يونس عليه السلام / الجزء 4
الحوت
بين القرآن الكريم
والعلم الحديث واللغة
... الحوت ذو دلالة ذكرية لفظا وذكرية وأنثوية معناً
وحوت نبي الله يونس عليه السلام ذكري والله أعلم
فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴿الصافات: ١٤٢﴾
... ولم يقل فالتقمته الحوت ... مع أن إناث الحيتان أكبر حجما.
والحيتان كائنات تألف البشر ومركباتهم وتقترب كثيرا منهم ومن السواحل لأنه في الغالب تتكاثر العوالق البحرية قرب السواحل وتضع بيوضها هناك
و قد يزيد طول الحوت الأزرق عن 30 متر ووزنه عن 200 طن و يمكن تقسيم جسمه إلى ثلاثة أقسام رئيسة تقريبا ثلث لرأسه وثلث لبطنه وثلث لذيله
والحوت حيوان ثديي ترضع صغارها بأثدائها بعد ولادتها وأميز ما يميز الحيتان تربيتها لصغارها حتى تستطيع القدرة الإعتماد على أنفسها
والحيتان من ذوات الدم الحار فدرجة حرارة جسمه ثابتة في الصيف والشتاء ولذلك فهي تقوم بالهجرة من موطنها القطبي الشمالي في فصل الشتاء البارد إلى المناطق الدافئة نسبيا جنوبا بالمقارنة مع المناطق القطبية للإنجاب وطلبا للحرارة وللغذاء ، ولذلك فالأرجح والله أعلم أن الفصل كان شتاءا حين التقم الحوت يونس عليه السلام عند ساحل البحر الأبيض المتوسط ... وهذا يتوافق مع سبب تواجد الحيتان هناك شتاءا [أ]
والحوت يستطيع العيش على البر ( إن توفر له الغذاء ) لأنه يتنفس بالأكسجين الجوي كباقي الثديات لوجود الرئتين وفتحات المناخر على الظهر فالحوت ليس من الأسماك خيشومية التنفس ولكنه لا يستطيع الحركة إلا في البحر لملاءمة خلقه مع البحر .
فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا [ب] ﴿الكهف: ٦١﴾ ...
فحوت نبي الله موسى عليه السلم وفتاه من الثديات وكذلك حيتان أهل السبت ( وليست من الأسماك )
وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴿الأعراف: ١٦٣﴾
وما يميز الحوت عن الأسماك أيضا أنها ذات زعانف أفقية مع سطح الماء فحركة الحوت الموجية تكون منسجمة مع خط حركة الموجة الطولية البحرية بعكس الأسماك التي لا تستطيع السباحة في الماء المضطرب والمهتز ( يصيبها إرباك ) بل إن من أساليب الحوت لكي يصطاد الأسماك الصغيرة صنع موجات مائية حول فرائسه [ج] لكي يختل توازنها وتسكن مكانها ولا تتحرك فيأتي بنفس اللحظة الحوت فاغرا فاه محيطا بها فيلتقمها
· آلية صيد الحوت للفرائس تتلخص في طريقيتين
أولا - آلية الشفط ( نهارا ) : تستخدم الحيتان هذه الآلية وهي في داخل الماء العميقة عن طريق زيادة حجم الفم الفارغ ( فيقل الضغط الداخلي بالمقارنة مع الضغط الخارجي ) وبسحب اللسان و الحلق للخلف مما يزيد من كمية الفراغ ( مبدأ عمل محقنة الطبيب ) فيندفع الماء بما يحويه من غذاء إلى تجويف فم الحوت حيث تمتاز هذه العملية بعدم وجود هواء قطعيا مع الطعام الداخل مع الطعام وهذه الآلية لم تحدث مع نبي الله يونس عليه السلام لأنها تحدث في الأعماق والحوت التقم يونس عليه السلام من على سطح الماء لحظة وقوعه من على ظهر الفلك .
ثانيا – آلية الغرف ( ليلا ) : ( كالغرف بالقدح ) تستخدم الحيتان هذه الآلية وهي على سطح الماء ، عن طريق الإندفاع المباشر نحو الفرائس بعدما يعمل الحوت على خلخلة وإرباك حركة الطرائد و الفرائس وهذه سأوضحها في السطور القادمة لأنها الأقرب إلى الكيفية التي التقم بها الحوت يونس عليه السلام .
ففي اللغة الحوت من الفعل ( حات ) أي حام حوله والحوم حول الشيء لا يكون إلا بشكل دائري حوامي لتكون اهتزازا وموجات فالحوت يمتاز بطريقة مميزة في صيده لفرائسه بعمل حوامات واهتزازات مائية حول فرائسه بجسمه وبذيله وبفقاعات الهواء فيربكها ويخل توزانها بتلك الحركات فيهجم بسرعة على فريسته ويلتهمها.... حيث يشترك حوتان أو أكثر في السباحة في دوائر أسفل السطح وأسفل الطرائد المحتملة من الكريل و الأسماك الصغيرة ، فينفثان فقاقيع الهواء من خلال فتحات المنخار، هذه الفقاقيع تدفع الطرائد للأعلى ونحو مركز الموجة وسط الحوامات التي صنعتها الحيتان فتندفع الحيتان وسط إضطراب حركة الطرائد من الأسفل أعلى باتجاه السطح فاغرة أفواهها وملتقمة أكبر كمية من الطرائد مع كمية كبيرة من الماء الذي ترشحه فيما بعد وتستبقي في فاها فقط الطرائد فأسلوبها تجميعي للطرائد مع شل حركتها بتكوين أمواج حولها بما يسمى هذا النوع من الصيد المحاوتة ( خداع الطرائد ومراوغتهم ) [د] ، ولذلك من المحتمل أن تقدير الله عز وجل للحظة سقوط يونس عليه السلام في البحر هي نفس اللحظة التي قدر الله عز وجل فيها للحوت أن يفغر فاه ملتقما طرائده على السطح
ونوع الحوت الذي التقم يونس عليه السلام من الحيتان الترشيحية وهذ النوع من الحيتان لا تطحن فرائسها بفمها أو تمزقها لأنه يوجد بدل الأسنان العظمية زوائد بالينية وهي غير معدة للطحن والتمزيق بل لترشيح المياه بدفعه بواسطة اللسان و عضلات التجويف البطني وتصفية وفلترة العوالق والقشريات و الأسماك الصغيرة وابتلاعها إلى جوفه فالزوائد البالينية تشبه المشط شكلا ( و المنخل " الغربال " عملا ) و طريقة اصطياد الحوت لفرائسه تتضمن المراحل الثلاثة التالية
1- ( الإلتقام ) الحجز و إمساك الفريسة بغير مضغ
2- ( الترشيح و الفلترة ) تصفية الماء حيث يقوم الضغط القادم من الكيس البطني واللسان بعصر الماء من بين صفائحه البالينية
3- ( البلع ) مباشرة إلى المعدة دون أن تصاب الطرائد و الفرائس بتمزيق أو تهشيم أو طحن ومن هناك تبدأ عملية الهضم ( الصور التالية توضح شكل البالين )
هل استقر يونس عليه السلام في رئتي الحوت أم معدته ؟
( الصور التالية توضح الفتحات التنفسية " مناخير " الحوت )
فم الحوت غير متصل بأي شكل من الأشكال مع الرئتين لأنه لا يمتلك منعكساً بلعومياً [ه] ، فلا يستطيع البتة التنفس [و] عبر فمه ولذلك فليس من المتوقع إنتقال يونس عليه السلام من الفم إلى الرئتين لانه لا يوجد ممر بينهما .
والحوت في النص الصريح التقم يونس عليه السلام والإلتقام لا يكون إلا بالفم ، وهنا أيضا علينا أن نسلم ضمنا أن يونس عليه السلام لم يسقط في تجويف الحوت إلى رئتيه عبر منخري الحوت بل الإحتمال الأكبر إلى ( بطن الحوت ) من خلال فمه
﴿ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴿١٤٢﴾ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ﴿١٤٣﴾ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴿١٤٤﴾ الصافات[ز]
نظرة تشريحية إلى فم وبلعوم و معدة الحوت
المدخل المؤدي إلى الجوف المعدي من الفم ( البلعوم ) لا يتجاوز عند البالغ من الحيتان البالينية ( الأزرق ) قطر كرة قدم في أكبر الحيتان لأن بلعوم الحوت غير معد على استقبال الفرائس الكبيرة بل لاستقبال فرائس صغيرة جدا
( كما في الصورة التالية " الكريل " )
فدخول نبي الله يونس عليه السلام يونس في مجرى المريء إلى المعدة صعب والخروج أصعب وسبل الحياة في المعدة أصعب وأصعب ، فمن المستبعد أن يكون يونس عليه السلام وصل لمعدة الحوت بل من الراجح أن يونس عليه السلام بقي في فم الحوت الذي يمتد حتى الناحية البطنية للحوت في فترة لا تتجاوز النصف ساعة .
المعدة تستقبل العوالق عن طريق المريء هذه العوالق البحرية الصغيرة جدا كما لو أنها مقطعة بالأسنان و الأضراس ولهذا السبب فإن الحوت لا يحتاج لأسنان وأضراس للتقطيع الأولي للطعام قبل أن يصل إلى المعدة .
والمعدة تقع في القسم البطني من جسمه وهي تتكون من أربع حجرات
الأولى : وهي في الغالب امتداد للمريء ( الاضيق من البلعوم ) وتسمى بالكرش ويستخدمها الحوت لتخزين الطعام جافا فالحيتان لا تشرب الماء المالح من البحر فهي تحصل على معظم حاجتها منه من خلال فرائسها فالطعام الذي يدخل للمعدة يكون جافا وإن شيئا من ماء البحر دخل إلى الكرش يكون نزرا يسيرا دخل وفي الغالب يكون بما علق على فرائسه من أثر بلل من ماء البحر ولا يحدث في هذا الجزء من المعدة أي من عمليات الهضم فلا يوجد عضلات عاصرة للطحن أو غدد أنزيمية للتحليل
الثانية : الطحن بالعضلات الميكانيكية دون امتصاص ( لا يحدث تحليل كيميائي للغذاء ) وهي تطحن العظام القاسية والأصداف الصلبة
الثالثة : المعدة الرئيسة ( وجود عصارات كيميائية حمضية كحمض الهيدروليك وأنزيمات كالببسين لتحليل الغذاء إلى مركبات أولية يسهل إمتصاصها من الخلايا ) وهي تحلل أصلب المواد العضوية
الرابعة : استقبال الغذاء المهضوم ووجود غدد مخاطية لهضم الهياكل الصلبة
وكل ممر للجزء الذي يليه في الجهاز الهضمي للحوت يزداد ضيقا وهذا من أحد الأسباب الذي يستحيل وجود نبي الله يونس عليه السلام في المعدة .
أخاديد الحلق السفلي قد تمتد إلى ثلثي طول الحوت ( أمتداد الناحية البطنية للحوت )
انتهى الجزء الرابع ويتبع الجزء الخامس إن شاء الله
والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
[أ]
وهناك ما يشير لذلك عند أهل الكتاب
يونان 1 - 4 فأرسل الرب ريحا شديدة إلى البحر، فحدث نوء عظيم في البحر حتى كادت السفينة تنكسر
فهذه الرواية أقرب إلى الصحة فاضطراب مياه البحر بعنفوان شديد لا يكون إلا بفصل الشتاء أو قريبا منه
وفي عصرنا تؤكد دوائر الأرصاد الجوية أن المنطقة الساحلية لبلاد الشام منطقة نشطة في تكون المنخفضات الجوية ( شتاءا )
[ب] سَرَبَ : السير بخط مستقيم ( باتجاه معين ) ... وفي الفيزياء ( خط الإزاحة بين نقطتين )
[ج] في موضوعنا سنتكلم عن الحيتان ( المرشحات ) التي ليس لها اسنان قاطعة وإنما زوائد بالينية مشطية يرشح الماء من خلالها وتستبقي الغذاء والتي غذائها الرئيس القشريات العوالق البحرية كالكريل ( مفصليات تشبه جراد البحر صغيرة ) والأسماك الصغيرة
[د] أساس البلاغة (1/ 220)
حاوتني فلان عن ذا إذا خادعك عنه وراوغك
ظلت تحاوتني ربداء داهية ... يوم الثوية عن أهلي وعن مالي
[ه] تنظيم مرور ما يأتي من الفم ويمرره إلى المريء وما يأتي من الأنف ويمرره إلى الرئتين
[و] الحوت يتنفس الهواء مباشرة من منخريه ويخزنه في تجويفاً أنفياً كبيراً جداً طوله 14 قدماً، وعرضه سبعة أقدام وارتفاعه سبعه أقدام، وذلك لاستخدام مخزون الهواء للتنفس عند النزول إلى أعماق البحر لفترة طويلة قد تصل لنصف ساعة تقريبا وهناك بعض الأنواع تصل ل 75 دقيقة ، و يستخدم مخزون الهواء للصعود و الهبوط في داخل البحر كالغواصة
[ز] حتى عند أهل الكتاب تؤكد على أن يونس عليه السلام وصل إلى جوف الحوت عن طريق عملية البلع
سفر يونان 1: 17 وَأَمَّا الرَّبُّ فَأَعَدَّ حُوتًا عَظِيمًا لِيَبْتَلِعَ يُونَانَ. فَكَانَ يُونَانُ فِي جَوْفِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال.
الحوت
بين القرآن الكريم
والعلم الحديث واللغة
... الحوت ذو دلالة ذكرية لفظا وذكرية وأنثوية معناً
وحوت نبي الله يونس عليه السلام ذكري والله أعلم
فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴿الصافات: ١٤٢﴾
... ولم يقل فالتقمته الحوت ... مع أن إناث الحيتان أكبر حجما.
والحيتان كائنات تألف البشر ومركباتهم وتقترب كثيرا منهم ومن السواحل لأنه في الغالب تتكاثر العوالق البحرية قرب السواحل وتضع بيوضها هناك
و قد يزيد طول الحوت الأزرق عن 30 متر ووزنه عن 200 طن و يمكن تقسيم جسمه إلى ثلاثة أقسام رئيسة تقريبا ثلث لرأسه وثلث لبطنه وثلث لذيله
والحوت حيوان ثديي ترضع صغارها بأثدائها بعد ولادتها وأميز ما يميز الحيتان تربيتها لصغارها حتى تستطيع القدرة الإعتماد على أنفسها
والحيتان من ذوات الدم الحار فدرجة حرارة جسمه ثابتة في الصيف والشتاء ولذلك فهي تقوم بالهجرة من موطنها القطبي الشمالي في فصل الشتاء البارد إلى المناطق الدافئة نسبيا جنوبا بالمقارنة مع المناطق القطبية للإنجاب وطلبا للحرارة وللغذاء ، ولذلك فالأرجح والله أعلم أن الفصل كان شتاءا حين التقم الحوت يونس عليه السلام عند ساحل البحر الأبيض المتوسط ... وهذا يتوافق مع سبب تواجد الحيتان هناك شتاءا [أ]
والحوت يستطيع العيش على البر ( إن توفر له الغذاء ) لأنه يتنفس بالأكسجين الجوي كباقي الثديات لوجود الرئتين وفتحات المناخر على الظهر فالحوت ليس من الأسماك خيشومية التنفس ولكنه لا يستطيع الحركة إلا في البحر لملاءمة خلقه مع البحر .
فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا [ب] ﴿الكهف: ٦١﴾ ...
فحوت نبي الله موسى عليه السلم وفتاه من الثديات وكذلك حيتان أهل السبت ( وليست من الأسماك )
وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴿الأعراف: ١٦٣﴾
وما يميز الحوت عن الأسماك أيضا أنها ذات زعانف أفقية مع سطح الماء فحركة الحوت الموجية تكون منسجمة مع خط حركة الموجة الطولية البحرية بعكس الأسماك التي لا تستطيع السباحة في الماء المضطرب والمهتز ( يصيبها إرباك ) بل إن من أساليب الحوت لكي يصطاد الأسماك الصغيرة صنع موجات مائية حول فرائسه [ج] لكي يختل توازنها وتسكن مكانها ولا تتحرك فيأتي بنفس اللحظة الحوت فاغرا فاه محيطا بها فيلتقمها
· آلية صيد الحوت للفرائس تتلخص في طريقيتين
أولا - آلية الشفط ( نهارا ) : تستخدم الحيتان هذه الآلية وهي في داخل الماء العميقة عن طريق زيادة حجم الفم الفارغ ( فيقل الضغط الداخلي بالمقارنة مع الضغط الخارجي ) وبسحب اللسان و الحلق للخلف مما يزيد من كمية الفراغ ( مبدأ عمل محقنة الطبيب ) فيندفع الماء بما يحويه من غذاء إلى تجويف فم الحوت حيث تمتاز هذه العملية بعدم وجود هواء قطعيا مع الطعام الداخل مع الطعام وهذه الآلية لم تحدث مع نبي الله يونس عليه السلام لأنها تحدث في الأعماق والحوت التقم يونس عليه السلام من على سطح الماء لحظة وقوعه من على ظهر الفلك .
ثانيا – آلية الغرف ( ليلا ) : ( كالغرف بالقدح ) تستخدم الحيتان هذه الآلية وهي على سطح الماء ، عن طريق الإندفاع المباشر نحو الفرائس بعدما يعمل الحوت على خلخلة وإرباك حركة الطرائد و الفرائس وهذه سأوضحها في السطور القادمة لأنها الأقرب إلى الكيفية التي التقم بها الحوت يونس عليه السلام .
ففي اللغة الحوت من الفعل ( حات ) أي حام حوله والحوم حول الشيء لا يكون إلا بشكل دائري حوامي لتكون اهتزازا وموجات فالحوت يمتاز بطريقة مميزة في صيده لفرائسه بعمل حوامات واهتزازات مائية حول فرائسه بجسمه وبذيله وبفقاعات الهواء فيربكها ويخل توزانها بتلك الحركات فيهجم بسرعة على فريسته ويلتهمها.... حيث يشترك حوتان أو أكثر في السباحة في دوائر أسفل السطح وأسفل الطرائد المحتملة من الكريل و الأسماك الصغيرة ، فينفثان فقاقيع الهواء من خلال فتحات المنخار، هذه الفقاقيع تدفع الطرائد للأعلى ونحو مركز الموجة وسط الحوامات التي صنعتها الحيتان فتندفع الحيتان وسط إضطراب حركة الطرائد من الأسفل أعلى باتجاه السطح فاغرة أفواهها وملتقمة أكبر كمية من الطرائد مع كمية كبيرة من الماء الذي ترشحه فيما بعد وتستبقي في فاها فقط الطرائد فأسلوبها تجميعي للطرائد مع شل حركتها بتكوين أمواج حولها بما يسمى هذا النوع من الصيد المحاوتة ( خداع الطرائد ومراوغتهم ) [د] ، ولذلك من المحتمل أن تقدير الله عز وجل للحظة سقوط يونس عليه السلام في البحر هي نفس اللحظة التي قدر الله عز وجل فيها للحوت أن يفغر فاه ملتقما طرائده على السطح
ونوع الحوت الذي التقم يونس عليه السلام من الحيتان الترشيحية وهذ النوع من الحيتان لا تطحن فرائسها بفمها أو تمزقها لأنه يوجد بدل الأسنان العظمية زوائد بالينية وهي غير معدة للطحن والتمزيق بل لترشيح المياه بدفعه بواسطة اللسان و عضلات التجويف البطني وتصفية وفلترة العوالق والقشريات و الأسماك الصغيرة وابتلاعها إلى جوفه فالزوائد البالينية تشبه المشط شكلا ( و المنخل " الغربال " عملا ) و طريقة اصطياد الحوت لفرائسه تتضمن المراحل الثلاثة التالية
1- ( الإلتقام ) الحجز و إمساك الفريسة بغير مضغ
2- ( الترشيح و الفلترة ) تصفية الماء حيث يقوم الضغط القادم من الكيس البطني واللسان بعصر الماء من بين صفائحه البالينية
3- ( البلع ) مباشرة إلى المعدة دون أن تصاب الطرائد و الفرائس بتمزيق أو تهشيم أو طحن ومن هناك تبدأ عملية الهضم ( الصور التالية توضح شكل البالين )
هل استقر يونس عليه السلام في رئتي الحوت أم معدته ؟
( الصور التالية توضح الفتحات التنفسية " مناخير " الحوت )
فم الحوت غير متصل بأي شكل من الأشكال مع الرئتين لأنه لا يمتلك منعكساً بلعومياً [ه] ، فلا يستطيع البتة التنفس [و] عبر فمه ولذلك فليس من المتوقع إنتقال يونس عليه السلام من الفم إلى الرئتين لانه لا يوجد ممر بينهما .
والحوت في النص الصريح التقم يونس عليه السلام والإلتقام لا يكون إلا بالفم ، وهنا أيضا علينا أن نسلم ضمنا أن يونس عليه السلام لم يسقط في تجويف الحوت إلى رئتيه عبر منخري الحوت بل الإحتمال الأكبر إلى ( بطن الحوت ) من خلال فمه
﴿ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴿١٤٢﴾ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ﴿١٤٣﴾ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴿١٤٤﴾ الصافات[ز]
نظرة تشريحية إلى فم وبلعوم و معدة الحوت
المدخل المؤدي إلى الجوف المعدي من الفم ( البلعوم ) لا يتجاوز عند البالغ من الحيتان البالينية ( الأزرق ) قطر كرة قدم في أكبر الحيتان لأن بلعوم الحوت غير معد على استقبال الفرائس الكبيرة بل لاستقبال فرائس صغيرة جدا
( كما في الصورة التالية " الكريل " )
فدخول نبي الله يونس عليه السلام يونس في مجرى المريء إلى المعدة صعب والخروج أصعب وسبل الحياة في المعدة أصعب وأصعب ، فمن المستبعد أن يكون يونس عليه السلام وصل لمعدة الحوت بل من الراجح أن يونس عليه السلام بقي في فم الحوت الذي يمتد حتى الناحية البطنية للحوت في فترة لا تتجاوز النصف ساعة .
المعدة تستقبل العوالق عن طريق المريء هذه العوالق البحرية الصغيرة جدا كما لو أنها مقطعة بالأسنان و الأضراس ولهذا السبب فإن الحوت لا يحتاج لأسنان وأضراس للتقطيع الأولي للطعام قبل أن يصل إلى المعدة .
والمعدة تقع في القسم البطني من جسمه وهي تتكون من أربع حجرات
الأولى : وهي في الغالب امتداد للمريء ( الاضيق من البلعوم ) وتسمى بالكرش ويستخدمها الحوت لتخزين الطعام جافا فالحيتان لا تشرب الماء المالح من البحر فهي تحصل على معظم حاجتها منه من خلال فرائسها فالطعام الذي يدخل للمعدة يكون جافا وإن شيئا من ماء البحر دخل إلى الكرش يكون نزرا يسيرا دخل وفي الغالب يكون بما علق على فرائسه من أثر بلل من ماء البحر ولا يحدث في هذا الجزء من المعدة أي من عمليات الهضم فلا يوجد عضلات عاصرة للطحن أو غدد أنزيمية للتحليل
الثانية : الطحن بالعضلات الميكانيكية دون امتصاص ( لا يحدث تحليل كيميائي للغذاء ) وهي تطحن العظام القاسية والأصداف الصلبة
الثالثة : المعدة الرئيسة ( وجود عصارات كيميائية حمضية كحمض الهيدروليك وأنزيمات كالببسين لتحليل الغذاء إلى مركبات أولية يسهل إمتصاصها من الخلايا ) وهي تحلل أصلب المواد العضوية
الرابعة : استقبال الغذاء المهضوم ووجود غدد مخاطية لهضم الهياكل الصلبة
وكل ممر للجزء الذي يليه في الجهاز الهضمي للحوت يزداد ضيقا وهذا من أحد الأسباب الذي يستحيل وجود نبي الله يونس عليه السلام في المعدة .
أخاديد الحلق السفلي قد تمتد إلى ثلثي طول الحوت ( أمتداد الناحية البطنية للحوت )
انتهى الجزء الرابع ويتبع الجزء الخامس إن شاء الله
والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
[أ]
وهناك ما يشير لذلك عند أهل الكتاب
يونان 1 - 4 فأرسل الرب ريحا شديدة إلى البحر، فحدث نوء عظيم في البحر حتى كادت السفينة تنكسر
فهذه الرواية أقرب إلى الصحة فاضطراب مياه البحر بعنفوان شديد لا يكون إلا بفصل الشتاء أو قريبا منه
وفي عصرنا تؤكد دوائر الأرصاد الجوية أن المنطقة الساحلية لبلاد الشام منطقة نشطة في تكون المنخفضات الجوية ( شتاءا )
[ب] سَرَبَ : السير بخط مستقيم ( باتجاه معين ) ... وفي الفيزياء ( خط الإزاحة بين نقطتين )
[ج] في موضوعنا سنتكلم عن الحيتان ( المرشحات ) التي ليس لها اسنان قاطعة وإنما زوائد بالينية مشطية يرشح الماء من خلالها وتستبقي الغذاء والتي غذائها الرئيس القشريات العوالق البحرية كالكريل ( مفصليات تشبه جراد البحر صغيرة ) والأسماك الصغيرة
[د] أساس البلاغة (1/ 220)
حاوتني فلان عن ذا إذا خادعك عنه وراوغك
ظلت تحاوتني ربداء داهية ... يوم الثوية عن أهلي وعن مالي
[ه] تنظيم مرور ما يأتي من الفم ويمرره إلى المريء وما يأتي من الأنف ويمرره إلى الرئتين
[و] الحوت يتنفس الهواء مباشرة من منخريه ويخزنه في تجويفاً أنفياً كبيراً جداً طوله 14 قدماً، وعرضه سبعة أقدام وارتفاعه سبعه أقدام، وذلك لاستخدام مخزون الهواء للتنفس عند النزول إلى أعماق البحر لفترة طويلة قد تصل لنصف ساعة تقريبا وهناك بعض الأنواع تصل ل 75 دقيقة ، و يستخدم مخزون الهواء للصعود و الهبوط في داخل البحر كالغواصة
[ز] حتى عند أهل الكتاب تؤكد على أن يونس عليه السلام وصل إلى جوف الحوت عن طريق عملية البلع
سفر يونان 1: 17 وَأَمَّا الرَّبُّ فَأَعَدَّ حُوتًا عَظِيمًا لِيَبْتَلِعَ يُونَانَ. فَكَانَ يُونَانُ فِي جَوْفِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال.