تفاؤل
New member
آية وإشكال:
بسم1
قال تعالى: {إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخۡفِيهَا }.[سورة طه:15].
أشكلت هذه الآية على كثير من المفسرين، فكيف قال الله {أَكَادُ أُخۡفِيهَا } وهو قد أخفى علم الساعة؟!
نص الإشكال عند المفسرين:
-قال النحاس:"{إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخۡفِيهَا } آية مشكلة"([1]).
-وقال السمعاني:" قوله تعالى: {إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخۡفِيهَا } في الآية أقوال، وهي مشكلة"([2]).
-قال ابن جزي: "{أَكَادُ أُخۡفِيهَا } اضطرب الناس في معناه"([3]).
أقوال المفسرين في حل الإشكال:
أجاب المفسرون عن هذا الإشكال بأوجه عديدة أظهرها وجهان:
الوجه الأول: أن معنى قوله تعالى: {أَكَادُ أُخۡفِيهَا } أي : أكاد أخفيها عن نفسي، وذلك على عادة العرب في المبالغة في كتمان الشيء، وهذا قول أكثر المفسرين.
قال مكي بن أبي طالب: " هذا هو المشهور في كلام العرب. وإنما حسن أن تتأول الآية في قراءة من ضم الهمزة على أخفيها من نفسي - والله لا يخفى عليه شيء - لأنه تعالى خاطب العرب ما تعرف، وتستعمل فيما بينها من المخاطبات. وقد كان الرجل منهم إذا تبالغ في الخبر على إخفاء شيء هو له مسر، قال: كدت أخفيه من نفسي. فخوطبوا على أبلغ ما يعقلون"([4])
وقال السمعاني: "فإن قال قائل: كيف يستقيم قوله " أكاد أخفيها من نفسي "؟ قلنا: هذا على عادة العرب، والعرب إذا بالغت في الإخبار عن إخفاء الشيء، قالت: كتمته حتى من نفسي"([5]) .
وقال الرازي: "هذا على عادة العرب في مخاطبة بعضهم بعضا يقولون: إذا بالغوا في كتمان الشيء كتمته حتى من نفسي، فالله تعالى بالغ في إخفاء الساعة فذكره بأبلغ ما تعرفه العرب في مثله."([6]) .
قال السمين الحلبي: "أكاد أخفيها من نفسي فكيف أظهركم عليها؟ وهو على عادة العرب في المبالغة في الإخفاء" ([7]) .
وقال الشربيني: "قال أكثر المفسرين: معناه أكاد أخفيها من نفسي فكيف يعلمها غيري من الخلق؟ وكيف أظهرها لكم؟ ذكر تعالى على عادة العرب إذا بالغوا في كتمان الشيء، يقول الرجل: كتمت سري من نفسي، أي: أخفيته غاية الإخفاء، والله تعالى لا يخفى عليه شيء"([8]) .
وقد رجح هذا القول الطبري فقال : "وأما وجه صحة القول في ذلك، فهو أن الله -تعالى ذكره- خاطب بالقرآن العرب على ما يعرفونه من كلامهم، وجرى به خطابهم بينهم، فلما كان معروفا في كلامهم أن يقول أحدهم إذا أراد المبالغة في الخبر عن إخفائه شيئا هو له مسر: قد كدت أن أخفي هذا الأمر عن نفسي من شدة استسراري به، ولو قدرت أخفيه عن نفسي أخفيته، خاطبهم على حسب ما قد جرى به استعمالهم في ذلك من الكلام بينهم، وما قد عرفوه في منطقهم"([9]).
الوجه الثاني: أنه أخفى وقت قيام الساعة لكنه أخبر بأنها ستأتي وجعل لها علامات، فكاد أن يخفي وقوعها وعلاماتها.
قال ابن جزي: "وهذه الأقوال ضعيفة، وإنما الصحيح أن المعنى أن الله أبهم وقت الساعة فلم يطلع عليه أحدا، حتى أنه كاد أن يخفي وقوعها لإبهام وقتها، ولكنه لم يخفها إذا أخبر بوقوعها، فالإخفاء على معناه المعروف في اللغة، وكاد على معناها من مقاربة الشيء دون وقوعه وهذا المعنى هو اختيار المحققين"([10]) .
وقال ابن عثيمين:" يقول الله عزوجل (إن الساعة آتية أكاد أخفيها)، أي: أقرب، لأن كاد بمعنى قرب، أي: أقرب من إخفائها ، ولكنني لم أخفها، والمراد أنه سبحانه وتعالى لم يخف قربها، وذلك بما جعله من الأشراط الدالة على اقترابها كقوله تعالى: (فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها) فأشراط الساعة دليل على قربها، والعلم بقربها نوع من العلم بها، أما العلم بوقوعها فعلا فهذا لا يصل إليه أحد من البشر ولا من غير البشر، ولهذا لما سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة قال له: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل . قال فأخبرني عن أماراتها فأخبره، هذا هو المعنى الصحيح للآية"
وفي الآية احتمالات أخرى غير ما ذكرته، ذكرها ابن الأنباري وهي:
-أَخفيها بمعنى أظهرها، وهو من الأضداد، وهو على القراءة المروية عن سعيد بن جبير([11]) .
قال ابن الأنباري: "ويقال: معنى الآية: إن الساعة آتية أكاد أظهرها. ويقال: خَفَيْت الشيء، إذا أظهرته"([12]) .
-الوقف عند أكاد، والابتداء بأخفيها.
قال الأنباري: "يجوز أن يكون معنى الآية: (إن الساعة آتية أكاد آتي بها)؛ فحذف آتي لبيان معناه، ثم ابتدأ فقال: (أخفيها لتجزى كل نفس)"([13]) .
-أكاد بمعنى أريد.
قال ابن الأنباري: "ويجوز أن يكون المعنى: (إن الساعة آتية أريد أخفيها)"([14]) .
-أكاد زائدة للتوكيد.
قال ابن الأنباري: "ويجوز أن يكون معنى الآية: (إن الساعة آتية أخفيها لتجزى كل نفس)؛ فيكون أكاد مزيدا للتوكيد"([15]) .
([1]) إعراب القرآن للنحاس(3/24).
([2]) تفسير السمعاني (3/324)
([3]) التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي (2/6).
([4]) الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن أبي طالب (7/4623).
([5]) تفسير السمعاني (3/424).
([6]) مفاتيح الغيب (22/22).
([7]) الدر المصون للسمين الحلبي(8/20).
([8]) السراج المنير للشربيني(2/454).
([9]) جامع البيان للطبري(16/38).
([10]) التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي(2/6).
([11]) قراءة شاذة. انظر: المحتسب لابن جني(2/47).
([12]) الأضداد لابن الأنباري(96-97).
([13]) المرجع السابق.
([14]) المرجع السابق.
([15]) المرجع السابق.
بسم1
قال تعالى: {إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخۡفِيهَا }.[سورة طه:15].
أشكلت هذه الآية على كثير من المفسرين، فكيف قال الله {أَكَادُ أُخۡفِيهَا } وهو قد أخفى علم الساعة؟!
نص الإشكال عند المفسرين:
-قال النحاس:"{إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخۡفِيهَا } آية مشكلة"([1]).
-وقال السمعاني:" قوله تعالى: {إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخۡفِيهَا } في الآية أقوال، وهي مشكلة"([2]).
-قال ابن جزي: "{أَكَادُ أُخۡفِيهَا } اضطرب الناس في معناه"([3]).
أقوال المفسرين في حل الإشكال:
أجاب المفسرون عن هذا الإشكال بأوجه عديدة أظهرها وجهان:
الوجه الأول: أن معنى قوله تعالى: {أَكَادُ أُخۡفِيهَا } أي : أكاد أخفيها عن نفسي، وذلك على عادة العرب في المبالغة في كتمان الشيء، وهذا قول أكثر المفسرين.
قال مكي بن أبي طالب: " هذا هو المشهور في كلام العرب. وإنما حسن أن تتأول الآية في قراءة من ضم الهمزة على أخفيها من نفسي - والله لا يخفى عليه شيء - لأنه تعالى خاطب العرب ما تعرف، وتستعمل فيما بينها من المخاطبات. وقد كان الرجل منهم إذا تبالغ في الخبر على إخفاء شيء هو له مسر، قال: كدت أخفيه من نفسي. فخوطبوا على أبلغ ما يعقلون"([4])
وقال السمعاني: "فإن قال قائل: كيف يستقيم قوله " أكاد أخفيها من نفسي "؟ قلنا: هذا على عادة العرب، والعرب إذا بالغت في الإخبار عن إخفاء الشيء، قالت: كتمته حتى من نفسي"([5]) .
وقال الرازي: "هذا على عادة العرب في مخاطبة بعضهم بعضا يقولون: إذا بالغوا في كتمان الشيء كتمته حتى من نفسي، فالله تعالى بالغ في إخفاء الساعة فذكره بأبلغ ما تعرفه العرب في مثله."([6]) .
قال السمين الحلبي: "أكاد أخفيها من نفسي فكيف أظهركم عليها؟ وهو على عادة العرب في المبالغة في الإخفاء" ([7]) .
وقال الشربيني: "قال أكثر المفسرين: معناه أكاد أخفيها من نفسي فكيف يعلمها غيري من الخلق؟ وكيف أظهرها لكم؟ ذكر تعالى على عادة العرب إذا بالغوا في كتمان الشيء، يقول الرجل: كتمت سري من نفسي، أي: أخفيته غاية الإخفاء، والله تعالى لا يخفى عليه شيء"([8]) .
وقد رجح هذا القول الطبري فقال : "وأما وجه صحة القول في ذلك، فهو أن الله -تعالى ذكره- خاطب بالقرآن العرب على ما يعرفونه من كلامهم، وجرى به خطابهم بينهم، فلما كان معروفا في كلامهم أن يقول أحدهم إذا أراد المبالغة في الخبر عن إخفائه شيئا هو له مسر: قد كدت أن أخفي هذا الأمر عن نفسي من شدة استسراري به، ولو قدرت أخفيه عن نفسي أخفيته، خاطبهم على حسب ما قد جرى به استعمالهم في ذلك من الكلام بينهم، وما قد عرفوه في منطقهم"([9]).
الوجه الثاني: أنه أخفى وقت قيام الساعة لكنه أخبر بأنها ستأتي وجعل لها علامات، فكاد أن يخفي وقوعها وعلاماتها.
قال ابن جزي: "وهذه الأقوال ضعيفة، وإنما الصحيح أن المعنى أن الله أبهم وقت الساعة فلم يطلع عليه أحدا، حتى أنه كاد أن يخفي وقوعها لإبهام وقتها، ولكنه لم يخفها إذا أخبر بوقوعها، فالإخفاء على معناه المعروف في اللغة، وكاد على معناها من مقاربة الشيء دون وقوعه وهذا المعنى هو اختيار المحققين"([10]) .
وقال ابن عثيمين:" يقول الله عزوجل (إن الساعة آتية أكاد أخفيها)، أي: أقرب، لأن كاد بمعنى قرب، أي: أقرب من إخفائها ، ولكنني لم أخفها، والمراد أنه سبحانه وتعالى لم يخف قربها، وذلك بما جعله من الأشراط الدالة على اقترابها كقوله تعالى: (فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها) فأشراط الساعة دليل على قربها، والعلم بقربها نوع من العلم بها، أما العلم بوقوعها فعلا فهذا لا يصل إليه أحد من البشر ولا من غير البشر، ولهذا لما سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة قال له: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل . قال فأخبرني عن أماراتها فأخبره، هذا هو المعنى الصحيح للآية"
وفي الآية احتمالات أخرى غير ما ذكرته، ذكرها ابن الأنباري وهي:
-أَخفيها بمعنى أظهرها، وهو من الأضداد، وهو على القراءة المروية عن سعيد بن جبير([11]) .
قال ابن الأنباري: "ويقال: معنى الآية: إن الساعة آتية أكاد أظهرها. ويقال: خَفَيْت الشيء، إذا أظهرته"([12]) .
-الوقف عند أكاد، والابتداء بأخفيها.
قال الأنباري: "يجوز أن يكون معنى الآية: (إن الساعة آتية أكاد آتي بها)؛ فحذف آتي لبيان معناه، ثم ابتدأ فقال: (أخفيها لتجزى كل نفس)"([13]) .
-أكاد بمعنى أريد.
قال ابن الأنباري: "ويجوز أن يكون المعنى: (إن الساعة آتية أريد أخفيها)"([14]) .
-أكاد زائدة للتوكيد.
قال ابن الأنباري: "ويجوز أن يكون معنى الآية: (إن الساعة آتية أخفيها لتجزى كل نفس)؛ فيكون أكاد مزيدا للتوكيد"([15]) .
([1]) إعراب القرآن للنحاس(3/24).
([2]) تفسير السمعاني (3/324)
([3]) التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي (2/6).
([4]) الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن أبي طالب (7/4623).
([5]) تفسير السمعاني (3/424).
([6]) مفاتيح الغيب (22/22).
([7]) الدر المصون للسمين الحلبي(8/20).
([8]) السراج المنير للشربيني(2/454).
([9]) جامع البيان للطبري(16/38).
([10]) التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي(2/6).
([11]) قراءة شاذة. انظر: المحتسب لابن جني(2/47).
([12]) الأضداد لابن الأنباري(96-97).
([13]) المرجع السابق.
([14]) المرجع السابق.
([15]) المرجع السابق.
التعديل الأخير: