"أثر بيئة المفسر على تفسيره" للشيخ د. زيد بن عمر العيص - سدده الله -

إنضم
15/08/2010
المشاركات
39
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده

قال شيخي الدكتور: زيد عمر العيص _ وفقه الله _ : من المعالم التي تُدرس عند دراسة منهج أي مفسر:

التعرف على بيئة المفسر العامة والخاصة
والانتقال إلى بيئته
ومعرفة الأمور المحيطة به، من ظروف وبيئة ونشأة

ولايمكنك استيعاب طريقة مفسر ثم تقويمها مالم ترحل من بيئتك إلى بيئته، وتحل ضيفا عليه


لأن المفسر ابن بيئته

وكل مفسر يمثل عصره ، فالبيئة لها تأثير كبير على أولويات المفسر



فابن جرير شنع في تفسيره على المعتزلة لانتشارها في عصره، وحدث بالإسناد لأن بيئته بيئة (حدثنا)لا يُقبل منه إلا هذا الأسلوب

وابن كثير شنع في تفسيره على الإسرائيليات لانتشارها في عصره

ومحمد رشيد رضا شنع في تفسيره على البدع والخرافات لأنها انتشرت في عصره ، وهكذا.

أ.هـ كلامه - سدده الله -




ولعلي أقف مع بيئة أب المفسرين الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله صاحب ( جامع البيان)


قال الذهبي : ولو أننا تتبعنا ما قاله العلماء فى تفسير ابن جرير، لوجدنا أن الباحثين فى الشرق والغرب

قد أجمعوا الحكم على عظيم قيمته

واتفقوا على أنه مرجع لا غِنَى عنه لطالب التفسير

فقد قال السيوطى : "وكتابه - يعنى تفسير محمد بن جرير - أجَّل التفاسير وأعظمها

فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال، وترجيح بعضها على بعض، والإعراب، والاستنباط، فهو يفوق بذلك على تفاسير الأقدمين".

وقال النووى: "أجمعت الأُمة على أنه لم يُصنَّف مثل تفسير الطبرى"

وقال أبو حامد الإسفرايينى: "لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل على كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن ذلك كثيراً"

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما التفاسير التى فى أيدى الناس، فأصحها تفسير ابن جرير الطبرى، فإنه يذكر مقالات السَلَف

بالأسانيد الثابتة، وليس فبه بدعة، ولا ينقل عن المتهمين، كمقاتل بن بكير والكلبى"

وذكر ابن حجرفي لسان الميزان: أن ابن خزيمة استعار تفسير ابن جرير من ابن خالويه فرده بعد سنين

ثم قال: "نظرتُ فيه من أوله إلى آخره فما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير"

فابن خزيمة ما شهد هذه الشهادة إلا بعد أن اطلع على ما فى هذا التفسير من علم واسع غزير.



عاش ابن جرير الطبري في الفترة من 224 هـإلى 310 هـ وكانت البيئه التي أحاطت به في ذلك الوقت مضطربة

انتشر فيها الفساد العقدي والأخلاقي وكذلك السياسي

إلا أنها شهدت ازدهار علميا كبيرا،فظهر وقتها كبار العلماء والمفسرين .



البيئة الخاصة للإمام ابن جرير :


نشأ الإمام الطبري رحمه الله في أحضان والده الذي تفرس فيه الذكاء والنباهة والحفظ من ،ولعل من أسباب ذلك أن أباه رأى

رؤيا في المنام أن ولده أبا جعفر كان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ومع الولد مخلاف مملوء بالأحجار

وأنه يرميها بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام

فعُبرت له : بأن ابنه إن كبر نصح في دين الله وذب عن شريعته

فازداد أبوه حرصاً عليه،فحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، وصلى بالناس إماماً وهو ابن ثمان

وكتب الحديث وهو ابن تسع،ووهب نفسه للعلم في مقتبل شبابه

وظهرت عليه ملامح النبوغ ومخايل التفتح والذكاء الخارق والملكات العلمية .

ويذكر رحمه الله عن نفسه ما يدل على النشأة الجادة في طلب العلم والتحصيل

فيقول : ((كنا نمضي إلى محمد بن أحمد الدولابي ندرس عليه التاريخ،وكان في قرية من قرى الري

ثم نرجع نعدو مسرعين كالمجانين لنلحق بدرس محمد بن حميد الرازي في إملاء الحديث

حتى ذكر أنه كتب عنه أكثر من مائة ألف حديث،ودرس عليه كذلك التفسير

ودرس الفقه على أبي مقاتل فقيه الري)).

وقد كان أبوه ينفق عليه ليتفرغ في طلب العلم،فكان يمده بالمال حتى وهو في سفره.


وابن جرير من العلماء العزاب فلم يتزوج

و لا شك أن هذه الأسباب مجتمعة قد ساعدته على التفرغ للعلم وعدم الانشغال عنه .




البيئة العامة التى أحاطت بالإمام الطبري رحمه الله :


عاش الإمام الطبري رحمه الله في ظل مرحلة الضعف والانقسامات التي مرت بالخلاف في القرن الثالث الهجري

والتي يقابلها في الوقت نفسه،ازدهار العلم وكثرة العلماء .



الناحية السياسية :


عاش الإمام ابن جرير ما بين عام 224 هـ إلى 310 هـ وهو عصر الدولة العباسية في آخر قوتها وضعفها ،وتسلط الموالي عليها.

دخل ابن جرير الطبري بغداد في عهد المتوكل وكان ذلك نهاية محنة خلق القرآن وعزة أهل السنة والجماعة

في عهد الخليفة المتوكل ونشره لمقالة أهل الحديث،وإكرامه للإمام أحمد بن حنبل

ورفع المحنة عن الناس،ونتيجة لذلك ستطاع رحمه الله نقد المعتزلة والرد على أقوالهم وظهر ذلك في تفسيره من أوله إلى آخره .



الناحية العلمية :


وعلى الرغم من الضعف السياسي الذي كان يسود العصر وقتئذ،إلا أننا نجد الازدهار العلمي الذي عم البلاد

فتميز هذا العصربالتدوين والتأليف والتصنيف في العلوم الشرعية والعربية والطبيعية.

فظهرت المذاهب الأربعة،وانتشر الاهتمام بتدوين العلم ونشره، فكثرت المؤلفات .

وابتدأ تدوين التفاسير المسندة ،وكتب الحديث النبوي من الصحاح والمسانيد والمستخرجات والأجزاء

وأهمها:

الكتب الستة،ومسند الإمام أحمد .

كذلك التوسع في إنشاء المدارس والمكتبات العلمية

حيث تنافس في إنشائها وإيقاف الأوقاف عليها الخلفاء والأمراء والوزراءوالتجار

فلا تكاد تخلو قرية فضلا عن مدينة من مدرسة ومكتبة.

وتركزت النهضة العلمية في العراق ببغداد والبصرة والكوفة، وفي الشام في دمشق وحلب،وبلاد فلسطين ،وفي مصر بالقاهرة

،وفي الأندلس،وفي بلاد الحرمين وصنعاء باليمن.

وفي مقابل ذلك كان هناك اضطراب واضح من الناحية العقدية ،مثل ظهور الفرق الضالة،فالتشيع ظهر في عصر الطبري

وكثر فيه،حتى سب في عصره الخلفاء والصحابة على منابر بغداد

وانتشر الخوارج وكان للمعتزلة أثر كبير وعظمت فتنة القرامطة في عصره

والمفسر ابن بيئته يؤثر ويتأثر،فمثلا من أول ما ألفه الطبري كان كتاب في فضائل أبو بكر وعمر

ربما يرجع لانتشار التشيع في عصره ، فكان ردا لهم.



وكان من أبرز العلماء الذين اشتهروا في هذه الفترة العلمية :


1-الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة والجماعة .
2-الإمام أبي عبدالله البخاري
3- الإمام مسلم بن الحجاج القشيري
4- الإمام أبي داود سليمان بن الأشعث.
5- الإمام أبي عبدالرحمن أحمد بن شعيب النسائي.
6- الإمام أبي محمد عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي صاحب السنن .وغيرهم الكثير

ومن أشهر أقران الإمام ابن جرير الأئمة الثلاثة المشهورون : أبو بكر بن خزيمة صاحب الصحيح

ومحمد بن هارون الروياني صاحب المسند، وموحد بن نصر المروزي.



الناحية الاجتماعية :


يلاحظ في هذه الفترة انتشار الجنس التركي في العراق وفارس بسبب مصاهرة الخلفاء العباسيين لهم

وكذلك انتشار الأعاجم بالعموم في بلاد العرب لدخولهم أصلا تحت لواء الخلافة الإسلامية .

ولكثرت الفتن في عصره رحمه الله،وانتشار أهل الأهواء والبدع من الجهمية والمعتزلة والرافضة والخوارج

فنجد أن جميع هذه الأمور قد أثرت في شخصيته وفي حياته رحمه الله .

كما ظهرت مظاهر الترف وقابلها مظاهر الزهد في عصره ،فكثرت المتصوفة

فعرف بجرأته وصدعه بالحق وأنه لا يخاف في الله لومة لائم

كما أنه كان كثير الرد عليهم ومناظرتهم في كتبه

فنجد تفسيره مثلا مليء بمحاجاتهم ومخاصمتهم بطرقهم العقلية ومسائلهم الكلامية.



ولقد تعرض ابن جرير الطبري لمحنة شديدة في أواخر حياته بسبب التعصب المذموم والتقليد المذهبي الأعمى،

فلقد وقعت ضغائن ومشاحنات بين ابن جرير الطبري وأبي بكر بن داود

أفضت إلى اضطهاد الحنابلة لابن جرير

كان لمذهب الحنبلي فيهذه الفترة هو المسيطر على العراق عامة وبغداد خاصة

وتعصب العوام على ابن جرير ورموه بالتشيع وغالوا في ذلك، وهو منه براء

حتى منعوا الناس من الاجتماع به، وخلطوا بينه وبين أحد علماء الشيعة

واسمه متشابه مع ابن جرير، وهو «محمد بن جرير بن رستم» وكنيته أيضًا أبو جعفر

ولقد نبه العلاَّمة الذهبي على هذا الخلط في كتابه سير أعلام النبلاء

وهذه المحنة واحدة من سلسلة طويلة من المحن التي وقعت للعلماء بسبب


التعصب والجهل.



********​


المراجع :
تاريخ بغداد للخطيب البغدادي
تاريخ دمشق لابن عساكر
البداية والنهاية لابن كثير
الكامل في التاريخ للذهبي
سير أعلام النبلاء الذهبي
التفسير والمفسرون الذهبي
أبو جعفر ابن جرير الطبري لعلي الشبل​




وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح​
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤال
ما هي المراجع التي يمكن أن تساعد على بحث أثر بيئة المفسر على تفسيره
وكيف يكون ذلك من خلال تحليل الجانب السياسي والاجتماعي والعلمي والاقتصادي بل والمذهبي واللغوي.. الخ
وجزاكم الله خيرا
 
عودة
أعلى