أخي الكريم
سأحيلك فوراً لمقال ماتع لفضيلة الشيخ خالد السبت حفظه الله حول الإعجاز العددي في القرآن، رداً على دعوى الإعجاز القرآني في حادثة مركز التجارة في أمريكا ...
http://www.islamselect.com/index.php?ref=838&pg=mat&CR=20&ln=1
وأنقله بكامله هنا للتسهيل:
دعوى الإعجاز القرآني في حادثة مركز التجارة في أمريكا
خالد بن عثمان السبت
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد،،،
فقد كثر السؤال عن ورقة تداولها الناس، كما نشر مضمونها في الشبكة العنكبوتية، وحاصلها: الربط بين آية من سورة براءة، وبين ما حدث لبرجي التجارة في أمريكا، ومع تهافت محتوى تلك الورقة في ميزان العلم الصحيح إلا أن كثيراً من الناس اغتروا بها، واعتبروا ذلك من أدلة إعجاز القرآن حيث أخبر عن هذا الأمر قبل وقوعه بما يزيد على أربعة عشر قرناً من الزمان !!! وفي آخر الورقة حث على تصويرها ونشرها !
وقد عجبت من جرأة كاتبها على الله، وعلى كتابه، والله يقول:} قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(33){ [سورة الأعراف]. وقال: }قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ(69){ [سورة يونس]. وقال:} إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ(105){ [سورة النحل].
ولما كان إيمان السلف رضي الله عنهم وافراً وعلومهم راسخة؛ اشتد تحرجهم من القول على الله بلا علم، وكانوا أبعد الناس عن التكلف:
◄ فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرأ على المنبر:} وَفَاكِهَةً وَأَبًّا(31){ [سورة عبس]. فقال:" هذه الفاكهة عرفناها فما الأب ؟ ثم رجع إلى نفسه فقال:" إن هذا لهو التكلف يا عمر !! "[إسناده صحيح . أخرجه أبو عبيد، وابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور في تفسيره، والحاكم والبيهقي في الشعب]. وفي رواية عن أنس رضي الله عنهم قال:" كنا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي ظهر قميصه أربع رقاع، فقرأ:} وَفَاكِهَةً وَأَبًّا(31){ [سورة عبس]. فقال: فما الأب؟ ثم قال: إن هذا لهو التكلف !! فما عليك أن لا تدريه ؟"[ إسناده صحيح . أخرجه عبد بن حميد في تفسيره، وابن سعد، وابن جرير، والبيهقي في الشعب، وأصله في البخاري-مختصرا- ].
◄ وهذا ابن عباس حَبْر الأمة وترجمان القرآن – كما روى عنه ابن أبي مليكة – أنه:" سُئِل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها"[ إسناده صحيح . أخرجه ابن جرير]. وسأله رجل عن:} يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ(5) {[سورة السجدة]. فقال له ابن عباس: فما:} يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ(4) {[سورة المعارج] فقال له الرجل: إنما سألتك لتحدثني !! فقال ابن عباس:" هما يومان ذكرهما الله في كتابه الله أعلم بهما" [إسناده صحيح .أخرجه أبو عبيد، وابن جرير].
◄ وهذا جندب بن عبدالله رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيه طلق بن حبيب، فيسأله عن آية من القرآن، فقال:" أُحَرِّج عليك إن كنت مسلماً لَمَا قمت عني – أو قال – أن تُجالسنى" [إسناده صحيح . أخرجه ابن جرير، ولعل السائل أورد عليه مسألة مُتَكَلَّفة وإلا فمن المعلوم أن السؤال عما يعني في التفسير وغيره أمر غير مٌستنكر].
ولم يكن هذا الورع والتحرز مقتصراً على الصحابة رضي الله عنهم بل كان خٌلقاً لمن جاء بعدهم من أهل الرسوخ والتٌقى:
◄ فهذا سعيد بن المسيب رحمه الله- وهو من خيار علماء التابعين- يٌسئل عن تفسير آية من القرآن فيقول:" إنا لا نقول في القرآن شيئاً"[ إسناده صحيح . أخرجه أبن جرير وابن سعد]. وذكر عنه يحي بن سعيد أنه:" كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن"[ إسناده صحيح . أخرجه أبو عبيد وابن جرير]. وسأله رجل عن آية من القرآن، فقال:" لاتسألني عن القرآن..."[ إسناده صحيح . أخرجه أبو عبيد وابن جرير وابن أبي شبية] .
◄ وقال يزيد بن أبي يزيد:: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحرام والحلال وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأنه لم يسمع"[ إسناده صحيح . أخرجه ابن جرير].
◄ وأخرج ابن جرير عن عبيد الله بن عمر قال:" أدركت فقهاء المدينة وإنهم ليعظمون القول في التفسير منهم سالم بن عبيد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، ونافع"[ إسناده صحيح].
◄ وقال هشام بن عروة بن الزبير:" ما سمعت أبي يؤول آية من كتاب الله قط"[ إسناده جيد . أخرجه أبو عبيد].
◄ وسأل محمد بن سيرين عَبِيْدة السلماني عن آية من القرآن، فأجابه بقوله:" ذهب الذين كانوا يعلمون فِيْم أُنزل القرآن، فاتق الله وعليك بالسَّداد"[ إسناده صحيح أخرجه أبو عبيد وابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور والبيهقي في الشعب].
◄ هذا إبراهيم النخعي يقول:"كان أصحابنا – يعنى أصحاب ابن مسعود كعلقمة والأسود وغيرهم من أصحاب ابن مسعود – يتقون التفسير ويهابونه"[ إسناده صحيح . أخرجه ابن أبي شبية، والبيهقي في الشعب، وأبو نعيم في الحلية].
◄ قال الشعبي رحمه الله:"والله ما من آية إلا وقد سألت عنها، ولكنها الرواية عن الله عز وجل"[ إسناده صحيح . أخرجه ابن جرير].
◄ قال مسروق:"اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله" [إسناده صحيح . أخرجه أبو عبيد].
◄ هذا شيخ الاسلام ابن تيمية مع تبحره في العلم، وسعة اطلاعه حتى أنه إذا سُئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحَكَم بأن لا يعرفه أحد مثله، وله يد طولى في التفسير، مع قوة عجيبة في استحضار الأدلة من الكتاب والسنة [انظر: الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية ص 706] . مع هذا كله، كان يرحمه الله يقول:"ربما طالعت على الآية الواحدة نحو مائة تفسير، ثم أسأل الله الفهم وأقول: يا معلم آدم وإبراهيم علمني، وكنت أذهب إلى المساجد المهجورة ونحوها، وأمرغ وجهي في التراب، وأسأل الله تعالى وأقول: يا معلم إبراهيم فهمني" [العقود الدرية ص26، وهو في الكواكب ص 78].
◄ هذا طرف يسير من شدة تحرزهم في الكلام على التفسير، وأما ما ورد عنهم من عظيم الورع في الفتيا والجواب على المسائل الموجهة إليهم؛ فهذا أمر يطول وصفه، ولا تحتمله هذه المقدمة .[ للتوسع انظر على سبيل المثال: سنن الدرامي 1/53 فما بعدها، الموافقات 4/286] .
◄وبعد هذا أقول: أين حال هؤلاء المجترئين على الله تعالى من حال هؤلاء السلف رضي الله عنهم؟
أما الرد على مضمون تلك الورقة المشار إليها فمن ثمانية أوجه، هي:
الأول: أن مدار هذه الفرية يعود إلى ما يسمونه بـ:" الإعجاز العددي في القرآن " . وهذا النوع من الإعجاز باطل جملة وتفصيلاً، إذ لم يكن معهوداً لدى المخاطبن بالقرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أعلم الأمة بكتاب الله، وأبرها قلوباً، وأكثرها صواباً، فلم ينُقل عن أحد منهم بإسناد صحيح شئ من هذا القبيل إطلاقاً، ولو كان هذا من العلم المعتبر لكانوا أسبق الناس إليه، وأعلم الأمة به، وذلك أن هذا الأمر لا يتطلب آلات وتقنيات حتى يتمكن الإنسان من اكتشافه، وإنما هو مجرد إحصاء وعدد، وهذا أمر لا يُعْوِز أحداً، وقد عدَّ السلف جميع كلمات القرآن، وجميع حروفه، وعرفوا بذلك أعشاره، وأرباعه، وأثلاثه، وأخماسه، وأسداسه، وأسباعه وأثمانه وأنصاف ذلك كله، وغير ذلك بدقه متناهية كما هو معروف في محله [انظر في ذلك على سبيل المثال: فنون الأفنان لابن الجوزي، البرهان للزركشي، الاتقان للسيوطي 1/197، جمال القراء للسخاوي 1/231].
فكيف خفي عليهم هذا العلم جملة وتفصيلاً وعرفه من بعدهم؟ هذا لا يكون أبداً، وما يذكره بعضهم من أمثلة على هذا الإعجاز المزعوم كثير منه لا يصح فيه العد أصلاً – كما في موضوعنا هذا كما سيأتي – وما كان العد فيه صحيحاً فإنه ما يُذكر معه إنما هو من باب الموافقة والمصادفة، ولا يعجز الإنسان إذا أحصى أموراً كثيرة مما ورد في القرآن – مثلاً – كعدد المرات التي ذكرت فيها الجنة، والنار، والبر، والأبرار، والخير، والشر، والنعيم، والجزاء، والعذاب، والمحبة، والبغض، والكفار، وأصحاب الجنة، وأصحاب النار، والمؤمنون، والكفار، والمنافقون، والكفر، والإيمان، والنفاق ... الخ.
فإذا أحصيت ذلك كله ستجد أشياء منه تستطيع أن تلفق منها بعض الفِرَى، فقد تتساوى بعض الأعداد، أو يكون بعضها على النصف بالنسبة لغيره، وهكذا مما لا يعجز معه أهل التلبيس من إيجاد وجوه للربط بينها، يطرب لها بعض السذج والمغفلين . وليس المقصود هنا التفصيل فيما يٌسمى بـ ( الإعجاز العددي ) [ورأيت بعضم يحتج له بأن الله جعل خزنة النار تسعة عشر، وهذا الحكمة يعلمها الله تعالى ولكن ما وجه الإعجاز في ذلك ؟ وهكذا سائر الأعداد المذكورة في القرآن كأبواب النار وغير ذلك وسيكون بيان ذلك كله – ان شاء الله – في غير هذه الورقات عند الكلام على التفسير العلمي للقرآن]. وإنما المقصود الإشارة الى بطلان هذا الأمر الذي تدور حوله تلك الورقة المشار إليها .
الثاني: زعم هذا الكاتب أن رقم السورة – وهو تسعة – موافق للشهر الذي وقع فيه الحدث، وهو الشهر التاسع . والجواب عن هذا لا يخفي إذ إن ترتيب السور في المصحف لم يكن عن توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان عن اجتهاد صدر عن الصحابة رضي الله عنهم في زمن عثمان رضي الله حينما جمع الناس على مصحف واحد.[مع أننا نقول في الوقت نفسه : إن هذا الترتيب وقع عليه إجماع الصحابة رضي عنهم في زمن عثمان رضي الله عنه، فينبغي اتباعه في طباعة المصاحف ولا تصح مخالفته].
وإذا كان الأمر كذلك؛ فلا يجوز أن يٌرتب على هذا الترتيب للسور استنباطات في المعاني ولا غيرها، ومعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم قبل جمع عثمان رضي الله عنه للمصاحف كانوا يتفاوتون في ترتيب مصاحفهم، فبعضهم كان يرتب السور حسب النزول، وبعضهم على غير ذلك، وبهذا تعرف قيمة ما بناه ذلك الكاتب على هذا الرقم (9).
الثالث: زعم كاتب الورقة أن سورة براءة تقع في الجزء الحادي عشر من أجزاء القرآن الكريم، وأن هذ يوافق اليوم الذي وقع فيه الحدث، وهو اليوم الحادي عشر .
والجواب عن هذا يتبين مما قبله، إذ لو لم تٌرتب السور في المصحف على هذا الترتيب الذي أجمع عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم زمن عثمان رضي الله عنه لما وقعت السورة في الجزء المشار إليه . هذا من جهة.
ومن جهة أخرى نقول: إن تجزئة القرآن على ثلاثين جزءاً لم تكن معروفة زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا في زمن الصحابة، ولا في زمن عثمان رضي الله عنه ولا قبله ولا بعده، وإنما وقع ذلك بعدهم، وكان الصحابة رضي الله عنهم يحزبون القرآن بطريقة أخرى حسب السور على النحو الآتي:
1- السبع الطوال . 2- المئتين . 3- المثاني . 4- المفصل .
ولا شك أن هذا الترتيب الذي كانوا عليه أدق وأفضل، إذ إن ترتيب القرآن على الأجزاء يفضي إلى انتهاء الجزء قبل تمام المعنى، حيث يفصل بين أجزاء الموضوع الواحد، أما طريقة الصحابة رضي الله عنهم فهي – كما سبق – على السور، وبناء على ذلك تكون المعاني تامة .
وإذا كان الأمر كذلك فليس لأحد أن يتمسك برقم الجزء الذي وقعت فيه السورة ليربط بينه وبين أمر آخر ليخرج لنا بمعنى كهذا .
الرابع: في البداية كانت الآية التي تعلق بها الكاتب هي الآية رقم (110) من سورة التوبة ، وهي قولة تعالى:} لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(110){ وإنما تعلق بهذة الآية لتوافق عدد الأدوار في الأبراج حيث تبلغ هذا العدد، ولكن مضمون الآية لا يساعده، وإنما المناسب ان تكون الآية التي قبلها وهي (109) وذلك قوله تعالى:} أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ (109){ ثم رأيت في الأوراق المنشورة مؤخراً الإحالة إلى هذه الآية (109) لكن هذه يتطلب كذبة إضافية لحبك الدعوى، ولم يتطلب هذا من الكتاب كبير جهد حيث زعم أن عدد الأدوار (109) فأسقط دوراً ليوافق ذلك مدَّعاه، وهذا من أعجب الأمور !! ولا أدري كيف يسمح الناس لمثل هذا أن يستخف بعقولهم إلى هذا الحد ؟
الخامس: أن مبنى هذه الارتباطات على الحساب الشمسي، وهو حساب متوارث عن أمم وثنية، ولم يكن معتبراً لدى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وإنما الحساب المعتبر في الشرع هو الحساب بالقمر والأهلة، وهو الأدق والأضبط، ومما يدل على أن المعروف في شرائع الأنبياء هو الحساب بالقمر والأهلة حديث عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:[أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ وَأُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ] أخرجه أحمد والبيهقي في الشعب، وإسناده حسن، وذكره الألباني في الصحيحة، وصحيح الجامع .
وهذا لا يعُرف إلا إذا كان الحساب بالقمر والأهله، ويدل عليه أيضاً الحديث المخرج في الصحيحين عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى. . . " وقد صرح الحافظ رحمه الله أنهم كانوا لا يعتبرون الحساب بالشمس [انظر : الفتح 4/291، وانظر 7/323].
وقال ابن القيم رحمه الله تعليقا على قوله تعالى:} هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ(5){ [سورة يونس] .
وقوله تعالى:} وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(38)وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ(39){ [سورة يس] .ولذلك كان الحساب القمري أشهر وأعرف عند الأمم وأبعد من الغلط، وأصح للضبط من الحساب الشمسي، ويشترك فيه الناس دون الحساب، ولهذا قال تعالى في القمر}وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ(5){ [سورة يونس].
ولم يقل ذلك في الشمس، ولهذا كانت أشهر الحج والصوم والأعياد ومواسم الإسلام إنما هي على حساب القمر وسيره ونزوله في منازله لا على حساب الشمس وسيرها حكمة من الله ورحمة وحفظاً لدينه لاشتراك الناس في هذا الحساب، وتعذر الغلط والخطأ فيه، فلا يدخل في الدين من الاختلاف والتخليط ما دخل في دين أهل الكتاب .[ مفتاح دار السعادة ص 538-539].
وربما يُفهم من العبارة الأخيرة لابن القيم رحمه الله أن أهل الكتاب كانوا يعتمدون الحساب الشمسي، وهذا قد صرح الحافظ ابن حجر رحمه الله برده بعد أن نسبة لابن القيم [ انظر الفتح 7/323].
الواقع أنه لم يكن معتبراً في شرعهم وإنما وقع لهم بعد ذلك لدى جهلتهم، ويؤيده ما أخرجه الطبراني عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال :" ليس يوم عاشوراء باليوم الذي يقوله الناس، إنما كان يوم تٌستر فيه الكعبة، وكان يدور في السنة وكانوا يأتون فلاناً اليهودي – يعني ليحسب لهم – فلما مات أتوا زيد ين ثابت فسألوه"[قال في الفتح : وسنده حسن 4/248].
وقد فسره الحافظ رحمه الله بما نقله من كتاب "الأثار القديمة "للبيروني، ما حاصله:"أن جهلة اليهود يعتمدون في صيامهم وأعيادهم حساب النجوم، فالسنة عندهم شمسية لا هلالية، قال الحافظ : فمـن ثم احتاجوا إلى مـن يعرف الحسـاب ليعتمدوا عليه في ذلك " [السابق، وللتوسع في هذا الحساب راجع : صحيح الأعشى 2/382-401].
السادس: أن الآية المشار إليها تتحدث مع ما قبلها وبعدها عن مسجد الضرار الذي بناه المنافقون، وربطها بالحدث الجديد تلاعب بكتاب الله تعالى، وتحميل له ما لا يحتمل إطلاقاً من أي وجه من وجوه الدلالة المعروفه لدى العلماء وهذا أمر أوضح من أن يشرح .
السابع: زعم كاتب الورقة أن عدد الحروف من بداية السورة إلى الآية (109) = (2001)حرفاً. وهذا إضافة الى الأوجه السابقة الدالة على عدم الاعتداد به فإنه كذب محض، ذلك أن كل وجهين (صفحتين) من المصحف الكريم تحويان ما يقرب من ألف حرف، وعد الأوجه من أول السورة إلى الأية المشار اليها يبلغ (7.5) تقريباً، فإذا اعتبرت هذا العدد عرفت البون الشاسع بين ما ذكره الكاتب وبين الحقيقه، ولذا رأيت في بعض طبعات تلك الورقه المعدلة أن هذا الرقم (2001) هو عدد الكلمات من أول السورة إلى الآية المشار اليها، وهذا أيضاً غير صحيح ذلك أن العدد الحقيقي للكلمات هناك يزيد على (2920) كلمة . وإذا أحسنَا الظن بالكاتب قلنا إنه لا يحسن العد، ذلك أن الكلمة عند أهل العربية ثلاثة أقسام: 1- الاسم. 2- الفعل. 3- الحرف الذي جاء لمعنى نحو : من، على، إلى، والباء وغيرها من حروف الجر وما في حكمها، وهكذا الضمائر سواء كانت متصلة أو منفصلة فإنها تٌعد كلمات أيضاً .
الثامن : زعم الكاتب أن المركز المشار إليه يقع على شارع اسمه: (جرف هار) . وهكذا كذب مٌلفق، وقد سألت من يعرفون تلك البلاد فلم يعرفوا هذا الاسم، كما اطلعت على بعض المعلومات والخرائط التي توضح الموقع وما حوله عبر الشبكة العنكبوتية، وليس لهذا الاسم الحقيقي للشارع فنقول: إن هذا الاسم أعجمي، والقرآن بلسان عربي مبين، ومعلوم أن الألفاظ قوالب المعاني، وإنما تفٌسر الألفاظ بحسب ما وٌضعت له من المعاني في اللغة التي تضاف إليها، فكم من لفظة أعجمية توافق لفظاً كلمة عربية وتناقضها في معناها ومدلولها، ولا يقول أحد له أدنى مسكة من عقل بأن هذه الألفاظ المتوافقة في مجرد اللفظ أنها تٌحمل على مدلول واحد . ومعلوم أن (الجرف) في العربية هو المكان الذي يأكله السيل[انظر : المفردات للراغب (مادة : جرف)]. وأما (الهار) فإن أصل هذه الكلمة يدور على معنى واحد هو السقوط والانهدام[انظر المقاييس في اللغة، كتاب الهاء، باب الهاء والواو].
ولا يبعد على هذا الكاتب وأمثاله أن يخرج علينا باستنباط جديد بعد أن عرف معنى هاتين اللفظين في لغة العرب، وهو أن يقول بأن المبنى المشار إليه يمر بجانبه نهر، فهو يقع على ضفافه بالتالي فهو على جرف هار !!!! والدجل ليس له حد يتنهي إليه.
في الختام أنبه القارئ الكريم أن المقصود الأهم من كتابة هذه الورقات إنما هو التبيه على حال هذه المٌختلقات وهي كثيرة ومتنوعة وذلك بعرضها على ميزان العلم فينكشف أمرها، وهذا الذي بين يديك يمكنك أن تعتبر به حال كثير مما يمر بك مما قد يستهوي بعض السذج والبسطاء،،، والله الموفق .
انتهى كلامه حفظه الله.
وفقك الله وسددك.