(2) نظرات في المعرب ( موسى عليه السلام في مدين )

إنضم
15/04/2003
المشاركات
1,698
مستوى التفاعل
4
النقاط
38
(2) (نظرات في المعرَّب )موسى عليه السلام في مدين
قال تعالى : (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) (القصص : 23 ـ 28 ) .
أولاً : مدين قرية عربية ، وهي في شمال الجزيرة على الجانب المقابل لمصر .
وهذا يعني أنَّ سكانها عربٌ يتكلمون العربية وقت موسى عليه السلام .
والملاحظ أنَّ موسى عليه السلام لم يحتج إلى ترجمانٍ للحديث مع المرأتين .
ولا يقال : إن وجود الترجمان محتملٌ ، إذ إن ذلك يلزم منه أن موسى عليه السلام صار يتكلم لغته ويبحث عمن يعرفها ثمَّ ذهب إلى المرأتين ووقع الخطاب ، ثم جاءت البنت وكلمت الترجمان ، ثم كلم الترجمان موسى عليه السلام ... الخ .
لا شكَّ أن تصور ذلك وافتراضه غير مرضيٍّ .
كما أن افتراض أنهم تكلموا بلغة الإشارة والرموز غير وجيه كذلك .
فإذا كان موسى عليه السلام قد كلَّمهما مباشرة دون ترجمان ، فما اللغة المشتركة التي كانوا يتحدثونها .
الذي يبدو ـ ظنَّا ـ أنها عربية تلك الزمان ، كانت مثل ما هي عليه اليوم لهجات العرب في مصر والجزيرة والشام والعراق ، حيث يمكن أن يتخاطب أولئك بلهجاتهم ، ويفهم بعضهم من بعضٍ .
فهل يا تُرى يحتاج المصري اليوم إلى ترجمان له إذا دخل مدينة ينبع ؟
الذي يبدو أن الحال كان كما هو عليه اليوم ، وإنما الأمر لا يعدو لهجات يتكلم بها كل أهل منطقة .
لا تستغرب ذلك ، فهل هناك ما يدل على غيره ؟
هل كانت مصر في يوم من الأيام بمعزل عن الاتصال بهذه البقعة العربية من جزيرة العرب ؟
إذن كيف اختار موسى مدين ، وجاء إليها إلا أن يكون هناك تواصل بينها وبين مصر .
واسمح لي أن أسألك عن لغة موسى ما هي ؟
وكأني بك ستقول : العبرية ( سيأتي حديث عنها في مقال لاحق إن شاء الله ) .
وأقول لك : من أين تولدت هذه اللغة ؟
وهل بقيت لغة يعقوب عليه السلام وأبنائه الاثني عشر صامدة أمام لغة المصريين حتى زمن موسى عليه السلام ( يُقدَّر الزمن بين موسى ويوسف عليهما السلام بستة قرونٍ تقريبًا ) ؟
لا يمكن تصوُّر هذا البتة ، إلا أن يكونوا في معزل تامٍّ عن مجتمعهم ، وذلك ما لم يكن .
ولعلك تقول : إن لغة العبادة بين بني إسرائيل يمكن أن تكون بقيت .
فأقول لك : حتى لو بقيت هذه اللغة ، فإنها لا تعدو ثلة من الأحبار قَرَأَةِ الكتب ، أما عامة بني إسرائيل فسيتكلمون باللغة التي تسيطر على المدينة التي يقطنونها ، كما هو الحال فيهم لما سكنوا جزيرة العرب انتظارًا لنبي آخر الزمان ، لعله أن يخرج منهم .
إن الموضوع كما ترى شائك متشابك ، لكن يكفيني أن أدعوك معي إلى التفكير من جديد في هذا الموضوع .
تنبيهان :
الأول : لا يصحُّ أن الذي نزل عنده موسى هو النبي شعيب عليه السلام ، لبعد ما بينهما في الزمن ، وإن كان اسمه شُعيبًا ، فلعله غير النبي عليه السلام ، وقد حقق ذلك جمع من العلماء ، منهم شيخ الإسلام في رسالة خاصة في ذلك ، وهي في الجزء الأول من اجمع المسائل والرسائل الذي حققه الدكتور محمد رشاد سالم رحمه الله .
الثاني : اسم زوجة موسى عليه السلام ( صِفُّورة ) ، وهو اسم عربي دخله التحوير ، والأصل ( عصفورة ) ، وقد ذكر مؤلفو ( قاموس الكتاب المقدس / ص : 544) هذه المعلومة ، فقالوا : » صِفُّورة : اسم مدياني معناه عصفورة « .
وينتج عن لطيفة ، وهي علاقة العرب ببني إسرائيل ، فالعرب أخوال لأولاد موسى من عصفورة بنت شيخ مدين .
وليست هذه أول علاقة ، فما بالهم يحسدوننا ويكرهون كل شيء عربي ؟!
ثانيًا : كما لم يحتج موسى إلى ترجمان بينه وبين المرأتين ، فكذلك لم يحتج إليه في مخاطبة والدهما من باب أولى ، والعقد الذي تمَّ بين موسى وشيخ مدين كان مدة ثمان سنين أو عشرة ، وقد قضى موسى العشرة كلها ، لكن الملاحظ هنا أنه جاء بعبارة ( ثماني حِجَج ) جمعُ حجة ، فمن أين جاء التعبير عن هذا بهذا .
1 ـ إنَّ شيخ مدين ممن يؤرخون بالحجِّ ؛ تلك الشعيرة العظيمة التي بقيت آثارها في العرب دون من سواهم ، وإن كان الأنبياء بعد إبراهيم قد حجوا كما ثبت في آثارٍ ليس هذا محلُّ ذكرها ، وكان من بين من حجَّ موسى عليه السلام .
وكل ذلك مصداق لقوله تعالى : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج:27) .
2 ـ أن موسى عليه السلام قد فهم عن شيخ مدين ما يقصده من عبارة ( حِجج ) ، وهذا يشير إلى معرفة موسى عليه السلام آنذاك بهذه الشعيرة ، وإن كان لا يمكن الجزم بذلك .
ومن الأمور التي تدعو إلى القول بمعرفته بالحج آنذاك أن دعوة إبراهيم بالحج كانت لبنيه وغيرهم ، وبنو إسرائيل من أبنائه ، ولا يُتصوَّر أن لا يكون عندهم علمٌ بالحجِّ ، كما لا يخلو أن يكون في حديثهم إشارة إليه ، وقد يكون موسى سمعها قبل نبوته ، فهو مع كونه في بيت فرعون كان مختلطًا ببني إسرائيل في مصر ، والله أعلم .
لكنك حينما لا تجد هذه الشعيرة في كتبهم ، فإن ذلك مما يخفونه من باب العداء للعرب ولكل ما هو عربي ، وذلك أمر قد طبعوا أنفسهم عليه من دهور سالفة ، ولولا خشيت الاستطراد لذكرت أمثلة لذلك .
3 ـ أنه لا يبعد أن يكون اللفظ الذي تلفظ به شيخ مدين ( حِجَج ) كما ننطقه اليوم أو قريبًا منه ، فالحج قديمٌ جدًّا .
فعدم تكرر هذا المدلول ( حجج ) في القرآن ، واختياره في هذا الموطن واختصاصه به ، مع وجود ما يقوم مقامه كل هذا مما يُستأنس به لما قلت من كونه هو ما نطق به شيخ مدين ، والله أعلم بغيبه .
وللحديث بقية
 
فضيلة الدكتور أحسن الله إليك ورفع مقامك على هذا التحرير والتنوير


الثاني : اسم زوجة موسى عليه السلام ( صِفُّورة ) ، وهو اسم عربي دخله التحوير ، والأصل ( عصفورة ) ، وقد ذكر مؤلفو ( قاموس الكتاب المقدس / ص : 544) هذه المعلومة ، فقالوا : » صِفُّورة : اسم مدياني معناه عصفورة « .

قاموس الكتاب المقدس، هل لي أن أعرف من ألفه وطبعته ؟
 
جزى الله شيخنا الطيار فقد طار بنا اليوم الى افق عال ولكن لا يزال في النفس شيء من تخاطب موسى عليه السلام بالعربية ولعل في بقية حديث شيخنا المنتظرة ما يرفع ذلك الشيء وانا لمنتظرون
 
لقد طال الانتظار فلعل الشيخ يجد فسحة لإكمال الموضوع
 
ليس بين يوسف عليه السلام وموسى عليه السلام فرق زمني كبير. والد موسى هو عمران وقد جاء أباه مع يعقوب عليه السلام من بير سبع. ومعلوم أن يوسف كان يعيش في دولة الهوكسوس وهم قبائل أصلها من شمال الجزيرة، فلا يُستبعد أن يحافظ اليهود على لغتهم السامية.
 
عودة
أعلى