[FONT="]مع أهمية العلم بأسباب النزول في تفسير القرآن الكريم إلا أنه ينبغي تحري الدقة في ذلك ، وقد وقع كثير من المفسرين في أخطاء فادحة ليست من التفسير في شيء إنما هي دخيلة عليه ،ومن هذا على سبيل المثال لا الحصر : [/FONT][FONT="]ما ذكره كثير من المفسرين ،وذكره بعض أصحاب السير منهم: ابن إسحاق الذي ذكره في سيرته بإطناب وبدون سند ،وأسنده الطبري إلى عبد الله بن عباس بسند فيه رجل مجهول :[/FONT] [FONT="](أن قريشاً لَمَّا أَهَمَّهُمْ أَمر النبي صلى الله عليه وسلم [/FONT][FONT="]بَعَثُوا النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ إِلَى أَحْبَارِ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ ،فقالوا لهما: سَلُوهُمْ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَصِفُوا لَهُمْ صِفَتَهُ، وَأَخْبِرُوهُمْ بِقَوْلِهِ، فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، وَعِنْدَهُمْ عِلْمُ مَا لَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ عِلْمِ الْأَنْبِيَاءِ. فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ، فَسَأَلُوا أَحْبَارَ يَهُودَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَصَفُوا لَهُمْ أَمْرَهُ وَبَعْضَ قَوْلِهِ، وَقَالَا: إِنَّكُمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ، وَقَدْ جِئْنَاكُمْ لِتُخْبِرُونَا عَنْ صَاحِبَنَا هَذَا، فَقَالَتْ لَهُمْ أَحْبَارُ يَهُودَ: سَلُوهُ عَنْ ثَلَاثٍ نَأْمُرُكُمْ بِهِنَّ، فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِهِنَّ فَهُوَ نَبِيُّ مُرْسَلٌ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالرَّجُلُ مُتَقَوِّلٌ، فَرُوا فِيهِ رَأْيَكُمْ: سَلُوهُ عَنْ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدَّهْرِ الْأَوَّلِ، مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُمْ حَدِيثٌ عَجِيبٌ. وَسَلُوهُ عَنْ رَجُلٍ طَوَّافٍ، بَلَغَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، مَا كَانَ نَبَؤُهُ؟ وَسَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ مَا هُوَ؟ فَإِنْ أَخْبِرَكُمْ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ نَبِيُّ فَاتَّبِعُوهُ، وَإِنْ هُوَ لَمْ يُخْبِرْكُمْ، فَهُوَ رَجُلٌ مُتَقَوِّلٌ، فَاصْنَعُوا فِي أَمْرِهِ مَا بَدَا لَكُمْ. فَأَقْبَلَ النَّضْرُ وَعُقْبَةُ حَتَّى قَدِمَا مَكَّةَ عَلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ: قَدْ جِئْنَاكُمْ بِفَصْلِ مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، قَدْ أَمَرَنَا أَحْبَارُ يَهُودَ أَنْ نَسْأَلَهُ، عَنْ أُمُورٍ، فَأَخْبَرُوهُمْ بِهَا، فَجَاءُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنَا، فَسَأَلُوهُ عَمَّا أَمَرُوهُمْ بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُخْبِرُكُمْ غَدًا بِمَا سَأَلْتُمْ عَنْهُ» وَلَمْ يَسْتَثْنِ فَانْصَرَفُوا عَنْهُ، فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، لَا يُحْدِثُ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَحْيًا، وَلَا يَأْتِيهِ جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَتَّى أَرْجَفَ أَهْلُ مَكَّةَ، وَقَالُوا: وَعَدَنَا مُحَمَّدٌ غَدًا، وَالْيَوْمَ خَمْسَ عَشْرَةَ قَدْ أَصْبَحْنَا فِيهَا لَا يُخْبِرُنَا بِشَيْءٍ مِمَّا سَأَلْنَاهُ عَنْهُ. وَحَتَّى أَحْزَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُكْثَ الْوَحْيِ عَنْهُ، وَشَقَّ عَلَيْهِ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ. ثُمَّ جَاءَهُ جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بِسُورَةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، فِيهَا مُعَاتَبَتُهُ إِيَّاهُ عَلَى حُزْنِهِ عَلَيْهِمْ وَخَبَرُ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الْفِتْيَةِ وَالرَّجُلُ الطَّوَافُ، وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي }[/FONT][FONT="][الإسراء: 85][/FONT][FONT="])[/FONT][FONT="] ([FONT="][1][/FONT])[/FONT][FONT="] .[/FONT] [FONT="]وهذا السبب الذي ذكره كثير من المفسرين أرى أنه من الدخيل في أسباب النزول ، وذلك لما يأتي :[/FONT] [FONT="]أولاً : لأن سنده واه ،فقد جاء عن ابن إسحاق بلا سند ،وأسنده الطبري إلى عبد الله بن عباس بسند فيه رجل مجهول ،فقال : (حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني شيخ من أهل مصر، قدم منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عباس )[/FONT][FONT="] ([FONT="][2][/FONT])[/FONT][FONT="] وإذا لم يعرف سند الحديث أو كان في سنده مجهول لا يجوز الاستدلال به في مثل هذه الأمور ،وبهذا نعلم أن الحديث لم يأت من طريق صحيح .[/FONT] [FONT="]ثانياً : أن الحديث يظهر النبي [/FONT][FONT="]صلى الله عليه وسلم [/FONT][FONT="] الذي لا ينطق عن الهوى بمظهر الحرج أمام أعداء الدين ،عندما قال أخبركم عما سألتم عنه غداً ،ولكنه ينقطع عنه الوحي خمس عشرة ليلة ،مما يجعلهم يتكلمون في نبوته [/FONT][FONT="]صلى الله عليه وسلم [/FONT][FONT="]ويقولون: وعدنا محمد غداً واليوم خمس عشرة ليلة وقد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه ،فكيف ذلك وهو في أمس الحاجة إلى سرعة الجواب لقطع عذرهم بالإيمان ؟!!!. [/FONT] [FONT="]ثالثاً : ما جاء في سبب النزول : (أن قريشاً لما أهمهم أمر النبي [/FONT][FONT="]صلى الله عليه وسلم [/FONT][FONT="] بعثوا النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة ,فقالوا لهما: سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته وأخبروهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء .... ) هذا يدل على بطلان الرواية ،فهل كانت قريش في حاجة إلى التأكد من اليهود إن كان النبي [/FONT][FONT="]صلى الله عليه وسلم [/FONT][FONT="]صادقاً أم كاذباً؟ وقد لقبوه بالصادق الأمين !! فإن كانوا كذلك ,فقد عرفوا من معجزة القرآن أنه ليس كلام إنس ولا جن ،وكانوا متأكدين من نبوته ،وقد شاهدوا بأعينهم انشقاق القمر وغيرها من المعجزات الأخرى الحسية! ومع هذا قالوا سحر مستمر ،وهذا كله يدل على أنهم كانوا يعرفون صدقه ونبوته ،ولا يحتاجون إلى التأكد من اليهود ولا من غيرهم ،بل كان كفرهم كفر عناد وجحود ،وهذا كله يبطل ما ذكر في سبب النزول .[/FONT] [FONT="]رابعاً: والعجيب أن الحديث مع بطلانه يستدل به أكثر المفسرين[/FONT][FONT="]([FONT="][3][/FONT])[/FONT][FONT="]في سبب نزول السورة ,وهو يمس جانب النبوة ،مع أنه لم يرد في كتاب صحيح من كتب السنة .[/FONT] [FONT="]ومن هنا يجب التنبيه على مثل هذه الأباطيل ، فمعاذ الله أن يتخلى عن رسوله [/FONT][FONT="]صلى الله عليه وسلم [/FONT][FONT="]وهو في أشد الحاجة إلى ذلك .[/FONT]
[FONT="]أ.د/ أبو الحسن عطية مسعد قاسم[/FONT]
[FONT="]كلية العلوم والآداب بالخفجي[/FONT]
[FONT="]([FONT="][1][/FONT]) سيرة ابن اسحاق [ جزء 1 - صفحة 178 ] , تفسير الطبري - (ج 17 / ص 593) .[/FONT]
[FONT="]([FONT="][2][/FONT]) تفسير الطبري - (ج 17 / ص 593) .[/FONT]
[FONT="]([FONT="][3][/FONT]) ذكره كثير من المفسرين انظر مثلاً : تفسير الطبري ج15:ص192 , تفسير البيضاوي ج3:ص489 , الدر المنثور ج5:ص377 , المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج3:ص508 ، وغيرهم من المفسرين القدامى والمحدثين .[/FONT]
الفاضل أبو الحسن ، جاء في مشاركتك ما يلي : " مع أهمية العلم بأسباب النزول في تفسير القرآن الكريم إلا أنه ينبغي تحري الدقة في ذلك ، وقد وقع كثير من المفسرين في أخطاء فادحة ليست من التفسير في شيء إنما هي دخيلة عليه ،ومن هذا على سبيل المثال لا الحصر : ما ذكره كثير من المفسرين ،وذكره بعض أصحاب السير منهم: ابن إسحاق الذي ذكره في سيرته بإطناب وبدون سند ،وأسنده الطبري إلى عبد الله بن عباس بسند فيه رجل مجهول ." ثم بعد ذلك أتيت بأدلة منها : أولاً : لأن سنده واه ،فقد جاء عن ابن إسحاق بلا سند ،وأسنده الطبري إلى عبد الله بن عباس بسند فيه رجل مجهول ،فقال : (حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني شيخ من أهل مصر، قدم منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عباس ) وإذا لم يعرف سند الحديث أو كان في سنده مجهول لا يجوز الاستدلال به في مثل هذه الأمور ،وبهذا نعلم أن الحديث لم يأت من طريق صحيح . أخي ، المعمول به عند أهل العلم أن منهج المحدثين يختلف عن منهج المفسرين ، ومثل هذه الأحاديث كثيرا ما يحتج بها في الأخبار . لأنها من قبيل الأخبار المستفيضة ، والتي يعلمها الكل . لأن الذين يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم : إما من اليهود أو نصارى نجران أو مشركي قريش أو المؤمنين . وهذه الأشياء المذكورة في الحديث هي من قبيل ما يسأل عنه اليهود لأنهم أهل كتاب . ثانياً : أن الحديث يظهر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى بمظهر الحرج أمام أعداء الدين ،عندما قال أخبركم عما سألتم عنه غداً ،ولكنه ينقطع عنه الوحي خمس عشرة ليلة ،مما يجعلهم يتكلمون في نبوته صلى الله عليه وسلم ويقولون: وعدنا محمد غداً واليوم خمس عشرة ليلة وقد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه ،فكيف ذلك وهو في أمس الحاجة إلى سرعة الجواب لقطع عذرهم بالإيمان ؟!!!. الرسول صلى الله عليه وسلم ما هو إلا مبلغ عن الله تعالى ، فكيف له أن يحدثهم عن شيء لا يعلمه إلا عن طريق الوحي . تقول الرواية : " فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُخْبِرُكُمْ غَدًا بِمَا سَأَلْتُمْ عَنْهُ» وَلَمْ يَسْتَثْنِ " . وهذا شيء طبيعي يتوافق مع روح القرآن الكريم . فإبطاء الوحي من الله ، وهو الذي يعلم متى ينزل القرآن على رسوله ، وليس العكس . وكذلك فالوحي من الله لرسوله ولو شاء لأوقف نزول الوحي . ففي مواضع متعددة أخبر الله تعالى عن ذلك بطرق مختلفة : يقول تعالى : {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى }[الضحى:3] ، ويقول تعالى في سورة الحاقة : [وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ {44} لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ{45} ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ{46}] . ويقول تعالى : {وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً }[الإسراء:86] . أما قولك وما ينطق عن الهوى فلا محل لها من الدليل ، لأنها تعني إما الوحي قرآنا يتلوه ، أو الوحي سنة ينطق بها . وفي جميع الأحوال ، فالوحي من الله ، وهو الذي يعلم متى يكون . ثالثاً : ما جاء في سبب النزول : (أن قريشاً لما أهمهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعثوا النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة ,فقالوا لهما: سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته وأخبروهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء .... ) هذا يدل على بطلان الرواية ،فهل كانت قريش في حاجة إلى التأكد من اليهود إن كان النبي صلى الله عليه وسلم صادقاً أم كاذباً؟ وقد لقبوهبالصادق الأمين !! فإن كانوا كذلك ,فقد عرفوا من معجزة القرآن أنه ليس كلام إنس ولا جن ،وكانوا متأكدين من نبوته ،وقد شاهدوا بأعينهم انشقاق القمر وغيرها من المعجزات الأخرى الحسية! ومع هذا قالوا سحر مستمر ،وهذا كله يدل على أنهم كانوا يعرفون صدقه ونبوته ،ولا يحتاجون إلى التأكد من اليهود ولا من غيرهم ،بل كان كفرهم كفر عناد وجحود ،وهذا كله يبطل ما ذكر في سبب النزول . كل ذلك تعرفه قريش، لكن الذي لا تعرفه قريش ، هو كل ما جاء في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم في الكتب السابقة وبالأخص التوراة . ويؤكده قولهم : " فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء " رابعاً: والعجيب أن الحديث مع بطلانه يستدل به أكثر المفسرين في سبب نزول السورة ,وهو يمس جانب النبوة ،مع أنه لم يرد في كتاب صحيح من كتب السنة . ومن هنا يجب التنبيه على مثل هذه الأباطيل ، فمعاذ الله أن يتخلى عن رسوله صلى الله عليه وسلم وهو في أشد الحاجة إلى ذلك . فالله لم يتخل عن رسوله ، بقدر ما هو درس كبير في التربية التي يتلقاها الرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحي . يقول الطبري (ت:310هـ) في تفسيره : " وهذا تأديب من الله عزّ ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم عهد إليه أن لا يجزم على ما يحدث من الأمور أنه كائن لا محالة، إلا أن يصله بـمشيئة الله، لأنه لا يكون شيء إلا بـمشيئة الله . وإنما قيل له ذلك فيما بلغنا من أجل أنه وعد سائليه عن المسائل الثلاث اللواتـي قد ذكرناها فيما مضى، اللواتي إحداهنّ المسألة عن أمر الفتية من أصحاب الكهف أن يجيبهم عنهنّ غد يومهم، ولم يستثن، فاحتبس الوحي عنه فيما قيل من أجل ذلك خمس عشرة ، حتى حزنه إبطاؤه، ثم أنزل الله عليه الجواب عنهنّ، وعرف نبيه سبب احتباس الوحي عنه، وعلَّمه ما الذي ينبغي أن يستعمل في عِدَاته وخبره عما يحدث من الأمور التي لم يأته من الله بها تنزيل " .
[FONT="]اخي الكريم (عبد الكريم عزيز) [/FONT] [FONT="]أولاَ : للأسف تُذكر الأحاديث الواهية ثم نعتمدها وكأنها حقائق ،ونأخذ منها العبر والعظات، فما الداعي للأخذ بمثل هذه الأحاديث التي لم تثبت؟ فالصحيح فيه غنى، أليس من العيب أن نفسر كتاب الله تعالى بما ليس له سند ولا حجة، أما القول بان المعمول به عند أهل العلم أن منهج المحدثين يختلف عن منهج المفسرين ، فهذا القول وإن كان به قال بعض العلماء القدامى في الاستدلال بالضيعف إلا أنه غير مسلم به ،وقد قام العلماء المحققون بمحاولة تنقية كتبهم والتنبيه والتحذير مما فيها من أباطيل ،ووجدنا الحافظ بن كثير ـ رحمه الله ـ على سبيل المثال وغيره ينقح كثيراً من الأحاديث التي جاءت في أسباب النزول ويبين بطلانها ،وانطلاقاً لهذا: في العصر الحديث كانت مادة أساسية تدرس في قسم التفسير باسم ( الدخيل في التفسير )، ووجدنا مؤلفات تنفرد بالصحيح فقط: على سبيل المثال: كتاب ( الصحيح المسند في أسباب النزول, للشيخ مقبل الوداعي ) ، ولأهمية التحذير من الموضوع في كتب التفسير يقول العلامة محمد عزة دروزة : (إن هناك روايات كثيرة في أسباب النزول ومناسباته، وقد حشرت في كثير من كتب التفسير التي كتبت في مختلف الأدوار ،لا تثبت على النقد والتحميص طويلًا ،سواء بسبب ما فيها من تعدد وتناقض ومغايرة، أو من عدم الاتساق مع روح الآيات التي وردت فيها وسياقها بل ونصوصها أحيانًا ) إلى أن قال : (... وحتى ليقع في نفسه إن كثيرًا منها منحول أو مدسوس أو محرف) [/FONT][FONT="]التفسير الحديث (ص 205)[/FONT][FONT="] والمجال لا يسع أكثر من ذلك ، لكن يكفي أن نعلم في منهج المحدثين والمفسرين أن كثيراً من المحدثين هم من المفسرين .[/FONT] [FONT="]لكني أستغرب تعليقك على الأحاديث الواهية بقولك : ( ومثل هذه الأحاديث كثيرا ما يحتج بها في الأخبار . لأنها من قبيل الأخبار المستفيضة ، والتي يعلمها الكل[/FONT] .[FONT="]) [/FONT][FONT="]وهذا غير صحيح ، ولم يقل به أحد من العلماء ،فهل وصل الأمر إلى أن تقول يحتج بها في الأخبار!!!!!، فلو أنك قلت يستأنس بها فيمكن أن يقبل، لكن الأحاديث الباطلة هل يمكن أن تكون حجة ؟!!! فمن قال بهذا ؟ .[/FONT] [FONT="]ثانياً : قولك في التعليق : الرسول ما هو إلا مبلغ عن الله تعالى ، فكيف له أن يحدثهم عن شيء لا يعلمه إلا عن طريق الوحي . تقول الرواية : " فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُخْبِرُكُمْ غَدًا بِمَا سَأَلْتُمْ عَنْهُ[/FONT]» [FONT="]وَلَمْ يَسْتَثْنِ " . وهذا شيء طبيعي يتوافق مع روح القرآن الكريم[/FONT] . [FONT="]فإبطاء الوحي من الله ، وهو الذي يعلم متى ينزل القرآن على رسوله ، وليس العكس . وكذلك فالوحي من الله لرسوله ولو شاء لأوقف نزول الوحي [/FONT][FONT="]. كلامك هذا عن شيء وكأنك متأكد أنه وقع بالفعل وأبطأ عنه الوحي ، والأحاديث لا تثبت أبداً بهذه الطريقة ، فعمن أخذت هذا الكلام ؟!!! هل من منهج العلماء في معرفة الحديث الصيحيح أن يكون موافقاً للمعنى وإن كان بلا سند ؟!!!، والأغرب من هذا أنك تستدل على كلامك بقولك : (تقول الرواية : " فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُخْبِرُكُمْ غَدًا بِمَا سَأَلْتُمْ عَنْهُ[/FONT]» [FONT="]وَلَمْ يَسْتَثْنِ " . وهذا شيء طبيعي يتوافق مع روح القرآن الكريم[/FONT] . [FONT="]فإبطاء الوحي من الله[/FONT][FONT="]) هذا غير صحيح فلو كان الأمر كذلك لتقول المتقولون وألفوا أحاديث في أسباب النزول ثم وضعوها في كتب التفسير ، فهل نقبلها بمجرد أن الواضع ماهر ؟ أكرر أن الحديث الذي تستند إليه واه بلا سند ولا دليل ، ونحن الآن في القرن الواحد والعشرين هل نترك تنقية كتب التفسير من الدخيل ؟ [/FONT] [FONT="]ثالثاً : قولك : لكن الذي لا تعرفه قريش ،هو كل ما جاء في وصف الرسول في الكتب السابقة وبالأخص التوراة .ويؤكده قولهم: " فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء[/FONT] "[FONT="]كأنك تقول إن العرب كان ينقصهم للإيمان معرفة صفته [/FONT][FONT="][FONT="]صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[/FONT]من اليهود ، وتعيد وتؤكد أنت صحة الحديث مع بطلانه ،وتستدل بقولك : (ويؤكده قولهم: " فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء ) وهذا خطأ .[/FONT] [FONT="]أكتفي بهذا القدر، وأنبه: علينا أن ننقي كتب التفسير من الأباطيل والخرافات ، والاسرائيليات ، فهل يمكن أن يفسر كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بأحاديث باطله ؟ نبرأ إلى الله من هذا .[/FONT]
أخي أبو الحسن ، الدخيل الذي تتكلم عنه ينقسم إلى أقسام ، ونحن متفقون على أن التفسير يجب أن ينقى من الدخيل . لكن الذي لا أتفق معك عليه ، هو ما جاء في شأن المثال الذي أوردته على طرحك للمسألة . وأظن أنك أخطأت في اختياره . إن النص الذي اخترته كدليل على طرحك هو الذي ناقشتك فيه . لقد سبق أن ذكرت أن هذا الحديث من قبيل الأخبار المستفيضة ، فجزء منه ذكره البخاري في صحيحه ، وأخرجه مسلم والترمذي ، وقال هذا حديث حسن صحيح ، والمسند وابن جرير والطبراني في المعجم الصغير . وفضلا عن ذلك ، فهذا الحديث لا يؤثر على معنى الآية . تقول عائشة عبد الرحمن في التفسير البياني ، عن أسباب النزول : " لا نقف عند ما اختلفوا فيه ، فأسباب النزول لا تعدو أن تكون قرائن مما حول النص ." وتعقب على هذه الرواية عند تفسيرها لسورة الضحى : " ولا نرى أن نقف هنا عندما ورد في بعض كتب التفسير من تحديد سبب الإبطاء في الوحي ، كالذي ذكره الرازي والنيسابوري من أن اليهود سألوا النبي عن ثلاث مسائل : الروح ، وذي القرنين وأصحاب الكهف . فقال صلى الله عليه وسلم : سأخبركم غدا . ولم يقل : إن شاء الله : أو أن الوحي أبطأ ، لأن جرواً للحسن والحسين ، رضي الله عنهما ، كان في بيت النبي عليه الصلاة والسلام ، فقال جبريل : أما علمت أنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة " وتقول : " كذلك لا نرى وجها للوقوف عندما ذكر مفسرون في تحديد مدة الإبطاء باثني عشر يوما ، أو خمسة عشر ، أو خمسة وعشرين ، أو أربعين . إذ يُغنينا عن مثل هذا ، سكوت القرآن نفسه عن تحديد فترة الوحي باليوم أو بالشهر ، ولو كان البيان القرآني يرى حاجة إلى هذا التحديد ، ليزيد في اليقين النفسي ، لما أمسك عن ذلك التحديد ، لأن مقتضى البيان أن يستوفي كل ما يدعو إليه المقام مما يتصل بغايته ، فإذا أمسك هنا عن ذكر سبب الإبطاء وتحديد مدته ، فلأن الذي يعنيه هو جوهر الموقف لا تفصيلاته الجزئية . " إن العلماء يتساهلون في الروايات المستفيضة عند السلف والروايات التي لا تؤثر على معنى الآيات وكذلك الروايات التي تتماشى مع القرآن الكريم . وبذلك نقول : إن منهج العلماء في قبول الأحاديث وتساهلهم في السند شيء ، والأباطيل والخرافات والإسرائيليات شيء آخر . مع فائق التقدير والاحترام
[FONT="]مع أهمية العلم بأسباب النزول في تفسير القرآن الكريم إلا أنه ينبغي تحري الدقة في ذلك ، وقد وقع كثير من المفسرين في أخطاء فادحة ليست من التفسير في شيء إنما هي دخيلة عليه ،ومن هذا على سبيل المثال لا الحصر : [/FONT][FONT="]ما ذكره كثير من المفسرين ،وذكره بعض أصحاب السير منهم: ابن إسحاق الذي ذكره في سيرته بإطناب وبدون سند ،وأسنده الطبري إلى عبد الله بن عباس بسند فيه رجل مجهول :[/FONT] [FONT="](أن قريشاً لَمَّا أَهَمَّهُمْ أَمر النبي صلى الله عليه وسلم [/FONT][FONT="]بَعَثُوا النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ إِلَى أَحْبَارِ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ ،فقالوا لهما: سَلُوهُمْ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَصِفُوا لَهُمْ صِفَتَهُ، وَأَخْبِرُوهُمْ بِقَوْلِهِ، فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، وَعِنْدَهُمْ عِلْمُ مَا لَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ عِلْمِ الْأَنْبِيَاءِ. فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ، فَسَأَلُوا أَحْبَارَ يَهُودَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَصَفُوا لَهُمْ أَمْرَهُ وَبَعْضَ قَوْلِهِ، وَقَالَا: إِنَّكُمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ، وَقَدْ جِئْنَاكُمْ لِتُخْبِرُونَا عَنْ صَاحِبَنَا هَذَا، فَقَالَتْ لَهُمْ أَحْبَارُ يَهُودَ: سَلُوهُ عَنْ ثَلَاثٍ نَأْمُرُكُمْ بِهِنَّ، فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِهِنَّ فَهُوَ نَبِيُّ مُرْسَلٌ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالرَّجُلُ مُتَقَوِّلٌ، فَرُوا فِيهِ رَأْيَكُمْ: سَلُوهُ عَنْ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدَّهْرِ الْأَوَّلِ، مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُمْ حَدِيثٌ عَجِيبٌ. وَسَلُوهُ عَنْ رَجُلٍ طَوَّافٍ، بَلَغَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، مَا كَانَ نَبَؤُهُ؟ وَسَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ مَا هُوَ؟ فَإِنْ أَخْبِرَكُمْ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ نَبِيُّ فَاتَّبِعُوهُ، وَإِنْ هُوَ لَمْ يُخْبِرْكُمْ، فَهُوَ رَجُلٌ مُتَقَوِّلٌ، فَاصْنَعُوا فِي أَمْرِهِ مَا بَدَا لَكُمْ. فَأَقْبَلَ النَّضْرُ وَعُقْبَةُ حَتَّى قَدِمَا مَكَّةَ عَلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ: قَدْ جِئْنَاكُمْ بِفَصْلِ مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، قَدْ أَمَرَنَا أَحْبَارُ يَهُودَ أَنْ نَسْأَلَهُ، عَنْ أُمُورٍ، فَأَخْبَرُوهُمْ بِهَا، فَجَاءُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنَا، فَسَأَلُوهُ عَمَّا أَمَرُوهُمْ بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُخْبِرُكُمْ غَدًا بِمَا سَأَلْتُمْ عَنْهُ» وَلَمْ يَسْتَثْنِ فَانْصَرَفُوا عَنْهُ، فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، لَا يُحْدِثُ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَحْيًا، وَلَا يَأْتِيهِ جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَتَّى أَرْجَفَ أَهْلُ مَكَّةَ، وَقَالُوا: وَعَدَنَا مُحَمَّدٌ غَدًا، وَالْيَوْمَ خَمْسَ عَشْرَةَ قَدْ أَصْبَحْنَا فِيهَا لَا يُخْبِرُنَا بِشَيْءٍ مِمَّا سَأَلْنَاهُ عَنْهُ. وَحَتَّى أَحْزَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُكْثَ الْوَحْيِ عَنْهُ، وَشَقَّ عَلَيْهِ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ. ثُمَّ جَاءَهُ جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بِسُورَةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، فِيهَا مُعَاتَبَتُهُ إِيَّاهُ عَلَى حُزْنِهِ عَلَيْهِمْ وَخَبَرُ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الْفِتْيَةِ وَالرَّجُلُ الطَّوَافُ، وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي }[/FONT][FONT="][الإسراء: 85][/FONT][FONT="])[/FONT][FONT="] ([FONT="][1][/FONT])[/FONT][FONT="] .[/FONT] [FONT="]وهذا السبب الذي ذكره كثير من المفسرين أرى أنه من الدخيل في أسباب النزول ، وذلك لما يأتي :[/FONT] [FONT="]أولاً : لأن سنده واه ،فقد جاء عن ابن إسحاق بلا سند ،وأسنده الطبري إلى عبد الله بن عباس بسند فيه رجل مجهول ،فقال : (حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني شيخ من أهل مصر، قدم منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عباس )[/FONT][FONT="] ([FONT="][2][/FONT])[/FONT][FONT="] وإذا لم يعرف سند الحديث أو كان في سنده مجهول لا يجوز الاستدلال به في مثل هذه الأمور ،وبهذا نعلم أن الحديث لم يأت من طريق صحيح .[/FONT] ...... [FONT="]رابعاً: والعجيب أن الحديث مع بطلانه يستدل به أكثر المفسرين[/FONT][FONT="]([FONT="][3][/FONT])[/FONT][FONT="]في سبب نزول السورة ,وهو يمس جانب النبوة ،مع أنه لم يرد في كتاب صحيح من كتب السنة .[/FONT] [FONT="]ومن هنا يجب التنبيه على مثل هذه الأباطيل ، فمعاذ الله أن يتخلى عن رسوله [/FONT][FONT="]صلى الله عليه وسلم [/FONT][FONT="]وهو في أشد الحاجة إلى ذلك .[/FONT][FONT="] .[/FONT]
1 - الادعاء بأن ذلك الحديث - باللفظ المذكور - باطل ، هو ادعاء باطل ؛ لأن ضعف سند الحديث - لجهالة أحد رواته - لا يوصف بالبطلان ، و لكن يقال إنه حديث ضعيف ، و يصلح للاعتبار إذا وُجِدَ له متابع أو شاهد ، كما هو حال الحديث هنا .
2 - و الحديث رواه ابن إسحاق في " سيرته " - بسنده - قال : حدثني رجل من أهل مكة عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: أنزل الله في النضر ثماني آيات، قول الله تعالى: «إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» وكل ما ذكر فيه الأساطير من القرآن . فلما قال النضر ذلك بعثوه وبعثوا معه عقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة فقالوا لهما: سلوهم عن محمد، وصفوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى قدما المدينة فسألا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصفوا لهم أمره، وأخبروهم ببعض قوله، وقالوا لهم: إنكم أهل التوراة فقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، فقالت لهم أحبار يهود: سلوه عن ثلاث يأمركم بهن فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقول، فروا فيه رأيكم، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم، فإنه كان لهم حديث عجب، وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان بناؤه، وسلوه عن الروح ما هو، فإن أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه، وإن لم يخبركم فهو رجل متقول فاصنعوا في أمره ما بدا لكم. فأقبل النضر وعقبة حتى قدما مكة على قريش فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور، فأخبروهم بها، فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا، فسألوه عما أمروهم به فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبركم عما سألتم عنه غداً، ولم يستثن فانصرفوا عنه، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله تعالى إليه في ذلك وحياً، ولا يأتيه جبريل عليه السلام حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غداً واليوم خمس عشرة وقد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشىء مما سألناه عنه، حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه، وشق عليه ما تكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل من الله بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية، والرجل الطواف، يقول الله تعالى: «وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا» . اهـ فالادعاء المذكور بأن ابن إسحاق ذكره في " سيرته " بدون سند ، ادعاء غير صحيح .
3 - و أخرجه - من طريقه - الطبري في تفسيره " جامع البيان " ، و البيهقي في " دلائل النبوة " ؛ قال : و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال : حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال : حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال : حدثني رجل من أهل مكة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس " أن مشركي قريش بعثوا النضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة وقالوا لهم : سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته . الحديث
4 - و للحديث شواهد : أ - فقد أخرج الطبري أيضا في تفسيره ؛ قال : حدثنا[FONT="] بشر، قال : ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) : لقيت اليهود نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، فتغَشَّوه وسألوه وقالوا: إن كان نبيّا علم، فسيعلم ذلك، فسألوه عن الروح، وعن أصحاب الكهف، وعن ذي القرنين، فأنزل الله في كتابه ذلك كله (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا) يعني اليهود".اهـ[/FONT]
[FONT="]ب - و أخرج أحمد في " مسنده " - من مسند عبد الله بن العباس - : [/FONT]حدثنا [FONT="]قتيبة بن سعيد، حدثنا يحيى بن زكريا، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: " قالت قريش لليهود: أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: سلوه عن الروح، فسألوه، فنزلت: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}.[/FONT] و أخرجه أيضا الترمذي في " سننه " ، و قال : هذا [FONT="]حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه . [/FONT] [FONT="]و الحاكم في " المستدرك على الصحيحين " ، و قال : [/FONT][FONT="][FONT="]«هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» . و أقره الذهبي في " التلخيص " .[/FONT][/FONT][FONT="]
[/FONT]
[FONT="] و كذا أخرجه ابن حبان و صحّحه أيضا . [/FONT]
[FONT="]5 - و للحديث شاهد قوي في " الصحيحيْن " ؛ فقد أخرج الإمامان البخاري - و اللفظ له - و مسلم : حدثنا [/FONT][FONT="]عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، قال: حدثني إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله رضي الله عنه، قال: بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث، وهو متكئ على عسيب، إذ مر اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، فقال: ما رأيكم إليه؟ وقال بعضهم: لا يستقبلكم بشيء تكرهونه، فقالوا: سلوه، فسألوه عن الروح، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم شيئا، فعلمت أنه يوحى إليه، فقمت مقامي فلما نزل الوحي، قال: " {ويسألونك عن الروح، قل: الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} [الإسراء: 85] " . اهـ[/FONT]
[FONT="]********[/FONT]
قال الإمام ابن الصلاح في مقدمةته " معرفة أنواع علوم الحديث " في : النوع الخامس عشر : مَعْرِفَةُ الاعْتِبَارِ وَالْمُتَابِعَاتِ وَالشَّوَاهِدِ
هذهِ أمورٌ يَتَداولونها في نَظَرِهم في حالِ الحديثِ: هَلْ تَفَرَّدَ بهِ راويهِ أو لا؟، وهَلْ هُوَ معروفٌ أو لا؟، ذكرَ أبو حاتِمٍ محمدُ بنُ حِبَّانَ التميميُّ الحافظُ - رَحِمَهُ اللهُ - أنَّ طريقَ الاعتبارِ في الأخبارِ مثالُهُ: أنْ يَرويَ حمادُ بنُ سَلَمَةَ حديثاً لَمْ يُتابَعْ عليهِ، عَنْ أيُّوبَ، عنِ ابنِ سيرينَ، عَنْ أبي هريرةَ، عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَيُنْظَرَ هلْ روى ذلكَ ثِقَةٌ غيرُ أيّوبَ، عَنِ ابنِ سيرينَ؟ فإنْ وُجِدَ عُلِمَ أنَّ للخبرِ أصلاً يُرْجَعُ إليهِ، وإنْ لَمْ يوجدْ ذلكَ، فثقةٌ غيرُ ابنِ سيرينَ رواهُ عنْ أبي هريرةَ، وإلاَّ فصحابيٌّ غيرُ أبي هريرةَ رواهُ عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فأيُّ ذلكَ وُجِدَ، يُعْلمُ بهِ أنَّ للحديثِ أصلاً يَرجِعُ إليهِ وإلاَّ فلاَ . قُلْتُ [ ابن الصلاح ] : فمثالُ المتابعةِ أنْ يرويَ ذلكَ الحديثَ بعينِهِ عَنْ أيُّوبَ غيرُ حمّادٍ، فهذهِ المتابعةُ التامَّةُ . فإنْ لَمْ يَرْوِهِ أحدٌ غيرُهُ، عَنْ أيوبَ، لكنْ رواهُ بعضُهُم عَنِ ابنِ سيرينَ أوْ عَنْ أبي هريرةَ، أو رواهُ غيرُ أبي هريرةَ، عنْ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فذلكَ قدْ يُطلَقُ عليهِ اسمُ المتابعةِ أيضاً، لكنْ تَقْصُرُ عَنِ المتابَعَةِ الأُولى بحَسَبِ بُعْدِها مِنْها، ويجوزُ أنْ يُسَمَّى ذلكَ بالشاهدِ أيضاً. فإنْ لَمْ يُرْوَ ذلكَ الحديثُ أصلاً مِنْ وجهٍ مِنَ الوجوهِ المذكورةِ، لكنْ رُوِيَ حديثٌ آخرُ بمعناهُ، فذلكَ الشاهِدُ من غيرِ متابعةٍ، فإنْ لَمْ يُرْوَ أيضاً بمعناهُ حديثٌ آخرُ، فقد تحقّقَ فيهِ التفرّدُ المطلقُ حينَئِذٍ. وينقسمُ عندَ ذلكَ إلى: مردودٍ منكرٍ، وغيرِ مردودٍ كما سَبَقَ. اهـ
* * * و على ما تقدم فللحديث شواهد صحيحة في " الصحيحيْن " و غيرهما ، و عليه فهو حديث مقبول معتبر و يُحتَج به ، و لهذا ذكره المفسرون في أسباب النزول ، و لم ينكره أحد منهم ؛ خلافا لِما ادعاه و رماه به كاتب المقالة بغير سلف له في ادعائه المردود المهدور .
* * * و على ما تقدم فللحديث شواهد صحيحة في " الصحيحيْن " و غيرهما ، و عليه فهو حديث مقبول معتبر و يُحتَج به ، و لهذا ذكره المفسرون في أسباب النزول ، و لم ينكره أحد منهم ؛ خلافا لِما ادعاه و رماه به كاتب المقالة بغير سلف له في ادعائه المردود المهدور .
تصويب و تصحيح العبارة :
و على ما تقدم فللحديث شواهد صحيحة في " الصحيحيْن " و غيرهما ، و عليه فهو حديث مقبول للاستشهاد و يعتبر به - و لا يُحتَج به - و لهذا ذكره المفسرون في أسباب النزول ، و لم ينكره أحد منهم .
و ذّكر الواحدي في كتابه " أسباب نزول القرآن " إيراد المفسرين للحديث ، و لم يتعقبه أو ينكره ؛ في قوله تعالى: {ويسألونك عن الروح} الآية {85} .
«588» - أخبرنا محمد بن عبد الرحمن النحوي، قال: أخبرنا محمد بن بشر بن العباس، أخبرنا أبو لبيد محمد بن أحمد بن بشر، حدثنا سويد عن سعيد، حدثنا علي بن مسهر، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: إني لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرث بالمدينة، وهو متكئ على عسيب، فمر بنا ناس من اليهود، فقالوا: سلوه عن الروح، فقال بعضهم: لا تسألوه فيستقبلكم بما تكرهون، فأتاه نفر منهم فقالوا [له] : يا أبا القاسم ما تقول في الروح؟ فسكت ثم قام فأمسك بيده على جبهته، فعرفت أنه ينزل عليه. فأنزل الله عليه: ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا . رواه البخاري، ومسلم جميعا، عن عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن الأعمش.
«589» - وقال عكرمة عن ابن عباس: قالت قريش لليهود: اعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: سلوه عن الروح، فنزلت هذه الآية.
«590» - وقال المفسرون: إن اليهود اجتمعوا، فقالوا لقريش حين سألوهم عن شأن محمد وحاله: سلوا محمدا عن الروح، وعن فتية فقدوا في أول الزمان، وعن رجل بلغ مشرق الأرض ومغربها، فإن أجاب في ذلك كله فليس بنبي، وإن لم يجب في ذلك [كله] فليس بنبي، وإن أجاب في بعض ذلك وأمسك عن بعضه فهو نبي. فسألوه عنها، فأنزل الله تعالى في شأن الفتية: أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا إلى آخر القصة، [وأنزل في رجل الذي بلغ شرق الأرض، وغربها: ويسئلونك عن ذي القرنين إلى آخر القصة] ، وأنزل في الروح قوله تعالى: ويسئلونك عن الروح.... الآية. اهـ
*** *** ***
ذكر الواحدي إيراد المفسرين للحديث بغير نكير ، و قد قال في مقدمة كتابه : ... وبعد هذا، فإن علوم القرآن غزيرة وضروبها جمة كثيرة، يقصر عنها القول وإن كان بالغا، ويتقلص عنها ذيله وإن كان سابغا. وقد سبقت لي- ولله الحمد- مجموعات تشتمل على أكثرها، وتنطوي على غررها، وفيها لمن رام الوقوف عليها مقنع وبلاغ، وعما عداها من جميع المصنفات غنية وفراغ، لاشتمالها على عظمها متحققا وتأديته إلى متأمله متسقا. غير أن الرغبات اليوم عن علوم القرآن صادفة كاذبة فيها، قد عجزت قوى الملام عن تلافيها، فآل الأمر بنا إلى إفادة المبتدءين بعلوم الكتاب، إبانة ما أنزل فيه من الأسباب. إذ هي أوفى ما يجب الوقوف عليها، وأولى ما تصرف العناية إليها، لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها، دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها. ولا يحل القول في أسباب نزول الكتاب، إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها وجدوا في الطلاب. وقد ورد الشرع بالوعيد للجاهل ذي العثار، في هذا العلم بالنار. أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن حامد العطار، حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، حدثنا ليث بن حماد، حدثنا أبو عوانة، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الحديث [عني] إلا ما علمتم، فإنه من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار» . والسلف الماضون، رحمهم الله، كانوا في أبعد الغاية احترازا عن القول في نزول الآية. أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبيد الله المخلدي، أخبرنا أبو عمرو بن نجيد، أخبرنا أبو مسلم، حدثنا عبد الرحمن بن حماد، حدثنا ابن عون، عن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال: اتق الله وقل سدادا، ذهب الذين يعلمون فيما أنزل القرآن. وأما اليوم فكل أحد يخترع شيئا ويختلق إفكا وكذبا. ملقيا زمامه إلى الجهالة، غير مفكر في الوعيد للجاهل بسبب [نزول] الآية. وذلك الذي حدا بي إلى إملاء هذا الكتاب، الجامع للأسباب، لينتهي إليه طالبوا هذا الشأن والمتكلمون في نزول [هذا] القرآن، فيعرفوا الصدق، ويستغنوا عن التمويه والكذب، ويجدوا في تحفظه بعد السماع والطلب. ولا بد من القول أولا في مبادئ الوحي، وكيفية نزول القرآن ابتداء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعهد جبريل إياه بالتنزيل، والكشف عن تلك الأحوال، والقول فيها على طريق الإجمال.
ثم نفرغ للقول مفصلا في سبب نزول كل آية روي لها سبب مقول، مروي منقول. والله تعالى الموفق للصواب والسداد، والآخذ بنا عن العاثور إلى الجدد. اهـ [ من خطبة الكتاب للإمام الواحدي ]
[FONT="]اخي الكريم (عبد الكريم عزيز) [/FONT] [FONT="]أولاَ : للأسف تُذكر الأحاديث الواهية ثم نعتمدها وكأنها حقائق ،ونأخذ منها العبر والعظات، فما الداعي للأخذ بمثل هذه الأحاديث التي لم تثبت؟ فالصحيح فيه غنى، أليس من العيب أن نفسر كتاب الله تعالى بما ليس له سند ولا حجة، أما القول بان المعمول به عند أهل العلم أن منهج المحدثين يختلف عن منهج المفسرين ، فهذا القول وإن كان به قال بعض العلماء القدامى في الاستدلال بالضيعف إلا أنه غير مسلم به ،وقد قام العلماء المحققون بمحاولة تنقية كتبهم والتنبيه والتحذير مما فيها من أباطيل [/FONT][FONT="]،ووجدنا الحافظ بن كثير ـ رحمه الله ـ على سبيل المثال وغيره ينقح كثيراً من الأحاديث التي جاءت في أسباب النزول ويبين بطلانها[/FONT]
و إذا تقرر ذلك ؛ فإنّا وجدنا الحافظ ابن كثير نفسه قد أورد حديث ابن إسحاق هذا في سبب نزول سورة الكهف - في بداية تفسيره لها - فقال : وقد ذكر محمد بن إسحاق سبب نزول هذه السورة الكريمة، فقال: حدثني شيخ من أهل مصر قدم علينا منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: بعثت قريش النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط، إلى أحبار يهود بالمدينة، فقالوا لهم: سلوهم عن محمد، وصفوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله؛ فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء. فخرجا حتى قدما المدينة، فسألوا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصفوا لهم أمره وبعض قوله، وقالا إنكم أهل التوراة، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا. قال: فقالت لهم: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن، فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقول فروا فيه رأيكم: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، ما كان من أمرهم؟ فإنهم قد كان لهم حديث عجيب. وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه ؟ [وسلوه عن الروح، ما هو؟] فإن أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه، وإن لم يخبركم فإنه رجل متقول، فاصنعوا في أمره ما بدا لكم.
فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش، فقالا يا معشر قريش، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور، فأخبروهم بها، فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، أخبرنا: فسألوه عما أمروهم به، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخبركم غدا بما سألتم عنه". ولم يستثن، فانصرفوا عنه، ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة، لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا، ولا يأتيه جبريل، عليه السلام، حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غدا، واليوم خمس عشرة قد أصبحنا فيها، لا يخبرنا بشيء عما سألناه عنه. وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل، عليه السلام، من عند الله، عز وجل، بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف، وقول الله عز وجل: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} [الإسراء:85] . اهـ
فهذا الحديث أورده ابن كثير - نقلا عن ابن إسحاق - في سبب نزول السورة الكريمة ، و لم ينكره لا هو و لا غيره من أئمة المفسرين المعتبرين ، و له شواهد صحيحة تشهد له و تعضده ، و مع هذا يَدّعي البعض بطلانه ، و يدعو إلى تنقية كتب التفسير مِن أمثاله !
هل انتهت المناقشة في هذه القضية إلى هذا الحد ؟
وهل كل ما ورد في ابن كثير صحيح ؟ يعني: هل ابن كثير اشترط الصحة في كل الأخبار التي يوردها في التفسير ؟ أم أنه يفعل كما فعل الطبري في تفسيره ينقل كل ما وصل إليه بإسناده تاركاً الحكم للقارئ وأهل العلم بالحديث ؟
ملحوظة: يُستفاد من كتاب " المحرر في أسباب النزول " للدكتور خالد المزيني وهو موجود على الإنترنت pdf من خلال البحث في الجوجل
وتحديداً
القسم الأول من الدراسة
الفصل الثاني: المبحث الأول: الترجيح بتقديم الصحيح على الضعيف
من صفحة 160 إلى 166