د محمد الجبالي
Well-known member
ما دلالة العطف بـ [ثم] في { (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا}) في قول الله تعالى:
{(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا)} [مريم: 71، 72]؟
كما نعلم أن حرف العطف [ثم] يفيد الترتيب مع التراخي، فماذا أفاد حرف العطف [ثم] في الآية؟
ولماذا عطف بـ [ثم] ولم يعطف بالواو أو بالفاء؟
لقد بحثت في كتب التفسير عن دلالة العطف بـ [ثم] ولم أجد، فأخذت بالنظر والتأمل راجيا الله السداد، وقد وقفت على ما يلي:
لقد جاء العطف بـ [ثم] في موضعه بالِغَ الدِّقَّة، مُناسِباً مُعَبِّراً عن الحال التى وردها الناس على الصراط المنصوب على جهنم، إن الذين نَجَوْا لَيْسُوا سَواء في النجاة، إن الناجين جميعهم قد مَرُّوا على الصراط، ولكنهم لم تكن حالهم على الصراط سواء، يُبَيِّنُ ما ورد عن النبي r في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة عن رسول الله r: "فيأتون محمداً، فَيُؤْذَنُ له، وتُرْسَلُ الأمانةُ والرَّحِمُ فيقومان جَنْبَيِّ الصراط يميناً وشمالاً، فيمر أولكم كالْبَرق.. ثم كَمَرِّ الريح، ثم كَمَرِّ الطير، وشَدِّ الرجال تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائمٌ على الصراط يقول رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيء الرجل فلايستطيع السير إلا زحفاً .. وفي حافتي الصراط كَلالِيبُ مُعَلَّقَة مَأْمُورَة بأخذ مَن أُمِرَت به فَمَخْدُوشٌ ناجٍ ومَكْدُوسٌ في النار"[1].
لقد تَفَاوَتَت سرعة الْمُرُور على الصراط بحسب أعمالهم بداية مِن سرعة البرق حتى السير زحفا، وكلما قَلَّتْ سرعة الْمَارِين على الصراط النَّاجِين كلما زاد وقت العبور وتراخَى، فكان العطف بـ [ثم] هنا أَنْسَبُ للمعنى وللحال وللصورة التي رسمتها الآية لعبور الناجين الصراط والتي وَضَّحَها الحديث النبوي مُفَصَّلَةً.
أما العطف بالواو فإنه لا يناسب الْمَعْنَى المراد في الآية؛ ذلك لأنه يفيد الْمُشَاركة في الحكم كما أنه لا يدل على الترتيب إلا بقرينة، ولن يدل على اختلاف وتفاوت حال العابرين الناجين، وأما العطف بالفاء فإنه يفيد الترتيب والتعقيب، ومعنى التعقيب إن نَاسَبَ الناجين كالبرق وكالريح وكالطير فإنه لا يناسب الآخرين الذين أَخَّرَتهم أعمالهم في العبور، لذا كان العطف بـ [ثم] أَلْيَقُ وأَنْسَبُ في مَوْضِعِه مِنَ الواو والفاء.
هذا التوجيه اجتهاد خاص مني، فإنْ كنتُ أَصَبْتُ فَمِنَ الله، وله الحمد والْمِنَّة، وإنْ كانت الأُخْرَى فمِن نفسي ومِن الشيطان، واللهَ أَسْأَلُ العفو والأجر.
والله أعلم.
د. محمد الجبالي
[1] الحميدي، محمد بن فتوح، الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم، تحقيق: علي حسين عبد البواب، ط2، 1423هـ - 2002م، دار ابن حزم، بيروت، ج3، ص124، رقم: 2388.
{(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا)} [مريم: 71، 72]؟
كما نعلم أن حرف العطف [ثم] يفيد الترتيب مع التراخي، فماذا أفاد حرف العطف [ثم] في الآية؟
ولماذا عطف بـ [ثم] ولم يعطف بالواو أو بالفاء؟
لقد بحثت في كتب التفسير عن دلالة العطف بـ [ثم] ولم أجد، فأخذت بالنظر والتأمل راجيا الله السداد، وقد وقفت على ما يلي:
لقد جاء العطف بـ [ثم] في موضعه بالِغَ الدِّقَّة، مُناسِباً مُعَبِّراً عن الحال التى وردها الناس على الصراط المنصوب على جهنم، إن الذين نَجَوْا لَيْسُوا سَواء في النجاة، إن الناجين جميعهم قد مَرُّوا على الصراط، ولكنهم لم تكن حالهم على الصراط سواء، يُبَيِّنُ ما ورد عن النبي r في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة عن رسول الله r: "فيأتون محمداً، فَيُؤْذَنُ له، وتُرْسَلُ الأمانةُ والرَّحِمُ فيقومان جَنْبَيِّ الصراط يميناً وشمالاً، فيمر أولكم كالْبَرق.. ثم كَمَرِّ الريح، ثم كَمَرِّ الطير، وشَدِّ الرجال تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائمٌ على الصراط يقول رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيء الرجل فلايستطيع السير إلا زحفاً .. وفي حافتي الصراط كَلالِيبُ مُعَلَّقَة مَأْمُورَة بأخذ مَن أُمِرَت به فَمَخْدُوشٌ ناجٍ ومَكْدُوسٌ في النار"[1].
لقد تَفَاوَتَت سرعة الْمُرُور على الصراط بحسب أعمالهم بداية مِن سرعة البرق حتى السير زحفا، وكلما قَلَّتْ سرعة الْمَارِين على الصراط النَّاجِين كلما زاد وقت العبور وتراخَى، فكان العطف بـ [ثم] هنا أَنْسَبُ للمعنى وللحال وللصورة التي رسمتها الآية لعبور الناجين الصراط والتي وَضَّحَها الحديث النبوي مُفَصَّلَةً.
أما العطف بالواو فإنه لا يناسب الْمَعْنَى المراد في الآية؛ ذلك لأنه يفيد الْمُشَاركة في الحكم كما أنه لا يدل على الترتيب إلا بقرينة، ولن يدل على اختلاف وتفاوت حال العابرين الناجين، وأما العطف بالفاء فإنه يفيد الترتيب والتعقيب، ومعنى التعقيب إن نَاسَبَ الناجين كالبرق وكالريح وكالطير فإنه لا يناسب الآخرين الذين أَخَّرَتهم أعمالهم في العبور، لذا كان العطف بـ [ثم] أَلْيَقُ وأَنْسَبُ في مَوْضِعِه مِنَ الواو والفاء.
هذا التوجيه اجتهاد خاص مني، فإنْ كنتُ أَصَبْتُ فَمِنَ الله، وله الحمد والْمِنَّة، وإنْ كانت الأُخْرَى فمِن نفسي ومِن الشيطان، واللهَ أَسْأَلُ العفو والأجر.
والله أعلم.
د. محمد الجبالي
[1] الحميدي، محمد بن فتوح، الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم، تحقيق: علي حسين عبد البواب، ط2، 1423هـ - 2002م، دار ابن حزم، بيروت، ج3، ص124، رقم: 2388.