أربع مسائل في آية (وإن جنحوا للسلم)

د محمد الجبالي

Well-known member
إنضم
24 ديسمبر 2014
المشاركات
400
مستوى التفاعل
48
النقاط
28
الإقامة
مصر
السِّلْم والسَّلْم
أربع مسائل في قول الله تعالى: ({وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}) (الأنفال:61)
  1. ما الفرق بين السِّلْم والسَّلْم؟
  2. ولماذا استعمل السَّلْم بفتح السين؟
  3. وما سبب تأنيث الضمير في (فاجنح لها)؟
  4. لماذا عدل عن التعدي بـ (إلى) إلى التعدي بـ (اللام) في: (جَنَحُوا لِلسَّلْمِ)}،{(فَاجْنَحْ لَهَا})؟
قبل أن نخوض في مناقشة هذه المسائل جدير بنا أن نلفت النظر إلى أن (السِّلْم والسَّلْم) بفتح السين وكسرها قراءتان متوارتان، قال ابن عاشور في التحرير: وَالسَّلْمُ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا ضِدُّ الْحَرْبِ. وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِالْفَتْحِ، وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَخَلَفٌ بِكَسْرِ السِّينِ.

المسألة الأولى: ما الفرق بين السِّلْم والسَّلْم؟
قال الكسائي: السِّلم والسَّلم بمعنى واحد، وفي اللسان: وكذلك السِّلْم والسَّلْم يذهب بهما إلى الْمُسالَمَة فتؤنث. وذهب بعض المفسرين إلى أن السَّلم بفتح السين يقصد به الإسلام.

المسألة الثانية: لماذا استعمل السَّلْم بفتح السين؟
قلنا أعلاه أن القراءتين [السِّلْم والسَّلْم] متواترتان، وأهل اللغة يقولون أنهما بمعنى واحد، وإني أميل إلى قراءة الفتح لأنها تحتمل معنى الميل إلى الاستسلام والميل إلى الإسلام بحسب ما ذهب بعض المفسرين، وذلك أشمل للمعنى.

المسألة الثالثة: ما سبب تأنيث الضمير في (فاجنح لها)؟
في المصباح: والسلم بكسر السين وفتحها الصلح ويذكر ويؤنث، وقال الزمخشري: والسلم تؤنث تأنيث نقيضها وهي الحرب، وذهب أهل اللغة وتابعهم المفسرون أن [السِّلْم والسَّلْم] اكتسبا التأنيث من معنى الْمُسالَمَة، ولهذا أُنِّثَ الضمير لِعَوْدِه على مؤنث.

المسألة الرابعة: لماذا عَدَلَ عن التَّعَدِّي بـ (إلى) إلى التَّعَدِّي بـ (اللام) في: {(جَنَحُوا لِلسَّلْمِ)}،{ (فَاجْنَحْ لَهَا)}؟
اِلْتَفَتَ ابن عاشور رحمه الله إلى هذه النكتة البلاغية اللطيفة وقال: "اللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِلسَّلْمِ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ (إِلى) لِتَقْوِيَةِ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ مَيْلَهُمْ إِلَى السَّلْمِ مَيْلُ حَقٍّ، أَيْ: وَإِنْ مَالُوا لِأَجْلِ السَّلْمِ وَرَغْبَةً فِيهِ لَا لِغَرَضٍ آخَرَ غَيْرِهِ، لِأَنَّ حَقَّ جَنَحَ أَنْ يُعَدَّى بِ (إِلَى) لِأَنَّهُ بِمَعْنَى مَالَ الَّذِي يُعَدَّى بإلى فَلَا تَكُونُ تَعْدِيَتُهُ بِاللَّامِ إِلَّا لِغَرَض". وإلى مثل هذا ذهب البقاعي، قال: "والتعبير باللام دون «إلى» لا يخلو عن إيماء إلى التهالك على ذلك ليتحقق صدق الميل"
فالتعدي باللام بغرض التأكيد على صدق ميلهم للسلم، ورغبتهم فيه.
والله أعلم
د. محمد الجبالي
 
بسم الله الرحمن الرحيم
جزاكم الله تعالى خيرا الاستاذ الفاضل وبارك بكم .
ولو ننظر لتفسير الآية الكريمة لوضحت الامور أكثر :
قال ابن كثير رحمه الله تعالى : (

ورد في تفسير بن كثير أنه لما طلب المشركون عام الحديبية الصلح ووضع الحرب بينهم وبين رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم تسع سنين، أجابهم إلى ذلك مع ما اشترطوا من الشروط الأخر، قال ابن عباس ومجاهد: إن هذه الآية منسوخة بآية السيف في براءة {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ} [التوبة:29] وهو قول عطاء وعكرمة والحسن وقتادة وزيد بن أسلم ، وفيه نظر، لأن آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك، فأما إن كان العدو كثيفاً فإنه يجوز مهادنتهم، كما دلت هذه الآية الكريمة، وكما فعل النبي صل اللّه عليه وسلم يوم الحديبية، فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص واللّه أعلم.

تفسير الآيات:
{وَإِنْ جَنَحُوا}: أي مالوا يقول تعالى: إذا خفت من قوم خيانة فانبذ إليهم عهدهم على سواء، فإن استمروا على حربك ومنابذتك فقاتلهم {لِلسَّلْمِ}: أي المسالمة والمصالحة والمهادنة {فَاجْنَحْ لَهَا}: أي فمل إليها، واقبل منهم ذلك،. وقوله: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأحزاب:3] أي صالحهم وتوكل على اللّه، فإن اللّه كافيك وناصرك ولو كانوا يريدون بالصلح خديعة ليتقووا ويستعدوا {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ}: أي كافيك وحده، ثم ذكر نعمته عليه بما أيده من المؤمنين المهاجرين والأنصار فقال: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ}: أي جمعها على الإيمان بك وعلى طاعتك ومناصرتك ومؤازرتك).
والله تعالى أعلم .
 
عودة
أعلى