20 دليلا من القرآن الكريم على إثبات عذاب القبر ونعيمه

إنضم
13/05/2025
المشاركات
6
مستوى التفاعل
1
النقاط
3
الإقامة
صنعاء - اليمن

20 دليلا من القرآن الكريم على إثبات عذاب القبر ونعيمه


تأليف
محمد بن علي بن جميل المطري



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب الإيمان بما يكون بعد الموت مما جاء به الوحي من عذاب القبر ونعيمه، وقد وردت بذلك أدلة كثيرة في القرآن الكريم والسنة النبوية، وزعم بعض أهل البدع أن ذلك غير مذكور في القرآن الكريم، وهذا من جهلهم بكتاب الله وتفسيره، وهذه عشرون دليلا من القرآن الكريم تثبت عذاب القبر ونعيمه:

1- قال الله تعالى عن قوم نوح عليه الصلاة والسلام: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا﴾ [نوح: 25]، أي: فبسبب خطيئاتهم أغرقهم الله فأُدخلوا مباشرة نارا يُعذبون فيها في البرزخ، ولم يقل: ﴿ثم أُدخلوا نارا﴾، بل قال: {فأُدخلوا}، والفاء في اللغة العربية تدل على التعقيب المباشر وليس على التراخي. قال الألوسي: "{فأدخلوا نارا} هي نار البرزخ، والمراد عذاب القبر، ومن مات في ماء أو نار أو أكلته السباع أو الطير مثلا أصابه ما يصيب المقبور من العذاب". ويُنظر: تفسير الرازي (30/ 659)، تفسير ابن عرفة (4/ 300).
2- قال الله عز وجل عن آل فرعون: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ [غافر:46]، فأتباع فرعون غرقوا معه في البحر، وقد أخبرنا الله أنهم يُعذبون في حياة البرزخ كل يوم أول النهار وآخره وقد فنت أجسامهم، ثم يوم القيامة يبعثهم الله ويعيدهم كما كانوا بأبدانهم وأرواحهم، فيُدخلون أشد العذاب في نار جهنم. قال تاج القراء محمود الكرماني في تفسيره (2/ 1031): "فيه أدل دليل على عذاب القبر؛ لأن المعطوف غير المعطوف عليه".
3- قال الله تبارك وتعالى عن أصحاب الأخدود: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ [البروج: 10]، أخبرنا الله في هذه الآية أن أصحاب الأخدود الذين حرَّقوا المؤمنين والمؤمنات لهم عذابان وليس عذابا واحدا، فعذاب جهنم في الآخرة، وعذاب الحريق في قبورهم، وقدم ذكر عذاب جهنم لأنه أعظم وأدوم. يُنظر: التحرير والتنوير لابن عاشور (30/ 247).
4- قال الله سبحانه عن قوم لوط: ﴿فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ [الحجر: 74]، فعندما جعل الله عالي قرى قوم لوط سافلها لا شك أن أهلها ماتوا حين خسف الله بهم الأرض، وقد أخبرنا الله أنه أمطر عليهم حجارة من سجيل زيادة في عذابهم بعد خسفهم، ولم يكن ذلك المطر من الحجارة ينزل عبثا على أجساد ميتة تمزقت وصارت تحت الأرض بعد الخسف، بل عذبهم الله بتلك الحجارة بعد موتهم وإن كانت أجسامهم ممزقة ومبعثرة، فقد كانت الحجارة {مسومة} أي: مُعلَّمة تصيبهم أينما كانوا بقدرته كما قال سبحانه: ﴿مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: 83].
5- قال الله سبحانه عن المنافقين من هذه الأمة: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ [التوبة:101] قال المفسرون: العذاب الأول في الدنيا، والعذاب الثاني في القبور، ثم يردون في الآخرة إلى عذاب عظيم وهو عذاب جهنم. يُنظر: معاني القرآن للفراء (1/ 450)، تفسير ابن جرير الطبري (11/ 644 - 648).
6- قال تبارك وتعالى عن الكافرين: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [الأنفال: 50، 51]، ففي هذه الآية يخبرنا الله أن الملائكة تضرب وجوه الكافرين وأدبارهم تعذيبا لهم واحتقارا لهم عند قبض أرواحهم، وتقول لهم حين تقبض أرواحهم: ذوقوا عذاب الحريق، وهذا في البرزخ قبل الآخرة. يُنظر: حاشية الطيبي على الكشاف) (7/ 129، 130).
7- قال الله تعالى مخبرا عن حال المنافقين عند موتهم: ﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾ [محمد: 27]. يُنظر: مفتاح دار السعادة لابن القيم (1/ 43)، تفسير القاسمي (4/ 432).
8- قال الله سبحانه عن الظالمين: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأنعام: 93]، ففي هذه الآية أن الظالمين في سكرات الموت تقبض الملائكة أرواحهم وتضربهم، قال المفسرون: معنى: {باسطوا أيديهم} أي: بالضرب والعذاب، وهذا العذاب في البرزخ وليس في الآخرة، وتقول لهم ملائكة الموت: اليوم تجزون عذاب الهون، وهذا دليل واضح على إثبات عذاب القبر. فتح القدير للشوكاني (2/ 160).
9- قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ﴾ [الواقعة: 83 -94]، في هذه الآية إثبات نعيم القبر وعذابه، فالفاء تدل على التعقيب المباشر بعد قبض الروح، فالمؤمن الذي هو من المقربين يكون له مباشرة بعد قبض روحه راحةٌ وريحانٌ وجنة نعيم، والمكذب الضال يكون له مباشرة بعد قبض روحه ضيافة من عذاب الحميم، ويُصلى نارا في البرزخ قبل يوم القيامة. يُنظر: تفسير البيضاوي (5/ 184)، الروح لابن القيم (ص: 76).
10- قال الله عز وجل: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: 154]، هذه الآية تثبت النعيم في البرزخ للشهداء، وأخبرنا الله أننا لا نشعر بنعيمهم حين نراهم قتلى وقد تكون أجسادهم ممزقة، وقد تأكل أجسادهم السباع، وتفنى أبدانهم في الأرض، ومع ذلك أثبت الله لهم نعيم القبر وأخبرنا أن لهم حياة غير حياتهم في الدنيا وإن كنا لا نشعر بذلك، وكذلك من يعذبهم الله في البرزخ لا نشعر بعذابهم.
وقال الله تبارك وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾ [محمد: 4 - 6]، أخبرنا الله أن الشهداء سيصلح حالهم بعد موتهم ويدخلهم الجنة، فيُفهم من هذه الآية أن من الناس من لا يصلح الله حالهم في البرزخ بعد موتهم، ومن لم يُصلح الله حاله بعد موته فهو في حالٍ سيئةٍ في قبره والعياذ بالله.
وقال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 169 - 171].
هذه الآيات تثبت أن الشهداء أحياء عند ربهم يُرزقون وهم في البرزخ، وأنهم فرحون بما آتاهم الله من فضله، وأن لهم عقولا يتذكرون بها من خلفهم، فمن كان يُصدِّق بنعيم القبر فيلزمه أن يُصدِّق بعذاب القبر، فالله الذي يُنعِّم المؤمنين الشهداء وهم في قبورهم قادر على أن يعذب الكافرين وهم في قبورهم، والله على كل شيء قدير، ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: 46].
ومن العجيب أن بعض منكري عذاب القبر يؤمن بنعيم القبر للشهداء، ويكذب بعذاب القبر! وهذا تناقض واضح، وجهل فاضح.

11- قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ [الحج: 58، 59]، هاتان الآيتان تثبتان أن من قُتل في سبيل الله أو مات من أهل الإيمان من غير قتل أن الله يرزقه في البرزخ رزقا حسنا، ويُدخله في الآخرة مدخلا يرضاه ولا يريد سواه وهو الجنة، فقد ذكر الله في هاتين الآيتين نعيم البرزخ ونعيم الجنة، وذكر أن هذا النعيم لا يكون للشهداء فقط الذين يُقتلون في سبيل الله بل يكون هذا النعيم أيضا لمن مات في سبيل الله وإن لم يكن من الشهداء، ﴿وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 152].
12- قال الله عن المؤمن المذكور في سورة يس الذي قتله قومه فأدخل الله روحه الجنة: ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [يس: 26، 27]. قال القرطبي في تفسيره (15/ 20): "الظاهر من الآية أنه لما قُتل قيل له: ادخل الجنة. قال قتادة: أدخله الله الجنة، وهو فيها حي يرزق". ويُنظر: الكشاف للزمخشري (4/ 11).
13- قال الله تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [التكاثر: 1 - 4] قال الإمام ابن جرير في تفسيره (24/ 600): "قوله: {حتى زرتم المقابر} [التكاثر: 2] يعني: حتى صرتم إلى المقابر فدفنتم فيها؛ وفي هذا دليل على صحة القول بعذاب القبر؛ لأن الله أخبر عن هؤلاء القوم الذين ألهاهم التكاثر أنهم سيعلمون ما يلقون إذا هم زاروا القبور وعيدا منه لهم وتهددا".
14- قال الله عن قوم لوط: ﴿وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ﴾ [القمر: 38].
قال المفسرون: أي: ولقد صبَّح قومَ لوط أول النهار عذاب ثابت لا ينقطع عنهم، فخسف الله بهم، وأمطر عليهم حجارة، وبعد هلاكهم استقر عذابهم في البرزخ إلى أن يدخلوا في الآخرة نار جهنم.
وروى ابن جرير الطبري في تفسيره (22/ 153) عن التابعي الجليل قتادة في قوله: ﴿وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ﴾ قال: "صبَّحهم عذاب مستقر، استقر بهم إلى نار جهنم".
قال ابن جرير في تفسيره (22/ 153): "قوله: {مستقر} يقول: استقر ذلك العذاب فيهم إلى يوم القيامة حتى يوافوا عذاب الله الأكبر في جهنم".
وقال السمرقندي في تفسيره المسمى بحر العلوم (3/ 375): "قال: {ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر} يعني: أخذهم وقت الصبح عذاب دائم. يعني: عذاب الدنيا موصولة بعذاب الآخرة".
وقال الزمخشري في تفسيره الكشاف (4/ 439): "{عذاب مستقر} ثابت قد استقر عليهم إلى أن يفضي بهم إلى عذاب الآخرة".
وقال ابن عطية في تفسيره المحرر الوجيز (5/ 219): "قوله: {مستقر} في صفة العذاب؛ لأنه لم يكشف عنهم كاشف، بل اتصل ذلك بموتهم، وهم مدة موتهم تحت الأرض معذَّبون بانتظار جهنم، ثم يتصل ذلك بعذاب النار، فهو أمر متصل مستقر".

15- قوله تعالى عن عاد: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ﴾ [القمر: 19].
قال المفسرون: أي: إنا بعثنا على عاد حين أصروا على الكفر ريحا باردة شديدة الهبوب والصرير في يوم شؤم وشر على عاد، استمر بهم عذاب ذلك اليوم في الدنيا واتصل بعذاب البرزخ وجهنم في الآخرة.
يُنظر: تفسير ابن جرير (22/ 132، 134، 135)، تفسير القرطبي (17/ 135)، تفسير ابن كثير (7/ 479)، روح المعاني للألوسي (14/ 84)، تفسير ابن عثيمين - سورة القمر (ص: 275).
قال ابن القيم في كتابه مفتاح دار السعادة (2/ 194): "كان اليوم نحسا عليهم لإرسال العذاب عليهم، أي: لا يقلع عنهم كما تقلع مصائب الدنيا عن أهلها، بل هذا النحس دائم على هؤلاء المكذبين للرسل".
وقال الألوسي في تفسيره روح المعاني (14/ 84): "{في يوم نحس} شؤم عليهم، {مستمر} ذلك الشؤم؛ لأنهم بعد أن أُهلِكوا لم يزالوا معذبين في البرزخ حتى يدخلوا جهنم يوم القيامة".

16- قال الله تعالى بعد أن ذكر قتل الكفار في غزوة بدر: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ *ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ﴾ [الأنفال: 13، 14]، ففي مخاطبة الملائكة للكافرين بهذا التوبيخ بعد قتلهم دلالة على عذاب القبر، فهو غير عذاب النار الذي توعدهم الله به في آخر الآية. يُنظر: تفسير مقاتل بن سليمان (2/ 105).
17- قال الله سبحانه: ﴿وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ﴾ [الانفطار: 14 - 16].
قال الزمخشري في تفسيره الكشاف (4/ 717): "يجوز أن يراد: يصلون النار يوم الدين، وما يغيبون عنها قبل ذلك، يعني: في قبورهم". ويُنظر: تفسير الألوسي (15/ 271).

تنبيه: الزمخشري من كبار المعتزلة، ولكنه في مسألة عذاب القبر وُفِّق للصواب فيها، وليس كل المعتزلة ينكرون عذاب القبر.
18- قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 124] قال كثير من المفسرين: المعيشة الضنكا هي العذاب في القبر، ولا شك أن المعيشة الضنكا تشمل ذلك كما لا يخفى. يُنظر: الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار لابن أبي الخير العِمراني اليمني (3/ 711)، زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي (3/ 180)، الجواب الكافي لابن القيم (ص: 120).
19- قال الله متوعدا الملحدين: ﴿سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: 180]، ولم يقل: سوف، فدل على أن عذابهم قريب بعد موتهم في البرزخ، فالسين تدل على قرب الزمن دون سوف، وعدم تعيين وقت جزائهم يدل على أنهم سيعذبون في الدنيا والبرزخ والآخرة. يُنظر: نظم الدرر للبقاعي (8/177)، معارج التفكر لعبد الرحمن حبنكة (5/57).
20- قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الطور: 47].
قال المفسرون: أي: للظالمين عذاب آخر غير عذاب جهنم وهو العذاب الذي يصيبهم في الدنيا وفي البرزخ، ولكن أكثرهم لا يعلمون ذلك، ومن جملة الظالمين المكذبون بعذاب القبر، فهم لا يعلمون ذلك لجهلهم، ولا يؤمنون به، وهو حق.
يُنظر: تفسير ابن جرير (21/ 604)، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي (7/ 461).
روى ابن جرير في تفسيره (21/ 603) عن الصحابيين الجليلين عبد الله بن عباس والبراء بن عازب رضي الله عنهما أنهما قالا في تفسير هذه الآية: "{عذابا دون ذلك} هو عذاب القبر.
ويُنظر: الإكليل في استنباط التنزيل للسيوطي (ص: 248).
فإن قلت مستغربا: لماذا نجد بعض أهل الضلال والبدع ينكرون عذاب القبر ونعيمه، ولا يؤمنون بالعذاب والنعيم إلا في الآخرة؟!
فالجواب: إنهم يريدون أن يشككوا المسلمين في سنة نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم، ويزعمون أن كل ما لم يُذكر في القرآن من السنة النبوية فهو باطل، فيُكذِّبون بما ثبت في السنة الصحيحة من أحاديث عذاب القبر ونعيمه!
وهذا ضلال مبين، فإن السنة النبوية مبينة للقرآن الكريم، كما قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: 44]، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بين لنا بسنته ما نزَّل الله إلينا من كتابه.
- فمثلا أمرنا الله في القرآن بالصلاة ولكن لم يخبرنا بأنها خمس صلوات في اليوم والليلة، ولم يخبرنا بعدد ركعاتها، ولا بما نقول في قيامها وركوعها وسجودها وجلوسها، ولم يُعدد لنا في القرآن جميع شروطها وأركانها وواجباتها وسننها، وكل هذا بينه لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سنته النبوية.
- وهكذا الزكاة أمرنا الله بها في كتابه ولم يخبرنا بتفاصيلها من النصاب واشتراط الحول وقدر إخراج الزكاة من كل صنف تجب فيه الزكاة من الأغنام والأبقار والإبل والزروع والثمار والذهب والفضة وعروض التجارة، وكل ذلك بينه لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سنته الشريفة التي لا يضرها من أنكرها من أهل البدع والضلال كما لا يضر القرآن الكريم من كذَّبه من أهل الكفر والنفاق، ودين الله كتابا وسنة محفوظٌ إلى يوم القيامة.
فمن عقيدة المسلمين ومنهجهم الأخذ بالسنة النبوية وإن لم توجد في القرآن الكريم، فقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: 7].
وكم من آية في القرآن يأمرنا الله فيها بطاعة رسوله كقوله سبحانه: ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [النور: 56]!
وقال الله عز وجل: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: 80]، فكيف ننكر سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد أخبرنا الله أن من أطاع الرسول فقد أطاع الله؟!
وقرن الله في آيات كثيرة بين طاعته وطاعة رسوله كقوله تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [النور: 54]، فمن أطاع الرسول واتبع سنته فقد اهتدى، ومن لم يطع الرسول وكذَّب بسنته فقد ضل وغوى.
وقال الله جل جلاله: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 71]، قال العلماء: طاعة الله باتباع كتابه، وطاعة الرسول باتباع سنته.

شبهة وجوابها:
يستدل بعض منكري عذاب القبر ونعيمه بقوله تعالى: ﴿قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ [يس: 52]، وهذا من جهلهم وسوء نياتهم، ودليل على اتباعهم الآيات المتشابهات لفتنة الناس وإضلالهم، وللعلماء أجوبة عن هذه الشبهة، منها:
- أن قبور الموتى مرقدٌ لهم وإن كانوا يُعذَّبون فيها، فهم مضطجعون فيها إما في نعيم أو في عذاب، ولا يعني ذلك أنهم نائمون لا يحسون بنعيم ولا عذاب، هذا جواب أول.
- وقال بعض العلماء: هذه استعارة وتشبيه يعني أن قبورهم شُبِّهت بالمضاجع، لكونهم فيها على هيئة الرقاد، وإن لم يكن رقاد في الحقيقة، وهذا جواب ثان.
- وقال بعض العلماء: بعد النفخة الأولى ينقطع النعيم والعذاب في البرزخ ثم إذا نُفخ في الصور النفخة الثانية رجعت الأرواح إلى الأجساد وقال الكافرون حينئذ بعد نومة ناموها: يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا، وهذا جواب ثالث.
- وقال بعض العلماء: إن الكفار إذا عاينوا جهنم وما فيها من أنواع العذاب صار ما عُذِّبوا به في قبورهم إلى جنب عذابها كالنوم، وهذا جواب رابع.
- وقال بعض العلماء: لا يلزم أن يكون عذاب القبر مستمراً إلى يوم القيامة، فاستمرار التعذيب أو انقطاعه في البرزخ عائد إلى الله عز وجل، وهو أحكم الحاكمين، إن شاء عذبهم عذاباً مستمراً، وإن شاء لم يُدِم عليهم العذاب، وهذا جواب خامس.

فاحذروا - أيها المسلمون - ممن يريد أن يشككم في سنة نبيكم، ويتتبع المتشابهات من الآيات والأحاديث ليضلكم، وإذا رأيتم من يفعل ذلك فاعلموا أنه ممن قال الله فيهم: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ [آل عمران: 7 - 9].
اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال.


* * *

 

المرفقات

عودة
أعلى