62 وقفة مع الجزء العشرين

عمر المقبل

New member
إنضم
06/07/2003
المشاركات
805
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
62 وقفة مع الجزء العشرين
1.ابتدأ هذا الجزء بالأمر بحمد الله والثناء على رسله، وحمده على إهلاك الطغاة: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 59].
2.{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ } [النمل: 62] سبحان الله! مررت بهذه الآية، وبشائر سقوط طاغية ليبيا تتصاعد، فسبحان من يجيب دعوة المضطر، ويجعل من يشاء خليفة في الأرض، وأسأل الله تعالى أن يقر العين بسقوط النصيري المجرم بشار.
3.{أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [النمل: 63] أتذكر مرةً أننا تهنا في البرية، وضاقت بنا الحيل، وانقطعت الحيل، فتذكرت هذه الآية، وهل من جواب: إلا الله الهادي لنا حساً ومعنى؟
4.إذا صحّ المنهج، وفعلت الأسباب لم يبق إلا صدق التوكل، وصحة المنهج حافزة على قوة التوكل: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِين} [النمل: 79] وقوله: {إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِين} جملة تعليلة للتوكل.
5.مجيء هذه الآية : {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُون} [النمل: 88] بعد قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل: 87] دليل على أن هذه العلامة إنما تكون يوم القيامة وليست في الدنيا، كما فهمه بعضهم.
6.من أعظم بركات التوحيد: الأمن في الآخرة: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل: 89] كما أنه حاصل لهم في الدنيا: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82].
7.تلاوة القرآن وإسماعه للناس من وظائف النبوة: {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ } [النمل: 92] فحقيق بمن أوتي صوتاً حسناً أن يحتسب في هذا، مع تصحيح النية، ومجاهدتها.
8.لم يتكرر الأمر بالحمد لله في سورة مرتين إلا في هذه السورة، أما الأول فقد سبق قليل، وأما الثاني فهو الذي ختمت به هذه السورة: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون} [النمل: 93].
9.فواتح سورة القصص، هي سلوة لكل أمة مستضعفة، إن تمسكت بشرع الله، أن تكون العاقبة لها، وأن أي أمة مستضعفة، فلا يدوم ضعفها وإن طال، فالأيام دول، والدهر قٌلّب: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} [القصص: 5] والعجيب أن هذه الآية تحمل من الفأل شيئاً كثيراً، فهي لا تبشر بارتفاع حالة المسكنة والضعف، بل تبشر بالإمامة ووراثة الأرض، لكن ليست لكل أحد.
10.المتوقع في شأن أم موسى التي قيل لها: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} [القصص: 7] أنه إذا خفت عليه فابحثي عن مكان آمن في البيت، أو قبوٍ ونحو ذلك، لكن أن يقال لها ألقيه في اليم؟ فهذا غاية ما يكون من القدرة، والربط العظيم على قلب الأم، وأي شيء أكبر من قلب أمٍّ تخاف على رضيعها؟! ولا تكتفي هذه الآية بهذا،بل تحمل في طياتها بشائر وتطمينات، أما التطمينات: {وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي} [القصص: 7]، وأما البشائر: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِين} [القصص: 7].
11.وأهل العلم يقولون إن هذه الآيات من الآيات العجيبة في البلاغة حيث جمعت بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين، مع قصرها وقلة كلماتها.
12.{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8] لو كان فرعون إلهاً لما ضمّ حتفه في قصره، ورعاه، وتولى شأنه، ولكن ليعلم أن فرعون قصوره وجهله، وليكون هذا الموقف عبرة لأمثاله من الطغاة. واللام في قوله: (ليكون) هي لام العاقبة.
13.{وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } [القصص: 9] وصدق ربنا! وهم لا يشعرون بحسن عاقبته على امرأة فرعون، ولا بعاقبته على مُلك فرعون كلّه.
14.هذه من أدلة زيادة الإيمان: لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص: 10].
15.{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ } [القصص: 12] هذه من آيات الله الباهرة! إذ الأصل أن من كان في مثل حال موسى أنه إن رفض ثدياً قبل ثدياً آخر، لكن أن يمنع الله عنه مراضع – وهو من صيغ منتهى الجموع – ليتحقق وعد الله لأمه: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [القصص: 13].
16.بعض الشباب المراهق والمتهور حينما يقوم بفعل شنيع – وأشنعه القتل بغير حق – يرى ذلك قوةً وفتوّة، لكن موسى – وهو القوي في بنيته- لم يكن كذلك، بل راى أنه اسخدم قوته في غير موضعها حينما قتل القبطي حمية للإسرائيلي: {قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم} [القصص: 15، 16].
17.يستدل بهذه الآية {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص: 17] من يرى الامتناع من المشاركة في القنوات الفضائية التي غلب عليها وعلى منهجها الخبث والشر، وهو استدلال قويّ، والمسألة اجتهادية، لا يصح التعنيف فيها.
18.قتل النفوس بغير من صور الجبروت في الأرض: {إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِين} [القصص: 19].
19.لله در المباردين! لا ينتظرون من يندبهم للنائبات، بل من طبيعتهم التحرك إذا وجد ما يقتضي ذلك، تأمل وصف الله لهذا الرجل بالسعي – وهو سرعة المشي – ليحذر موسى من الكيد الذي يحاك ضده: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ } [القصص: 20].
20.{فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين} [القصص: 21] فيها أن الخوف الطبعي لا يلام عليه العبد، ولا يخرم توحيده، وفيها – أيضاً -: أن من تمام التوكل فعل الأسباب، فموسى لم ينتظر حتى يقتل معتمداً على توكله فحسب، وهو بمقدوره أن يفعل الأسباب، بل هرب من بطش الظالمين، فنجاه الله.
21.{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ } [القصص: 22] وفيها من الإرشاد أن الإنسان إذا احتار في شيء مادي أو معنوي من مطالبه أن يتوجه إلى ربه بمثل هذا السؤال: {عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ}.
22.وهذه صورة أخرى من صور المبادرة الإيجابية، يفعلها هذه المرة موسى عليه السلام: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص: 23] فهو لم ينتظر حتى تأتيانه وتطلبان منه المساعدة، وقضى حاجتهما في غاية الفتوة والمروءة والكرم.
ـ وفي هذه الآية ما يدل على أنه مستقر في فطر بنات حواء أن الخروج للمرأة من المنزل إنما يكون لحاجة، وليس لذات الخروج: {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} ومفهوم الآية: لو كان لنا أخٌ، أو كان أبونا يستطيع الخروج لما خرجنا! فوا أسفا من تنكب بعض بنات المسلمين لهذا الهدي القرآني، وخروجهن لأدنى سبب، وإن كان يمكن لغيرهن القيام به.
23.{فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِير} [القصص: 24] هكذا أعلن موسى طمعه وافتقاره إلى فضل ربّه، بعد أن منّ الله عليه بقضاء حاجة أناس ضعفاء، وكأنه يدعو بلسان حاله، يا رب هؤلاء نسوة ضعيفات قضيت حاجتهن، وأنا عبدك الضعيف، ولا غنى لي عن رحمتك وفضلك! فانظر ماذا جرى بعد حالة الافتقار هذه؟! زواجٌ، ورزقٌ، ثم النبوة التي لم يشاركه في بدايتها أحدٌ من الأنبياء، حيت ابتدأت نبوته ورسالته بكلام الله مباشرةً له، بخلاف بقية الرسل، فإن بداية نبوتهم تكون بوحيٍ يأتي بواسطة جبريل، ثم بعد ذلك قد يحصل كلام مباشر بين الرسول وبين الله – كما وقع لنبينا صلى الله عليه وسلم في قصة المعراج - وقد لا يحصل.
24.{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء} [القصص: 25] هكذا شأن المرأة العاقلة العفيفة، لا تمشي مشيةً تجعل الأعين تميل إليها، أو الأصابع تشير إليها.
وكم من فتاة كانت مشيتها المتكسرةً دليلاً للذئاب التي تفتك وتنهش عرضها.
25.قاعدة قرآنية: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين} [القصص: 26] وهي قاعدة شاملة لجميع الولايات، وفي ذلك تفاصيل مبسوطة في مظانها.
26.المهر من شعائر النكاح في الأمم قبلنا: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] وفيه: أنه يصح أن يكون المهرة منفعةً من المنافع يبذلها الزوج، كما فعل موسى، حيث كان مهره رعي الغنم مدة ثمان أو عشر سنين.
27.{وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} [القصص: 32] ذكر ابن كثير – فيما قرأته في تفسيره – أن من شعر بالخوف، فصنع ما أمر الله به موسى من وضع اليد على القلب، فربما نفعه ذلك، والله أعلم.
28.هذه الآية: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} [القصص: 34] رسالة إلى أهل الحق: أن صدق المنهج الذي تحملونه لا يكفي في إقناع الناس بما عندكم، بل لا بد من سلوك أقوى الوسائل الإعلامية الممكنة لتبليغ الحق والخير للناس، وبأعلى جودة ممكنة، فموسى أفضل من هارون وأعلم، ولكنه بيّن أن أخاه هارون أفصح منه لساناً وبياناً، فهل يعي هذا الدرس مُلاّك القنوات الفضائية، والمواقع على الشبكة العالمية، أو غيرها من وسائل الإعلام؟.
29.الغلبة – وإن طال الزمن – لأتباع الأنبياء، بشرط التمسك بالوحي: {بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُون} [القصص: 35].
30.قاعدة قرآنية: {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [القصص: 37].
31.أن يكون الإنسان من أهل النار، فتلك مصيبة كبرى، فكيف إذا كان داعيةً، بله إماماً؟ {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّار} [القصص: 41].
32.{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى} [القصص: 43] استدل ابن تيمية بهذه الآية على أنه بعد نزول التوراة لم يهلك الله أمةً بعذاب الاستئصال.
33.قاعدة قرآنية محكمة: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} [القصص: 50] فليست ثمة إلا الوحي أو الهوى.
34.كلما قرأت قصة شخص اهتدى من أهل الكتاب بسبب هذا القرآن، قفزت هذه الآية في ذهني: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ } [القصص: 51، 52].
35.قاعدة قرآنية من قواعد الدعوة: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت} [القصص: 56].
36.تذكير المعرض – سواء كان فرداً أم أمة - بالنعم السالفة منهج قرآني: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [القصص: 57].
37.سُنّتان إلهيتان في آية واحدة: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص: 59].
38.على كلّ من قلّد الرجال مع وضوح الحجة له أن يتدبر هذه الآية المخيفة: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 65].
39.قاعدة قرآنية: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 68].
40.حَمِدَ ربنا نفسه حمداً يستوعب الزمان كلّه فقال: {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ } [القصص: 70]، وحمداً يستوعب المكان كلّه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ } [سبأ: 1] فالحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه سبحانه وبحمده.
41.{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [القصص: 71، 72] ختمت الآية الأولى بـ{أفلا تسمعون} بالتنبيه إلى حاسة السمع، لأن الصوت في الليل يسري أكثر من البصر، والعكس في النهار حيث قال: {أفلا تبصرون} فحاسة البصر أقوى وأكثر امتداداً.
42.{ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص: 76] هذا ليس نهياً عن أصل الفرح بنعمة المال، بل هو نهي عن الفرح الذي يؤدي إلى كفر النعمة.
43.لكأنما هذه الآية: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77] عِقدٌ انتظم ثلاث درر، والمتوقع أن يقال: ولا تنس نصيبك من الآخرة، فإن الدنيا غالباً ما لا يُحتاج إلى التنبيه على العناية بها، لكن لما كانت الآخرة في قلب المؤمن هي الأصل؛ نبه على أنه لا ينبغي أن ينسيك هذا حظك ونصيبك من الدنيا، ولا أن تنسى فضل الله عليك، فكما أحسن إليك فأحسن إلى نفسك ببذل هذا المال في أوجه الخير والبر والصلة.
44.ما أجهل قارون! كيف يقول: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي } [القصص: 78] ؟ وهو يعلم أن الذي علّمه هو الله! والذي وهبه نعمة التفكير هو الله! والذي وهبه القدرة على الكلام والسمع والبصر الذي يدير به أمواله هو الله! لكنه كفران النعم، والطغيان! ينسي العبد المسكين أصله القديم ومآله اللاحق، وينسيه مآلات الأمم قبله، ولهذا قال بعدها: {أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا } [القصص: 78].
45.ما أجمل هذا التعبير: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِه} [القصص: 79]! وكأن الزينة شيء أحاط به، حتى لا يكاد يُرى منه إلا الزينة فحسب! وهذا الحال هو الذي فتن مَنْ فتن حين رآه، فقال: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص: 79].
46.الدنيا مهما بلغت زخارفها من الروعة والأبّهة، فهي لا تفتن أهل العلم بالله وبالدار الآخرة، تأمل كيف أجاب أهل العلم هؤلاء المفتونين: {الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص: 80] فالعلم والصبر من أقوى وأنجع الأدوية لمعالجة فتنة الدنيا، ولهذا لما قال تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ} جاء الخبر عن هؤلاء الذين قلّ علمهم بحقيقة ما كان عليه قارون، فقالوا: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُون} [القصص: 81، 82].
47.لو كانت الدنيا تساوي عند الله شيئاً لجعل أحق الناس بها أوليائه من الرسل والأنبياء والصالحين، ولكنها ليست بشيء، بل الآخرة هي الدار التي يسعى لها الموفقون – جعلنا الله منهم -: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين} [القصص: 83].
48.إذا رايت نفسك مقبلاً على القرآن تالياً، متدبراً، فاعلم أنه فُتح لك باب من أعظم أبواب الرحمة، فالزمه: {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [القصص: 86].
49.سورة العنكبوت أسبهت في الحديث – في أوائلها – عن ضروب الفتنة التي تواجه الداعية وكيف يعالجها، وقد لخصّت أول آيتين فيهما هذا المعنى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } [العنكبوت: 2، 3] فخليق بكل طالب علم وداعية أن يتأملها جيداً.
50.حينما تتعب أيها الداعية، أو تجتهد ثم لا تجد ثمرةً عاجلة أو ظاهرة، فتذكر هذه الآية: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } [العنكبوت: 6] فأنت بالدعوة إنما تنقذ نفسك قبل أن تنقذ غيرك: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِر} [المدثر: 6].
51.وهذه من أول البشائر للداعية: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 7].
52.من أشق وأصعب الفتن التي تعرض للداعية حينما يسمع التثبيط من والديه، ولهذا بدأت السورة بذكر حق الوالدين، وبيان ما لهما، وأن ذلك لا يعني ترك الدعوة! {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 8].
53.هذه الآية الكريمة: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ} [العنكبوت: 9] تثير تساؤلاً، كيف يُدخل في الصالحين وهو صالح؟ والجواب – والله أعلم -: أن هذا إشارة إلى أن المؤمن السالك لطريق الدعوة، يزيده الله إيماناً بأمثال هذه الابتلاءات، ويدخله في سبيل الصالحين من قبله.
54.من حِكَمِ الابتلاء: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} [العنكبوت: 11].
55.من الأسئلة المتبادرة في أذهان المتدبرين: ما الحكمة من ذكر مدة دعوة توح {أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] في هذه السورة بالذات، مع قصر قصة نوح فيها، والتي لم تتجاوز آيتين؟! والذي نظنه نحن البشر ونتوقعه أن يكون محل هذا في سورة نوح التي تمحضّت في قصة نوح! أو في قصته في سورة هود - والتي هي أطول قصة لنوح في القرآن – والجواب: أن هذه السورة لمّا كانت تتحدث في جملة من موضوعاتها عن الفتنة التي يتعرض لها الداعية أو العالم في طريقه إلى الله والدار الآخرة، كانت الإشارة هنا إلى نوع من الفتنة، وهي: طول الطريق! فذكر الله المدة هنا: {أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} ليستأنس الداعية بالصبر، كما صبر نوح عليه السلام، وأن يحذر أن يتوقف، أو يملّ، أو يضجر، والله أعلم.
56.{يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ } [العنكبوت: 21] اللهم إنا داخلون في (من تشاء) والمنّة كلها لك، فاجعلنا ممن رحمتهم برحمتك الواسعة، ولا تعذبنا فإنك على ذلك قادر.
57.هذا مصير محتّم للطواغيت مع أتباعهم يوم القيامة: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا } [العنكبوت: 25].
58.العادة أن المنتديات العامة تحمل الإنسان على الحياء، والاحتشام، مراعاةً للذوق العام – كما يقال – لكنّ قوم لوطٍ، بلغت بهم الخنا والفجور، والدناء وقلة الحياء أنهم صاروا يفعلون المنكر – من اتيان الفاحشة والضراط وغيرها من منكرات القول والعمل – في منتداهم ومجتمعهم، وإذا بلغ قومٌ هذا المبلغ فقد استودع منهم – والعياذ بالله -.
59.{فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} [العنكبوت: 40] إنها الذنوب والمعاصي! سبب العقوبات على الإطلاق! وسبب الفساد الذي ظهر في البر والبحر.
60. فهمُ الأمثالِ القرآنية من أمارات العلم: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُون} [العنكبوت: 43] كما أن عدم فهمها مع القدرة على ذلكٌ نقصٌ بيّن، وهو ما جعل بعض السلف يتأثر عند قراءة هذه الآية حين يمر به مثلٌ ولا يفهمه!
61.لا يمكن أن يقيم إنسان هذه الصلاة حقّاً ويستمر ويصرُّ على معصية من المعاصي؛ لأن الله يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر} [العنكبوت: 45] فإذا وجدنا من أنفسنا أننا مصرون على ذنبٍ – وإن كان من الصغائر – فهذا – والله – علامة أننا لم نقم صلاتنا على الوجه الذي ينبغي - ولا بُدّ – فاللهم ارحمنا برحمتك.
62.{ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَر} [العنكبوت: 45] أكبر من كل شيء، ومن الأئمة من يحملها على معنى وهو: أن ذكر الله في الصلاة أكبر من ذكره في غيره، وهي محتملة.
والله تعالى أعلم وأحكم.​
 
يا شيخ ممكن توضح لي بارك الله فيكم ونفع بكم الاسلام والمسلمين
الفرق بين قولك (قاعدة قرانية وبين قولك من امثال القران)
وهل مقصدكم رعاكم الله (من امثال القران)أي المثل الذي هو اقرب للحكمة ام المثل الذي يحتوي على اركان التشبيه وغيره؟؟
مثال: في وقفات الجزء14 في قوله (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) في سورة الحجر ذكرتم بارك الله فيكم
من أمثال القران
وفي وقفات الجزءالعشرين في قوله تعالى(إنه لا يفلح الظالمون) ذكرتم انها قاعدة قرانية
وجزاكم الله خيرا
 
الجواب عن سؤالك يا أخت زهرة أقتطعه من بحثٍ لي في هذه الموضوع، وسينشر قريباً بإذن الله:
المطلب الثاني: الفرق بين القواعد القرآنية والأمثال القرآنية:
قبل البحث في هذه المسألة، يحسن أن نعرّف بالأمثال القرآنية؛ لتتضح مواضع الاتفاق والافتراق بين الأمثال وبين القواعد القرآنية، فيقال:
الأمثال جمع مثل: وهو لغةً: ما "يَدُلُّ عَلَى مُنَاظَرَةِ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ، وَهَذَا مِثْلُ هَذَا، أَيْ: نَظِيرُهُ، وَالْمِثْلُ وَالْمِثَالُ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ، وَرُبَّمَا قَالُوا: مَثِيلٌ كَشَبِيهٍ، وَالْمَثَلُ: الْمِثْلُ أَيْضًا، كَشَبَهٍ وَشِبْهٍ، وَالْمَثَلُ الْمَضْرُوبُ مَأْخُوذٌ مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّهُ يُذْكَرُ مُوَرًّى بِهِ عَنْ مِثْلِهِ فِي الْمَعْنَى"([1]).
وأما في اصطلاح الأدباء، فقد ذُكِرَ فيه أكثر من تعريف، ومن أقربها: "القَوْل السائر، الذي يشبه مضربه بمورده"([2]).
والمثل عند أهل الأدب قول يسير وينتشر بين أهل اللسان، وحقيقته: حكاية قولٍ في شيء يشبه قولاً في شيء آخر بينهما مشابهة؛ ليبيّن أحدهما الآخر ويصوّره، وذلك بأن تحصل حالة لها شبه بالحالة التي صدر فيها ذلك القول، فيستحضر المتكلم تلك الحالة، ويُشَبِّهَ بها ما عَرَض له، وينطق بالقول الذي كان صدر في أثناء الحالة المشبه بها؛ ليُذَكِّرَ السامع بتلك الحالة، وبأن هذه الحال الجديدة، شبيهة بسبب مورد المثل الذي قيل في تلك الحالة([3]).
وأما حقيقة المثل القرآني، فهذا مما يصعب ضبطه ههنا؛ لسببين:
السبب الأول: تنوع أساليب القرآن في عرض الأمثال هذا من جهة؛ ولتفاوت أغراض الأمثال الواردة في القرآن الكريم من جهة أخرى، كما قال سبحانه : ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾ [الإسراء: 89]، وعليه فيمكن القول: إنه لا يمكن حملُ المثل القرآني على تعريف اللغويين، أو الأدباء، أو البيانيين؛ لأنه أعم في مفهومه منها جميعًا؛ "فالأمثال القرآنية هي تمثيل حال أمر بحال أمر آخر، سواء ورد هذا التمثيل بطريق الاستعارة، أم بطريق التشبيه، أم بطريق الكناية، فأمثال القرآن لا يستقيم حملها على أصل المعنى اللغوي الذي هو الشبيه والنظير([4])، ولا يستقيم حملها على ما يُذْكَر في كتب الأدب من تشبيه المضرب بالمورد، ولا يشترط أن يكون فيها غرابة أو طرافة، ولكنها صور مختلفة لمعاني تَرِدُ للعبرة والاتعاظ، وتقريب ما يستعصي على العقول فهمه من الأمور الغيبية، كصفة الجنة، وكيفية زوال الدنيا، وغير ذلك، سواء صُرِّحَ فيه بلفظ المثل أم لم يصرَّح به، بأن أرسل إرسالًا؛ فاتخذه الناس مثلًا يحتجون به، ويعتبرون بما فيه، فالأمثال القرآنية مقاييس عقلية تخلو من التكلُّف والاعتساف، وقواعد كلية للمبادئ الخلقية الصالحة لكل زمان ومكان.
والمثل القرآني أسلوب بياني يجمع في طيَّاته نماذج حية مستمَدَّة من الواقع المشاهد, لتكون هذه النماذج أقيسه عامة للحقائق المجرَّدة، أو الأعمال المجرَّبة، أو الأمور التي لا تقع تحت الحسِّ والإدراك في الدنيا، والتي يترتَّب عليها أحكام شمولية، ويُبْنَى عليها صلاح أمر الناس في الدنيا والآخرة"([5]).
السبب الثاني: أن ثمة بحثاً وثيق الصلة بهذه المسألة، وهو: هل لفظ الشبه والمثل بمعنى واحد أو معنيين؟ وهذا له أثره في ضبط حقيقة المثل القرآني، والفرق بينه وبين غيره من الأمثال.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :: "وقد تنازع الناس: هل لفظ الشبه والمثل بمعنى واحد أو معنيين، على قولين:
أحدهما: أنهما بمعنى واحد، وأن ما دل عليه لفظ المثل مطلقاً ومقيداً يدل عليه لفظ الشبه، وهذا قول طائفة من النظار.
والثاني: أن معناها مختلف عند الإطلاق لغةً وشرعاً وعقلاً، وإن كان مع التقيد والقرينة يراد بأحدهما ما يراد بالآخر، وهذا قول أكثر الناس، وهذا الاختلاف مبني على مسألة عقلية، وهو أنه هل يجوز أن يشبه الشيءُ الشيءَ من وجه دون وجه، وللناس في ذلك قولان:
فمن منع أن يشبهه من وجه دون وجه قال: المثل والشبه واحد.
ومن قال: إنه قد يشبه الشيءُ الشيءَ من وجه دون وجه، فَرّقَ بينهما عند الإطلاق، وهذا قول جمهور الناس، فإن العقل يعلم أن الأعراض مثلَ الألوان، تشتبه في كونها ألوانا، مع أن السواد ليس مثل البياض، وكذلك الأجسام والجواهر عند جمهور العقلاء تشتبه في مسمى الجسم والجوهر، وإن كانت حقائقها ليست متماثلة، فليست حقيقة الماء مماثلة لحقيقة التراب، وإن اشتركا في أن كلا منهما جوهر وجسم وقائم بنفسه.
وأيضا فمعلوم في اللغة أنه يقال: هذا يشبه هذا، وفيه شبه من هذا، إذا أشبهه من بعض الوجوه، وإن كان مخالفا له في الحقيقة، قال الله تعالى: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة:25]، وقال: { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران:7]، وقال: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} [البقرة:118]، فوصف القولين بالتماثل، والقلوب بالتشابه لا بالتماثل؛ فإن القلوب وإن اشتركت في هذا القول فهي مختلفة لا متماثلة، وقال النبي ج: «الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك أمور متشابهات لا يعلمهن كثير من الناس»، فدل على أنه يعلمها بعض الناس، وهي في نفس الأمر ليست متماثلة، بل بعضها حرام وبعضها حلال"اهـ([6]).
وخلاصة القول: أن ثمة حاجة إلى تحريرٍ أكثر في هذه المسألة الدقيقة، وطبيعة هذه الورقة لا تحتمل التفصيل.
وبعد تأمل لبعض الوقت ـ والتأمل قائم ـ ترجح لي عدم وجود صلةٍ تذكر بين القواعد القرآنية وبين الأمثال، ذلك أن حقيقة الأمثال القرآنية ـ كما سبق ـ تختلف عن الأمثال التي يبحثها الأدباء والبلاغيون واللغويون.
وقد وجدتُ في كلام المفسرين تعبيراً أدق في هذا المقام عن الألفاظ والجمل التي تشبه القواعد القرآنية، فتراهم يقولون: وهذه الآية جاريةٌ مجرى المثل، ولا يقولون هي مثل؛ لأنها لم تذكر ـ أصلاً ـ على أنها مثل، فهم نظروا في صيغتها وقالوا عنها: جارية مجرى المثل، ومن أمثلة ذلك:
1.قول أبي حيان(ت: 745هـ) في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾[القصص:26]: "وقولها كلام حكيم جامع؛ لأنه إذا اجتمعت الكفاية والأمانة في القائم بأمر؛ فقد تم المقصود، وهو كلام جرى مجرى المثل، وصار مطروقاً للناس، وكان ذلك تعليلاً للاستئجار، وكأنها قالت: استأجره لأمانته وقوته، وصار الوصفان منبهين عليه"([7]).
2.قول الألوسي(ت: 1270هـ) في تفسير قوله تعالى: ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ﴾[التوبة: 91]: "والجملة استئناف مقرر لمضمون ما سبق، على أبلغ وجه، وألطف سبك، وهو من بليغ الكلام؛ لأن معناه: لا سبيل لعاتب عليهم، أي: لا يمر بهم العاتب ولا يجوز في أرضهم، فما أبعد العتاب عنهم! وهو جار مجرى المثل"([8]).
3.قول ابن كثير(ت: 774) في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ "وهذه سنة الله في خلقه، في قديم الدهر وحديثه: أنه ينصر عباده المؤمنين في الدنيا، ويقر أعينهم ممن آذاهم"([9]).
ويوضح ذلك: أن الأمثال تعتمد ـ في مجملها ـ تشبيه أمرٍ يراد تقريره، بشيء معلوم، سواء كان هذا بصيغة التشبيه الصريحة أم لا، وسواءٌ قصد بذلك الصيغة المختصرة للمثل أم المقصد العام من ضرب الأمثال ـ وإن كانت قصة طويلة([10]) ـ بخلاف القواعد القرآنية، فليست كذلك، فأقوى ما يقارب طريقة الأمثال، ما يقول فيه بعض المفسرين: إنه جارٍ مجرى المثل ـ كما سبق ـ.
ومن ذلك: أن بعض الجمل التي يصح أن تكون جارية مجرى المثل وليست مثلاً، هي من جملة القواعد والأحكام المطردة اطراداً كلياً، نحو:
1.﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾[آل عمران: 36].
2.﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾[الأنعام: 164].
3.﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ﴾[التوبة: 91].
4.﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾[يوسف: 90].
5.﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾[فاطر: 43]، وهلم جراً، والله تعالى أعلم.

([1]) مقاييس اللغة: (5/ 296)، وينظر: الصحاح: (5/ 1816)، لسان العرب: (11/ 610)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير: (2/ 563)، القاموس المحيط: (1056).
وثمة بحث لغوي، ليس هذا موضعه، وهو: هل هناك فرقٌ بين المَثَل، والمِثْل؟
ينظر: لسان العرب: (11/ 610)، دراسات في علوم القرآن لمحمد بكر إسماعيل: (294).

([2]) ينظر: معجم مقاليد العلوم في الحدود والرسوم، للسيوطي: (99)، جمهرة الأمثال: (1/7) ، زهر الأكم في الأمثال والحكم لنور الدين اليوسي: (1/20)، شرح شذور الذهب للجوجري: (2/420)، الكشاف للزمخشري: (1/72)، التحرير والتنوير: (1/ 303).

([3]) ينظر: المفردات في غريب القرآن: (759)، التحرير والتنوير: (1/305) .

([4]) وفي هذا الإطلاق نظر، فإن من جملة الأمثال القرآنية ما يعتمد على هذا، كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ... } الآيات [إبراهيم: 24]، فإن التشبيه والتنظير في هذا المثل ظاهر، وكذلك قوله تعالى: { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [البقرة: 261] وغير ذلك كثير.

([5]) موسوعة الأعمال الكاملة للعلامة محمد الخضر حسين (2/473-475)، وينظر: الإتقان: (5/1933-1941)، الأمثال القرآنية القياسية المضروبة للإيمان بالله (1/43).

([6])"الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" (3 / 444).

([7]) البحر المحيط في التفسير: (8/ 299).

([8]) روح المعاني: (5/346).

([9]) تفسير ابن كثير: (7/ 150)ت سلامة.

([10]) كما أتى بذلك التعبير القرآني في مثل: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا ... * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [التحريم:10،11]، وكذا في مثل: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ ...﴾ [الكهف: 32] ، وكذلك: ﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ [النور:34].
 
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم شيخنا الفاضل فهمت
ان المثل بكسر الميم لغة بمعنى الشبيه والنظير
وان المثل بفتح الميم هو ما كان في استعمالات العرب وهو ما يقتطع من كلام او يكون مرسل بذاته ويتداوله الناس (اقرب الى الحكم) وهذا ما اشكل علي فيه بينه وبين القواعد القرانية
اما المثل الذي يكون (اقرب الى التشبيه) واركانه فهذا الحمد لله لم يشكل علي
اما القواعد القرانية فهي بمثابة الضوابط
الان اتضح لي الفرق بفضل الله لكن لم يتضح لي كيفية استنباط القواعد والامثال
يعني لو مريت باية في قاعدة قرانية ربما اقول انها من امثال القران والعكس
لكم كتاب بارك الله فيكم جمع القواعد اطلعت على بعضه واحجمت عن الباقي منه حتى احاول اثناء قراءتي للقران استنباط شي من القواعد وارى بعد ذلك هل وافقت ما ذكرتم ام لا فوجدت اني اخطأت في دمج الامثال مع القواعد
فهل ضوابط تعينني ؟؟
بارك الله فيكم وجعلكم مفتاح للخير اينما كنت
 
التعديل الأخير:
جميلة هذه الوقفات، وحسنٌ هذا التثوير
"من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن"
وفقك الله أبا عبدالله
 
جزيتم خيراً .
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 7].
من فضل الله الرحمن الرحيم أنه يجزي هؤلاء أحسنَ الذي كانوا يعملون . بدل أن يجازيهم بحسْب حُسْن كل عمل صالح عملوه .
وهذا كما يبدل الله سيئات بعض الناس حسنات .
فله الحمد والمنة .
 
{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5))
هذه الآية تخاطب المهاجرين .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار : (إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِى عَلَى الْحَوْضِ).
 
عودة
أعلى