17 دليلا متواترا تواترا يقينيا على إفادة أخبار الاحاد العلم اليقيني والعمل

إنضم
18/06/2005
المشاركات
113
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
هذا المقال هو جزء من كتابي: إثبات إفادة خبر الواحد العلم اليقيني والعمل, ولم يطبع بعد.

وكافة حقوق التأليف والطبع والنشر والتوزيع محفوظة.


17 دليلا متواترا تواترا يقينيا على إفادة أخبار الاحاد العلم اليقيني والعمل
(والمقصود بهذه الأدلة المتواترة تواترا يقينيا هي ايات القران الكريم)؛ لأنه متواتر بإجماع أهل القبلة.




1- قول الله جل في علاه: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً)(البقرة:143). فوصفهم بأنهم وسط أي عدول خيار، وبأنهم يشهدون على الناس، أي بأن الله أمرهم بكذا، وفرض كذا، ويشهدون بكونها من دينه، وقد قرأوا قوله تعالى: (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون)(الزخرف:86). فشهادتهم بهذه الأخبار عن نبيهم توجب ليقين بما قالوه؛ بسبب حفظ الله لهذا الدين, ولعدالة الرواة وقوة حفظهم.
فالمخبر بخبر عن رسول الله(ص) شاهد على الناس بأنه(ص) قد قال كذا وكذا, ولا يجوز أن يجعله الله شاهدا على الناس إلا ويتعبد بالرجوع إلى خبره, وإلا كانت الشهادة على الناس كعدمها, وهذا باطل.. فتأمل.

2- وقوله تعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) الأحزاب 36. إن لفظة(أمرا) تشمل -بعمومها وإطلاقها- العقائد والأحكام, والمتواتر والآحاد..., فمن أين جاء المخالف بتفريقه المبتدَع.

3- وقوله (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون) التوبة 122 . والطائفة في اللغة تقع على الواحد فما فوقه...[ البخاري في صحيحه 9: 155 فقد استدل بهذه الآية بما يدل عنده على ما ذكرت أنا, الإمام ابن العربي المالكي في المحصول من علم الأصول2: 173 وأحكام القران 2: 1031, والقرطبي في تفسيره 8: 294, والشعراوي في تفسيره 5576, وأبو الحسين البصري في " المعتمد في الأصول" 2: 588, ود. وهبة الزحيلي في أصول الفقه الإسلامي 1: 469 ... إلخ, وانظر معاجم وقواميس اللغة ]. والإنذار: الإعلام والإخبار بما يفيد العلم, فـ(أنذر): أعلم بالشيء وخوّف منه...[ انظر المعجم الوسيط:2: 949, ومعجم ألفاظ القران الكريم 2: 1085 ]
لقد حض الله المؤمنين على أن ينفر منهم إلى النبي(ص) طائفة ليتعلموا ويفهموا الدين (وكلمة الدين عامة, فهي تشمل العقائد والأحكام, والمعاملات والحدود. ولا شك أن أهم وأول ما يتعلمه طالب العلم هو العقائد؛ لأنها أساس الأمر كله في جميع الرسالات والديانات). ثم حضهم الله على إنذار إعلام وإخبار قومهم بكل ما تعلموه إذا رجعوا إليهم.
فلولا أن الحجة تقوم بحديث الآحاد الصحيح عقيدة وأحكاما لما حض الله الطائفة على التبليغ والإنذار حضا عاما, فكيف يحض-جل وعلا- على شيء لا قيمة له, ولا فائدة ترجى منه.., تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ولقد علل الله الحض على التبليغ بقوله
" لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون", وهذا صريح في أن العلم يحصل بإنذار الطائفة(التي هي الواحد فما فوقه).., أي لينذروا قومهم حتى يحذروا من ما يجب اجتنابه من كفر وشرك وعصيان لأوامر الله, وفعل لما حرمه ونهى عنه, وحتى يحذروا عذاب الله وعقابه.

4- قوله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْم إن السمع والبصر والفؤاد كل أؤلئك كان عنه مسئولا) الإسراء 36. أي لا تتبعه ولا تعمل به. و من المعلوم والمقطوع به أنه لم يزل المسلمون من عهد الصحابة والتابعين يقفون أخبار الآحاد ويعملون بها ويثبتون بها بها العقائد والغيبيات والصفات الإلهية. فلو كانت أخبار الآحاد الصحيحة لا تفيد علما, ولا تثبت عقيدة لكان الصحابة والتابعون وتابعوهم وأئمة الإسلام كلهم قد قفوا ما ليس لهم به علم, وهذا لا يقوله مسلم. [ انظر الصواعق المرسلة 2: 396 ]

5- قوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون) الأنبياء 7. فأمر الله بسؤال أهل الذكر, والأمر للوجوب مطلقا, ويؤكد ذلك كون السائل لا يعلم, ويحرم عليه العمل بالجهل أو بغير تثبت, ولو لم يكن القبول واجبا لما كان السؤال واجبا, فوجب العمل (ووجوب العمل يقتضي وجوب العلم كما أوضحنا سابقا) بخبر المخبر الثقة, وإلا كان وجوب السؤال كعدمه, وذلك باطل. فلولا أن أخبارهم تفيد العلم لم يأمر بسؤال من لا يفيد خبره علماً، وهو سبحانه لم يقل سلوا عدد التواتر بل أمر بسؤال أهل الذكر مطلقاً فلو كان واحداً لكان سؤاله وجوابه كافيا.

6- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَه) المائدة 67. وقوله تعالى: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِين) ومعلوم أن البلاغ هو الذي تقوم به الحجة على المبلغ، ويحصل به العلم فلو كان خبر الواحد لا يحصل به العلم لم يقع به التبليغ الذي تقوم به حجة الله على العبد فإن الحجة إنما تقوم بما يحصل به العلم، وقد كان الرسول(ص) يرسل الواحد من أصحابه يبلغ عنه، فتقوم الحجة على من بلغه وكذلك قامت حجته علينا بما بلغنا العدول الثقات من أقواله وأفعاله وسنته, ولو لم يفد ذلك العلم لم تقم علينا بذلك حجة ولا على من بلغه واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو دون عدد التواتر، وهذا من أبطل الباطل فيلزم من قال أن أخبار رسول الله(ص) لا تفيد العلم أحد أمرين :
أ- إما أن يقول أن الرسول لم يبلغ غير القرآن وما رواه عنه عدد التواتر وما سوى ذلك لم تقم به حجة ولا تبليغ .
ب- وإما أن يقول أن الحجة والبلاغ حاصلان بما لا يوجب ولا يقتضي علما.
وهذان الأمران هما عين الباطل, فلزم المراد.
وزيادة في البيان والتوضيح أقول: إن الله أمر رسوله بتبليغ ما أنزل إليه للناس كافة(من عاصره ومن يأتي بعده إلى يوم القيامة), فوجب التبليغ عنه(ص) على من سمع من فمه الشريف, ووجب كذلك على من بعدهم ممن سمعهم.., وهكذا. وإلا كان وجوب التبليغ على النبي(ص) كعدمه, وهذا باطل. والتبليغ عنه(ص) قد تقوم به جماعة أو واحد أو اثنان, ولا يؤمر أحد بالتبليغ غلا وقد وجب قبول خبره, ووجب العمل به على كل من سمعه, وغلا كان وجوب التبليغ على الفرد أو الجماعة كعدمه, وهذا باطل ممتنع. ومعلوم أن البلاغ هو الذي تقوم به الحجة على المبلغ, ويحصل به العلم(كما أوضحنا سابقا).

7- قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا) البقرة 143. وقوله تعالى: (وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ). فالمخبر بخبر عن النبي(ص) شاهد على الناس بأن الرسول(ص) قد قال كذا وكذا, ولا يجوز أن يجعله الله شاهدا على الناس, إلا ويتعبد بالرجوع إلى خبره عنه(ص), وإلا كانت الشهادة على الناس كعدمها. وهذا كله باطل, فلزم المراد.
وزيادة في البيان أقول: أنه تعالى أخبر أن جعل هذه الأمة عدولاً خياراً ليشهدوا على الناس بأن رسلهم قد بلغوهم عن الله رسالته وأدوا عليهم ذلك، وهذا يتناول شهادتهم على الأمم الماضية وشهادتهم على أهل عصرهم ومن بعدهم أن رسول الله(ص) أمرهم بكذا ونهاهم عن كذا, فهم حجة الله على من خالف رسول الله وزعم أنه لم يأتهم من الله ما تقوم به عليه الحجة, وتشهد هذه الأمة الوسط عليه بأن حجة الله بالرسل قامت عليه, ويشهد كل واحد بانفراده بما وصل إليه من العلم الذي كان به من أهل الشهادة, فلو كانت أحاديث رسول الله(ص) التي يرويها الآحاد لا تفيد العلم, لم يشهد به الشاهد ولم تقم به الحجة على المشهود عليه. وانظر الآتي :

8- قوله تعالى: (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُون). وهذه الأخبار التي رواها الثقات الحفاظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إما أن تكون حقاً أو باطلاً أو مشكوكاً فيها لا يدري هل هي حق أو باطل .
فإن كانت باطلاً أو مشكوكاً فيها وجب طرحها وعدم الالتفات إليها, وهذا انسلاخ من الإسلام بالكلية. وإن كانت حقاً فيجب الشهادة على القطع بأنها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وكان الشاهد بذلك شاهداً بالحق وهو يعلم صحة المشهود به. [ ذكره ابن القيم في الصواعق المرسلة ]

9- قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله..) النساء 135. فأوجب –جل في علاه- الشهادة لله, والقيام بالقسط.., والأمر للوجوب, ولا يوجب ذلك إلا وقد ألزم قبول شهادة الشاهد. ومن أخبر عن النبي(ص) بما سمعه منه فقد قام بالقسم المأمور به, وشهد لله, فليزم على السامع قبول الخبر, وإلا كان وجوب الشهادة كعدمها, وهذا باطل ممتنع. [ ذكره القاضي برهون في خبر الواحد في التشريع الإسلامي وحجيته 2: 66 ]

10- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُم) ووجه الاستدلال أن هذا أمر لكل مؤمن بلغته دعوة الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى يوم القيامة. ودعوته نوعان.. نوع: مواجهة, ونوع: بواسطة مبلغ. وهو مأمور بإجابة الدعوتين في الحالتين, وقد علم أن حياته في تلك الدعوة والاستجابة لها، ومن الممتنع أن يأمره الله تعالى بالإجابة لما لا يفيد علماً أو يحييه بما لا يفيد علماً أو يتوعده على ترك الاستجابة لما لا يفيد علماً بأنه إن لم يفعل عاقبه وحال بينه وبين قلبه.

11- قوله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم). وهذا يعم كل مخالف بلغه أمره(ص) إلى يوم القيامة. ولو كان ما بلغه لم يفده علماً لما كان متعرضاً بمخالفة ما لا يفيد علماً للفتنة والعذاب الأليم, فإن هذا إنما يكون بعد قيام الحجة القاطعة التي لا يبقى معها لمخالف أمره عذرا. وكلمة(أمره) تشمل -بعمومها وإطلاقها- العقائد والأحكام, والمتواتر والآحاد, والعبادات والحدود والمعاملات..., فتأمل منصفا.

12- قول الله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) النساء59.
فإذا رجعوا إلى سنة الرسول(ص) بعد وفاته - والآية مطلقة وعامة, تشمل حياته ووفاته(ص), وتشمل العقيدة والأحكام, وتشمل المتواتر والآحاد الذي وصل إلينا عنه(ص) – فماذا تفيدهم؟ فإن قالوا: ظنا, فهل يأمر الله المتنازعين أن يردوا المتنازع فيه إلى ما يفيدهم ظنا, فيستمر النزاع ؟!! لولا أن المردود إليه يفيد العلم القطعي والعمل, وينهي النزاع, لم يكن في الرد إليه أي فائدة, وهذا هو عين الباطل.. فثبت المراد والحمد لله, فتأمل منصفا.

13- قوله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه..) الحشر7. إن لفظة(ما) من ألفاظ العموم والشمول, وأنت أخي القارئ لو سألت المخالفين لنا عن دليلهم في وجوب الأخذ بخبر الواحد في الأحكام, لاحتجوا بهذه الآية. فلا أدري, ما الذي حملهم على استثناء العقيدة من وجوب الأخذ بها, وهي داخلة في عموم الآية دخولا يقينيا, يعرف ذلك كل من شم رائحة الفقه واللغة.., فكلامهم تخصيص بلا مخصص, وذلك كله باطل عاطل.

14- قوله تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتان, أؤلئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) البقرة 159.
فلقد توعد الله على كتمان البينات والهدى, فدل ذلك على وجوب إظهار الهدى - ولا شك أن أقوال النبي(ص) وأفعاله من البينات والهدى " وما ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى" – وما يسمعه الواحد من النبي(ص) يجب عليه إذا إظهاره. فلو لم يجب على من بلغه قبوله, لكان الإظهار كعدمه, فلا يجب. وهذا باطل بنص الآية, فلزم المراد والحمد لله.
وقد يعترض معترض فيقول: لا يسلم لك هذا الدليل؛ لأن الآية خاصة باليهود والنصارى بدليل سبب نزولها الصحيح الثابت.
أقول:
أ- إن العبرة بعموم اللفظ, لا بخصوص السبب كما هو معلوم للمبتدئ.
ب- اللعن لا يشمل اليهود والنصارى لمجرد أنهم يهود ونصارى, بل لأنهم كتموا البينات والهدى, فاستحقوا لعن الله ولعن اللاعنين. فعلة اللعن هي الكتمان, وهذا يشمل كل من كتم آية أو حديثا أو علما.
وهذا هو ما فهمه علماء المسلمين. روى البخاري(188) عن أبي هريرة(رض) أنه قال: "إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة -يعني في رواية الأحاديث عن النبي(ص)-, ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا, ثم تلى البقرة 159: 163 ...". وروى البخاري(128) عن أنس(رض): "أن معاذ بن جبل أخبر بحديث عند موته تأثما".(أي حتى لا يحمل إثم كتمان حديث النبي"ص"). وهذا أيضا هو قول كبار المفسرين: ابن كثير 1: 618, والشوكاني في تفسيره 1: 115, ود. محمد محمود حجازي في التفسير الواضح 1-2-14, والشعراوي ص687, وغيرهم من كبار المفسرين.

15- قوله تعالى: (واذكرن ما يتلوا في بيوتكن من آيات الله والحكمة..) الأحزاب 34.
أمر الله أزواج رسوله(ص) بأن يخبرن بما أنزل الله من القران في بيوتهن, وما يرين من أفعال النبي(ص) وما يسمعن من أقواله؛ حتى يصل ذلك إلى الناس, فيعملوا بما فيه ويقتدوا به. وما أمرن بذلك إلا والحجة قائمة بالأخبار التي يبلغنها, ولو كانت الحجة لا تقوم بما تبلغ الواحدة منهن عنه(ص) لكان وجوب التبليغ عليهن كعدمه, لا فائدة له ولا قيمة. وهذا باطل.., فلزم المراد, فإن وجوب العمل مترتب على وجوب العلم كما أوضحنا سابقا.

16- قوله تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب, هذا حلال وهذا حرام, لتفتروا على الله الكذب, إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) النحل 116.

أفادت الآية أن التحليل والتحريم بدون إذن من الله كذب على الله وبهتان عظيم. فإذا كنا والخالفين متفقين على إيجاب التحليل والتحريم بخبر الواحد الصحيح, وأننا به ننجو من التقول على الله, لأن هذا الخبر إذن من الله لنا بالتحليل والتحريم. فيلزمهم من هذا المنطلق إيجاب الأخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة ولا فرق, لأنها إذن من الله لنا بالتحدث في أمور العقيدة المذكورة في هذه الأحاديث. فمن ادعى التفريق فعليه الدليل والبرهان, ودون ذلك خرط القتاد وخيوط القمر.

17- قوله تعالى: (يا أيها الذين امنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا..) الحجرات 6. وقرأ حمزة والكسائي وخلف: (فتثبتوا) [ البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة 2: 315, لشيخ القراء سراج الدين النشار(ت: 938هـ) ].
وقبل أن أبين دلالة هذه الآية على المطلوب, أحب أن أبين أننا احتججنا بهذه الآية فيما نحن فيه بسبب أن الله قد تكفل بحفظ الله للشريعة والقران والسنة. فلا يصح الاحتجاج بها على إفادة شهادة الشاهد العدل العلم؛ لأن الشهادة المعينة على شيء معين لم يتكفل الله بحفظها… فافهم هذا جيدا وتأمله منصفا.
وجه الاستدلال بهذه الآية: الآية تدل على أنه إذا جاء من ليس بثقة ولا عدل بخبر, وجب علينا أن نتثبت ونتبين من صحة هذا الخبر. والآية تدل جزما وقطعا –في ضوء ما نبهنا عليه قبل هذا الشرح- على قبول خبر كل من انتفت عنه الصفات الموجبة لرد روايته وعدم الاعتداد بها كالفسق وضعف الحفظ وقبول التلقين, فالوصف بالفسق جاء في هيئة الشرط في الآية. فلزم –بمفهوم الآية والشرط المذكور فيها- أن خبر الواحد الصحيح مفيد للعلم, ولو كان لا يفيد علما لأمر الله تعالى بالتثبت حتى يحصل العلم. ومما يؤكد ما ذكرت عمل الصحابة, فمما هو معلوم بيقين عند كل علماء الحديث أن بعض الصحابة يقول: قال رسول الله(ص) كذا وكذا. في حين أن هذا الصحابي يكون قد سمعه من صحابي آخر سمعه من النبي(ص). وهذا القول "قال رسول الله" شهادة من القائل وجزم بأن النبي(ص) قد قال هذا. ولو كان خبر الواحد لا يفيد العلم القطعي لكان الصحابي شاهدا على رسول الله(ص) بغير علم. وهذا لا يقوله مسلم. [ وانظر بعضا من هذا الكلام في إعلام الموقعين 2: 394 ]
 
التعديل الأخير:
جهد مشكور أخي الكريم ، فجزاك الله خيراً

وحقيقة أني أتعجب ممن يقول بعدم إفادة خبر الواحد اليقين ؛ لكثرة الأدلة التي تبطل هذا الحكم .

وما قولكم شيخنا الحيب وفقكم الله في قول الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله - تعليقاً على نخبة الفكر للحافظ ابن حجر - : ( وهذا الذي ذكره الحافظ رحمه الله موافق لما نقلناه عن الإمام ابن عبد البر والعلامة النووي رحمة الله عليهما في بيان أن الخلاف إنما هو في إفادة أخبار الآحاد العلم والقطع ، أما الاحتجاج بها ووجوب العمل بها إذا صحت أسانيدها فأمر مجمع عليه بين أهل العلم .)

المصــــدر
 
قولك "وما قولكم شيخنا الحبيب "..... أنا لست بشيخك أخي الحبيب, إنما أنا مازلت أحبوا في رحاب الشريعة السمحة, فهي بحر لا يدرك غوره, ولا تنفد درره, ولا تنقضي عجائبه.

أما ما ذكرته فسوف أجيب عنه لاحقا؛ لانشغالي ببعض الأمور. وأؤكد على أنه يفيد العلم ((اليقيني والفطعي)) والعمل.
 
أدلة منطقية عقلية تناقش دعوى المخالف من أساسها, وتنقض مذهبه:

أدلة منطقية عقلية تناقش دعوى المخالف من أساسها, وتنقض مذهبه:

أدلة منطقية عقلية تناقش دعوى المخالف من أساسها, وتنقض مذهبه:

1- كما أن القول بأن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة ، هو قول في حد ذاته عقيدة ، فما هو الدليل على صحته ؟! فإما أن يأتوا بالدليل القاطع المتواتر على صحة هذا القول ، وإلا فهم متناقضون .
2- إن دعوى احتمال الشبهة(كل أخبار الآحاد تفيد الظن ، لوجود احتمال انقطاعها بأي نوع من أنواع الانقطاع ككذب الراوي أو نسيانه أو خطئه في روايته ...الخ) في صحة اتصال أخبار الآحاد إلى رسول الله هي كدعوى من يدعي أن هذا العام مخصوص ولا مخصص ، أو أن هذا الدليل المطلق مقيد ولا مقيد ، أو أن هذا الحكم منسوخ ولا وجود لناسخه ونحو ذلك ، فما أسهل الدعاوى !!!
3- الذين يجعلونه مظنوناً -ولو مع القرائن- يجوزون أن يكون في نفس الأمر كذباً أو خطأ ثم هم مع ذلك يوجبون العمل به مع ما يخالج نفوسهم من احتمال كونه باطلاً، والعمل به عندهم مكابرة وعناد لا يجوز..!!! ثم أضيف فأقول: إن القائلين بأنها ظنية ويجب العمل بها، يلزمهم القول بأن الله أمر بما نهى عنه، وما ذمه في هذه الآيات، حيث أوجب أن نحكم في دينه وشرعه بأدلة متوهمة، وقد نهانا عن التخرص في الدين، وأخبر أنه خلاف الهدى الذي جاءهم من ربهم، وإذاً فلا فرق بين أهل الظن وبين أولئك المشركين الذين قال الله فيهم: (إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون)(الأنعام:148). وقد نهى الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يقفوا ما ليس له به علم، بل جعل القول عليه بلا علم في منزلة فوق الشرك، كما في آية المحرمات في سورة الأعراف، حيث ترقى من الأسهل إلى الأشد، فبدأ بالفواحش، ثم بالإثم وهو أشد، ثم بالبغي وهو أعظم من الإثم، وبعده الشرك أشد منه، ثم القول على الله بلا علم، فأي ذم أبلغ من هذا.
وتكلف بعض المتكلمين الجواب عن هذا الدليل بحمل هذه الآيات على ذم الظن والتخرص في أمور الاعتقاد، وما لا بد فيه من اليقين. والجواب: أنا نمنع التفريق بين الأصول والفروع, فالنهي عن الظن على عمومه في الجميع، ويراد به ما لم يكن مبنياً على دلائل وبراهين وأمارات قاطعة حاسمة، بل هو مجرد وهم وتخمين.

4- إن أخبار الآحاد المضافة إلى الشارع ليست كسائر الأخبار المضافة إلى غيره؛ لأن أخبار الشارع محفوظة عن الضياع أو الاشتباه بالأخبار المكذوبة عليه ، بخلاف أخبار الآحاد عن غيره فإنها قد تضيع وقد تشتبه بالمكذوبة ولا تعلم إلى قيام الساعة . قال ابن حزم [الإحكام (1/117-118) ]: قال تعالى :) إنا نـحن نزلنــا الذكر وإنا له لحافظون ( (الحجر 9) .
وقال تعالى : ) وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ( (النحل 44) .
فصح أن كلام رسول الله r كله في الدين وحي من عند الله عز وجل لا شك في ذلك ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة في أن كل وحي نزل من عند الله تعالى فهو ذكر منزل . فالوحي كله محفوظ بحفظ الله تعالى له بيقين وكل ما تكفل الله بحفظه فمضمون ألا يضيع منه وألا يُحَرَّف منه شيء أبداً تحريفاً لا يأتي البيان ببطلانه إذ لو جاز غير ذلك لكان كلام الله تعالى كذباً وضمانه خائساً وهذا لا يخطر ببال ذي مسكة عقل ، فوجب أن الذي أتانا به محمد r محفوظ بتولي الله تعالى حفظه ، مبلغ كما هو إلى كل ما طلبه مما يأتي أبداً إلى انقضاء الدنيا. قال تعالى :) قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ( (الأنعام 19) .
فإذ ذلك كذلك فبالضرورة نعلم أنه لا سبيل البتة إلى ضياع شيء مما قاله رسول الله r في الدين ولا سبيل البتة إلى أن يختلط به باطل موضوع اختلاطاً لا يتميز لأحد من الناس بيقين إذ لو جاز ذلك لكان الذكر غير محفوظ ولكان قول الله تعالى : ) إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ( (الحجر 9) كذباً ووعداً مخلفاً وهذا لا يقوله مسلم ).
ومما يؤكد ما أقول ويزيده بيانا قوله تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ... أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. ووجه الاستدلال أن كل ما حكم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فهو مما أنزل الله وهو ذكر من الله أنزله على رسوله وقد تكفل سبحانه بحفظه فلو جاز على حكمه الكذب والغلط والسهو من الرواة ولم يقم دليل على غلطه وسهو ناقله لسقط حكم ضمان الله وكفالته لحفظه وهذا من أعظم الباطل ونحن لا ندعي عصمة الرواة بل نقول إن الراوي إذا كذب أو غلط أو سها فلا بد أن يقوم دليل على ذلك ولا بد أن يكون في الأمة من يعرف كذبه وغلطه ليتم حفظه لحججه وأدلته ولا تلتبس بما ليس منها فإنه من حكم الجاهلية بخلاف من زعم أنه يجوز أن تكون كل هذه الأخبار والأحكام المنقولة إلينا آحاداً كذباً على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وغايتها أن تكون كما قاله من لا علم عنده إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين .فتأمل منصفا.

5- ومما يزيد الأمر وضوحاً في أن الله سبحانه وتعالى حافظ لوحيه إلى قيام الساعة أنه جل وعلا نصب أئمةً أعلاماً جهابذةً حفاظاً أثباتاً نقاداً للحديث يَمِيزُون الطيب من الخبيث ، والصحيح من السقيم ، والحق من الباطل . قيل لابن المبارك : هذه الأحاديث المصنوعة . قال : يعيش لها الجهابذة. [انظر : هذا الكلام والذي بعده في : كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم(1/3 ، 10)]. فمن هؤلاء الجهابذة :- عبدالرحمن بن عمرو الأوزاعي (ت157هـ) ، وشعبه بن الحجاج (ت 160هـ)، وسفيان الثوري(ت161هـ)، ومالك بن أنس (ت179 هـ)، وحماد بن زيد (ت179هـ )، وعبدالله بن الـمبارك (ت181هـ) ، و وكيع بن الجراح ( ت196هـ) ، وسـفيان بن عييـنة (ت 198هـ ) ، ويحيى بن سعيد القطان (ت198هـ) ، وعبدالرحمن بن مهدي (ت198هـ) ، ويحيى بن معـين (ت233هـ) ، وعلي بن المديـني (ت234هـ) ، وإسحاق بن إبراهـيم الحنظلي المعروف بابن راهـويـه (ت238هـ) ، وأحمد بن حنبل (ت241هـ) ، وأبو محمد عبدالله الدارمي (ت255هـ) ، ومحمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ) ، ومسلم بن الحجاج القشيري (ت261هـ) ، وعبيد الله بن عبدالكريم أبو زرعـة الرازي ( ت264هـ) ، وأبو داود السجستاني (ت275هـ) ، وأبو حاتم الرازي محمد بن إدريس الحنظلي (ت277هـ ) .
فهؤلاء الذين لا يختلف فيهم ويعتمد على جرحهم وتعديلهم ويحتج بحديثهم وكلامهم في الرجال والحديث قبولاً أو رداً؛ لاتفاق أهل العلم على الشهادة لهم بذلك . كما أن الله لم ينـزلهم هذه المنـزلة إذ انطق ألسنة أهل العلم لهم بذلك إلا وقد جعلهم أعلاماً لدينه ، ومناراً لاستقامة طريقه وألبسهم لباس أعمالهم . فما أجمع عليه هؤلاء فهو المقبول, وما ردوه فهو المردود؛ سيما وقد قال رسول الله(ص) في حديث عبادة بن الصامت في مبايعتهم الرسول r : بايعنا رسول الله صلى عليه وسلم على السمع والطاعة ، في العسر واليسر …وعلى أن لا ننازع الأمر أهله. رواه مسلم في صحيحه (3/1470) . وقد أجمعوا على إثبات إفادة العلم والعمل بخبر الواحد الصحيح كما بينا بحمد الله.
6- القول بأن أخبار الآحاد لا تفيد العلم قول أتفه من أن يعبأ بردّه. الذي لا يفيد علماً لا شك أن الاشتغال به يعدّ إضاعة للوقت. وهل يعقل أن يمضي الآلاف من علماء هذه الأمة أوقاتهم في جمع وتبويب ودراسة وشرح ما لا يفيد؟!
7- يعتبر المخالفون أن خبر الواحد مسألة من المسائل الشرعية التي يبحث فيها.., أقول لهم: منذ متى وهي "مسألة" يشتغل بها أصلاً؟ هل اعتبرها أهل الحديث المتقدمون "مسألة"؟ أم أنها كذلك عند المتكلمين ومن حذا حذوهم. ونحن لم نعتبرها مسألة إلا للرد على زيغهم وضلالهم فحسب.., فتأمل.
8- أن هؤلاء المنكرين لإفادة أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم- العلم يشهدون شهادة جازمة قاطعة على أئمتهم بمذاهبهم وأقوالهم أنهم قالوا ولو قيل لهم أنها لم تصح عنهم لأنكروا ذلك غاية الإنكار وتعجبوا من جهل قائله ومعلوم أن تلك المذاهب لم يروها عنهم إلا الواحد والاثنان والثلاثة ونحوهم لم يروها عنهم عدد التواتر وهذا معلوم يقيناً فكيف حصل لهم العلم الضروري والمقارب للضروري بأن أئمتهم ومن قلدوهم دينهم أفتوا بكذا وذهبوا إلى كذا ولم يحصل لهم العلم بما أخبر به أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وسائر الصحابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولا بما رواه عنهم التابعون وشاع في الأمة وذاع وتعددت طرقه وتنوعت وكان حرصه عليه أعظم بكثير من حرص أولئك على أقوال متبوعيهم إن هذا لهو العجب العجاب وهذا وإن لم يكن نفسه دليلاً يلزمهم أحد أمرين : إما أن يقولوا أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وفتاواه وأقضيته تفيد العلم . وإما أن يقولوا أنهم لا علم لهم بصحة شيء مما نقل عن أئمتهم وأن النقول عنهم لا تفيد علماً . وإما أن يكون ذلك مفيد للعلم بصحته عن أئمتهم دون المنقول عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فهو من أبين الباطل .
9- قولهم إن خبر الواحد لا يوجب العلم, يلزم منه الآتي: إن النبي صلى الله عليه وسلم أدَّى هذا الدين إلى الواحد فالواحد من أصحابه –وهذا لا يجادل فيه كافر- ليؤدوه إلى الأمة ، ونقلوا عنه ، فإذا لم يقبل قول الراوي لأنه واحد رجع هذا العيب إلى المؤدي –أي النبي(ص)- نعوذ بالله من هذا القول الشنيع والاعتقاد القبيح.
10- إذا قلنا : أن خبر الواحد لا يجوز أن يوجب العلم, حملنا أمر الأمة في نقل الأخبار على الخطأ ، وجعلناهم لاغين مشتغلين بما لا يفيد أحداً شيئاً، ولا ينفع ، ويصير كأنهم قد دونوا في أمور مالا يجوز الرجوع إليه والاعتماد عليه. وهذا هو رأس الباطل بعينه.
 
عودة
أعلى