الرد على من أنكر جواز تسمية الأرض بالكوكب

إنضم
08/02/2024
المشاركات
102
مستوى التفاعل
9
النقاط
18
العمر
52
الإقامة
مصر، المنصورة
الرد على من أنكر جواز تسمية الأرض بالكوكب.

images (34)~3.jpeg

زعم البعض أن الأرض ليست كوكباً بحجة أن القرآن والسنة لم يُطلقا عليها هذا الوصف، وأن الكواكب لا توجد إلا في السماء الدنيا، وأنها رجوم للشياطين بنص آية (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب، وحفظا من كل شيطان مارد)، وللرد على هذا الزعم الخطأ، فأقول وبالله التوفيق؛

1. سكوت القرآن والسنة عن تسمية الأرض بالكوكب لا يستلزم نفياً للمسكوت عنه، فهذا السكوت ليس نفيًا أو إنكاراً للواقع العلمي، وإنما لعدم أهمية التسمية في الخطاب الإلهي الذي يخاطب الإنسان الراصد على سطح الأرض، ولا يوجد عندنا نص من قرآن أو سنة يصف لنا الأرض من قبل الراصد على سطح القمر أو من الفضاء، ولا يوجد نص صريح يقول الأرض ليست كوكباً.

فإذا جاء الإجماع العلمي بكروية الأرض، وأن رصدها من على القمر أو المريخ أو أي نقطة أخرى في الفضاء، يثبت أن الأرض تظهر لهذه الأجرام ككوكب، مثلما نرى نحن القمر والمريخ وغيرها من على الأرض ككواكب، فهذا الإجماع العلمي له اعتباره، ولا يُرد إلا بنص صريح يناقضه، وهو ما لا وجود له، فوجب أن نأخذ بالوصف العلمي المجمع عليه من قبل كل وكلات الفضاء الدولية.

2. وصف الأرض بأنها "كوكب" يُعد تصنيف اصطلاحي علمي حديث مبني على تعريفات فلكية (مثل الدوران حول نجم، وجود جاذبية كافية، جسم معتم لا يكون ضوء وحرارة)، وهذه أمور لم يتطرق لها القرآن بمثل هذا التفصيل العلمي، فالقرآن ليس كتاب تصنيف علمي، بل يصف الأشياء بما يحقق الغرض من هداية البشر. ولذا فعدم وصف الأرض بـ"كوكب" لا يدل على نفي كونها كوكبًا، وإنما يعني أن هذا التصنيف ليس مقصودًا شرعًا ولا نافعًا تعبديًا.

مع ملاحظة أن الله أشار في قرآنه لسباحة الليل والنهار في فلك مثل الشمس والقمر، وهذا يعني أن الأرض تدور مثل الشمس والقمر في فلك، قال تعالى (لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)، ومعلوم أن الليل والنهار لا يسبحان بذاتهما في الفلك لأنهما زمانان، وانما السابح هو كرة الأرض التي يُقلب عليها، ويكور عليها الليل والنهار كما نص على ذلك القرآن، في آية (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ)، وآية (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْل).
وكما أن كروية وسباحة الأرض بليلها ونهارها في فلك، من الأمور التي لا ندركها بالأبصار، وتحتاج للرصد من خارج الأرض، فبالمثل لا يمكن الحكم على الأرض هل هي كوكب أو لا، إلا بدراسة منظرها من خارجها من على سطح كوكب آخر، فإذا ظهرت كزينة في سماء الكوكب الآخر، فهي كوكب، وهو الأمر الذي رصده العلم بالإجماع.

3. وينبغي أن نلاحظ أيضاً أن القرآن فرق بين الشمس والقمر من حيث كيفية الإضاءة، فالشمس بذاتها سراج يولد ضوء وحرارة، بينما القمر مُنير، فليس هو مصدر الضوء، وإنما يعكس ضوء الشمس، وإذا كان القمر الذي هو جسم معتم، يعد من زينة السماء لكونه يعكس ضوء الشمس، فنراه لامعا في السماء الدنيا، فينبغي على العاقل أن يتفكر في مظهر الأرض عند رصدها من جهة السماء الدنيا، فلابد أنها تعكس ضوء الشمس مثلها مثل القمر، وحتماً ستبدو زينة مضيئة عند رصدها من على سطح القمر مثلا، فيتحقق فيها تعريف الكوكب اللغوي عند العرب، فالعرب تطلق لفظة الكوكب على كل ما هو مضيء في سماء الأرض، ولو شاهد الأعرابي الأرض لامعة من على سطح القمر، لوصفها بنفس الوصف الذي يُطلقه على الكواكب اللامعة التي ينظر لها من الأرض.

4. وأما زعمهم أن الأرض لو كانت كوكباً لشاركت في رجم الشياطين، فقولهم هذا مردود لا قيمة له، لأن رجم الشياطين ينبغي ان يكون من السماء الدنيا بنص القرآن وليس من الأرض، فالشياطين من سكان الأرض، ويصعدون للسماء الدنيا للإستماع، وخطف الخطفة من عند مقاعد السماء الدنيا، وليس من على الأرض، فتتبعهم رجوم مصابيح السماء، أو الشهب، عند عودتهم بإتجاه الأرض، ولن يُسمى حجر الرجم شهاب الا ما جاء من خارج الارض فيخترق غلافها الجوي فيحترق فيه نتيجة الإحتكاك، ذلك أن لفظة الشهاب في المفهوم العلمي ترتبط بحدوث احتكاك جرم فضائي بالغلاف الجوي، لا بمجرد اندفاع حجر من الأرض للفضاء.

وعليه فالقول بأن الأرض ليست كوكباً، هو قول في غاية الضعف، وينقصه الدليل، ويعكس خللًا في فهم النصوص والمفاهيم العلمية، ولا يصح أن يصدر من باحث يُفترض فيه التثبت والعقل، فلا ينبغي أن يُحمّل النص الشرعي ما لا يحتمله من دلالات علمية مصطلحية، كما لا ينبغي ردّ الحقائق العلمية الثابتة لمجرد غياب الاصطلاح عنها في النص، فالعقل والنقل متكاملان لا متعارضان، وصدق الله إذ يقول (بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ وَلَمَّا يَأۡتِهِمۡ تَأۡوِيلُهُ)، ويقول (وَمَا يَتَّبِعُ أَكۡثَرُهُمۡ إِلَّا ظَنًّاۚ إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغۡنِي مِنَ ٱلۡحَقِّ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ).

اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك وما كان من ظن أو خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.

د. محمود عبدالله نجا
عضو هيئة تدريس، كلية طب المنصورة، مصر
 
هل اسم الأرض خاص بأرضنا، أم وصف قابل للتغير حسب موقع الراصد لها؟

ينبغي أن نعلم أن إطلاق وصف "الأرض" أو "الكوكب" على أرضنا أو على أجرام السماء هو اصطلاح نسبي يرتبط بموقع الراصد، وليس صفة مطلقة ثابتة بالذات، فإسم الأرض لا يخص أرضنا كما يظن البعض، وإليكم الأدلة من المعاجم اللغوية، وآيات القرآن.

يقول لسان العرب، وغيره من معاجم اللغة، مصطلح الأرض يفيد ثلاثة أصول: والذي يعنينا منها الآن هو (كل شيء يسفل، ويقابل السماء، فيقال لأعلى الفرس: سماء، ولقوائمه: أرض)، وطبعاً لو قلبنا الفرس على ظهره لانعكست الأسماء، فستصبح القوائم سماء والظهر أرض.

وإليكم أدلة القرآن على أن الله أطلق لفظة الأرض على أجرام غير أرضنا مما تعلونا في السماء، وأن اسم الأرض لا يخص أرضنا بل هو وصف قابل للتغير حسب موقع الراصد؛

أ. إطلاق لفظة الأرض على الجنة باعتبارها سكننا المستقبلي، فتكون أرضاً لنا بعد أن كانت سماء، قال الله؛
{ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون}، وقال {وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض}. قال الطبري عن ابن عباس في الأرض التي يرثها عباد الله (أرض الجنة)، وقال عن قتادة وغيره، قوله: {وأورثنا الأرض}، قال: أرض الجنة.

وفهم أن الجنة ستصير لنا أرضاً ولها سماء، هو ليس فهمي أنا ولكن فهم السلف من قول الله (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض)، فقال البغوي والقرطبي في تفسيريهما عن الضحاك أنه قال (ما دامت سموات الجنة والنار وأرضهما ، وكل ما علاك وأظلك فهو سماء ، وكل ما استقرت عليه قدمك فهو أرض).
وفي تفسير قول الله (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض)، وتفسر قول الله (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات)، يقول ابن كثير في تفسيره نقلا عن مجاهد ، عن ابن عباس أنه قال (لكل جنة سماء وأرض).

ب. أطلق الله اسم الأرض على أرضين أخرى في باقي السماوات، ومن ذلك قول الله {الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن}، وقول الله {الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض}، قال الطبري (أي مالك جميع ما في السماوات السبع وما في الأرضين السبع).
ومع أن هذه الأرضين في السماء بالنسبة لنا، إلا أنها أرضين بالنسبة لسكانها الذين يعيشون فوقها، ولو نظروا فوقهم لرأوا أرضنا من السماء التي تعلوهم.

مع ملاحظة أن سلفنا الصالح قد أجمعوا على أن أرضنا مكورة، والسماء تحيط بها من كل الجهات، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى جزء 5، ص١٥٠ (اعلم أن الأرض قد اتفقوا على أنها كروية الشكل، وهي في الماء المحيط بأكثرها إذ اليابس السدس وزيادة بقليل والماء أيضاً مقبب من كل جانب للأرض، وإذا كانت سماء الدنيا فوق الأرض محيطة بها فالثانية كروية، وكذا الباقي، والكرسي فوق الأفلاك كلها، والعرش فوق الكرسي). وطالما السماء تحيط بالأرض، فمن نظر للأرض من أحد كواكب السماء، فسيراها زينة في السماء كما نرى نحن القمر زينة في السماء، فالعبرة بمكان الراصد والله تعالى أعلى وأعلم.

ومما يؤكد أن أرضنا محاطة بالسماء كما قال ابن تيمية، أن الله أشار في قرآنه لسباحة الليل والنهار في فلك مثل الشمس والقمر، وهذا يعني أن الأرض جرم يدور في فلك مثل الشمس والقمر، قال تعالى (لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)، ومعلوم أن الليل والنهار لا يسبحان بذاتهما في الفلك لأنهما زمانان، وانما السابح هو كرة الأرض التي يتقلب عليها، ويكور عليها الليل والنهار.

وعليه فلا يمكن لأحد أن يرفض تسمية بعض الأجرام الأخرى في السماوات بالأرضين، فالله هو من أخبر بذلك في قرآنه، ولغة العرب أكدت ذلك، فالأرض مصطلح لما سفل تحت الأقدام، وسيتغير نظرنا لها بتغير موقع الراصد، فمن سكنها سيراها أرضاً تحت قدمه، ومن سكن أحد كواكب السماء فرصد أرضنا فسيراها في العلو ككوكب يعكس ضوء الشمس مثل القمر، فتصبح الارض من زينة السماء بالنسبة للراصد على كوكب آخر، فهذا هو تعريف العرب للكواكب، جرم مضيء في السماء، وهذه صفة لا علاقة لها بطبيعة الجرم ذاته، بل بطريقة، ومكان رصده، وهو ما يوافق المعنى اللغوي "السماء ما علاك، والأرض ما سَفَلَ تحتك". وهذا الفهم النسبي للأرض بحسب موقع الراصد يجعل إطلاق صفة "كوكب" على أرضنا أمر منطقي وعلمي، وليس تجاوزًا شرعيًا.
 
عودة
أعلى