محمد الوادي
New member
بسم1
[FONT="]يقول الله تعالى في سورة سبا :ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد[/FONT].
[FONT="]قال ابن كثير في تفسيره[/FONT] :
[FONT="]يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله داود ، صلوات الله وسلامه عليه ، مما آتاه من الفضل المبين ، وجمع له بين النبوة والملك المتمكن ، والجنود ذوي العدد والعدد ، وما أعطاه ومنحه من الصوت العظيم ، الذي كان إذا سبح به تسبح معه الجبال الراسيات ، الصم الشامخات ، وتقف له الطيور السارحات ، والغاديات والرائحات ، وتجاوبه بأنواع اللغات . وفي الصحيح أنرسول الله سمع صوت أبي موسى الأشعري يقرأ من الليل ، فوقف فاستمع لقراءته ، ثم قال " لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود[/FONT] " .
[FONT="]وقال أبو عثمان النهدي : ما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا وتر أحسن من صوت أبي موسى الأشعري ، [/FONT].
[FONT="]ومعنى قوله : ( أوبي ) أي : سبحي . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وغير واحد[/FONT] .
[FONT="]وزعم أبو ميسرة أنه بمعنى سبحي بلسان الحبشة . وفي هذا نظر ، فإن التأويب في اللغة هو الترجيع ، فأمرت الجبال والطير أن ترجع معه بأصواتها[/FONT] .
[FONT="]وقال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي في كتابه " الجمل " في باب النداء منه : ( يا جبال أوبي معه ) أي : سيري معه بالنهار كله ، والتأويب : سير النهار كله ، والإسآد : سير الليل كله . وهذا لفظه ، وهو غريب جدا لم أجده لغيره ، وإن كان له مساعدة من حيث اللفظ في اللغة ، لكنه بعيد في معنى الآية هاهنا . والصواب أن المعنى في قوله تعالى : ( أوبي معه ) أي : رجعي معه مسبحة معه ، كما تقدم ، والله أعلم[/FONT] .
[FONT="]وجاء في تفسير القرطبي مانصه[/FONT] :
[FONT="]ولقد آتينا داود منا فضلا بين لمنكري نبوة محمد أن إرسال الرسل ليس أمرا بدعا ، بل أرسلنا الرسل وأيدناهم بالمعجزات ، وأحللنا بمن خالفهم العقاب . ( آتينا ) أعطينا . ( فضلا ) أي أمرا فضلناه به على غيره . واختلف في هذا الفضل على تسعة أقوال : الأول : النبوة . الثاني : الزبور . الثالث : العلم ، قال الله تعالى : ولقد آتينا داود وسليمان علما . الرابع - القوة ، قال الله تعالى : واذكر عبدنا داود ذا الأيد . الخامس : تسخير الجبال والناس ، قال الله تعالى : يا جبال أوبي معه . السادس : التوبة ، قال الله تعالى : فغفرنا له ذلك . السابع : الحكم بالعدل ، قال الله تعالى : يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض الآية . الثامن : إلانة الحديد ، قال تعالى : وألنا له الحديد . التاسع : حسن الصوت ، وكان ، داود ذا صوت حسن ووجه حسن . وحسن الصوت هبة من الله تعالى وتفضل منه ، وهو المراد بقوله تبارك وتعالى : يزيد في الخلق ما يشاء على ما يأتي إن شاء الله تعالى . وقال لأبي موسى : لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود . قال [ ص: 240 ] العلماء : المزمار والمزمور الصوت الحسن ، وبه سميت آلة الزمر مزمارا . وقد استحسن كثير من فقهاء الأمصار القراءة بالتزيين والترجيع . وقد مضى هذا في مقدمة الكتاب والحمد لله[/FONT] .
.[FONT="]وقرأ الحسن وقتادة وغيرهما : ( أوبي معه ) أي رجعي معه ; من آب يئوب إذا رجع ، أوبا وأوبة وإيابا . وقيل : المعنى تصرفي معه على ما يتصرف عليه داود بالنهار ، فكان إذا قرأ الزبور صوتت الجبال معه ، وأصغت إليه الطير ، فكأنها فعلت ما فعل[/FONT] . ...
[FONT="]وجاء في كتا ب التحرير والتنوير لمحمد الطاهر ابن عاشور[/FONT]:
[FONT="]وتقدم التعريف بداود عند قوله تعالى وآتينا داود زبورا في سورة النساء وعند قوله ومن ذريته داود في سورة الأنعام[/FONT] .
[FONT="]و ( من ) في قوله ( منا ) ابتدائية متعلقة بـ ( آتينا ) ، أي من لدنا ومن عندنا ، وذلك تشريف للفضل الذي أوتيه داود ، كقوله تعالى ( رزقا من لدنا ) . وتنكير ( فضلا ) لتعظيمه وهو فضل النبوءة وفضل الملك ، وفضل العناية بإصلاح الأمة ، وفضل القضاء بالعدل ، وفضل الشجاعة في الحرب ، وفضل سعة النعمة عليه ، وفضل إغنائه عن الناس بما ألهمه من صنع دروع [ ص: 156 ] الحديد ، وفضل إيتائه الزبور ، وإيتائه حسن الصوت ، وطول العمر في الصلاح ، وغير ذلك . .....والتأويب : الترجيع ، أي ترجيع الصوت ، وقيل التأويب بمعنى التسبيح لغة حبشية فهو من المعرب باللغة العربية ، وتقدم ذكر تسبيح الجبال مع داود في سورة الأنبياء[/FONT] .
[FONT="]وفي كتاب : أحكام القرآن لابن العربي[/FONT] :
[FONT="]سورة سبأ [ مكية فيها ثلاث آيات ] الآية الأولى قوله تعالى : ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد[/FONT]
[ [FONT="]فيها مسألتان : المسألة الأولى قوله : فضلا : فيه ] أربعة عشر قولا : الأول : النبوة . الثاني : الزبور . الثالث : حسن الصوت . الرابع : تسخير الجبال والناس . الخامس : التوبة . السادس : الزيادة في العمر . السابع : الطير . الثامن : الوفاء بما وعد . التاسع : حسن الخلق . العاشر : الحكم بالعدل . الحادي عشر : تيسير العبادة . الثاني عشر : العلم ; قال الله تعالى : ولقد آتينا داود وسليمان علما . الثالث عشر : القوة ; قال الله تعالى : واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب . [ ص: 4 ] الرابع عشر : قوله : وأوتينا من كل شيء[/FONT] .
[FONT="]والمراد هاهنا من جملة الأقوال حسن الصوت ; فإن سائرها قد بيناه في موضعه في كتاب الأنبياء من المشكلين . وكان داود ذا صوت حسن ووجه حسن ، وله قال النبي لأبي موسى الأشعري : لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود ،[/FONT]
[FONT="]المسألة الثانية وفيه دليل الإعجاب بحسن الصوت ، وقد روى عبد الله بن مغفل قال : رأيت النبي وهو على ناقته أو جمله وهي تسير به ، وهو يقرأ سورة الفتح أو من سورة الفتح قراءة لينة وهو يرجع ، ويقول آه ، واستحسن كثير من فقهاء الأمصار القراءة بالألحان والترجيع ، وكرهه مالك . وهو جائز لقول أبي موسى للنبي : لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا ; يريد لجعلته لك أنواعا حسانا ، وهو التلحين ، مأخوذ من الثوب المحبر ، وهو المخطط بالألوان[/FONT] .
[FONT="]وقد سمعت تاج القراء ابن لفتة بجامع عمرو يقرأ : ومن الليل فتهجد به نافلة لك[/FONT] .
[FONT="]فكأني ما سمعت الآية قط . وسمعت ابن الرفاء وكان من القراء العظام يقرأ ، وأنا حاضر بالقرافة : فكأني ما سمعتها قط[/FONT] .
[FONT="]وسمعت بمدينة السلام شيخ القراء البصريين يقرأ في دار بها الملك : والسماء ذات البروج فكأني ما سمعتها قط حتى بلغ إلى قوله تعالى : فعال لما يريد فكأن الإيوان قد سقط علينا . والقلوب تخشع بالصوت الحسن كما تخضع للوجه الحسن ، وما تتأثر به القلوب في التقوى فهو أعظم في الأجر وأقرب إلى لين القلوب وذهاب القسوة منها[/FONT] .
[FONT="]وكان ابن الكازروني يأوي إلى المسجد الأقصى ، ثم تمتعنا به ثلاث سنوات ، ولقد كان يقرأ في مهد عيسى فيسمع من الطور ، فلا يقدر أحد أن يصنع شيئا طول قراءته إلا الاستماع إليه[/FONT] .
[FONT="]وكان صاحب مصر الملقب بالأفضل قد دخلها في المحرم سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة وحولها عن أيدي العباسية ، وهو حنق عليها وعلى أهلها بحصاره لهم وقتالهم له ، فلما صار فيها ، وتدانى بالمسجد الأقصى منها ، وصلى ركعتين تصدى له ابن الكازروني ، وقرأ : قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير فما ملك نفسه حين سمعه أن قال للناس على عظم ذنبهم عنده ، وكثرة حقده عليهم : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين[/FONT] .
[FONT="]والأصوات الحسنة نعمة من الله تعالى ، وزيادة في الخلق ومنة . وأحق ما لبست هذه الحلة النفيسة والموهبة الكريمة كتاب الله ; فنعم الله إذا صرفت في الطاعة فقد قضي بها حق النعمة . وهذا اجمل كلام اختم به هذا الفصل[/FONT].
[FONT="]ذ محمد الوادي[/FONT] .