يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ

إنضم
17/03/2006
المشاركات
159
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ

--------------------------------------------------------------------------------

القاعدة في الوصف الخاص بالمؤنث أن لا تلحقه علامة التأنيث، فلا يقال: امرأة حائضة، ولا امرأة مطلقة وهكذا، يقول السيوطي(1):"والغالب ألا تلحق الوصف الخاص بالمؤنث كحائض
و طالق وطامث ومرضع، لعدم الحاجة إليها بأمن اللبس".
ويعلل أحد الباحثين ذلك بقوله(2):" ولعل هذا راجع إلى مرحلة قديمة من عمر اللغة لم تكن فيها علامات التأنيث قد استخدمت بعد، فقد كان المؤنث لغويا يعامل به المذكر ".
وقد وهم هذا الباحث إذ العكس هو الصحيح، فالأصل المفترض في التفكير اللغوي الأولي القديم أن يجنح العقل اللغوي البدائي إلى التمييز بين المذكر والمؤنث بالعلامة، ثم تأتي مرحلة متطورة من الدرس اللغوي، تحذف هذه العلامة من بعض الاستعمالات، لوجود أمن اللبس وإعمال الفكر في أن هذه الصفات مما اختصت به الأنثى عن الذكر فتحذف العلامة، بدليل ما نجده من استعمال الفصحى كلمات( طالق – حامل – طامث – مرضع.....)، وما نسمعه في العامية من قولهم : طالقة، حاملة، فالاستعمال العامي يشير إلى مرحلة أولية قديمة في التفكير اللغوي لا إلى مرحلة متطورة في التفكير.
وما حصل من خروج عن الفصيح الأغلب لهذه القاعدة وذلك من إدخال علامة التأنيث على الوصف الخاص بالمؤنث، يمكننا تفسيره دلاليا لا أن نقف في تفسيره عند حدود الأصل التاريخي، ولبست علة الاطراد هي السبب في ذلك كما ذهب إليه الباحث السابق بقوله(3):"ولعل الرغبة في أن تطرد القاعدة هي التي جعلت الاستعمال اللغوي يميل إلى إدخال علامة التأنيث على كثير من الألفاظ المؤنثة تأنيثا سماعيا، أي المؤنثة بدون علامة التأنيث".
فقد وهم هذا الباحث مرة ثانية إذ جعل الاطراد هو العلة المسببة لدخول علامة التأنيث على الوصف الخاص بالمؤنث، فإذا كان هذا التعليل مقبولا في تفسير استعمال الناس ذلك، فكيف يمكن قبوله في تفسير ما ورد في محكم التنزيل، وذلك في قوله تعالى:" يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ" .(الحج2)
والذي يظهر لي – والله اعلم- أن الخروج عن القاعدة في هذا السياق القرآني جاء لملمح دلالي في الذكر الحكيم،وذلك أن المولى - عز وجل- أراد أن يصور حال المرضع وهي تلقم ثديها وليدها وقد ذهلت عنه وشغلت ودهشت لهول الموقف في الحساب يوم القيامة، لا أنه يذكر وصفا لمرضع، أي من كان حالها الإرضاع فحسب، وإنما يصور المرضع وهي تباشر الإرضاع بثديها في تلك اللحظة، فهذا الخروج في التركيب ولد خروجا في المعنى الدلالي، قصد منه إبراز الوصف وتوضيح الصورة بوضوح وجلاء، ترهيبا وتخويفا لهول الموقف في الجزاء.



(1) الهمع 3/291
(2) ظاهرة التأنيث في العربية واللغات السامية.د. إسماعيل عمايرة ص 34.

(3) المصدر السابق .ص 41
__________________
د عبدالله علي الهتاري
أستاذ اللغة والنحو والبيان القرآني
كلية الآداب جامعة ذمار - اليمن
[email protected]
 
قال الزمخشري في الكشّاف (4/ 174-175) :
" فإن قلتَ: لم قيل: { مُرْضِعَةٍ } دون مرضع؟
قلتُ: المرضعة التي هي في حال الإرضاع ملقمة ثديها الصبي. والمرضع: التي شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به فقيل: مرضعة؛ ليدل على أن ذلك الهول إذا فوجئت به هذه وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه لما يلحقها من الدهشة "
 
[align=center]لفتة لطيفة ، شكر الله لكما ، وأجزل لكما الأجر والمثوبة .[/align]
 
القول الذي ذكره الأستاذ (عمار الخطيب) للزمخشري من الأقوال المشهورة ، والمتداولة بين كثير من البلاغيين
ولكني أتساءل : إذا كانت المرضع هي التي شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به
فلماذا وصفت (حليمة) بأنها مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم توصف بأنها مرضع مع أن ذلك الوصف أطلق عليها بعد تجاوز النبي صلى الله عليه وسلم مرحلة الإرضاع..؟
 
ولكني أتساءل : إذا كانت المرضع هي التي شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به فلماذا وصفت (حليمة) بأنها مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم توصف بأنها مرضع مع أن ذلك الوصف أطلق عليها بعد تجاوز النبي صلى الله عليه وسلم مرحلة الإرضاع..؟

لعلهم أطلقوا عليها لقب مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم باعتبار ما كان!

ولعلك تراجعين ما قاله ابن قتيبة في أدب الكاتب - باب أوصاف المؤنث بغير هاء ، ص291
وكذلك ما قاله الزبيدي في تاج العروس - مادة " رضع"
والله أعلم.
 
لقد تميز الأسلوب القرآني بدقة الاستعمال لأساليب خاصة ارتقى فيها عن الاستعمال العربي لها ،لذلك ليس عجبا أن لا نجد هذا الاستعمال أو غيره بهذه الدقة والروعة قد جرى في لسان العرب ، وهنا مكمن الإعجاز في النظم .
 
عودة
أعلى