاء ثلاثة عشر رجلا معروفا مشهورا بالقرآن والضبط فيه، وهم طبقة واحدة عن ابن مسعود.
3- زر فقال عنه ابن الجزري: [1239-"ت س" زر بن حبيش بن خباشة أبو مريم ويقال أبو مطرف الأسدي الكوفي أحد أعلام، عرض على "ت س" عبد الله بن مسعود و"ت" عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم، عرض عليه "ت س" عاصم ابن أبي النجود وسليمان الأعمش وأبو إسحاق السبيعي ويحيى بن وثاب، قال عاصم ما رأيت أقرأ من زر وكان عبد الله بن مسعود يسأله عن العربية يعني عن اللغة، قال خليفة مات في الجماجم سنة اثنتين وثمانين.]
إن زرا أحد ثلاثة عشر آخذا عن ابن مسعود، وقد أخذ عنه أربعة وهم أقل عدد في التواتر لكنه من التواتر.
4- عاصم فقال ابن الجزري في تداد من أخذوا عنه: [1440- روى القراءة عنه أبان بن تغلب و"س ف" أبان بن يزيد عمر والشباني، روى القراءة عنه أبان بن تغلب و"س ف" أبان بن يزيد العطار وإسماعيل بن مخالد والحسن بن صالح و"ع" حفص بن سليمان والحكم بن ظهير وحماد بن سلمة في قول وماد بن زيد وحماد بن أبي زياد وحماد بن عمرو وسليمان بن مهران الأعمش وسلام بن سليمان أبو المنذر وسهل بن شعيب و"ع" أبو بكر شعبة بن عياش وشيبان بن معاوية والضحاك بن ميمون وعصمة بن عروة وعمرو بن خالد و"س ف غا ك" المفضل بن محمد والمفضل ابن صدقة فيما ذكره الأهوازي ومحمد بن رزيق ونعيم بن ميسرة و"ك" نعيم بن يحيى وخلق لا يحصون وروى عنه حروفاً من القرآن أبو عمرو بن العلاء والخليل بن أحمد والحارث بن نبهان وحمزة الريات والحمادان والمغيرة الضبي ومحمد بن عبد الله العزرمي وهارون بن موسى،]
عاصم أحد أربعة أخذوا عن زر، وقد أخذ عنه خلق لا يحصون وذكر منهم أربعة وعشرون رجلا.
5- شعبة فقد ذكر ابن الجزري من أخذو عنه بقوله: [عرض عليه س ج ف" أبو يوسف يعقوب بن خليفة الأعشة و"ج ك" عبد الرحمن بن أبي حماد وعروة بن محمد الأسدي و"س ج" يحيى بن محمد العليمي وسهل بن شعيب قال الداني ولا يعلم أحد عرض عليه القرآن غير هؤلاء الخمسة وروى عنه الحروف سماعاً من غير عرض "ك" إسحاق بن عيسى و"ج" إسحاق بن يوسف الأزرق و"ج" أحمد بن جبير و"ج ك" بري بن عبد الواحد و"ك" حسين بن عبد الرحمن و"ج" حسين بن علي الجعفي و"س ف" حماد بن أبي أمية و"ك" عبد المؤمن بن أبي حماد البصري و"ج ك" عبد الجبار بن محمد العطاردي و"س ج ف" عبد الحميد ابن صالح و"ج" عبيد بن نعيم و"س ج" علي بن حمزة الكسائي و"ك" المعافي ابن يزيد و"ج ك" المعلي بن منصور الرازي و"ك" ميمون بن صالح الدارمي و"ج ك" هارون بن حاتم و"ت س ف ك" يحيى بن آدم و"ج" يحيى بن سليمان الجعفي وخلاد بن خالد الصيرفي وعبد الله بن صالح وأحمد بن عبد الجبار العطاردي
شعبة أحد أربعة وعشرين رجلا أخذوا عن عاصم وقد أخذ عنه ستة وعشرون رجلا ما بين عرض وسماع.
ويعود السند: طبقة يحيى بن آدم (26) شعبة (24) – عاصم (04) – زر(11) – ابن مسعود (خلق لا يحصون) وهذا حسب التعريف أعلاه متواتر. وكلما امتد الزمن كلما ازداد عدد الآخذين في الطبقة. ومثل هذا في كل القراءات والروايات.
مسألة تفاوت السبع والثلاث في الاشتهار:
القول بأن السبع أشهر من الثلاث قولٌ مبني على فعل سيدنا أبي بكر بن مجاهد، وليس على الواقع، وقد أنكر عليه جماعة من العلماء والقراء والفقهاء والأصوليين اقتصاره على السبع، واختار في بعضها دون الأشهر، وتردد في بعض الأحيان. قال سيد القراء ابن الجزري: [قَالَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيٌّ : وَقَدْ ذَكَرَ النَّاسُ مِنَ الْأَئِمَّةِ فِي كُتُبِهِمْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مِمَّنْ هُوَ أَعْلَى مَرْتَبَةً وَأَجَلَّ قَدْرًا مِنْ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَرَكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي كُتُبِهِمْ فِي الْقِرَاءَاتِ ذِكْرَ بَعْضِ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ وَاطَّرَحَهُمْ . فَقَدْ تَرَكَ أَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ ذِكْرَ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ وَابْنِ عَامِرٍ وَزَادَ نَحْوَ عِشْرِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَئِمَّةِ مِمَّنْ هُوَ فَوْقَ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ ، وَكَذَلِكَ زَادَ الطَّبَرَيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَاتِ لَهُ عَلَى هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ نَحْوَ خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ أَبُو عُبَيْدٍ وَإِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةَ الْمُتَأَخِّرِينَ قِرَاءَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَحَدُ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا ؟ هَذَا تَخَلُّفٌ عَظِيمٌ ، أَكَانَ ذَلِكَ بِنَصٍّ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ كَيْفَ ذَلِكَ ؟ وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ وَالْكِسَائِيُّ إِنَّمَا أُلْحِقَ بِالسَّبْعَةِ بِالْأَمْسِ فِي أَيَّامِ الْمَأْمُونِ وَغَيْرِهِ وَكَانَ السَّابِعُ يَعْقُوبَ الْحَضْرَمِيَّ فَأَثْبَتَ ابْنُ مُجَاهِدٍ فِي سَنَةَ ثَلَاثِمِائَةٍ أَوْ نَحْوِهَا الْكِسَائِيَّ فِي مَوْضِعِ يَعْقُوبَ ، ثُمَّ أَطَالَ الْكَلَامَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ .
هذا النقل يعطي فكرة واضحة عن أن اختيار السبع كان عملا شخصيا لسيدنا ابن مجاهد ولا يعني أبدا أن السبعة أشهر من الثلاث.
مسألة تواتر السبع وشذوذ غير العشر ودونية الثلاث.
منبع الوهم من جمع الجوامع كما يرويه لنا ابن الجزري بقوله: [وَقَالَ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمُحَقِّقُ لِلْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْكَافِي السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ : ( فَرْعٌ ) قَالُوا - يَعْنِي أَصْحَابَنَا الْفُقَهَاءَ - : تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا بِالْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ وَلَا تَجُوزُ بِالشَّاذَّةِ . وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يُوهِمُ أَنَّ غَيْرَ السَّبْعِ الْمَشْهُورَةِ مِنَ الشَّوَاذِّ ، وَقَدْ نَقَلَ الْبَغَوِيُّ فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِهِ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِقِرَاءَةِ يَعْقُوبَ وَأَبِي جَعْفَرٍ مَعَ السَّبْعِ الْمَشْهُورَةِ ، قَالَ : وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ . وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَارِجَ عَنِ السَّبْعَةِ الْمَشْهُورَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ : مِنْهُ مَا يُخَالِفُ رَسْمَ الْمُصْحَفِ ، فَهَذَا لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِرَاءَتُهُ لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا ، وَمِنْهُ مَا لَا يُخَالِفُ رَسْمَ الْمُصْحَفِ وَلَمْ تَشْتَهِرِ الْقِرَاءَةُ بِهِ ، وَإِنَّمَا وَرَدَ مِنْ طَرِيقٍ غَرِيبَةٍ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا ، وَهَذَا يُظْهِرُ الْمَنْعَ مِنَ الْقِرَاءَةِ بِهِ أَيْضًا ، وَمِنْهُ مَا اشْتَهَرَ عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ الْقِرَاءَةُ بِهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، فَهَذَا لَا وَجْهَ لِلْمَنْعِ مِنْهُ وَمِنْ ذَلِكَ قِرَاءَةُ يَعْقُوبَ وَغَيْرِهِ ، قَالَ : وَالْبَغَوِيُّ أَوْلَى مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ; فَإِنَّهُ مُقْرِئٌ فَقِيهٌ جَامِعٌ لِلْعُلُومِ ، قَالَ : وَهَكَذَا التَّفْصِيلُ فِي شَوَاذَّ السَّبْعَةِ ، فَإِنَّ عَنْهُمْ شَيْئًا كَثِيرًا شَاذًّا . انْتَهَى .
وَسُئِلَ وَلَدُهُ الْعَلَّامَةُ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي الْأُصُولِ : وَالسَّبْعُ مُتَوَاتِرَةٌ مَعَ قَوْلِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَا وَرَاءَ الْعَشَرَةِ فَهُوَ شَاذٌّ : إِذَا كَانَتِ الْعَشْرُ مُتَوَاتِرَةً فَلِمَ لَا قُلْتُمْ وَالْعَشَرُ مُتَوَاتِرَةٌ بَدَلَ قَوْلِكُمْ
وَالسَّبْعُ ؟ فَأَجَابَ : أَمَّا كَوْنُنَا لَمْ نَذْكُرِ الْعَشْرَ بَدَلَ السَّبْعِ مَعَ ادِّعَائِنَا تَوَاتُرَهَا فَلِأَنَّ السَّبْعَ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي تَوَاتُرِهَا ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَوَّلًا مَوْضِعَ الْإِجْمَاعِ ، ثُمَّ عَطَفْنَا عَلَيْهِ مَوْضِعَ الْخِلَافِ ، عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْقِرَاءَاتِ الثَّلَاثَ غَيْرُ مُتَوَاتِرَةٍ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ وَلَا يَصِحُّ الْقَوْلُ بِهِ عَمَّنْ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِي الدِّينِ وَهِيَ - أَعْنِي الْقِرَاءَاتِ الثَّلَاثَ - : قِرَاءَةُ يَعْقُوبَ وَخَلَفٍ وَأَبِي جَعْفَرِ بْنِ الْقَعْقَاعِ ، لَا تُخَالِفُ رَسْمَ الْمُصْحَفِ ، ثُمَّ قَالَ : سَمِعْتُ الشَّيْخَ الْإِمَامَ يَعْنِي وَالِدَهُ الْمَذْكُورَ يُشَدِّدُ النَّكِيرَ عَلَى بَعْضِ الْقُضَاةِ ، وَقَدْ بَلَغَهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَنَعَ مِنَ الْقِرَاءَةِ بِهَا وَاسْتَأْذَنَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مَرَّةً فِي إِقْرَاءِ السَّبْعِ فَقَالَ : أَذِنْتُ لَكَ أَنْ تُقْرِئَ الْعَشْرَ . انْتَهَى نَقَلْتُهُ مِنْ كِتَابِهِ مَنْعِ الْمَوَانِعِ عَلَى سُؤَالَاتِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ ، ( وَقَدْ جَرَى ) بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ كَثِيرٌ وَقُلْتُ لَهُ : يَنْبَغِي أَنْ تَقُولَ وَالْعَشْرُ مُتَوَاتِرَةٌ وَلَا بُدَّ ، فَقَالَ : أَرَدْنَا التَّنْبِيهَ عَلَى الْخِلَافِ فَقُلْتُ : وَأَيْنَ الْخِلَافُ ، وَأَيْنَ الْقَائِلُ بِهِ ؟ وَمَنْ قَالَ : إِنَّ قِرَاءَةَ أَبِي جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبَ وَخَلَفٍ غَيْرُ مُتَوَاتِرَةٍ ، فَقَالَ : يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالسَّبْعُ مُتَوَاتِرَةٌ . فَقُلْتُ : أَيُّ سَبْعٍ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةُ مَعَ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَقِرَاءَةُ خَلَفٍ لَا تَخْرُجُ عَنْ قِرَاءَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ ، بَلْ وَلَا عَنْ قِرَاءَةِ الْكُوفِيِّينَ فِي حَرْفٍ ، فَكَيْفَ يَقُولُ أَحَدٌ بِعَدَمِ تَوَاتُرِهَا مَعَ ادِّعَائِهِ تَوَاتُرَ السَّبْعِ ، وَأَيْضًا فَلَوْ قُلْنَا إِنَّهُ يَعْنِي هَؤُلَاءِ السَّبْعَةَ ، فَمِنْ أَيِّ رِوَايَةٍ وَمِنْ أَيِّ طَرِيقٍ وَمِنْ أَيِّ كِتَابٍ ؟ إِذِ التَّخْصِيصُ لَمْ يَدَّعِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَوِ ادَّعَاهُ لَمَا سَلِمَ لَهُ ، بَقِيَ الْإِطْلَاقُ فَيَكُونُ كُلَّمَا جَاءَ عَنِ السَّبْعَةِ فَقِرَاءَةُ يَعْقُوبَ جَاءَتْ عَنْ عَاصِمٍ وَأَبِي عَمْرٍو ، وَأَبُو جَعْفَرٍ هُوَ شَيْخُ نَافِعٍ وَلَا يَخْرُجُ عَنِ السَّبْعَةِ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى ، فَقَالَ : فَمِنْ أَجْلِ هَذَا قُلْتُ : وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَا وَرَاءَ الْعَشَرَةِ فَهُوَ شَاذٌّ ، وَمَا يُقَابِلُ الصَّحِيحَ إِلَّا فَاسِدٌ ، ثُمَّ كَتَبْتُ لَهُ اسْتِفْتَاءً فِي ذَلِكَ وَصُورَتُهُ : مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ أَئِمَّةُ الدِّينِ فِي الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ الَّتِي يُقْرَأُ بِهَا الْيَوْمَ وَهَلْ هِيَ مُتَوَاتِرَةٌ أَمْ غَيْرُ مُتَوَاتِرَةٍ ؟ وَهَلْ كُلَّمَا انْفَرَدَ بِهِ وَاحِدٌ مِنَ الْعَشَرَةِ بِحَرْفٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُتَوَاتِرٌ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً فَمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ جَحَدَهَا أَوْ حَرْفًا مِنْهَا ؟ فَأَجَابَنِي وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْتُ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ ؛ الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ الَّتِي اقْتَصَرَ عَلَيْهَا الشَّاطِبِيُّ وَالثَّلَاثُ الَّتِي هِيَ قِرَاءَةُ أَبِي جَعْفَرٍ وَقِرَاءَةُ يَعْقُوبَ وَقِرَاءَةُ خَلَفٍ مُتَوَاتِرَةٌ مَعْلُومَةٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَكُلُّ حَرْفٍ انْفَرَدَ بِهِ وَاحِدٌ مِنَ الْعَشَرَةِ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُكَابِرُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا جَاهِلٌ ، وَلَيْسَ تَوَاتُرُ شَيْءٍ مِنْهَا مَقْصُورًا عَلَى مَنْ قَرَأَ بِالرِّوَايَاتِ ، بَلْ هِيَ مُتَوَاتِرَةٌ عِنْدَ كُلِّ مُسْلِمٍ يَقُولُ أَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَلَوْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ عَامِّيًّا جِلْفًا لَا يَحْفَظُ مِنَ الْقُرْآنِ حَرْفًا ، وَلِهَذَا تَقْرِيرٌ طَوِيلٌ وَبُرْهَانٌ عَرِيضٌ لَا يَسَعُ هَذِهِ الْوَرَقَةَ شَرْحُهُ وَحَظُّ كُلِّ مُسْلِمٍ وَحَقُّهُ أَنْ يَدِينَ لِلَّهِ تَعَالَى وَيَجْزِمَ نَفْسَهُ بِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مُتَوَاتِرٌ مَعْلُومٌ بِالْيَقِينِ لَا يَتَطَرَّقُ الظُّنُونُ وَلَا الِارْتِيَابُ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . كَتَبَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ السُّبْكِيِّ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ الْإِمَامُ الْأُسْتَاذُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَرَّابُ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ الشَّافِي : ثُمَّ التَّمَسُّكُ بِقِرَاءَةِ سَبْعَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ دُونَ غَيْرِهِمْ لَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ وَلَا سُنَّةٌ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جَمْعِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ يَكُنْ قَرَأَ بِأَكْثَرَ مِنَ السَّبْعِ فَصَنَّفَ كِتَابًا وَسَمَّاهُ السَّبْعَ فَانْتَشَرَ ذَلِكَ فِي الْعَامَّةِ وَتَوَهَّمُوا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ لِاشْتِهَارِ ذِكْرِ مُصَنِّفِهِ ، وَقَدْ صَنَّفَ غَيْرُهُ كُتُبًا فِي الْقِرَاءَاتِ وَبَعْدَهُ وَذَكَرَ لِكُلِّ إِمَامٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ رِوَايَاتٍ كَثِيرَةً وَأَنْوَاعًا مِنَ الِاخْتِلَافِ ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِتِلْكَ الرِّوَايَاتِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا غَيْرُ مَذْكُورَةٍ فِي كِتَابِ ذَلِكَ الْمُصَنِّفِ ، وَلَوْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ مَحْصُورَةً بِسَبْعِ رِوَايَاتٍ لِسَبْعَةٍ مِنَ الْقُرَّاءِ لَوَجَبَ أَنْ لَا يُؤْخَذَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَّا رِوَايَةٌ ، وَهَذَا لَا قَائِلَ بِهِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ ، أَنَّهُ مُنْصَرِفٌ إِلَى قِرَاءَةِ سَبْعَةٍ مِنَ الْقُرَّاءِ الَّذِينَ وُلِدُوا بَعْدَ التَّابِعِينَ ; لِأَنَّهُ يُؤَدِّي أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ مُتَعَرِّيًا عَنِ الْفَائِدَةِ إِلَى أَنْ يُولَدَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ السَّبْعَةُ فَيُؤْخَذُ عَنْهُمُ الْقِرَاءَةُ وَيُؤَدِّي أَيْضًا إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنْ يَقْرَأَ إِلَّا بِمَا يَعْلَمُ أَنَّ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةَ مِنَ الْقُرَّاءِ إِذَا وُلِدُوا وَتَعَلَّمُوا اخْتَارُوا الْقِرَاءَةَ بِهِ ، وَهَذَا تَجَاهُلٌ مِنْ قَائِلِهِ ، قَالَ : وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَنَّ قَوْمًا مِنَ الْعَامَّةِ يَقُولُونَهُ جَهْلًا وَيَتَعَلَّقُونَ بِالْخَبَرِ وَيَتَوَهَّمُونَ أَنَّ مَعْنَى السَّبْعَةِ الْأَحْرُفِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْخَبَرِ اتِّبَاعُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى مَا تَوَهَّمُوهُ ، بَلْ طَرِيقُ أَخْذِ الْقِرَاءَةِ أَنْ تُؤْخَذَ عَنْ إِمَامٍ ثِقَةٍ لَفْظًا عَنْ لَفْظٍ إِمَامًا عَنْ إِمَامٍ إِلَى أَنْ يَتَّصِلَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ.]
لما ذا لا نقول بالتواتر مع ذلك ؟
لأن التواتر والشهرة والاستفاضة مسائل زائدة على الصحة ولأنه في حال زيادة عدد التواتر على أربعة أشخاص قد يوجد عدم تواتر كما في هذا المثال الذي ضربته، وعلى ذلك بإمكان الإنسان أن ينكر التواتر ويجادل في الشهرة والاستفاضة في العشر كلها بدون أن يخرج من الملة بذلك، أما إذا أنكر صحة وجه واحد من كلمات القرآن التي اشتملت عليها القراءات العشر فإنه بذلك يخرج من الدين ويصبح حلال الدم، حرام الموالاة. ولعل ابن الجزري ممن يقول بارتفاع عدد الرواة في طبقات التواتر أكثر من أربعة لذلك أخذ بالصحة، وحسنا فعل. أقول لعلّ، ولعلّ ظن محض.
في هذا العصر الذي كثر فيه المتشككون في القراءات والذين في قلوبهم مرض منها اخترنا القول بالاكتفاء بالصحة عند اسيفاء الشروط الثلاثة مع إيماننا بتواتر العشر جملة وتفصيلا.
قد رأينا أنه حتى في الحديث لو ألزمنا أنفسنا بالمتواتر اللفظي كما أردنا فعله في القراءات لأصبح كل الناس حفاظا في الحديث وبدرجة البخاري. ومن يعجز عن حفظ (310) بعضها كلماته أقل من عشر ؟ إن أهل الحديث النجباء يعولون على الصحة مع وجود المتواتر عندهم، ويقولون "حديث صحيح"، بمعنى "يجب العمل به"، وإن قالوا: "متواتر" إنما يعنون فقط أنه صحيح بصفة التواتر، ولكنه - بتواتره أو بشهرته أو باستفاضته أو باثنين منها أو بها جميعا - لا يستطيع أن يزيد على الصحة. فلماذا نترك الصحة الوافية الكافية المتيقنة ونقفز إلى التواتر والشهرة والاستفاضة وهي أشياء زائدة على الصحة، تتخلفها لا يضر شيئا، ووجودها لا يضيف شيئا ؟
مثال تقريبي: أحمد ابن لفاطمة، خالد ابن لعائشة. أحمد رئيس دولة عظمى، خالد سائق ميكروباص، هل تزيد شهرة أحمد على بنوته لفاطمة ؟ وهل ينقص خمول خالد من بنوته لعائشة ؟ لا ! لا تزيد الشهرة ولا ينقص الخمول.
كل هذا الكلام في انفرادات القراء والرواة في النقل، أما نص القرآن المكتوب ذاته فقد تواتر بالآلاف في كل طبقة من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه اللحظة من سنة 2012 تحقيقا، ويستمر هذا التواتر إلى الجنة بإذن الله وعدا من الذي لا يخلف الميعاد.
هذه مجرد بداية مناقشة معمقة للمسائل التي ذكرنها قبلُ، ننتظر ردودكم، شاكرين لكم مسبقا التعاون في خدمة القرآن.