أثر المعنى في إعراب ( صديد ) ؟

إنضم
24/06/2007
المشاركات
90
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
اختلف المعربون في إعراب ( صديد ) في قوله تعالى : ( ويسقى من ماء صديد )على ثلاثةِ أقوال :

القول الأول : أن يكون نعتا لـ«ماء» ، وفيه وجهان:
أحدهما: أنه على حَذْفِ أداة التشبيه، أي: ماءٍ مثلِ صديد، كما تقول : مررت برجل أسد أي : كأسد ، وعلى هذا فليس الماءُ الذي يَشْرَبونه صَديداً، بل ماء حقيقي مثل الصديد ، ويشهد لهذا قوله تعالى : ( وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل ) ، والخالق سبحانه يخاطب العرب بما يفهمونه ....
ولكن هذا القول فيه من جهة الصناعة ما يضعفه ، وهو مجيء النعت جامد ، والأصل في النعت أن يكون مشتقا
والثاني: أنَّ الصديدَ لَمَّا كان يُشبه الماءَ أُطْلِقَ عليه ماءٌ، وليس هو ماءً حقيقةً، وعلى هذا فيكونون يشربون نفسَ الصديد المُشْبِهِ للماء. وهو قول ابن عطية ، إذ يقول : ( وقوله: وَيُسْقى مِنْ ماءٍ وليس بماء لكن لما كان بدل الماء في العرف عندنا عد ماء، ثم نعته ب صَدِيدٍ كما تقول: هذا خاتم حديد، و «الصديد» القيح والدم، وهو ما يسيل من أجساد أهل النار، قاله مجاهد والضحاك.) ، وهذا القول فيه من جهة المعنى مخالفة للظاهر ، إذ الأصل في الماء هو الماء الحقيقي ، وفيه من جهة الصناعة ما في الوجه السابق .


القول الثاني: أنه عطفُ بيانٍ، وإليه ذهب الطبري والزمخشريُّ،
يقول الطبري : (وقوله: (وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ) ، يقول: ويسقى من ماءٍ، ثم بيَّن ذلك الماء جل ثناؤه وما هو، فقال: هو "صديد"، ولذلك رد "الصَّديد" في إعرابه على "الماء"، لأنه بيَانٌ عنه).
ويقول الزمخشري : ( فإن قلت : ما وجه قوله تعالى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ؟ قلت : صديد عطف بيان لماء ، قال وَيُسْقى مِنْ ماءٍ فأبهمه إبهاما ثم بينه بقوله صَدِيدٍ وهو ما يسيل من جلود أهل النار يَتَجَرَّعُهُ يتكلف جرعه وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ ..)
وهذا القول فيه من جهة المعنى مخالفة للظاهر ، إذ الأصل في الماء هو الماء الحقيقي ، وفيه من جهة الصناعة مسألة مجيء عطف البيان في النكرات ، وهو ممنوع عند البصريين ، وجائز عند الكوفيين ، والأولى حمل الكلام على ما لا خلاف فيه .



القول الثالث: أن يكونَ بدلاً ، وهذا القول فيه من جهة المعنى مخالفة للظاهر ، إذ الأصل في الماء إرادة الماء الحقيقي

والذي يظهر لي رجحانه هو الوجه الأول من القول الأول ،وذلك لأن في هذا القول حملا على الظاهر في الكلام ، والظاهر في الآية إرادة المعنى الحقيقي للماء ، ولا يضر مجيء النعت جامدا ، لما يلي :
1-لأن هذا القول هو أولى ما يحمل عليه المعنى فيما أرى
2-ولأنالصديد جاء على بناء فَعيل وهو من أبنية الصفات، ولكن بعض الصفات ربما انتقلت إلى الاسمية وأنسي الاتصاف بها مثل الحديد للمعدن...

فما رأي أهل التفسير في ذلك ؟
 
أشكر أخي على هذه الإثارة اللطيفة، وهي تثوير المعاني في النفوس، لتزيدها إيماناً ومخافة من عذاب جهنم والعياذ بالله تعالى، جعلنا الله ممن يسلم من حر نارها، وما تفضلت به أخي الكريم من الأوجه المذكورة في إعراب {صديد}، والوجه الذي ذهبت إليه وهو نعت لماء على تقدير حذف حرف التشبيه، فعليه مأخذ وهو تقدير حرف التشبيه، واستشهدت عليه بقوله تعالى: {وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل}، والأصل أن نقف مع المعاني القرآنية بما تحدده لها الألفاظ القرآنية، فلو كان الماء في هذه مراداً به كالصديد لقال تعالى: كالصديد، لكنه قال: {ويسقى من ماء صديد}، فهذا التغاير بين الأسلوبين ينبئ عن تغاير الغاية المراد الإخبار عنها، وأن المسقي هو الصديد لا أنه يشبه الصديد، فالماء سيكون صديداً في نار جهنم والعياذ بالله تعالى.
ومن جهة أخرى فإن الإخبار عن الغيبيات الأصل فيه الالتزام بدقائق النص وبظاهره، والابتعاد قدر الإمكان عن تقدير المحذوفات ما لم تدع الضرورة إليه بدليل بين، وعلى هذا يكون إعراب صديد نعت فيه من مشقة التقدير ما لا حاجة لنا به.
والأوجه أن يعرب عطف بيان، وهو ما يريد تقريره النص، فالآية تريد إخبارنا أن الماء الذي يُسقى منه أولئك سيكون صديداً، والصديد نوع من أنواع السوائل المائية، فيكون لفظ ماء فيه إبهام جاء صديد ليزيله ويقرر بشاعة السقاء الذي سيكون لأولئك، وفيه من فظاعة الموقف وسوء الحال ما لا يخفى على متدبر، وهذا هو مقصد الآية القرآنية، أعاذنا الله من نار جهنم، فالآية تريد أن تقرر أن الصديد الذي سيُسقاه أولئك هو ماؤهم، لا أن ماءهم كالصديد، وقارن بين بشاعة الصورتين تعرف الوجه القريب من الحق.
أما عن موقف البصريين في اشتراطهم أن لا يكون عطف البيان نكرة، فهو مما يتسع فيه الخلاف النحوي الصناعي، ولا يعدو الأمر أن يكون صناعياً، ودليلهم يبقى تحت دائرة النقد والنقض، لا سيما أنه قد وقع الخلاف في هذه المسألة بين البصريين أنفسهم، فالأمر داخل المدرسة البصرية غير متفق عليه، فكيف إن قال بهذا الرأي جمهرة من أهل العلم والنحو والتفسير؟
نسأله سبحانه أن يزيدنا علماً وفهماً وتدبراً لكتابه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
 
ومن جهة أخرى فإن الإخبار عن الغيبيات الأصل فيه الالتزام بدقائق النص وبظاهره، والابتعاد قدر الإمكان عن تقدير المحذوفات ما لم تدع الضرورة إليه بدليل بين، وعلى هذا يكون إعراب صديد نعت فيه من مشقة التقدير ما لا حاجة لنا به.
والأوجه أن يعرب عطف بيان، وهو ما يريد تقريره النص، فالآية تريد إخبارنا أن الماء الذي يُسقى منه أولئك سيكون صديداً، والصديد نوع من أنواع السوائل المائية، فيكون لفظ ماء فيه إبهام جاء صديد ليزيله ويقرر بشاعة السقاء الذي سيكون لأولئك، وفيه من فظاعة الموقف وسوء الحال ما لا يخفى على متدبر، وهذا هو مقصد الآية القرآنية، أعاذنا الله من نار جهنم، فالآية تريد أن تقرر أن الصديد الذي سيُسقاه أولئك هو ماؤهم، لا أن ماءهم كالصديد، وقارن بين بشاعة الصورتين تعرف الوجه القريب من الحق.
.


أشكر الدكتور على مداخلته فهو أول المداخلين فجزاه الله خيرا ، وسدده ووفقه آميين .
أستاذي الفاضل قلت حفظك الله( الأصل فيه الالتزام بدقائق النص وبظاهره، والابتعاد قدر الإمكان عن تقدير المحذوفات ما لم تدع الضرورة إليه بدليل بين، )
وأنا معك في هذا ، ولكن هل الماء في هذه الآية هو الماء الحقيقي أم المراد به الشيء السائل ؟
فإن كان المراد به الشيء السائل صح القول بالبدلية والعطف من جهة المعنى ، ولكن هذا مخالف لظاهر النص !!
وإن كان المراد به الماء الحقيقي فإن القول بالبدلية والعطف من جهة المعنى بعيد ، لأن البدل هو المقصود بالحكم ، فيكون المعنى في غير القرآن : ويسقى من صديد ، وكذلك عطف البيان إذ المعنى فيه يكون : ويسقى من ماء ثم بين ما هو الماء فقال صديد ،

والحق سبحانه خاطب العرب بما يفهمونه في خطابهم ، ولم يعهد أن الماء يوصف بالصديد وإنما يوصف بالحميم والطهور إلخ
ثم إن صح معنى العطف صح معنى الصفة لأن عطف البيان يشبه الصفة في إيضاح متبوعه ....
لذلك أرى أن المعنى والله أعلم ويسقى من ماء كالصديد ويكون هذا على التشبيبه البليغ إلا إن قيل إن في الآخرة تتغير الأشياء المتعارف عليها فكما يكون أنهار من لبن كذلك يكون الصديد من صفات الماء فيجوز البدل وعطف البيان والصفة ، وإن كان القول في الصفة فيه ما فيه من جهة الصناعة
 
رد: أثر المعنى في إعراب ( صديد ) ؟

أشكر لك أخي الحبيب أحمد الفقيه زادك الله حمداً في الدنيا والآخرة ورزقك فقهاً في الدين مشاركتك هذه، وفي ظني أن هذه المناغشات في بيان دقيق المعاني مما تفتقر إليه الأمة، بل مما يفتقر إليه عموم طلاب العلم، ومن الندرة أن تجد طالب علم يُعنى بهذه الدقائق البيانية، في توضيح الفروق الرقيقة في معاني الذكر الحكيم، ولذلك فكلما زاد النقاش حولها بانت رقتها ودقتها في خيط نوراني رفيع لا يراه إلا من آتاه الله حظاً من التدبر والتمعن.
ولذلك دعني أمضي معك قدماً فيما نحن فيه في ترجيح وجه على وجه، فأقول:
الغرض الأساس والمقصد الأصيل في إعراب الألفاظ هو بيان المعاني، وكلما دقت عبارة المعرب حسنت المعاني وتلألأت، وكلما غمضت ونأت غارت المعاني وبعدت، وما نحن فيه من إعراب قول الحق سبحانه وتعالى: {ويسقى من ماء صديد} يقودنا إلى معرفة المراد من الآية، وهو يكمن في نقاط:
1- بشاعة حال أهل النار في ذلك الموقف العظيم.
2- همز الكافرين بما يحرك قلوبهم خوفاً من ذلك الموقف الجلل.
3- بيان قذارة الماء الذي سيشربونه، مع عدم امتناعهم عن ذلك.
وظاهر الآية يقرر أن الماء الذي سيُسقاه الكافر العنيد هو الصديد، فالصديد نوع من مياه ذلك اليوم، سواء عرفه العرب أم لم يعرفونه، وليس من غرض الآية أن تكون تبعاً لأفهام الناس فيما يتعاهدونه من معرفة في أيام الدنيا، فهي معرفة جديدة لا يعرفها أولئك العرب، لكنهم يفهمونها بوساطة ألفاظهم وأساليبهم.
وهنا يجب التنبيه على أمر جدير بالانتباه، فكون الآية جاءت بلسان العرب شيء، وكونها جاءت بما يعرفه العرب شيء آخر، فالقرآن عربي اللسان لا عربي المعاني، وبالتالي لا تصح تلك الكلمة التي تقع من بعض الباحثين: إن العرب لم يعهدوا هذا المعنى، أو لم يتعارفوا على هذا الشيء، ومن قال إن العرب عهدوا معاني القرآن كلها؟! وإن وقعت أمثال هذه الكلمات على ألسن بعض العلماء فإنهم يقصدون بذلك اللسان لا العلم والبيان، فكم في القرآن أموراً لم تعهد قبل نزوله؟
فالماء الوارد ذكره في الآية هو الصديد، وليس كالصديد، وهنا لا نريد أن نتابع النحويين في كل ما قالوه، فوظيفة المفسر أن يحرر المسألة ويغربلها، وقول بعض النحويين إنها صفة بمعنى كالصديد، فيه لون من ألوان تعطيل النص، فالقرآن يقول صديد، وهؤلاء يقولون كالصديد، فعجباً ثم عجباً لهكذا قول.
وأما قولك أخي الكريم إنه كالصديد ويكون هذا على التشبيه البليغ، فكلام يعوزه التحرير والتحقيق، ثم ما تقول في قول ابن عاشور: "وجعل الصديد ماء على التشبيه البليغ في الإسقاء؛ لأن شأن الماء أن يسقى، والمعنى: ويسقى صديدا عوض الماء إن طلب الإسقاء، ولذلك جعل {صَدِيدٍ} عطف بيان ل {مَاءٍ} وهذا وجوه التشبيه البليغ"؟
وعليك أن تنتبه أن ابن عاشور قال في الإسقاء، بمعنى أنه طلب سقاية وهي الماء، فكانت السقاية الصديد والعياذ بالله تعالى، فالحق سبحانه ما أعظمه في جميع شأنه، فعندما يريد الإخافة والتهديد تقف حائراً مع دقائق المعاني في تلك التخويفات العظيمات، فكأنه يقول: يطلب كل جبار عنيد ماءً يُسقاه، ويتحقق الأمر، نعم ويسقى من ماء، ثم قف معي قليلاً وتدبر كيف تأتي صديد في موقعها الأليق بها، لتهز أركان الكفر، ولا يتحقق ذلك المعنى إلا على جعل صديد عطف بيان لا صفة.
وقولك أخي إن الصفة كعطف البيان في إيضاح المتبوع فليس على إطلاقه، إذ غرض الصفات على الأغلب هو التخصيص في النكرات، أما التوضيح فيكون في المعارف، ولذلك فإعراب صديد صفة يمتنع من هذا الوجه.
ولو تدبرت معي كلمة الطبري حين قال: "وقوله: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} يقول: ويسقى من ماءٍ ، ثم بيَّن ذلك الماء جل ثناؤه وما هو، فقال: هو {صديد}، ولذلك رد "الصَّديد" في إعرابه على "الماء"؛ لأنه بيَانٌ عنه"، لعلمت وجاهة إعرابها عطف بيان، وهي تتمركز في تعذيب الكافر عذاباً نفسياً أليماً، بينما إعرابها صفة، هو إخبار فحسب بأن الماء ستكون صفته كذا وكذا، فتأمل الفرق يلح إليك روعة هذه الكلمة ودقة موقعها من النظم.
والذي دعاني إلى التطويل فيما كتبت وأعتذر عنه، براعة هذا النظم، ولطف موقعه، ودقة مسلكه، والشكر موصول لأخي أحمد الفقيه على هذه الإثارة وهي أثارة من علم وفهم، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
 
رد: أثر المعنى في إعراب ( صديد ) ؟

لقد ظهر لي أن معنى البدلية وعطف البيان أصح من الصفة في إعراب ( صديد ) ، وذلك لأن هناك آيات في كتاب الله ذكرت ( الماء ) على معنى السيلان لا على معنى الماء الحقيقي ، وذلك في قوله تعالى : {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)} [الطارق: 5 - 7] ، وقوله تعالى : {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8)} [السجدة: 7، 8] ، وقوله تعالى : {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) } [المرسلات: 20، 21] ، وقوله تعالى : { وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)} [النور: 45]

فعلى هذا يكون الماء في قوله تعالى : {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) } [إبراهيم: 16، 17] بمعنى السيلان مراعاة لأسلوب القرآن .

وبعد ذلك فإنني أرجح عطف البيان على البدل لما فيه من التوضيح والتبيين بعد الإبهام وهذا يناسب بلاغة القرآن والله أعلم
 
عودة
أعلى