مساعد الطيار
مستشار
- إنضم
- 15/04/2003
- المشاركات
- 1,698
- مستوى التفاعل
- 5
- النقاط
- 38
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
[color=0033FF][align=center](4) (نظرات في المُعرَّب) آدم في السماء.[/align][/color]
كما قلت لك سابقًا : لقد كنت أُأَخِّر الحديث عن هذه القضية ريثما أرتب قراءاتي فيها ، غير أن الوقت يمضي يومًا بعد يومٍ ، ولا أجد متسعًا من الوقت أتفرغ فيه لإعادة قراءاتي فيه ، وترتيب هذا الموضوع من جديد .
ولما كان الأمر كذلك رأيت أن أدلِي بما في دلوي من معلومات متناثرة في هذا الموضوع راجيًا من الله أن يتمم لي بركة العلم والوقت ، فأستطيع إعادة تسطير هذا الموضوع مرة أخرى بما يتناسب مع أهميته ومشكلاته وما فيه من فوائد ونفائس ظهرت لبعض المعاصرين حين دخلوا في موازنة بين اللغات القديمة ، فخرجوا بشيءٍ جديد في مادته .
وقد احترت في هذا الموضوع من أين أبدأُ به ، وما ترتيبي فيه ، لكني رأيت أن أُجري القلم بما ينصب عليه من الذهن ، ثم يكون ترتيب الموضوع فيما بعد إذا انتهى طرحه في هذا الملتقى .
[align=center][color=0000CC]آدم في السماء [/color][/align]
خلق الله المخلوقات : ملائكة وجِنًّا ، وأرضًا وسماءً ، وأخرج منافع الأرض ، وهيَّئها للساكن الجديد ، ثمَّ خلقه ، خلق آدم من تراب الأرض التي سيسكنها ، فجلَّ الله في حكمته ، وتعالى في سلطانه .
فما مدلول هذا الاسم ؟
ذكر ابن جرير عن بعض السلف أنه سُمِّي آدم من أديم الأرض ؛ لأنه خلق من مجموع تربتها ، كما وردت بهذا الآثار ، ومن الآثار الواردة في كونه سمِّي نسبةً إلى أديم الأرض :
1 ـ أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : ( بعث رب العزة ملك الموت ، فأخذ من أديم الأرض ؛ من عذبها ومالحها ، فخلق منه آدم ، ومن ثم سمي آدم ؛ لأنه خلق من أديم الأرض )
2 ـ وقال ابن جرير : وحدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو أحمد الزبيري قال حدثنا عمرو بن ثابت عن أبيه عن جده عن علي قال : ( إن آدم خلق من أديم الأرض ؛ فيه الطيب والصالح والرديء ، فكل ذلك أنت راء في ولده الصالح والرديء ) .
قال الطبري ـ معلقًا على هذين الأثرين وغيرهما ـ الأرض : (( وقد روي عن رسول الله خبر يحقق ما قال من حكينا قوله في معنى آدم )) ثم ساق بسنده إلى رسول الله ، قال : ( إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض جاء منهم الأحمر والأسود والأبيض وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب ) .
ثم قال الطبري : ((فعلى التأويل الذي تأول آدم من تأوله بمعنى أنه خلق من أديم الأرض يجب أن يكون أصل آدم ؛ سُمِّي به أبو البشر كما سمي أحمد بالفعل من الإحماد وأسعد من الإسعاد فلذلك لم يجر ويكون تأويله حينئذ آدم الملك الأرض يعني به أبلغ أدمتها وأدمتها وجهها الظاهر لرأي العين كما أن جلدة كل ذي جلدة له أدمة ومن ذلك سمي الإدام إداما لأنه صار كالجلدة العليا مما هي منه ثم نقل من الفعل فجعل اسما للشخص بعينه )) .
وقد قيل في اسم أصل اسم آدم أقوال أخرى ، ونُسِب إلى لغات ترجع في نهايتها إلى اللغة العروبية الأم . ( انظر : تاج العروس ، مادة (أدم) ، وحاشية الشهاب الخفاجي على تفسير البيضاوي ( 2 : 124 ـ 125 ) ) .
وليس هذا مجال الاستطراد في هذا ، إذ يكفي وضوح الاشتقاق العربي في هذا الاسم ، إذ اللغات الأخرى المذكورة ، وهي السريانية أو العبرية ترجع إلى اللغة العربية الأولى : لغة الاشتقاق التي سيرد الإشارة إليها عبر هذه الجزئية .
واسم آدم لم يتغيِّر عند أصحاب الكتب السماوية ، فهو بهذا الاسم بعينه عندهم ، وهذا يشير إلى اللغة الأولى التي تكلم بها آدم عليه السلام ، وأنها لغة اشتقاق تتوالد فيها الكلمات من أصول ثابتة ، قد يموت بعضها فينسى ، وقد يبقى بعضها باهتة الدلالة غير معروف الأصل ، وقد يستمر كثير منها في اللغة الخالدة الباقية ، وهو المتمثل في لغات عرب الجزيرة الذين بقيت في لغتهم فكرة الاشتقاق وما زالت مستمرةً ، مع ملاحظة الاختلاف في طريقة الاشتقاق ، ومحل هذا كتب فقه اللغة .
وإذا كنت تستغرب أن يكون اسم آدم مشتقٌّ من أديم الأرض الذي هو أصل مادته ، فاسمع هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم .
روى الإمام أحمد بسنده إلى إبراهيم بن عبد الله بن قارض أن أباه حدثه أنه دخل على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، وهو مريض ، فقال له عبد الرحمن رضي الله عنه : وصلتك رحم . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( قال الله عز وجل : أنا الرحمن خلقت الرحم ، وشققت لها اسما من اسمي ، فمن يصلها أصله ، ومن يقطعها أقطعه فأبُتُّه ، أو قال من يَبُتُّها أبُتُّه ) .
وروى الإمام أحمد بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قال الله عز وجل : أنا الرحمن ، وهي الرحم شققت لها من اسمى ؛ من يصلها أصله ، ومن يقطعها أقطعه فأبتُّه ) .
ألا ترى دلالة الاشتقاق واضحة في علاقة الرحِمِ بالرحمن ، إنها لغة الاشتقاق ، تلك اللغة النامية الخالدة ، فتأمل جيدًا هذه الحيثية فإنها أصل في تأصيل لغة العرب ، وبيان قدمها في التاريخ .
ومما يستأنس به في هذا الباب من الأخبار ما رواه الطبري عن ابن عباس قال : (( فأخرج إبليس من الجنة حين لعن وأسكن آدم الجنة فكان يمشي فيها وحشا ليس له زوج يسكن إليها فنام نومة فاستيقظ وإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه ، فسألها : من أنت ؟
فقالت : امرأة .
قال : ولم خلقتِ ؟
قالت : تسكن إلي .
قالت له الملائكة ـ ينظرون ما بلغ علمه ـ : ما اسمها يا آدم ؟
قال : حواء .
قالوا : ولم سميتَ حواء ؟
قال : لأنها خلقت من شيء حي )) تفسير الطبري ط : الحلبي ج: 1 ص: 214
ففي هذا الخبر ترى أن آدم اشتق اسم زوجه من معنى الحياة ؛ لأنها خُلِقت من حيٍّ .
أضف إلى ذلك ما رواه مسلم بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( خلق الله عز وجل آدم على صورته طوله ستون ذراعا ، فلما خلقه قال : اذهب ، فسلم على أولئك النفر ـ وهم نفر من الملائكة جلوس ـ فاستمع ما يجيبونك ، فإنها تحيَّتك وتحيَّة ذريتك .
قال : فذهب ، فقال : السلام عليكم .
فقالوا : السلام عليك ورحمة الله .
قال : فزادوه ورحمة الله )) . صحيح مسلم ج: 4 ص: 2183 .
يقول الله لآدم : فإنها تحيتك وتحية ذريتك ، وأنت ترى أن السلام باقٍ في أصحاب الديانات السماوية .
وأنت تعلم أن السلام اسم من أسماء الله ، كما ورد في قوله تعالى : (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الحشر:23)
وإليك بعض الأمثلة .
1 ـ راجع في القرآن تحية الله لأوليائه ، وتحية الملائكة للأنبياء ، والتحية التي يتلقى بها الملائكة المؤمنين يوم القيامة ، ومن أمثلتها :
قوله تعالى : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (يـس:58) .
قوله تعالى : (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) (هود:69) .
قوله تعالى : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ* سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد: 23 ـ 24) .
قوله تعالى : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل:32) .
وكل هذا راجع إلى معنى اسم السلام سبحانه ، وهو أثر من آثاره ، فهو الذي يسلِّم على عبادة بالقول ، ويسلِّمهم من الشرور .
وإذا أخذت بعين الاعتبار أن الأسماء لا تتغير بتغير اللغة التي نُقِل إليها ، وإنما قد يحدث لها بعض التحوير الذي يتناسب مع لهجة اللغة التي انتقل إليها الاسم = ظهر لك أنَّ أسماء الله ثابتة له منذ الأزل ، وأنه قد نطق بها الملائكة وآدم في السماء ، فالله والرحمن والسلام قد وردت في هذه الآثار ، مما يُستنتج منه أنها هكذا كانت تُنطق في ذلك الحين ، وليس هناك ما يدل على سوى ذلك ، خصوصًا إذا أضفت ما ورد من اشتقاق الرِّحِم من اسم الرحمن .
2 ـ من أسماء أنبياء بني إسرائيل ( سليمان عليه السلام ) ، وفيه معنى السلام ، وهو مأخوذ من مادة ( سلم ) ، وقد جاء في قاموس الكتاب المقدس ( ص : 481 ) ما نصه : (( سليمان : اسم عبري معناه : رجل سلام ) . وارجع إلى تحليل أكثر لهذا الاسم في كتاب العلم الأعجمي في القرآن مفسرًا بالقرآن لرؤوف أبو سعدة ( 2 : 159 وما بعدها ) = تجد وضوح عربية هذا الاسم ، وأنه جاء على صيغة العربية المنطوق بها آنذاك .
3 ـ ورد في صحيح مسلم في قصة موسى مع الخضر ما نصُّه : (( ... قال يقصان آثارهما حتى أتيا الصخرة ، فرأى رجلاً مسجى عليه بثوب ، فسلم عليه موسى .
فقال له الخضر : أنَّى بأرضك السلام .
قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل )) (صحيح مسلم ج: 4 ص: 1848) . وهذا يدخل في تفسير قول الله لآدم : (فإنها تحيتك وتحية ذريتك ) ، والسلام ـ فيما يظهر ـ مما بقي عند أصحاب الديانات السماوية ، كما ذكرت لك سابقًا .
أقول هذا من باب الاحتمال والظنِّ والله أعلم .
4 ـ لازال اليهود إلى اليوم يقولون ( شالوم ) بمعنى السلام ، وهم يُشيِّنون السين ( أي : يجعلون السين شينًا ) .
ومن باب الاستطراد أيضًا تجد أحبارهم وقساوسة النصارى يقولون في خاتمة دعائهم ( آمين ) إلى اليوم ، فمن أخذ من مَنْ إلا أن تكون اللغة بينهم واحدة المصدر .
وإنني أدعو إلى بحث فكرة الاشتقاق عند مفسري السلف واللغويين ، فإنه سيظهر بجمع المواد التي حُكي فيها الاشتقاق فوائد جمَّة ، قد تدلنا على خيوطٍ في أصول العربية القديمة تلك اللغة الشريفة التي مرَّت بعصور من التطور والتحوُّر ، لكنها لم تتغير في أصولها الاشتقاقية .
وإني أُدرِك أن بعض الاشتقاقات التي ذكرها مفسرو السلف قد يُعترضُ عليها وتُضعَّف ، بل قد يحكم بعضهم على بعض هذه التحليلات الاشتقاقية بالسذاجة ، لكن النظر هنا إلى وجود أصل هذه الفكرة ، ووردها عندهم ، وإدراكهم لها ، ومن الأمثلة على هذه الاشتقاقات عند المفسرين :
1 ـ عن أبي العالية قال : (( إنما سمي العِجْل لأنهم عجلوا ، فاتخذوه قبل أن يأتيهم موسى )) ( تفسير الطبري ط : الحلبي 1 : 283 ) .
2 ـ قال مقاتل : (( تفسير آدم عليه السلام لأنه خلق من أديم الأرض ، وتفسير حواء لأنها خلقت من حي ، وتفسير نوح لأنه ناح على قومه ، وتفسير إبراهيم : أبو الأمم ، ويقال : أب رحيم ، وتفسير إسحاق لضحك سارة ، ويعقوب ، لأنه خرج من بطن أمه قابضًا على عقب العيص ، وتفسير يوسف زيادة في الحسن ، وتفسير يحيى : أحيي من بين ميتين ؛ لأنه خرج من بين شيخ كبير وعجوز عاقر صلى الله عليهم أجمعين )) . تفسير مقاتل ( 3 : 53 ) .
هذا ، وسيأتي الحديث عن هؤلاء الأعلام الكرام الذين ذكرهم مقاتل ، وبيان أصول عربية هذه أسمائهم إن شاء الله .
[color=0033FF][align=center](4) (نظرات في المُعرَّب) آدم في السماء.[/align][/color]
كما قلت لك سابقًا : لقد كنت أُأَخِّر الحديث عن هذه القضية ريثما أرتب قراءاتي فيها ، غير أن الوقت يمضي يومًا بعد يومٍ ، ولا أجد متسعًا من الوقت أتفرغ فيه لإعادة قراءاتي فيه ، وترتيب هذا الموضوع من جديد .
ولما كان الأمر كذلك رأيت أن أدلِي بما في دلوي من معلومات متناثرة في هذا الموضوع راجيًا من الله أن يتمم لي بركة العلم والوقت ، فأستطيع إعادة تسطير هذا الموضوع مرة أخرى بما يتناسب مع أهميته ومشكلاته وما فيه من فوائد ونفائس ظهرت لبعض المعاصرين حين دخلوا في موازنة بين اللغات القديمة ، فخرجوا بشيءٍ جديد في مادته .
وقد احترت في هذا الموضوع من أين أبدأُ به ، وما ترتيبي فيه ، لكني رأيت أن أُجري القلم بما ينصب عليه من الذهن ، ثم يكون ترتيب الموضوع فيما بعد إذا انتهى طرحه في هذا الملتقى .
[align=center][color=0000CC]آدم في السماء [/color][/align]
خلق الله المخلوقات : ملائكة وجِنًّا ، وأرضًا وسماءً ، وأخرج منافع الأرض ، وهيَّئها للساكن الجديد ، ثمَّ خلقه ، خلق آدم من تراب الأرض التي سيسكنها ، فجلَّ الله في حكمته ، وتعالى في سلطانه .
فما مدلول هذا الاسم ؟
ذكر ابن جرير عن بعض السلف أنه سُمِّي آدم من أديم الأرض ؛ لأنه خلق من مجموع تربتها ، كما وردت بهذا الآثار ، ومن الآثار الواردة في كونه سمِّي نسبةً إلى أديم الأرض :
1 ـ أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : ( بعث رب العزة ملك الموت ، فأخذ من أديم الأرض ؛ من عذبها ومالحها ، فخلق منه آدم ، ومن ثم سمي آدم ؛ لأنه خلق من أديم الأرض )
2 ـ وقال ابن جرير : وحدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو أحمد الزبيري قال حدثنا عمرو بن ثابت عن أبيه عن جده عن علي قال : ( إن آدم خلق من أديم الأرض ؛ فيه الطيب والصالح والرديء ، فكل ذلك أنت راء في ولده الصالح والرديء ) .
قال الطبري ـ معلقًا على هذين الأثرين وغيرهما ـ الأرض : (( وقد روي عن رسول الله خبر يحقق ما قال من حكينا قوله في معنى آدم )) ثم ساق بسنده إلى رسول الله ، قال : ( إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض جاء منهم الأحمر والأسود والأبيض وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب ) .
ثم قال الطبري : ((فعلى التأويل الذي تأول آدم من تأوله بمعنى أنه خلق من أديم الأرض يجب أن يكون أصل آدم ؛ سُمِّي به أبو البشر كما سمي أحمد بالفعل من الإحماد وأسعد من الإسعاد فلذلك لم يجر ويكون تأويله حينئذ آدم الملك الأرض يعني به أبلغ أدمتها وأدمتها وجهها الظاهر لرأي العين كما أن جلدة كل ذي جلدة له أدمة ومن ذلك سمي الإدام إداما لأنه صار كالجلدة العليا مما هي منه ثم نقل من الفعل فجعل اسما للشخص بعينه )) .
وقد قيل في اسم أصل اسم آدم أقوال أخرى ، ونُسِب إلى لغات ترجع في نهايتها إلى اللغة العروبية الأم . ( انظر : تاج العروس ، مادة (أدم) ، وحاشية الشهاب الخفاجي على تفسير البيضاوي ( 2 : 124 ـ 125 ) ) .
وليس هذا مجال الاستطراد في هذا ، إذ يكفي وضوح الاشتقاق العربي في هذا الاسم ، إذ اللغات الأخرى المذكورة ، وهي السريانية أو العبرية ترجع إلى اللغة العربية الأولى : لغة الاشتقاق التي سيرد الإشارة إليها عبر هذه الجزئية .
واسم آدم لم يتغيِّر عند أصحاب الكتب السماوية ، فهو بهذا الاسم بعينه عندهم ، وهذا يشير إلى اللغة الأولى التي تكلم بها آدم عليه السلام ، وأنها لغة اشتقاق تتوالد فيها الكلمات من أصول ثابتة ، قد يموت بعضها فينسى ، وقد يبقى بعضها باهتة الدلالة غير معروف الأصل ، وقد يستمر كثير منها في اللغة الخالدة الباقية ، وهو المتمثل في لغات عرب الجزيرة الذين بقيت في لغتهم فكرة الاشتقاق وما زالت مستمرةً ، مع ملاحظة الاختلاف في طريقة الاشتقاق ، ومحل هذا كتب فقه اللغة .
وإذا كنت تستغرب أن يكون اسم آدم مشتقٌّ من أديم الأرض الذي هو أصل مادته ، فاسمع هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم .
روى الإمام أحمد بسنده إلى إبراهيم بن عبد الله بن قارض أن أباه حدثه أنه دخل على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، وهو مريض ، فقال له عبد الرحمن رضي الله عنه : وصلتك رحم . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( قال الله عز وجل : أنا الرحمن خلقت الرحم ، وشققت لها اسما من اسمي ، فمن يصلها أصله ، ومن يقطعها أقطعه فأبُتُّه ، أو قال من يَبُتُّها أبُتُّه ) .
وروى الإمام أحمد بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قال الله عز وجل : أنا الرحمن ، وهي الرحم شققت لها من اسمى ؛ من يصلها أصله ، ومن يقطعها أقطعه فأبتُّه ) .
ألا ترى دلالة الاشتقاق واضحة في علاقة الرحِمِ بالرحمن ، إنها لغة الاشتقاق ، تلك اللغة النامية الخالدة ، فتأمل جيدًا هذه الحيثية فإنها أصل في تأصيل لغة العرب ، وبيان قدمها في التاريخ .
ومما يستأنس به في هذا الباب من الأخبار ما رواه الطبري عن ابن عباس قال : (( فأخرج إبليس من الجنة حين لعن وأسكن آدم الجنة فكان يمشي فيها وحشا ليس له زوج يسكن إليها فنام نومة فاستيقظ وإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه ، فسألها : من أنت ؟
فقالت : امرأة .
قال : ولم خلقتِ ؟
قالت : تسكن إلي .
قالت له الملائكة ـ ينظرون ما بلغ علمه ـ : ما اسمها يا آدم ؟
قال : حواء .
قالوا : ولم سميتَ حواء ؟
قال : لأنها خلقت من شيء حي )) تفسير الطبري ط : الحلبي ج: 1 ص: 214
ففي هذا الخبر ترى أن آدم اشتق اسم زوجه من معنى الحياة ؛ لأنها خُلِقت من حيٍّ .
أضف إلى ذلك ما رواه مسلم بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( خلق الله عز وجل آدم على صورته طوله ستون ذراعا ، فلما خلقه قال : اذهب ، فسلم على أولئك النفر ـ وهم نفر من الملائكة جلوس ـ فاستمع ما يجيبونك ، فإنها تحيَّتك وتحيَّة ذريتك .
قال : فذهب ، فقال : السلام عليكم .
فقالوا : السلام عليك ورحمة الله .
قال : فزادوه ورحمة الله )) . صحيح مسلم ج: 4 ص: 2183 .
يقول الله لآدم : فإنها تحيتك وتحية ذريتك ، وأنت ترى أن السلام باقٍ في أصحاب الديانات السماوية .
وأنت تعلم أن السلام اسم من أسماء الله ، كما ورد في قوله تعالى : (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الحشر:23)
وإليك بعض الأمثلة .
1 ـ راجع في القرآن تحية الله لأوليائه ، وتحية الملائكة للأنبياء ، والتحية التي يتلقى بها الملائكة المؤمنين يوم القيامة ، ومن أمثلتها :
قوله تعالى : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (يـس:58) .
قوله تعالى : (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) (هود:69) .
قوله تعالى : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ* سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد: 23 ـ 24) .
قوله تعالى : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل:32) .
وكل هذا راجع إلى معنى اسم السلام سبحانه ، وهو أثر من آثاره ، فهو الذي يسلِّم على عبادة بالقول ، ويسلِّمهم من الشرور .
وإذا أخذت بعين الاعتبار أن الأسماء لا تتغير بتغير اللغة التي نُقِل إليها ، وإنما قد يحدث لها بعض التحوير الذي يتناسب مع لهجة اللغة التي انتقل إليها الاسم = ظهر لك أنَّ أسماء الله ثابتة له منذ الأزل ، وأنه قد نطق بها الملائكة وآدم في السماء ، فالله والرحمن والسلام قد وردت في هذه الآثار ، مما يُستنتج منه أنها هكذا كانت تُنطق في ذلك الحين ، وليس هناك ما يدل على سوى ذلك ، خصوصًا إذا أضفت ما ورد من اشتقاق الرِّحِم من اسم الرحمن .
2 ـ من أسماء أنبياء بني إسرائيل ( سليمان عليه السلام ) ، وفيه معنى السلام ، وهو مأخوذ من مادة ( سلم ) ، وقد جاء في قاموس الكتاب المقدس ( ص : 481 ) ما نصه : (( سليمان : اسم عبري معناه : رجل سلام ) . وارجع إلى تحليل أكثر لهذا الاسم في كتاب العلم الأعجمي في القرآن مفسرًا بالقرآن لرؤوف أبو سعدة ( 2 : 159 وما بعدها ) = تجد وضوح عربية هذا الاسم ، وأنه جاء على صيغة العربية المنطوق بها آنذاك .
3 ـ ورد في صحيح مسلم في قصة موسى مع الخضر ما نصُّه : (( ... قال يقصان آثارهما حتى أتيا الصخرة ، فرأى رجلاً مسجى عليه بثوب ، فسلم عليه موسى .
فقال له الخضر : أنَّى بأرضك السلام .
قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل )) (صحيح مسلم ج: 4 ص: 1848) . وهذا يدخل في تفسير قول الله لآدم : (فإنها تحيتك وتحية ذريتك ) ، والسلام ـ فيما يظهر ـ مما بقي عند أصحاب الديانات السماوية ، كما ذكرت لك سابقًا .
أقول هذا من باب الاحتمال والظنِّ والله أعلم .
4 ـ لازال اليهود إلى اليوم يقولون ( شالوم ) بمعنى السلام ، وهم يُشيِّنون السين ( أي : يجعلون السين شينًا ) .
ومن باب الاستطراد أيضًا تجد أحبارهم وقساوسة النصارى يقولون في خاتمة دعائهم ( آمين ) إلى اليوم ، فمن أخذ من مَنْ إلا أن تكون اللغة بينهم واحدة المصدر .
وإنني أدعو إلى بحث فكرة الاشتقاق عند مفسري السلف واللغويين ، فإنه سيظهر بجمع المواد التي حُكي فيها الاشتقاق فوائد جمَّة ، قد تدلنا على خيوطٍ في أصول العربية القديمة تلك اللغة الشريفة التي مرَّت بعصور من التطور والتحوُّر ، لكنها لم تتغير في أصولها الاشتقاقية .
وإني أُدرِك أن بعض الاشتقاقات التي ذكرها مفسرو السلف قد يُعترضُ عليها وتُضعَّف ، بل قد يحكم بعضهم على بعض هذه التحليلات الاشتقاقية بالسذاجة ، لكن النظر هنا إلى وجود أصل هذه الفكرة ، ووردها عندهم ، وإدراكهم لها ، ومن الأمثلة على هذه الاشتقاقات عند المفسرين :
1 ـ عن أبي العالية قال : (( إنما سمي العِجْل لأنهم عجلوا ، فاتخذوه قبل أن يأتيهم موسى )) ( تفسير الطبري ط : الحلبي 1 : 283 ) .
2 ـ قال مقاتل : (( تفسير آدم عليه السلام لأنه خلق من أديم الأرض ، وتفسير حواء لأنها خلقت من حي ، وتفسير نوح لأنه ناح على قومه ، وتفسير إبراهيم : أبو الأمم ، ويقال : أب رحيم ، وتفسير إسحاق لضحك سارة ، ويعقوب ، لأنه خرج من بطن أمه قابضًا على عقب العيص ، وتفسير يوسف زيادة في الحسن ، وتفسير يحيى : أحيي من بين ميتين ؛ لأنه خرج من بين شيخ كبير وعجوز عاقر صلى الله عليهم أجمعين )) . تفسير مقاتل ( 3 : 53 ) .
هذا ، وسيأتي الحديث عن هؤلاء الأعلام الكرام الذين ذكرهم مقاتل ، وبيان أصول عربية هذه أسمائهم إن شاء الله .