د عبدالله الهتاري
New member
- إنضم
- 17/03/2006
- المشاركات
- 159
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
"وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ "
قولـه تعالى: وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ [فاطر: 19-22].
فقد نفى المولى -عزوجل- التساوي بين كل متقابلين (الأعمى والبصير)، و(الظلمات والنور)، و(الظل والحرور) و(الأحياء والأموات)، لكنه لم يكرر حرف النفي (لا) في المتقابلين الأولين، فقال: "وما يستوي الأعمى والبصير"، ولم يقل: "وما يستوي الأعمى ولا البصير"، كما ذكر ذلك في بقية المتقابلات، فقال: "ولا الظلمات ولا النور"، و"لا الظل ولا الحرور"، "وما يستوي الأحياء ولا الأموات".
وذلك لأن تكرار "لا" النافية يفيد تأكيد نفي التساوي في كل مدخول عليه على حدة، إضافة إلى إفادتها النفي بين المتقابلين بوجه عام. "فما ذكرت فيه كلمة (لا) في الطرف المقابل، يحمل دلالة عدم التساوي النسبي بين أفراد كلٍّ من المتقابلين، إضافة إلى عدم التساوي العام بين المتقابلين"([1]).
فالظلمات متفاوتة غير متساوية فيما بينها، وكذلك النور متفاوت غير متساوٍ، فهو درجات في الإضاءة، ثم الظلمات عموماً لا تساوي النور بعمومه، أي: أنه نفى التساوي بين أفراد كل متقابل على حدة، ثم نفى التساوي بوجه عام مع المقابل لـه([2])، وكذلك الظل وما فيه من برودة متفاوت بين أفراده ثم نفى التساوي بوجه عام بين الظل والحرور. وكذلك الأحياء يختلفون فهم بين صالح وطالح، وذكي وغبي، ومؤمن وكافر، والأموات يتباينون ففيهم الشقي والسعيد، والمنعم والمعذَّب، حسب أعمالهم في الدنيا، ثم إن الأحياء عموماً لا يستوون مع الأموات.
والسياق لم يكرر (لا) النافية مع المتقابلين الأولين (وما يستوي الأعمى والبصير) إشارة إلى أنه قصد نفي التساوي بين الأعمى والبصير بوجه عام، ولم يرد نفي التساوي النسبي بين جزئيات كل منهما.
فدل ذلك على أن نفي التساوي بين المتقابلات يكون عاماً ونسبيّاً، فما تكررت فيه (لا) أفاد النوعين معاً، النفي العام بين المتقابلات والنفي النسبي بين أفراد كل واحد منها على حدة.
وأما النصوص التي لم يأت فيها هذا التكرار لحرف النفي (لا) "فلم تقصد فيها هذه الدلالة، إنما قصد فيها مجرد نفي التساوي بين المتقابلين أي النفي العام فحسب، وليس معنياً بالنفي النسبي، وإن كان الطرفان المتقابلان فيهما أوفى بعضهما من الأمور النسبية أيضاًً، لكن لم يقصد فيها الدلالة على النسب المتفاوتة في كل طرف"([3]).
وهذا ما نلحظه جلياً أيضاً في قوله تعالى: ]وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ[ [فصلت: 34].
يقول الزركشي([4]): "وأما قوله (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة)، فمن قال: المراد أن الحسنة لا تساوي السيئة، فـ (لا) عنده زائدة، ومن قال: جنس الحسنة لا يستوي أفراده، وجنس السيئة لا يستوي أفراده -وهو الظاهر من سياق الآية- فليست زائدة، والواو عاطفة جملة على جملة".
([1]) قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله -عزوجل- عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني، 537، وانظر أيضاً: الجملة العربية والمعنى، فاضل السامرائي، 201.
([2]) انظر: قواعد التدبر الأمثل، حنبكة الميداني، 537 (بتصرف).
([3]) السابق، 537.
([4]) البرهان في علوم القرآن، 4/357، وانظر في القول بزيادة (لا) في هذا الموطن والرد عليه، لطائف المنان في دعوى الزيادة في القرآن، فضل عباس، 248.
__________________
قولـه تعالى: وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ [فاطر: 19-22].
فقد نفى المولى -عزوجل- التساوي بين كل متقابلين (الأعمى والبصير)، و(الظلمات والنور)، و(الظل والحرور) و(الأحياء والأموات)، لكنه لم يكرر حرف النفي (لا) في المتقابلين الأولين، فقال: "وما يستوي الأعمى والبصير"، ولم يقل: "وما يستوي الأعمى ولا البصير"، كما ذكر ذلك في بقية المتقابلات، فقال: "ولا الظلمات ولا النور"، و"لا الظل ولا الحرور"، "وما يستوي الأحياء ولا الأموات".
وذلك لأن تكرار "لا" النافية يفيد تأكيد نفي التساوي في كل مدخول عليه على حدة، إضافة إلى إفادتها النفي بين المتقابلين بوجه عام. "فما ذكرت فيه كلمة (لا) في الطرف المقابل، يحمل دلالة عدم التساوي النسبي بين أفراد كلٍّ من المتقابلين، إضافة إلى عدم التساوي العام بين المتقابلين"([1]).
فالظلمات متفاوتة غير متساوية فيما بينها، وكذلك النور متفاوت غير متساوٍ، فهو درجات في الإضاءة، ثم الظلمات عموماً لا تساوي النور بعمومه، أي: أنه نفى التساوي بين أفراد كل متقابل على حدة، ثم نفى التساوي بوجه عام مع المقابل لـه([2])، وكذلك الظل وما فيه من برودة متفاوت بين أفراده ثم نفى التساوي بوجه عام بين الظل والحرور. وكذلك الأحياء يختلفون فهم بين صالح وطالح، وذكي وغبي، ومؤمن وكافر، والأموات يتباينون ففيهم الشقي والسعيد، والمنعم والمعذَّب، حسب أعمالهم في الدنيا، ثم إن الأحياء عموماً لا يستوون مع الأموات.
والسياق لم يكرر (لا) النافية مع المتقابلين الأولين (وما يستوي الأعمى والبصير) إشارة إلى أنه قصد نفي التساوي بين الأعمى والبصير بوجه عام، ولم يرد نفي التساوي النسبي بين جزئيات كل منهما.
فدل ذلك على أن نفي التساوي بين المتقابلات يكون عاماً ونسبيّاً، فما تكررت فيه (لا) أفاد النوعين معاً، النفي العام بين المتقابلات والنفي النسبي بين أفراد كل واحد منها على حدة.
وأما النصوص التي لم يأت فيها هذا التكرار لحرف النفي (لا) "فلم تقصد فيها هذه الدلالة، إنما قصد فيها مجرد نفي التساوي بين المتقابلين أي النفي العام فحسب، وليس معنياً بالنفي النسبي، وإن كان الطرفان المتقابلان فيهما أوفى بعضهما من الأمور النسبية أيضاًً، لكن لم يقصد فيها الدلالة على النسب المتفاوتة في كل طرف"([3]).
وهذا ما نلحظه جلياً أيضاً في قوله تعالى: ]وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ[ [فصلت: 34].
يقول الزركشي([4]): "وأما قوله (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة)، فمن قال: المراد أن الحسنة لا تساوي السيئة، فـ (لا) عنده زائدة، ومن قال: جنس الحسنة لا يستوي أفراده، وجنس السيئة لا يستوي أفراده -وهو الظاهر من سياق الآية- فليست زائدة، والواو عاطفة جملة على جملة".
([1]) قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله -عزوجل- عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني، 537، وانظر أيضاً: الجملة العربية والمعنى، فاضل السامرائي، 201.
([2]) انظر: قواعد التدبر الأمثل، حنبكة الميداني، 537 (بتصرف).
([3]) السابق، 537.
([4]) البرهان في علوم القرآن، 4/357، وانظر في القول بزيادة (لا) في هذا الموطن والرد عليه، لطائف المنان في دعوى الزيادة في القرآن، فضل عباس، 248.
__________________