مساعد الطيار
مستشار
- إنضم
- 15/04/2003
- المشاركات
- 1,698
- مستوى التفاعل
- 5
- النقاط
- 38
(1) نظرات في المعرَّب ( الطور )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أما بعد :
فأثناء قراءاتي في أراء بعض المُحدَثين فيما يتعلق بما يُسمَّى ( المُعرَّب ) صرت أتأمل في الألفاظ التي ترد في قصص الأنبياء ، فظهر لي بعض اللطائف ، وسأجتهد في تسطير هذه اللطائف في مقالات متتابعة في هذا الملتقى ، والله الموفق .
لفظ ( الطور )
ورد لفظ ( الطور ) في عشرة مواطن في القرآن الكريم ، وهي كالآتي :
ـ(وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور ) موضعان في البقرة ( 63 ، 93 ) .
ـ ( ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدًا ) النساء : 154 .
ـ ( وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا ) مريم : 52 .
ـ ( قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ) طه : 80 .
ـ ( وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن ) المؤمنون : 20 .
ـ ( آنس من جانب الطور نارًا ) القصص : 29 .
ـ ( وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ) القصص : 64 .
ـ ( والطور * وكتاب مسطور ) الطور : 1 ـ 2 .
ـ ( والتين والزيتون * وطور سينين ) التين 1 ـ 2 ) .
والطور هو الجبل ، ويدل على ذلك أن الله قد ذكر رفع الطور فوق بني إسرائيل ، وأخذ الميثاق ، فقال في سورة البقرة ( 63 ) : ( وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ) ، وقال في سورة البقرة ( 93 ) : ( وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا ) ، وقال في النساء : ( ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم ) ، ولما ذكر رفع الطور في سورة الأعراف ( 171 ) قال : ( وإذ نتقنا فوقهم الجبل كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ) ، فدلَّ هذا على أن الطور هو الجبل ، وهذا من باب الألفاظ المتعددة التي تُطلق على مسمَّى واحدٍ .
والملاحظُ على لفظة الطور في القرآن :
1 ـ أنها وردت في قصة موسى عليه السلام .
2 ـ أنها وردت في الجزء الشمالي من جزيرة العرب .
والذي يظهر ظنًّا ـ والله أعلم ـ أن إطلاق الطور على الجبل في عهد موسى عليه السلام كان شهيرًا ، يوازي إطلاق لفظ الجبل ، فذكر الله ما كان منطوقًا عندهم في وقتهم .
ويكون إطلاق الطور على جبل بعينه ؛ كالطور الذي كلَّم الله عليه موسى عليه السلام ، أو الطور الذي ووُعِد عنده بنو إسرائيل ، أو أن الطور ما يكون فيه نبات ، فإن ذلك كله من باب إطلاق اللفظ المطلق على فرد من أفراده ، وذلك معروف من أساليب العرب في الخطاب ، وقد ورد في القرآن ؛ كقوله تعالى : ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم ) ، و لا تخرج هذه الأقوال في الطور به عن أن يكون المراد به الجبل .
ولا يقال : إن من كان في ذلك الوقت لم يكونوا عربًا ، فكيف حَكَمْتَ بذلك ؟
والجواب عن ذلك أن يقال : إن العربية قديمة جدًّا ، ولا يماري في ذلك إلاَّ ممارٍ جَدِلٌّ لا يريد الوصول إلى الحقِّ ، وأُلْمحُ إليك بتلميح سريع جدًّ :
1 ـ النبي صالح عليه السلام من أنبياء العرب الذين ظهروا في جزيرة العرب ، واسمه مأخوذ من مادة ( صَلَحَ ) ، وهي مادة ـ كما ترى ـ عريقة قديمة ، وغيرها كثيرٌ جدًّا .
والنبي صالح عليه السلام سابق للنبي إبراهيم عليه السلام ، ومن باب أولى أن يكون سابقًا لبني إسرائيل ، فالعربية قديمة جدًّا ، وهي قبل هؤلاء بلا مراء .
2 ـ أنه قد ذكر المؤرخون أنه قد خرجت خمس هجرات ضخمة من جزيرة العرب إلى شمالها في بلاد العراق والشام ، وكانت أوائلها قديمة جدًّا ، وقد استوطنت هذه الشعوب العربية المهاجرة من جنوب الجزيرة ووسطها مناطق الشمال في العراق والشام ، وتناسلوا فيها وأقاموا حضارات لازالت بعض آثارها شاهدة عليهم . بل انطلقوا على ساحل البحر الأبيض المتوسط ، وعمروا أجزاء من شواطئه ، كما عمروا مصر وليبيا ، وحالهم في ذلك كحالنا نحن العرب اليوم من الامتداد والاتساع .
لكن الذي حصل ـ مع الأسف ـ أنَّ منطقتنا العربية قد غُرِّبت في دراساتنا ، فصرنا نتلقَّف ما يمليه الأساتذة المستشرقون دون وعي لما حصل منهم من تزييف لتاريخ هذه المنطقة العريق عروبةً لغة وتاريخًا ، والله المستعان .
ومن الملاحظ أنهم اعتمدوا الأسماء التي وردت في التوراة على أنها أسماء لا خلاف فيها ، وأنهم أقوامٌ متعدِّدوا الجنسيات لا علاقة بينهم ، كما لا علاقة بين العربي والهندي ، والعربي والبريطاني . والأمر ليس كذلك ، فهم شعوب عربية تتحدث لغة مشتركة ، وينفرد كلٌّ منهم بلهجته الخاصة ، كما هو الحال يوم نزلت الرسالة ، والحال التي نعيشها اليوم .
وهذا موضوع قد طرحه بعض المعاصرين ، ووضحوه وضوحًا بيِّنًا ، منهم الدكتور محمد بهجت القيسي في كتابه المتميِّز ( ملامح في فقه اللهجات العربيات من الأكادية والكنعانية وحتى السبئية والعدنانية ) .
والمقصود أنَّ لفظ الطور مما نطق به موسى عليه السلام ، وهو مما بقي من الألفاظ العربية في اللهجة السائدة في عصره ، ونطق به العرب من بعده ، والله أعلم .
ولا تفهم من قولي هذا أن موسى عليه السلام كان يتكلم لغة العرب التي استقرت ونزل بها القرآن ، وإنما كان يتكلم بلغة عربية قديمة فيها أصول اشتقاق الألفاظ التي نطق بها العرب ، وإن كان قد يختلف طريق نطقها عما هو عليه نطق من قاربه من الشعوب العربية الأخرى ، كما أنه ـ بلا شكٍّ ـ يخالف اللغة التي نزل بها القرآن نطقًا ونحوًا ، وإن اتفق معها جذورًا ، والله أعلم .
هذا وللحديث بقية ، والله الموفق .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أما بعد :
فأثناء قراءاتي في أراء بعض المُحدَثين فيما يتعلق بما يُسمَّى ( المُعرَّب ) صرت أتأمل في الألفاظ التي ترد في قصص الأنبياء ، فظهر لي بعض اللطائف ، وسأجتهد في تسطير هذه اللطائف في مقالات متتابعة في هذا الملتقى ، والله الموفق .
لفظ ( الطور )
ورد لفظ ( الطور ) في عشرة مواطن في القرآن الكريم ، وهي كالآتي :
ـ(وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور ) موضعان في البقرة ( 63 ، 93 ) .
ـ ( ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدًا ) النساء : 154 .
ـ ( وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا ) مريم : 52 .
ـ ( قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ) طه : 80 .
ـ ( وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن ) المؤمنون : 20 .
ـ ( آنس من جانب الطور نارًا ) القصص : 29 .
ـ ( وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ) القصص : 64 .
ـ ( والطور * وكتاب مسطور ) الطور : 1 ـ 2 .
ـ ( والتين والزيتون * وطور سينين ) التين 1 ـ 2 ) .
والطور هو الجبل ، ويدل على ذلك أن الله قد ذكر رفع الطور فوق بني إسرائيل ، وأخذ الميثاق ، فقال في سورة البقرة ( 63 ) : ( وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ) ، وقال في سورة البقرة ( 93 ) : ( وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا ) ، وقال في النساء : ( ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم ) ، ولما ذكر رفع الطور في سورة الأعراف ( 171 ) قال : ( وإذ نتقنا فوقهم الجبل كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ) ، فدلَّ هذا على أن الطور هو الجبل ، وهذا من باب الألفاظ المتعددة التي تُطلق على مسمَّى واحدٍ .
والملاحظُ على لفظة الطور في القرآن :
1 ـ أنها وردت في قصة موسى عليه السلام .
2 ـ أنها وردت في الجزء الشمالي من جزيرة العرب .
والذي يظهر ظنًّا ـ والله أعلم ـ أن إطلاق الطور على الجبل في عهد موسى عليه السلام كان شهيرًا ، يوازي إطلاق لفظ الجبل ، فذكر الله ما كان منطوقًا عندهم في وقتهم .
ويكون إطلاق الطور على جبل بعينه ؛ كالطور الذي كلَّم الله عليه موسى عليه السلام ، أو الطور الذي ووُعِد عنده بنو إسرائيل ، أو أن الطور ما يكون فيه نبات ، فإن ذلك كله من باب إطلاق اللفظ المطلق على فرد من أفراده ، وذلك معروف من أساليب العرب في الخطاب ، وقد ورد في القرآن ؛ كقوله تعالى : ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم ) ، و لا تخرج هذه الأقوال في الطور به عن أن يكون المراد به الجبل .
ولا يقال : إن من كان في ذلك الوقت لم يكونوا عربًا ، فكيف حَكَمْتَ بذلك ؟
والجواب عن ذلك أن يقال : إن العربية قديمة جدًّا ، ولا يماري في ذلك إلاَّ ممارٍ جَدِلٌّ لا يريد الوصول إلى الحقِّ ، وأُلْمحُ إليك بتلميح سريع جدًّ :
1 ـ النبي صالح عليه السلام من أنبياء العرب الذين ظهروا في جزيرة العرب ، واسمه مأخوذ من مادة ( صَلَحَ ) ، وهي مادة ـ كما ترى ـ عريقة قديمة ، وغيرها كثيرٌ جدًّا .
والنبي صالح عليه السلام سابق للنبي إبراهيم عليه السلام ، ومن باب أولى أن يكون سابقًا لبني إسرائيل ، فالعربية قديمة جدًّا ، وهي قبل هؤلاء بلا مراء .
2 ـ أنه قد ذكر المؤرخون أنه قد خرجت خمس هجرات ضخمة من جزيرة العرب إلى شمالها في بلاد العراق والشام ، وكانت أوائلها قديمة جدًّا ، وقد استوطنت هذه الشعوب العربية المهاجرة من جنوب الجزيرة ووسطها مناطق الشمال في العراق والشام ، وتناسلوا فيها وأقاموا حضارات لازالت بعض آثارها شاهدة عليهم . بل انطلقوا على ساحل البحر الأبيض المتوسط ، وعمروا أجزاء من شواطئه ، كما عمروا مصر وليبيا ، وحالهم في ذلك كحالنا نحن العرب اليوم من الامتداد والاتساع .
لكن الذي حصل ـ مع الأسف ـ أنَّ منطقتنا العربية قد غُرِّبت في دراساتنا ، فصرنا نتلقَّف ما يمليه الأساتذة المستشرقون دون وعي لما حصل منهم من تزييف لتاريخ هذه المنطقة العريق عروبةً لغة وتاريخًا ، والله المستعان .
ومن الملاحظ أنهم اعتمدوا الأسماء التي وردت في التوراة على أنها أسماء لا خلاف فيها ، وأنهم أقوامٌ متعدِّدوا الجنسيات لا علاقة بينهم ، كما لا علاقة بين العربي والهندي ، والعربي والبريطاني . والأمر ليس كذلك ، فهم شعوب عربية تتحدث لغة مشتركة ، وينفرد كلٌّ منهم بلهجته الخاصة ، كما هو الحال يوم نزلت الرسالة ، والحال التي نعيشها اليوم .
وهذا موضوع قد طرحه بعض المعاصرين ، ووضحوه وضوحًا بيِّنًا ، منهم الدكتور محمد بهجت القيسي في كتابه المتميِّز ( ملامح في فقه اللهجات العربيات من الأكادية والكنعانية وحتى السبئية والعدنانية ) .
والمقصود أنَّ لفظ الطور مما نطق به موسى عليه السلام ، وهو مما بقي من الألفاظ العربية في اللهجة السائدة في عصره ، ونطق به العرب من بعده ، والله أعلم .
ولا تفهم من قولي هذا أن موسى عليه السلام كان يتكلم لغة العرب التي استقرت ونزل بها القرآن ، وإنما كان يتكلم بلغة عربية قديمة فيها أصول اشتقاق الألفاظ التي نطق بها العرب ، وإن كان قد يختلف طريق نطقها عما هو عليه نطق من قاربه من الشعوب العربية الأخرى ، كما أنه ـ بلا شكٍّ ـ يخالف اللغة التي نزل بها القرآن نطقًا ونحوًا ، وإن اتفق معها جذورًا ، والله أعلم .
هذا وللحديث بقية ، والله الموفق .